الباب الثالث
وفيه فصلان
الفصل الاول في أحوال أزواجه وأولاده (ع) :
أول زوجة تزوجها أمير المؤمنين " ع " هي سيدة نساء العالمين وبنت سيد المرسلين، ام الأئمة النجباء، فاطمة الزهراء صلوات الله عليها. وقد مر خبر تزويجه بها، وخبر وفاتها، وام فاطمة الزهراء عليها السلام هي: خديجة الكبرى بنت خويلد عليها السلام، آمنت برسول الله (ص) بعد أمير المؤمنين (ع) وهي أول امرأة آمنت به (ص) كما ان أمير المؤمنين أول رجل آمن به (ص)، ولم يتزوج أمير المؤمنين (ع) على فاطمة عليها السلام حتى توفيت عنده، وكان له منها من الأولاد الحسن والحسين (ع) سيدا شباب أهل الجنة، وقرطا العرش، ولدت الحسن ولها إثنتا عشرة سنة، ومن أولادها محسن، سماه بذلك رسول الله (ص) وهي حامل به، وأسقطته يوم احرقوا باب دارها !. وقد فسر قوله تعالى: (وإذا الموؤدة سئلت * بأي ذنب قتلت) بالمحسن. وفي الرواية: لو ان فاطمة عليها السلام ولدت ألف ولد ذكر، لكان كل فرد منهم إماما، ولأمير المؤمنين (ع) من فاطمة عليها السلام: زينب وام كلثوم، ولا بنت له منهما غيرهما. وتزوج امامة بنت ابي العاص بن الربيع العبشمية بوصية من فاطمة سلام الله عليها ولذا كان يقول (ع): اما تزويج امامة فليس لي منه بد.
[ 434 ]
وام امامة هذه: زينب بنت رسول الله (ص) وامامة هي التي حملها رسول الله (ص) في صلاة الظهر، وكان لأمير المؤمنين (ع) منها من الأولاد محمد الأوسط. وتزوج خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية، فولدت له محمد بن الحنفية. وتزوج ام البنين ابنة حزام بن خالد الكلابية، فولدت له العباس وجعفر وعثمان وعبد الله، وتزوج ام حبيب بنت ربيعة الثعلبية، فولدت له عمر ورقية، وهما توءمان في بطن واحد. وتزوج اسماء بنت عميس الخثعمية، فولدت له يحيى ومحمد الأصغر. وقيل: ولدت له عونا ومحمد الأصغر من ام ولد. وتزوج ام سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفية، فولدت له زينب الصغرى وقيل: ام كلثوم الصغرى ورقية الصغرى. وتزوج ام شعيب المخزومية، فولدت له ام الحسن ورملة. وتزوج ليلى بنت مسعود النهشلية، فولدت له ابا بكر وعبد الله. وتزو ج محياة بنت امرء القيس الكلابية، فولدت له بنتا ماتت وهي صغيرة، وكانت له خديجة وام هاني وامامة وتميمة وجمانة وميمونة وفاطمة لامهات شتى. فأولاده " ع " ذكورا واناثا ثلاثون. وقيل: اكثر، وبعضهم لم يذكر غير المشهورين، فذكر انهم خمسة وعشرون. وقال بعضهم: خمسة وثلاثون. وظني: انه جعل بعض الكنى أسماء، فعد الأسماء خمسة وثلاثين. ولنذكر حال من وقفنا على ترجمته من نسائه وأولاده عليهم السلام. فنقول: اما فاطمة عليها السلام وأولادها الحسنان ومحسن " ع " فذكرهم غني من ان يذكر، وأما زينب بنت أمير المؤمنين (ع) فزوجها من عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فولدت عليا وجعفرا وعونا وام كلثوم أولاد عبد الله بن جعفر، وقد روت الحديث زينب عن امها فاطمة (ع)، كذا عن الطبرسي في كتاب " أعلام الورى " قال أبو الفرج: ويقال: زينب العقيلة - أي عقيلة بني هاشم - وهي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة " ع " في فدك، فقال: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي " ع "
[ 435 ]
وسنذكر أحوال زوجها عبد الله بن جعفر في فصل أصحاب أمير المؤمنين " ع " وزينب " ع " حضرت يوم الطف مع الحسين " ع " وكان لها ولدان جعلتهما فداء لأخيها. قال الشيخ جعفر الشوشتري قدس الله روحه في " الخصائص الحسينية ": ولما قتل الحسين " ع " كانت زينب هي التي تسلي الامام زين العابدين " ع " لانه كان مريضا وهذه مرتبة عظيمة لزينب " ع " وهي التي تكفلت بالنساء والأطفال. وأما ام كلثوم فقد ذكر: ان عمر بن الخطاب خطبها من أمير المؤمنين " ع " ! ! فقال له: انها صبية، فقال له لم اكن اريد الباه، فرده أمير المؤمنين " ع " فأتى العباس ابن عبد المطلب فقال: ما لي ابي باس ؟ فقال له: وما ذاك ؟ قال خطبت الى ابن أخيك فردني، أما والله لأغورن زمزم ولا ادع لكم مكرمة إلا هدمتها ولأقيمن عليه شاهدين ! انه سرق ! ولأقطعن يمينه ! فأتى العباس أمير المؤمنين " ع " فأخبره وسأله الامر إليه ؟ فجعله إليه. فروي: انه لما دخل عليها كان ينظر شخصها من بعيد، وإذا دنى منها ضرب حجاب بينها وبينه، فاكتفى من المصاهرة بذلك. وفي (المناقب) عن النوبختي: مات عمر عن أم كلثوم قبل ان يدخل بها، وخلف عليها عون بن جعفر بن أبي طالب ثم محمد بن جعفر ثم عبد الله بن جعفر. وفي " الخرائج " بإسناده عن عمرو بن اذينة قال: قيل لأبي عبد الله " ع ": ان الناس يحتجون علينا ويقولون ان أمير المؤمنين " ع " زوج فلانا إبنته ام كلثوم ؟: وكان متكأ فجلس وقال: أيقولون ذلك ان قوما يزعمون ذلك لا يهتدون الى سواء السبيل سبحان الله، ما كان يقدر أمير المؤمنين " ع " ان يحول بينه وبينها فينقذها، كذبوا ولم يكن ما قالوا ان فلانا خطب الى علي بنته أم كلثوم، فأبى علي " ع " فقال للعباس: والله لئن لم تزوجني لأنتزعن منك السقاية وزمزم ! فأتى العباس عليا فكلمه ؟ فأبى عليه، فألح العباس. فلما رأى أمير المؤمنين مشقة كلام الرجل على العباس وانه سيفعل بالسقاية ما قال، أرسل
[ 436 ]
أمير المؤمنين " ع " الى جنية من اهل نجران يهودية يقال لها سحيفة بنت جريرية، فأمرها فتمثلت في مثال ام كلثوم وحجبت الابصار عن ام كلثوم وبعث بها الى الرجل فلم تزل عنده حتى انه استراب بها يوما، فقال ما في الأرض أهل بيت اسحر من بني هاشم ! ثم اراد ان يظهر ذلك للناس فقتل، وحوت الميراث وانصرفت الى نجران، وأظهر أمير المؤمنين " ع " ام كلثوم. أقول: ورأيت في بعض الكتب ولم أستحضر اسمه الآن، ما معناه: عن أحد أئمة الهدى " ع " ان عمر خطب ام كلثوم بنت علي " ع " فرده، ثم خطب ام كلثوم بنت ابي بكر ربيبة علي " ع " فاعتل بصغرها، فقال أرنيها ؟ فبعث بها أمير المؤمنين الى عمر في حاجة له، فاستدناها عمر واراد ان يقبض على يدها ! فنفضت يدها منه وهربت الى أمير المؤمنين " ع " وقالت: يا أبا الحسن قد أذاني هذا الفاسق. قال: وصبر عليها حتى بلغت مبلغ التزويج فتزوجها. وقال الناس تزوج بنت علي " ع " وام كلثوم هذه اخت محمد بن أبي بكر لامه وابيه. وأما محمد الأوسط الذي هو من امامة بنت ابي العاص، فقد قيل: انه قتل مع أخيه الحسين " ع " يوم الطف. وأما محمد بن الحنفية فانه عمر بعد أخويه زمانا، وكان عالما فاضلا فقيها مقرا بامامة زين العابدين ملازما له ولخدمته، وسنذكر شطرا من أحواله وامه من سبي بني حنيفة. قال المفيد رحمه الله في (الارشاد): لما قعد أبو بكر بالامر بعث خالد بن الوليد الى بني حنيفة ليأخذ زكاة أموالهم، فقالو لخالد ان رسول الله (ص) كانت يبعث كل سنة رجلا يأخذ صدقاتنا من الاغنياء من جملتنا ويفرقها على فقرائنا، فافعل انت كذا فانصرف خالد الى المدينة، فقال لابي بكر انهم منعونا الزكاة، فبعث معه عسكرا فرجع خالد وأتى بني حنيفة وقتل رئيسهم وأخذ زوجته ووطئها في الحال وسبي نساءهم ورجع بهن الى المدينة، وكان ذلك الرئيس صديقا لعمر في الجاهلية، فقال عمر لابي بكر اقتل خالدا به بعد ان تجلده الحد بما فعل بامرأته ؟ فقال له أبو بكر ان خالدا ناصرنا !
[ 437 ]
فكيف نقتله ثم ادخل السبايا في المسجد وفيهن خولة ام محمد بن الحنفية فجاءت الى قبر رسول الله (ص) والتجأت به وبكت وقالت يارسول الله اشكر اليك أفعال هؤلاء القوم سبونا من غير ذنب ونحن مسلمون ثم قالت أيها الناس لم سبيتمونا ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقال أبو بكر منعتم الزكاة فقالت الأمر ليس على ما زعمت والأمر انما كان كذ ا وكذا وهب الرجال منعوكم فيما بال النسوان المسلمات يسبين، واختار كل رجل منهم واحدة من السبايا وجاء طلحة وخالد بن عنان ورميا بثوبين الى خولة فأراد كل واحد منهما أن يأخذها من السبي قالت لا يكون هذا أبدا ولا يملكني إلا من يخبرني الكلام الذي قلته ساعة ولدت قال أبو بكر قد فزعت من القوم فكانت لم تر ذلك قبله فتكلم بما لا تحصيل له فقالت والله اني صادقة إذ جاء علي بن أبي طالب عليه السلام فوقف ونظر إليهم واليها وقال (ع) اصبروا حتى أسألها عن حالها ثم ناداها يا خولة اسمعي الكلام ثم قال " ع ": لما كانت امك حاملة بك وضر بها الطلق واشتد بها الأمر نادت اللهم سلمني من هذا المولود فسبقت تلك بالنجاة فلما وضعتك ناديت من تحتها لا إله إلا الله محمد رسول الله عما قليل سيملكني سيد سيكون له ولد مني فكتبت أمك ذلك الكلام في لوح نحاس فدفنته في الموضع الذي سقطت فيه فلما كانت في الليلة التي قبضت امك فيها أوصت اليك بذلك فلما كان في وقت سبيكم لم يكن لك هم إلا أخذ ذلك اللوح فأخذتيه وشددتيه على عضدك الايمن هات اللوح فأنا صاحب ذلك اللوح وأنا أمير المؤمنين وأنا أبو ذلك الغلام الميمون واسمه محمد قال فرأينا ها وقد استقبلت القبلة وقالت إلهي انت المتفضل المنان اوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت بها إلي ولم تعطها لأحد إلا انمتها عليه اللهم بصاحب من بيده التربة الناطق المنبئ بما هو كأس إلا أتممت فضلك علي ثم أخرجت اللوح ورمت به إليه فأخذه إبو بكر وقرأه عثمان فانه كان أجود القوم قراءة وما ازداد ما في اللوح على ما قال علي (ع) ولا نقص فقال أبو بكر خذها يا أبا الحسن فبعث بها على عليه السلام الى بيت أسماء بنت عميس فزينتها وتزوج بها وعلقت بمحمد وولدته.
[ 438 ]
أقول: وفي كتاب لبعض الافاضل عن بعض كتب السيد الجزائري (ره) روى مرسلا عن سلمان الفارسي (رضى) قال ان مولانا أمير المؤمنين " ع " دخل على الحنفية ذات يوم فقامت وقالت يا مولاي انى اشتهي ولدا يكون خلفا لي من بعدك قال فأمر أمير المؤمنين عليه السلام يده على كفها وقال احملي محمدا فحملت ثم قال لها ضعي محمدا فوضعته أسرع من طرفة عين. أقول: ولم يزل محمد (ع) في خدمة والده وأخويه الحسن والحسين (ع) وشهد حرب الجمل وصفين وأبلى مع أخيه الحسن بعد أبيه " ع " بلاءا حسنا وأما عدم خروجه مع أخيه الحسين (ع) الى كربلا فقد قال العلامة الحلي (ره) في أجوبة مسائل المهنا ابن سنان نقل انه كان مريضا وقد رأيت في بعض الكتب ولم استحضر اسمه الآن أن محمد بن الحنفية كانت يده مشلولة والسبب في ذلك انه اهدي درع إلى الحسين عليه السلام وكان طويلا على قامته الشريفة يزيد مقدار أربعة اصابع فبعث الحسين الى حداد يأخذ ذلك الدرع ويبتر زيادته فأخذ محمد ذلك الدرع وقدر زيادته وقبض عليه وسرده فأصابه بعض الحاضرين بنظره فشلت يده من وقتها وصار لا يقدر على حمل السيف وغيره وهذا هو السبب في عدم خروجه مع أخيه الحسين كسائر إخوته عليهم السلام. (وعن كتاب منتخب البصائر) عن سعد بن عبد الله عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن ابن عبيدة وزرارة عن أبي جعفر قال لما قتل الحسين عليه السلام أرسل محمد بن الحنفية الى علي بن الحسين فخلا به ثم قال يابن أخي قد علمت ان رسول الله (ص) كانت الوصية منه والامامة من بعده الى علي بن أبي طالب ثم الى الحسن بن علي ثم الى الحسين وقد قتل ولم يوص وأنا عمك وصنو أبيك وولادتي من علي في سني وقدمي وانا احق بها منك في حداثتك لا تنازعني في الوصية والامامة ولا تجانبني فقال له علي بن الحسين (ع) يا عم اتق الله ولا تدع ما ليس لك بحق اني اعظك ان تكون من الجاهلين ان أبي يا عم أوصى إلي في ذلك قبل أن يتوجه إلى العراق وعهد إلي في ذلك قبل أن
[ 439 ]
يستشهد بساعة وهذا سلاح رسول الله عندي فلا تتعرض لهذا فاني اخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال ان الله تبار ك وتعالى لما صنع الحسن مع معاوية أبى أن يجعل الوصية والامامة إلا في عقب الحسين فان رأيت ان تعلم ذلك فانطلق بنا الى حجر الأسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك، قال أبو جعفر عليه السلام وكان الكلام بينهما بمكة فانطلقا حتى أتيا الحجر فقال علي بن الحسين لمحمد بن علي " ع " آته يا عم وابتهل الى الله تعالى أن ينطق لك الحجر ثم سله عما ادعيت، فابتهل الى الله في الدعاء وسأله ثم دعا الحجر فلم يجبه فقال علي بن الحسين: أما انك يا عم لو كنت إماما لأجابك فقال له محمد فادع أنت يابن أخي فاسأله، فدعا الله علي بن الحسين بما أراد ثم قال أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء والأوصياء وميثاق الناس أجمعين لما اخبرتنا من الامام والوصي بعد الحسين ؟ فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه ثم انطقه الله بلسان عربي مبين فقال اللهم ان الوصية والامامة بعد الحسين ابن علي الى علي بن الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله، فانصرف محمد بن علي وهو يقول الامام علي بن الحسين. وروى الكشي بسنده عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) قال: كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا وما كان يشك في انه إمام حتى أتاه ذات يوم فقال له جعلت فداك ان لي حرمة وودادا وانقطاعا فأسألك بحرمة رسول الله وأمير المؤمنين إلا ما اخبرتني أنت الامام الذي فرض الله طاعته على خلقه ؟ قال فقال يا أبا خالد حلفتني بالعظيم الامام علي بن الحسين علي وعليك وعلى كل مسلم، فأقبل أبو خالد لما أن سمع ما قاله محمد بن الحنفية وجاء الى علي بن الحسين " ع " فلما استأذن عليه اخبر ان أبا خالد بالباب فأذن له فلما دخل عليه دنى منه قال مرحبا بك يا كنكر ما كنت لنا بزاير ما بدا لك فينا فخر أبو خالد ساجدا شكرا لله تعالى مما سمع من علي بن الحسين فقال الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي فقال له علي بن الحسين " ع ": وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد ؟ قال انك دعوتني باسمي الذي سمتني امي التي ولدتني ولقد كنت في عميا من أمري ولقد خدمت محمد
[ 440 ]
ابن الحنفية عمرا من عمري ولا اشك انه إمام حتى إذا كان قريبا سألته بحرمة الله وبحرمة رسوله وبحرمة أمير المؤمنين فأرشدني اليك وقال هو الامام علي وعليك وعلى جميع خلق الله كلهم ثم أذنت لي فجئت فدنوت منك وسميتني باسمي الذي سمتني امي فسلمت انك الامام الذي فرض الله طاعته علي وعلى كل مسلم. (ومن طبقات الشعراني) كتب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان يتهدده ويتوعده ويحلف ليحملن إليه مائة الف في البر ومائة في البحر أو يؤدي الجزية إليه فلما نظر عبد الملك إلى الكتاب كتب إلى الحجاج ان اكتب إلى محمد بن الحنفية تتهدده وتتوعده ثم اعلمني بما يرد عليك، فكتب إليه، فأرسل محمد بن الحنفية كتابا إلى الحجاج يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم ان لله عز وجل ثلاث مائة وتسعين نظرة إلى عباده وأنا أرجو أن ينظر إلي نظرة يمنعني بها منك، فبعث الحجاج بذلك الكتاب إلى عبد الملك فكتب، مثل ذلك إلى ملك الروم فقال ملك الروم ما خرج هذا منك ولا كتبت أنت به ولا خرج إلا من بيت نبوة، وتوفي محمد بن الحنفية بالمدينة المنورة سنة إحدى وثمانين من الهجرة كذا في مختصر التواريخ، ويقال انه مات بالطايف. أقول: والكيسانية هم فرقة من الشيعة ولم يبق منهم الآن أحد كانوا يزعمون ان محمد بن الحنفية هو الامام بعد أخيه الحسين " ع " وانه غاب في شعب رضوي وهو حي يرزق. قال الصدوق (ره) في الاكمال في بيان خطأ الكيسانية: أن السيد بن محمد الحميري اعتقد ذلك وقال فيه:
ألا ان الأئمة من قريش * * ولاة الأمر أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه * * هم أسباطنا والاوصياء
فسبط سبط إيمان وبر * * وسبط قد حوته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى * * يقود الجيش يقدمه اللواء
يغيب لا يرى عنا زماننا * * برضوي عنده عسل وماء
[ 441 ]
وقال فيه السيد أيضا:
ايا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى * * فحتى متى تخفى وأنت قريب
فلو غاب عنا عمر نوح لأيقنت * * نفوس البرايا انه سيؤب
وقال فيه السيد رحمه الله:
ألا حي المقيم بشعب رضوى * * واهد له بمنزله السلاما
وقل يابن الوصي فدتك نفسي * * اطلت بذلك الجبل المقاما
أضر بمعشر والوك منا * * وسموك الخليفة والاماما
فما ذاق ابن خولة طعم موت * * ولا وارت له أرض عظاما
فلم يزل السيد ضالا في أمر الغيبة يعتقدها في ابن الحنفية حتى لقى الصادق جعفر بن محمد عليه السلام ورأى منه علامات الامامة وشاهد منه دلالات الوصية فسأله عن الغيبة وذكر انها حق وانها تقع بالثاني عشر من الأئمة واخبره بموت محمد بن الحنفية وان أباه شاهد دفنه فرجع السيد عن مقالته واستغفر عن إعتقاده. وأما العباس بن علي " ع " وإخوته جعفر وعثمان وعبد الله اولاد أم البنين ابنة حزام بن خالد الكلابية: قال احمد بن مهنا في كتابه " عمدة الطالب: ويكنى أبا الفضل ويلقب السقا لأنه استسقى الماء لأخيه الحسين " ع " يوم الطف وقتل دون أن يبلغه إياه. أقول: أي في الدفعة الأخيرة وإلا فقد جاء بالماء مرارا كما هو مذكور في كتب المقاتل وغيرها من كتب التواريخ، ثم قال وقبره قريب من الشريعة حيث استشهد وكان صاحب راية الحسين أخيه في ذلك اليوم. روى الشيخ أبو نصر البخاري عن المفضل بن عمر انه قال قال الصادق جعفر ابن محمد عليه السلام: كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الايمان جاهد مع أبي عبد الله وأبلى بلاء حسنا ومضى شهيد ا وقتل له أربع وثلاثون سنة ثم قال في العمدة: وقد روي أن أمير المؤمنين " ع " قال لأخيه عقيل وكان نسابة عالما بأنساب العرب وأخبارهم: انظر إلى إمرأة قد ولدتها الفحولة من العرب
[ 442 ]
لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا، فقال له: تزوج ام البنين الكلابية فانه ليس في العرب أشجع من آبائها، فتزوجها ولما كان يوم الطف قال شمر بن ذي الجوشن الكلابي للعباس وإخوته: أين بنو أختي فلم يجيبوه فقال الحسين " ع " لاخوته: أجيبوه وإن كان فاسقا فانه بعض اخوالكم، فقالوا له ما تريد ؟ قال اخرجوا إلي فانكم آمنون ولا تقتلوا انفسكم مع أخيكم، فسبوه وقالوا له قبحت وقبح ما جئت به أنترك سيدنا وأخانا ونخرج إلى إمانك، وقتل هو واخوته في ذلك اليوم وما أحقهم بقول القائل:
قوم إذا نودوا لدفع ملمة * * والخيل بين مدعس ومكردس
لبسوا الدروع على القلوب وأقبلوا * * يتهافتون على ذهاب الانفس
إلى هنا كلام صاحب العمدة وفي الامالي للصدوق بإسناده إلى علي بن سالم عن أبيه عن أبي حمزة الثمالي قال نظر علي بن الحسين " ع " إلى عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب " ع " فاستعبر ثم قال ما من يوم أشد على رسول الله من يوم احد قتل فيه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله وبعده يوم قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب ثم قال " ع " ولا يوم كيوم الحسين ازدلف إليه ثلاثون الفا يزعمون انهم من هذه الامة كل يتقرب إلى الله عز وجل بدمه وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون حتى قتلوه ظلما وبغيا وعدوانا ثم قال: رحم الله عمي العباس فلقد آثر وأبلى وفدى اخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب وان العباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة. وفي الارشاد للمفيد (ره) في أخبار يوم الطف: ولما رأى العباس كثرة القتل في اهله قال لاخوته من امه وهم عبد الله وجعفر وعثمان يا بني امي تقدموا حتى اراكم نصحتم لله ولرسوله فانكم لا ولد لكم فتقدم عبد الله فقاتل قتالا شديدا فاختلف هو وهاني بن ثبيت الخضرمي بضربتين فقتله هاني، وتقدم بعده جعفر بن علي
[ 443 ]
فقاتل فقتله ايضا هاني، وتعمد خولى بن يزيد الاصبحي عثمان بن علي وقد قام مقام إخوته فرماه فصرعه وشد عليه رجل من بني دارم فاحتز رأسه. وقال أبو الفرج كان العباس بن علي يكنى أبا الفضل وامه ام البنين وهو أكبر ولدها وهو آخر من قتل من اخوته لأبيه وامه، وكان العباس رجلا وسيما جميلا يركب الفرس المطهم ورجلاه يخطان في الأرض وكان يقال له قمر بني هاشم وكان لواء الحسين معه، ثم قال حدثني احمد بن عيسى عن حسين بن نصر عن ابيه عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ان زيد بن رقاد وحكيم بن الطفيل الطائي قتلا العباس بن علي وكانت ام البنين ام هؤلاء الاربعة الاخوة القتلى تخرج إلى البقيع وتندب بنيها اشجى ندبة واحرقها فيجتمع الناس إليها يسمعون منها فكان مروان يجئ فيمن يجئ لذلك فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي. أقول: وقد صح ان العباس " ع " لم يقتل حتى فعل الافاعيل العجيبة وقتل الفرسان العظام واتي بالماء مرارا متعددة لأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وفي الاسرار للفاضل عند ذكر شهادة العباس (ع): قيل اتى زهير الى عبد الله بن جعفر بن عقيل قبل ان يقتل فقال يا اخي ناولني الراية فقال له عبد الله أو في قصور عن حملها قال لا ولكن لي بها حاجة قال فدفعها إليه واخذها زهير واتى فجاء الى العباس بن علي وقال يابن أمير المؤمنين اريد ان احدثك بحديث وعيته فقال حدث فقد حلى وقت الحديث:
حدث ولا حرج عليك فانما * * ندرى لنا متواتر الاسناد
فقال اعلم يا أبا الفضل ان أباك أمير المؤمنين لما اراد ان يتزوج ام البنين بعث الى أخيه عقيل وكان عارفا بأنساب العرب فقال (ع): يا اخي اريد منك ان تخطب لي إمرأة من ذوي البيوت والحسب والنسب والشجاعة لكي اصيب منها ولدا شجاعا وعضدا ينصر ولدي هذا - واشار الى الحسين - ليواسيه في طف كربلا وقد ادخرك ابوك لمثل هذا اليوم فلا تقصر عن حلائل اخيك وعن اخواتك، قال فارتعد العباس وتمطى في ركابه حتى قطعه وقال يا زهير تشجعني في مثل هذا اليوم والله لأرينك
[ 444 ]
شيئا ما رأيته قط، قال فهمز جواده نحو القوم حتى توسط الميدان وساق الحديث إلى آخر مقتل العباس (عليه السلام). (وأما عمر ورقية اللذين هما من أم حبيب بنت ربيعة التغلبية)، وكانت تسمى الصهبا. في كتاب " أعلام الورى ": كانت رقية بنت علي " ع " عند مسلم بن عقيل فولدت له عبد الله بن مسلم قتل يوم الطف وعليا ومحمد ابني مسلم. وفي " العمدة ": عمر الأطرف بن أمير المؤمنين " ع " ويكنى أبا القاسم قاله أبو نصر النسابة، وقال ابن جذاع يكنى أبا الحفص وولد تؤما لأخته رقية وكان آخر من ولد من بني علي، ثم قال ذا لسان وفصاحة وعفة. حكى العمري قال اجتاز عمر بن علي في سفر له في بيوت من بني عدي فنزل عليهم وكانت سنة قحط فجاءه شيوخ الحي فحادثوه واعرض من رجل ما رأى له بشارة فقال من هذا ؟ فقالوا سالم بن رقية وله انحراف من بني هاشم، فاستدعاه وسأله عن أخيه سليمان بن رقية وكان سليمان من الشيعة، فخبره انه غائب فلم يزل عمر يلطف في القول ويشرح في الأدلة حتى رجع عن انحرافه عن بني هاشم وفرق عمر اكثر زاده ونفقته وكسوته عليهم فلم يرحل عنهم بعد يوم وليلة حتى غيثوا واخصبوا فقالوا: هذا أبرك الناس حلا ومرتحلا وكانت هداياه تصل الى سالم بن رقية، فلما مات عمر قال سالم يرثيه:
صلى الاله على قبر تضمن من * * نسل الوصي علي خير من سئلا
قد كنت اكرمهم كفا واكثرهم * * علما وأبركهم حلا ومرتحلا
قال وتخلف عمر من أخيه الحسين " ع " ولم يسر معه الى الكوفة وكان قد دعاه الى الخروج معه فلم يخرج، يقال انه لما كان بعد ذلك خرج عمر في معصفراة له وجلس بفناء داره وقال انا الرجل الحزم لم اخرج مع اخوتي ولو اخرج معهم لدهيت في المعركة وقتلت. أقول: لعله كان يقول ذلك ليحقن دمه من بني امية لأنهم إذا سمعوا مثل
[ 445 ]
تلك الكلمات منه اما يقولون انه مجنون أو جبان أو مطيع لهم فلا يتعرضون له بسوء فيكون صدور تلك الكلمات منه جاريا مجرى التقية، ثم قال في (العمدة): ولا يصح رواية من روى ان عمر بن علي حضر كربلا وكان اول من بايع عبد الله بن الزبير ثم بايع بعده الحجاج بن يوسف وأراد الحجاج ادخاله مع الحسن بن الحسن في تولية صدقات أمير المؤمنين " ع " فلم يتيسر له ذلك. ومات عمر بينبع وهو ابن سبع وسبعين سنة وقيل خمس وسبعين، انتهى. وفي حاشية (العمدة) لم ادر لمصنفها ام لغيره: مات عمر في زمن الوليد بن عبد الملك. كذا نقل الحافظ بن حجر في التقريب، وذهب بعض المؤرخين الى انه استشهد في محاربة مصعب بن الزبير مع المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وكان مع مصعب هو واخوه عبيد الله فاستشهدا جميعا. انتهى أقول: قال العلامة المجلسي في البحار: ويروى ان عمر بن علي خاصم علي بن الحسين " ع " الى عبد الملك في صدقات النبي (ص) وأمير المؤمنين " ع " فقال يا أمير المؤمنين انا ابن المصدق وهذا ابن ابن فأنا اولى بها منه فتمثل عبد الملك بقول ابن أبي الحقيق:
إنا إذا مالت دواعي الهوى * * وانصت السامع للقايل
واصطرع القوم بألبابهم * * نقضي بحكم عادل فاصل
لا تجعل الباطل حقا ولا * * نلط دون الحق بالباطل
نخاف ان تسفه أحلامنا * * فيخمل الدهر مع الخامل
قم يا علي بن الحسين فقد وليتكها فقاما فلما خرجا تناوله عمر وآذاه، فسكت " ع " ولم يرد عليه شيئا، فلما كان بعد ذلك دخل محمد بن عمر ولده على علي بن الحسين فسلم عليه واكب عليه يقبله، فقال علي بن الحسين " ع " يابن عم لا تمنعني قطيعة أبيك ان اصل رحمك فقد زوجتك ابنتي خديجة ابنة علي. وروى الزبير بن بكار قال كان الحسن بن الحسن واليا صدقات أمير المؤمنين " ع " في عصره فسار يوما الى الحجاج بن يوسف في موكبه وهو إذ ذاك أمير المدينة
[ 446 ]
فقال له الحجاج ادخل عمر بن علي معك في صدقات أبيه فانه عمك وبقية اهلك، فقال له الحسن بن الحسن: لا اغير شرط علي " ع " ولا ادخل فيها من لم يدخل، فقال له الحجاج: إذن ادخله معك، فنكص الحسن بن الحسن عنه حين غفل الحجاج ثم توجه الى عبد الملك حتى قدم عليه فوقف ببابه يطلب الاذن فمر به يحيى بن ام الحكم فلما رآه يحيى عدل إليه وسلم عليه وسأله عن مقدمه وخبره ثم قال له سأنفعك عند عبد الملك، فلما دخل الحسن بن الحسن على عبد الملك رحب به وأحسن مسائلته، وكان الحسن قد اسرع إليه الشيب ويحيى بن ام الحكم في المجلس، فقال له عبد الملك لقد أسرع اليك الشيب يا أبا محمد، فقال له يحيى: وما يمنعه لأبي محمد شيبه اما ان أهل العراق تفد إليه الركبان يمنونه بالخلافة، فأقبل عليه الحسن بن الحسن فقال له: بئس والله الرفد رفدت ليس كما قلت ولكنا أهل بيت طيبة افواهنا فتميل نساؤنا الينا فتقبلنا فيها فيسرع الينا الشيب من أنفاسهن، فنكس عبد الملك رأسه لأنه كان ابخر الفم، ثم أقبل عليه وقال يا أبا محمد هلم لما قدمت له، فأخبره بقول الحجاج، فقال: ليس ذلك له اكتبوا كتابا إليه لا يتجاوزه، فكتب إليه ووصل الحسن بن الحسن وأحسن صلته، فلما خرج من عنده لقيه يحيى بن ام الحكم فعاتبه الحسن على سوء محضره وقال له: ما هذا الذي وعدتني به ؟ فقال له يحيى: ابها عليك فو الله لا يزال يهابك ولولا هيبتك ما قضى لك حاجة وما الوتك رفدا. وروى الزبير بن بكار أيضا ان عمر بن علي نازع عبيد الله بن العباس بن علي " ع " وطلب منه ارث اخوته من أبيه اولاد أم البنين الذين قتلوا يوم الطف ورفعه الى القاضي وبعد كثرة النزاع اعطوه حصته من ذلك الميراث. قال جامع هذا الكتاب عفى عنه: وفي هذه الرواية نظر لا يخفى لأن هذا النزع لا يصح على قول أئمة أهل البيت " ع " لأن اخوة العباس قد استشهدوا قبله وانتقل إرثهم الى امهم ام البنين إذ لم يكن لهم ولد وكانت هي في قيد الحياة كما مر ووهبته هي لأولاد العباس، وإن لم تهبه لهم فلا حق لهم لأن العباس " ع " لا يرث اخوته مع وجود امهم. نعم تصح هذه المنازعة على مذهب بعض العامة، وهذا
[ 447 ]
غير مرضي أيضا لأن عمر بن علي لم يكن عاميا بل كان يتبع أباه واخوته عليهم السلام كما هو مذكور في التواريخ وغيرها. وعن (تذكرة الخواص) لابن الجوزي: عاش عمر الأكبر بن علي خمسا وثمانين سنة حتى حاز نصف ميراث أمير المؤمنين (عليه السلام)، وروى الحديث وكان فاضلا وفي جملة من كتب السير انه قتل يوم المذار مع أصحاب مصعب بن الزبير، والسبب في خروجه الى العراق: ان الناس لم تكن تألف إليه لعدم خروجه مع أخيه الحسين (ع) فضاق صدره لذلك ولما سمع بخروج المختار في الكوفة سار إليه يتنعم هناك ولما لم يكن معه كتاب من السجاد (ع) أو محمد بن الحنفية وكان المختار قد سمع بما صنع مع السجاد، ما اعتنى به وقال له: لا تبق هنا بل امض حيث شئت لأنك لو كان لك وداد مع المهدي (يعني محمد بن الحنفية) لكان معك منه كتاب، فغضب عمر بن علي وسار الى المصعب وقتل في المذار، وقيل ان الذي سار الى مصعب هو عبد الله بن علي (ع)، وسنذكر الخلاف تفصيلا في أحوال عبد الله بن علي. (وأما اسماء بنت عميس وولداها يحيى ومحمد الاصغر، أو يحيى وعون): في شرح النهج لابن أبي الحديد: ان اسماء بنت عميس هي اخت ميمونة زوجة النبي (ص) وكانت من المهاجرات الى الحبشة وهي تحت جعفر بن أبي طالب فولدت له هناك محمد بن جعفر وعبد الله وعونا، ثم هاجرت معه الى المدينة، فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر فولدت له محمد بن أبي بكر ثم مات عنها، فتزوجها علي بن أبي طالب (ع) فولدت له يحيى بن علي، لا خلاف في ذلك. وقد روى ابن عبد البر في الاستيعاب: ذكر ابن الكلبي ان عون بن علي " ع " امه أسماء بنت عميس، ولم يقل ذلك غيره. وقد روى ان اسماء كانت تحت حمزة ابن عبد المطلب فولدت له بنتا تسمى أمة الله، وقيل امامة. وفي " المناقب ": أن يحيى بن علي توفي قبل أبيه، ومحمد الأصغر كان يكنى أبا بكر قتل يوم الطف، وقيل كانت امه ام ولد، وقيل انه مات في حياة أبيه،
[ 448 ]
وأبو بكر المقتول يوم الطف من ليلى بنت مسعود النهشلية، وهو الصحيح. (وأما زينب الصغرى ورقية الصغرى وامهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفية). قال في (أعلام الورى): كانت زينب الصغرى عند محمد بن عقيل فولدت له عبد الله وفيه العقب من ولد عقيل. واما رقية الصغرى: فكانت عند عبد الرحمن بن عقيل فولدت له سعدا وعقيلا. وأما عبد الله بن علي: فانه بقى إلى أيام المختار بن أبي عبيدة وقتل في المذار، واختلف انه كان في اصحاب المختار، ام في اصحاب مصعب بن الزبير، ومنشأ الاختلاف وجود عمر بن علي في تلك الوقعه وقتله هناك على قول، فقال المسعودي في تاريخه (مروج الذهب): وممن حضر وقتل في تلك الوقعة عبد الله بن علي بن أبي طالب. وقال ابن الاثير: ذكر بعض ان عبد الله بن علي قتله اصحاب المختار يوم المذار. وعن (روضة الصفا): لما ايس عمر بن علي من المختار سار الى مصعب بن الزبير وأعطاه مصعب مائة الف درهم، وقتل مع مصعب في حرب المختار. وقد ذكرنا في أحوال عمر بن علي عن حاشية العمدة ما يقرب من هذا وقد سمعت ما نقلناه عن العمدة انه مات في ينبع، وذكر مثله ابن الاثير أيضا، فالصحيح عندي: ان المقتول في المذار هو عبد الله بن علي وقبره الآن معروف، وسننقل ما يوضح هذا في خرائج الراوندي: عن أبي الجارود عن أبي جعفر " ع " قال: جمع أمير المؤمنين (عليه السلام) بنيه وهم اثنى عشر ذكرا فقال لهم: ان الله أحب ان يجعل في سنة يعقوب إذ جمع بنيه وهم اثنى عشر ذكرا فقال لهم اني اوصي الى يوسف فاسمعوا له واطيعوا وأنا اوصي الى الحسن والحسين فاسمعوا لهما واطيعوا، فقال له عبد الله ابنه: دون محمد بن علي ؟ (يعني محمد بن الحنفية) فقال له: أجرأة علي في حياتي ؟ كأني بك مذبوحا في فسطاطك لا يدري من قتلك، فلما كان في زمن المختار اتاه، فقال: لست هناك، فغضب فذهب الى مصعب بن الزبير وهو بالبصرة فقال ولني قتال اهل الكوفة، فكان على مقدمة المصعب، فالتقوا بحرورا
[ 449 ]
فلما حجز الليل بينهم أصبحوا وقد وجدوه مذبوحا في فسطاطه لا يدري من قتله. وفي (مقاتل الطالبيين) عبد الله بن علي بن أبي طالب " ع " قتله أصحاب المختار ابن أبي عبيدة يوم المذار، وكان صار الى المختار فسأله ان يدعو إليه ويجعل الأمر له فلم يفعل، فخرج فلحق بمصعب فقتل في الوقعة وهو لا يعرف. أقول: فالحق أن عمر بن علي لم يقتل في تلك الوقعة، بل المقتول هو عبد الله ويدلك على ذلك ان أبا الفرج مع كثرة اطلاعه وسعة روايته لم يذكر عمر بن علي في المقاتل، وقد نقلناه فيما مر قريبا عن ابن الأثير وابن حجر وغيرهما انه مات في ينبع، واقتصر عليه صاحب (العمدة) ثم ليعلم ان جملة من الناس غلطوا فزعموا أن عمر بن علي وعبد الله بن علي قتلا يوم الطف، ويدلك على بطلان ذلك عدم ذكرهما في زيارة الناحية المشتملة عى أسماء شهداء كربلا مع أسماء قاتليهم، نعم عبد الله المقتول يوم الطف هو من ام البنين أخو العباس ولا خلاف في ذلك، وقد ظهرت كرامات كثيرة لعبد الله بن علي من قبره الشريف، ذكرها لنا جماعة من المؤمنين وهي معروفة عند أهل تلك النواحي، وقبره معروف مشهور وضريحه معمور، وقد زرته مرتين. (وأما بنات وأولاد أمير المؤمنين " ع "): فانه زوج رملة من أبي الهياج عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وكانت ام هاني عند عبد الله الاكبر ابن عقيل بن أبي طالب فولدت له محمدا قتل بالطف، وعبد الرحمن. وكانت ميمونة عند عقيل بن عبد الله بن عقيل. وأما امامة فكانت عند الصلت بن نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب، فولدت له نفيسة وتوفت عنده. واما فاطمة بنت أمير المؤمنين " ع " فكانت عند أبي سعيد بن عقيل فولدت له حميد وقيل عند محمد بن عقيل. وفي (البحار) عن قرب الاسناد عن محمد بن الحسن عن علي بن اسباط عن الحسن بن مرة عن عنبسة العابد قال: ان فاطمة بنت علي " ع " مد لها في العمر حتى رآها أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام). (وفيه عن الخزاز القمي): نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى أولاد علي وجعفر فقال: بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا. واعقب لعلي " ع " من خمسة: الحسن والحسين ومحمد
[ 450 ]
ابن الحنفية والعباس وعمر. وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتمتع بحرة ولا أمة في حياة خديجة. وكذلك كان علي " ع " مع فاطمة " ع " وفي (قوت القلوب): انه تزوج بعد وفاتها بتسع ليال، وانه تزوج بعشرة. وتوفي عن أربعة: امامة وامها زينب بنت النبي (ص). وأسماء بنت عميس. وليلى. وام البنين. ولم يتزوجن بعده. وخطب المغيرة بن نوفل امامة، ثم أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، فروت عن علي " ع " انه لا يجوز لأزواج النبي والوصي أن يتزوجن بغيره بعده. وتوفي عن ثمانية عشر ام ولد، فقال " ع ": جميع امهات أولادي محسوبات على أولادهن بما ابتعتهن به. وما كان من إمائه غيرهن فهن حرائر من ثلثه عليه الصلاة والسلام.
الفصل الثاني في ذكر مشاهير أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) :
عمار بن ياسر: صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لازم أمير المؤمنين " ع " وتحمل الأذى من المخالفين في محبة أمير المؤمنين وأهل بيته، وهو المتكلم يوم السقيفة والشورى بما نقلناه آنفا، وتأمر أيام عمر في الكوفة باشارة أمير المؤمنين " ع " وكان ينشر فضائله هناك، فأخبروا عمر فعزله، فلما قدم قال له عمر: أساءك العزل ؟ قال: ما سرني حين استعملت، فكيف ساءني حين عزلت، فقال له: قد علمت ما انت بصاحب عمل ولكني تأولت (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين). وكان عمار في أيام عثمان ينادي في السكك والمجالس بفضل علي بن أبي طالب " ع " فضربه عثمان حتى كسر ضلعا من أضلاعه ولم يحفظ فيه صحبة رسول الله (ص). ومن الأحاديث المروية عن عمار: ما روى عن كتاب " كفاية الأثر " قال أخبرنا محمد بن عبد المطلب قال حدثنا محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي الكوفي
[ 451 ]
قال حدثنا عباد بن يعقوب قال حدثنا علي بن هاشم عن محمد بن عبد الله عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه عن جده عمار قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض غزواته وقتل علي " ع " أصحاب الألوية وفرق جمعهم وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي وقتل شيبة أتيت رسول الله (ص) فقلت يارسول الله: ان عليا جاهد في الله حق جهاده فقال (ص): لأنه مني وأنا منه وانه وارث علمي وقاضي ديني ومنجز وعدي والخليفة من بعدي ولولاه لم يعرف المؤمن بعدي حربه حربي وسلمه سلمي وسلمي سلم الله إلا انه أبو سبطي والأئمة بعدي من صلبه يخرج الله تعالى الأئمة الراشدين ومنهم مهدي هذه الامة، فقلت بأبي أنت وامي من هذا المهدي ؟ قال يا عمار ان الله تعالى عهد إلى أن يخرج من صلب الحسين أئمة تسعة والتاسع من ولده يغيب عنهم ذلك قوله تعالى: (قل أرأيتم أن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتكم بماء معين) تكون له غيبة طويلة يرجع فيها قوم ويثبت آخرون فإذا كان آخر الزمان يخرج فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ويقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل وهو سميي وأشبه الناس بي يا عمار ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فاتبع عليا وحزبه فانه مع الحق والحق معه، يا عمار ستقاتل بعدي صنفين الناكثين والقاسطين ثم تقتلك الفئة الباغية، قلت يارسول الله أليس ذلك على رضا الله ورضاك ؟ قال: نعم على رضى الله ورضاي ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه. فلما كان يوم صفين خرج عمار بن ياسر الى أمير المؤمنين " ع " فقال له: يا أخا رسول الله أتأذن لي في القتال ؟ فقال: مهلا رحمك الله. فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام فأجابه بمثله، فأعاد عليه ثالثا فبكى أمير المؤمنين " ع "، فنظر إليه عمار فقال: يا أمير المؤمنين انه اليوم الذي وصفه لي رسول الله فنزل أمير المؤمنين " ع " عن بغلته وعانق عمار وودعه، ثم قال: يا أبا اليقظان جزاك عن الله وعن نبيك وعني خيرا فنعم الأخ كنت ونعم الصاحب كنت، ثم بكى (عليه السلام) وبكى عمار ثم قال. يا أمير المؤمنين والله ما تبعتك إلا ببصيرة فاني سمعت رسول الله يقول: يوم خيبر:
[ 452 ]
يا عمار ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فاتبع عليا وحزبه فانه مع الحق والحق معه ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين فجزاك الله يا أمير المؤمنين أفضل الجزاء فقد أديت وأبلغت ونصحت لله ولرسوله، فركب وركب أمير المؤمنين " ع "، ثم برز الى القتال ثم دعا بشربة من ماء، فقيل ما معنا ماء فقام إليه رجل من الانصار فأسقاه شربة من لبن فشربه، ثم قال: هكذا عهد إلي رسول الله أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من اللبن، ثم حمل على القوم فقتل ثمانية عشر نفسا، فخرج إليه رجلان من أهل الشام فطعناه وقتل (ره)، فلما كان الليل طاف أمير المؤمنين " ع " في القتلى فوجد عمارا ملقى بين القتلى فوضع رأسه على فخذه ثم بكى وأنشأ يقول:
أيا موت كم هذا التفرق عنوة * * فلست تبقي خلة لخليل
أراك بصيرا بالذين أحبهم * * كأنك تمضي نحوهم بدليل
أقول: وفي " مجمع البحرين ": ان عمار بن ياسر لما قتل يوم صفين احتمله أمير المؤمنين " ع " وجعل يمسح الدم عن وجهه وهو يقول:
وما ظبية تسبي الظباء بطرفها * * إذا انبعثت خلنا بأجفانها سحرا
بأحسن ممن خضب السيف وجهه * * دما في سبيل الله حتى قضى صبرا
وقال المسعودي: قتل عمار بن ياسر وله من العمر ثلاث وتسعون سنة، وقبره بصفين. محمد بن أبي بكر: كان منقطعا الى أمير المؤمنين " ع " منذ فطم، وكانت أسماء بنت عميس هي السبب في ذلك، وكان أمير المؤمنين عليه السلام ينزله بمنزلة أولاده حضر مع أمير المؤمنين حرب الجمل وصفين وأبلى فيهما بلاء حسنا قال المسعودي في " مروج الذهب ": كان محمد بن أبي بكر يدعى عابد قريش لنسكه وزهده، ورباه علي بن أبي طالب " ع "، ومحمد بن أبي بكر جد الصادق " ع " لأمه، لأن ام الصادق هي ام فروة، وقيل اسمها فاطمة وكنيتها ام فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وكان القاسم هذا فقيه أهل المدينة في زمانه. وفي " البحار ": عن الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عبد الله بن
[ 453 ]
أحمد عن ابراهم بن الحسن عن وهب بن حفص عن اسحاق بن حرير قال قال أبو عبد الله: كان سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر وأبو خالد الكابلي من ثقاة علي بن الحسين " ع "، ثم قال وكانت امي ممن آمنت واتقت وأحسنت والله يحب المحسنين، ولما اضطربت أهل مصر بعث إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) محمد بن أبي بكر وعهد إليه عهدا فقال (ع) بعد حمد الله وأمره بالتقوى ووصيته بالرعية: فاخفض لهما جناحك وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك، وآس بينهم في اللحظة والنظرة، حتى لا يطمع العظماء في خيفتك، ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم، فان الله مسائلكم عباده عن الصغيرة من أعمالكم والكبيرة والظاهرة والمستورة، فان يعذب فأنتم أظلم، وإن يعف فهو أكرم، واعلموا عباد الله ان المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، ثم سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا من الدنيا بما حظى به المترفون، وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبرون، ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ، والمتجر الرابح، أصابوا لذة الدنيا في دنياهم، وتيقنوا بأنهم جيران الله غدا في آخرتهم، لا ترد لهم دعوة، ولا ينقص لهم نصيب من لذة، فاحذروا عباد الله الموت وقربه، وأعدوا له عدته، فانه يأتي بأمر عظيم، وخطب جليل، بخير لا يكون معه شرا أبدا، فمن أقرب الى الجنة من عاملها، ومن أقرب الى النار من عاملها، وانتم طرداء الموت، إن أقمتم له أخذكم وإن فررتم منه أدرككم، فاحذروا نارا قعرها بعيد، وحرها شديد، وعذابها جديد، دار ليس فيها رحمة، ولا تسمع فيها دعوة، ولا تفرج فيها كربة، وإن استطعتم أن يشتد خوفكم من الله، وأن يحسن ظنكم به، فاجمعوا بينهما، فان العبد انما يكون حسن ظنه بربه على قدر خوفه من ربه، وان أحسن الناس ظنا بالله أشدهم خوفا لله، واعلم يا محمد بن أبي بكر اني قد وليتك أعظم اجنادي في نفسي أهل مصر فأنت محفوف ان تخالف على نفسك، وأن تناصح عن دينك ولو لم يكن إلا ساعة من الدهر، ولا تسخط الله برضا أحد من خلقه فان في الله خلفا من غيره، وليس من الله خلف في غيره، صل الصلاة
[ 454 ]
لوقتها، الموقت لها، ولا تعجل وقتها لفراغ، ولا تؤخرها عن وقتها لاشتغالك واعلم ان كل شي من عملك تبع لصلاتك... وهي طويلة واكتفينا منها بما نقلناه. ولما قدم محمد بن أبي بكر مصرا صعد المنبر وأبلغهم سلام أمير المؤمنين (ع) ثم خطب خطبة بليغة وقال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي وإياكم لما اختلف فيه من الحق، وبصرني وإياكم كثيرا مما كان عمى عنه الجاهلون، ألا ان أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين الى جنات النعيم، ووصي رسول الله الذي استخلفه على امته برغم المنافقين، وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد ولاني عليكم، وعهد إلي ما سمعتم، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه انيب، فان يكن ما ترون من إمارتي وأعمالي طاعة لله فاحمدوا الله على ما كان من ذلك، فانه هو الهادي له وإن رأيتم عاملا لي عمل بغير الحق فارفعوه إلي وعاتبوني فيه فاني بذلك أسعد وأنتم جديرون وفقنا الله وإياكم لصالح الأعمال برحمته، ثم نزل، ولبث شهرا ثم بعث الى القوم الذين أفسدوا مصرا فقال لهم: اما ان تدخلوا في طاعتنا واما أن تخرجوا من بلادنا، فأجابوه ان لا نفعل فدعنا حتى ننظر الى ما يصير إليه أمرنا، فأمهلهم محمد فكانت وقعة صفين وهم هائبون من محمد فلما انقضت وصارت قضية الحكمين طمعوا في محمد وأظهروا له المبارزة، فبعث محمد الحرث بن جهان الجعفي الى خريت وفيها يزيد بن الحرث مع بني كنانة فقاتلهم فقاتلوه، فبعث محمد إليهم أيضا ابن مضاهم الكلبي فقتلوه، وخرج معاوية بن خديج السكوني وطلب بدم عثمان مع اناس من الأوباش، وفسدت مصر على محمد بن أبي بكر فبلغ ذلك امير المؤمنين فقال: ما لمصر إلا الاشتر، وكان الاشتر بعد صفين قد وجه به أمير المؤمنين " ع " الى الجزيرة فكتب إليه امير المؤمنين يطلبه، فحضر عنده فأخبره خبر مصر وقال: ليس لها غيرك فاخرج إليها فانى لو لم اوصك اكتفيت برأيك واستعن بالله واخلط الشدة باللين وارفق ما كان الرفق ابلغ وتشدد حين لا يغني إلا الشدة، فخرج الاشتر يتجهز الى مصر وكتب أمير المؤمنين " ع " الى محمد بن أبي بكر يأمره بالتحفظ
[ 455 ]
على ما في يده وترك القتال الى أن يقدم عليه الأشتر، فكتب " ع " للأشتر عهدا قال في أوله: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن ابن الحرث الاشتر في عهده إليه حين ولاه مصرا جباة خراجها وجهاد عدوها واستصلاح أمرها وعمارة بلادها، أمره بتقوى الله وإيثار طاعته واتباع ما امر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد احد إلا باتباعها ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها، وان ينصر الله سبحانه بيده وقلبه ولسانه، فانه جل إسمه قد تكفل بنصر من نصره واعزاز من اعزه، وأمره أن يكسر نفسه عن الشهوات ويزغها عند الجمحات، فان النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. ثم اعلم يا مالك اني قد وجهتك الى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور وان الناس ينظرون في أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من امور الولاة قبلك ويقولون فيك ما كنت فيهم، وانما يستدل على الصالحين بما يجري الله على ألسن عباده، فليكن احب الذخائر اليك ذخيرة العمل الصالح فاهلك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك فان الشح بالنفس الانصاف فيها فيما احببت أو كرهت، واشعر قلبك بالرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم فانهم صنفان اما أخ لك في الدين واما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على ايديهم في العمد والخطأ فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب ان يعطيك الله من عفوه وصفحه فانك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك والله فوق من ولاك. ومنه: ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر ولا جبابا يضعفك عن الامور، ولا حريصا يزين لك الشره بالجود، فان البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله، ان شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا ومن شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة فانهم اعوان الأئمة واخوان الظلمة وانت واجد منهم خير الخلف. ومنه: ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم، والمساكين
[ 456 ]
والمحتاجين واهل البلاد والزمني فان في هذه المنطقة قانعا ومعترا واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسما من بيت مالك وقسما من غلات صوافي الاسلام في كل بلد. ومنه: واما بعد هذا فلا تطولن احتجابك من رعيتك فان احتجاب الولاة شعبة من الضيق وقلة علم الامور والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل، فانما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الامور وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الحق من الصدق والكذب وانما انت احد رجلين اما امرئ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك في واجب حق تعطيه أو فعل كريم يسد به أو مبتلى بالمنع فما اسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع ان كثر حاجات الناس اليك مما لا مؤنة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب انصاف في معاملة. ومنه: وإياك والاعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها، وحب الاطراء فان ذلك من اوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين وإياك والمن على رعيتك باحسانك أو التزيد فيما كان من فعلك أو ان تعدهم فتتبع موعودك بخلفك فان المن يبطل الاحسان والتزيد يذهب بنور الحق والخلف يوجب المقت عند الله والناس، وختم هذا العهد بقوله: وانا اسأل الله بسعة رحمته وعظيم قدرته على اعطاء كل رغبة ان يختم لي ولك بالسعادة والشهادة، إنا إليه راغبون، وختمه " ع " وناوله إياه، ولما تجهز الاشتر (ره) سار قاصدا مصر واتت معاوية عيونه بذلك فعظم عليه وكان قد طمع في مصر فعلم ان الاشتر إن قدمها كان اشد عليه من محمد بن أبي بكر فأقبل يقول لاهل الشام: ان عليا قد وجه بالاشتر الى مصر فادعوا الله عليه فكانوا يدعون الله عليه كل يوم، وبعث معاوية الى المقدم على اهل الخراج بالقلزم وقال له: ان الاشتر قد ولي مصرا فان كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت وبقيت، قيل وكان عبدا أسودا فخرج حتى أتى القلزم واقام به، ولما بدى موكب الاشتر استقبله ذلك المشوم ورحب به ثم عرض عليه النزول فنزل عنده فأطعمه طعاما
[ 457 ]
فيه سمك مالح فشرب الاشتر ماء كثيرا فثقل حاله فوصف له العسل وقال ان من أمره كذا وكذا، وأتاه بشربة من عسل قد جعل فيه سما فسقاها إياه فتناول منه شيئا قليلا فما استقر في جوفه حتى تلف رحمه الله، فأتى من كان معه على ذلك الرجل وأصحابه وقتلوهم عن آخرهم، ولما بلغ معاوية خبر موت الأشتر قام خطيبا ثم قال: أما بعد فانه كان لعلي يمينان فقطعت إحداهما بصفين " يعني عمار بن ياسر "، وقطعت الأخرى اليوم " يعني الأشتر "، ألا ان لله جندا من عسل تقتل أعداءنا. ولما بلغ أمير المؤمنين " ع " خبر مالك قال: إنا لله وإنا إليه راجعون رحم الله مالكا مالك وما مالك وهل موجود مثل ذلك لو كان من حديد لكان فندا أو من حجر لكان صلدا والله لقد كان لي مالك مثل ما كنت لرسول الله، على مثله فلتبك البواكي، ثم جرت دموعه على خديه حتى ابتلت كريمته الشريفة. ثم كتب " ع " الى محمد بن أبي بكر وكان بلغه انه شق عليه عزله بالأشتر: بسم الله الرحمن الرحيم - من عبد الله علي أمير المؤمنين الى محمد بن أبي بكر، أما بعد فقد بلغني موجدتك من تسريح الأشتر الى عملك واني لم افعل ذلك استبطاء لك في الجهد ولا ازديادا لك في الجد ولو نزعت ما تحت يدك من سلطانك لوليتك ما هو أيسر عليك مؤنة واعجب اليك ولاية ان الرجل الذي كنت وليته أمر مصر كان لنا رجلا ناصحا وعلى عدونا شديدا فرحمه الله فلقد استكمل أيامه ولاقى حمامه ونحن عنه راضون أولاه الله رضوانه وضاعف الثواب له فاصحر لعدوك وأمض على بصيرتك وشمر لحرب من حاربك وادع الى سبيل ربك بالحكمة واكثر الاستعانة بالله يكفيك ما اهمك ويعينك على ما نزل بك إن شاء الله. فلما ورد كتاب أمير المؤمنين " ع " على محمد بن أبي بكر جزع على مالك جزعا شديدا وقال رحم الله مالكا لقد كان سيفنا الذي نسطو به على عدونا، ثم كتب الى أمير المؤمنين " ع ": بسم الله الرحمن الرحيم الى عبد الله علي أمير المؤمنين من محمد بن أبي بكر، السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته اما بعد فقد انتهى الي كتابك وفهمته وليس أحد من الناس أرضى برأي أمير المؤمنين ولا اجهد
[ 458 ]
على عدوه ولا أرءف بوليه مني وقد خرجت فعسكرت وآمنت الناس إلا من نصب لنا حربا وأظهر لنا خلافا وانا متبع أمير المؤمنين وحافظه والسلام. وأما معاوية فانه لما بلغه ان محمدا بقي في مصر وان ابن خديج خرج فيها يطلب بدم عثمان هو واصحابه وابن مخلد، كتب إليه كتابا يشكرهما ويعدهما المواسات في سلطانه وبعثه مع مولاه سبيع، فأجابه يطلب منه المدد، فبعث إليه جيشا كثيفا واستعمل عليه عمرو بن العاص، فسار حتى نزل أداني مصر فاجتمعت إليه العثمانية وكتب عمرو الى محمد: أما بعد فتنح عني بدمك يابن أبي بكر فاني لا احب أن يصيبك مني ظفر ان الناس بهذه البلاد قد اجتمعت على خلافك وهم مسلموك فاخرج فاني لك من الناصحين وبعث معه كتابا لمعاوية يتهدده بقصده حصار عثمان، فأرسل محمد الكتابين الى أمير المؤمنين " ع " وكتب يخبره بنزول عمرو بن العاص بأرض مصر وانه رأى التثاقل ممن عنده ويستمده. فكتب أمير المؤمنين " ع " كتابا يأمره بالصبر لعدوه وقتاله وان الجيوش تنفذ إليه. فلما اتاه كتاب أمير المؤمنين " ع " قام في الناس وندبهم الى الخرو ج على عدوهم مع كنانة بن بشر فانتدب معه الفان، وخرج محمد بعده في الفين وكنانة في مقدمته، واقبل عمرو نحو كنانة فلما دنا منه سرح الكتايب كتيبة بعد كتيبة فجعل كنانة لا تأتيه كتيبة إلا حمل عليها فألحقها بعمرو بن العاص فلما رأى ذلك بعث الى معاوية بن خديج فأتاه هو واصحابه فأحاطوا بكنانة واصحابه وهجموا عليهم كالجراد المنتشر فضاربهم بسيفه حتى اثخنوه واستشهد رحمه الله، فلما بلغ خبره محمدا تفرق عنه اصحابه، واقبل نحوه عمرو وما بقى أحد إلا نفر فخرج إليه محمد ومن معه فقاتلوا قتالا شديدا فقتل اصحاب محمد وبقي وحده فشد على اصحاب عمرو حتى حركهم عن موضعهم وانهزم عنهم، فقيل انه اختبأ عند جبلة بن مسروق فدل عليه معاوية ابن خديج فأحاط به، وخرج محمد إليهم فقاتلهم حتى قتل منهم جماعة ثم قتل، وقيل: خرج يمشي في الطريق فانتهى الى خربة في ناحية الطريق وجلس فيها واضعا رأسه في ركبته، وسار عمرو بن العاص حتى دخل الفسطاط وخرج
[ 459 ]
معاوية بن خديج في طلب محمد فانتهى الى جماعة في قارعة الطريق فسألهم عنه فقال احدهم دخلت تلك الخربة فرأيت رجلا جالسا، فقال ابن خديج هو هو فدخلوا عليه فاستخرجوه وقد كاد يموت عطشا واقبلوا به نحو الفسطاط فوثب اخوه عبد الرحمان ابن ابي بكر الى عمرو وكان في جنده وقال: أتقتل اخي صبرا ابعث الى ابن خديج فانهه عنه، فبعث إليه يأمره ان يأتيه بمحمد فقال قتلتم كنانة واخلي محمدا اكفاؤكم خير من اولئكم ام لكم براءة في الزبر هيهات هيهات، فقال لهم محمد بن ابي بكر: اسقوني ماء فقال له ابن خديج: لا سقاني الله إن سقيتك قطرة ابدا انكم منعتم عثمان شرب الماء لا والله لأقتلك حتى يسقيك الله من الحميم والغساق، فقال له محمد يابن اليهودية النساجة ليس ذلك اليك انما ذلك الى الله يسقي اولياءه ويظمي اعداءه وهم انت وامثالك اما والله لو كان سيفي بيدي ما بلغتم مني هذا، فقال ابن خديج: اتدري ما اصنع بك ؟ ادخلك جوف حمار ثم احرقه عليك بالنار، فقال له محمد: إن فعلت بي ذلك فطالما فعلتم ذلك بأولياء الله واني لأرجو ان يجعلها عليك وعلى اوليائك ومعاوية وعمرو ومن سبقهم في ظلم آل محمد نارا تلظى كلما خبت زادها الله سعيرا فغضب منه وضرب عنقه ثم ألقاه في جيفة حمار ثم أحرقه بالنار، وقيل أحرقه وبه رمق، ولما بلغ عائشة ما فعل بمحمد قيل جزعت عليه جزعا شديدا وقيل قالت: هذا جزاء من عقه أهله، وجعلت في دبر كل صلاة تدعو على معاوية وعمرو بن العاص وتلعنهما ويروى: أن محمد بن جعفر بن أبي طالب كان مع محمد بن أبي بكر، ولما قتل استجار محمد بن جعفر بأخواله من خثعم، وكان خثعم يومئذ رجل بظهره بزخ من كسر اصابه، فكان إذا مشى ظن الجاهل انه يتبختر في مشيه، فذكر لابن خديج انه عنده، فقال له: اسلم الينا هذا الرجل، فقال ابن اختنا لجأ الينا لنحقن دمه فدعه عنك، قال: لا والله لا ادعه حتى تأتيني به، قال: لا والله لا آتيك به، قال: كذبت والله لتأتيني به انك ما علمت لاوره، قال: أجل اني لاوره حين اقاتلك على ابن عمك تحقن دمه واقدم ابن عمي دونه تسفك دمه، فسكت ابن خديج. وأخذوا رأس
[ 460 ]
محمد بن أبي بكر وعبؤه تبنا وبعث به الى معاوية. قيل: فكان أول رأس طيف به في الاسلام، ففرح معاوية فرحا شديدا. وأما أمير المؤمنين " ع " فانه لما جائه كتاب محمد بن أبي بكر فأجابه عنه ووعده المدد وقام في الناس خطيبا واخبرهم خبر مصر وقصد عمرو إياها وندبهم وحثهم على ذلك وقال: اخرجوا بنا الى الجرعة " وهي بين الكوفة والحيرة "، فلما كان الغد خرج (عليه السلام) الى الجرعة فنزلها بكرة وأقام بها حتى انتصف النهار فلم يأته أحد فرجع، فلما كان العشي استدعى أشراف الناس وهو كئيب فقال: الحمد لله على ما قضى من أمره وقدر من فعله وابتلاني بكم ايتها القرية التي لا تطيع إذا امرت ولا تجيب إذا دعوت لا أبا لغيركم ما تنتظرون بمصركم والجهاد على حقكم فو الله لئن جاء الموت وليأتيني ليفرقن بيني وبينكم وأنا لصحبتكم قال وبكم غير كثير المدد انتم اما دين يجمعكم ولا حمية تحميكم ! إذا انتم سمعتم بعدوكم ينتقص بلادكم ويشن الغارة عليكم ! أو ليس عجبا ان معاوية يدعو الجفاة الطغاة فيتبعونه على غير عطاء ولا معونة في السنة المرة والمرتين والثلاث الى أي وجه شاء وانا ادعوكم وأنتم اولي النهي وبقية الناس على العطا والمعونة فتفرقون عني وتعصوني وتختلفون علي ! فقام كعب بن مالك الارحبي وقال: يا أمير المؤمنين اندب الناس، لهذا اليوم كنت ادخر نفسي، ثم قال: ايها الناس اتقوا الله واجيبوه إمامكم وانصروا دعوته وقاتلوا عدوه وأنا أسير إليه فخرج معه الفان، فقال له " ع ": سر فوالله ما أظنك تدركهم حتى ينقضي أمرهم. ثم اتى أمير المؤمنين " ع " الخبر بقتل محمد بن أبي بكر وسرور أهل الشام بقتله فقال " ع ": أما ان حزننا عليه بقدر سرورهم لا بل يزيد اضعافا، فأرسل " ع " فأعاد الجيش الذي نفذه، وقام " ع " خطيبا وقال: ألا ان مصر قد افتتحها الفجرة اولوا الجور والظلمة الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الاسلام عوجا، ألا وان محمد بن أبي بكر قد استشهد وقتل فعند الله نحتسبه، ثم استعبر باكيا وقال: رحم الله محمدا لقد كان ربيبا وكنت اعده ولدا كان لي برا، فعلى مثل محمد نحزن
[ 461 ]
أما اني ما الوم نفسي على تقصير واني لمقاسات الحرب لجدير، واني لأتقدم على الأمر واعرف وجه الحزم وأقوم فيكم بالرأي المصيب واستنصركم معلنا وأنأديكم نداء المستغيث فلا تسمعون لي قولا ولا تطيعون لي أمرا حتى تصير بي الأمور الى عواقب المساءة، فأنتم القوم لا يدرك بكم الثار ولا تنفض بكم الأوتار، دعوتكم الى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة فتجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق وتثاقلتم الى الأرض تثاقل من ليست له ننة في جهاد العدو ولا اكتساب الأخر، ثم خرج إلي جنيد متذانب كأنهم يساقون الى الموت وهم ينظرون. وكتب " ع " الى عبد الله وهو بالبصرة: أما بعد فان مصر قد فتحت ومحمد بن أبي بكر قد استشهد فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا وعاملا كادحا وسيفا قاطعا وركنا رافعا وقد كنت حثثت الناس على لحاقه وأمرتهم بغياثه ودعوتهم سرا وجهرا وعودا وبدء فمنهم الآتي كارها ومنهم المعتل كاذبا ومنهم القاعد خاذلا واسأل الله أن ان يجعل لي منهم فرجا عاجلا فوالله لولا طعمي عند لقائي في الشهادة وتوطيني نفسي عل المنية لأحببت ان لا ابقى مع هؤلاء يوما واحدا ولا التقى بهم أبدا. (وأما مالك بن الحرث الأشتر النخعي): كان عالما عاملا شجاعا رئيسا شديد المحبة لأمير المؤمنين " ع ". وقد ذكرنا سابقا شيئا من موقفه مع أمير المؤمنين ونصرته للحق في مجلس غزواته " ع "، وذكرنا خبر وفاته فيما مضى عن قريب وكان مالك يجمع بين اللين والعنف. فقد روى في بعض الكتب: انه (ره) مر يوما في السوق وكان طويل القامة لا يلبس إلالبسة الفاخرة وقد لبس قميصا من الكرباس وتعمم بعمامة من ذلك القميص فعبث به بعض أهل السوق ولم يعرفه، فلم يتكلم الاشتر ومضى مسرعا، فأخبر ذلك الرجل انه كان الأشتر صاحب أمير المؤمنين " ع "، فخاف ذلك الرجل وقال: ثكلتني امي لم اعرفه، ثم سار في طلبه ليعتذر إليه فوجده في مسجد يصلي، فدخل عليه وطلب منه العفو، فقال مالك (ره): والله لم ادخل هذا المسجد إلا للاستغفار لك.
[ 462 ]
ولما عانق ابن الزبير يوم الجمل وصرعه، جعل ابن الزبير يصرخ: اقتلوني ومالكا، واقتلوا مالكا معي، فلم يعلم من الذي يعينه لشدة الاختلاط وثوران النقع، وكان مالك بعد ذلك يقول: والله لو قال: اقتلوني والاشتر لقتلنا جميعا وما ابالي إذ قتل عدو الله. وقال يخاطب عائشة في ذلك:
أعائش لولا انني كنت طاويا * * ثلاثا لألفيت ابن إختك هالكا
غدات ينادي والرماح تنوشه * * كوقع الصياصي: اقتلوني ومالكا
فنحاه مني شبعه وشبابه * * واني شيخ لم اكم متماسكا
وكانت شهادته (ره) في سنة سبع وثلاثين على رواية والاصح: سبع وعشرين. (عبد الله بن عباس): كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم مع أمير المؤمنين " ع " وكان عالما عابدا تقيا، والاخبار الواردة في تنقيصه لا تنافي شأنه لأنها اما مؤملة أو محمولة. في كتاب (ينابيع المودة): ان ابن عباس قال يوما: لو اني رأيت أحدا أعلم مني لأتيته، فقيل فيما تقول في علي ؟ فقال أو لم آته. وكان ابن عباس من تلاميذ علي (عليه السلام). وعن الكشي: بسنده عن رجل من أهل الطايف قال: أتينا ابن عباس في مرضه الذي مات فيه قال فأغمي عليه في البيت فاخرج الى صحن الدار، قال فأفاق فقال: ان خليلي رسول الله (ص) قال: سأهجر هجرتين واني سأخرج من هجرتي فهاجرت مع رسول الله، وهجرت مع علي، واني سأعمى فعميت، واني سأغرق فأصابتني حكة فطرحني اهلي في البحر فغفلوا عني فغرقت، ثم استخرجوني بعد. وامرني ان ابرء من خمسة: من الناكثين وهم اصحاب الجمل، ومن القاسطين وهم أهل الشام، ومن الخوارج وهم أهل النهروان، ومن القدرية وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم، فقالوا الله اعلم، قال ثم قال: اللهم اني احيى على ما حيي عليه علي بن أبي طالب وأموت على ما مات عليه علي بن أبي طالب، قال ثم مات فغسل وكفن
[ 463 ]
ثم صلي على سريره، قال فجاء طايران ابيضان فدخلا في كفنه فرأى الناس انما هو فقهه فدفن. (ميثم التمار): صاحب أمير المؤمنين " ع " خاصة، ولم يدرك صحبة النبي. ويروى: ان ميثم كان عبدا لامرأة من بني أسد فاشتراه علي " ع " منها فأعتقه، فقال ما اسمك ؟ فقال سالم، قال: اخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان اسمك الذي سماك به أبوك في العجم: ميثم، قال صدق الله ورسوله وصدق أمير المؤمنين والله انه لأسمي، قال فارجع الى اسمك الذي سماك به رسول الله ودع سالما، فرجع الى ميثم واكتنى بأبي سالم. فقال علي " ع " ذات يوم: انك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دما فتخضب لحيتك فانتظر ذلك الخضاب تصلب على باب عمرو بن حريث عاشر عشرة انت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة وامض حتى اريك النخلة التي تصلب على جذعها، فأراه إياها، وكان ميثم يأتيها فيصلي عندها ويقول: بوركت من نخلة لك خلقت ولي غذيت، ولم يزل معاهدها حتى قطعت وحتى عرف الموضع الذي يصلب عليه بالكوفة، قال وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول: اني مجاورك فاحسن جواري، فيقول له عمرو: أتريد ان تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم ؟ وهو لا يعلم ما يريد، وحج في السنة التي قتل فيها فدخل على ام سلمة فقالت: من أنت ؟ قال: انا ميثم، قالت ؟ والله لربما سمعت رسول الله (ص) يذكرك ويوصي بك عليا في جوف الليل، فسألها عن الحسين " ع " فقالت: في حايط له، قال اخبريه اني قد احببت السلام عليه ونحن ملتقون عند رب العالمين، فدعت بطيب وطيب لحيته وقالت: أما انها ستخضب بدم، ثم خرج من دار ام سلمة فإذا ابن عباس جالس فسلم عليه ثم قال: يابن عباس سلني ما شئت من تفسير القرآن فاني قرأت تنزيله على أمير المؤمنين وعلمني تأويله، فقال: يا جارية علي بالدواة والقرطاس، ثم أقبل يكتب، فقال: يابن عباس كيف بك إذا رأيتني مصلوبا ؟ فقال ابن عباس وتكهن أيضا وخرق الكتاب، فقال: مه احفظ بما سمعت
[ 464 ]
مني فان يك ما أقول لك حقا اسكت وإلا خرقته، قال: هو ذلك، ولما قدم الكوفة بعث إليه عبيد الله بن زياد فأدخل عليه فقيل له: هذا كان من آثر الناس عند علي، قال: ويحكم هذا الاعجمي ؟ قيل له نعم، فقال له: يا ميثم أين ربك ؟ قال: بالمرصاد لكل ظالم وأنت أحد الظلمة، قال اخبرني ما اخبرك صاحبك اني فاعل بك قال: اخبرني انك تصلبني عاشر عشرة أنا أقصرهم خشبة واقربهم الى المطهرة، قال لنخالفنه قال: كيف تخالفه فو الله ما اخبر إلا عن النبي عن جبرئيل عن الله تعالى فكيف تخالف هؤلاء ؟ ولقد عرفت الموضع الذي اصلب فيه وأين هو من الكوفة وانا أول خلق الله الجم، فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي، فقال ميثم للمختار. انك تفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين " ع " فتقتل هذا الذي يقتلنا. فلما دعى عبيد الله بن زياد بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد يأمره بتخلية سبيل المختار فخلاه، وأمر بميثم ان يصلب فأخرج فقيل ما كان اغناك عن هذا فتبسم وقال وهو يومي الى النخلة لك خلقت ولي غذيت، فلما رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله عند باب عمرو بن حريث فقال عمرو قد كان والله يقول اني مجاورك فلما صلب ميثم أمر عمرو جاريته بكنس تحت خشبته ورشه وتجميره فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم، فقيل لابن زياد قد فضحكم هذا العبد، فقال الجموه وكان اول خلق الله الجم في الاسلام، وكان قتل ميثم قبل قدوم الحسين " ع " العراق بعشرة أيام، فلما كان اليوم الثالث من صلبه طعن ميثم بالحربة فكبر ثم انبعث في آخر النهار فمه وانفه دما. وفي بعض الروايات بالاسناد الى صالح بن ميثم قال اخبرني أبو خالد التمار قال اخبرني أبو خالد التمار قال كنت مع ميثم التمار بالفرات يوم الجمعة فهبت ريح وهو في سفينة من سفن الرمان، قال فخرج فنظر الى الريح فقال شدوا برأس سفينتكم ان هذا ريح عاصف مات معاوية الساعة، قال فلما كانت الجمعة المقبلة قدم بريد من الشام فلقيته فاستخبرته فقلت له يا عبد الله ما الخبر ؟ قال في راحة في احسن حال توفي معاوية وبايع الناس يزيد، قال قلت أي يوم توفي ؟ قال يوم الجمعة وبإلاسناد الى حنان بن سدير
[ 465 ]
عن أبيه عن جده قال قال لي ميثم التمار ذات يوم: اني اخبرك بحديث وهو حق قال فقلت يا أبا صالح بأي شئ تحدثني ؟ قال اني اخرج العام الى مكة فأذا قدمت القادسية راجعا ارسل إلي عبيدة الله بن زياد رجلا في مائة فارس حتى يجئ بي إليه فيقول لي أنت من هذه السبابية الخبيثة المحترقة التي قد يبست عليها جلودها وايم الله لأقطعن يدك ورجلك فأقول لارحمك الله فو الله لعلي كان اعرف بك من حسن حين ضرب رأسك بالدرة فقال له الحسن يا أبة لا تضربه فانه يحبنا ويبغض عدونا فقال له علي " ع " مجيبا له اسكت يا بني فو الله لأنا اعلم منه منك فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعدو وليك وولي لعدوك، قال فيأمر بي عند ذلك فاصلب فأكون اول هذه الامة الجم بالشريط في الاسلام فإذا كان اليوم الثالث فقلت غابت الشمس أو لم تغب ابتدر منخراي دما على صدري ولحيتي، قال فرصدنا فلما كان اليوم الثالث فقلت غابت الشمس أو لم تغب ابتدر منخراه على صدره ولحيته دما، قال فاجتمعنا سبعة من التمارين فاتعدنا بحمله فجئت الى ليلا والحراس يحرسونه وقد اوقدوا النار فحالت النار بيننا وبينهم فاحتملناه حتى انتهينا به الى فيض من ماء في مراد من الخراب واصبح فبعث الخيل فلم تجد شيئا. وفي رواية قال ميثم للناس وهو مصلوب سلوني قبل ان اقتل فوالله لأخبرنكم بعلم ما يكون الى ان تقوم الساعة وما يكون من الفتن فلما سأله الناس حدثهم حديثا واحدا إذ أتاه رسوله من قبل ابن زياد فألجمه بلجام من شريط، وهو اول من الجم بلجام وهو مصلوب. (رشيد الهجري) يروى أن أمير المؤمنين " ع " كان يسميه رشيد البلايا لأنه " ع " كان القى إليه علم البلايا والمنايا، فكان إذا لقى الرجل قال له انت تموت بميتة كذا وتقتل أنت يا فلان بقتلة كذا وكذا، فيكون كما يقول. وروي بالاسناد عن فضيل بن الزبير قال خرج أمير المؤمنين " ع " الى بستان البرني ومعه اصحابه فجلس تحت نخلة ثم أمر بنخلة فلقطت فانزل منها رطب فوضع بين ايديهم قالوا فقال رشيد الهجري يا أمير المؤمنين ما اطيب هذا الرطب ؟ فقال يا رشيد
[ 466 ]
أما انك ستصلب على جدعها، قال رشيد فكنت اختلف إليها طرفي النهار اسقيها ومضى أمير المؤمنين " ع " قال فجئتها يوما وقد قطع سعفها قلت اقترب أجلي، ثم جئت يوما فجاء العريف فقال اجب الأمير فأتيته فلما دخلت القصر إذا الخشب ملقى فإذا فيه الزرنوق فجئت حتى ضربت الزرنوق برجلي ثم قلت لك غذيت ولي انبت، ثم ادخلت على عبيد الله بن زياد فقال هات من كذب صاحبك، فقلت والله ما أنا بكذاب ولا هو ولقد اخبرني انك تقطع يدي ورجلي ولساني قال إذن والله نكذبه اقطعوا يديه ورجليه واخرجوه فلما حمل الى أهله اقبل يحدث الناس بالعظايم وهو يقول ايها الناس سلوني وان للقوم عندي طلبة لم يقضوها، فدخل رجل على ابن زياد فقال له ماذا صنعت قطعت يديه ورجليه وهو يحدث الناس بالعظائم ؟ قال فأرسل إليه ردوه، وقد انتهى الى بابه فردوه فأمر بقطع لسانه وصلبه. (عمر بن الحمق الخزاعي): في البحار ان عمرو بن الحمق كان صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم صاحب أمير المؤمنين " ع "، وفي كلمات الأئمة كان عبدا صالحا ابلته العبادة فانحلت جسمه وصفرت لونه. ولما قتل أمير المؤمنين " ع " طلبه معاوية ليقتله فكان لا يأوي الكوفة فبعث له معاوية الأمان والمواثيق والعهود أن لا يتعرض له بسوء فدخلها فقبض عليه وقتله. وفيه روى محمد بن علي الصواف عن الحسين بن سفيان عن أبيه عن شمير بن سدير الأزدي قال قال علي " ع " لعمرو بن الحمق الخزاعي أين نزلت يا عمرو ؟ فقال في قومي، فقال لا تنزلن فيهم، قال أفأنزل في بني كنانة جيراننا ؟ قال لا، قال أفأنزل في ثقيف ؟ قال فبما تصنع بالمعرة والمجرة ؟ قال وما هما قال عنقان من نار يخرجان من ظهر الكوفة يأتي أحدهما على تميم وبكر بن وائل فبما يفلت منه أحد ويأتي الأخر فيأخذ على الجانب الآخر من الكوفة فقل من يصيب منهم انما هو يدخل الدار فيحرق البيت والبيتين، قال أفأنزل في بني عمرو بن عامر من الأزد ؟ قال فقام قوم حضروا هذا الكلام وقالوا: ما تراه إلا كاهنا يتحدث بحديث الكهنة. فقال يا عمرو
[ 467 ]
انك لمقتول بعدي وان رأسك لمنقول وهو أول رأس ينقل في الاسلام وويل لقاتلك اما انك لا تنزل بقوم إلا أسلموك برمتك إلا هذا الحي من بني عمرو بن عامر من الأزد فانهم لن يسلموك ولن يخذلوك، قال فوالله ما مضت الأيام حتى تنقل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في الأحياء خائفا مذعورا حتى نزل في قومه من بني خزاعة فأسلموه، فقتل وحمل رأسه من العراق الى معاوية، وهو أول رأس حمل في الاسلام من بلد الى بلد. وكان عمرو بن الحمق في جملة من دخل على عثمان يوم الدار. قال المسعودي: وقد قيل ان عمرو بن الحمق طعن عثمان بسهام تسع طعنات. (حجر بن عدي): كان من أبر أصحاب أمير المؤمنين " ع " وكان ذا علم وحلم وشجاعة وكرم وفصاحة، أخبره أمير المؤمنين (عليه السلام) بما يجري عليه بعده من القتل. قال المسعودي في تاريخه " مروج الذهب ": وفي سنة ثلاث وخمسين قتل معاوية حجر بن عدي الكندي، وهو أول من قتل صبرا في الاسلام، حمله زياد من الكوفة ومعه تسعة نفر من أصحابه من أهل الكوفة وأربعة من غيرها فلما صارا على أميال من الكوفة يراد به دمشق أنشأت ابنته تقول ولا عقب له من غيرها:
ترفع أيها القمر المنير * * لعلك أن ترى حجرا يسير
يسير الى معاوية بن حرب * * ليقتله كذا زعم الامير
ويصلبه على بابي دمشق * * وتأكل من محاسنه النسور
تخيرت الخبائر بعد حجر * * وطاب لها الخورنق والسدير
ألا يا حجر حجر بني عدي * * تلقتك السلامة والسرور
اخاف عليك ما اردى عليا * * وشيخا في دمشق له زئير
ألا ياليت حجرا مات موتا * * ولم ينحر كما نحر البعير
فان تهلك فكل عميد قوم * * الى هلك من الدنيا يصير
ولما صار الى مرج عذراء على اثنى عشر ميلا من دمشق تقدم البريد بأخبارهم الى معاوية فبعث برجل اعور، فلما اشرف على حجر وأصحابه قال رجل منهم
[ 468 ]
إن صدق الزجر فانه سيقتل منا نصف وينجو الباقون، فقيل له ومن أين علمت ؟ قال أما ترون الرجل المقبل مصابا باحدى عينيه، فلما وصل إليهم قال لحجر: ان أمير المؤمنين (يعني معاوية) أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن الكفر والطغيان والمتولي لأبي تراب وقتل اصحابك إلا أن ترجعوا عن كفركم وتلعنوا صاحبكم وتتبرؤن منه، فقال حجر وجماعة ممن كان معه: ان الصبر على حد السيف لأيسر علينا مما تدعونا إليه ثم القدوم على الله وعلى نبيه وعلى وصيه احب الينا من دخول النار، وأجاب نصف من كان معه الى البراءة من علي " ع "، فلما قدم حجر ليقتل قال دعوني اصلي ركعتين، فجعل يطول في صلاته فقيل له أجزعا من الموت ؟ فقال لا ولكني ما تطهرت للصلاة قط إلا صليت وما صليت قط أخف من هذه فكيف لا اجزع واني لأرى قبر محفورا وسيفا مشهورا وكفنا منشورا، ثم قدم فنحر، والحق به من وافقه على قوله من أصحابه. وقيل: ان قتلهم كان في سنة خمسين. (كميل بن زياد): كان من خواص أصحاب أمير المؤمنين " ع " وكان من الزهد والتقوى بمكان. ودعاء كميل الذي ورد قراءته في ليلة النصف من شهر شعبان وفي ليالي الجمعة منسوب إليه علمه إياه أمير المؤمنين (عليه السلام). قال المفيد (ره): روى جليل عن المغيرة قال: لما ولي الحجاج طلب كميل ابن زياد فهرب منه، فحرم قومه عطاهم فلما رأى كميل ذلك قال انا شيخ كبير وقد نفد عمري لا ينبغي أن احرم قومي عطاهم فخرج فدفع بيده الى الحجاج، فلما رآه قال لقد كنت أحب ان اجد عليك سبيلا، فقال له كميل: لا تصرف على أنيابك ولا تهدم علي فوالله ما بقى من عمري إلا مثل كواهل العباد فاقض ما أنت قاض فان الموعد الله وبعد القتل الحساب ولقد خبرني أمير المؤمنين " ع " انك قاتلي، فقال له الحجاج: الحجة عليك إذن، فقال له كميل ذاك إذا كان القضاء اليك، قال بلى قد كنت فيمن قتل عثمان بن عفان، اضربوا عنقه فضربت عنقه رضوان الله عليه وفي شرح النهج لابن أبي الحديد: كميل بن زياد بن بهيل بن هيثم بن سعد
[ 469 ]
ابن مالك بن حرب، كان من صحابة علي " ع " وشيعته وخاصته وقتله الحجاج على المذهب فيمن قتل من الشيعة، وكان كميل عامل علي على هيت وكان ضعيفا تمر عليه سرايا معاوية وتنهب أطراف العراق فلا يردها ويحول أن يجير ما عنده من الضعف بأن يغير على أطراف اعمال معاوية مثل قرقيسيا وما يجري مجراها من القرى التي على الفرات، فأنكر أمير المؤمنين ذلك وقال ان من العجز الحاضر أن يهمل العامل ما وليه ويتكلف ما ليس من تكليفه، ثم عزله (عليه السلام). (عبد الله بن جعفر بن أبي طالب): كان يكنى أبا جعفر وكان من أحسن الناس وجها وأفصحهم منطقا وأسمحهم كفا، حضر مع أمير المؤمنين " ع " حرب الجمل وصفين ونهروان ثم لازم الحسن " ع " ثم الحسين " ع ". وفي (الدرجات الرفيعة) للسيد الفاضل السيد علي صدر الدين: روى عن الامام أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه " ع " قال: بايع رسول الله (ص) الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وهم صغار، ولم يبايع صغيرا قط إلا هم. وفيه روى أبو الفرج الأصبهاني باسناده عن عثمان بن أبي سليمان وابن قمارين قالا: مر النبي (ص) بعبد الله بن جعفر وهو يصنع شيئا من طين من لعب الصبيان فقال ما تصنع بهذا ؟ فقال ابيعه، قال ما تصنع بثمنه ؟ قال اشتري به رطبا فآكله فقال (ص): اللهم بارك في صفقة يمينه، فكان ما اشترى شيئا إلا ربح به. ولما أراد الحسين " ع " أن يخرج الى العراق أراد الخروج معه فلم يرض الحسين لأن عبد الله كان مكفوفا، وكان عبد الله زوج زينب الكبرى عقيلة بني هاشم بنت أمير المؤمنين " ع "، فلما أيس من المسير مع الحسين قال يا سيدي إذن ابعث معك ولداي، فقبل الحسين " ع " ولما جاء الناعي ينعي الحسين بن علي لم يتمالك عبد الله دون ان خرج سائلا عما جرى، وكان معه عبد له كان قد ربى ولدي عبد الله فلما سمع بقتلهما قال هذا ما لقيناه من الحسين بن علي، فقال عبد الله ورفع العصا ليضربه ويلك أللحسين بن علي يقال هذا، ففر العبد بين يديه، ثم طرده ولم يأوه بعد ذلك ومن كرم عبد الله بن جعفر: ما ذكره أهل السير انه وقف اعرابي على مروان
[ 470 ]
ابن الحكم أيام الموسم بالمدينة فسأله فقال مروان: يا أعرابي ليس عندنا ما نصلك به ولكن عليك بابن جعفر، فأتى الاعرابي باب عبد الله بن جعفر فإذا ثقله قد سار نحو مكة وراحلته بالباب عليها متاعه وسيفه معلق فخرج عبد الله من داره، وأنشأ الاعرابي يقول شعرا مخاطبا له:
أبو جعفر من أهل بيت نبوة * * صلاتهم للمسلمين طهور
أبا جعفر ان الحجيج تراحلوا * * وليس لرحلي ان رحلت بعير
أبا جعفر مروان ظن بماله * * وأنت على ما في يديك أمير
وأنت امرؤ من هاشم العز قد غدا * * إليه يسير المجد حيث يسير
فضحك عبد الله وقال يا أعرابي سار الثقل فدونك الراحلة بما فيها واليك أن تخدع عن السيف فاني اخذته بألف دينار، فأخذ الاعرابي الراحلة بما فيها، وهو يقول:
ألا كل من يرجو نوال بن جعفر * * سيجري له باليمن والبشر طائره
وسار عبد الله يمشي على قدميه الى مكة. وفي (العقد) لابن عبد ربه: أعطى عبد الله بن جعفر لامرأة مالا عظيما فقيل له انها لا تعرفك وكان يرضيها اليسير، فقال إن كان يرضيها اليسير فأنا لا ارضى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني فأنا اعرف نفسي. وفي بعض التواريخ: يحكى ان الفرزدق أتى عبد الملك بن مروان يستميحه فأبى أن يعطيه شيئا، فقال له عبد الله بن جعفر ما كنت تؤمل ان يعطيك ؟ قال الف دينار في كل سنة، قال فكم تؤمل ان تعيش ؟ قال اربعين سنة، قال يا غلام علي بالوكيل فدعاه، فقال اعط الفرزدق اربعين الف دينار، فقبضها ومضى. ويحكى عن فقراء المدينة ومكة انهم قالوا ما كنا نعرف السؤال حتى مات عبد الله ابن جعفر. وقيل ان رجلا جلب سكرا الى المدينة فكسد عليه فقيل له لو اتيت ان جعفر قبله منك وأعطاك الثمن، فأتى إليه فأخذه منه، وامر به فنثر وقال للناس انتهبوا، فلما رأى الرجل الناس ينتهبون قال جعلت فداك آخذ معهم قال دونك فجعل الرجل يهيل
[ 471 ]
في غرائره، ثم قال له كم ثمن سكرك ؟ قال أربعة آلاف فأمر له بها، فقال الرجل في نفسه ما يدري هذا ولا يعقل لأطالبنه بالثمن ثانيا، فعدا عليه فقال ثمن سكري، فأعطاه أربعة آلاف، ثم غدا عليه وقال اصلحك الله ثمن سكري، فأعطاه أربعة آلاف فلما ولى قال له عبد الله يا اعرابي هذا تمام اثني عشر الف، فانصرف الرجل وهو يعجب من فعله وأنشأ يقول:
لا خير في المجتدى في الحين تسأله * * فاستمطروا من قريش خير مختدع
تخال فيه إذا حاورته بلها * * من جوده وهو وافي العقل والورع
ودخل عليه زياد الاعجم يسأله في خمس ديات فأعطاه، ثم عاد فسأله في عشر ديات فأعطاه، فأنشأ زياد الاعجم يقول:
سألناه الجزيل فيما تلكا * * وأعطى فوق منيتنا وزادا
وأحسن ثم أحسن ثم عدنا * * فأحسن ثم عدت له فعادا
مرارا ما اعود إليه إلا * * تبسم ضاحكا وثنى الوسادا
ومن بلاغة عبد الله بن جعفر ما ذكره ابن أبي الحديد: قال روى المدايني قال بينا معاوية يوما جالس وعنده عمرو بن العاص إذ قال الاذن: قد جاء عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب فقال وعنده عمرو بن العاص ووالله لأسوأنه اليوم، فقال معاوية لا تفعل يا أبا عبد الله فانك لا تنصف منه ولعلك ان تظهر لنا من مغبته ما هو خفي عنا وما لا يحب ان نعلمه منه، وغشيهم عبد الله بن جعفر فأدناه معاوية وقربه فمال عمرو الى بعض جلساء معاوية فنال من علي جهارا غير ساتر له وثلبه ثلبا قبيحا، فالتمع لون عبد الله بن جعفر واعتراه افكل حتى ارتعدت خصائله ثم نزل عن السرير كالفتيق، فقال عمرو مه يا أبا جعفر، فقال له عبد الله مه لا ام لك ثم قال شعرا:
اظن الحلم دل على قومي * * وقد يتجهل الرجل الحليم
ثم حسر عن ذراعيه وقال له يا معاوية حتى م نتجرع غيظك والى كم الصبر على مكروه قولك وسئ أدبك وذميم أخلاقك، هبلتك الهبول أما يزجرك ذمام المجالسة عن القدح لجليسك إذ لم يكن له حرمة من دينك ينهاك عما لا يجوز لك أما والله
[ 472 ]
لو عطفتك اواصر الاحلام أو حاميت على اسهمك من الاسلام ما رعيت بين الاماء التك والعبيد اليك اعراض قومك وما يجهل موضع الصفوة إلا أهل الجزة وانك لتعرف في رشأ قريش صفوة غرائرها فلا يدعونك تصويب ما فرط من خطاك في سفك دماء المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين الى التمادي فيما قد وضح لك الصواب في خلافة فاقصد لمنهج الحق فقد طال عماك عن سبيل الرشد وخبطك في بحور ظلمة الغي فان ابيت إلا تتابعا في قبح اختيارك لنفسك فاعفنا عن سوء المقابلة فينا إذا ضمنا وإياك الندى وشأنك وما تريد إذا خلوت والله حسبك فو الله لولا ما جعل الله لنا في يديك لما اتيناك، ثم قال انك إن كلفتني ما لم اطق ساءك ما سرك مني خلق. فقال معاوية أبا جعفر لغيرك الخطا اقسمت عليك لتجلس لعن الله من اخرج ضب صدرك من وجاره محمول لك ما قلت ولك عندنا ما أملت فلو لم يكن مجدك ومنصبك لكان خلقك وخلقك شافعين الينا وانت ابن ذي الجناحين وسيد بني هاشم. فقال عبد الله كلا بل سيد بني هاشم حسن وحسين ولا ينازعهما في ذلك أحد. فقال معاوية يا أبا جعفر اقسمت عليك ما ذكرت حاجة لك إلا قضيتها كانت ما كانت ولو ذهبت بجميع ما املك فقال أما في هذا المجلس فلا. ثم انصرف فاتبعه معاوية بصره وقال والله لكأنه رسول الله في مشيته وخلقه وخلقه وانه لمن مشكاته وددت انه اخي بنفيس ما املك. ثم التفت الى عمرو فقال يا أبا عبد الله ما تراه منعه من الكلام معك ؟ قال ما خفا به عليك قال أظنك تقول انه هاب جوابك لا والله ولكنه ازدراك واستحقرك ولم يرك للكلام اهلا أما رأيت اقباله علي دونك ذاهبا نفسه عنك فقال عمرو فهل تسمع ما اعدت لجوابه فقال معاوية اذهب اليك ابا عبد الله فلا حين لجوابه سائر اليوم، ونهض معاوية وتفرق الناس. قال مؤلف هذا الكتاب عفى عنه: وأخبار عبد الله بن جعفر كثيرة ومحاسنه جزيلة، ولنكتف منها بما نقلناه، وقد ذكرنا جملة من أخباره في كتابنا (خزائن الدرر) وكتابنا (كنز الجواهر) غير ما ذكرت هنا. (قنبر مولى أمير المؤمنين): في الخبر عن الصادق ان أمير المؤمنين " ع "
[ 473 ]
قال شعرا:
منهم إذا رأيت أمرا منكرا * * أوقدت ناري ودعوت قنبرا
وعنه " ع ": كان لعلي (عليه السلام) غلام اسمه قنبر وكان يحب عليا حبا شديدا فإذا خرج علي " ع " خرج على اثره بالسيف فرآه ذات ليلة فقال يا قنبر مالك ؟ قال جئت لأمشي خلفك فان الناس كما تراهم يامير المؤمنين فخفت عليك، قال ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض ؟ قال لا بل من أهل الأرض، قال ان أهل الأرض لا يستطيعون بي شيئا إلا باذن الله عز وجل فارجع، فرجع. وفي بعض الكتب: كان قنبر من أولاد الملوك. ولما قتل أمير المؤمنين " ع " كان قنبر يأتي بالحزمة من الحطب فيبيعها ويتقوت بها. قال المفيد (ره): روى عامة اصحاب السير من طرق مختلفة ان الحجاج بن يوسف الثقفي قال ذات يوم: احب ان اصيب رجلا من أصحاب أبي تراب فأتقرب الى الله بدمه، فقيل له ما نعلم أحدا كان أطول صحبة لأبي تراب من قنبر مولاه، فبعث في طلبه، فأتي به فقال له: انت قنبر ؟ قال نعم، قال أبو همدان ؟ قال نعم، قال مولى علي بن أبي طالب ؟ قال الله مولاي وامير المؤمنين علي ولي نعمتي، قال ابرء من دينه، قال فإذا برأت من دينه تدلني على دين غيره أفضل منه ؟ قال اني قاتلك فاختر أي قتلة احب اليك ؟ قال قد صيرت ذلك اليك، قال ولم قال لأنك لا تقتلني بقتلة إلا قتلك الله مثلها ولقد اخبرني أمير المؤمنين " ع " ان منيتي تكون ذبحا ظلما بغير حق قال فأمر به فذبح. وبالاسناد عن ابراهيم بن الحسن الحسيني العقيقي رفعه سئل قنبر مولى من أنت ؟ فقال: مولى من ضرب بسيفين وطعن برمحين وصلى القبلتين وبايع البيعتين وهاجر الهجرتين ولم يكفر بالله طرفة عين، أنا مولى صالح المؤمنين ووارث النبيين وخير الوصيين وأكبر المسلمين ويعسوب المؤمنين ونور المجاهدين ورئيس البكائين وزين العابدين وسراج الماضين وضوء القائمين وأفضل القانتين ولسان رسول رب العالمين وأول مؤمن من آل يس المؤيد بجبرئيل الامين والمنصور بميكائيل المتين والمحمود
[ 474 ]
عند أهل السماء أجمعين سيد المسلمين والسابقين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين والمحامي عن حرم المسلمين ومجاهد أعدائه الناصبين ومطفي نار الموقدين وأفخر من مشى من قريش أجمعين واول من اجاب واستجاب لله أمير المؤمنين ووصي نبيه في العالمين وأمينه على المخلوقين وخليفة من بعث إليهم أجمعين سيد المسلمين والسابقين ومبيد المشركين وسهم من مرامي الله على المنافقين ولسان كلمة العابدين ناصر دين الله وولي الله ولسان كلمة الله وناصره في أرضه وعيبة علمه وكهف دينه وإمام أهل الابرار من رضى عنه الجبار سمح سخي حي بهلول زكي مطهر ابطحي باذل باسل جري همام صابر صوام مهدي مقدام قاطع الاصلاب مفرق الاحزاب عالي الرقاب اربطهم عنانا واثبتهم جنانا وأشدهم شكيمة صنديد هزبر ضرغام حارم حصيف خطيب جحجاج كريم الاصل شريف الفصل فاضل القبيلة تقي العشيرة زكي الركانة مؤدي الامانة من بني هاشم وابن عمه النبي (ص) الامام مهدي الرشاد مجانب الفساد الاشعث البطل الحماحم والليث المزاحم بدري مكي حنفي روحاني شعثعاني من الجبال شواهقها ومن ذي الهضاب رؤسها ومن العرب سيدها ومن الوغى ليثها البطل الهمام والليث المقدام والبدر التمام محك المؤمنين ووارث المشعرين وأبو السبطين الحسن والحسين والله أمير المؤمنين حقا حقا علي بن أبي طالب من الله الصلاة الزكية والبركات السنية. وبالاسناد مرفوعا عن أبي الحسن صاحب العسكر " ع " ان قنبرا مولى أمير المؤمنين (ع) دخل على الحجاج بن يوسف فقال له: ما الذي كنت تلي من علي بن أبي طالب ؟ فقال كنت اوضيه، فقال له: ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه ؟ فقال كان يتلو هذه الآية: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)، فقال الحجاج: اظنه كان يتأولها علينا، قال نعم، فقال ما أنت صانع إذا ضربت علاوتك ؟ قال اذن اسعد وتشقى، فأمر به.
[ 475 ]
أخبار متفرقة تتعلق ببقايا أصحاب أمير المؤمنين قال المفيد (ره): روى العلماء أن جويرية بن مسهر وقف على باب القصر وكان من خواص اصحاب أمير المؤمنين " ع " فقال أين مولاي أمير المؤمنين ؟ فقيل له: نايم، فقال أيها النايم استيقض فوالذي نفسي بيده لتضربن ضربة على رأسك تخضب منها لحيتك كما أخبرتنا بذلك من قبل، فسمعه أمير المؤمنين " ع " فقال اقبل يا جويرية حتى احدثك بحديثك، فأقبل، فقال " ع " انت والذي نفسي بيده لتحملن الى العتل الزنيم وليقطعن يديك ورجلك ثم لتصلبن تحت جذع. فمضى حتى ولي زياد في أيام معاوية فقطع يده ورجله ثم صلبه الى جذع ابن مكعبر وكان جذعا طويلا فكان تحته. وفي (الفضائل): روى عن رسول الله (ص) انه كان يقول: تفوح روائح الجنة من قبل قرن اويس واشوقاه اليك يا أويس القرني، ألا ومن لقيه فليقرأه مني السلام، فقيل يارسول الله ومن اويس ؟ قال من إن غاب عنكم لم تفقدوه وإن ظهر لكم لم تكترثوا به يدخل الجنة في شفاعته مثل ربيعة ومضر يؤمن بي ولا يراني ويقتل بين يدي خليفتي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في صفين. ولما كان يوم صفين أقبل اويس القرني وعليه قباء صوف ومعه سيف وترس وادواة فقرب من أمير المؤمنين " ع " فقال: امدد يدك ابايعك، قال " ع " وعلى ما تبايعني ؟ قال على السمع والطاعة والقتال بين يديك حتى اموت ويفتح الله عليك، فقال ما اسمك ؟ قال اويس، قال انت اويس القرني ؟ قال نعم، قال الله اكبر فانه أخبرني حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اني ادرك رجلا من امته يقال له اويس القرني يكون من حزب الله ورسوله يموت على الشهادة يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. وفي (مروج الذهب) للمسعودي: ذكر ان عدي بن حاتم الطائي دخل على
[ 476 ]
معاوية فقال له معاوية ما فعلت الطرفات (يعني أولاده) ؟ قال قتلوا مع علي، قال ما انصفك علي على قتل أولادك وبقاء أولاده، فقال عدي ما انصفك علي إذ قتل وبقيت بعده فقال معاوية أما انه بقى قطرة من دم عثمان ما يمحوها إلا دم شريف من أشراف اليمن، فقال عدي والله ان قلوبنا التي أبغضناك بها لفي صدورنا وان أسيافنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا ولئن ادنيت الينا من الغدر فترى التداني اليك من الشر شبرا وان حز الحلقوم وحشرجة الحيزوم لأهون علينا من نسمع المساءة في علي فسلم السيف يا معاوية لباعث السيف، فقال معاوية هذه كلمات حكم فاكتبوها وأقبل على عدي مخاطبا له يحادثه كأنه ما خاطبه بشئ. وفي (البحار): عن عبد العزيز وصهيب بن أبي العالية قال حدثني مزروع ابن عبد الله قال سمعت أمير المؤمنين " ع " يقول: أما والل ليقبلن جيش حتى إذا كان بالبيداء انخسف بهم. فقلت والله هذا غيب، قال والله ليكونن ما خبرني به أمير المؤمنين وليؤخذن رجل فليقتلن وليصلبن بين شرفتين من شرف هذا المسجد فقلت هذا ثاني قال حدثني الثقة المأمون علي بن أبي طالب " ع " قال أبو العالية فبما أتت علينا الجمعة حتى اخذ مزروع وصلب بين الشرفتين. وفيه: رأيت في بعض مؤلفات اصحابنا روى انه دخل أبو امامة الباهلي على معاوية فقربه وأدناه، ثم دعا بالطعام فجعل يطعم أبا امامة بيده ثم اوسع رأسه ولحيته طيبا بيده وأمر له ببدرة من دنانير فدفعها إليه، ثم قال يا أبا امامة بالله أنا خير أم علي ابن أبي طالب ؟ فقال أبو امامة: نعم ولا كذب ولو بغير الله سألتني لصدقت على والله خير منك واكرم واقدم إسلاما وأقرب الى رسول الله قرابة وأشد في المشركين نكاية وأعظم عند الامة عناء، أتدري من علي يا معاوية ؟ علي ابن عم رسول الله وزوج إبنته سيدة نساء العالمين وأبو الحسن والحسين وابن أخي حمزة سيد الشهداء وأخو جعفر الطيار ذي الجناحين، فأين تقع من هذا يا معاوية بألطافك وطعامك وعطائك فأدخل اليك مؤمنا واخرج منك كافرا بئس ما سولت لك نفسك يا معاوية، ثم خرج من عنده فاتبعه بالمال، فقال لا والله لا أقبل منك دينارا واحدا.