فضائل الامام(ع) كف‏ء فاطمة الزهراء صلوات الله عليهما





كف‏ء فاطمة الزهراء ( س )

1ـأردت أن أخطب الى النبي صلى الله عليه و آله.

من كلام له عليه السلام في خطبة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام.

قال أمير المؤمنين عليه السلام:«أردت أن أخطب الى النبي صلى الله عليه و آله،فذكرت أنه لا شي‏ء لي،فذكرت صلته و عائدته،فخطبت اليه،فقال:هل لك من شي‏ء؟

فقلت:لا.

قال:أين درعك الحطمية التي أعطيتك يوم كذا و كذا؟

قلت:هي عندي.

فزوجني رسول الله صلى الله عليه و آله،فلما كانت ليلة دخلت علي قال:لا تحدثا شيئا حتى آتيكما.

فأتى و عليه قطيفة أو كساء،فتحشحشنا،فقال:مكانكما،ثم دعا بقدح من ماء،فدعا فيه،ثم رشه علي و عليها.

قال:قلت:يا رسول الله،أنا أحب اليك أم هي؟قال:هي أحب الي،و أنت أعز علي منها»تاريخ دمشق ج 1 ص 251 الرقم 293،مسند احمد بن حنبل ج 1 ص 80،خصائص النسائي ص 125،السنن الكبرى ج 7 ص 234،اسد الغابة ج 5 ص 522،كشف الغمة ج 1 ص 373،فرائد السمطين ج 1 ص 91 الرقم .60

ـ74ـ

2ـيا رسول الله،فاطمة تزوجنيها؟

و من كلام له عليه السلام في قبول رسول الله صلى الله عليه و آله لزواجه مع السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام.

قال أمير المؤمنين عليه السلام:«أتاني أبو بكر و عمر فقالا:لو أتيت رسول الله صلى الله عليه و آله فذكرت له فاطمة.

قال:فأتيته،فلما رآني رسول الله صلى الله عليه و آله ضحك،ثم قال:ما جاء بك يا أبا الحسن،و ما حاجتك؟

قال:فذكرت له قرابتي،و قدمي في الاسلام،و نصرتي له و جهادي.

فقال:يا علي،صدقت،فأنت أفضل مما تذكر.

فقلت:يا رسول الله،فاطمة تزوجنيها؟

فقال:يا علي،انه قد ذكرها قبلك رجال فذكرت ذلك لها،فرأيت الكراهة في وجهها،و لكن على رسلك حتى أخرج اليك. فدخل عليها،فقامت اليه،فأخذت رداءه،و نزعت نعليه،و أتته بالوضوء،فوضأته بيدها،و غسلت رجليه،ثم قعدت،فقال لها:يا فاطمة.

فقالت:لبيك،حاجتك يا رسول الله؟

قال:إن علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته و فضله و اسلامه،و اني قد سألت ربي أن يزوجك خير خلقه،و أحبهم اليه،و قد ذكر من أمرك شيئا،فما ترين؟

فسكتت و لم تول وجهها،و لم ير فيه رسول الله صلى الله عليه و آله كراهة،فقام و هو يقول :الله أكبر،سكوتها إقرارها.

فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال:يا محمد،زوجها علي بن أبي طالب،فان الله قد رضيها له و رضيه لها.

قال علي‏[عليه السلام‏]:فزوجني رسول الله صلى الله عليه و آله،ثم أتاني فأخذ بيدي فقال :قم،بسم الله و قل:على بركة الله،و ما شاء الله و لا قوة إلا بالله،توكلت على الله.

ثم جاءني حين أقعدني عندها ثم قال:اللهم،إنهما أحب خلقك الي فأحبهما،و بارك في ذريتهما،و اجعل عليهما منك حافظا،و إني اعيذهما و ذريتهما بك من الشيطان الرجيم...»

الامالي للطوسي ص 39ـ40 الرقم 44،بحار الانوار ج 43 ص 93 الرقم .4

ـ75ـ

3ـقال رسول الله صلى الله عليه و آله:قم فبع الدرع

و من كلام له عليه السلام في بيان كيفية شراء أثاث منزل السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام.

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«ثم قال رسول الله صلى الله عليه و آله:قم فبع الدرع،فقمت فبعته و أخذت الثمن و دخلت على رسول الله صلى الله عليه و آله،فسكبت الدراهم في حجره،فلم يسألني كم هي،و لا أنا أخبرته،ثم قبض قبضة و دعا بلالا فأعطاه و قال:إبتع لفاطمة طيبا،ثم قبض رسول الله صلى الله عليه و آله من الدراهم بكلتا يديه فأعطاها أبا بكر و قال:ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب و أثاث البيت،و أردفه بعمار بن ياسر،و بعدة من أصحابه،فحضروا السوق،فكانوا يعرضون الشي‏ء مما يصلح فلا يشترونه حتى يعرضوه على أبي بكر،فان استصلحه اشتروه،فكان مما اشتروه قميص بسبعة دراهم،و خمار بأربعة دراهم،و قطيفة سوداء خيبرية،و سرير مزمل بشرايط،و فراشان من جنس مصر،حشو أحدهما ليف،و حشو الآخر من جز الغنم،و أربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر،و ستر من صوف،و حصير هجري،و رحا اليد،و مخضب من نحاس،و سقي من أدم،و قعب للبن،و شي‏ء للماء،و مطهرة مزفتة،و جرة خضراء،و كيزان خزف.

حتى اذا استكمل الشراء حمل أبو بكر بعض المتاع،و حمل‏أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آلهـالذين كانوا معهـالباقي،فلما عرضوا المتاع على رسول الله صلى الله عليه و آله جعل يقلبه بيده و يقول:بارك الله لأهل البيت».

الامالي للطوسي ص 40 الرقم 45،بحار الانوار ج 43 ص 94 الرقم 5،ينابيع المودة ج 1 ص .206

ـ76ـ

4ـهذا محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله زوجني ابنته فاطمة.

خطبته عليه السلام بعد تقدمه للزواج من فاطمة الزهراء عليها السلام،و بمحضر من النبي صلى الله عليه و آله و جمع من الصحابة.

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«الحمد لله الذي ألهم بفواتح علمه الناطقين،و أنار بثواقب عظمته قلوب المتقين،و أوضح بدلائل أحكامه طرق الفاضلين،و أنهج بابن عمي المصطفى العالمين،و علت دعوته لرواعي الملحدين،و استظهرت كلمته على بواطل المبطلين،و جعله خاتم النبيين،و سيد المرسلين،فبلغ رسالة ربه،و صدع بأمره و بلغ عن الله آياته.

و الحمد لله الذي خلق العباد بقدرته،و أعزهم بدينه،و أكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه و آله،و رحم،و كرم،و شرف،و عظم،و الحمد لله على نعمائه و أياديه،و أشهد أن لا إله إلا الله شهادة تبلغه و ترضيه،و صلى الله على محمد صلاة تربحه و تحظيه،و النكاح مما أمر الله به و أذن فيه،و مجلسنا هذا مما قضاه و رضيه،و هذا محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله زوجني ابنته فاطمة على صداق أربعمائة درهم و دينار،قد رضيت بذلك فاسألوه و اشهدوا» .

فقال المسلمون:زوجته يا رسول الله؟قال:نعم.

قال المسلمون:بارك الله لهما و عليهما و جمع شملهما.

بحار الأنوار ج 100 ص 270 و ج 43 ص 12،الاوائل ص .79

ـ77ـ

5ـفأخذت بيد فاطمة،و انطلقت بها

و من كلام له عليه السلام في بيان كيفية الزواج.

قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:

«فأقمت بعد ذلك شهرا اصلي مع رسول الله صلى الله عليه و آله،و أرجع الى منزلي و لا اذكر شيئا من أمر فاطمة،ثم قلن أزواج رسول الله صلى الله عليه و آله:ألا نطلب لك من رسول الله صلى الله عليه و آله دخول فاطمة عليك؟°‚K 103°‚K قلت:افعلن.

فدخلن عليه،فقالت ام أيمن:يا رسول الله،لو أن خديجة باقية لقرت عينها بزفاف فاطمة،و إن عليا يريد أهله،فقر عين فاطمة ببعلها،و اجمع شملهما،و قر عيوننا بذلك!

فقال:فما بال علي لا يطلب مني زوجته،فقد كنا نتوقع منه ذلك؟!

قال علي عليه السلام فقلت:الحياء يمنعني يا رسول الله.

فالتفت الى النساء فقال:من هاهنا؟

فقالت ام سلمة:أنا ام سلمة،و هذه زينب،و هذه فلانة و فلانة.

فقال رسول الله صلى الله عليه و آله:هيئوا لابنتي و ابن عمي في حجري بيتا.

فقالت ام سلمة:في أي حجرة يا رسول الله؟

قال:في حجرتك.

و أمر نساءه أن يزين و يصلحن من شأنها....

قال علي عليه السلام ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله:يا علي،اصنع لأهلك طعاما فاضلا.ثم قال:من عندنا اللحم و الخبز و عليك التمر و السمن.

فاشتريت تمرا و سمنا،فحسر رسول الله صلى الله عليه و آله عن ذراعه و جعل يشدخ التمر في السمن حتى اتخذه خبيصا (1) ،و بعث الينا كبشا سمينا فذبح،و خبز لنا خبزا كثيرا،ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله:ادع من أحببت.فأتيت المسجد و هو مشحن بالصحابة،فاستحييت أن اشخص قوما و أدع قوما،ثم صعدت على ربوة هناك و ناديت:أجيبوا الى وليمة فاطمة.

فأقبل الناس أرسالا،فاستحييت من كثرة الناس و قلة الطعام،فعلم رسول الله صلى الله عليه و آله ما تداخلني فقال:يا علي اني سأدعو الله بالبركة.

قال علي عليه السلام:و أكل القوم عن آخرهم طعامي،و شربوا شرابي،و دعوا لي بالبركة،و صدرواـو هم أكثر من أربعة آلاف رجلـو لم ينقص من الطعام شي‏ء،ثم دعا رسول الله صلى الله عليه و آله بالصحاف (2) فملئت،و وجه بها الى‏منازل أزواجه،ثم أخذ صحفة و جعل فيها طعاما و قال:هذا لفاطمة و بعلها» .

حتى اذا انصرفت الشمس للغروب،قال رسول الله صلى الله عليه و آله:يا ام سلمة،هلمي فاطمة،فانطلقت،فأتت بها و هي تسحب أذيالها،و قد تصببت عرقا حياء من رسول الله صلى الله عليه و آله،فعثرت فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله:أقالك الله العثرة في الدنيا و الآخرة.

فلما وقفت بين يديه كشف الرداء عن وجهها حتى رآها علي عليه السلام،ثم أخذ يدها فوضعها في يد علي عليه السلام،فقال:بارك الله لك في ابنة رسول الله،يا علي،نعم الزوجة فاطمة،و يا فاطمة،نعم البعل علي،انطلقا الى منزلكما،و لا تحدثا أمرا حتى آتيكما.

«قال علي عليه السلام:فأخذت بيد فاطمة،و انطلقت بها حتى جلست في جانب الصفة و جلست في جانبها،و هي مطرقة الى الأرض حياء مني،و أنا مطرق الى الأرض حياء منها.

ثم جاء رسول الله صلى الله عليه و آله فقال:من هاهنا؟

فقلنا:ادخل يا رسول الله،مرحبا بك زائرا و داخلا».

فدخل‏[صلى الله عليه و آله‏]فأجلس فاطمة عليها السلام من جانبه،و عليا عليه السلام من جانبه.ثم قال:يا فاطمة،ائتيني بماء،فقامت الى قعب في البيت فملأته ماء،ثم أتته به،فأخذ منه جرعة فتمضمض بها،ثم مجها في القعب،ثم صب منها على رأسها،ثم قال:أقبلي،فلما أقبلت نضح منه بين ثدييها،ثم قال:أدبري،فلما ادبرت نضح منه بين كتفيها،ثم قال:اللهم هذه ابنتي و أحب الخلق الي،اللهم و هذا أخي و أحب الخلق الي،اللهم لك وليا و بك حفيا،و بارك في أهله،ثم قال:يا علي،ادخل بأهلك،بارك الله لك،و رحمة الله و بركاته عليكم إنه حميد مجيد» .

الامالي للطوسي ص 41 الرقم 45،بحار الانوار ج 43 ص 95،ينابيع المودة ج 1 ص .206

ـ78ـ

6ـلقد كنت أنظر اليها فتنكشف عني الهموم و الاحزان

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«فو الله ما أغضبتها (3) و لا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز و جل اليه،و لا أغضبتني،و لا عصت لي أمرا،و لقد كنت أنظر اليها فتنكشف عني الهموم و الأحزان».

كشف الغمة ج 1 ص 363،بحار الانوار ج 43 ص .134

ـ79ـ

7ـيا علي،لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة

عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا،عن ابيه،عن آبائه،عن علي عليهم السلام قال:

«قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله:يا علي،لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة،و قالوا:خطبناها اليك،فمنعتنا،و تزوجت عليا!!فقلت لهم:و الله ما أنا منعتكم و زوجته،بل الله تعالى منعكم و زوجه،فهبط علي جبرئيل عليه السلام فقال:يا محمد،إن الله جل جلاله يقول:لو لم أخلق عليا لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض،آدم فمن دونه».

عيون أخبار الرضا (ع) ج 1 ص 225 الرقم 3،بحار الانوار ج 43 ص .92

ـ80ـ

8ـلقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة عليها السلام

عن الصادق جعفر بن محمد،عن أبيه،عن آبائه عليهم السلام قال:قال أمير المؤمنين عليه السلام :

«دخلت ام أيمن على النبي صلى الله عليه و آله و في ملحفتها شي‏ء،فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله ما معك يا أم أيمن؟

فقالت:إن فلانة أملكوها فنثروا عليها،فأخذت من نثارها.

ثم بكت ام أيمن و قالت:يا رسول الله،فاطمة زوجتها و لم تنثر عليها شيئا!

فقال رسول الله صلى الله عليه و آله:يا ام أيمن لم تكذبين،فإن الله تبارك و تعالى لما زوجت فاطمة عليا أمر أشجار الجنة أن تنثر عليهم من حليها و حللها،و ياقوتها و درها،و زمردها و استبرقها،فأخذوا منها ما لا يعلمون،و لقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة فجعلها في منزل علي».

الامالي للصدوق المجلس 48 الحديث 3،تفسير العياشي ج 2 ص 211 الرقم 45،البحار ج 43 ص 98 الرقم .10

تعليقات

(1) الخبيص:الحلواء المخبوصة من التمر و السمن.

(2) الصحاف:جمع صحفة،و هي القصعة الكبيرة.

(3) اي:فاطمة الزهراء سلام الله عليها.

حياة اميرالمؤمنين عن لسانه (1) ص 97

الشيخ محمد محمديان


تزوجه بالزهراء عليهما السلام

و قد مر مفصلا في سيرة الزهراء في الجزء الثاني مع ذكر مصادره فليرجع اليها من اراد،و نعيد هنا ما له تعلق بعلي«ع»بشي‏ء من الاختصار و ان لزم بعض التكرار من دون ذكر المصادر لانها تقدمت.و بعد ما استقرت قدم علي عليه السلام بالمدينة و نزل مع النبي«ص»في دار ابي ايوب الانصاري كان من اللازم ان يقترن بزوجة و كان على النبي«ص»ان يزوجه فهو شاب قد بلغ العشرين او تجاوزها.و التزوج من السنة و من احق من النبي و علي صلوات الله عليهما باتباع السنة،و من هي هذه الزوجة التي يخطبها علي و يقترن بها،و من هي هذه الزوجة التي يختارها له النبي«ص»و يقضي بذلك حقه و حق ابيه ابي طالب؟ليست الا ابنة عمه فاطمة،فلا أكمل و لا افضل منها في النساء،و لا أكمل و لا افضل من علي في الرجال،اذا فتحتم على علي ان يختارها زوجة و على الرسول«ص»ان يختارها له،و لذلك قال النبي«ص»لو لا علي لم يكن لفاطمة كفؤ.و لكن النبي«ص»عند دخوله المدينة كان قد نزل في دار ابي ايوب الانصاري و كان علي معه فيها كما مر،و لم يكن قد بنى لنفسه بيتا و لا لعلي و لذلك لم يزوج عليا اول وروده المدينة و انتظر بناء بيت له،و مع ذلك ففي بعض الروايات الآتية في آخر الكلام انه زوجه بها بعد مقدمه المدينة بخمسة اشهر و بنى بها مرجعه من بدر فيكون قد عقد له عليها و هو في دار ابي ايوب و دخل بها بعد خروجه من دار ابي ايوب بشهرين كما ستعرف،و خطبها ابو بكر ثم عمر الى النبي«ص»مرة بعد اخرى فردهما فمرة يقول انها صغيرة و مرة يقول انتظر بها القضاء.

و ما كانت خطبتهما لها الا لشدة الرغبة في نيل الشرف مع انهما لا يحتملان الاجابة الا احتمالا في غاية الضعف،و الا فكيف يظنان انه يزوجها احدهما مع وجود اخيه و ناصره و ابن عمه الذي ليس عنده زوجة و أفضل اهل بيته و اصحابه،و هو بعد لم ينس فضل ابى طالب العظيم عليه،فلم يكن يتصور متصور انه يزوجها غيره او يرى لها كفؤا سواه،لكن شدة الرغبة و التهالك في شي‏ء قد يدعو الى التشبث في ليله بالاوهام،فقال نفر من الانصار لعلي عندك فاطمة فأتى النبي«ص»فسلم عليه فقال ما حاجتك قال ذكرت فاطمة قال‏مرحبا و اهلا فأخبر النفر بذلك قالوا يكفيك احدهما اعطاك الاهل اعطاك المرحب:ثم ان رسول الله«ص»قال لفاطمة ان عليا يذكرك و هو ممن عرفت قرابته و فضله في الاسلام و اني سألت ربي ان يزوجك خير خلقه و احبهم اليه،فسكتت فقال الله اكبر سكوتها اقرارها.و في الشريعة الاسلامية انه يكفي في رضا البكر السكوت و لا يكفي في الثيب الا الكلام،و كيف لا تسكت فاطمة و لا ترضى و هي قد عرفت عليا في صغره و شبابه و درست اخلاقه و احواله درسا كافيا فانه تربى معها و في بيت ابيها مع ذكائها و فطنتها و كونها ابنة رسول الله«ص»قد تربت في حجره و اقتبست من خلقه و علمه و ابنة خديجة عاقلة النساء و فضلاهن و قد صاحبت فاطمة عليا عليهما السلام في هجرتها من مكة الى المدينة و رأت بعينها شجاعته الخارقة حين لحقه الفوارس الثمانية و كيف قتل جناحهم فقده من كتفه الى قربوس فرسه و هرب اصحابه أذلاء صاغرين،و عرفت كيف كانت محافظته عليها و على رفيقاتها الفواطم الهاشميات في ذلك السفر و حنوه عليها و عليهن و رفقه بها و بهن،و انه لو كان معها ابوها لم يزد عليه في ذلك حتى انه لم يرض ان يسوق بهن ابو واقد سوقا حثيثا في ساعة الخطر و امره بالرفق و لم يبال بذلك الخطر و استهانه و لم يحفل به اعتمادا على شجاعته و بطشه و تأييد الله له فهل يمكن ان تتردد في الرضا بان يكون لها بعلا و تكون له زوجة،و تحقق بذلك صدق ابيها في انه لو لا علي لم يكن لفاطمة كفؤ على وجه الارض،و انما اراد الرسول«ص»باستشارتها الجري على السنة و تعليم امته ان تستأمر المرأة عند ارادة تزويجها و ان لا يستبدوا بها و اظهار كرامة المرأة في استشارتها حتى لو كان ابوها سيد الأنبياء و خاطبها علي بن ابي طالب سيد الامة بعد ابيها و بيانا لخطأ اهل الجاهلية في استبدادهم بالمرأة.

خطبة النبي صلى الله عليه و آله و سلم عند تزويجه فاطمة من علي عليهما السلام

الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه المرغوب اليه فيما عنده النافذ امره في ارضه و سمائه الذي خلق الخلق بقدرته و ميزهم باحكامه و اعزهم بدينه و اكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه و آله و سلم ثم ان الله جعل المصاهرة نسبا لا حقا و امرا مفترضا و شج بهاالارحام و الزمها الانام فقال تبارك اسمه و تعالى جده (و هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا و كان ربك قديرا) ثم ان الله امرني ان ازوج فاطمة من علي و اني اشهد اني قد زوجتها اياه على اربعمائة مثقال فضة أرضيت قال قد رضيت يا رسول الله ثم خر ساجدا فقال رسول الله«ص»بارك الله عليكما و بارك فيكما و اسعد جدكما و جمع بينكما و اخرج منكما الكثير الطيب.قال انس و الله لقد اخرج منهما الكثير الطيب.

خطبة علي عند تزوجه بفامطة علهيما السلام

الحمد لله الذي قرب حامديه و دنا من سائليه و وعد الجنة من يتقيه و انذر بالنار من يعصيه نحمده على قديم احسانه و اياديه حمد من يعلم انه خالقه و باريه و مميته و محييه و سائله عن مساويه و نستعينه و نستهديه و نؤمن به و نستكفيه و اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغه و ترضيه و ان محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم تزلفه و تحظية و ترفعه و تصطفيه و هذا رسول الله«ص»زوجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم فاسألوه و اشهدوا قال رسول الله«ص»قد زوجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن و قد رضيت بما رضي الله فنعم الختن انت و نعم الصاحب انت و كفاك برضى الله رضى ثم امر النبي«ص»بطبق تمر و أمر بنهبه.

تفديك يا سيدة النساء كل امرأة اظلتها السماء ما ضرك و انت ابنة سيد الانبياء و مخطوبة سيد الاوصياء و خير امرأة ولدتها حواء ان تكون حلوى تزويجك طبق تمر تواضعا مع الفقراء و تباعدا عن الكبرياء و سرف الاغنياء،و هل كان ما ينهب في تزويج بنات الملوك و الامراء من انواع الحلوى الفاخرة النفيسة جاعلا قدرهن مدانيا لقدرك و ملحقا شأوهن بشأوك كلا فقد انخفض شأن بوران و ازميدخت ابنة ساسان،و زبيدة ابنة جعفر الذي كان مبنيا على السطوة و السلطان و لم ينفعهن ما انهب في تزويجهن من فاخر الحلوى و نفيسها و بقي شأنك يا درة الكون عاليا ساميا متلألئا في جبين الدهر ما بقي الدهر.

قدر مهر الزهراء عليها السلام

و الروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء عليها السلام و الصواب انه كان خمسمائة درهم‏اثنتي عشرة اوقية و نصفا و الاوقية اربعون درهما لانه مهر السنة كما ثبت من طريق اهل البيت عليهم السلام و ما كان رسول الله«ص»ليعدوه في تزويج علي بفاطمة،و تدل عليه روايات كثيرة و رواه ابن سعد في الطبقات و ذكره علي عليه السلام في خطبته السابقة،اما ما دلت عليه خطبة النبي«ص»المتقدمة من انه اربعمائة مثقال فهو يقتضي ان يكون اكثر من خمسمائة درهم لان كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم و قيل كان اربعمائة و ثمانين درهما حكاه في الاستيعاب و يدل عليه قول الحسين عليه السلام في خبر خطبة مروان ام كلثوم بنت عبد الله بن جعفر على يزيد بن معوية:لو اردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في بناته و نسائه و اهل بيته و هو اثنتا عشرة اوقية يكون اربعمائة و ثمانين درهما (و في رواية) ان عليا عليه السلام باع بعيرا له بذلك المقدار (و في اخرى) ان المهر كان درع حديد تسمى الحطمية فباعها بهذا المقدار (و في ثالثة) انه كان درع حديد و بردا خلقا و الظاهر انه باع ذلك و دفعه في المهر كما تدل عليه بعض الروايات لا ان ذلك بعينه كان مهرا.فليعلم الذين يغالون في المهور انهم قد خالفوا السنة النبوية.

جهاز الزهراء عند تزويجها

فجاء علي بالدراهم فصبها بين يدي رسول الله«ص»فأمر رسول الله«ص»ان يجعل ثلثها في الطيبـاهتماما بامر الطيبـو ثلثها في الثياب و قبض قبضة كانت ثلاثة و ستين او ستة و ستين لمتاع البيت و دفع الباقي الى ام سلمة فقال ابقيه عندك،و ارسل ابا بكر و قال ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب و أثاث البيت و اردفه بعمار وعدة من اصحابه فكانوا يعرضون الشي‏ء على ابي بكر فان استصلحه اشتروه.بأبي انت و امي يا رسول الله بلغ من اهتمامك بجهاز فاطمة عند تزويجها ان ترسل جماعة من اصحابك برئاسة ابي بكر لشراء جهازها و ما يبلغ ما اعطيتهم من المال لشراء الجهاز سواء أكان الثلث من خمسمائة درهم ام اقل ام كان قبضة بكلتا يديك كما في بعض الاخبار.هذه فاطمة و هذا علي لا تزيدهما كثرة المال شرفا و لا تنقص قلته من شرفهما،هي سيدة النساء و هو سيد الرجال،فما يصنعان بالمال و ما يصنع بهما.فكان مما اشتروه قميص بسبعة دراهم و خمار باربعة دراهم و قطيفة سوداءخيبرية (و هي دثار له خمل) و سرير مزمل (ملفوف) بشريط (خوص مفتول) و فراشان من خيش مصر (و هو مشاقة الكتان) حشو احدهما ليف و حشو الآخر من صوف الغنم و اربع مرافق (متكآت) من ادم الطائف (و الأدم الجلد) حشوها ادخر (نبات طيب الرائحة) و ستر رقيق من صوف و حصير هجري (معمول بهجر قرية بالبحرين) و رحى لليد.و مخضب من نحاس (اناء لغسل الثياب) و سقاء من ادم (قربة صغيرة) و قعب (قدح من خشب) لللبن و شن للماء (قربة صغيره عتيقة لتبريد الماء) و مطهرة اناء يتطهر به) مزفتة و جرة خضراء و كيزان خزف و نطع من أدم (بساط من جلد) و عباءة قطوانية (و هي عباءة قصيرة الخمل معمولة بقطوان موضع بالكوفة) و قربة للماء.فلما وضع ذلك بين يدي النبي«ص»جعل يقلبه بيده و يقول اللهم بارك لاهل البيت،و في رواية انه بكى و قال اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف.و لم يكن بكاؤه أسفا على ما فاتهم من زخارف الدنيا الفانية و لكنها رقة طبيعية تعرض للوالد في مثل هذه الحال.و كان من تجهيز علي داره انتشار رمل لين و نصب خشبة من حائط الى حائط و بسط اهاب كبش و مخذة ليف و قربة و منخل و منشفة و قدح.هكذا كان جهاز سيدة النساء و جهاز بيت سيد الاوصياء،و هو مما يدلنا على هو ان الدنيا على الله،و ما ضر عليا و فاطمة و لا أنقص من عزهما ان يكون جهاز فاطمة في عرسها قميص بسبعة دراهم و خمار باربعة و قطيفة سوداء لكنها خيبرية و عباءة بيضاء لكنها قطوانية و حصير لكنه هجري،و لا بد ان يكون ما صنع بخيبر اجود مما يصنع بالمدينة،و ما صنع بقطوان و هجر أجود مما يصنع بالحجاز،فلذلك اختيرت هذه لجهاز العرس،و سرير من جريد النخل لا من ساج و لا آبنوس و لا شي‏ء من المعادن،مشبك بخوص النخل المفتول و لم يزين بعاج و لا ذهب و لا فضة،و فراشان من مشاقة الكتان حشو أحدهما ليف،و متكآت من الجلود محشوة بنبات الارض،و نطع من جلد لا من طنافس ايران،و ستر من صوف،و رحى لتطحن بها سيدة النساء لقوتها و قوت علي و قد يساعدها علي على الطحن،و اناء نحاس لتغسل فيه الثياب و ربما عجنت فيه،و قربة صغيرة و اخرى كبيرة لتستقي بها،و قربة صغيرة عتيقة لتبريد الماء،و وعاء مصنوع من ورق النخل مزفت تغسل به يديها و يدي ابن عمها،و قدح من خشب لا من الصيني،و جرة لكنها خضراء و الخضراء أجود من سواها و لذلك اختيرت لجهاز العرس،و كيزان من الفخار،و لم يكن في جهازهاأساور و لا اقراط من ذهب و لا فضة و لا عقود من جواهر او لؤلؤ بل تزينت بحلي مستعار و ان يكون تجهيز علي بيته المعد لعرسه بفرش رمل في داره لكنه لين لا خشن (طبعا) لانه معد للعرس فلا يناسب ان يكون خشنا،و نصب خشبة من حائط الى حائط لتعليق الثياب فهي ثياب العرس لا يوافق ان توضع على الارض،و بسط جلد كبش و مخدة ليف و قربة و منخل لتنخل به الزهراء الدقيق الذي تطحنه و منشفة و قدح،و يمكن ان هذه كلها كانت عنده و هي أثاث بيته و لم يشتر منها شيئا و لذلك لم يكتف بالقربة التي كانت في جهاز الزهراء و هو عليه السلام قد باع درعه الأداء المهر فلم يكن عنده شي‏ء من المال لشراء شي‏ء.ما ضر عليا و فاطمة و لا انقص من عزهما ان يكون جهاز عرسهما ما ذكرناه و هو سيد الاوصياء و هي سيدة النساء ابنة سيد الانبياء .

زفاف الزهراء على علي عليهما السلام

فلما كان بعد نحو من شهر قال جعفر و عقيل لاخيهما علي او عقيل وحده ألا تسأل رسول الله«ص»ان يدخل عليك املك قال الحياء يمنعني،فاقسم عليه ان يقوم معه فقاما و اعلما ام ايمن فدخلت الى ام سلمة فأعلمتها و اعلمت نساء النبي«ص»فاجتمعن عنده و قلن فديناك بآبائنا و امهاتنا انا قد اجتمعنا لأمر لو كانت خديجة في الاحياء لقرت عينها،قالت ام سلمة فلما ذكرنا خديجة بكى و قال:خديجة و اين مثل خديجة صدقتني حين كذبني الناس و وازرتني على دين الله و أعانتني عليه بمالها،ان الله عز و جل امرني ان ابشر خديجة ببيت في الجنة لا صخب فيه و لا نصب،قالت ام سلمة فديناك بآبائنا و امهاتنا انك لم تذكر من خديجة امرا الا و قد كانت كذلك غير انها قد مضت الى ربها فهنأها الله بذلك و جمع بيننا و بينها في جنته،يا رسول الله هذا اخوك و ابن عمك في النسب علي بن ابي طالب يحب ان تدخل عليه زوجته قال حبا و كرامة،فدعا بعلي فدخل و هو مطرق حياء و قمن ازواجه فدخلن البيت فقال أتحب ان ادخل عليك زوجتك فقال و هو مطرق اجل فداك أبي و امي فقال ادخلها عليك انشاء الله ثم التفت الى النساء و قال من ههنا فقالت ام سلمة انا ام سلمة و هذه زينب و فلانة و فلانة فامرهن ان يزين فاطمة و يطيبنها و يصلحن من شأنها في حجرةام سلمة و ان يفرشن لها بيتا كان قد هيأه علي عليه السلام بالاخرة و كان بعيدا عن بيت النبي«ص»قليلا فلما بنى بها حوله الى بيت قريب منه ففعلن النسوة ما امرهن و علقن عليها من حليهن و طيبنها.فانظر في هذا الخبر تجد ان ام سلمة كانت المقدمة في هذا الامر فأم ايمن جاءت اليها و لم يذكر اسم امرأة غيرها و هي وحدها كانت المخاطبة للنبي«ص»في شأن خديجة و المثنية عليها و المسلية عنها باسلوبها البديع الرقيق و هي التي خاطبته في شأن ادخال الزهراء على علي عليهما السلام و توسلت اليه بما يوجب الرقة و العطف من قولها اخوك و ابن عمك في النسب،و لما قال للنساء من هاهنا كانت هي المجيبة و كان اصلاح شأن الزهراء في حجرتها و دفع إليها ما بقي من المهر و قال ابقيه عندك.

و قارن بين هذا و بين قول بعض امهات المؤمنين للنبي«ص»لما ذكر خديجة فأثنى عليها فتناولتها بالذم و قالت ما كانت الا عجوزا حمراء الشدقين و قد ابدلك الله خيرا منها،فأخذتها الغيرة منها بعد وفاتهاـكما اخبرت عن نفسهاـو لم تدرك زمانها و الغيرة تنطفي جمرتها بعد الوفاة عادة،فغضب رسول الله«ص»حتى اهتز مقدم شعره من الغضب و قال لا و الله ما ابدلني الله خيرا منها«الحديث»ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب و كنى عن بعض الفاظه بكذا و كذا و الظاهر ان ذلك من الطابعين لا من ابن عبد البر،و بما مر من فعل ام سلمة يبطل اعتذار البعض عن عداوة بعض امهات المؤمنين لعلي بانه زوج الزهراء التي هي بنت زوجها،و عداوة المرأة لبنت زوجها من طباع البشر،و تسربت العداوة الى زوج بنت زوجها،فيا ليت شعري لم لم تكن هذه الطبيعة البشرية في ام سلمة،ألم تكن من البشر؟.

وليمة العرس

و جاءت الهدايا الى النبي صلى الله عليه و آله و سلم (و كأني بالمسلمين من المهاجرين و الانصار لما سمعوا بهذا الزفاف قالوا هذا نبيكم سيد الانبياء الذي انقذكم الله به من الضلالة الى الهدى يريد ان يزف ابنته سيدة النساء الى ابن عمه اعز الناس عليه و اكثرهم جهادا بين يديه فأعينوه على وليمة العرس فاهدوا له البر و السمن و البقر و الغنم و غيرها) فامر بطحن البر و خبزه و امر عليا بذبح البقر و الغنم فلما فرغوا من الطبخ امر ان ينادى على رأس داره اجيبوا رسول الله‏فبسط النطوع في المسجد فأكل الناس و كانوا اكثر من اربعة آلاف رجل و سائر نساء المدينة ثم دعا بالصحاف فملئت و وجه بها الى منازل ازواجه ثم اخذ صحفة فقال هذه لفاطمة و بعلها.و يظهر ان الطعام كان مقصورا على الثريد من الخبز و اللحم .

كيفية الزفاف

فلما كانت ليلة الزفاف اتى ببغلته الشهباء و ثنى عليها قطيفة و قال لفاطمة اركبي فاركبها و امر سلمان ان يقود بها و مشى«ص»خلفها و معه حمزة و جعفر و عقيل و بنو هاشم مشهرين سيوفهم و نساء النبي«ص»قدامها يرجزن و امر نباتا عبدالمطلب و نساء المهاجرين و الانصار ان يمضين في صحبة فاطمة و ان يفرحن و يرزحن و يكبرن و يحمدن و لا يقلن ما لا يرضي الله .

ثم ان النبي«ص»انفذ الى علي فدعاه ثم هتف بفاطمة،فأخذ عليا بيمينه و فاطمة بشماله و ضمهما الى صدره فقبل بين أعينهما و اخذ بيد فاطمة فوضعها في يد علي و قال بارك الله لك في ابنة رسول الله و قال يا علي نعم الزوجة زوجتك و قال يا فاطمة نعم البعل بعلك ثم قال لهما اذهبا الى بيتكما جمع الله بينكما و اصلح بالكما و قام يمشي بينهما حتى ادخلهما بيتهما.و قال لا تهيجا شيئا حتى آتيكما و جلس علي في البيت و فيه امهات المؤمنين و بينهن و بين علي حجاب و جلست فاطمة مع النساء ثم اقبل النبي فدخل و خرج النساء مسرعات سوى اسماء بنت عميس و كانت قد حضرت وفاة خديجة فبكت خديجة عند وفاتها فقالت لها أتبكين و انت سيدة نساء العالمين و انت زوجة النبي«ص»و مبشرة على لسانه بالجنة فقالت ما لهذا بكيت و لكن المرأة ليلة زفافها لا بد لها من امرأة تفضي اليها بسرها و تستعين بها على حوائجها و فاطمة حديثة عهد بصبا و اخاف ان لا يكون لها من يتولى امرها حينئذ،قالت اسماء بنت عميس:فقلت لها يا سيدتي لك عهد الله ان بقيت الى ذلك الوقت ان اقوم مقامك في هذا الامر،فلما كانت تلك الليلة و امر النبي«ص»النساء بالخروج فخرجن و بقيت فلما اراد الخروج رأى سوادي فقال من انت فقلت اسماء بنت عميس قال ألم آمرك ان تخرجي قلت بلى يا رسول الله و ما قصدت خلافك و لكن اعطيت خديجة عهدا فحدثته فبكى و قال اسأل الله ان يحرسك من فوقك و من تحتك و من بين يديك و من خلفك و عن‏يمينك و عن شمالك من الشيطان الرجيم ناوليني المركن و املأيه ماء فملأ فاه ثم مجه فيه ثم قال انهما مني و انا منهما اللهم كما اذهبت عني الرجس و طهرتني تطهيرا فطهرهما ثم امرها ان تشرب منه و تتمضمض و تستنشق و تتوضأ ثم دعا بمركن آخر و صنع كالاول.و قال اللهم انهما احب الخلق الي فأحبهما و بارك في ذريتهما و اجعل عليهما منك حافظا و اني اعيذهما بك و ذريتهما من الشيطان الرجيم،و دعا لفاطمة فقال اذهب الله عنك الرجس و طهرك تطهيرا و قال مرحبا ببحرين يلتقيان و نجمين يقترنان،و قال اللهم ان هذه ابنتي و احب الخلق الي،و هذا اخي و أحب الخلق الي اللهم اجعله لك وليا و بك حفيا و بارك له في اهله ثم قال يا علي ادخل باهلك بارك الله تعالى لك و رحمة الله و بركاته عليكم انه حميد مجيد،ثم خرج من عندهما فأخذ بعضادتي الباب فقال طهركما الله و طهر نسلكما انا سلم لمن سالمكما و حرب لمن حاربكما استودعكما الله و استخلفه عليكما ثم اغلق عليهما الباب بيده و لم يزل يدعو لهما حتى توارى في حجرته و لم يشرك معهما احدا في الدعاء.

(الشك في حضور اسماء بنت عميس زفاف الزهراء)

ثم انه قد ذكر جملة من المؤرخين جعفر بن ابي طالب و اسماء بنت عميس مكررا في خبر تزويج فاطمة كما سمعت مع ان جعفر و اسماء كانا بالحبشة يومئذ مهاجرين و انما جاء جعفر و زوجته اسماء من الحبشة بعد فتح خيبر.قال محمد بن يوسف الكنحي الشافعي في كتابه كفاية الطالب :ان ذكر اسماء بنت عميس في خبر تزويج فاطمة عليها السلام غير صحيح لان اسماء التي حضرت في عرس فاطمة انما هي بنت يزيد بن السكن الانصارية و لها احاديث عن النبي«ص»و اسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بن ابي طالب بالحبشة و قدم بها يوم فتح خيبر سنة سبع و كان زواج فاطمة بعد بدر بايام يسيرة«اه»و اشتباه اسماء بنت عميس باسماء بنت يزيد ممكن بان يكون الراوي ذكر اسماء فتبادر الى الاذهان بنت عميس لشهرتها الا ان آخر الحديث ينافي ذلك لان فيه انها حضرت وفاة خديجة و خديجة توفيت بمكة قبل الهجرة و اسماء بنت يزيد انصارية من اهل المدينة و لم تكن بمكة حتى تحضر وفاة خديجة مع ان هذا ان رفع الاشكال في اسماء لم يرفعه في جعفر الذي كرر مرتين ذكره‏و احتمل في كشف الغمة ان تكون التي شهدت الزفاف سلمى بنت عميس اخت اسماء و زوجة حمزة و ان يكون بعض الرواة اشتبه باسماء لشهرتها،و هذا ايضا ان رفع الاشكال في اسماء لا يرفعه في جعفر الا ان يقال لما حصل الاشتباه في اسماء حصل الاشتباه في جعفر فجعل موضع حمزة و الله اعلم.

هكذا كان زفاف فاطمة الى علي عليهما السلام فيا له من زفاف عظيم باهر تجلت فيه العزة و العظمة و الهيبة لا يستطيع الواصف ان يصف مبلغ عظمته و ابهته و جلاله و هيبته مهما بالغ و اطنب.فهنيئا لك يا ابا الحسن و يا نخبة الكون و هنيئا لك يا سيدة النساء بهذا العرس المبجل المفخم العزيز الذي لم ينل احد قبلكما و لا بعدكما مثله.للمؤلف:

مفاخر قلدت جيد الزمان حلى‏ 
امسى بها الكون مزدانا الى الابد 
ما نالها احد من قبل ذاك و لا 
اصابها بعده في الناس من احد

(امر لا ينقضي منه العجب)

بقي علينا ان نذكر في المقام امرا لا يكاد ينقضي منه العجب و هو ان من زفها سيد المرسلين مع بني هاشم و اصحابه و نساء المؤمنين و احتفل في زفافها هذا الاحتفال العظيم كانت حرية ان يحتفل بتشييعها عند وفاتها بمثل هذا الاحتفال او اعظم،و لكنها دفنت في الليل سرا و عفي قبرها و لم يعلم موضعه على التحقيق الى اليوم فتزار في ثلاثة مواضع و لم يشهد جنازتها الا علي و ولداها و نفر من بني هاشم و نفر قليل من الصحابة.

(سنة تزويج علي بفاطمة)

و قد اختلف في سنة تزويج علي بفاطمة فقيل بعد الهجرة بسنة و قيل بسنتين و قيل بثلاث و قال ابن الاثير قيل ان علي بن ابي طالب بني بفاطمة على رأس اثنين و عشرين شهرا من الهجرة.و روى ابن سعد في الطبقات ان تزوجه بها كان بعد مقدم النبي«ص»المدينة بخمسة اشهر و بنى بها مرجعه من بدر،و بدر كانت على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة.

فيكون قد عقد له النبي«ص»عليها و هو في دار ابي ايوب و دخل بها بعد خروجه من دارابي ايوب بشهرين لانه بقي في دار ابي ايوب سبعة اشهر فأخر دخوله الى ان بنى بيتا له و لعلي .

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 160

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


آية المباهلة:

و من الآيات التي تدل على أفضلية المرتضى عليه السلام من جميع الأنبياءـسوى نبينا صلى الله عليه و آله و سلمـقوله تعالى:فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبنائكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين (1) .

الف) معنى الآية:

فمن حاجك في شأن عيسى عليه السلام بعد ما قصصت عليك من خبره و جلية أمره فقل لهم:أقبلوا و ليدع كل منا و منكم أبناءه و نساءه و أنفسه للمباهله،فنجعل لعنة الله على الذين يفترون .

ب) شأن نزول الآية:

من المسائل التى كادت تعد في الضروريات الأولية نزول آية المباهلة في حق أهل الكساء،و الخمسة النجباء عليهم السلام حتى إن كثيرا من المحدثين و المفسرين والمورخين و المتكلمين ذكروه في كتبهم و أرسلوه إرسال المسلمات،بل ذهب جل أهل القبلة على أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم لم يدع للمباهلة من النساء سوى بضعته الزهراء عليها السلام،و من الأبناء سوى سبطيه و ريحانيته من الدنيا الحسن و الحسين عليهما السلام،و من الأنفس إلا أخاه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى عليه السلام،فهؤلاء أصحاب هذه الآية.و قد ذكر نزول الآية فيهم عليهم السلام كثير من علماء العامة،و إليك ذكر بعضها:

1ـقال محمد بن جرير الطبري في تفسيره:«غدا النبي صلى الله عليه و آله و سلم محتضنا حسينا آخذا بيد الحسن،و فاطمة تمشي خلفهـصلوات الله عليهم أجمعين (2) ».

2ـو أخرج الحاكم في«المستدرك»و صححه و ابو نعيم في«الدلائل»عن جابر الأنصاري،قال:«قدم على النبي صلى الله عليه و آله و سلم العاقب و السيد فدعاهما إلى الإسلامـإلى أن قال :ـفدعاهما إلى الملاعنة فوعداه،فغدا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أخذ بيد علي و فاطمة و الحسن و الحسين ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباهـإلى أن قالـ:«أنفسنا و أنفسكم»رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و علي،و«أبناءنا»الحسن و الحسين و«نساءنا»فاطمة (3) ».

3ـقال جار الله محمود الزمخشري في تفسيره:«فأتوا (يعني نصارى نجران) رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قد غدا محتضنا الحسين،آخذا بيد الحسن،و فاطمة تمشي خلفه،و على خلفها و هو يقول:إذا أنا دعوت فأمنوا،فقال اسقف نجران:يا معشر النصارى!إني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها،فلا تباهلوا فتهلكواـإلى أن قال:ـو فيه دليل لا شي‏ء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام (4) ـالخ».

ـقال فخر الدين الرازي في تفسيره:«إنه عليه السلام لما أورد الدلائل على نصارى نجران ثم إنهم أصروا على جهلهم فقال عليه السلام:إن الله أمرني إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم،فقالوا :يا أبا القاسم!بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك.فلما رجعوا قالوا للعاقبـو كان ذا رأيهمـ :يا عبد المسيح!ما ترى؟فقال:و الله،لقد عرفتم،يا معشر النصارى!أن محمدا نبي مرسل،و لقد جاءكم بالكلام الحق في أمر صاحبكمـإلى أن قال:ـو كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خرج و عليه مرط (5) من شعر أسود،و كان قد احتضن الحسين،و أخذ بيد الحسن،و فاطمة تمشي خلفه،و عليـرضي الله عنهـخلفها،و هو يقول:إذا دعوت فأمنوا،فقال اسقف نجران:يا معشر النصارى!إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها،فلا تباهلوا فتهلكوا،و لا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة».

و قال في آخر كلامه:«و روي أنه عليه السلام لما خرج في المرط الأسود فجاء الحسنـرضي الله عنهـفأدخله،ثم جاء الحسينـرضي الله عنهـفادخله ثم فاطمة،ثم عليـرضي الله عنهماـ،ثم قال:إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا.و اعلم أن هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير و الحديث (6) ».

5ـقال القرطبي في تفسيره:«أبناءنا دليل على أن أبناء البنات يسمون أبناء،و ذلك أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم جاء بالحسن و الحسين و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها و هو يقول لهم:إن أنا دعوت فأمنوا (7) ».

6ـقال سبط ابن الجوزي:«لما نزل قوله تعالى:ندع أبناءنا و أبناءكم دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عليا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام و قال:اللهم هؤلاء أهلي (8) »ـقال ابو حيان الاندلسي:«لما نزلت هذه الآية:قل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة و حسنا و حسينا فقال:اللهم هؤلاء أهلي (9) ».

8ـقال الحافظ أحمد بن حنبل في مسنده.«و لما نزلت هذه الآية:ندع أبناءنا و أبناءكم دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عليا و فاطمة و حسنا و حسيناـرضوان الله عليهم اجمعينـفقال:اللهم هؤلاء أهلى (10) ».

9ـقال الحافظ الكنجي الشافعي:«لما نزلت هذه الاية:ندع أبناءنا و أبناءكم...دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فقال:اللهم هؤلاء أهلى (11) ».

أقول:هذه الأقوال التي ذكرناها في شأن نزول الاية قطرة من البحر ذرة من القفر،فإن شئت الزيادة فراجع«إحقاق الحق (12) ».و جدير بنا أن ننقل ههنا التشقيق الذي يحتمل في الاية و هو ما قاله المحقق البارع،الشيخ محمد تقي الفلسفيـصانه الله من حوادث الدهر و سوء الزمانـ:«إن مباهلة و ملاعنة أهل الكساء و الخمسة النجباءـصلوات الله عليهم أجمعينـمع نصارى نجران لا تخلو عن أربعة وجوه في العقل و التصور:

الاول:أن تستجاب مباهلة كل واحد من الطرفين،فتكون هذه سببا لاستيصالهما و هلاكة كل واحد منهما.

الثاني:أن لا تستجاب مباهلة كل من الخصمين كليهما،فيكون هذا سببا لسقوطهما عن أعين الناس لا سيما إذا كان المباهلون من ولاة الأمر و الدعاة إلى الدين كما فيما نحن فيه.الثالث :أن تستجاب مباهلة أهل نجران فتكون سببا لوقوع العذاب على مخالفهم.

الرابع:أن تستجاب مباهلة و ملاعنة أهل البيتـصلوات الله عليهم أجمعينـفتكون سببا لهلاكة خصمهم.فالغالب من هذه الإحتمالات يمنع كل واحد من الخصمين عن الإقدام على المباهلة لأن فيه الإطمينان مظنة الهلكة و الاستيصال و العذاب.

فإذا اتضح هذا يعلم منه أن الخمسة الطيبة عليهم السلام كانوا في أعلى درجات اليقين و الاطميان،فلو كان في نفوسهم الشريفةـالعياذ باللهـقلق،أو اضطراب،أو وسوسة في الإجابة و عدمها لم يقدموا أبدا على المباهلة،لأن في إقدامهم عليهم السلام فيها إما احتمال الهلكة و النقمة و العذاب أو سقوط منزلتهم و هيبتهم عن أعين الناس.و لهذه الوساوس و الشك و الريب امتنع أهل نجران و انصرفوا لم يجرؤوا على المباهلة،و بعد إنصرافهم عن الملاعنة و المباهلة قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«و الذي نفسي بيده،إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران،و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير،و لاضطرم عليهم الوادي نارا،و لاستأصل الله نجران و أهله حتى الطيور على رؤوس الشجر،و لما حال الحول على النصارى حتى يهلكوا (13) ».

و لعل هذا المعنى،أعني عدم الخطور النفسانية و الوساوس في نفوسهم الشريفة و تعميم المباهلة و الملاعنة بين النبي صلى الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسينـصلوات الله عليهم أجمعينـو بين نصارى نجران يستفاد من نفس الآية الكريمة إذا أمعنت النظر فيها .

قال العلامة الطباطبائى رحمه الله:«و ههنا نكتة أخرى و هي أن في تذكيره صلى الله عليه و آله و سلم بالعلم تطييبا لنفسه الشريفة أنه غالب بإذن الله و أن ربه ناصره و غير خاذله البتة».

قال أيضا:«و المباهلة و الملاعنة و إن كانت بحسب الظاهر كالمحاجة بين‏رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و بين رجال النصارى لكن عمت الدعوة للأبناء و النساء ليكون أدل على اطمينان الداعى بصدق دعواه و كونه على الحق لما أودعه الله سبحانه في قلب الإنسان من محبتهم و الشفقة عليهم فتراه يقيهم بنفسه و يركب الأهوال و المخاطرات دونهم و في سبيل حمايتهم و الغيرة عليهم و الذب عنهم،و لذلك بعينه قدم الأبناء على النساء لأن محبة الإنسان بالنسبة إليهم أشد و أدوم».

و قال أيضا:«و قوله عز و جل:فنجعل لعنة الله كالبيان للابتهال،و قد قيل:فنجعل،و لم يقل :فنسأل،إشارة إلى كونها دعوة غير مردودة حيث يمتاز بها الحق من الباطل».

و قال أيضا:«قوله عز و جل:الكاذبين مسوق سوق العهد،دون الإستغراق أو الجنس،إذ ليس المراد جعل اللعنة علي كل كاذب أو على جنس الكاذب،بل على الكاذبين الواقعين في أحد طرفي المحاجة الواقعة بينه صلى الله عليه و آله و سلم و بين النصارى،حيث قال صلى الله عليه و آله و سلم:إن الله لا إله غيره و إن عيسى عبده و رسوله،و قالوا:إن عيسى هو الله،أو إنه ابن الله،أو إن الله ثالث ثلاثة.و على هذا،فمن الواضح أن لو كانت الدعوى و المباهلة عليها بين النبي صلى الله عليه و آله و سلم و بين النصارى،أعني كون أحد الطرفين مفردا و الطرف الآخر جمعا كان من الواجب التعبير عنه بلفظ يقبل الإنطباق على المفرد و الجمع معا كقولنا :فنجعل لعنة الله على من كان كاذبا.فالكلام يدل على تحقق كاذبين بوصف الجمع في أحد طرفي المحاجة و المباهلة على أي حال إما في جانب النبي صلى الله عليه و آله و سلم و إما في جانب النصارى،و هذا يعطى أن يكون الحاضرون للمباهلة شركاء في الدعوى فإن الكذب لا يكون إلا في الدعوى،فلمن حضر مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،و هم على و فاطمة و الحسنان عليهم السلام شركة في الدعوى و الدعوة مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،و هذا من أفضل المناقب التي خص الله به أهل بيت نبيه عليهم السلام كما خصهم باسم الانفس و النساء و الأبناء لرسوله صلى الله عليه و آله و سلم من بين رجال الامة ونسائهم و أبنائهم (14) ».

و قال المراغي في تفسيره:«و فى تقديم هؤلاء (أي الأبناء و النساء) على الانفس في المباهلة مع أن الرجل يخاطر بنفسه لهم إيذان بكمال أمنه صلى الله عليه و آله و سلم و تمام ثقته بأمره و قوة يقينه و بأنهم لن يصيبهم في ذلك مكروه (15) ».

و قال الزمخشري:«فإن قلت:ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه و من خصمه و ذلك أمر يختص به و بمن يكاذبه فما معنى ضم الأبناء و النساء؟

قلت:ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله و استيقانه بصدقه،حيث استجرأ على تعريض أعزته و أفلاذ كبده و أحب الناس إليه لذلك...و خص الأبناء و النساء لأنهم أعز الأهل و ألصقهم بالقلوب و ربما فداهم الرجل بنفسه حارب دونهم حتى يقتل...و قدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على مكانتهم و قرب منزلتهم و ليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس (16) ».

و قال العلامة،السيد شرف الدين رحمه الله:«و هناك نكتة يعرف كنهها علماء البلاغة،و يقدر قدرها الراسخون في العلم العارفون بأسرار القرآن،و هي أن الاية الكريمة ظاهرة في عموم الأبناء و النساء و الأنفس كما يشهد به علماء البيان و لا يجهله أحد ممن عرف أن الجمع المضاف حقيقة في الإستغراق،و إنما اطلقت هذه العمومات عليهم بالخصوص تبيانا لكونهم ممثلى الاسلام،و إعلانا لكونهم أكمل الأنام،و أذانا بكونهم صفوة العالم،و برهانا على أنهم خيرة الخيرة من بنى آدم،و تنبيها ألى أن فيهم من الروحانية الاسلامية و الاخلاص لله في العبودية ما ليس في جميع البرية،و أن دعوتهم إلى المباهلة بحكم دعوة الجميع،و حضورهم خاصة فيها منزل منزلة حضور الامة عامة،و تأمينهم على دعائه مغن عن تأمين من‏عداهم،و بهذا جاز التجوز بإطلاق تلك العمومات عليهم بالخصوص.و من غاص على أسرار الكتاب الحكيم و تدبره و وقف على أغرانه يعلم أن إطلاق هذه العمومات عليهم بالخصوص إنما هو على حد قول القائل:

ليس على الله بمستنكر 
أن يجمع العالم في واحد

ـإلى أن قال:ـ:«بقيت نكتة يجب التنبه لها،و حاصلها:أن اختصاص الزهراء من النساء و المرتضى من الأنفس مع عدم الاكتفاء بأحد السبطين من الأبناء دليل على ما ذكرناه من تفضيلهم عليه السلام لأن عليا و فاطمة لما لم يكن لهما نظير في الأنفس و النساء كان وجودهما مغنيا عن وجود من سواهما بخلاف كل من السبطين فإن وجود أحدهما لا يغني عن وجود الاخر لتكافئهما،و لذا دعاهما صلى الله عليه و آله و سلم جميعا و لو دعا أحدهما دون صنوه كان ترجيحا بلا مرجح و هذا ينافي الحكمة و العدل،نعم لو كان ثمة في الأبناء من يساويهما لدعاه معهما كما أنه لو كان لعلي نظير من الأنفس أو لفاطمة من النسأء لما حاباهما،عملا بقاعدة الحكمة و العدل و المساواة (17) ».

أفضلية علي عليه السلام المستفادة من الآية:

و أدل الدلائل على أفضلية علي بن أبي طالب عليه السلام من جميع البشر و الأنبياء عليه السلام سوى نبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم قوله تعالى«أنفسنا»في الاية الشريفة،إذا المراد من«أنفسنا»كما ظهر من الروايات و أقوال المؤرخين و لا المحدثين هو نفس علي عليه السلام.

قال محمد بن طلحة الشافعي:«فانظر بنور بصيرتكـأيدك الله بهدايتهاـإلى مدلول هذه الاية (آية المباهلة) و ترتيب مراتب عباراتها و كيفية إشاراتها إلى علو مقام فاطمةـعليها السلامـفي منازل الشرف و سمو درجتها،و قد بين ذلك صلى الله عليه و آله و سلم و جعلهابينه و بين علي عليهما السلام تنبيها على سر الاية و حكمتها فإن الله عز و جل جعلها مكتنفة من بين يديها و من خلفها ليظهر بذلك الاعتناء بمكانتها.و حيث كان المراد من قوله«و أنفسنا»نفس علي مع النبي جعلها بينهما إذا الحراسة بالاحاطة بالأنفس أبلغ منها بالأبناء في دلالتها (18) ».

و قال أحمد بن حجر الهيتمي:«أخرج الدار قطني أن عليا يوم الشورى احتج على أهلها فقال لهم:أنشدكم بالله،هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في الرحم مني،و من جعله صلى الله عليه و آله و سلم نفسه و أبناءه أبناءه و نساءه نساءه غيري؟قالوا :اللهم لا،ـالحديث (19) ».

و قال الفخر الرازي في تفسيره:«المسألة الخامسة:كان في الري رجل يقال له:محمود بن الحسن الحمصي،و كان معلم الاثني عشرية،و كان يزعم أن علياـرضى الله عنهـأفضل من جميع الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه و آله و سلم،قال:و الذي يدل عليه قوله تعالى:«ؤ أنفسنا و أنفسكم»،و ليس المراد بقوله«أنفسنا»نفس محمد صلى الله عليه و آله و سلم لأن الانسان لا يدعو نفسه بل المراد به غيره،و أجمعوا على أن ذلك الغير كان علي بن أبي طالبـرضى الله عنهـفدلت الآية على أن نفس علي هي نفس محمد صلى الله عليه و آله و سلم،و لا يمكن أن يكون المراد منه أن هذه النفس هي عين تلك النفس،فالمراد أن هذه النفس مثل تلك النفس،و ذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه.ترك العمل بهذا العموم في حق النبوة و في حق الفضل لقيام الدلائل على أن محمدا عليه السلام كان نبيا و ما كان علي كذلك.و لانعقاد الإجماع على أن محمد عليه السلام كان أفضل من عليـرضي الله عنهـفيبقى فيما وراءه معمولا به،ثم الإجماع دل على أن محمد عليه السلام كان أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام فيلزم أن يكون علي أفضل من سائر الأنبياء.فهذا وجه‏الاستدلال بظاهر هذه الاية (20) .

ثم قال (أي الحمصي) :و يؤيد الإستدلال بهذه الآية الحديث المقبول عند الموافق و المخالف و هو قوله عليه السلام:«من أراد أن يرى آدم في علمه،و نوحا في طاعته،و إبراهيم في خلته،و موسى فى هيبته،و عيسى في صفوته،فلينظر إلى علي بن أبي طالبـرضي الله عنهـ»فالحديث دل على أنه اجتمع فيه ما كان متفرقا فيهم،و ذلك يدل على أن علياـرضى الله عنهـأفضل من جميع الأنبياء،سوى نبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم،و أما سائر الشيعة فقد كانوا قديما و حديثا يستدلون بهذه الآية على أن علياـرضى الله عنهـمثل نفس محمد عليه السلام إلا فيما خصه الدليل،و كان نفس محمد أفضل من الصحابة فوجب أن يكون نفس علي أفضل أيضا من سائر الصحابة».

ثم قال الفخر الرازي:«و الجواب أنه كما انعقد الإجماع بين المسلمين على أن محمد صلى الله عليه و آله و سلم أفضل من علي فكذلك انعقد الإجماع بينهم قبل ظهور هذا الانسان على أن النبي أفضل ممن ليس بنبى،و أجمعوا على أن علياـرضى الله عنهـما كان نبيا،فلزم القطع بأن ظاهر الآية كما أنه مخصوص في حق محمد صلى الله عليه و آله و سلم فكذلك مخصوص في حق الأنبياء عليهم السلام (21) ».

أقول:لما لا حظت كلام الرازي فأمعن النظر في كلام العلامة المجاهد،الشيخ محمد الحسن المظفر رحمه الله حول كلامه،قال:«و يستفاد من الرازي في تفسير الآية تسليم دلالتها على أفضليته من الصحابة لأنه نقل عن الشيخ محمود بن الحسن الحمصي أنه استدل بجعل علي عليه السلام نفس النبي صلى الله عليه و آله و سلم على كونه أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد لأن النبي أفضل منهم و علي نفسه،و نقل عن الشيعة قديما و حديثا الاستدلال بذلك على فضل على على جميع الصحابة،و ما أجاب الرازي‏إلا عن الأول بدعوى الإجماع على أن الأنبياء أفضل من غيرهم قبل ظهور الشيخ محمود.و فيه:أن الإجماع إنما هو على فضل صنف الأنبياء على غيره من الأصناف و فضل كل نبي على جميع امته لافضل شخص من الأنبياء على كل من عداهم حتى لو كان من امم غيرهم.ـإلى أن قال:ـو لم يختص تفضيل أمير المؤمنين على من عدا محمد صلى الله عليه و آله و سلم من الأنبياء بالشيخ محمود حتى ينافي ما ادعاه الرازي من الإجماع بل قال به الشيعة قبل وجود الشيخ محمود و بعده مستدلين بالآية الكريمة و غيرها من الآيات (22) ».

و قال السماحة الحجة،العلامة المجاهد،السيد شرف الدين رحمه الله بعد نقل كلام الرازي :«و أمعن النظر تجده قد أوضح دلالة الآية على ذلك غاية الإيضاح و نادى (من حيث لا يقصد) حي على الفلاح،لم يعارض الشيعة فيما نقله عن قديمهم و حديثهم و لا ناقشهم فيه بكلمة واحدة فكأنه أذعن لقولهم و اعترف بدلالة الآية على رأيهم،و إنما ناقش المحمود بن الحسن كما لا يخفى،على أن الاجماع الذي صال به الرازي على المحمود لا يعرفه المحمود و من يرى رأيه،فافهم (23) ».

و قال العلامة السبيتي،مؤلف«راية الحق»في كتابه القيم«المباهلة»بعد نقل كلام الرازي بتمامه:«و القارى‏ء يلاحظ معنا أنه لم يناقش في دلالة الآية على أفضلية على عليه السلام على سائر الصحابة،و يلاحظ أيضا أنه لم يناقش في اتفاق المسلمين على صحة الخبر الدال على أن ما تفرق من الصفات في الأنبياء عليهم السلام قد اجتمعت جميعا في شخص علي عليه السلام،و هذا يتضح من جوابه على دعوى ابن الحسن الحمصي أن عليا أفضل من سائر الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه و آله و سلم،و كذلك لم يرد على الشيعة ما استفادوه من دلالة الآية الكريمة على أفضلية علي عليه السلام،و كل‏ما في الأمر أنه ناقش ابن الحسن الحمصي فيما ادعاه من الاجماع بإجماع ادعاه هو نفسه و فرضه على المسلمين فرضا.و لمحمود الحمصي أن يقول:إن إجماعا يخرج منه النخبة الممتازة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و يخرج منه الهاشميون جميعا و يخرج منه الشيعة ليس بإجماع على كل تفسير يفسر به الفخر الرازي الاجماع،و لا يقام لهذا الاجماع وزن بين الاجماعات التي يدعيها المسلمون .و غير جائز في العقل أن يكون إجماع و نصف المسلمين على التقريب يقولون بأفضلية علي عليه السلام على سائر الأنبياء.

ثم يعود محمود بن الحسن الحمصي فيقول:إن المسلمين و النخبة الممتازة من صحب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أجمعوا قبل أن يخلق الله هذا الانسان (أعني الفخر الرازي) و من على رأيه على أن عليا عليه السلام أفضل من خلق الله باستثناء محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.و يبدو لنا أن هذا صحيح من وجهة الأمر الواقع،و أن هذا الاجماع هو الاجماع الصحيح المعتبر الذي يصح أن يحتج به المسلمون إذا راجعنا إلى شروط حجية الاجماع و إمكان تحققه و وقوعه (24) ».

كلام مزيف من صاحب المنار حول الآية:

قال في«تفسير المنار»:«الرويات متفقة على أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم اختار للمباهلة عليا و فاطمة و ولديهما،و يحملون كلمة«نساءنا»على فاطمة،و كلمة«أنفسنا»على علي فقط.و مصادر هذه الروايات الشيعة و مقصدهم منها معروف،و قد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا حتى راجت على كثير من أهل السنة،و لكن واضعيها لم يحسنوا تطبيقها على الآية،فإن كلمة«نساءنا»لا يقولها العربي و يريد بها بنته لا سيما إذا كان له أزواج،و لا يفهم هذا من لغتهم.و أبعد من ذلك أن يراد«أنفسنا»عليـعليه الرضوانـ (25) ».

أقول:ما أقول في رجل اتخذ إلهه هواه و أضله الله على علم،و ختم على سمعه و قلبه؟لست أدري ما يريد بقوله«إن مصادر هذه الروايات الشيعة»فإن إمامهم الرازي ادعى الاتفاق على صحتها،و هو مع أنه إمام المشككين يقول في تفسيره:«لما خرج صلى الله عليه و آله و سلم في المرط الأسود فجاء الحسنـرضى الله عنهـفأدخله،ثم جاء الحسينـرضى الله عنهـفأدخله،ثم فاطمة ثم عليـرضي الله عنهماـثم قال:إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا.و اعلم أن هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير و الحديث (26) ».

و روى ابن طاووس رحمه الله في كتابه القيم«سعد السعود»حديث المباهلة من كتاب«تفسير ما نزل من القرآن في النبي و أهل بيته»لمحمد بن العباس بن مروان،المعروف بابن الحجام (أو ابن الماهيار) من أحد و خمسين طريقا.قال رحمه الله:«و في آية المباهلة بمولانا علي و فاطمة و الحسن و الحسينـصلوات الله عليهم أجمعينـلنصارى نجران،رواه من أحد و خمسين طريقا عمن سماه من الصحابة و غيرهم،رواه عن:1ـأبي الطفيل عامر بن واثلة 2ـو عن جرير بن عبد الله السجستاني 3ـو عن أبي قيس المدني 4ـو عن أبي إدريس المدني 5ـو عن الحسن بن مولانا علي 6ـو عن عثمان بن عفان 7ـو عن سعد بن أبي وقاص 8ـو عن بكر بن مسمار (سمال) 9ـو عن طلحة ابن عبد الله 10ـو عن الزبير بن العوام 11ـو عن عبد الرحمن بن عوف 12ـو عن عبد الله بن عباس 13ـو عن ابي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم 14ـو عن جابر بن عبد الله 15ـو عن البراء بن عازب 16ـو عن انس بن مالك 17ـو عن المنكدر بن عبد الله عن أبيه 18ـو عن علي بن الحسين عليهما السلامـو عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام 20ـو عن أبي عبد الله جعفر ابن محمد الصادق عليهما السلام 21ـو عن الحسن البصري 22ـو عن قتادة 23ـو عن علباء بن أحمر 24ـو عن عامر بن شراحيل الشعبي 25ـو عن يحيى بن نعمان 26ـو عن مجاهد بن حمر الكمي 27ـو عن شهر بن حوشب.و نحن نذكر حديثا واحداـإلى أن قال:ـفلما كان من غد غدا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بيمينه علي،و بيساره الحسن و الحسين،و من ورائهم فاطمة،عليهم الحلل،و على كتف رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كساء فأمر بشجرتين فكسح ما بينهما و نشر الكساء عليهما و أدخلهم تحت الكساء،و أدخل منكبه الأيسر معهم تحت الكساء معتمدا على قوله اليقع (النبع) ،و رفع يده اليمنى إلى السماء للمباهلة،و أشرف الناس ينظرون،و اصفر لون السيد و العاقب و زلزلا حتى كاد أن يطيش عقولهما،فقال أحدهما لصاحبه:أنباهله؟قال:أو ما علمت أنه ما باهل قوم قط نبيا فنشأ صغيرهم و بقي كبيرهم؟ـالحديث (27) ».

أقول:و أعتقد أن صاحب المنار ما قال هذا الكلام إلا لعناده لأمير المؤمنين عليه السلامـاللهم عامله بما كان عليهـ.و من علامة كراهته لأهل البيت عليهم السلام كلامه في موارد شتى فيهم عليهم السلام،قال (في ج 10:ص 460) :«إن أحاديث المهدي لا يصح منها شى‏ء يحتج به،و إنها مع ذلك متعارضة متدافعة،و إن مصدرها نزعة سياسية شيعية معروفة،و للشيعة فيها خرافات مخالفة لاصول الدين (28) ».

و قال أيضا (في ج 3:ص 332) :«و أخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه قل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم قال:فجاء بأبي بكر و ولده و بعمر و ولده و بعثمان و ولده و بعلي و ولده».و قال أيضا (في ج 12:ص 53) في تفسير قوله تعالى:«أفمن كان على بينة من ربه و يتلوه شاهد منه (29) »:«و في الشاهد روايات اخرى...و منها أنه عليـرضي الله عنهـيرويه الشيعة و يفسرونه بالإمامة ...و قابلهم خصومهم بمثلها فقالوا:إنه أبوبكر».

و قال أيضا (في ج 8:ص 426) في تفسير قوله تعالى:فأذن مؤذن أن لعنة الله على الظالمين (30) :«و رواية الإمامية عن الرضا عليه السلام و ابن عباس أنه عليـكرم الله وجههـمما لم يثبت من طريق أهل السنة و بعيد عن هذا الإمام أن يكون مؤذنا و هو إذ ذاك في حظائر القدس» .

و قال أيضا (في ج 8:ص 433) في تفسير قوله تعالى:و بينهما حجاب و على الأعراف رجال (31) :«اختلف المفسرون فيهم (أي في أهل الأعراف الذين يقومون فيه و ينادون الناس على أقوال ...) أنهم العباس و حمزة و علي و جعفر ذو الجناحينـرضي الله عنهـو هذا القول ذكر الآلوسي أن الضحاك رواه عن ابن عباس و لم نره في شي‏ء من كتب التفسير المأثور،و الظاهر أنه نقله عن تفاسير الشيعة».

أقول:بعد ما لاحظت ما ذكرناه من صاحب«المنار»و عقيدته،وددنا أن نسائل الرجل و نظراءه و إخوانه:لو سلمنا أن مصادر هذه الروايات الشيعة على رأيكمـو الحال أن هذه الأحاديث جاءت في صحاحكم و مسانيدكم و تلقاها أهل الحديث و التفسير و التاريخ بالقبول كما شاهدت في كلام الرازي فما جرم الشيعة و ما ذنبهم حتى لا يحتج بأحاديثهم؟عجبا لقوم يحتجون بأحاديث الخوارج و لا يقبلون أحاديث من اقتدوا بمولاهم و سيدهم،عديل القرآن،نفس النبي صلى الله عليه و آله و سلم علي بن أبي طالبـعليه صلوات الله ألف ألف مرةـ!

نعم،إن للشيعة ذنبا عظيما و هو ولاؤهم و محبتهم لأهل البيت عليهم السلام الذين قرن‏الله طاعتهم بطاعته،و معصيتهم بمعصيته،الذين هم أساس الدين،و عماد اليقين،الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،الذين من تمسك بهم نجا،و من تخلف عنهم غرق،الذين هم أبواب مدينة علم الرسول،و هم أبواب مدينة الحكمة و مدينة الجنة و مدينة الفقه،و الذين هم السبيل الواضح و الطريق المهيع.

نعم،جرم الشيعة تشيعهم و محبتهم لأهل بيت النبي عليهم السلام حتى جعل القوم التشيع و المحبة لهم عليهم السلام سببا للجرح و القدح في رواتهم،و البغض و النصب لهم سببا للتعديل و التوثيق،فتعسا لهم و قبحا،فأين تذهبون؟و أنى تؤفكون؟و الأعلام قائمة،و المنار منصوبة،و الآيات واضحة،و بينكم عترة نبيكم،هم أزمة الحق،و ألسنة الصدق.

قال ابن حجر العسقلاني في«هدي الساري»و هو مقدمة«فتح الباري» (ص 231) :«فصل في تمييز أسباب الطعن:و التشيع محبة علي و تقديمه على الصحابة،فمن قدمه على أبي بكر و عمر فهو غال في تشيعه و يطلق رافضي و إلا فشيعي».

و قال أيضا في«تهذيب التهذيب» (ج 8:ص 458) :«فأكثر من يوصف بالنصب يكون مشهورا بصدق اللهجة و التمسك بأمر الديانة بخلاف من يوصف بالرفض فإن غالبهم كاذب و لا يتورع في الأخبار .و الأصل فيه:أن الناصبة اعتقدوا أن عليا رضي الله عنه قتل عثمان و كان أعان عليه،فكان له ديانة بزعمهم،و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».

قال العلامة الحضر موتي،السيد محمد بن عقيل،حول كلام العسقلاني:«لا يخفي أن معنى كلامه هذا أن جميع محبي علي عليه السلام المقدمين له على الشيخين روافض،و أن محبيه المقدمين له على من سوى الشيخين شيعة،و كلا الطائفتين مجروح العدالة،و على هذا فجملة كبيرة من الصحابة الكرام كالمقداد و زيد بن أرقم و سلمان و أبي ذر و خباب و جابر و أبي سعيد الخدري و عمار و أبي بن كعب و حذيفة و بريدة و أبي أيوب و سهل بن حنيف و عثمان بن حنيف وأبي الهيثم و خزيمة بن ثابت و قيس بن سعد و أبي الطفيل عامر بن واثلة و العباس بن عبد المطلب و بنيه و بني هاشم و بني المطلب كافة و كثير غيرهم كلهم روافض لتفضيلهم عليا عليه السلام على الشيخين و محبتهم له،و يلحق بهم من التابعين و تابعي التابعين من أكابر الأئمة و صفوة الامة من لا يحصى عددهم و فيهم قرناء القرآن،و جرح هؤلاء و الله قاصمة الظهر (32) ».

و قال أيضا رحمه الله في رد قول العسقلاني (و الاصل فيه أن الناصبة...) :«و أقول:يستفاد من عبارته هذه الاعتذار للناصبيةـعاملهم الله بعدلهـبأن اعتقادهم و تدينهم بما ذكره من بغض من هو نفس النبي صلى الله عليه و آله و سلم مسوغ لهم ذلك.و فساد هذا بديهي لا يشك فيه منصف لأنه لو ساغ أن يكون الاعتذار و التدين بالباطل مما يعذر الله به أحدا لكان اليهود و النصارى واسع العذر في كفرهم و بغضهم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لأنهم اعتقدوا كذبه و تدينوا به تبعا لأحبارهم و رهبانهم،و بديهي بطلان هذا (33) ».

أيها القارى‏ء!أحب أن تسير معي حتى ننظر في تراجم رجال من الموالين لاهل البيت عليهم السلام فإنهمـرضوان الله عليهمـنبذوا و قدحوا لتشيعهم و مقتوا لولايتهم،جزاهم الله عن صاحب الولاية خير الجزاء.

1ـابن عقدة:

قال الذهبي (المتوفى 747) و هو من كبار علماء العامة:«ابن عقدة،حافظ العصر و المحدث البحر أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي مولى بني هاشم،و كان نحويا صالحا يلقب بعقدهـثم قال:ـو كان إليه المنتهى فى قوة الحفظ و كثرة الحديث...و مقت لتشيعة.و عن ابن عقدة،قال:أنا اجيب في‏ثمانمائة ألف حديث من حديث أهل البيت و بني هاشم،و عنه قال:احفظ مائة ألف حديث بأسانيدها.أراد ابن عقدة أن ينتقل و كانت كتبه ستمائة حملة (34) ».

2ـالشيخ المفيد:

قال الخطيب في تاريخه:«محمد بن محمد بن النعمان،ابو عبد الله،المعروف ب«ابن المعلم»شيخ الرافضة،صنف كتبا كثيرة في ضلالاتهم و الذب عن اعتقاداتهم و مقالاتهمـإلى أن قال:ـكان أحد أئمة الضلال،هلك به خلق من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه (35) ».

و قال أيضا:«و بلغني أنه (أي أبو القاسم المعروف ب«ابن النقيب»جلس للتهنئة لما مات ابن المعلم شيخ الرافضة و قال:ما ابالي أي وقت أموت بعد أن شاهدت موت ابن المعلم (36) ».أقول:هذا نمودج منه و سيأتي الكلام فيه.

و من دسائس المعاندين لأهل البيت عليهم السلام التى دسوها لإبطال كل ما ورد في فضل علي عليه السلام أنهم جعلوا آية تشيع الرواي و علامة بدعته و روايته فضائل علي عليه السلام،ثم قرروا ما يرويه المبدع فيه تأييدا لبدعته،فهو مردود و لو كان من الثقات.

و الذي فيه تأييد التشيع عندهم هو ذكر فضل علي عليه السلام،فعلى هذا لا يصح حديث في فضله عليه السلام لأن فيه تأييدا لبدعد الرواي في نظرهم.

فإذا وجدت أحاديث متواترة أو كانت في صحاحهم و لم يجدوا طريقا إلى الطعن فيها يميلون إلى مسلك آخر و هو أن يتأولوها و يصرفوا ألفاظ الأحاديث بما يوافق أهواءهم كما ستعرفه عن قريب إن شاء الله تعالى،و ها نحن نذكر بعضامنها حتى تقف على خبث بواطنهم و عنادهم لآل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لا سيما سيدنا و مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:

1ـقال ابن حجر العسقلاني:«إسماعيل بن عياش،قال:سمعت حريز ابن عثمان يقول:هذا الذي يرويه الناس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال لعلي:«أنت مني بمنزلة هارون من موسى»حق و لكن أخطأ السامع.قلت:فما هو؟قال:«أنت مني بمنزلة هارون من موسى (37) ».

2ـقال الحافظ المحدث،الحسني المغربي (المتوفى سنة 1380) :«كان أبو سعد الأسترآبادي يعظ بدمشق،فقام إليه رجل فقال:أيها الشيخ!ما القول في قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم :«أنا مدينة العلم و علي بابها»؟قال:فأطرق لحظة ثم رفع رأسه و قال:نعم،لا يعرف هذا الحديث على التمام،إلا من كان صدرا في الإسلام،إنما قال صلى الله عليه و آله و سلم:«أنا مدينة العلم،و علي بابها،و أبوبكر أساسها،و عمر حيطانها،و عثمان سقفها»فاستحسنوه (38) ».

بل لم يرض النواصب بهذا حتى أدخلوا فيه:«و معاوية حلقتها»و سلك بعضهم في هذا الحديث مسلكا آخر فقال:ليس المراد به علي بن أبي طالب،بل هو من العلو،كأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال:أنا مدينة العلم و أنا بابها العلي (39) !قال العلامة المذكور (في ص 109) :«و لعمري إنها لدسيسة إبليسية و مكيدة شيطانيه كاد ينسد بها باب الصحيح من فضل العترة النبوية».

أقول:فانظر كيف أنكروا الحديث عند الإنفراد بذكر علي عليه السلام و قبلوه إذا ضم إليه أبو بكر و نظراؤه أليس هذا إلا عنادا لسيد الأولياء و زوجته فاطمة الزهراء عليها السلام .

3ـاخرج الحافظ المحدث،الجويني الخراساني:«أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عمم‏علي بن أبي طالب عليه السلام عمامته السحاب فأرخاها من بين يديه و من خلفه،ثم قال:أقبل،فأقبل،ثم قال:أدبر،فأدبر،قال:هكذا جاءتنى الملائكة (40) ».

و أخرجـأيضاـعن علي بن أبي طالب عليه السلام:«عممني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوم غدير خم بعمامة فسدل طرفها على منكبي و قال:إن الله أيدني يوم بدر و حنين بملائكة معتمين بهذه العمامة (41) ».

و قال الحلبي في سيرته:«كان له عمامة تسمى السحاب فوهبها من علي،فربما طلع علي فيها فيقول صلى الله عليه و آله و سلم،«أتاكم علي في السحاب»يعني عمامته التى و هبها له (42) ».

أقول:هذا هو صحيح ما ينسب إلى الشيعة من قولهم:«جاء علي عليه السلام في السحاب»،لا ما قاله عبد الكريم الشهرستاني في«الملل و النحل»:«و هو الذي (يعنى عليا عليه السلام) بجيى‏ء في السحاب و الرعد صوته و البرق تبسمة (43) ».فانظر كيف أول الحديث افتراء علينا.

فائدة:قال ابن المنظور في«اللسان» (مادة عمم) :«و العرب تقول للرجل إذا سود:قد عمم.و كانوا إذا سو دوا رجلا عمموه.و عمم الرجل:سود،لأن تيجان العرب العمائم،فكلما قيل في العجم:توج،قيل في العرب:عمم».

عود الى بدء

أقول:أما قوله:«فإن كلمة«نساءنا»لا يقولها العربي و يريد بها بنته لا سيما إذا كان له أزواج،و لا يفهم هذا من لغتهم،و أبعد من ذلك أن يراد ب«أنفسنا»عليـرضوان الله عليهـفتلك كلمة واهية لا وزن لها عند أهل التحقيق و الدقة.و إني أتعجب من رجل يعد من المفسرين و له تلاميذ يأخذون منه التفسير و مع ذلك يتكلم بكلام ليس له قدر عند أهل الفن،و المظنون عندي جدا هذا كلام تلميذه سيد رشيد رضا الذي كان نصب الشيعة من خصوصياته.و كأن الرجل لم ير و لم يقرأ هذه الآية:و إن كانوا إخوة رجالا و نساء فللذكر مثل حظ الانثيين،يبين الله لكم أن تضلوا و الله بكل شي‏ء عليم (44) .يعني إذا تكون ورثة الميت إخوة أبناء و بناتا فللأبناء سهمان و للبنت سهم واحد.ففي هذه الآية اطلقت كلمة النساء على البنات بلا خلاف.

و أيضا قوله تعالى:يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين فإن كن نساء فوق اثنتينـالآية (45) .فلما ذا يقول:«إن كلمة«نساءنا»لا يقولها العربي و يريد بها بنته»؟أليس القرآن بلسان عربي مبين؟!نعم،هو يعلم،و لكنه أخلد إلى الأرض و اتبع هواه،فمن لم يجعل الله له نورا فماله من نور.

و أما قوله:«و أبعد من ذلك أن يراد ب«أنفسنا»عليـعليه رضوان اللهـ»فلاحظ كلام الواحدي النيشابوري و هو من أعلام القرن الرابع و من أعاظم علماء العامة،فإنه قال:«قال جابر :فنزلت فيهم (أي في أهل الكساء) هذه الآية:«فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكمـالآية»قال الشعبي:«أبناءنا»الحسن و الحسين،و«نساءنا»فاطمة.و«أنفسنا»علي بن أبي طالب رضي الله عنهم (46) ».

و قال ابن حجر الهيثمي المكي:«عن عبد الرحمن بن عوف قال:لما فتح رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مكة انصرف إلى الطائف فحصرها سبع عشرة ليلة أو تسع عشرة ليلة،ثم قام خطيبا فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:أوصيكم بعترتي خيرا،و إن موعدكم‏الحوض،و الذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة و لتؤتن الزكاة أو لأبعثن إليكم رجلا مني كنفسي،يضرب أعناقكم.ثم أخذ بيد علي بن أبي طالبـرضى الله عنهـثم قال:هو هذا (47) »و قال الحافظ أخطب خوارزم:«عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لوفد ثقيف حين جاؤوه:لتسلمن أو ليبعثن الله رجلا منيـأو قال:مثل نفسيـ (48) ».و قال:«قلت عائشة:من خير الناس بعدك يا رسول الله؟قال:علي بن أبي طالب،هو نفسي و أنا نفسه (49) ».

و قال الحافظ العلامة الكنجي:«...فقالت فاطمة عليه السلام:يا رسول الله ما أراك قلت في علي شيئا!قال صلى الله عليه و آله و سلم:إن عليا نفسي،هل رأيت أحدا يقول في نفسه شيئا؟ (50) »

و قال العلامة المجلسيـرحمه اللهـ:«سئل النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن بعض أصحابه،فذكر فيه،فقال له قائل:فعلي؟فقال صلى الله عليه و آله و سلم:إنما سألتني عن الناس و لم تسألنى عن نفسي (51) ».

و قال أيضا:«قال صلى الله عليه و آله و سلم (عند المباهلة مع نصارى نجران) :اللهم هذا نفسي و هو عندي عدل نفسي،اللهم هذه نسائي أفضل نساء العالمين،و قال:اللهم هذان ولداى و سبطاي،فأنا حرب لمن حاربوا،و سلم لمن سالموا (52) ».

و قالـأيضاـعند ذكر غزوة أحد حين انهزم الناس يوم احد و ما بقي أحد إلا علي عليه السلام و أبو دجانة سماك بن خرشة:«فدعاه النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال:يا أبا دجانة انصرف‏و أنت في حل من بيعتك،فأما علي فهو أنا،و أنا هو.فتحول و جلس بين يدي النبي صلى الله عليه و آله و سلم و بكى و قال:لا،و الله... (53) »و قال أيضا:«قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:يا ابن أبي طالب!إنما أنت عضو من أعضائي،تزول أينما زلت (54) ».

و قال العلامة سبط ابن الجوزي في قضية بني وليعة:«عن أنس،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:لينتهين بنو وليعة،أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي،يمضي فيهم أمري،و يقتل المقاتلة،و يسبي الذرية.قال أبوذر:فما راعني إلا برد كف عمر من خلفي فقال:من تراه يعنى؟قال :فقلت:ما يعنيك،و إنما يعني خاصف النعل علي بن أبي طالب».و بنو وليعة قوم من العرب (55) .

و قال العلامة القندوزي:«قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:علي مني كنفسي،طاعته طاعتي،و معصيته معصيتي (56) ».

و قال الحافظ الكنجي:«قال ابن عباس:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خلق الله قضيبا من أن يخلق الدنيا بأربعين ألف عام،فجعله أمام العرش حتى كان أول مبعثي،فشق منه نصفا،فخلق منه نبيكم،و النصف الآخر علي بن أبي طالب (57) ».

و قال الحافظ محب الدين الطبري:«عن البراء بن عازب قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:علي مني بمنزلة رأسي من جسدي (58) ».

و قال العلامة،السيد الشريف الرضي:«و من سأل عن قوله تعالى:فمن حاجك‏فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكمـالآية،فقال :أما دعاء الأبناء و النساء فالمعنى فيه ظاهر،فما دعاء الأنفس؟و الإنسان لا يصح أن يدعو نفسه كما لا يصح أن يأمر و ينهى نفسه.

فالجواب عن ذلك:أن العلماء أجمعوا و الرواة أطبقوا على أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لما قدم عليه و فد نصارى نجران و فيهم الأسقف (و هو ابو حارثة بن علقمة) و السيد و العاقب،و غيرهم من رؤسائهم،فدار بينهم و بين رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في معنى المسيح عليه السلام ما هو مشروح في كتب التفاسير (و لا حاجة بنا إلى استقصاء شرحه لأنه خارج عن غرضنا في هذا الكتاب) .فلما دعاهم صلى الله عليه و آله و سلم إلى الملاعنة أقعد بين يديه أمير المؤمنين عليا،و من ورائه فاطمة،و عن يمينه الحسن،و عن يساره الحسين عليهم السلام أجمعين،و دعاهم (هو) صلى الله عليه و آله و سلم إلى أن يلاعنوه،فامتنعوا من ذلك خوفا على أنفسهم و إشفاقا من عواقب صدقه و كذبهم.

و كان دعاء الأبناء مصروفا إلى الحسن و الحسين عليهما السلام،و دعاء النساء مصروفا إلى فاطمة عليها السلام،و دعاء الأنفس مصروفا إلى أمير المؤمنين عليه السلام،إذ لا أحد في الجماعة يجوز أن يكون ذلك متوجها إليه غيره،لأن دعاء الإنسان نفسه لا يصح كما لا يصح أن يأمر نفسه،و لأجل ذلك قال الفقهاء:إن الآمر لا يجوز أن يدخل تحت الامر،لأن من حقه أن يكون فوق المأمور في الرتبة و يستحيل أن يكون فوق نفسه.

و مما يوضح ذلك ما رواه الواقدي في كتاب«المغازي»من أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لما أقبل من بدر و معه اسارى المشركين كان سهيل بن عمرو مقرونا إلى ناقة النبي صلى الله عليه و آله و سلم،فلما صار من المدينة على أميال انتشط (اجتذب) نفسه من القرن (الحبل) و هرب.فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم:من وجد سهيل بن عمرو فليقتله،و افترق القوم في طلبه فوجده النبي صلى الله عليه و آله و سلم من بينهم منقبعا إلى جذع شجرة (مستترا في أصل‏الشجرة) فلم يقتله و أعاده إلى الوثاق لأنه لم يصح دخوله تحت أمر نفسه،و لو وجد غيره من أصحابه لوجب عليه أن يقتله لما صح أن يدخل تحت أمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم...

و من شجون (شعبة) هذه المسألة ما حكي عن القاسم بن سهل النوشجاني،قال:«كنت بين يدي المأمون في ايران أبي مسلم بمرو و علي بن موسى الرضا عليه السلام قاعد عن يمينه،فقال لي المأمون :يا قاسم!أي فضائل صاحبك أفضل؟فقلت:ليس شي‏ء منها أفضل من آية المباهلة فإن الله سبحانه جعل نفس رسوله صلى الله عليه و آله و سلم و نفس علي عليه السلام واحدة.فقال لى:إن قال لك خصمك:إن الناس قد عرفوا الأبناء في هذه الآية و النساء و هم الحسن و الحسين و فاطمة،و أما الأنفس فهي نفس رسول الله وحده،بأى شي‏ء تجيبه؟»

قال النوشجاني:«فأظلم علي ما بينه و بيني و أمسكت لا اهتدى بحجة.فقال المأمون للرضا عليه السلام:ما تقول فيها يا أبا الحسن؟فقال له:في هذا شي‏ء لا مذهب عنه.

قال:و ما هو؟قال:هو أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم داع و لذلك قال الله سبحانه :قل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم...ـالآية،و الداعي لا يدعو نفسه إنما يدعو غيره،فلما دعا الأبناء و النساء و لم يصح أن يدعو نفسه لم يصح أن يتوجه دعاء الأنفس إلا إلى علي بن أبي طالب عليه السلام إذ لم يكن بحضرتهـبعد من ذكرناهـغيره ممن يجوز توجه دعاء الانفس إليه،و لو لم يكن ذلك كذلك لبطل معنى الآية».

قال النوشجاني:«فانجلى عن بصري،و أمسك المأمون قليلا ثم قال له:يا أبا الحسن إذا اصيب الصواب انقطع الجواب (59) ».

أقول:هذا آخر كلامنا في البحث عن آية المباهلة فلنعطف إلى البحث عن آية اخرى في أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام.

تعليقات:

(1)آل عمران،3: .61

(2)الطبري:جامع البيان،ج 3:ص 299.و حضور على عليه السلام للمباهلة سقط فى هذا الخبر،تصحيفا أو تحريفا. (م)

(3)السيوطي:الدر المنثور،ج 2:ص .38

(4)الزمخشري:تفسير الكشاف،ج 1:ص .434

(5)المرطـبالكسرـ:كل ثوب غير محيط.

(6)الرازي:التفسير الكبير،ج 8:ص .85

(7)القرطبي:الجامع الأحكام القرآن،ج 4:ص .104

(8)بن الجوزي:تذكرة الخواص،ص .18

(9)البحر المحيط،ج 2:ص .479

(10)ـمنذ احمد،ج 1:ص .185

(11)الكنجي:كفاية الطالب،الباب 32:ص .142

(12)قاضي نور الله التستري:إحقاق الحق/مع تعاليق آية الله السيد المرعشي،ج 3:صص 79ـ .46

(13)ـتفسير أبي السعود،ج 2:ص .47

(14)الطباطبايي:الميزان،ج 3:ص 223 الى .225

(15)ـالمراغي النيسابوري:تفسير المراغي،ج 3:ص .174

(16)الزمخشري:الكشاف،ج 1:ص .434

(17)الشرف الدين:الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء عليها السلام،ص .3

(18)ابن طلحة:مطالب السؤول،ص 7،ط ايران.

(19)ابن حجر:الصواعق المحرقة،ص .157

(20)أوردناه بالنقل بالمعنى.

(21)الرازي:التفسير الكبير،ج 8:ص .86

(22)المظفر،الشيخ محمد حسن:دلائل الصدق،ج 2:ص .86

(23)الشرف الدين:الكلمة الغراء،ص .5

(24)السبيتي:المباهلة،ص 101،ط مكتبة النجاح.

(25)محمد رشيد رضا:المنار،ج 3:ص .322

(26)الرازي:التفسير الكبير،ج 8:ص .84

(27)سعد السعود،ص 91.و الحديث طويل،أخذنا منه مورد الحاجة.

(28)الظاهر كونه كلام سيد رشيد رضا لا الشيخ محمد عبده.

(29)هود،11: .17

(30)الاعراف،7: .43

(31)الاعراف،7: .45

(32)الحضرموتي:العتب الجميل على أهل الجرح و التعديل،ص 32،ط بيروت.

(33)الحضرموتي:العتب الجميل،ص .55

(34)الذهبي:تذكرة الحفاظ،ج 3:ص 58 و .59

(35)الخطيب:تاريخ بغداد،ج 3:ص .231

(36)الخطيب:تاريخ بغداد،ج 10:ص .372

(37)الذهبي:تهذيب التهذيب،ج 2:ص .239

(38)فتح الملك العلى،ص .156

(39)ابن حجر:لسان الميزان،ج 1:ص .422

(40)الحمويني:فرائد المسطين،ج 11:ص 76/الباب .12

(41)الحمويني:فرائد السمطين،ج 11:ص 76/الباب .12

(42)الحلبي:السيرة الحلبية،ج 3:ص .369

(43)الشهرستاني:الملل و النحل،ص 174،ط القاهرة.

(44)النساء،4: .176

(45)النساء،4: .10

(46)الواحدي:أسباب النزول،ص 68،ط ايران.

(47)ابن حجر:الصواعق المحرقة،ص .126

(48)اخطب خوارزم:المناقب،ص .81

(49)اخطب خوارزم:المناقب،ص .90

(50)الكنجي:كفاية الطالب،الباب 71:ص .289

(51)المجلسي:بحار الانوار،ج 38:ص .296

(52)المجلسي:البحار،ج 37:ص .49

(53)المجلسي:بحار،الأنوار،ج 20:ص .107

(54)المجلسي:بحار الأنوار،ج 38:ص .311

(55)ابن الجوزي:تذكرة الخواص،ص .39

(56)القندوزي:ينابيع المودة،ص .55

(57)الكنجي:كفاية الطالب،الباب 87:ص .314

(58)المحب الطبري:ذخائر العقبى،ص .63

(59)حقائق التأويل،ج 5:ص .109

اضغط للأعلى