الفصل الثاني (في جملة من الشعر الذي قيل في رثائه " ع "، وقد إلتزمنا هنا) :

ما التزمناه في قصائد مديحه عليه السلام لنخبة الفضلاء وزبدة الأدباء السيد حيدر الحلي " ره ":

قم ناشد الاسلام عن مصابه * * اصيب بالنبي ام كتابه

ام ان ركب الموت عنه قد سرى * * بالروح محمولا على ركابه

بلى قضى نفس النبي المصطفى * * وادرج الليلة في أثوابه

مضى على إهتضامه بغصة * * غص بها الدهر مدى اعقابه

عاش غريبا بينها وقد قضى * * بسيف اشقاها على إغترابه

لقد أراقوا ليلة القدر دما * * دمائها إنصببن في إنصبابه

تنزل الروح فوافى روحه * * صاعدة شوقا الى ثوابه

فضج والأملاك فيها ضجة * * منها اقشعر الكون في اهابه

وانقلب الاسلام للفجر بها * * للحشر أعوالا على مصابه

لله نفس أحمد من قد غدا * * من نفس كل مؤمن أولى به

غادره ابن ملجم ووجهه * * مخضب بالدم في محرابه

وجه لوجه الله كم عفره * * في مسجد كان أبا ترابه

فاغبر وجه الدين لاصفراره * * وخضب الايمان لاختضابه

ويزعمون حيث طلوا دمه * * في صومهم قد زيد في ثوابه

والصوم يدعو كل يوم صارخا * * قد نضحوا دمي على ثيابه

اطاعة قتلهم من لم يكن * * تقبل طاعات الورى إلا به


[ 394 ]

قتلتم الصلاة في محرابها * * يا قاتليه وهو في محرابه

وشق رأس العدل سيف جوركم * * مذ شق منه الرأس في ذبابه

فلامة اليوم غدت في مجهل * * ظلت طريق الحق في شعابه

فيا لها غلطة دهر بعدها * * لا يحمد الدهر على صوابه

وما كفاه ان أرانا ضلة * * وهادة تعلوا على هضابه

حتى أرانا ذئبه مفترسا * * بين الشبول ليثه في غابه

هذا أمير المؤمنين بعد ما * * ألجأهم للدين في ضرابه

قد ألف الهيجاء حتى ليلها * * عرابه يأنس في عقابه

يمشي إليها وهو في ذهابه * * اشد شوقا منه في إيابه

كالشبل في وثبته والسيف في * * هيبته والصل في انيابه

ارداه من لو لحظته عينه * * في مازق لفر من ارهابه

وهو لعمري لو يشاء لم ينل * * ما نال اشقى القوم في ارابه

لكن غدا مسلما محتسبا * * والخير كل الخير في احتسابه

فليبك جبريل له ولينتحب * * في الملأ الأعلى على مصابه

نعم بكى والغيث من بكائه * * ينحب والرعد من انتحابه

منتدبا في صرخة وانما * * يستصرخ المهدي بانتدابه

يا أيها المحجوب عن شيعته * * وكاشف الغم على احتجابه

كم تغمد السيف لقد تقطعت * * رقاب أهل الحق في ارتقابه

فانهض لها فليس إلاك لها * * قد سئم الصابر جرعه

واطلب أباك المرتضى * * ممن غدا منقلبا عنه

على فهو كتاب الله ضاع بينهم * * فاسأل بأمر الله عن كتابه

وقل ولكن بلسان مرهف * * واجعل دماء القوم في جوابه

يا عصبة الالحاد اين من قضى * * محتسبا فكنت في احتسابه

اين أمير المؤمنين أو ما * * عن قتله اكتفيت باغتصابه


[ 395 ]

للحاج محمد رضا الازري رحمه الله تعالى:

مصاب رمى ركن الهدى فتصدعا * * ونادى به ناعي السماء فأسمعا

وضجت له الأملاك في ملكوتها * * وأوشك عرش الله ان يتضعضعا

ومن يك أعلى الناس شأنا ومفخرا * * يكن رزئه في الناس ادهى وافضعا

ألا يا لا قوامي لدهياء لا ارى * * عظيم الأسى في جنبها لي مقنعا

مصاب على الاسلام ألقى جرانه * * وبرقع بالغي الهدى فتبرقعا

فيا ناشد الاسلام قوض رحله * * وصاح به داعي النفير فجعجعا

واصبح كالذود الظماء بقفرة * * من الدهر لم تعهد بها الدهر مربعا

فاعظم بها من طخية قد تغلقت * * وغبت على الاسلام سوداء زعزعا

اطلت على الآفاق تدوي كأنها * * عباب طغى اذيمه متدفعا

وان قتيلا شيد الدين سيفه * * جدير عليه الدين ان يتصدعا

فيا هل درى الاسلام ان زعيمه * * لقى حوله جبريل ينعى

فلا نعى وان عماد الدين بان عميدها * * وودعها داعي الهدى يوم ودعا

وياهل درى المختار ان حبيبه * * بسيف عدو الله امسى مقنعا

واقسم لو اصغي النقي بقبره * * بكاء أسى في قبره وتفجعا

ومن عجب ان ينزل الموت داره * * وقد كان لا يلقاه إلا مروعا

لتبك الطلول الغلب من آل هاشم * * طويل ذرى حك السها فتصدعا

ليبك التقى منه منار هداية * * وتنعى الوغا منه كميتا سميدعا

وان يبكه الاسلام وجدا وحسرة * * فقد كان للاسلام حصنا ومفزعا

وان يبكه البيت الحرام فطالما * * به كان محمي الجوار ممنعا

وان يبك جبريل له فطالما * * بخدمته جبريل كان ممتعا

وان يبكه بدر السماء فانما * * بكى البدر بدرا منه اسنى وارفعا

ولو علقت شمس الضحى يوم دفنه * * لحظت له في عينها الشمس مضجعا

امام دعى الله حتى انتهى له * * ألا هكذا فليدع لله من دعا


[ 396 ]

وان عد في نسك فلم يبق أورعا * * وان عد في فتك فلم يبق اروعا

لقد طبق الآفاق بأسا ونائلا * * فذلت له الأعناق خوفا ومطمعا

كان مقاليد القضاء بكفه * * فلم يك إلا ما اراد وارفعا

اما والهجان السود تدمى نحورها * * ومن يمنى القى الجمار تطوعا

وبالبيت ذي الأستار والنفر الاولى * * بأرجائه تهوي سجودا وركعا

وبالأبطح الأعلى ومروة والصفا * * وبالحجر الملوس والركن اجمعا

لقد صرع الاسلام ساعة قتله * * فيامصرع الاسلام عظمت مصرعا

فكيف ودار الوحي اضحت ربوعها * * خلاء وامسي منزل الدين لقعا

اجدك من للدين ابقيت كالئا * * ومن لعلوم الغيب اصبحت مودعا

ومن لثغور الدين يحشى لهاتها * * عناجيج يحملن الوشيج المزعزعا

صوافن يحملن الشكائم شزبا * * ويخفش بالأيدي وثوبا الى الوغا

إذا اقتدحتها في العراق عزائم * * اضاء سناها في الحجاز وشعشعا

كتائب كالأعلام يسري بها القضا * * فلا تنثني إلا سواطع شرعا

إذا جاش منها سيل طودك لم يدع * * متونا بأرض المشركين واجرعا

ولو قذفت قبل الشواظ دخانها * * لخرت لهاشم الأقاليم خشعا

فخار على الجوزاء مد رواقه * * فمد به الدين الرواق المرفعا

ومشتاقه للدين ساورها الجوى * * فبثت اساها والحنين المرجعا

إذا ما انقضت انفاسها من ضلوعها * * تجد بشبا الانفاس صدرا مبضعا

ويا رب دمع كان صعبا قياده * * فأصبح منقادا ليومك طيعا

وان نكس الاسلام بعدك رأسه * * فكم طال بوعا في ذراك واذرعا

وان افرغت فيه النواظر دمعها * * تجد منه صدرا بالكآبة مترعا

وان يغد في الارضين رزئك مفضعا * * فقد راح في أهل السماوات افضعا

ويومك في الاسلام قد ثل ثلمة * * واوسع خرقا في الهدى ان يرقعا

فلا بطشت إلا بساعد اجذم * * ولا عطست إلا بما رن اجدعا


[ 397 ]

للفاضل الكامل الشيخ كاظم سبتي الذاكر النجفي رحمه الله:

خطب ألم بركن الدين فانهارا * * اودى الغداة بقلب المصطفى نارا

والدهر انشأ غدرا في الهدى فدهى * * صنو النبي وكان الدهر غدارا

قذى لعينيه إذ أهدى الحمام له * * كيف استطاع لشمس الدين انكارا

فأي حادثة في الدين قد وقعت * * فألبسته من الأشجان اطمارا

قد كشرت ويحها عن ناب مفترس * * فأنشبت فيه انيابا واظفارا

فاظلمت طبقات الجو كاسفة * * من نقعها حين من افاقها ثارا

كرت وقد شمرت عن ساقها فرمت * * فجدلت بطلا في الحرب كرارا

هذي المحاريب اين القائمون بها * * والليل مرخي من الظلماء استارا

جار الزمان عليهم كم بهم ملأ ال‍ * * دنيا مصابا وكم اخلي لهم دارا

هذي منازلهم بعد الأنيس فلا * * ترى بها غير وحش القفر زوارا

سرحت فيها ودمع العين منهمل * * فكري وبي ضاق صدر الدهر افكارا

اضحى المؤمل الجدوى يجيل بها * * طرفا وليس يرى في الدار ديارا

اليك يا طالب المعروف عن دمن * * ما الضيم يوما عرى من اهلها جارا

نعمت في نيلهم حتى إذا ضعفوا * * اتيت تطلب بعد العين آثارا

بالله يا راكبا حرفا معودة * * طي السباسب انجادا واغوارا

بممم بها بمنى من غالب فئة * * وجوهها سطعت في الليل اقمارا

مطعامة الجدب ان كف به بخلت * * واسرة الحرب ان نقع لها ثارا

ترى الفتى منهم يحكي الفتاة حيى * * وفي الكريهة يحكي الليث هدارا

وفي الظلام إذا قاموا لربهم * * قاموا عبيدا ويوم السلم احرارا

وابدى لها الويل حران الحشى واذل * * مذاب دمعك في الخدين مدرارا

فأي طود هدى من مجدكم مارا * * وأي بحر ندى من جوكم غارا

هذا علي أمير المؤمنين لقى * * مضرجا بدم من رأسه فارا

قد حجب الخسف بدرا منه مكتملا * * وغيض الحتف بحرا منه تيارا


[ 398 ]

اردى ومن حوله المسلمين ترى * * من دهشة الخطب اقبالا وادبارا

وافت إليه بنوه الغر مسفرة * * عن أوجه تملأ الظلماء أنوارا

تدعوه والعين عبرى تسهل دما * * والحزن أجج في احشائها نارا

يا نيرا غاب عن افق الهدى فأرى * * افق الهدى لا يرى للصبح اسفارا

قد كان فيك ولم يخطر له خطر * * من الضلال ليخشى اليوم اخطارا

ترضى ببطن الثرى قبرا وقل علا * * لو اتخذت بعين الشمس اقبارا

وقبل نعشك ما شاهدت نعش فتى * * من فوق أعناق أملاك السما سارا

أبكيك في الجدب مطعاما سواغبها * * وفي لظى الحرب مقداما ومغوارا

فلا أرى بعد حامي الجار من احد * * يجيرنا من صروف الدهر لو جارا

فلا بدى بعده بدر ولا طلعت * * شمس ولا فلك في افقها دارا

للأديب الأريب والبارع اللبيب الحاج علي البغدادي :

شهر الصيام به الاسلام قد فجعا * * وفي رزيته قلب الهدى انصدعا

شهر الصيام بكت عين السما دما * * فيه وجبريل ما بين السماء نعا

اليوم في سيف اشقى العالمين هوى * * شخص الوصي وفي محرابه صرعا

اليوم مات الهدى والدين منهدم * * وفي ثياب الأسى قد بات مدرعا

اليوم فلتسكب الأيتام عبرتها * * ولتترك الصبر لكن تصحب الجزعا

اليوم في قتله الهادي وفاطمة * * ماتا وعليا نزار سورها انصدعا

سعت بقتل وصي المصطفى فئة * * على قلوبهم الشيطان قد طبعا

قد غادروا شمل دين الله مفترقا * * ويزعمون بقتل المرتضى جمعا

هذا ابن ملجم قد اردى أبا حسن * * أهل درى اليوم من اردى ومن صرعا

ما ناله سيف اشقاها بضربته * * لكنما صنع المقدور ما صنعا

وكيف بالسيف ما فلت مضاربه * * إذا تساقط دون المرتضى قطعا

سيف اصيب به رأس الوصي لقد * * اصاب قلب الهدى والعلم والورعا

ما بالها هجعت عن يومه مضر * * وبعده الدين والاسلام ما هجعا


[ 399 ]

فلتندب الطهر فهر ندب ثاكلة * * تساقط الدمع من احشائها قطعا

الباب الثاني

وفيه ثلاثة فصول

الفصل الاول في حال قاتله وهو ابن ملجم لعنه الله :

في كتاب (نور الأبصار) للشبلنجي الشافعي عن انس بن مالك قال: مرض علي (ع) فدخلت عليه وعنده أبو بكر وعمر فجلست عنده معهما، فجاء النبي (ص) فنظر في وجهه، فقال أبو بكر قد تخوفنا عليه يا رسول الله ! فقال (ص): لا بأس عليه ولن يموت الآن، ولا يموت حتى يملأ غيظا، ولن يموت إلا مقتولا، وفيه عن صهيب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (ع): من اشقى الاولين يا علي ؟ قال: الذي عقر ناقة صالح (ع) قال: صدقت، فمن اشقى الآخرين ؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: في الآخرين الذي يضربك على هذه، وأشار الى يافوخه. وكان علي (ع) يقول لأهله: والله لوددت لو انبعث اشقاها. وفيه عن ابي الاسود الدئلي: انه عاد عليا (ع) في شكوى اشتكاها، قال: قلنا له لقد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه. قال: فقال (ع) لكن والله ما تخوفت على نفسي، لأني سمعت رسول الله (ص) يقول: انك ستضرب ضربة ها هنا، وأشار الى رأسي، فيسيل دمها حتى تخضب لحيتك ! يكون صاحبها اشقاها، كما كان عاقر الناقة اشقى ثمود. وفيه سئل علي (ع) وهو على المنبر في الكوفة عن قوله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) ؟ فقال: اللهم غفرا، هذه الآية نزلت في وفي عمي حمزة وفي ابن عمي عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب


[ 400 ]

فأما عبيدة فقد قضى نحبه يوم بدر، وأما عمي حمزة فانه قضى نحبه يوم احد، وأما أنا فانتظر اشقاها يخضب هذه من هذه، وأشار الى لحيته ورأسه، عهدا عهده إلي حبيبي أبو القاسم. وقال الفرزدق:

ولا غر وللأشراف ان ظفرت بها * * كلاب الاعادي من فصيح وأعجم

فحربة وحشي سقت حمزة الردى * * وحتف علي من حسام بن ملجم

وفي " البحار " عن أبي جعفر " ع " قال: ان عاقر ناقة صالح ازرق ابن بغي، وان قاتل علي ابن بغي، وكانت مراد تقول ما نعرف له فينا ابا ولا نسبا ! وان قاتل الحسين (ع) ابن بغي، وانه لم يقتل الأنبياء ولا أولاد الأنبياء إلا اولاد البغايا. وروي عن حنان بن سدير عن رجل من مزينة قال: كنت جالسا عند علي (ع) فأقبل إليه قوم من مراد ومعهم ابن ملجم لعنه الله، قالوا: يا أمير المؤمنين ان هذا طرأ علينا، ولا والله ما جائنا زائرا ولا منتجعا ! وإنا لنخافه عليك فأشدد يديه، فقال له علي (ع): اجلس، فنظر في وجهه طويلا، ثم قال: أرأيتك ان سألتك عن شئ وعندك منه علم، هل انت مخبري عنه ؟ قال نعم، وحلفه عليه، فقال: كنت تصارع الغلمان وتقوم عليهم فكنت إذا جئت فرؤك من بعيد، قالوا جائنا ابن راعية الكلاب ؟ قال اللهم نعم ! فقال له: مررت برجل وقد ابقعت، فقال وقد أحد النظر اليك اشقى من عاقر ناقة ثمود ؟ قال نعم، قال: قد اخبرتك امك انها حملت بك في بعض حيضها ؟ فتتمنع هنيئة ! ثم قال نعم، حدثتني بذلك ولو كنت كاتما شيئا لكتمتك هذه المنزلة، فقال له علي (ع): قم ؟ فقام. ثم قال (ع): سمعت رسول الله (ص) يقول: ان قاتلك شبه اليهودي، بل هو اليهودي لعنه الله تعالى. وعن كتاب (كفاية الأثر): لما قتل أمير المؤمنين (ع) رقى الحسن على المنبر فأراد الكلام فخنقته العبرة فقعد ساعة، ثم قام فقال: الحمد لله الذي كان في أوليته وحدانيا، وفي أزليته متعظما بآلهيته، متكبرا بكبريائه وجبروته، إبتدأ ما ابتدع،


[ 401 ]

وأنشأ ما خلق على غير مثال كان سبق مما خلق، ربنا اللطيف بلطف ربوبيته وبعلم خيره فتق، وبأحكام قدرته خلق جميع ما خلق، فلا مبدل لخلقه، ولا مغير لصنعه ولا معقب لحكمه، ولا راد لأمره، ولا مستراح عن دعوته، ولا زوال لملكه، ولا انقطاع لمدته، فوق كل شئ علا، ومن كل شئ دنى، فتجلى لخلقه من غير ان يكون يرى، وهو بالمنظر الأعلى، احتجب بنوره، وسما في علوه، فاستتر عن خلقه، وبعث إليهم شهيدا عليهم، وبعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوه، فيعرفوه بربوبيته، بعد ما انكروه، والحمد لله الذي أحسن الخلافة علينا أهل البيت، وعنده نحتسب عزانا في أمير المؤمنين (ع) ولقد اصيب به الشرق والغرب، والله ما خلف درهما ولا دينارا إلا اربعمائة درهم اراد يبتاع لأهله خادما، ولقد حدثني جدي رسول الله (ص): ان الأمر يملكه اثني عشر إماما من أهل بيته وصفوته، ما منا إلا مقتول أو مسموم. ثم نزل عن منبره، فدعى بابن ملجم لعنه الله ؟ فأتي به، قال يابن رسول الله استبقني اكن لك واكفيك أمر عدوك بالشام ! فعلاه الحسن (ع) بسيفه فاستقبل السيف بيده فقطع خنصره ثم ضربه ضربة على يافوخه فقتله لعنة الله عليه. وفي (فرحة الغري) قال الثعلبي (الثقفي خ ل) في كتاب (مقتل أمير المؤمنين (ع)) ونقلتها من نسخة عتيقة تأريخها سنة خمسة وخمسين وثلثمائة وذلك على أحد القولين: ان عبد الله بن جعفر قال: دعوني أشفي بعض ما في نفسي عليه - يعني ابن ملجم لعنه الله - فدفع إليه فأمر بمسمار فحمي بالنار ثم كحله، فجعل ابن ملجم لعنه الله يقول تبارك الخالق للأنسان من علق، يابن اخ لتكحلن بمملول مض، ثم امر بقطع يده ورجله فقطع، ولم يتكلم، ثم امر بقطع لسانه فجزع !. فقال له بعض الناس: يا عدو الله كحلت عينك بالنار وقطعت يداك ورجلاك فلم تجزع، وجزعت من قطع لسانك ؟ فقال لهم يا جهال انا والله ما جزعت لقطع لساني ولكني اكره ان اعيش في الدنيا لا اذكر الله ! فلما قطع لسانه احرق بالنار لعنه الله. وفيه عن عبد الصمد بن احمد عن ابن الجوزي قال: قرأت بخط ابي الوفاء ابن


[ 402 ]

عقيل قال: لما جيئ بابن ملجم لعنه الله الى الحسن (ع) قال له: اني اريد ان اسارك بكلمة ! فأبى الحسن (ع) وقال: انه يريد ان يعض اذني ! فقال ابن ملجم لعنه الله والله لو امكنني منها لاخذتها من صماخه ! !. وفي (نور الأبصار عن المناقب) لابن ابي بكر الخوارزمي قال: قال أبو القاسم ابن محمد: كنت في المسجد الحرام فرأيت الناس مجتمعين حول مقام إبراهيم (ع) فقلت: ما هذا ؟ فقالوا راهب قد أسلم وجاء الى مكة وهو يحدث بحديث عجيب فأشرفت عليه فإذا شيخ كبير عليه جبة صوف وقلنسوة صوف عظيم الجثة عند المقام يحدث الناس وهم يستمعون له. قال: فبينما انا قاعد في صومعتي في بعض الايام إذ أشرفت منها إشرافة، فإذا طائر كالنسر الكبير قد سقط على صخرة على شاطئ البحر فتقيأ فرمي من فيه ربع انسان، ثم طار فغاب يسيرا، ثم عاد فتقيأ ربع آخر، ثم طار وعاد فتقيأ هكذا الى ان تقيأ اربعة أرباع الانسان ثم طار، فدنت الارباع بعضها من بعض فإلتأمت، فقام منها انسان كامل، وانا اتعجب مما رأيت، فإذا بالطائر قد انقض عليه فاختطف ربعه ثم طار ثم عاد واختطف ربعا آخرا، ثم طار وهكذا الى ان اختطف جميعه، فبقيت متفكرا ومتحسرا ان لا كنت سألته من هو وما قصته. فلما كان في اليوم الثاني إذا بالطائر قد اقبل وفعل كفعله بالامس، فلما إلتأمت الارباع وصارت شخصا كاملا، نزلت من صومعتي مبادرا إليه وسألته بالله من انت يا هذا ؟ فسكت، فقلت له بحق من خلقك إلا ما اخبرتني من انت ؟ فقال انا ابن ملجم، فقلت ما قصتك مع هذا الطائر ؟ قال قتلت علي بن أبي طالب ! فوكل الله بي هذا الطائر يفعل بي ما ترى كل يوم !. فخرجت من صومعتي وسألت عن علي بن أبي طالب ؟ فقيل لي: انه إبن عم رسول الله فأسلمت وأتيت الى بيت الله الحرام قاصدا الحج وزيارة قبر رسول الله (ص) أقول: رأيت هذا الخبر في كتاب الخوارزمي كما ذكر، ورواه الراوندي في " الخرائج " أيضا، إلا انه قال بعد قوله يفعل بي هذا الفعل كل يوم، فبينما هو يخبرني


[ 403 ]

إذ انقض الطائر عليه فأخذ ربعه وطار.

الفصل الثاني في الوقائع المتأخرة عن قتله عليه السلام :

في " المناقب " لابن شهراشوب " ره " عن علي بن الجعد عن شعبة عن قتادة ومجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ان السماء والارض لتبكي على المؤمن إذا مات اربعين صباحا، وانها تبكي على العالم إذا مات اربعين شهرا، وان السماء والارض ليبكيان على الرسول اربعين سنة، وان السماء والارض ليبكيان عليك يا علي اربعين سنة. قال ابن عباس: لقد قتل أمير المؤمنين " ع " على الارض بالكوفة فامطرت السماء ثلاثة أيام دما. وفيه عن أبي حمزة عن الصادق (ع) وقد روي أيضا عن سعيد بن المسيب: انه لما قبض أمير المؤمنين (ع) لم يرفع من وجه الارض حجرا إلا وجد تحته دم عبيط. وعن اربعين الخطيب وتأريخ النسوي: انه سأل عبد الملك بن مروان الزهري ما كانت علامة يوم قتل علي (عليه السلام) ؟ قال: ما رفع حصاة من بيت المقدس إلا كان تحتها دم عبيط. قال: ولما ضرب (عليه السلام) في المسجد سمع صوت لله الحكم لا لك يا علي ولا لاصحابك فلما توفي سمع في داره " أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة " ثم هتف هاتف آخر: مات رسول الله (ص) ومات أبوكم. وفي " أخبار الطالبين " ان الروم اسروا قوما من المسلمين، فأتى بهم الى الملك فعرض عليهم الكفر ! فأبوا، فامر بالقائهم في الزيت المغلي واطلق منهم رجلا بحالهم، فبينما هو يسير إذ سمع وقع حوافر الخيل فنظر وإذا اصحابه الذين القوا في الزيت فقال لهم في ذلك، فقالوا قد كان ذلك، فنادى مناد من السماء في شهداء البر والبحر ان


[ 404 ]

علي بن أبي طالب قد استشهد في هذه الساعة فصلوا عليه فصلينا ونحن راجعون الى مصارعنا. وقال أبو زرعة الرازي بإسناده عن منصور بن عمار: انه سئل عن أعجب ما رآه ؟ قال: ترى هذه الصخرة في وسط البحر يخرج من هذا البحر كل يوم طائر مثل النعامة فيقع عليها، فإذا استوى واقفا تقيأ رأسا ثم تقيأ يدا وهكذا عضوا عضوا، ثم تلتأم الاعضاء بعضها الى بعض حتى يستوي انسانا قاعدا ثم يهم للقيام، ثم هم للقيام نقره نقرة فأخذ رأسه ثم اخذ عضوا عضوا كما قاءه، فلما طال علي ذلك ناديته يوما من أنت ؟ التفت إلي وقال هو عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب ! وكل الله به هذا الطير فهو يعذبه الى يوم القيامة. وزعم انهم يسمعون العواء من قبره. أقول: وقد ذكرنا في الفصل السابق عن أبي القاسم بن محمد ما يشبه هذا الخبر. وفي كتاب " مقاتل الطالبيين " بإسناده عن اسماعيل بن راشد في اسناده قال: لما اتى عائشة نعي علي أمير المؤمنين (ع) تمثلت بقول الشاعر :

فألقت عصاها واستقر بها النوى * * كما قر عينا بالإياب المسافر

ثم قالت من قتله ؟ فقيل رجل من مراد فقالت !

فان يك نائيا فلقد بغاه * * غلام ليس في فيه التراب

فقالت لها زينب بنت ام سلمة: ألعلي (عليه السلام) تقولين هذا ؟ ! فقالت إذا نسيت فذكروني ! ثم تمثلت !

ما زال اهداء القصائد بيننا * * باسم الصديق وكثرة الالقاب

حتى تركت كأن قولك فيهم * * في كل مجتمع طنين ذباب

قال : وكان الذي جائها بنعيه سفيان بن امية بن عبد شمس بن أبي الوقاص.

أقول: ومثل هذا ذكر ابن الأثير في تأريخه الكبير. وقال أبو الفرج بإسناده لما ان جاء عائشة خبر قتل أمير المؤمنين علي عليه السلام سجدت !!!!

قلت : ليت شعري كيف التوفيق بين هذه الاخبار وادعاء توبتها بعد حرب الجمل


[ 405 ]

وفي " مروج الذهب " للمسعودي مر ابن عباس بقوم ينالون من علي (ع) ويسبونه ! فقال لقائده: إدنني منهم فأدناه فقال: ايكم الساب لله ؟ قالوا نعوذ بالله ان نسب الله ! فقال ايكم الساب لرسول الله (ص) ؟ فقالوا نعوذ بالله ان نسب رسول الله فقال ايكم الساب علي بن أبي طالب ؟ قالوا اما هذه فنعم ! قال أشهد لقد سمعت رسول الله (ص) يقول: من سبني فقد سب الله، ومن سب عليا فقد سبني، فأطرقوا فلما ولى قال لقائده: كيف رأيتهم ؟ فقال:

نظروا اليك بأعين مزورة * * نظر التيوس الى شفار الجازر

فقال: زدني فداك أبي وامي ؟ فقال:

خزر العيون منكسي اذقانهم * * نظر الذليل الى العزيز القاهر

فقال: زدني فداك أبي وامي ؟ فقال: أعندي مزيد ولكن عندي:

احياءهم تحني على امواتهم * * والميتون فضيحة للقابر

أقول: ونقل في (نور الأبصار) مثله، إلا انه ذكر: ان القائد كان سعيد بن جبير (ره) ونقل الرواية عنه. ونقل أيضا: دخل ضرار بن حمزة على معاوية بعد قتل أمير المؤمنين " ع " فقال صف لي عليا ؟ فقال: اعفني، فقال اقسمت عليك لتصفه ؟ قال: أما إذا كان ولا بد، فانه: والله كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، ينفجر العلم من جوانبه، وتنفلق الحكمة من لسانه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل وو حشته، وكان غزير الدمعة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا، لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم اهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييئس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا على لحيته، يتململ تملل السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يادنيا غري غيري، أبي تعرضت ؟ أم إلي تشوقت ؟ هيهات هيهات، قد طلقتك ثلاثا، لا راجعة لي فيك، فعمرك قصير، وخطرك كبير،


[ 406 ]

وعيشك حقير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق. فبكى معاوية وقال رحم الله أبا الحسن، قد كان والله كذلك، فكيف حزنك يا ضرار ؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها، فهي لا يرقى دمعها ولا يخفى فجعها. وفي (خرائج الراوندي) مرفوعا عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام): جاء اناس الى الحسن بن علي (ع) فقالوا أرنا بعض ما عندك من عجائب أبيك التي كان يريناها ؟ فقال (ع): أتؤمنون بذلك ؟ قالوا نعم قال: أليس تعرفون أمير المؤمنين (ع) ؟ قالوا بلى، فرفع لهم جانب الستر، فقال: أتعرفون هذا ؟ قالوا بأجمعهم هذا والله أمير المؤمنين ونشهد انك ابنه. وفيه مرفوعا عن رشيد الهجري (ره) قال: دخلنا على أبي محمد الحسن بن علي بعد مضي أبيه أمير المؤمنين " ع " فتذاكرنا شوقا إليه، فقال الحسن (ع): أتحبون ان تروه ؟ قلنا نعم، وأتى لنا بذلك، وقد مضى لسبيله، فضرب يده الى ستر كان معلقا على باب صدر المجلس فرفعه، فقال: انظروا من في هذا البيت ؟ فإذا أمير المؤمنين (ع) جالس كأحسن ما رأيناه، فقلنا هو هو، ثم خلى الستر عن يده، فقال بعضنا لبعض هذا من الحسن " ع " كالذي كنا نشاهد من أمير المؤمنين " ع " ومعجزاته. وقد روى الثقاة الرواة من أصحابنا: ان الله تعالى خلق ملائكة على صورة محمد (ص) وعلى صور جميع الأئمة عليهم السلام، وكان النبي (ص) حدث أصحابه بأنه رأى ليلة المعراج في كل سماء ملكا على صورة علي بن أبي طالب " ع " فقال جبرئيل (ع): يا محمد ان ملائكة السماء كانوا يشتاقون الى علي عليه السلام فخلق الله لهم ملكا في كل سماء على صورة علي عليه السلام. أقول: يروى انه لما ضرب أمير المؤمنين (ع) على رأسه صارت الضربة في صورة الملك الذي في السماء، فالملائكة ينظرون إليه ويلعنون قاتله الى يوم القيامة.


[ 407 ]

الفصل الثالث في ظهور قبره ايام السفاح أو (الرشيد) وكرامات ظهرت عند ضريحه وذكر بعض ما جاء في فضل أرض النجف وزيارته عليه السلام:

 قد أشرنا فيما سبق من الروايات في فضل شهادته " ع " انه أوصى: باخفاء قبره خوفا من الخوارج والمنافقين، ولذلك وقع الاختلاف بين المخالفين في موضع قبره " ع " فذهب جماعة منهم انه دفن في رحبة الكوفة، وقيل في المسجد، وقيل في قصر الامارة وقيل أخرجه الحسن " ع " الى المدينة ودفنه بالبقيع، وقيل بعثه الى المدينة، قبل مسيره، وقيل غير ذلك. قال في (البحار) وكان بعض جهلة الشيعة يزورونه بمشهد في الكرج. وأما أصحابنا بل جميع الشيعة أجمعوا على انه " ع " مدفون بالغري في الموضع المشهور الآن، رووه خلفا عن سلف الى أئمة الدين صلوات الله عليهم أجمعين فانهم كانوا يزورونه هناك، وكان لا يعرف ذلك إلا الخواص من الشيعة، الى ان ورد الصادق جعفر بن محمد عليه السلام الحيرة في زمن السفاح وبينه لشيعته، ومن هذا اليوم الى الآن يزوره كافة الشيعة في ذلك المكان. قال المفيد (ره) في " الارشاد " حدثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة قال حدثني عبد الله بن حازم قال: خرجنا يوما مع الرشيد من الكوفة نتصيد فصرنا الى ناحية الغريين فرأينا ظباء فأرسلنا عليها الصقور والكلاب فجاولتها ساعة ثم لجأت الى اكمة فصعدت عليها، فسقطت الصقور ناحية ورجعت الكلاب، فتعجب الرشيد من ذلك، ثم ان الظباء هبطت من الاكمة، فنهضت الصقور والكلاب فرجعت الظباء الى الاكمة، فتراجعت عنها الكلاب والصقور، ففعلن ذلك ثلاثا. فقال هارون اركضوا فمن لقيتموه فاتوني به ! فأتيناه بشيخ من بني أسد، فقال له هارون اخبرني ما هذه الاكمة ؟ قال ان اخبرتك لي الامان ؟ قال لك عهد الله


[ 408 ]

وميثاقه، قال حدثني أبي عن آبائه انهم كانوا يقولون في هذه الاكمة قبر علي بن أبي طالب (ع) جعله الله حرما، لا يأتي إليه شئ إلا أمن، فنزل هارون فدعي بماء فتوضأ وصلى عند الاكمة وتمرغ عليها وجعل يبكي ! ثم انصرفنا. قال محمد بن عائشة فكان ذلك في قلبي، فلما كان بعد ذلك حججت الى مكة فرأيت بها ياسرا من رجال الرشيد، فكان يجلس معنا إذا صففنا، فجرى الحديث الى ان قال: قال لي الرشيد ليلة من الليالي وقد قدمنا مكة ونزلنا الكوفة يا ياسر قل لعيسى بن جعفر ليركب ؟. قال: فركبا جميعا وركبت معهما، حتى إذا صرنا الى الغريين، فأما عيسى فطرح نفسه فنام، واما الرشيد فجاء الى الاكمة وصلى عندها ! وكلما صلى دعا وبكى وتمرغ على الارض ! ثم قال يابن عم انا والله اعرف فضلك وسابقتك وبك والله جلست مجلسي الذي انا فيه وانت انت، ولكن ولدك يؤذونني ويخرجون علي ! ثم يقوم فيصلي ! ثم يعيد هذا الكلام ويدعو ويبكي ! حتى إذا كان وقت الفجر قال لي يا ياسر أقم عيسى ؟ فأقمته، فقال له يا عيسى قم وصل عند قبر عمك، قال له وأي عم مني ؟ قال له هذا قبر علي بن أبي طالب (ع) فتوضأ عيسى وقام يصلي، ولم يزالا كذلك حتى طلع الفجر، فقلت يا امير المؤمنين ادركك الصبح. فركبنا فرجعنا الى الكوفة !. وفي " كشف اليقين " للعلامة " ره " كان بالحلة أمير، فخرج يوما الى الصحراء فوجد على قبة مشهد الشمس طيرا، فأرسل عليه صقرا يصطاده، فانهزم الطير عنه، فتبعه حتى وقع في دار الفقيه ابن نما، فتبعه حتى وقع عليه، فشجت رجلاه وجناحاه وعطل، فجاء بعض اتباع الامير، فوجد الصقر على تلك الحال فأخذه واخبر مولاه بذلك، فاستعظم هذا الحال وعرف علو منزلة المشهد، وشرع في عمارته. ورأيت في كتاب لم أستحضر اسمه الآن، اول من بنى القبة البيضاء على قبر أمير المؤمنين عليه السلام هو الرشيد. وقال أحمد بن مهنا في " العمدة " بعد نقل زيارة الرشيد للقبر الشريف، ثم اتى هارون سامر فبنى عليه قبة، وأخذ الناس في زيارته " ع " والدفن لموتاهم حوله،


[ 409 ]

الى ان كان زمن عضد الدولة فناخسرو ابن بابويه الديلمي عمره عمارة عظيمة وخرج على ذلك أموالا جزيلة وهيئ له أوقافا، ولم تزل عمارته باقية الى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، وكان قد ستر له عدة حيطان بخشب الساج المنقوش، فاحترقت تلك العمارة، وجددت عمارة المشهد، وقد بقى من عمارة عضد الدولة قليل وقبور آل بويه هناك ظاهرة مشهورة لم تحترق. وقال السيد عباس المكي في كتابه (نزهة الجليس) بعد ما أنشد هذين البيتين:

يا صاحب القبة البيضاء على النجف * * من زار قبرك واستشفي لديك شفي

زوروا أبا الحسن المولى لعلكم * * تحضون بالأجر والإقبال والشرف

تشرفنا بزيارة الامام المؤيد بالنصر والفتوح وضجيعيه آدم ونوح، وقد عقدت عليهم قبة عظيمة، وأول من عقد هذه القبة عليهم عبد الله بن حمدا في دولة بني العباس، ثم عمرها الملوك من بعده. أقول: وكانت بيضاء كما مر، ثم جاءت الملوك الصفوية وجعلوها خضراء، وأضاؤا بها القناديل والسرج وعمروا رواق عمران بن شاهين.

ولهذا الرواق قصة ذكرها السيد عبد الكريم بن طاووس في " فرحة الغري " ونقلها جماعة، وهي: ان عمران بن شاهين من أهل العراق عصى على عضد الدولة فطلبه طلبا حثيثا، فهرب منه الى المشهد العلوي مختفيا، فرأى أمير المؤمنين " ع " في منامه وهو يقول: يا عمران في غد يأتي فناخسرو الى هذا المكان، فيخرجون من فيه، فتقف أنت ها هنا - وأشار الى زاوية من زوايا القبة - فانهم لا يرونك، فسيدخل ويزور ويصلي ويبتهل في الدعاء والقسم بمحمد وآل محمد ان يظفره بك، فاذن منه وقل له: أيها الملك من هذا الذي قد ألححت بمحمد وآله ان يظفرك به ؟ فسيقول رجل شق عصاي ونازعني في ملكي وسلطاني، فقل ما لمن يظفرك به ؟ فيقول ان حتم علي بالعفو عنه عفوت عنه، فأعلمه بنفسك، فانك تجد منه ما تريد. فكان كما قال له، فقال: أنا عمران بن شاهين، قال له من أوقفك ها هنا ؟ قال: مولانا قال في منامي: غدا يحضر فناخسرو الى ها هنا، وأعاد عليه القول، فقال له:


[ 410 ]

بحقه قال لك فناخسرو ؟. قال: قلت أي وحقه، فقال عضد الدولة. ما عرف احد ان اسمي فناخسرو إلا امي والقابلة وأنا، ثم خلع عليه خلعة الوزارة، وطلع من بين يديه الى الكوفة.

وكان عمران بن شاهين قد نذر انه متى عفى عنه عضد الدولة أتي الى زيارة أمير المؤمنين (ع) حافيا حاسرا، فلما جنه الليل خرج من الكوفة وحده، فرأى علي ابن طحال أمير المؤمنين " ع " في منامه وهو يقول له: اقصد لوليي عمران بن شاهين وافتح الباب، فقعد وفتح الباب، وإذا بالشيخ قد أقبل، فلما وصل قال له: بسم الله مولانا، فقال له ومن أنا ؟ فقال: أنت عمران بن شاهين، قال لست بعمران بن شاهين فقال بلى، ان أمير المؤمنين (ع) أتاني في منامي وقال لي: اقعد وافتح الباب لوليي عمران بن شاهين، قال بحقه قال هو ذلك ؟. قال: قلت إى وحقه قال هو لي، فوقع على القبة يقبلها، وأحاله على ضامن السمك بستين دينارا. وكان له زواريق تعمل في الماء وفي صيد السمك، وبنى الرواق المعروف برواق عمران بن شاهين في ذلك الزمان في المشهدين الشريفين الغروي والحائري على مشرفهما السلام.

هكذا نقله السيد عبد الكريم بن طاووس عن ابن الطحال خادم المرقد الشريف. ثم جاء السلطان نادر شاه وجدد تعمير الصفوية، وأضاف إليها تعميرات وأزاد تذهيب القبة الشريفة، وبنى المنائر المقدسة بالذهب الآبريز، وعمر الصحن المقدس والرواقين الشريفين بهذا التعمير الموجود الآن. واسمه موجود في أركان الصحن الأعلى وكان السبب في بنائه ذلك البنيا ن انه: كان رجلا من السوقة، وقيل كان مكاريا، وقيل راعي غنم، ولما انقرضت الصفوية وجرى على فارس ما جرى من الاراذل قامت به الهمة وساعده التوفيق، فتغلب على جملة من بلادها ووقعت له حروب كثيرة، ليس هذا موضع ذكرها، ونذر على نفسه متى تصرف بلاد فارس يبني ذلك البنيان ويقال: ان نادر شاه كان في أول امره من النواصب.


[ 411 ]

وقيل: كان لم يعرف شيئا من الأديان، ولما اخذ بغداد رأى الزوار يسيرون الى النجف الأشرف، فسأل عنهم ارباب دولته، قائلا الى أين يسيرون هؤلاء ؟ فقال له وزيره ميرزا مهديخان: يسيرون الى زيارة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فقال له الوزير هو وصي رسول الله وأخوه وزوج إبنته، فقال هل يرون هناك شيئا من الكرامات ؟ قالوا نعم، قال يا ميرزا مهديخان أنا أريد ان انظر كرامة بعيني وإلا اخذت رأسك ؟ وهدمت قبة علي بن أبي طالب ! فقال نعم يا مولانا، ان حضرة علي بن أبي طالب لا يدخلها الخمر ولا الكلاب، اما الخمر فتستحيل خلا، وأما الكلاب فتموت أو تفر، فمر بحمل الخمر واخذ الكلاب هناك لتنظر صحة ما ذكر، فأمر نادر شاه بحمل ثلاث اباريق من الخمر وثلاث كلاب وسلسلها بسلسلة من الذهب وقبض رأس السلسلة بيده وختم الخمر بخاتمه وأمر بالمسير الى النجف. فلما قربوا من الأرض المقدسة وإذا بالكلاب قطعت السلاسل وفرت لوجهها، فتعجب نادر شاه من ذلك، ونظر الى اباريق الخمر وإذا هي خل من أحسن الخل، فخر للأرض ساجدا تعظيما لأمير المؤمنين " ع " وأمر ببناه ذلك البنيان المقدس. ولما أراد الدخول الى الصحن الشريف لم يتجاسر على الدخول فأمر بسلسلة من الذهب وقال القوها في عنقي وجروني كالكلب الى باب علي " ع " ؟ فلم يجسر احد على ذلك، وإذا بشخص أقبل من كبد البر وأخذ السلسلة وألقاها في عنقه وجره الى باب الصحن. فلما زار وخرج سئل عمن فعل ذلك ؟ فتفقدوا الرجل فلم يجدوه. ولما كملت القبة الشريفة سألوه عما يكتبوا في قنتها ؟ فقال اكتبوا (يد الله فوق ايديهم) فكتبوا ذلك، فقال الوزير للبنائين ان نادر شاه رجل أعجمي لم يقرأ ولم يكتب، فسألوه عما قال، فان الله أجرى على لسانه، فسألوه ؟ فقال أكتبوا ما قلت لكم أمس، وسألوه عما يكتبونه على المنائر الشريفة ؟ فقال وكبر أربعا: الله أكبر قبل ولما نظر ميرزا مهديخان الى اعداد تلك الحروف، وإذا هي تأريخ المنائر الشريفة، ثم أمر بتسوير النجف خوفا من الأعراب المعروفين بشمر وعنزة لانهم كانوا


[ 412 ]

في أذية النجف وأهلها وركب صندوقا من الفولاذ على القبر الشريف، وكم وكم رأى نادر شاه من المعاجز هناك، وكم وكم خدم من الخدمات لتلك البقعة الشريفة مما لا يسع ذكره هنا. قال الفاضل التقي والكامل النقي ملا أقا الدربندي " ره " في كتا ب (إكسير العبادة) حدثني بعض الثقاة عن السيد الأورع الأتقى صاحب المكارم والمقامات السيد باقر الخلخالي قال رأيت في المنام ان كرسيا من نور قد نصب في صحن النجف الأشرف وأمير المؤمنين " ع " جالس فيه وحوله رجال نورانيون وجوههم كالبدور الطوالع والنجوم السواطع، فبينما أمير المؤمنين (ع) في مقام الأمر والنهي إذ قال آتوني بذلك الرجل فأسرع جمع الى الامتثال بأمره وركضوا لاجل الانقياد بقوله، فأتوا بعد سويعة بالسلطان ذو السطوة نادر شاه، فلما تمثل بين يديه عليه السلام صار كالميت بين يدي الغسال لا حراك له، فعاتبه (ع) بجملة من العتابات، وكان يقول له انت فعلت كذا وانت تركت كذا، وعد جملة من جرائمه وذنوبه التي فعلها في ايام سلطنته وهو مطرق الى الارض رأسه وفرائصه ترتعد وبدنه يرتعش من هيبة ولي الله (ع) وأخذه وبطشه. فلما فرغ أمير المؤمنين " ع " من عتابه رفع نادر شاه رأسه وقال يا ولي الله يا أمير المؤمنين أتأذن لي ان أعرض الى حضرتك كلاما مختصرا ؟ فقال له انت مأذون في ذلك، فقال يا أمير المؤمنين انا ذو جرائم وذنوب غير محصاة وانا مقر بذلك. ولكن مع ذلك فعلت فعلا جميلا وهو كالمسامير في أعين اعدائك واعداء شيعتك، فقال له: وما هو، فقال هو عمارتي هذه القبة المنورة قبتك، وجعلي إياها مذهبة، فالتفت أمير المؤمنين " ع " الى من حوله وأقبل بوجهه الكريم إليهم فقال قد صدق الرجل ثم قال (ع) خذوه الى المكان الذي أعد له في أزاء عمله هذا، فأخذوه وذهبوا به الى المكان الذي أشار إليه أمير المؤمنين (ع). قال السيد الأجل: فاسرعت في الركض حتى وصلت الى باب بستان، فدخلت البستان، فوالله العلي العظيم ما كنت رأيت قبل ذلك مثله، وأنا عاجز في وصفه


[ 413 ]

ومدحه، ورأيت نادر شاه مخلعا بثياب فاخرة سلطانية جالسا على سرير من السرر السلطانية، فسلمت عليه فرد علي السلام وهنأته بهذه الكرامة العظمى وقلت له تعجبت من فراستك حيث تخلصت من عقوبات تلك الجرائم الكبيرة ووصلت الى ذلك المقام، وهذه النعمة العظمى، فقال لي أيها السيد الأجل اني ما تكلمت عند حضرة أمير المؤمنين (ع) إلا بالحق والصدق، قلت: وما أحسن قول عبد الباقي افندي يصف القبة الشريفة.

وليلة حاولنا زيارة حيدر * * وبدر دجاها مختف تحت أستار

بادلا جنا ضل الطريق دليلنا * * ومن ضل يستهدي بشعلة أنوار

فلما تجلت قبة المرتضى لنا * * وجدنا الهدى منها علي النور لا النار

ثم جاء السلطان الأعظم والخاقان الأفخم ناصر الدين شاه " ره " فأزاد على تعمير نادر، وأتى للحضرة المقدسة والرواق المقدس بأبواب الفضة وعلق هناك القناديل المذهبة والمفضضة وجاء بالشمعدانات العظيمة والتحف السنية وغيرها، وركب صندوقا على الصندوق النادري من فضة، وهو الذي يقول فيه عبد الباقي العمري البغدادي:

ألا ان صندوقا أحاط بحيدر * * وذي العرش فان الى حضرة القدس

وقال لم يكن لله كرسي عرشه * * فان الذي في ضمنه آية الكرسي

وقال جامع الكتاب عفى الله عنه:

ان صندوق حيدر عالي الجاه * * علا فاق فوق العرش الودود

فهو نفس الوجود ان لم يكن فيه * * فو الله فيه عين الوجود

وأهدى ناصر الدين شاه تاجا مرصعا بالدر والجوهر، وهو الذي فوق الصندوق النادري في صندوق، وركب فوق الصندوق قسيا ركبها على المرقد الشريف، وهي التي يقول فيها الشاعر المومى إليه:

على ذروة الصندوق من قبر حيدر * * عواتك نبل كلهن بواتك

عليه لقد احنت حنينها كما * * على مهده من قبل احنى العواتك

وقد ظهر في هذا المرقد الشريف من يوم دفن الامام (ع) الى هذه الايام


[ 414 ]

كرامات ومعجزات عظيمة لا يحصى عددها، ونحن نثبت منها جملة، لئلا يخلو كتابنا منها، ولنبدأ بقصص ذكرها السيد الاجل التقي النقي العابد الزاهد الصفي الوفي السيد عبد الكريم بن طاووس " ره " في كتاب " فرحة الغري ". قال " ره " اخبرني عبد الرحمن الحربي الحنبلي عن عبد العزيز بن الاخضر عن محمد بن ناصر السلامي عن أبي العنائم محمد بن علي بن ميمون البرسي قال اخبرني الشريف أبو عبد الله قال حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن عبد الله الجواليقي بقراءته علي لفظا وكتبه لي بخطه قال اخبرنا أبي قال اخبرني جدي أبو امي محمد بن علي بن رحيم الثاني قال مضيت أنا ووالدي علي بن رحيم عمي حسين بن رحيم وأنا صبي صغير في سنة نيف وستين ومأتين بالليل ومعنا جماعة مختفين الى الغري لزيارة قبر مولانا أمير المؤمنين (ع) فلما جئنا الى القبر، وكان يومئذ حول قبره أحجار سود ولا بناء حوله ! وليس في طريقه غير قائم الغري، فبتنا نحن عنده وبعضنا يصلي وبعضنا يزور، وإذا نحن بأسد مقبل نحونا ! فلما قرب منا مقدار رمح قال بعضنا لبعض ابعدوا عن القبر حتى ننظر ما يريد فأبعدنا، فجاء الاسد الى القبر، فجعل يمرغ ذراعه على القبر وفيه جراح، فلم يزل يمرغ ساعة، ثم إنزاح عن القبر ومضى، وعدنا الى ما كنا عليه من القرائة والصلاة والزيارة والقرآن. قال مؤلف هذا الكتاب عفى عنه حدثني جماعة من مشائخ النجف الأشرف على مشرفه الصلاة والسلام ان في سنة المأتين وخمسة وخمسين بعد الالف من الهجرة، جاء أسد وأراد الدخول الى الحضرة العلوية للثم تلك الأعتاب السنية، فتصايح الناس وسد أبواب القلعة بابها بأمر الحكومة العثمانية، فجعل الاسد يزئر من قريح قلبه واضعا براثنه على يده وبقى الى اليوم الثاني، ثم مضى، وكان يأتي كل ليلة جمعة ويزئر خلف السور الى الصباح، وكانت الناس تهرب منه. فلما طال مكثه عرفت الخلائق انه لم يقصد أذية احد، فكانوا يمرون من حوله وينظرون إليه جمعا بعد جمع وهو لا يلتفت إليهم، بل هو شاخص ببصره نحو أسد الله وأسد رسوله، وكان وقومه في ليالي الجمعة عند ركن السور المعروف اليوم بقولة السبع


[ 415 ]

ولما سار خبر هذا الاسد في البلاد، وبلغ اهل بغداد قال عبد الباقي افندي العمري معاتبا للاولى امروا بسد الباب ومنعوا ذلك الاسد من الدخول على ذلك الجناب:

عجبت لسكان الغري وخوفهم * * من الأسد الضاري إذ جاء مقبلا

ليلثم أعتابا تحط ببابها * * ملائكة السبع السماوات أرحلا

وفي سوقها قد أناخت تواضعا * * قساورة الغاب الربوبي كلكلا

وهم في حمى فيه الوجود قد إحتمى * * ومغناه كم أغنى عديما ومرملا

وقد أغلقوا باب المدينة دونه * * وذلك باب ما رأيناه مقفلا

فمرغ خدا في ثرى باب حطة * * ورد وقد أخفى الزئير مهرولا

فلو عرفوا حق الولا ء لحيدر * * لما منعوا عنه مواليه لا ولا

وقال " ره ": وجدت ما صورته عن العم السعيد رضى الدين بن طاووس عن الشيخ حسين بن عبد الكريم الغروي، وان كان اللفظ يزيد أو ينقص عما وجدته مسطورا قال: كان قد وفد الى المشهد الشريف الغروي على ساكنه السلام رجل أعمى من أهل تكريت وكان قد عمى على كبر، وكانت عيناه قد دلتا على خده، وكان كثيرا ما يقعد عن المسألة ويخاطب الجناب الأشرف المقدس بخطاب غير حسن ! وكنت تارة أهم بالانكار عليه وتارة يراجعني الفكر بالصفح عنه، فمضى على ذلك مدة، فإذا أنا في بعض الايام قد فتحت الخزانة إذ سمعت ضجة عظيمة، فظننت انه قد جاء للعلويين بر من بغداد، أو قتل في المشهد قتيل، فخرجت ألتمس الخبر ؟ فقيل لي ها هنا أعمى قد رد الله بصره، فرجوت ان يكون ذلك الاعمى، فلما وصلت الى الحضرة الشريفة، وجدته ذلك الاعمى بعينه وعيناه كأحسن ما يكون، فشكرت الله تعالى على ذلك. قال " رحمه الله ": وزاد والدي على هذه الرواية انه كان يقول له من جملة كلامه كخطاب الاحياء وكيف يليق راجئي وأمسى يشفى من لا يجيب. وقال " ره ": وقفت في كتاب قد نقل عن الشيخ حسين بن الحسين بن الطحال المقداد قال أخبرني ابي عن ابيه عن جدي انه أتاه رجل مليح الوجه نقي الأثواب


[ 416 ]

ودفع إليه دينارين وقال له: اغلق علي القبة وذرني، فأخذها منه وأغلق الباب فنام فرأى أمير المؤمنين (ع) في منامه وهو يقول له: اقعد اخرجه عني فانه نصراني فنهض علي بن طحال حمل حبلا فوضعه في عنق الرجل وقال له اخرج، أتخدعني بالدينارين وانت نصراني ! فقال له لست بنصراني ! قال بلى ان أمير المؤمنين (ع) أتاني في المنام واخبرني انك نصراني، وقال اخرجه عني، فقال: امدد يدك فانا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن عليا ولي الله، والله ما علم أحد بخروجي من الشام ولا عرفني احد من أهل العراق، ثم حسن إسلامه. (في قصة البدوي مع شحنة الكوفة) وفي سنة خمس وسبعين وخمسمائة كان الأمير مجاهد الدين سنقر امر بقطع الكوفة وقد وقع بينه وبين بني خفاجة، فما كان احد منهم يأتي الى المشهد ولا غيره إلا وله طليعة، فاتى فارسان فدخل احدهما وبقى الآخر طليعة، فخرج سنقر من مطلع الرهيمي وأتى مع السور، فلما بصر الفارس نادى بصاحبه جائت العجم وتحته سابق من الخيل فأفلت، ومنعوا ان يخرج من الباب واقتحموا ورائه فدخل راكبا، ثم نزل عن فرسه قدم باب السلام الكبير البراني، فمضت الفرس فدخلت في باب ابن عبد الحميد النقيب بن اسامة، ودخل البدوي ووقف على الضريح الشريف، فقال سنقر ايتوني به، فجائت المماليك يجذبونه من الضريح الشريف ! وقد لزم البدوي برمانة الضريح وقال أنا عربي، وانت عربي، وعادة العرب الدخول، وقد دخلت عليك يا أبا الحسن دخيلك، وهم يكفون اصابعه عن الرمانة الفضية، وهو ينادي ويقول: لا تحقر ذمامك يا أبا الحسن ؟ فاخذوه ومضوا به ! فاراد ان يقتله ! فقطع على نفسه مأتي دينار وحصان من الخيل الذكور، فكفله ابن بطن الحق على ذلك ! ومضى ابني الحق يأتي بالفرس والمال. فلما كان الليل وأنا نائم مع والدي محمد بن الطحال بالحضرة الشريفة وإذا بالباب تطرق، فنهض والدي وفتح الباب وإذا أبو البقاء ابن الشيرجي السوراوى ومعه البدوي وعليه جبة حمراء وعمامة زرقاء ومملوك على رأسه منشفة مكورة بحملها، فدخلوا القبة الشريفة حين فتحت ووقفوا قدام الشباك وقال: يا أمير المؤمنين عبدك


[ 417 ]

سنقر يسلم عليك ويقول لك: الى الله واليك المعذرة والتوبة، وهذا دخيلك وهذا كفارة ما صنعت، فقال له والدي: ما سبب هذا ؟ قال: انه رأى أمير المؤمنين " ع " في منامه وبيده حربة وهو يقول له: لئن لم تخلي سبيل دخيلي لانتزعن نفسك على هذه الحربة، وقد خلع عليه وأرسله معه خمسة عشر رطلا فضة، بعيني رأيتها وهي سروج وكيزان ورؤوس أعلام وصفائح فضة، فعملت ثلاث طاسات على الضريح الشريف، وما زالت الى ان سكت في هذه الحلية التي عليه الآن. وأما البدوي قال ابن بطن الحق رأى في منامه أمير المؤمنين (ع) وهو يقول له: ارجع الى سنقر، فقد خلى سبيل البدوي الذي كان قد اخذه، فرجع الى المشهد واجتمع بالأسير المطلق، هذا رأيته سنة خمس وسبعين وخمسمائة. (قصة سيف سرق من الحضرة الشريفة ! وظهر فيما بعد) قال: وفي سنة أربع وثمانين وخمسمائة في شهر رمضان المبارك كانوا يأتون مشايخ زيدية من الكوفة كل ليلة يزورون الامام (عليه السلام) وكان فيها رجل يقال له عباس الامعص. قال ابن الطحال: وكانت نوبة الخدمة تلك الليلة علي، فجاؤا على العادة وطرقوا الباب ففتحته، وفتحت باب القبة الشريفة، وبيد عباس سيف ! فقال لي اين اطرح هذا السيف ؟ فقلت اطرحه في هذه الزاوية، وكان شريكي في الخدمة شيخ كبير يقال له بقا ابن عنقود فوضعه ودخلت، فاشعلت له شمعة وحركت القناديل وزاروا وصلوا وطلعوا، وطلب عباس السيف فلم يجده ! فسألني عنه ؟ فقلت له: مكانه، فقال ما هو ها هنا، فطلبه فما وجده، وعادتنا ان لا نخلي احد ينام بالحضرة سوى اصحاب النوبة. فلما يئس منه دخل وقعد عند الرأس وقال: يا أمير المؤمنين أنا وليك عباس، واليوم لي خمسون سنة أزورك في كل ليلة في رجب وشعبان ورمضان والسيف الذي معي عارية، وحقك ان لم ترده علي ما رجعت زرتك أبدا، وهذا فراق بيني وبينك ومضى، فاصبحت فاخبرت السيد النقيب السعيد شمس الدين علي بن المختار، فضجر علي وقال: ألم أنهكم ان ينام احد بالمشهد سواكم، فأحضرت الختمة الشريفة وأقسمت بها: انني فتشت المواضع وقلبت الحصر وما تركت احدا عندنا، فوجده ذلك امر


[ 418 ]

عظيما، وصعب عليه. فلما كان بعد ثلاثة ايام وإذا أصواتهم مرتفعة بالتكبير والتهليل، فقمت ففتحت لهم الباب على جاري عادتي وإذا بعباس الامعص والسيف معه، فقال: يا حسن هذا السيف فالزمه، فقلت: اخبرني خبره ؟ فقال: رأيت مولانا أمير المؤمنين (ع) في منامي وقد أتى إلي وقال: يا عباس لا تغضب، إمض الى دار فلان بن فلان، إصعد الغرفة التي فيها التبن وخذ السيف، وبحياتي عليك لا تفضحه ولا تعلم به احدا، فمضيت الى النقيب شمس الدين فأعلمته بذلك، فطلع في السحر الى الحضرة وأخذ السيف منه وقال له ذلك، فقال لا اعطيك السيف حتى تعلمني من كان أخذه ؟ فقال له عباس: يا سيدي يقول لي جدك: بحياتي عليك لا تفضحه ولا تعلم به احدا، وأخبرك ؟ ولم يعلمه، ومات ولم يعلم احدا من الآخذ للسيف. وهذه الحكاية اخبرنا بمعناها المذكور القاضي الفاضل المدرس عفيف الدين ربيع ابن محمد الكوفي عن القاضي الزاهد علي بن بدر الهمداني عن عباس المذكور يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وستمائة. (قصة لطيفة) قال: وفي سنة تسع وثمانين وخمسمائة كانت نوبتي وشيخ يقال له أبو الغنايم ابن كدونا، وقد أغلقت الحضرة الشريفة صلوات الله على صاحبها، فإذا وقع في مسامعي صوت أحد أبواب القبة، فارتعدت لذلك وقمت ففتحت الباب الاولى ودخلت الى باب الوداع، فلمست الأقفال فوجدتها على ما هي، ومشيت الى الأبواب أجمع فوجدتها بحالها، وكنت أقول: والله لو وجدت احدا للزمته، فلما رجعت طالعا وصلت الى الشباك الشريف وإذا رجل على ظهر الضريح احققه في ضوء القناديل، فحين رأيته أخذتني القعقعة والرعدة العظيمة وربى ولساني في فمي الى ان صعد سقف حلقي، فلزمت بكلتا يدي عمود الشباك وألصقت منكبي الأيمن في ركنه وغاب وجدي عني ساعة ! وإذا همهمة الرجل ومشيه على فراش الصحن بالقبة وتحريك الختمة الشريفة بالزاوية من القبة وبعد ساعة رد روعي وسكن ما عندي، فنظرت فلم أره، فرجعت حتى اطلع وجدت


[ 419 ]

الباب المقابل باب الحضرة للنساء قد فتح منه مقدار شبر، فرجعت الى باب الوداع، ففتحت الأقفال والأغلال ودخلت اغلقته من داخل، فهذا ما رأيته وشاهدته. وقال رحمه الله: في ذلك الكتاب ذكر ابراهيم بن علي بن محمد بن بكروس الدينوري في كتاب (نهاية الطلب وغاية السؤل في مناقب آل الرسول) وقد اختلفت الروايات في قبر أمير المؤمنين " ع " ! والصحيح انه مدفون في الموضع الشريف الذى على النجف الآن ويقصد ويزار، وما ظهر لذلك من الآيات والآثار والكرامات اكثر من ان يحصى وقد أجمع الناس عليه على اختلاف مذاهبهم وتباين اقوالهم. ولقد كنت في النجف ليلة الاربعاء ثالث عشر ذي الحجة سنة سبع وتسعين وخمسمائة ونحن متوجهون نحو الكوفة بعد ان فارقنا الحاج بأرض النجف وكانت ليلة مضحية كالنهار، وكان من الوقت ثلث الليل، فظهر نور دخل القمر في ضمنه ولم يبق له أثر، وكان يسير الى جانبي بعض الأخيار وشاهد ذلك أيضا، فتأملت سبب ذلك وإذا على قبر أمير المؤمنين (ع) عمود من نور يكون عرضه في رأي العين نحو الذراع وطوله عشرين ذراعا، وقد نزل من السماء وبقى على ذلك حدود ساعتين ما زال يتلاشى على القبة، حتى اختفى عني، وعاد نور القمر على ما كان عليه وكلمت الجندي الذي كان على جانبي فوجدته قد ثقل لسانه، وما زلت به حتى عاد لما كان عليه واخبرني انه شاهد مثل ذلك. قال: قال جامع الكتاب: وهذا باب متسع لو ذهبنا الى جميع ما قيل فيه لضاق عنه الوقت ولظهر العجز عن الحصر، فليس ذلك بموقوف على احد دون الآخر، فان هذه الاشياء الخارقة لم تزل تظهر هنالك مع طول الزمان، ومن تدبر ذلك وجده مشاهدة واختبارا من أحق بذلك منه (عليه السلام) وهو الذي إشترى الآخرة بطلاق الاولى، وفيما أظهرنا الله عليه من خصائصه كفاية لمن كان له نظر ودراية، والله الموفق لمن كان له قلب وأراد الهداية، هذا آخر كلامه. أقول: حكاية ظهور النور من القبر الشريف مما تلهج به أهل النجف الأشرف وكذا ظهوره في غير النجف الأشرف من العتاب العاليات، وقد ظهر ورأى كرارا.


[ 420 ]

ومما شاع وذاع وملأ الأسماع ان في سنة ثلثمائة بعد الالف من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الصلاة والتحية ورد جماعة من الاعراب زوار الى النجف قاصدين ذلك المحل المحفوف بالفخر والشرف وقد وصلوا بعد مضي ثلث من الليل، فوجدوا باب السور مغلقة، فطرقوا الباب فلم يفتح لهم، وأجابهم البواب: بأن الباب لا تفتح إلا عند طلوع الشمس ! فتكدرت قلوبهم وانهملت أعينهم وجعلوا يهرولون ويخاطبون أمير المؤمنين (ع) بما معناه: إن كنت قبلت زيارتنا فافتح لنا الباب، وإلا فهو علامة عدم قبول زيارتنا، ونحن نمضي عنك هذه الليلة، وإذا بنور أضاء السماء والارض وصاحت الباب صيحة عظيمة وانفتحت، فدخلوا كلهم فرحين مسرورين يهرولون ويترنمون بمدح الامام (ع)، وبقى النور يسايرهم حتى دخلوا الصحن الشريف ثم صار كالعمود على القبة المباركة وبقى مدة الى ان غاب. وقد رأيت من رأى ذلك النور وبعض اولئك الزوار، والحمد لله رب العالمين على ما أكرمنا بهذا الامام المبين وصلى الله على نبيه محمد وآله أجمعين. (وهذه قصص عجيبة) تتضمن معاجزا ظهرت من المرقد المقدس، ذكرها العلامة الفاضل والفهامة الكامل شيخنا المعاصر الحاج ميرزا حسين النوري في كتابه (دار السلام) عن كتاب (حبل المتين في معجزات أمير المؤمنين (ع)) للعالم الفاضل شمس الدين محمد الرضوي من علماء الدولة الصفوية في عصر السلطان المغفور له الشاه طهماسب المتأخر، قال حدثني السيد الحسيب النسيب السيد نصر الله المدرس في كربلا قال نقل ابن طاووس عن الرواة الثقاة ما معناه: ان بعض العشارين في الرماحية ضرب بعض زوار أمير المؤمنين (ع) ضربا مؤلما ! وأذاه أذى كثيرا: بحيث أيس الزائر من حياته ! فقال لذلك العشار لأشكونك عند أمير المؤمنين (ع) فقال: قل ما شئت واطلب منه ما تريد ! فاني لا اخاف من ذلك فلما تشرف بحضرة أمير المؤمنين " ع " بكى هناك وشكى إليه ما صنع به العشار وكان من كلامه: يا سيدي أنا زائرك، وحق على المزور حراسة زائره وحفظه على المسؤل إجابة سائله، وعلى المشتكى إليه ان يأخذ حق من شكى إليه من ظالمه، وأنا أشكو


[ 421 ]

اليك من ظلمني وهو فلان بن فلان العشار بالرماحية فخذ حقي منه الساعة يا سيدي. ثم قال: إلهي كثر اعداء دينك، وقل أنصاره، وخفي وانطمس الحق وظهر الباطل... الى ان قال: إلهي فانتقم لي ممن ظلمني بحق صاحب هذا القبر، فلما فرغ من دعائه أمن من كان معه من الزوار، وكان الرجل من الصلحاء، وكان هذا في وقت الصبح، فلما كان وقت الظهر أتى الروضة المقدسة وقال مثل مقالته وأمنوا الزوار لدعائه، ولما أمسى أتى أيضا وشكى مثل شكايته، فلما أخذ مضجعه رأى في المنام شخصا على فرس أبيض ووجهه كالقمر ليلة البدر وقد أشرق الارض بنور وجهه يناديه باسمه وكنيته كأنه يعرف أهله وقبيلته وبلده ومحلته حتى كأنه أحد أهل بيته، فقال الزائر من أنت يا سيدي ؟ فقال: أنت زائري وسائلي والمشتكى الى الله وإلي وما تعرفني حتى أعرفك بنفسي أنا علي بن أبي طالب أنا صاحب الكمالات، أنا كاشف الكربات أنا الغامر في البحار الزاخرات، أنا صاحب الآيات والمعجزات، أنا الذي كشف الكرب عن وجه ابن عمي رسول الله (ص)، أنا وصيه وناصره وقاضي دينه. قال ذلك الرجل: فهممت ان أقبل يده ورجله، فقال: قف مكانك، فوقفت في مكاني متحيرا ولم يكن لي قدرة ان أتقرب إليه، فقال (ع): أتشكو من فلان العشار ؟ فقلت: نعم يا سيدي لقد آذاني لمحبتي إياك ! فقال (ع) اعفو عنه ؟ فقلت لا يا سيدي لست أعفو عنه وأرجو من حضرتك ان تأخذ حقي منه، فقال تجاوز عنه لأجلنا ؟ فقلت: لا أعفو، وكرر ذلك ثلاثا، فلم أقبل منه ! فذهب شخصه عن نظري وانتبهت وقصصت رؤياي على الزوار فبكوا واكثروا من قولهم لي أطع مولاك وكنت أقول لهم لا أعفو عنه ! فذهبت الى الروضة الشريفة وفعلت فيها مثل ما فعلت بالأمس، فلما رقدت رأيت مثل ما في الليلة الاولى، ولما أصبحت صنعت مثلما صنعت في اليومين، فلما نمت رأيت مثل ما رأيت في الليلتين، فقال " ع ": اعف عنه فاني اريد أن أكافئه على فعله وحسنة صدرت منه ؟ فقلت: يا سيدي ما هو وأي شئ فعله ؟ ؟ فقال (ع): مر على مشهدي فنزل عن فرسه وتواضع من بين قومه: وأريد ان أجازيه بالعفو عنه، فتجاوز واعف عنه، فاني ضامن لك عوض هذا في يوم القيامة


[ 422 ]

فلما انتبهت سجدت شكرا لله تعالى. ولما بلغت الى ذلك العشار قال: شكوت الى سيدك فلم يقبل شكواك ؟ فقلت: ان سيدي عفا عنك لفعل فعلته في ساعة كذا في يوم كذا، وهو: انك كنت مع جماعة من العسكر أتيتم من بلدة السماوة قاصدين بغداد، فلما نظرت الى القبة المنورة من بعيد نزلت عن فرسك ومشيت حافيا الى ان غابت القبة عن نظرك، فلك أجر وثواب لهذا العمل، وقال (ع): انك ابن فلان الى ان بلغ الى أحد أجدادك، قال (ع): هو من كبار أصحابنا. فلما سمع العشار تأمل فتذكر وتحقق عنده ان ما ذكرته صدق، ومع ذلك كان عنده نسب أجداده، فنظر إليه فكان كما قال " ع " من غير زيادة ونقصان، فقام وقبل يدي ورجلي ورأسي وقال: والله ما قاله (ع) حق وليس فيه شك، ثم تبرأ من دينه الباطل، وأضاف جميع الزوار ثلاثة ايام، ثم مشى معهم الى المشهد الغروي وزار وصلى ودعا وقسم على الزوار ألف دينار، فسطع من القبة أنوار وظهرت ونشرت كأنها أمطار، حتى رآها جميع أهل المشهد، والحمد لله رب العالمين. وقال شيخنا المزبور وفي الكتاب المذكور، قال: قال الشيخ لطفعلي: ان رجلا أتى من أرض الروم للزيارة، فلما قرب من حول النجف نام فأتاه جمع من اللصوص فسرقوا فرسه وسلاحه ! فلما إنتبه ورأى ما صنع به، أتى أمير المؤمنين (ع) وقال بعد الزيارة: يا أمير المؤمنين اني اطلب منك ثيابي وفرسي ؟ وبقى في الروضة المقدسة الى وقت إغلاق الأبواب، فاذهب به الى الكليد دار الى منزله وسأله عن أحواله ؟ فقال: اني أطلب من الامام (ع) ثيابي وفرسي، لأني من محبيه، فقال له الكليد دار إذا كان هذا إعتقادك فانه (عليه السلام) يرد عليك مالك. وفي هذه الليلة رأى المولى محمود الكليد دار أمير المؤمنين (ع) في منامه وانه قال له: إذهب الى المتولي وقل له: ان القبيلة الفلانية سرقوا فرس فلان الزائر وسلاحه فاكتب الى رئيسهم ان يأخذ ذلك منهم، فقص رؤياه على المتولي، فعمل بما أمر به فلما وصل الكتاب الى الرئيس قام يتفحص للفرس والسلاح، وإذا بالفرس وعليه السلاح


[ 423 ]

واقف باب بيت رجل من العرب فسئل عن حاله، فأجابته امرأته: بانه من يوم مجيئه الى الآن ترتعش أعضائه وهو مغمى عليه، فسألها عن سبب ذلك ؟ قالت: لا ندري إلا انه لما نزل من الفرس حدث فيه هذا المرض، فدخل في البيت وكلما سألته لم يقدر على الجواب، فعلم الرئيس ان الفرس هو الفرس المسروق، فأرسله الى المتولي وكتب إليه صورة الحال. (قصة مرة بن قيس) قال شيخنا المتقدم ذكره نقل في الكتاب المذكور عن السيد الجليل والعالم النبيل السيد نصر الله الحايري عن المولى عبد الكريم عن كتاب (تبصرة المؤمنين): ان الشيخ المعتمد الموثوق به الشيخ عمران ذكر وقال انه نقله مفصلا بعض العلماء المتقدمين، وكذا الفاضل محمد صالح الحسيني الترمذي المتخلص بكشفي من أهل السنة في كتابه (المناقب) وقال انه: ثبت ذلك بالأسانيد الصحيحة وهو: ان مرة بن قيس كان رجلا كافرا، له اموالا وخدم وحشم كثيرة، فتذاكر يوما مع قومه في احوال آبائه واجداده واكابر قومه، فقيل ان علي بن أبي طالب " ع " قتل منهم الوفا، فسأل عن مدفنه ؟ فدلوه على النجف ! فاخذ معه الفي فارس ومن الرجال الوفا ! ولما وصل الى نواحي النجف اطلع أهله، فتحصنوا وقام الحرب بينهم الى ستة ايام ! فهدموا موضعا من حصار البلد ! فانهزم المسلمون ! ودخل الخبيث في الروضة وقال يا علي أنت قتلت ابائي واجدادي ! واراد ان ينبش القبر المطهر ! ! فخرج من القبر إصبعان كأنهما لسانا سيفه ذي الفقار وضربت وسط اللعين، فقطع نصفين وصار النصفان من حينهما حجرا اسودا وأتوا بهما الى خلف باب البلد، وكان كل من زار البلد المشرف مدفن أمير المؤمنين (ع) رفس ذلك الحجر برجله، ومن خواصه انه كان لم يمر عليه حيوان إلا بال عليه، ثم أخذهما بعض الجهال وأتي بهما الى المسجد الكوفة ليشتري به ثمنا قليلا، فينتفع بسببه من الناظرين، فاضمحل الحجر بمرور الايام وتفتت. قال صاحب الكتاب: وحدثني الشيخ يونس وكان من صلحاء أهل النجف انه رأى عضوا من اعضائه فيه.


[ 424 ]

ويحكى عن الشيخ العالم الجليل الشيخ قاسم الكاظمي الساكن في ارض الغرى، صاحب (شرح الاستبصار): انه كان كثيرا ما يدعو على الرجل المذكور ويقول: خذل الله من اخرج هذا الملعون من العتبة المقدسة واخفى هذه المعجزة الباهرة. ونقل صاحب الكتاب ايضا عن الشيخ يحيى والشيخ لطف الله انهما شاهدا نصفه في سوق النجف ولا يمر الحمار إلا ويبول عليه، وكان الناس يرمونه الاحجار فتكسر بعض جوانبه. قالا: وكان المنافقون من أهل النجف يسترونه تحت التراب لئلا يراه الزوار وغيرهم ولذا حمله بعض الناس وأتى به مسجد الكوفة، والله أعلم بحقيقة الحال. قال شيخنا المزبور في الكتاب المذكور عن الشيخ لطف الله المذكور قال: لما توجه السلطان مراد من سلاطين العثمان الى زيارة النجف الأشرف ورأى القبة المباركة من مسافة اربعة فراسخ ترجل عن فرسه، فسألوه اصحابه عن سبب نزوله ؟ فقال: لما وقعت عيني على القبة المنورة إرتعشت اعضائي بحيث لم استطع على الوقوف على ظهر الفرس فامشي راجلا لذلك، فقالوا الطريق بعيد، فقال: نتفأل بكتاب الله، فلما فتحوا المصحف كان اول الصفحة: " فاخلع نعليك انك بالواد المقدس طوى " ؟ فمشى في بعض الطريق وركب بعضه الآخر، الى ان وصل الى الروضة المقدسة. ولما رأى الموضع المعروف في الصندوق المطهر المشهور بموضع الاصبعين سأل عن حكايته ؟ فذكروا له قصة مرة، فقال رجل هذا من موضوعات الروافض ! ولا أصل له ! فسأل من الحضرة العلوية تبين صدق هذه الواقعة وكذبها، ولما كان اليوم الآخر امر بقطع لسان الرجل المذكور. والظاهر: انه رأى في المنام ما ظهر منه كذب الرجل وعناده !. قلت: سمعت مذاكرة: ان السلطان ومن معه لما رأوا القبة المباركة نزل بعض الوزراء الذين كانوا معه، وكان يتشيع في الباطن، فسأل السلطان عن سبب نزوله ؟ فقال هو أحد الخلفاء الراشدين، نزلت إجلالا له، فقال السلطان: وأنا انزل ايضا تعظيما له.


[ 425 ]

فقال بعض النواصب الذين كانوا معه ان كان هو خليفة فانت أيضا خليفة ووال على المسلمين ! واحترام الحي اشد واولى من احترام الميت ! فتردد السلطان ! فتفأل بكتاب الله فكان تفأله: " فاخلع نعليك انك بالواد المقدس طوى " فترجل واحتفى وأمر بضرب عنق ذلك الذي نهاه، وأنشد هذين البيتين مشيرا الى هذه الواقعة:

تزاحم تيجان الملوك ببابه * * ويكثر عند الاستلام إزدحامها

إذا ما رأته من بعيد ترجلت * * وان هي لم تفعل ترجل هامها

وخمسها مادح أهل البيت (ع) وناصرهم بالقلب واللسان المولى الشيخ كاظم الازري رحمه الله فقال:

وزر مرقدا شمس العلى كقبابه * * وجبهة دار الملك دون عتابه

ألم تره مع عظم وسع رحابه * * تزاحم تيجان الملوك ببابه

ويكثر عند الاستلام إزدحامها بباطنه

آيات وحي تنزلت * * ورسل وأملاك به

قد توسلت لذاك سلاطين لديه تذللت * * إذا ما رأته من بعيد ترجلت

وان هي لم تفعل ترجل هامها

فصار البيتان مطروحا بين العلماء والشعراء، وخمسها جمع من الفضلاء ومن نفيس التخميس ما قاله السيد السند العلامة بحر العلوم المهدي طاب ثراه:

تطوف ملوك الارض حول جنابه * * وتسعى لكي تحظى بلثم ترابه

فكان كبيت الله بيت علا به * * تزاحم تيجان الملوك ببابه

ويكثر عند الاستلام إزدحامها

أتاه ملوك الارض طوعا وأملت * * مليكا سحاب الفضل منه تهللت

ومهما دنت زادت خضوعا به علت * * إذا ما رأته من بعيد ترجلت

وان هي لم تفعل ترجل هامها

وقال برد الله مضجعه في التشطير الفائح منه نشر العبير:

تزاحم تيجان الملوك ببابه * * ليبلغ من قرب إليه سلامها


[ 426 ]

وتسلم الأركان عند طوافها * * ويكثر عند الاستلام إزدحامها

إذا ما رأته من بعيد ترجلت * * ليرفع فوق الفرقدين مقامها

فان فعلت هاما على هامها علت * * وإن هي لم تفعل ترجل هامها

(قصة اخرى) قال شيخنا المقدم ذكره قدس سره، وفي الكتاب المذكور قال حدثني جمع من ثقاة أهل النجف قالوا: اتي بجنازة لتدفن في أرض النجف فرأى كليد دار أمير المؤمنين (ع) وانه قال له: امنعهم من دفن الجنازة هنا، فمنعها من الدفن وردها، فذهب المعمار وأخذ من اولياء الميت دنانيرا ودفنها ! فرأى الكليد دار في تلك الليلة أمير المؤمنين (ع) وانه قال له: ان المعمار اخذ دنانيرا ودفنها ! وكلما اخذ صار خزفا، فلما أصبح رأى ان الأمر كما أخبره الامام (ع). (قصة اخرى) قال شيخنا " ره " وفيه عن الشيخ أحمد العاملي الساكن في المشهد الغروي: لما هجم الاعراب على النجف ودخلوا فيه ! كانوا يؤذون الناس كثيرا ! وكان احد شيوخهم مشلولا وكان في خارج البلد، فرأى أمير المؤمنين (ع) في النوم وانه قال له: إذهب الى الاعراب واخرجهم عن البلد وإلا أرسلت عليهم البلا ء ؟ فقال: اني مشلول لا اقدر ان أقوم، فقال: أنا أقول قم فامتثل أمري ؟ فانتبه من هيبته " ع " ورأى رجله صحيحة، فسار الى النجف وحكى لهم القضية، فلما رأوه صحيحا خرجوا من المشهد من يومهم خوفا من الامام " ع ". أقول: ونقل شيخنا نحو هذه المطالب، قصصا كثيرة، واقتصرنا نحن على ما نقلناه، لأنا لو اردنا الخوض في أمثالها لأفنينا العمر ولم ندرك عشر معشارها، وقد وقع في عصرنا هذا المطالب كثيرة، وظهرت مفاخر جليلة، من ذلك المرقد المقدس فمنها - ما حدثني به احد مشايخي قال: ان التاج النادري كان يوم أهداه الشاه على الضريح المقدس، وكان رجل يسكن في احد حجرات الصحن المطهر مشغولا بالعبادة ويؤذن على المنارة الشريفة اوقات الصلاة، وفي اغلب ايامه يخرج من الصحن الشريف


[ 427 ]

ويجمع خرقا من الطرق، حتى اجتمعت عنده في حجرته خرق كثيرة، وكانت الناس تظن انه يصنعها فراشا أو غطاءا لنفسه. ففي ليلة من الليالي قام من مكانه وغلق باب حجرته على نفسه، وجعل يوصل الخرق بعضها ببعض على هيئة الحبل، حتى إذا اتى عن آخرها فصارت حبلا طويلا غليظا قويا، فشد به حلقة من حديد كان أعدها لذلك، وخرج من حجرته ونظر الى نواحي الصحن الأقدس، فرآها خالية، فصعد المنارة، والقى تلك الحلقة المربوط بالحبل الى سطح القبة المباركة وصعد هناك ! ثم القاه في الروشنة المفتوحة الى الحضرة الشريفة ! ونزل في الحضرة واخذ التاج من فوق الشباك ! فلما صار التاج بيده اخذته الرعدة ووقفت رجلاه ودار رأسه وانعقد لسانه ووقع على الأرض مقعيا كما يقعي الكلب. فلما اصبح الصباح وفتحت الروضة المطهرة ودخل المتولي والخدام وغيرهم، وجدوه على تلك الهيئة جالسا تلك الجلسة والتاج بين يديه، وحبله معلق ! فسألوه عن القصة ؟ فجعل ينبح كالكلاب ! فأخرجوه من الحضرة المباركة، وبقى على هذه الحالة يومين حتى رآه جميع الناس ثم مات، أخزاه الله. وحدثني ايضا: ان نادر شاه " ره " كان قد أهدى جوهرة للحرم المقدس، كانت تضئ كالقمر، فوضعوها فوق القبة الشريفة، وكانت تضئ الصحن المبارك. ففي ليلة من الليالي كان الناس جالسين في الصحن، وإذا بالضياء الحاصل من الجوهرة قد اخفي ! فنظروا الى أعلى القبة وإذا بشخص جالس هناك ! فلما صعدوا سطح القبة، وإذا بشئ يصفق كالطائر، فتكاثروا وأنزلوه، وإذا به رجل كان مقره في الصحن، وقد صنع جناحين من قرطاس، فحبسوه مدة، ثم نفي من البلد، وانزلوا الجوهرة ووضعوها في الخزانة. ومنها - ما حدثني به جماعة من أهل النجف، وبعضهم شاهد القضية، وذكرها ايضا شيخنا المتقدم ذكره في كتاب (دار السلام) والفاضل المعاصر ملا محمد باقر البهبهاني في كتابه (الدمعة الساكبة) وملخصها: انه إجتمعت الناس يوم الغدير في


[ 428 ]

الروضة المقدسة لزيارة أمير المؤمنين (ع)، فلما كان بعد الظهر اتى ناصبي واراد الدخول في الروضة بنعاله، فقال له الكشوان: اخلع نعليك وادخل ؟ فشتم الكشوان ودخل متنعلا، فلما ان وصل مسامت الايوان الكبير مقابل الضريح المقدس قريب السلسلة المعلقة هناك انقلب على قفاه وعرضت له حالة جنون، واخبر انه قد رأى سيدا قد خرج من الروضة وضربه باصبعه على عينيه (ع) ثم بقى مجنونا يومين الى ان هلك، لعنه الله، وكان من جنود السلطان عبد الحميد. ولله در الفاضل الأريب الشيخ أحمد بن الشيخ حسن قطفان حيث يقول مؤرخا لهذه المعجزة البهية:

وكرامات علي حيدرة * * ظاهرات عند أهل التبصرة

كم وكم مرت على أسلافنا * * ولنا اخرى بدت مبتكرة

ناصبي رام ان يدخل في * * نعله للروضة المنورة

صاحب الروضة أرخ اسد * * قبل ان يدخلها قد سطره

وقد جرى جملة من الشعراء في هذا الميدان، وشعر الكل أثبتناه في كتابنا " خزائن الدرر " ومثل هذه المعجزة بعينها ظهرت من قبر مسلم بن عقيل رضوان الله عليه، سنة ثلثمائة وخمسة وعشرين بعد الالف، وكنت إذ ذاك بالكوفة، والحمد لله رب العالمين. (ومنها قصة الوهابية) الذين اتوا لتخريب المرقد المقدس ونهب النجف الأشرف، وقد حدثني بها جماعة، وملخصها: ان الوهابية لما هجموا على النجف تحصن أهلها وبقوا ثلاثة ايام محصورين في بلدتهم. ففي اليوم الثالث وإذا هم بفارس مهيب على فرس نجيب وسيفه مصلت بيده، منقب شمس جماله، والنور يشع من وراء نقابه الى عنان السماء، فرفع على الوهابية، فقتلهم عن آخرهم ولم يترك منهم إلا رجلا واحدا ليخبر الناس بما رآه. فاتى البلدة الشريفة وقال أيها الناس قتلنا علي بن أبي طالب، فقيل له من اين


[ 429 ]

علمت ؟ قال هو اخبرني بذلك. فشك بعض الناس فيما قال ! فقال لهم بعض علماء العصر: انظروا الى الضربات التي في القتلى، فان كان في كل قتيل ضربة واحدة فهي ضربة أمير المؤمنين " ع " فنظروها، فإذا في كل قتيل ضربة واحدة لم تثن، فمن ضربه في رأسه نزلت الضربة الى مذاكيره، وخرجت بين رجليه، ومن ضربه في قده قصمه نصفين، فزال الشك، وبقى في بعض النفوس شئ ! فقال لهم ذلك العالم: ان كل قتيل قصم نصفين، فزنوا النصفين، فان تعادلا من دون زيادة ولا نقيصة، فهي ضربة أمير المؤمنين (ع). فلما وزنوا وجدوهما متعادلين ولم يختلفا مقدار شعرة، فصح ان قاتل هؤلاء هو أمير المؤمنين " ع " وحمدوا الله على هذه المعجزة العظيمة. ونقل لي بعض المشائخ انه سمع من ابيه عمن شاهد الوقعة: ان اطراف الضربات كانت كالمكواة بنار، وقالوا انهم رأوا نورا، فلما إنجلى النور وإذا بالوهابين مقتولين لعنهم الله تعالى. ولنكتف بما نقلناه من هذه المعاجز الشريفة، وان بقى العمر نفرد لها كتابا نفيسا. وقد ورد في فضل أرض النجف الأشرف وفضل زيارته أخبارا كثيرة فلننقل شيئا منها ونختم هذا الفصل بذلك. عن المفضل بن عمر الخثعمي قال: دخلت على أبي عبد الله (ع) فقلت له: يابن رسول الله اني اشتاق الى الغري ؟ قال: فما شوقك إليه ؟ قلت له اني احب ان أزور قبر أمير المؤمنين (ع) فقال لي: هل تعرف فضل زيارته ؟ فقلت لا، ألا تعرفني ذلك ؟ قال: إذا زرت قبر أمير المؤمنين " ع " فاعلم انك زائر عظام آدم " ع " ونوح (ع) وجسم علي، فقلت يابن رسول الله تقولون: ان جسد آدم " ع " هبط بسر انديب في مطلع الشمس، وزعموا ان عظامه في بيت الله الحرام، فكيف صارت عظامه بالكوفة ؟ فقال " ع ": ان الله عز وجل أوحى الى نوح " ع " وهو في السفينة ان يطوف بالبيت اسبوعا، وطاف بالبيت كما أوحى الله إليه، ثم نزل في الماء الى ركبتيه واستخرج تابوتا فيه عظام آدم " ع " فحمله في جوف السفينة، حتى طاف ما شاء الله ان يطوف.


[ 430 ]

ثم ورد الى الكوفة في وسط مسجدها، وفيها قال الله تعالى للأرض: (إبلعي مائك) فبلعت مائها، كما بدأ الماء منها، وتفرق الجمع الذي كان مع نوح (ع) في السفينة، فأخذ نوح (ع) التابوت فدفنه في الغري، وهو قطعة من الجبل الذي كلم الله به موسى تكليما، وقدس عليه عيسى تقديسا، واتخذ عليه محمدا (ص) حبيبا وجعله للنبيين مسكنا، فو الله ما سكن فيه بعد أبويه الطيبين آدم ونوح (ع) أكرم من علي بن أبي طالب (ع)، فإذا زرت جانب الكوفة النجف، فزر عظام آدم وبدن نوح وجسم أمير المؤمنين (ع) فانك زائر الآباء الأولين، ومحمد خاتم النبيين وعلي سيد الوصيين عليهم السلام، وان زائره تفتح له أبواب السماء عند دعوته، فلا تكن عند الخير نواما. وعن الصادق (ع) انه قال: حدثني أبي عن جده الحسين (ع) قال: ان النبي (ص) قال لعلي (ع): والله لتقتلن بأرض العراق، وتدفن بها، فقال يارسول الله ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها ؟ فقال (ص): يا أبا الحسن ان الله تعالى جعل قبرك وقبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة، وعرصة من عرصاتها، وان الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده، تحن اليكم، وتحمل المذلة والاذى فيكم، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها، تقربا الى الله تعالى، ومودة معهم لرسوله، اولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي، الواردون حوضي، وهم زواري غدا في الجنة. يا علي من عمر قبوركم عدل ثواب سبعين حجة، بعد حجة الاسلام، ويخرج من ذنوبه، حتى يرجع من زيارتك كيوم ولدته امه، فابشر وبشر أوليائك ومحبيك من النعيم، وقرة العين، بما لا عين رأت، ولا اذن سمعت، ولا خطر على قلب احد. وعنه (ع): من زار قبر أمير المؤمنين (ع) عارفا بحقه، غير متجبر ولا متكبر كتب الله له أجر مائة ألف شهيد، وغفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وبعث من الآمنين، وهون عليه الحساب، واستقبلته الملائكة، فإذا انصرف شيعته الى منزله، فان مرض عادوه، وان مات شيعوه بالاستغفار الى قبره. وعنه (ع): يا ابن مارد من زار جدي، عارفا بحقه، كتب الله له بكل خطوة


[ 431 ]

حجة مقبولة وعمرة مبرورة، والله يا ابن مارد ما تطعم النار قدما تغيرت في زيارة أمير المؤمنين " ع " ماشيا أو راكبا، يا ابن مارد اكتب هذا الحديث بماء الذهب. وعنه (ع) قال: ان الى جانب كوفان قبرا ما أتاه مكروب قط، فصلى عنده عنده ركعتين أو أربع ركعات، إلا نفس الله كربه وقضى حاجته. قال قلت قبر حسين بن علي (ع) ؟ قال لي برأسه: لا، فقلت قبر أمير المؤمنين (ع) فقال برأسه نعم. وفي خبر آخر: من زار قبر أمير المؤمنين (ع) ماشيا، كتب الله له بكل خطوة حجة وعمرة، فإذا رجع ماشيا، كتب الله له بكل خطوتين حجتين وعمرتين، وعن يونس بن أبي وهب القصري قال دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله " ع " فقلت له أتيتك ولم أزر أمير المؤمنين " ع "، قال بئس ما صنعت، لو انك من شيعتنا ما نظرت اليك إلا تزور من يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنون قلت جعلت فداك ما علمت ذلك، قال: فأعلم ان أمير المؤمنين (ع) عند الله أفضل من الأئمة كلهم، وله ثواب أعمالهم، وعلى قدر أعمالهم فضلوا. (وفي خبر أبي شعيب الخراساني) قال قلت لأبي الحسن الرضا (ع) أيما أفضل زيارة قبر أمير المؤمنين (ع) أو زيارة الحسين (ع) ؟ قال ان الحسين (ع) قتل مكروبا، فحقيق على الله عز وجل ان لا يأتيه مكروب إلا فرج الله كربه، وفضل زيارة قبر أمير المؤمنين (ع) على زيارة قبر الحسين (ع) كفضل أمير المؤمنين (ع) على الحسين (ع). أقول: وقد ورد ان الصلاة عند علي (ع) تعدل ألف صلاة، والصلاة في مسجد الكوفة تعدل ألف صلاة. وفي خبر آخر ان الصلاة عند علي تحسب بمأتي ألف صلاة. وحمل بعض العلماء عن علي على ما يصدق عليه لفظا الغري والنجف. وورد ان المؤمنين يحشرون من وادي السلام، وغيرهم من حضر موت. وورد ان وادي السلام جنة الدنيا للمؤمنين.


[ 432 ]

وورد لم يمت مخالف في أرض شريفة إلا حملته الملائكة النقالة، والظاهر قبل دفنه فقد حكي ان ايام المولى يوسف الكليد دار جاء بجنازة لتدفن في الأرض المقدسة فرأى الكليد دار أمير المؤمنين (ع) في منامه يقول له: يأتون غدا بجنازة على حمار يسوقها رجل، الميت اعور والحمار اعور والسائق اعور، فلا تقبل دفنها عندي، وان اعطوك ملأ الارض ذهبا. فلما أصبح الصباح جاؤا بتلك الجنازة على تلك الاوصاف، فامتنع من دفنها، فبذلوا له مالا كثيرا ! فقال في نفسه ادفنها ثم اخرجها وانقلها من النجف ! فقبض المال وامكن من دفن الجنازة في الحرم الأقدس !. فلما كان الليل أتى ليخرجها ! وإذا بسلسلة رأسها عند الميت، والرأس الآخر ينتهي الى القبر المقدس، وكذا رأى سلاسل اخر في باقي القبور. فلما ضمه الفراش ونام رأى أمير المؤمنين (ع) يقول له: يا يوسف لم تمتثل أمري وأمكنت من دفن الجنازة، وما كفاك هذا ؟ حتى اردت ان تنقله بعد إستجارته بي ؟ فتاب على يد الامام (ع) وصار معدودا في زمرة الصلحاء. وحكاية الملائكة النقالة شائع جدا، ووارد في الأخبار عن الأئمة الأطهار. ففي " أمالي الشيخ " عن الصادق (ع) قال: قال رسول الله (ص): ان لله تعالى ملائكة موكلين ينقلون الأموات الى حيث يناسبهم. وعنه (ع) انه قال مشيرا الى قبر الاول والثاني: فو الله لو نبش قبرهما لوجد في مكانهما سلمان وأبو ذر... الى ان قال (ع) ان الله عز وجل خلق سبعين ألف ملك يقال لهم النقالة، ينتشرون في مشارق الأرض ومغاربها، فيأخذون كلا منهم مكانا يستحقه، وانهم يسلبون جسد الميت، ويضعون آخر في مكانه، من حيث لا تدرون وتشعرون، وما ذلك ببعيد، وما الله بظلام للعبيد. والروايات في هذا الباب مستفيضة وانقاله مشهورة، وكتاب (دار السلام) لشيخنا النوري المعاصر " ره " متكفلا بأكثرها. فمنها - ان رجلا عشارا مات، فدفن في النجف، ومات رجل مؤمن فدفن في


[ 433 ]

الخطوة - موضع قريب البصرة - فاتفق حفر قبر العشار، فوجدوا فيه ذلك المؤمن ثم جاؤا الى قبر المؤمن فوجدوا العشار. وهذه الحكاية نقلها النوري عن شيخنا الاكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء " ره ".