الباب الثالث

في شئ من معاجزه المتعلقة ببدنه الشريف، وذكر هيبته وقوة شوكته

وهذا الباب ذكرناه توطئة لمجلس غزواته وإلا فهو من باب

إراءة الشمس في النهار وإيضاح الواضحات لأولي الأبصار

 

في كتاب أعلام الورى لأبي الفضل الطبرسي: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن الناس قالوا له: اننا انكرنا من أمير المؤمنين " ع " انه يخرج في البرد في الثوبين الخفيفين وفي الصيف في الثوب الثقيل والمحشو فهل سمعت أباك يذكر انه سمع من أمير المؤمنين في ذلك شيئا ؟ قال لا، قال وكان أبي يسمر مع علي " ع " بالليل فسأله عن ذلك فقال يا أمير المؤمنين ان الناس قد انكروا، واخبره بالذي قالوا قال وما كنت معنا بخيبر قال بلى، قال فان رسول الله بعث أبا بكر وعقد له لواء فرجع وقد انهزم هو وأصحابه ثم عقد لعمر فرجع منهزما فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار يفتح الله على يديه، فأرسل الي وأنا ارمد فتفل في عيني وقال: اللهم اكفه اذى الحر والبرد فما وجدت حرا بعده ولا بردا.


[ 174 ]

ومن مهابته عليه السلام: انه كان ينظر الى عدو من أعدائه بنظرة الغضب فيورثه الموت والعطب، فمن ذلك ما نقله الشيخ سليمان الحنفي في كتابه ينابيع المودة في أثناء نقله خطبة البيان: أن رجلا قال له أتخبر هذا عن الله أم كنت حاضرا ؟ قال فنظر إليه أمير المؤمنين " ع " فوقع الرجل ميتا، ومن ذلك انه سئل عن المقتولين بسيفه من دون أن يثني ضربته فقال " ع ": ما بارزني أحد إلا وأعانني على نفسه، وقال جابر الجعفي: كان أبو طالب في صغر علي " ع " يجمع ولده وولد اخوته ثم يأمرهم بالصراع وذلك خلق في العرب، فكان علي " ع " يحسر عن ذراعيه وهو طفل صغير ويصارع كبار اخوته وصغارهم وكبار بني عمه وصغارهم فيصرعهم فيقول أبوه ظهر علي فسماه ظهيرا فلما ترعرع كان يصارع الرجل الشديد ويصرعه ويعلق بالجبار بيده ويجذبه فيقتله وربما قبض على امراق بطنه ورفعه الى الهواء وربما يلحق الحصان الجاري فيصده فيرده على عقبيه وكانت قريش تؤذي النبي (ص) وتعلم الاطفال لكي تؤذيه فكان علي " ع " إذا رأى أحدا منهم يؤذي النبي يقبض على اذنه حتى يفصلها من أصلها فكانت تفر منه ويقولون: قد جاءكم قاطع الأذن وكان عليه السلام يأخذ من رأس الجبل حجرا ويحمله بيد واحدة ثم يضعه بين يدي الناس فلا يقدر الرجل والرجلان والثلاثة على تحريكه، فقال أبو جهل فيه شعرا:

يا أهل مكة ان الذبح عندكم * * هذا علي الذي قد جل في النظر

ما ان له مشبه في الناس قاطبة * * كأنه النار ترمي الخلق بالشرر

كونوا على حذر منه فأن له * * يوما سيظهره في البدو والحضر

قال وكان " ع " لم يمسك بذراع رجل إلا مسك بنفسه فلم يستطع يتنفس. وروى جماعة عن خالد بن الوليد انه قال رأيت علي بن أبي طالب يسرد حلقات درعه بيده ويصلحها فقلت هذا كان لداود " ع " فقال " ع ": يا خالد بنا الان الله الحديد لداود فكيف لنا. أقول: وقد مر في ذكر إطاعة المخلوقات له " ع " خبر الانية الحديد ببأسه الشديد وجعله طوقا في جيد خالد بن الوليد، ومن ذلك ما تواتر ذكره وهو قطع


[ 175 ]

الأميال وحملها الى الطريق سبعة عشر ميلا تحتاج الى اقوياء حتى تحرك ميلا منها فقطعها وحده ونقلها ونصبها وكتب عليها هذا ميل علي، ويقال انه كان يتأبط باثنين ويدير واحدا برجله وكان منه في ضرب يده بالاسطوانة حتى دخل ابهامه في الحجر وهو باق في الكوفة وكذلك مشهد الكف في تكريت والموصل وقطيعة الدقيق وغير ذلك، ومنه أثر سيفه في صخرة جبل ثور عند غار النبي صلى الله عليه وآله وسلم واثر جبل من جبال البادية وفي صخرة عند قلعة جعبر، نقل ذلك كله شيخنا المجلسي رحمه الله في بحار الانوار. ومن هيبته عليه السلام: ما رواه أيضا بسنده عن شقيق بن سلمة قال كان عمر بن الخطاب يمشي فالتفت الى ورائه وعدا فسأله عن ذلك فقال: ويحك أما ترى الهزبر بن الهزبر القشم بن القشم الفلاق البهم الضارب على هامة من طعن وظلم ذا السيفين ورائي فقلت: هذا علي بن أبي طالب، فقال: ثكلتك امك انك تحقره بايعنا رسول الله (ص) يوم احد من فر منا فهو ضال ومن قتل فهو شهيد ورسول الله يضمن له الجنة فلما التقى الجمعان هزمونا وهذا كان يحاربهم وحيدا حتى انسل رسول الله (ص) وجبرئيل ثم قال عاهدتموه وخالفتموه ورمى بقبضة رمل وقال شاهت الوجوه فو الله ما كان منا إلا وأصابت عينيه رملة فرجعنا نمسح وجوهنا قائلين: الله الله يا أبا الحسن أقلنا أقالك الله فالكر والفر عادة العرب فأصفح وقل ما اراه وحيدا إلا خفت منه. وعن الفائق أن عليا عليه السلام حمل على المشركين فما زالوا يقتلون حتى غدوا في الجبال منهزمين، وكانت قريش إذا رأته في الحرب ترامت خوفا منه وقد نظر إليه رجل وقد شق العسكر فقال علمت بأن ملك الموت في الجانب الذي فيه علي عليه السلام. ومن معجزاته المتعلقة ببدنه: انه كان يطوي الثلاثة من الأيام والاربعة ويصلي في اليوم والليلة الف ركعة ومع ذلك ضرب بيده الى اسطوانة خشب على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه وفوقها حجرتان احداهما فوق الأخرى ويرفع الكل على يد واحد كما مر في حديث الطبيب النصراني وما مر في خبر الراهب وخالد بن الوليد.


[ 176 ]

وغيرهما وأعظم الكل حديث خيبر على ما ستسمعه من حمله الباب التي يستعين على سدها وفتحها أربعون رجلا وأربع رجال وجعلها جسرا على يده وعبر جميع المسلمين عليها وفي شرح النهج كانت ملوك الترك والديلم تصور صورته على أسيافها تفألا بالنصر والظفر كان على سيف عضد الدولة ابن بويه وسيف أبيه ركن الدولة صورته وكان على سيف ألب ارسلان وسيف ملكشاه صورته عليه الصلاة والسلام.

المجلس الخامس

في غزواته عليه السلام

 

وهي ثلاثة أقسام: غزواته المشهورة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم)

(وغزواته بعد النبي، وغزوات غير مشهورة كشهرة الاولى)

(القسم الاول سبع غزوات: الغزوة الاولى:)

(غزوة بدر) وكانت على رأس ثمانية عشر شهرا من قدومه المدينة وعمره عليه السلام: سبعة وعشرون سنة، وكان من خبر هذه الغزوة: ان المشركين حضروا بدرا مصرين على قتال رسول الله (ص) وكان المسلمون إذ ذاك نفر قليل وأخرج المشركون معهم العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب وكان أول وهن لحق المشركين، انهم لما اصطفت صفوفهم أمامها عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد، فنادى عتبة رسول الله (ص) وقال يا محمد اخرج الينا أكفاءنا من قريش فبدر إليهم ثلاثة من شبان الانصار فقال لهم عتبة من أنتم ؟ فانتسبوا له، فقالوا: لا حاجة لنا الى مبارزتكم انما طلبنا أكفاءنا من بني عمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأنصار أرجعوا الى مواقفكم ثم قال قم يا علي قم يا حمزة قم يا عبيدة قاتلوا عن حقكم


[ 177 ]

الذي بعث الله به نبيكم إذ جاؤا بباطلهم ليطفؤا نور الله، فقاموا ووقفوا قبالهم، فقال عتبة تكلموا إن كنتم أكفاءنا قاتلناكم، فقال حمزة أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، فقال عتبة كفؤ كريم وقال علي " ع " انا علي بن أبي طالب ابن عبد المطلب، وقال عبيدة انا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب فقالوا نعم الاكفاء فبرز أمير المؤمنين الى الوليد وكان " ع " اصغر القوم سنا واختلفا ضربتين أخطأت ضربة الوليد أمير المؤمنين واتقى ضربة أمير المؤمنين " ع " بيده اليسرى فأبانتها فروى عنه " ع " انه كان يذكر بدرا وقتلة الوليد وكان يقول كأني انظر الى وميض خاتمه في شماله ثم ضربه ضربة اخرى فصرعه، ثم بارز حمزة ومشى عبيدة وكان أسن القوم الى شيبة فاختلفا ضربتين فأصاب ذباب سيف شيبة ساق عبيدة فاستنقذه أمير المؤمنين (ع) وحمزة منه وقتلا شيبة وحمل عبيدة من مكانه فمات بالصفراء، هذه رواية علي بن هاشم عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسنذكر في آخر الغزوة رواية علي بن إبراهيم وهي أشهر. قال الواقدي: تصور ابليس (لعنه الله) يوم بدر للمشركين في صورة سراقة ابن جشعم المدلجي يحرضهم على القتال ويخبرهم انه لا غالب لهم من الناس فبشر النبي المؤمنين بجبرئيل في جند من الملائكة ميمنة الناس وميكائيل في جند من الملائكة ميسرة الناس واسرافيل في جند من الملائكة في القلب فنكص ابليس على عقبيه وقال اني برئ منكم اني ارى ما لا ترون فتثبت به الحارث بن هشام وهو يرى انه سراقة لما سمع من كلامه وغدي يقول: الى أين ياسراقة ؟ فضرب ابليس صدر الحارث فسقط الحارث وانطلق ابليس لا يرى حتى سقط في البحر ورفع يديه وهو يقول موعدك الذي وعدتني وأقبل أبو جهل على أصحابه يحرضهم على القتال ويقول لا يغرنكم خذلان سراقة بن جشعم إياكم فانما كان على ميعاد من محمد وأصحابه سيعلم إذا رجعنا الى فدية ما نصنع بقومه ولا يهولنكم مقتل عتبة وشيبة والوليد فانهم عجلوا وبطروا، قاتلوا وايم الله لا ترجع اليوم حتى نقرن محمدا وأصحابه في الجبال فلا الفين أحدا منكم قتل منهم أحدا ولكن خذوا أخذا لنعرفهم بالذي صنعوا لمفارقتهم دينكم


[ 178 ]

ورغبتهم عما كان يعبد آبائهم، قال ونادى رسول الله (ص): اللهم لا يفوتنك فرعون هذه الامة يعني أبا جهل، اللهم اكفني نوفل بن خويلد، قال وتدرع أبو جهل بدرعه والتمس بيضة يدخلها رأسه فما وجد من عظم هامته، فخرج معتجرا ببرد له وهو يقول والله لا ارجع حتى يحكم بيننا وبين محمد وجال بين الصفين كأنه الشيطان الرجيم وارتجز وهو يقول:

ما تنقم الحرب العوان مني * * بازل عامين حديث سني

لمثل هذا ولدتني امي

قال وأمر رسول الله (ص) أن لا يحملوا حتى يأمرهم، وخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: (سيهزم الجمع ويولون الدبر)، وحرض المسلمين وقال والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة، فقال عمير بن الحام الانصاري بخ بخ ما بيني وبين أن ادخل الجنة إلا يقتلني هؤلاء ثم قاتل حتى قتل، ثم رمى حارثة بن سراقة الانصاري فقتل، وقاتل عوف بن عفراء حتى قتل، واقتتل الناس قتالا شديدا وكان من قتل من المشركين يصيح قتلني علي بن أبي طالب، فسئل النبي (ص) فقال بربهم الله على صورة علي (ع) أهيب لقلوبهم، وأخذ رسول الله حفنة من التراب ورمى بها قريشا وقال شاهت الوجوه وقال لأصحابه: شدوا عليهم، فقتل الله من قتل من المشركين واسر من اسر منهم، قال عبد الرحمن بن عوف: كنت واقفا في الصف فأتاني غلامان حديثة أسنانهما فغمرني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل ؟ قلت نعم وما حاجتك إليه يابن أخي ؟ قال بلغني انه سب رسول الله والذي نفسي بيده لو رأيته لم يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال فغمرني الآخر وقال لي مثلها فتعجبت لذلك فلم اشعر إذ نظرت الى أبي جهل يجول في الناس فقلت لهما: ألا تريان ؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه فابتدراه بسيفيهما فاستقبلهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا الى رسول الله (ص) فقال أيكما قتله ؟ فقال كل واحد منهما أنا قتلته قال هل مسحتما سيفكما ؟ قالا: لا


[ 179 ]

فنظر رسول الله (ص) في السيفين فقال كلا كما قتله، وروي ان معاذ بن عفراء ضرب أبا جهل هو وأخوه عوف بن الحرث حتى أتياه فعطف عليهما فقتلهما ثم وقع صريعا فركض إليه ابن مسعود فوجده بآخر رمق قال فوضعت رجلي على عنقه ثم قلت هل اخزاك الله يا عدو الله ؟ قال وبما أخزاني أعمد من رجل قتلتموه ؟ واخبرني لمن الدائرة فقلت لله ولرسوله، فقال أبو جهل لقد ارتقيت بارويعي الغنم مرتقا صعبا، قال فقلت اني قاتلك فقال ما أنت بأول عبد قتل سيده أما والله أشد شئ لقيته اليوم قتلك إياي ألا قتلني رجل من الطيبين أو الأحلاف، فضربه بسيفه فوقع رأسه بين رجليه فحمله الى رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم فسجد لله شكرا. أقول: قرأت في التاريخ الاسحاقي ان أبا جهل كان مابونا وكان يلقم دبره حجرا ويقول: اهدء فوالللات والعزى لا تركت رجلا يركبك. قال أمير المؤمنين عليه السلام: لقد تعجبت يوم بدر من جرأة القوم قتلت الوليد بن عتبة وقتل حمزة عتبة وشركته في قتل شيبة إذ أقبل الي حنظلة بن أبي سفيان فلما دنى مني ضربته بالسيف فسالت عيناه ولزم الارض قتيلا. وقال عروة بن الزبير: أقبل علي " ع " يوم بدر نحو طعيمة بن عدي بن نوفل فسجره بالرمح وقال والله لا تخاصمنا بعد اليوم أبدا. قال الزهري: ولما انكشفت قريش وولوا الدبر رأى علي ابن أبي طالب " ع " نوفل بن خويلد وقد تحير لا يدري ما يصنع فعمد له علي " ع " ثم ضربه بالسيف فنشب في جحفته وانتزعه منها ثم ضرب به ساقه وكانت درعه مستمرة فقطعها ثم اجهز عليه فقتله فلما عاد الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمعه يقول من له علم بنوفل بن خويلد ؟ فقال علي عليه السلام: أنا قتلته يارسول الله، فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه. قال الواقدي: وحدثني موسى بن محمد عن أبيه قال كان السائب بن أبي حبيش الاسدي يحدثني عن عمر بن الخطاب يقول ما اسرني أحد من الناس فيقال فمن فيقول لما انهزمت قريش انهزمت معها فأدركني رجل أبيض طويل على فرس ابلق بين السماء والأرض فأوثقني رباطا وجاء عبد الرحمن بن عوف فوجدني مربوطا وكان عبد الرحمن


[ 180 ]

ينادي في العسكر من أسر هذا فليس أحد يزعم انه اسرني حتى انتهى بي الى رسول الله فقال (ص) من أسرك ؟ قلت لا اعرفه، فقال اسره ملك من الملائكة كريم. أقول: والرواية المشهورة في قتل عتبة وشيبة والوليد ما روى علي بن ابراهيم في تفسيره قال ان حمزة وعلي وعبيدة خرجوا لعتبة وشيبة والوليد فلما اصطفوا لهم تنسبهم القوم لأنهم كانوا قد تغفروا فسألوهم من أنتم ؟ فانتسبوا لهم، فقال شيبة لحمزة من أنت ؟ فقال أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله واسد رسوله، فقال له شيبة لقيت أسد الحلفاء فانظر كيف تكون صولتك يا أسد الله، فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة فلق بها هامته وضرب عتبة عبيدة على ساقه فقطعها فسقطا جميعا فحمل حمزة على شيبة فتضاربا بالسيفين حتى تثلما وكل واحد منهما يتقى بدرقته وحمل أمير المؤمنين " ع " على الوليد بن عتبة فضربة على عاتقه فأخرج السيف من ابطه فقال علي فأخذ يمينه المقطوعة على يساره فضرب بها هامتي فظننت ان السماء وقعت على الارض ثم اعتنق حمزة شيبة فقال المسلمون يا علي ما ترى ان الكلب قد اتعب عمك فحمل عليه علي " ع " ثم قال يا عم طأطأ رأسك وكان حمزة اطول من شيبة فأدخل رأسه في صدره فضربه أمير المؤمنين فطير نصفه، الخبر. قال شيخنا المفيد طاب ثراه وكان قتل هؤلاء أول وهن لحق المشركين وذل دخل عليهم ورهبة اعتراهم بها الرعب من المسلمين وظهر بذلك إمارات نصر أمير المؤمنين. ثم بارز أمير المؤمنين عليه السلام العاص بن سعيد بن العاص بعد أن احجم عنه من سواه فلم يلبث أن قتله، وبرز إليه حنظلة بن أبي سفيان فقتله، وبرز إليه طعيمة بن عدي فقتله، وقتل بعده نوفل بن خويلد وكان من شياطين قريش، ولم يزل يقتل واحدا منهم بعد واحد حتى اتى على شطر المقتولين منهم وكانوا سبعين قتيلا تولى كافة من حضر بدرا من المسلمين مع ثلاثة آلاف من الملائكة مسومين، ثم قتل الشطر منهم وتولى أمير المؤمنين " ع " وحده الشطر الآخر، وختم الأمر بمناولة النبي (ص) كفا من الحصا فرمى به في وجوههم وقال شاهت الوجوه فلم يبق أحد إلا ولى الدبر كذلك منهزما (وكفى الله المؤمنين القتال بعلي وكان الله قويا عزيزا)


[ 181 ]

وفي قتل عتبة وشيبة والوليد تقول هند:

أيا عين جودي بدمع سرب * * على خير خندف لم ينقلب

تداعى له رهطه غدوة * * بنو هاشم وبنو مطلب

يذيقونه حد أسيافهم * * يجرونه بعد ما قد شجب

يجرونه وعفير التراب * * على وجهه عاريا قد سحب

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قد قتلناه وما أعربناه ولا سحبناه. أقول: وفي هذه الغزوة اسر جماعة من نبي هاشم منهم العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب أسرهم أمير المؤمنين عليه السلام، وفي تاريخ ابن الأثير: والعباس أسره أبو اليسر وكان مجموعا والعباس جسيما فقيل له كيف اسرته ؟ قال أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك هيأته كذا وكذا فقال رسول الله (ص): لقد أعانك عليه ملك كريم، ولما أمسى العباس مأسورا بات رسول الله (ص) ساهرا ليله، فقال أصحابه يارسول الله ما لك لا تنام ؟ فقال رسول الله: سمعت تضور العباس في وثاقه فمنع مني النوم، فأطلقوه فنام النبي، وكان صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه من لقى العباس بن عبد المطلب فلا يقتله فقال أبو حذيفة بن عتبة: أتقتل آباءنا وابناءنا وإخواننا ونترك العباس والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف، فبلغ النبي (ص) فقال لعمر: يا أبا حفص أما تسمع قول أبي حذيفة: أضرب وجه عم رسول الله. وفي البحار لما جاء أبو يسر الانصاري بالعباس قال والله لا اسرني إلا ابن أخي علي بن أبي طالب فقال النبي (ص) صدق عمي ذلك ملك كريم قال عرفته بجلجته وحسن وجهه فقال النبي (ص): ان الملائكة الذين أيدني الله بهم على صورة علي بن أبي طالب ليكون ذلك أهيب في صدور الاعداء، ويروي ان النبي (ص) قال للعباس: افد نفسك وابن أخيك ونوفل ابن الحرث فانك ذو مال، فقال اني كنت مسلما ولكن قومي يكرهوني على الخروج فقال (ص) الله اعلم بشأنك أما ظاهرك فقد كنت علينا ولله در الشيخ كاظم الازري حيث يقول في قصيدته الهائية مادحا أمير المؤمنين وملخصا قضية بدر:


[ 182 ]

أسد الله ما رأت مقلتاه * * نار حرب تشب إلا اصطلاها

ذاك رأس الموحدين وحامي * * بيضة الدين من أكف عداها

جمع الله فيه جامعة الر * * سل وأتاه فوق ما آتاها

وإذا ما انتمت قبائل حي ال‍ * * موت كانت أسيافه اباها

من يرى مثله إذا جرت الحر * * ب ودارت على الكماة رحاها

ذاك قمقامها الذي لا يروي * * غير صمصامة اوام صداها

وبه استفتح الهدى يوم بدر * * من طغات أبت سوى طغواها

صب صوب الردى عليهم همام * * ليس يخشى عقب التي سواها

يوم جاءت وفي القلوب غليل * * فسقاها حسامه ما سقاها

كيف يخشى الذي له ملكوت * * الأمن والنصر كله عقباها

والى الحشر رنة السيف منه * * ملأ الخافقين رجع صداها

 

(الغزوة الثانية) (غزوة احد) :

وهي تلت بدرا، وكان قريش يوم الخميس لخمس خلون من شوال والواقعة يوم السبت لسبع خلون منه سنة ثلاث من الهجرة وكان أصحاب رسول الله (ص) سبعمائة والمشركون ثلاثة آلاف فارس والفي راجل وخرجوا معهم النساء يحرضنهم على حرب رسول الله (ص) واخرج أبو سفيان هند بنت عتبة وخرجت معهم عمرة بنت علقمة الحارثية وكانت راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " ع " كما كانت بيده يوم بدر وكان له الفتح في هذه كما كان


[ 183 ]

يوم بدر، وكانت الالوية عن قريش بيد بني الدار وراية المشركين مع طلحة ابن أبي طلحة وكان يدعى كبش الكتيبة، فجاء أبو سفيان الى أصحاب الالوية وقال انكم قد تعلمون ان القوم تؤتى من قبل ألويتهم وانتم اتيتم يوم بدر قبل ألويتكم فان كنتم ترون تضعفون عنها فادفعوها الينا تكفيكموها فغضب طلحة بن أبي طلحة وقال ألنا تقول هذا ؟ والله لأوردنكم بها اليوم حياض الموت، فتقدم وتقدم علي بن أبي طالب " ع " ثم تقاربا فاختلف بينهما ضربتان فضربه علي بن أبي طالب ضربة على مقدم رأسه فبدرت عيناه وصاح صيحة لم يسمع مثلها وسقط اللواء من يده فأخذه أخ له يسمى مصعب فرماه عاصم بن ثابت بسهم فقتله فأخذها عبد له يقال له صواب وكان من أشد الناس فضربه علي " ع " على يده اليمنى فقطعها فأخذها بيده اليسرى فضربها على فقطعها فأخذها على صدره وجمع بين يديه وهما مقطوعتان فضربه أبو الحسن علي بن أبي طالب " ع " على ام رأسه فسقط صريعا فانهزم القوم وولوا الدبر واكب المسلمون على الغنائم، فلما رأى اصحاب الشعب الناس يغتنمون قالوا يذهب هؤلاء بالغنائم ونبقى نحن فقالوا لعبد الله بن عمر بن حازم الذي كان رئيسا عليهم نريد ان نغنم كما غنم الناس فقال ان رسول الله (ص) أمرني ان لا ابرح من موضعي هذا، فقالوا أمرك بهذا وهو لا يدري ان الامر يبلغ الى ما ترى ومالوا الى الغنائم وتركوه، فلم يبرح هو من موضعه وحمل عليه خالد بن الوليد فقتله وجاء من ظهر رسول الله يريده فنظر الى النبي (ص) في صف من اصحابه فقال لمن معه: دونكم هذا الذي تطلبون فشأنكم به، فحملوا عليه ضربا بالسيوف وطعنا بالرماح ورضخا بالحجارة ورميا بالنبال وجعل أصحاب النبي يقاتلون عنه حتى قتل منهم سبعون رجلا فنظر الى أمير المؤمنين عليه السلام وكان قد اغمي عليه مما ناله فقال يا علي ما فعل الناس ؟ قال نقضوا العهد وولوا الدبر قال فاكفني هؤلاء الذين قصدوا قصدي فحمل عليهم أمير المؤمنين " ع " فكشفهم ثم عاد إليه وقد حملوا عليه من ناحية اخرى فكر عليهم فكشفهم وأبو دجانة وسهل بن حنيف قائمان على رأسه بيد كل واحد منهما سيفه يذب عنه ورجع إليه من أصحابه المنهزمين أربعة عشر نفرا


[ 184 ]

منهم طلحة بن عبد الله وعاصم بن ثابت وصعد الباقون الجبل، فصاح صائح بالمدينة قتل رسول الله، فانخلعت القلوب لذلك وتحير المنهزمون وأخذوا يمينا وشمالا، قال زيد بن وهب: قلت لابن مسعود انهزم الناس عن رسول الله حتى لم يبق إلا علي عليه السلام وأبو دجانة وسهل بن حنيف فأين كان أبو بكر وعمر ؟ قال كانا ممن تنحى، قلت: فأين كان عثمان ؟ قال جاء بعد ثلاثة من الوقعة، فقال رسول الله (ص) لقد ذهبت فيها عريضة طويلة، قال فقلت له: أين كنت ؟ قال كنت ممن أتى، قال فقلت: ان ثبوت علي في ذلك المقام لعجب قال إن تعجبت منه في ذلك فقد تعجبت منه الملائكة، فقال أما علمت ان جبرئيل قال في ذلك اليوم وهو يعرج الى السماء: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، فقلت ومن أين علم ذلك من جبرئيل ؟ قال سمع الناس صائحا يصيح في السماء بذلك فسألوا النبي (ص) عنه فقال ذلك جبرئيل. وفي تفسير علي بن إبراهيم رحمه الله: بإسناده الى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قاتل أمير المؤمنين (ع) حتى انقطع سيفه فلما انقطع جاء الى رسول الله فقال يارسول الله ان الرجل يقاتل بالسلاح وها أنا انقطع سيفي فدفع إليه رسول الله سيفه ذات الفقار فقال قاتل، هذا ولم يكن يحمل على رسول الله أحد إلا استقبله أمير المؤمنين فإذا رأوه رجعوا فانحاز رسول الله (ص) الى ناحية احد فوقف وكان القتال من وجه واحد وقد انهزم أصحابه، فلم يزل أمير المؤمنين " ع " يقاتلهم حتى اصابه في وجهه ورأسه وبطنه ويديه ورجليه فتحاموه وسمعوا دويا من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، فنزل جبرئيل على رسول الله (ص) فقال هذه والله يا محمد المواساة فقال رسول الله (ص): لأني منه وهو مني فقال جبرئيل وأنا منكما وكانت بنت عتبة في وسط العسكر وكلما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلا ومكحلة وقالت له: انما انت إمرأة فاكتحل بهذا، وكان حمزة بن عبد المطلب على القوم فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له أحد وكانت هند بنت عتبة قد اعطت وحشيا عهدا لئن قتلت محمدا أو عليا أو حمزة لأعطيك رضاك وكان وحشي عبدا لجبير بن مطعم حبشيا فقال وحشي: أما محمد فلا اقدر عليه وأما علي فرأيته رجلا حذرا كثير الالتفات الى اطرافه


[ 185 ]

فلم اطمع فيه فكمن لحمزة قال ورأيت الناس تفر بين يديه ورأيته يهدهم فمر بي فوطأ على جرف نهر فسقط فأتيته فشققت بطنه وأخذت كبده وأتيت بها الى هند وقلت لها هذه كبد حمزة فقامت فرحة فأخذتها في فيها فلاكتها فجعلها الله في فيها مثل الأعصاب فلفظتها ورمت بها فأمر الله ملكا فحملة ورده الى موضعه، فقال أبو عبد الله عليه السلام أبى الله أن يدخل شيئا من بدن حمزة النار فجاءت إليه هند فقطت مذاكيره وقطعت أذنيه وجعلتها خرصين وشدتهما في عنقها وقطعت يديه ورجليه. الخبر. قال علي بن إبراهيم: فلما سكن القال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من له علم بسعد ابن الربيع فقال رجل أنا أطلبه فأشار رسول الله إلى موضع وقال اطلبه هناك فإني قد رأيته فيه قد شرعت حوله اثني عشر رمحا قال فأتيت ذلك الموضع فإذا هو مربع بين القتلى فقلت يا سعد فلم يجبني، فقلت يا سعد فلم يجبني، فقلت يا سعد إن رسول الله قد سأل عنك فرفع رأسه وانتفش كما ينتفش الفرخ وقال: إن رسول الله لحق، قلت إي والله إنه لحق وقد أخبرني إنه رأى حولك اثني عشر رمحا فقال الحمد لله صدق رسول الله (ص) قد طعنت اثني عشر طعنة كلها قد أجافتني ابلغ قومي الأنصار عني السلام وقل لهم والله ما لكم عند الله عذر إن تشوك رسول الله شوكة وفيكم عين تطرف، ثم تنفس فخرج منه مثل دم الجزور وقد كان احتقن في جوفه وقضى نحبه، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبرته فقال: رحم الله سعدا نصرنا حيا وأوصى بنا ميتا ثم قال رسول الله (ص): من له علم بعمي حمزة ؟ فقال له الحارث بن الصمت أنا أعرف موضعه، فجاء حتى وقف على حمزة فكره أن يرجع إلى رسول الله، فجاء النبي (ص) حتى وقف عليه فلما رأى ما فعل بعمه حمزة بكى وقال والله ما وقفت موقفا أغيظ علي من هذا المكان لئن مكنني الله من قريش لأمثلن بسبعين رجلا منهم فنزل عليه جبرئيل بهذه الآية: (فإن عاقبتم فعاقبوا بما عوقبتم ولئن صبرتم فهو خير للصابرين) فقال رسول الله (ص) بل أصبر، فألقى رسول الله بردة كانت عليه فكانت إذا مدها على رأسه بدت رجلاه وإذا مدها على رجليه بدى رأسه، فمدها على رأسه وألقى على رجليه الحشيش وقال أخشى نساء بني عبد المطلب لتتركه حتى يحشر يوم القيامة من


[ 186 ]

بطون السباع والطير، وأمر رسول الله (ص) بالقتلى فجمعوا وصلى عليهم ودفنهم في مضاجعهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة. وروى الواقدي: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بجمع الشهداء إلى جنب حمزة فكان كلما اتى بشهيد وضع الى جنب حمزة فصلى عليه وعلى الشهيد حتى صلى على حمزة سبعين مرة لأن الشهداء سبعون، ويقال كان يؤتى بتسعة وعاشرهم حمزة فيصلي عليهم وترفع التسعة فيترك حمزة مكانه، ويؤتى بتسعة آخرين فيوضعون الى جنب حمزة فيصلي عليه وعليهم حتى فعل ذلك سبع مرات ويقال انه كبر عليه خمسا وسبعا وتسعمائة. قال علي بن ابراهيم: وصاح ابليس بالمدينة: قتل محمد، فلم يبق أحد من نساء المهاجرين والأنصار إلا خرج وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تدور على قدميها حتى رأت رسول فقعدت بين يديه وكانت إذا بكى رسول الله (ص) بكت وإذا انتحب انتحبت، ونادى أبو سفيان: موعدنا وموعدكم في عام قابل فقال رسول الله (ص) لأمير المؤمنين قل نعم، وارتحل رسول الله (ص) ودخل المدينة واستقبله النساء يولولن. الخبر. وقال الواقدي: فجاءت صفية ولما أتت حالة الأنصار بينها وبين رسول الله (ص) فقال دعوها فجلست عنده وكانت إذا بكت يبكي وإذا نشجت ينشج، وجعلت فاطمة تبكي فلما بكت بكى رسول الله (ص) ثم قال: لن اصاب بمثل حمزة أبدا ثم قال لصفية وفاطمة: ابشرا أتاني جبرئيل فأخبرني ان حمزة مكتوب في أهل السماوات السبع حمزة ابن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ولما رجع أمير المؤمنين " ع " من احد ناوله سيفه وقال شعرا:

أفاطم هاك السيف غير ذميم * * فلست برعديد ولا بلئيم

لعمري لقد اعذرت في نصر أحمد * * ومرضاة رب بالعباد رحيم

وعن ابن عباس: ان النبي (ص) قال ان اخوانكم لما اصيبوا باحد جعلت ارواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة فتأكل من ثمارها وتأوي الى قناديل من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مطعمهم ومشربهم ورأوا حسن منقلبهم قالوا: ليت


[ 187 ]

إخواننا يعلمون بما اكرمنا الله وبما نحن فيه لئلا يزهدوا في الجهاد ويكلوا عند الحرب فقال لهم الله تعالى: انا ابلغهم عنكم، فأنزل: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون). وقد ذكر الأديب الأريب الشيخ كاظم الازري رحمه الله غزوة احد في هائيته فقال:

وبأحد كم فل آحاد شوس * * كلما اوقدوا الوغى اطفاها

يوم دارت بلا ثوابت إلا * * أسد الله كان قطب رحاها

كيف للأرض بالتمكن لولا * * انه قابض على ارجاها

رب سم القنا وبيض المواضي * * سبحت باسم بأسه هيجاها

ثم خانت نبالة القوم عهدا * * لنبي الهدى فخاب رجاها

وجدت انجم السعود عليه * * دائرات وما دارت عقباها

وتراءت لها غنائم شتى * * فاقتفي الأكثرون اثر ثراها

فترى ذلك النفير كما تخ‍ * * بط في ظلمة الدجى غشواها

يتمنى الفتى ورود المنايا * * فالمنايا لو تشتري لاشتراها

فئة ما لوت من الرعب جيدا * * إذ دعاها الرسول في اخراها

وأحاطت به مذاكي الأعادي * * بعد ما أشرقت على استيلاها

كلما لاح في المهامة برق * * حسبته قنا العدى وضباها

لم تخلها إلا أضالع عجف * * قد براها السري فحل براها

لا تلمها لحيرة وارتياع * * فقدت عزها فعز عزاها

حيث لا يلتوي الى الألف إلف * * كل نفس أطاشها ما دهاها

إن يفتها ذاك الجميل فعذرا * * إنما حلية الرجال حجاها

لدغتها أفعالها أي لدغ * * رب نفس افعالها أفعاها

قد أراها في ذلك اليوم ضربا * * لو رأته الشبان شاب لحاها

وكساها العار الذميم بطعن * * من حلى الكبرياء قد عراها


[ 188 ]

يوم سالت سيل الرمال ولكن * * هب فيها بسيفه فذراها

ذاك يوم جبريل أنشد فيه * * مدحا ذو العلى له انشاها

لا فتى في الوجود إلا علي * * ذاك شخص بمثله الله باهى

ما حوى الخافقان انس وجن * * قصبات السبق التي قد حواها

 

(الغزوة الثالثة) (غزوة الأحزاب) :

وكانت بعد بني النظير في شوال سنة خمس، وكان المسلمون ثلاثة آلاف والمشركون ثمانية عشر الفا، وكان من خبر هذه الغزوة ان جماعة من اليهود منهم سلام ابن أبي الحقيق الضرمي وحي بن اخطب وكنانة بن الربيع وهوذة بن قيس الوالي في نفر من بني والبة خرجوا حتى قدموا مكة فصاروا الى أبي سفيان صخر بن حرب لعلمهم بعداوته لرسول الله (ص) فذكروا له ما نالهم منه وسألوه المعونة لهم، فقال لهم أبو سفيان: انا لكم حيثما تحبون فاخرجوا الى قريش وادعوهم الى حرب محمد فطاف معهم على وجوه قريش ودعوهم الى حرب النبي (ص) وقالوا لهم: أيدينا مع ايديكم ونحن معكم حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر اليهود انتم أهل الكتاب الأول والعلم السابق وقد عرفتم الدين الذي جاء به محمد وما نحن عليه من الدين فديننا خير من دينه أم هو اولى منا فقالوا لهم: بل دينكم خير من دينه، فنشطت قريش لما دعوهم من حرب رسول الله وجاءهم أبو سفيان فقال لهم: قد مكنكم الله من محمد وهذه اليهود تقاتل معكم ولم ينتقل عنكم حتى يؤتي على جميعنا أو نستأصله ومن اتبعه فقويت عزائمهم إذ ذاك في حرب النبي، ثم خرج اليهود حتى جاؤا عطفان وقيس عيلان فدعوهم الى حرب رسول الله (ص) وضمنوا لهم النصرة


[ 189 ]

والمعونة واخبروهم باتباع قريش لهم على ذلك فأجمعوا معهم وخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بن حصين في بني فزارة، والحارث بن عوف في بني مرة، ووبرة بن طريف في قومه من أشجع، واجتمعت قريش معهم. فلما سمع رسول الله باجتماع الأحزاب عليه وقوة عزيمتهم في حربه استشار اصحابه فاجتمع رأيهم على البقاء بالمدينة وحرب القوم إذا جاؤا إليهم على انقابها وأشار سلمان الفارسي رضي الله عنه على رسول الله بالخندق، فأمر بحفره وعمل فيه (ص) بيده وعمل فيه المسلمون فأقبلت الاحزاب فهال المسلمون أمرهم وارتاعوا من كثرتهم فجمعهم فنزلوا ناحية من الخندق وأقاموا بمكانهم بضعا وعشرين ليلة ولم يكن بينهم إلا الرمي والنبل والحصى فلما رأى رسول الله ضعف قلوب المسلمين من حصارهم لهم ووهنهم في حربهم بعث الى عيينة بن الحصين والحارث بن عوف وهما قائدا غطفان يدعوهما الى صلحه والكف عنه والرجوع بقومهما عن حربه على أن يؤتيهم ثلث ثمار المدينة واستشار سعد ابن معاذ وسعد بن عبادة فيما بعث به، فقالا يارسول الله إن كان هذا الامر لا بد لنا من العمل به وان الله أمرك فيه بما صنعت والوحي جاءك به فأفعل ما بدى لك، وإن كنت تحب أن تصنعه لنا كان لنا فيه رأي، فقال رسول الله، لم يأتني الوحي به ولكني قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحد وجاؤكم من كل جانب فأردت اكسر عنكم شوكتهم، فقال سعد بن معاذ قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الاوثان ولا نعبد الله ولا نعرفه ونحن لا نطعمهم من ثمرنا إلا قرى أو بيعا والآن حين اكرمنا الله بالاسلام وهدانا له واعزنا بك نعطيهم أموالنا ما لنا الى هذا من حاجة ولا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال رسول الله: الآن عرفت ما عندكم فكونوا على ما انتم عليه والله لن يخذل الله نبيه ولم يسلمه حتى ينجز له ما وعده، ثم قام رسول الله في المسلمين يدعوهم الى الجهاد ويشجعهم ويعدهم النصر من الله فانتدبت فوارس من قريش للبراز منهم عمرو بن عبد ود بن أبي قيس بن عامر بن لوي بن غالب، وعكرمة بن ابي جهل، وهبيرة ابن ابي وهب وضرار بن الخطاب ومرداس الفهري فلبسوا لباس الحرب ثم خرجوا على خيلهم


[ 190 ]

حتى مروا بمنازل بني كنانة فقالوا تهيئوا يا بني كنانة للحرب ثم اقبلوا حتى وقفوا على الخندق فلما تأملوه قالوا: هذه المكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكانا من الخندق وفيه ضيق فضربوا خيلهم فاقتحمه فجاءت بهم بين الخندق وسلع، وخرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " ع " في نفر معه من المسلمين حتى اخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموها فتقدم عمرو بن عبد ود والجماعة الذين معه، فلما رأوا المسلمين وقفوا وصاح عمرو بن عبد ود: هل من مبارز ؟ فبرز له أبو الحسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له عمرو: ارجع يابن أخي فما أحب ان اقتلك، فقال له أمير المؤمنين " ع ": قد كنت عاهدت الله يا عمرو وانت متعلق بأستار الكعبة ان لا يدعوك رجل من قريش الى احدى خصلتين إلا اخترتها منه فقال: اجل فما ذاك ؟ قال " ع " الاولى فاني ادعوك الى الله ورسوله والاسلام، قال لا حاجة لي بذلك، فالثانية: فاني ادعوك الى النزال فقال ارجع فقد كان بيني وبين أبيك خلة فما احب ان اقتلك، فقال له أمير المؤمنين " ع ": لكني انا والله احب ان اقتلك ما دمت ابيا للحق فحمق عمرو عند ذلك وقال: أتقتلني ؟ ونزل عن فرسه فعقره وضرب وجه الفرس حتى نفر، واقبل علي أمير المؤمنين " ع " مصلتا سيفه وبدره بالسيف فاتقاه بالترس فنشب سيفه فيه فضربه أمير المؤمنين ضربة فقتله فلما رأى عمرا قومه صريعا ولوا منهزمين، وانصرف أمير المؤمنين الى مقامه الاول وقد كادت نفوس القوم الذين خرجوا معه الى الخندق تطير وغدى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقول شعرا:

نصر الحجارة من سفاهة رأيه * * ونصرت رب محمد بصواب

فضربته فتركته متجدلا * * كالجذع بين دكادك وروابي

وعففت عن اثوابه ولو انني * * كنت المعطن بزني اثوابي

لا تحسبن الله خادل دينه * * ونبيه يا معشر الاحزاب

وفي رواية اخرى وهي المشهورة: انه لما اقبل عمرو بن عبد ود واصحابه يجيلون خيولهم فيما بين الخندق وسلع والمسلمون وقوف لا يقدم احد منهم عليهم


[ 191 ]

وجعل عمرو بن عبد دو يدعو الى البراز ويعرض المسلمين خوفا منه فلما رأى ذلك منهم ركز رمحه في الارض وأقبل يجول في الميدان كالجبل العظيم فكأنه الشيطان الرجيم وهو يقول: هل من مبارز ؟ هل من مبارز ؟ لا يأتيني منكم كسلان ولا عاجز، فلما رأى احجامهم عنه جال جولة وارتجز قائلا:

ولقد بححت من النداء  * * بجمعكم هل من مبارز

ووقفت إذ جبن الشجاع * * مواقف القرن المناجز

اني كذلك لم ازل * * متسرعا نحو الهزاهز

ان الشجاعة في الفتى * * والجود من خير الغرائز

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من لهذا الكلب ؟ فلم يجبه أحد من الناس، وفي البحار عن الكراجكي: قال النبي (ص) ثلاث مرات: ايكم يبرز الى عمرو اضمن له على الله الجنة وفي كل كان يقوم علي " ع " والقوم ناكسو رؤسهم. وفي تفسير علي بن إبراهيم: فوثب إليه أمير المؤمنين " ع " فقال: انا له يارسول الله، فقال يا علي هذا عمرو بن عبد ود فارس يلملم، فقال " ع " وأنا علي بن أبي طالب، فقال له رسول الله: ادن مني فدنى منه، فعممه بيده ودفع إليه ذا الفقار وقال اذهب وقاتل بهذا وقال اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، فمر أمير المؤمنين عليه السلام يهرول وهو يقول:

لا تعجلن فقد اتاك * * مجيب صوتك غير عاجز

ذو نية وبصيرة  * * والصدق منجي كل فائز

اني لأرجو أن اقيم  * * عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقى  * *  صيتها بعد الهزائز

قال عمرو: من أنت ؟ قال " ع ": أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله، فقال والله ان أباك كان لي صديقا واني اكره أن اقتلك ما خشى عليك ابن عمك حين بعثك الي ان أختطفتك برمحي هذا فاتركك بين السماء والأرض لا حي ولا ميت فقال أمير المؤمنين " ع ": قد علم ابن عمي انك إن قتلتني دخلت الجنة وانت في النار وإن


[ 192 ]

قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنة، فقال عمرو: كلتاهما لك يا علي إذا قسمة ضيزى فقال له عليه السلام: دع عنك هذا يا عمرو اني سمعتك وأنت متعلق بأستار الكعبة تقول: لا يعرض علي أحد بثلاثة خصال إلا اجبته إلى واحدة منها وانا اعرض عليك ثلاث خصال فأجبني الى واحدة منها، فقال هات يا علي قال " ع " :

الاولى: ان تشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله قال نح عني هذا.

قال فالثانية: أن ترجع وترد هذا الجيش عن رسول الله فان يك صادقا فأنتم اعلى به عينا وان يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره فقال إذا تحدث نساء العرب بذلك وتنشد الشعراء بأشعارها اني جبنت عن الحرب ورجعت على عقبي وخذلت قوما رأسوني عليهم .

فقال له أمير المؤمنين " ع " فالثالثة: ان تنزل الي فانك راكب وأنا راجل حتى انابذك، فوثب عن فرسه وعرقبه وقال هذه خصلة ما ظننت أحدا من العرب يسومني ثم بدأ فضرب أمير المؤمنين بالسيف على رأسه فاتقاه أمير المؤمنين بالدرقة فقطعها وثبت السيف على رأسه فقال له أمير المؤمنين " ع " يا عمرو أما كفاك اني بارزتك وانت فارس العرب حتى استعنت على بظهير فالتفت عمرو الى خلفه فضربه أمير المؤمنين على ساقيه فقطعهما جميعا وارتفعت بينهما عجاجة، فقال المنافقون قتل علي بن أبي طالب ثم انكشفت العجاجة وإذا أمير المؤمنين " ع " على صدر عمرو آخذا بلحيته يحز رأسه فلما ذبحه أخذ برأسه واقبل الى رسول الله والدماء على رأسه من ضربة عمرو وسيفه يقطر منه الدم وهو يقول:

أنا علي وابن عبد المطلب * * الموت خير للفتى من الهرب

فقال رسول الله (ص): يا علي ماكرته؟ فقال نعم يارسول الله الحرب خديعة.

وفي البحار عن الكراجي: فلما برز أمير المؤمنين الى عمرو قال رسول الله برز الايمان كله الى الشرك كله فما كان أسرع من ان صرعه علي وجلس على صدره فقال له لما هم ان يذبحه يا علي قد جلست مني مجلسا عظيما فإذا قتلتني فلا تسلبني حلتي فقال " ع " هي اهون علي من ذلك وذبحه واتى برأسه الى رسول الله وهو يخطر في مشيته فقال عمر ألا ترى يارسول الله الى علي فقال رسول الله انها مشية لا يمقتها الله في هذا المقام


[ 193 ]

فتلقاه النبي (ص) وجعل يمسح الغبار عن عينيه وقال يا علي لو وزن عملك بعمل جميع امة محمد لرجح عملك وذلك انه لم يبق بيت من المشركين إلا ودخله ذل بقتل عمرو ولم يبق بيت من المسلمين إلا ودخله عز بقتل عمرو. وعن الحسن: فقام أبو بكر وعمر فقبلا رأس علي عليه السلام. وعن محمد بن إسحاق: فقال له عمر ابن الخطاب هلا سلبته درعه فانه ليس للعرب درع مثلها فقال أمير المؤمنين " ع ": اني استحييت ان اكشف عن سوء ابن عمي. وفي يوم الأحزاب انزل الله تعالى: " وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ". وروى ان ابن مسعود كان يقرأ: " وكفى الله المؤمنين القتال بعلي " رواه يوسف بن كليب عن سفيان بن زيد عن مرة وغيره من العامة. وروى المفيد باسناده: انه لما نعي عمرو الى اخته قالت من ذا الذي اجترأ عليه ؟ فقالوا علي بن أبي طالب، فقالت كفؤ كريم ثم انشأت تقول شعرا:

لو كان قاتل عمرو غير قاتله * * لكنت ابكي عليه دائم الأبد

لكن قاتله من لا يعاب به * * أبوه قد كان يدعى بيضة البلد

وقالت أيضا في قتل أخيها وذكر علي بن أبي طالب عليه السلام:

أسدان في ضيق المكر تصاولا * * وكلاهما كفؤ كريم باسل

فتخالسا مهج النفوس كلاهما * * وسط المدار مخاتل ومقاتل

وكلاهما حضر القراع حفيظة * * لم يثنه عن ذاك شغل شاغل

فاذهب علي فما ظفرت بمثله * * قول سديد ليس فيه محاثل

فالثار عندي يا علي فليتني * * ادركته والعقل مني كامل

ذلت قريش بعد مقتل فارس * * في قتله عار وخزي شامل

ثم قالت: والله ما ثارت قريش بأخي ما حنت النيب، وروي انها جلست عند رأس أخيها وأنشدت:

لو كان قاتل عمرو غير قاتله * * لكنت ابكي عليه دائم الابد

الابيات السابقة بعد ما نظرته غير مسلوب وسألت عن قاتله، ولله در الازري حيث


[ 194 ]

يقول في مضمون هذه الغزوة:

ظهرت منه في العدى سطوات * * ما أتى القوم كلهم ما اتاها

يوم غصت بجيش عمرو بن ود * * لهوات الفلا وضاق فضاها

وتخطى الى المدينة فردا * * بسرايا غرائم ساراها

فأقامت ما بين طيش ورعب * * وكفاها ذاك المقام كفاها

فدعاهم وهم الوف ولكن * * ينظرون الذي يشب لظاها

أين أنتم عن فارس عامري * * تتقي الأسد بأسه في شراها

أين من نفسه تتوق الى الج‍ * * نات أو يورد الجحيم عداها

فغدى المصطفى يحدث عما * * تؤجر الصابرون في اخراها

قائلا ان للجليل جنانا * * ليس غير المجاهدين يراها

من لعمرو وقد ضمنت على الل‍ * * ه له من جنانه اعلاها

فالتووا عن جوابه كسوام * * لا تراها مجيبة من دعاها

وإذا هم بفارس قرشي * * ترجف الارض خيفة من يطاها

قائلا مالها سواي كفيل * * هذه ذمة علي وفاها

ومشى يطلب النزال كما تم‍ * * شي خماص الحشى الى مرعاها

فانتضى مشرفيه فتلقى * * ساق عمرو بضربة فبراها

يالها ضربة حوت مكرمات * * لم يزن أجر ثقلها ثقلاها

هذه من علاه احدى المعالي * * وعلى هذه فقس ما سواها

 

(الغزوة الرابعة) (غزوة خيبر) :

وكانت بعد الحديبية في ذي الحجة سنة ست من الهجرة، أو في جمادي الاولى سنة سبع على اختلاف، وذلك ان النبي (ص) لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة ثم


[ 195 ]

خرج واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري واخرج معه ام سلمة فلما اتى من خيبر قال للناس قفوا فلما وقفوا رفع يديه الى السماء وقال اللهم رب السماوات السبع وما اظللن ورب الأرضيين السبع وما اقللن ورب الشياطين وما اظللن اسألك من خير هذه القرية وخير ما فيها واعوذ بك من شرها وشر ما فيها ثم نزل هو واصحابه تحت شجرة هناك في المقام فأقاموا يومهم ومن غده فلما كان نصف النهار ونادى رسول الله فاجتمعوا إليه وإذا عنده رجل جالس فقال ان هذا جاءني وانا نائم فسل سيفي فقال يا محمد من يمنعك مني اليوم فقلت الله يمنعني فشام السيف وهو جالس كما ترون لا حراك به فقالوا يارسول الله لعل في عقله شيئا، فقال رسول الله (ص) نعم دعون ثم صرفه ولم يعاقبه، وحاصر رسول الله (ص) خيبرا بضع وعشرين ليلة وكانت الراية يومئذ لأمير المؤمنين " ع " فلحقه رمد فمنعه عن الحرب وكان المسلمون يتناوشون اليهود من بين يدي حصونهم وجنبانهم فلما كان ذات يوم فتحو الباب وقد كان خندقوا على أنفسهم خندقا وخرج مرحب بنفسه يتعرض الحرب، فدعى رسول الله أبا بكر وقال خذ الراية فأخذها في جمع من المهاجرين والأنصار فاجتهدوا ولن يغني شيئا وعاد يؤنب القوم الذين اتبعوه ويؤنبوه، فلما كان من الغد تعرض لها عمر فسار بها غير بعيد فعاد يجبن أصحابه ويجبنوه، فقال النبي (ص): ليست الراية إلا لمن حملها جيئوني بعلي بن أبي طالب فقيل له انه أرمد، فقال أرونيه تروني رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله وسوله يأخذها بحقها كرار وليس بفرار. وروى ابن شهراشوب: عن جماعة من العامة يزيدون على سبعين نفرا، انه لما خرج مرحب برجله وبعث النبي (ص) أبا بكر وعمر وكان ما كان من أمرهما بحسب ما تقدم قال النبي (ص) لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار يأخذها عنوة. وفي البحار ومسلم بات الناس يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الصبح غدوا على رسول الله كلهم يرجو أن يعطاها فقال النبي أين ابن عمي علي بن أبي طالب ؟ فقالوا هو يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فأتي به فتفل في يده ومسحها على عينيه ودعا له فبرأ فأعطاه الراية قال وكانت راية بيضاء وقال له


[ 196 ]

خذ الراية وامض بها فإن جبرئيل معك والنصر أمامك والرعب مثبوت في صدور القوم واعلم يا علي أنهم يجدون في كتابهم ان الذي يدمر عليهم اسمه إيليا فإذا لقيتهم فقل لهم أنا علي بن أبي طالب فإنهم يخذلون إنشاء الله تعالى، قال أمير المؤمنين " ع " فمضيت بها حتى أتيت الحصون فخرج مرحب وعليه مغفر وحجر قد نقبه مثل البيضة على أم رأسه وهو يرتجز ويقول:

قد علمت خيبر أني مرحب * * شاكي السلاح أسد مجرب

أطعن أحيانا وحينا أضرب * * إذا الليوث أقبلت تلتهب

قال أمير المؤمنين سلام الله عليه: فقلت مجيبا له:

أنا الذي سمتني أمي حيدرة

ضرغام آجام وليث قسورة

على الأعادي مثل ريح صرصرة

أضرب بالسيف رقاب الكفرة

روى أنه لما قالها أمير المؤمنين عليه السلام قال حبر لهم: غلبتم وما أنزل الله لموسى، فدخل في قلوبهم رعب ما لم يمكنهم الاستيطان. وروي: أنه لما سمعه مرحب هرب لأنه كان له ظئر وكانت كاهنة تعجب بشأنه وعظم خلقه وتقول له: قاتل كل من قاتلك وغالب كل من غالبك إلا من تسمى عليك بحيدرة فإنك إن وقفت له هلكت، قال فتمثل له إبليس في صورة حبر من أحبار اليهود فقال إلى أين يا مرحب ؟ فقال قد تسمى علي هذا القرن بحيدرة، فقال له إبليس فما حيدرة إلا هذا وحده ؟ ما كان مثلك يرجع عن مثله تأخذ بقول النساء وهن يخطئن بأكثر مما يصبن وحيدرة في الدنيا كثير فان فتلته سدت قومك وأنا في ظهرك أستصرخ اليهود، فرد مرحب، قال أمير المؤمنين فاختلفنا ضربتين فبدرته وضربته فقددت الحجر والمغفر ورأسه حتى وقع السيف في أضراسه وخر صريعا. وروى أحمد بن حنبل: أنه سمع أهل العسكر صوت ضربته ولما قتل أمير المؤمنين مرحبا رجع من كان معه وأغلقوا باب الحصن عليهم فصار أمير المؤمنين يعالجه حتى فتحه وأكثر الناس من جانب الخندق لم يعبروا معه فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام باب الحصن وجعله على الخندق جسرا لهم حتى عبروا وضفروا بالحصن ونالوا الغنائم فلما انصرفوا أخذ أمير المؤمنين بيمناه فدحى به أذرعا من الأرض


[ 197 ]

وكانت هذه الباب يغلقها عشرون رجلا، وروي: سبعون رجلا، وقيل أربعة وأربعون، ويروى: تسعون، وفي بعض الكتب: لم يتمكن على حملها الف، وفي بعض الوف، وروي بأسانيد معتبرة: أن عليا عليه السلام لما قابل مرحبا سمعه يشتم رسول الله فغضب " ع " غضبا شديدا حتى احمرت عيناه وصارتا في ام رأسه فرفع مرحبا سيفه الى رأسه فاتقاه عليه السلام بالجحفة، ثم رفع " ع " سيفه وقد برز شعر جلده من حلقات درعه غضبا وصرخ به فأوحى الله تعالى الى ميكائيل ان اقبض على يد علي في الهواء والى اسرافيل ان احبسه من فوق رأسه والى جبرئيل ان افرش جناحك على الارض تحت سيفه وإلا فوعزتي وجلالي ان عبدي علي مع غضبه هذه يقطع الارضين السبع بسيفه فنزل سيف أمير المؤمنين الى مفرق مرحب الى دماغه الى رقبته الى صندوق صدره الى صرته الى بطنه الى مذاكيره الى اليته الى السرج الى ظهر الفرس الى الارض الى جناح جبرئيل فاستغاث بالباري عز وجل فقبض عليه بيد القدرة. وحدث جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يارسول الله الي قد حملت قرى قوم لوط على جناحي فما كانت عندي إلا أخف مما كان واني لما وقع على سيف ابن عمك ظننت ان السماوات والارض قد وقعتا علي. ويروي لما رأى المسلمون ان مرحبا قد سقط هجموا على اليهود وقتل أمير المؤمنين عليه السلام سبعة من اليهود كانوا يعدون بسبعة آلاف، فلما رأى اليهود ما حل بهم دخلوا الحصن واغلقوا الباب عليهم فهجم عليهم أبو الحسن علي عليه السلام فضربه يهودي بالسيف على يده فوقعت جحفته فلقفها آخر وهرب فغضب " ع " وضرب برجليه الارض وعبر الخندق وقبض على باب الحصن وهزها فانفصلت من مكانها، قال الباقر عليه السلام: ان عليا " ع " لما هز باب الحصن اهتز الحصن كله بأركانه حتى ان صفية بنت حي بن أخطب كانت جالسة على عرشها فوقعت وجرح وجهها وكان وزن تلك الباب على ما في بعض الروايات ثمانمائة من، ويروى: ثلاثة آلاف. وفي الصواعق المحرقة لأبن حجر: لما قلع علي عليه السلام باب خيبر حملها على ظهره حتى عبر المسلمون عليها ثم جعلها جحفة وغدى يقاتل حتى وقع الفتح القاها من يده


[ 198 ]

وقيل رماها في الهواء فغابت عن الابصار. وقال الواقدي: فو الله ما بلغ عسكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخيراه حتى دخل علي " ع " حصون اليهود كلها وهي: قموص حصن ابن أبي الحقيق وناعم وسلالم ووطيخ وحصن المصعب بن معاد وغنم، وكانت الغنيمة نصفها لعلي ونصفها لسائر الصحابة. وفي تفسير مجمع البيان للعلامة الطبرسي رحمه الله: لما فتح الله حصن قموص اتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصفية بنت حي بن أخطب وبأخرى معها فمر بها بلال وهو الذي جاء بهما على قتلى من قتلى اليهود فلما رأنهم التي معها صفية صاحت وحثت التراب على وجهها ورأسها فلما رآها رسول الله (ص) قال اعزبوا عني هذه الشيطانة وأمر بصفية فحيزت خلفه والقى عليها ردائه فعرف المسلمون انه قد اصطفاها لنفسه وقال (ص) لبلال لما رأى من تلك اليهودية: انزعت الرحمة منك يا بلال حيث تمر بامرأتين على قتلى رجالهما وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس كنانة بن الربيع بن الحقيق ان قمرا وقع في حجرها فعرضت رؤياها على زوجها فقال ما هذا إلا انك تتمنين ملك الحجاز محمدا ولطمت وجهها لطمة اخضرت عيناها منها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألها رسول الله ما هو ؟ فأخبرته الخبر. وغنم المسلمون من أموال قلاع خيبر غنائم كثيرة، ويروى: ان صفية وقعت في دحية الكلبي فأعطاه النبي (ص) شيئا عوضا عنها وأخذها منه، ويروى أيضا انه (ص) كان اوعد دحية ان يعطيه جارية من سبايا خيبر فأتاه دحية وطلب منه ما اوعده فقال اختر من هذه الجواري فأختار دحية صفية فقيل للنبي انها من ذرية هارون بن عمران أخي موسى بن عمران لا تصلح إلا لك يارسول الله، فعوضه عنها واختارها لنفسه، ويروي انه (ص) اعطى دحية عوضا عن صفية ابنة عم صفية واعتق صفية وجعل عتقها صداقها وفي يوم فتح خيبر يقول الازري رحمه الله:

وله يوم خيبر فتكات * * ما اتي القوم كلهم ما اتاها

يوم قال النبي اني لأعطي * * رايتي ليثها وحامي حماها

فاستطالت اعناق كل فريق * * ليروا اي ماجد يعطاها


[ 199 ]

فدعى أين وارث الباس والحك‍ * * م مجير الانام من بأساها

اين ذو النجدة التي لو دعته * * في الثريا مروعة لباها

فأتاه الوصي ارمد عين * * فسقاها من ريقه فشفاها

ومضى يطلب الصفوف فولت * * عنه علما بأنه أمضاها

وبرى مرحبا بكف اقتدار * * اقويا الاقدار من ضعفاها

ودحى بابها بقوة بأس * * لو حمته الافلاك منه دحاها

 

(الغزوة الخامسة) (غزوة فتح مكة المشرفة) :

وكانت لليلتين مضتا من شهر رمضان، وقيل لثلاث عشرة خلت منه وذلك انه خرج من نحو عشرة آلاف راجل واربعمائة فارس ونزل: (لتدخلن المسجد الحرام) ثم: (إذا جاء نصر الله)، ونزل: (إنا فتحنا لك) واستصرخه خزاعة أجمع الى المسير إليها وقال اللهم خذ العيون عن قريش حتى نأتيها في بلادها وكان المؤمن الى هذا السر علي بن أبي طالب عليه السلام ولما انتهى الخبر الى أبي سفيان وهو بالشام مشاجرة كنانة وخزاعة اقبل حتى دخل على النبي (ص) فقال يا محمد احقن دمك واحرس قريشا وزدنا في المدة، قال غدرتم يا أبا سفيان، فقام من عند النبي فلقيه أبو بكر فتشبث به فظن انه يوصله الى بغيته من النبي (ص) فسأله كلامه له، فقال ما انا بفاعل ذلك لعلم أبي بكر ان سؤاله في ذلك لا يغني شيئا، فظن أبو سفيان بعمر ما ظنه بأبي بكر فكلمه في ذلك فدفعه بغلظة وفظاظة كاد أن يفسد الرأي على النبي فدخل أبو سفيان على ابنته ام حبيبة وكانت زوجة النبي (ص) فذهب ليجلس على الفراش فطوته فقال يا بنية أراغبة بهذا الفراش عني ؟ قالت نعم هذا فراش رسول الله ما كنت لتجلس


[ 200 ]

عليه وانت رجس مشرك، ثم استجار بغيرها فلم يجد من يجيبه فلما رأى ذلك عدل الى بيت أمير المؤمنين " ع " فأستأذن عليه فاذن له وعنده فاطمة والحسن والحسين " ع " فقال يا علي أنت أمس القوم بي رحما وقد جئتك فلا ارجعن كما جئت خائبا فيما قصدته فقال ويحك يا أبا سفيان لقد عزم رسول الله (ص) على أمر لا نستطيع أن نكلمه فيه فالتفت أبو سفيان الى فاطمة " ع " فقال لها: يا بنت محمد هل لك أن تأمري ابنيك أن يجيراني بين الناس فيكونا سيدي العرب الى آخر الدهر، فقالت ما بلغ ابناي ان يجيرا بين الناس وما يجر أحدا على رسول الله، فتحير أبو سفيان واسقط رأسه بين يديه ثم قال يا علي قد التبست الامور علي فأنصح لي، قال " ع ": انت شيخ قريش فقم فاستجر بين الناس ثم الحق بأهلك، قال فترى ذلك نافع لك ؟ قال لا ادري، فقال ايها الناس اني استجرت بكم ثم ركب بعيره وانطلق فقدم على قريش فقالوا: ما وراءك ؟ فقص عليهم، فقالوا هل اجاز محمد مقالة علي ؟ فقال لا، قالوا لعب بك الرجل. ثم سار النبي (ص) حتى نزل من الظهران فخرج في تلك الليلة أبو سفيان ابن الحرث وعبد الله بن امية وقد تلقاه ثنية والنبي (ص) في فتية فدخل عليه العباس ابن عبد المطلب وقال بأبي انت وأمي هذا ابن عمك جاءك تائبا وابن عمتك فقال لا حاجة لي فيهما ان ابن عمي انتهك عرضي واما ابن عمتي فهو الذي يقول بمكة: (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا)، فنادى أبو سفيان بن الحرث كن لنا كما كان العبد الصالح يوسف بن يعقوب لأخوته (لا تثريب عليكم اليوم)، فدعا لهما وقبل منهما وقال العباس هو والله هلاك قريش إن دخلها محمد عنوة، فركب النبي بغلته البيضاء ليطلب الخطابة أو صاحب لين يأمره ان يأتي قريشا فيركبون إليه ويستأمنون منه إذ سمع أبا سفيان يقول ليذبل وحكيم ما هذه النيران ؟ قال هذه نيران خزاعة، قال خزاعة أقل من هذه فلعلها تميم أو ربيعة فعرف العباس صوت أبي سفيان وناداه وعرفه الحال قال فما الحيلة ؟ قال تركب في عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول الله، ففعل فكان يجتاز على نار بعد نار فانتهى الى علي بن أبي طالب عليه السلام فسبقهما النبي (ص) وقال هذا أبو سفيان قد امكنك الله منه فدعني اضرب عنقه


[ 201 ]

فقال العباس يارسول الله أبو سفيان قد أجرته أنا، فقال (ص): ادخله علي، فدخل فقال ويحك يا أبا سفيان أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله، فسكت أبو سفيان، ثم أعادها عليه فغدى يتلجلج لسانه وعلي " ع " يقصده بسيفه والنبي (ص) محدق بعلي، فقال العباس يا أبا سفيان يضرب الله عنقك الساعة أو تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قال فأسلم اضطرارا خوف القتل فقال له النبي عند من تكون الليلة ؟ قال عند أبي الفضل يعني العباس بن عبد المطلب فسلمه إليه فلما أصبح سمع بلالا يؤذن فقال ما هذا المنادي ؟ ورأى النبي (ص) يتوضأ وأيدي المسلمين تحت شعره يستشفون بالقطرات فقال تالله ان رأيت اليوم كسرى وقيصر، فلما صلى النبي قال أبو سفيان يارسول الله اني احب ان تأذن لي اذهب الى قومي فأنذرهم وادعوهم الى الحق فأذن له فقال العباس يارسول الله ان أبا سفيان رجل يحب الفخر فلو خصصته بمعروف فقال (ص): من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم قال: من اغلق بابه فهو آمن، ثم قال للعباس ادركه واجلسه في مضايق الوادي حتى تمر به جنود الله فرأى خالد بن الوليد في المقدمة والزبير في جهينة وأسجع وأبا عبيدة في أسلم ومزينة والنبي في الانصار وسعد بن عبادة في يده راية النبي، فقال سعد بن عبادة يا أبا حنظلة فالتفت فهز الراية في وجهه وقال: اليوم يوم الملحمة اليوم تسبي الحرمة فأتى العباس الى النبي واخبره بمقالة سعد، وقيل اتاه أبو سفيان وقال فداك أبي وامي أتسمع ما يقول سعد يقول:

اليوم يوم الملحمة * * اليوم تسبى الحرمة

فقال لا بل اليوم يوم المرحمة، ثم قال يا علي ادرك سعدا وخذ الراية منه وادخلها ادخالا رفيقا فقال سعد لعلي لولاك يا أبا الحسن ما اخذت الراية مني، وقال أبو سفيان للعباس يا أبا الفضل ان ابن أخيك قد كنف ملكا عظيما فقال العباس ويحك هذه نبوة واقبل أبو سفيان من اسفل الوادي يركض فاستقبله قريش وقالوا ما وراءك وما هذا الغبار قال محمد في خلق ثم صاح يا آل غالب البيوت البيوت من دخل داري فهو آمن فعرفت هند فأخذت تطردهم ثم قالت اقتلوا الشيخ الخبيث من وافد قوم وطليعة قوم قال ويلك اني رأيت ذات القرون ورأيت فارس أبناء الكرام ورأيت ملوك كندة وفتيان حمير يسلمون


[ 202 ]

آخر النهار ويلك اسكتي فقد والله جاء الحق وذهبت البلية وكان قد عهد النبي ان لا يقتلوا منهم إلا من قاتلهم سوى عشرة الحويرث بن نفيل بن كعب ومقيس بن ذبابة وقرينة المغنية قتلهم أمير المؤمنين " ع " وعبد الله بن حنظل قتله عمار وبريدة وسعيد بن حبيب المخزومي وصفوان بن أمية هرب الى جدة فاستأمنه عبد الله بن وهب وانفذ إليه عمامة النبي واسلم وعكرمة بن أبي جهل هرب الى اليمن واسلم وعبد الله بن سرح عرف أمير المؤمنين " ع " انه في دار عثمان فأتى عثمان الى النبي شافعا فشفع فلما انصرف قال النبي في قتله، فقال سعد بن عبادة لو رمزت فقال لا رمز من النبي وسارت مولاة بني عبد المطلب وجدت قتيلة وهند دخلت دار أبي سفيان وتكلم أبو سفيان في بيعة النساء وعاونته ام الفضل وقرأت: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات) - الآية، فقبل منهن البيعة وقريبا انفلتتت هند عن الاسلام ويروى ان بيعة النساء كانت انه كان (ص) أمر بأحضار قصعة ملؤها ماء وغمس فيها يده المباركة وغمس بعده أيديهن وشرط عليهن أن لا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن اولادهن ولا يعملن الفجور فقالت هند أو تزني الحرة يارسول الله ؟ مستنكرة لذلك، فالتفت عمر بن الخطاب للعباس بن عبد المطلب وضحك لأنه كان قد اتاها في الجاهلية ورأى النبي اوباش قريش فأمر بحصدهم فقتل قوما منهم وانهزم الباقون وقتل من المسلمين ثلاثة نفر دخلوا أسفل مكة واخطؤا الطريق فقتلوا فسأل النبي عن المفتاح قالوا عند ام شيبة، فدعى شيبة وقال اذهب الى امك وقل لها ترسل بالمفتاح قالت له: قتلت مقاتيلنا وتريد أن تأخذ مكرمتنا فقال لترسلن به أو لأقتلنك فوضعته في يد الغلام فأخذه ثم قام ففتحه وستره فمن يومئذ يستر ثم دعى الغلام فبسط رداه وجعل فيه المفاتيح وقال ردها الى امك وأخذ بعضادتي الباب وقال لا إله إلا الله انجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وغلب الاحزاب وحده وكان صناديد قريش يظنون ان السيف لا يرفع عنهم فقال (ص) ألا ان كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية فانه موضوع تحت قدمي الاسد أما الكعبة وسقاية الحاج فانهما مردودان الى اهليهما الا ان مكة محرمة بتحريم الله لم يحل لأحد كان قبلي ولا لي إلا ساعة من


[ 203 ]

نهار الى أن تقوم الساعة لا يختلى خلالها ولا يقطع شجرها ولا ينفر صيدها ولا يحل لفظها إلا منشد، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: ألا بئس القوم كنتم لقد كذبتم وطردتم واخرجتم وظلمتم ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني فاذهبوا فأنتم الطلقاء، فدخلوا في الاسلام، واذن بلال على الكعبة فكره عكرمة فقال خالد بن اسيد: الحمد لله الذي اكرم أبا عتاب هذا اليوم، وقال الحرث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الاسود مؤذنا، وقال آخر، وقال آخر، فقال أبو سفيان اني لا اقول شيئا فو الله لو نطقت لظننت ان هذا الجدور تخبر محمدا، فبعث النبي واخبرهم بما قالوا، فاستغفروا الله وتابوا. وكان هناك ثلاثمائة وستين صنما بعضها مشدود ببعض بالرصاص فأنفذ أبو سفيان من ليلته منها الى الحبشة، ومنها الى الهند فهيؤا لها دارا من مغناطيس فتعلقت الى أيام محمود سبكتكين فلما غزاها أخذها فكسرها. (الغزوة السادسة) (غزوة حنين) وكانت في شوال، وذلك انه صلى الله عليه وآله وسلم لما فتح مكة أمر عتاب بن اسيد عليها ففات الحج من فساد هوازن في وادي حنين في الفين من مكة وعشرة آلاف كانوا معه، وكان استعار من صفوان بن امية مائة درع وهو رئيس جشم فأخذ أبا بكر العجب وقال لن نغلب اليوم عن قلة، واقبل مالك بن عوف النظري فيمن معه من قبائل قريش وثقيف وسمع عبد الله بن جدد عين رسول الله ابن عوف يقول: يا معشر هوازن انكم احد العرب واعده وان هذا الرجل لم يلق قوما يصدقونه القتال فإذا لقيتموه فاكسروا جفون سيوفكم واحملوا عليه حملة رجل واحد. قال الصادق عليه السلام: كانوا هوازن خرجوا بدريد بن صمة شيخا كبيرا


[ 204 ]

يتيممون به فقال نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهش مالي ورغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير وقفاء الشاة وخوار البقر فقال لابن مالك في ذلك فقال إني أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله فيقاتل عنهم قال ويحك لم تضع شيئا قدمت بيضة هوازن في نحور الخيل وهل يرد وجه المنهزم شئ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه وإن كان عليك فضحت في أهلك ومالك، ثم قال شعرا:

يا ليتني فيها جذع * * احب فيها وأضع

قال إنك كبرت وذهب علمك. قال جابر: كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضايقه، فما راعنا إلا كتائب الرجال فانهزم سليم وكان في المقدمة وانهزم من كان وراءهم وبقي مع النبي (ص) علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ونوفل وربيعة أخواه وعبد الله بن الزبير ابن عبد المطلب وعتبة ومعتب أبناء أبي لهب وأيمن مولى النبي، وكان العباس عن يمينه والفضل عن يساره والباقي حوله وعلي " ع " يضرب بالسيف بين يديه وفي ذلك يقول العباس بن عبد المطلب:

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * * وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا

قال الفضل بن العباس: أول من فر من الناس أبو بكر وعمر وكان يصيحان الفرار الفرار وفي ذلك يقول سلامة طاعنا عليهما شعرا:

أين كانوا في حنين ويلهم * * وضرام الحرب تخبو وتهب

ذاقت الأرض على القوم بما * * رحبت فاستحسن القوم الهرب

ولله در الشيخ كاظم الأزري طاب ثراه حيث يقول:

إن تكن فيهما شجاعة قرم * * فلماذا في الدين ما بذلاها

ذخراه لمنكر ونكير * * أم لأجناد مالك ذخراها

ونادى مالك بن عوف: أروني محمدا (ص) فأروه فحمل عليه فلقيه أيمن بن عبيد وهو ابن أم أيمن فقتله مالك وأتي إلى النبي ليضربه فبادره أمير المؤمنين " ع " بالسيف على رأسه فخرج يلمع من بين رجليه وكمن أبو جرول على المسلمين وكان على جمل أحمر


[ 205 ]

وبيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام هوازن ان أدرك أحدا طعنه برمحه وإن فاته الناس دفع لمن وراه وجعل يقتلهم وهو يرتجز ويقول: (أنا ابن جرول لا براح) فعمد أمير المؤمنين " ع " فضرب عجز بعيره فصرعه فقده نصفين وجعل يقول:

قد علم القوم لدي الصباح * * إني لدى الهيجاء ذو نصاح

فانهزم القوم بين يديه. قال ولما فر أصحاب رسول الله قال صلى الله عليه وآله للعباس بن عبد المطلب وكان جهوريا: نادي في القوم وذكرهم العهد، فنادى العباس: يا أصحاب سورة البقرة يا أهل بيعة الشجرة إلى أين تفرون اذكروا العهد، والقوم على وجوههم وذلك في أول ليلة من شوال، قال فنظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس ببعض وجهه في الظلماء فأضاء كأنه القمر ليلة البدر، ثم قام (ص) في ركاب سرجه حتى أشرف عليه وقال: الآن حمى الوطيس:

أنا النبي لا كذب * * أنا ابن عبد المطلب

وما زالوا يقاتلون المشركين حتى ارتفع النهار فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالكف ولم يكن في ذلك اليوم أحد قاتل أكثر من علي بن أبي طالب عليه السلام. قال الصادق " ع " سبى رسول الله (ص) يوم حنين أربعة ألاف رأس من الغنم واثني عشر ألف ناقة سوى ما لا يعلم من الغنائم. (الغزوة السابعة) (غزوة ذات السلاسل) وذلك أنه جاء اعرابي إلى النبي (ص) فقال يا رسول الله إن جماعة من العرب اجتمعوا بواد الرمل على أن يبيتوك بالمدينة فأمر بالصلاة جامعة فاجتمعوا وعرفهم وقال من من لهم ؟ فابتدر جماعة من أهل الصفة وغيرهم وعدتهم ثمانون وقالوا: نحن فول علينا من شئت، فاستدعى أبا بكر وقال امضي فمضى، فاتبعهم القوم وقتلوا جماعة كثيرة من


[ 206 ]

المسلمين وانهزم أبو بكر وجاء إلى رسول الله، فبعث عمر فهزموه مرة أخرى، فساء النبي (ص) ذلك فقال عمرو بن العاص: إبعثني يا رسول الله فإن الحرب خدعة ولعلني أخدعهم، فأنفذه مع جماعة، فلما صاروا إلى الوادي خرجوا إليه فهزموه وقتلوا جماعة من أصحابه، ثم دعى بأمير المؤمنين وبعثه إليه وشيعه إلى مسجد الأحزاب وأنفذه مع جماعة منهم أبو بكر وعمر وعمرو بن العاص، فسار بهم نحو العراق منكبا عن الطريق حتى ظنوا انه يريد بهم غير ذلك الوجه ثم أخذ بهم على طريق غامضة واستقبل الوادي وكان " ع " يسير الليل ويكمن النهار، فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يخفوا حسهم فوقفوا مكانا وتقدم أمامهم ناحية فلما رأى عمر بن العاص فعله لم يشك في كون الفتح له فخوف أبا بكر وقال له إن هذه أرض ذات سباع وذئاب كثيرة الحجارة وهي أشد علينا من بني سليم والمصلحة أن نعلوا الوادي وأراد فساد الحال على أمير المؤمنين حسدا له وبغضا، فأمره أن يقول ذلك لأمير المؤمنين، فقال له أبو بكر فلم يجبه بحرف واحد، فرجع أبو بكر وقال والله ما أجابني بحرف واحد فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب امض إليه فخاطبه، ففعل فلم يجبه أمير المؤمنين " ع " بشئ فقال عمر: نضيع أنفسنا انطلقوا بنا نعلوا الوادي، فقال المسلمون إن النبي أمرنا أن لا نخالف عليا فكيف نخالفه ونسمع قولك، فما زالوا حتى طلع الفجر، فكبس القوم وهم غافلون فأمكنهم الله منهم، فنزل جبرئيل على النبي (ص) بسورة العاديات فقال إقرأ يا محمد: (والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا) - إلى آخر السورة، قسما منه تعالى بخيل أمير المؤمنين، وعرفه الحال ففرح النبي وبشر أصحابه بالفتح وعرفهم وأمرهم بالاستقبال لأمير المؤمنين " ع "، فخرجوا والنبي يقدمهم فلما رأى أمير المؤمنين النبي ترجل عن فرسه فوقف بين يديه فقال (ص) لولا أني أشفق أن تقول فيك أمتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك اليوم مقالة لا تمر بملأ منهم إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة فإن الله تعالى ورسوله عنك راضيان.