فضائل الامام(ع) صبره و حلمه عليه السلام‏





امام الفصحاء

قال ابن ابي الحديد:اما الفصاحة فهو عليه السلام امام الفصحاء و سيد البلغاء و عن كلامه قيل:دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوقين و منه تعلم الناس الخطابة و الكتابة قال عبد الحميد بن يحيى حفظت سبعين خطبة من خطب الاصلع فغاضت ثم فاضت و قال ابن نباتة حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الانفاق الا سعة و كثرة حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن ابي طالب و لما قال محفن بن ابي محفن لمعاوية جئتك من عند أعيا الناس قال له ويحك كيف يكون اعيا الناس فو الله ما سن الفصاحة لقريش غيره.و يكفي نهج البلاغة دلالة على انه لا يجارى في الفصاحة و لا يبارى في البلاغة و حسبك انه لم يدون لأحد من فصحاء الصحابة العشر و لا نصف العشر مما دون له و كفاك في هذا ما يقوله ابو عثمن الجاحظ في مدحه في كتاب البيان و التبيين و في غيره من كتبه (ا ه) قال الجاحظ في الكتاب المذكور:قال علي بن ابي طالب :قيمة كل امرئ ما يحسن ثم قال:فلو لم نقف من هذا الكتاب الا على هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية و مجزية مغنية بل لوجدناها فاضلة على الكفاية و غير مقصرة عن الغاية (ا ه) و قال ابن عائشة:ما اعرف كلمة بعد كلام الله و رسوله اخصر لفظا و لا أعم نفعا من قول علي قيمة كل امرئ ما يحسن«ا ه»و في البيان و التبيين قيل لعلي بن ابي طالب رضي الله تعالى عنه:كم بين السماء الى الارض قال دعوة مستجابة فقالوا كم بين المشرق الى المغرب قال مسيرة يوم للشمس و من قال غير هذا فقد كذب و يأتي عن المسعودي انه حفظ الناس عنه اربعمائة و نيف و ثمانون خطبة يوردها على البديهة و قال الشريف الرضي في خطبة نهج البلاغة :كان امير المؤمنين«ع»مشرع الفصاحة و موردها و منشأ البلاغة و مولدها و منه ظهر مكنونها و عنه اخذت قوانينها و على أمثلته حذا كل قائل خطيب و بكلامه استعان كل واعظ بليغ و مع ذلك فقد سبق‏و قصروا و تقدم و تأخروا لان كلامه الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي و فيه عبقة من الكلام النبوي (الى ان قال) ان هذه الفضيلة انفرد ببلوغ غايتها من جميع السلف الاولين الذين انما يؤثر عنهم منها القليل النادر و الشاذ الشارد فاما كلامه عليه السلام فهو البحر الذي لا يساجل و الجم الذي لا يحافل (ا ه) و حسبك بنهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي الذي يعرف نفسه بنفسه و له منه عليه شواهد و الذي تداولته العلماء و الخطباء و البلغاء في كل عصر و زمان و بلغت الشروح عليه عددا وافرا لم يوجد مثله لكتاب و طبع مرات عديدة في بلاد ايران و طبع في الشام و مصر و بيروت و طبع شرح الشيخ ميثم البحراني عليه في ايران و هو قريب من شرح ابن ابي الحديد الذي طبع في ايران مرتين و في مصر.كل ذلك رغم ما يقوله من لا يوافق بعض ما فيه مشربهم تارة انه من كلام الشريف الرضي و تارة انه ادخل فيه ما ليس منه و تارة انه منقطع السند و تارة و تارة الى غير ذلك مما يعتاده امثال ضرائر الحسناء فلم يؤثر عليه ذلك و لو بمقدار شعرة و لم يزدد الا ظهورا و انتشارا و لم يزده تعاقب السنين و تطاول الدهور الا اعظاما و اكبارا و ما هو الا الذهب الا بريز يزداد حسنا بقدمه و يغلو ثمنه كلما تطاول به الامد.و جمع الشيخ عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد الآمدي التميمي كتابا من حكمه عليه السلام القصيرة يقارب نهج البلاغة سماه غرر الحكم و درر الكلم و رتبه على حروف المعجم طبع في الهند و مصر و صيدا قال ان الذي دعاه الى جمعه ما تبجح به ابو عثمن الجاحظ من المائة الكلمة التي جمعها عن امير المؤمنين عليه السلام فقلت يا لله العجب من هذا الرجل و هو علامة زمانه مع تقدمه في العلم و قربه من الصدر الاول كيف رضي عن الكثير باليسير و هل ذلك الا بعض من كل و قل من جل و طل من وبل (الى ان قال) جمعت يسيرا من قصير حكمه يخرس البلغاء عن مساجلته و ما انا في ذلك علم الله لا كالمغترف من البحر بكفه كيف لا و هو عليه السلام الشارب من الينبوع النبوي و الحاوي بين جنبيه العلم اللاهوتي اذ يقول صلى الله عليه و قوله الحق و كلامه الصدق على ما أدته الينا أئمة النقل:ان بين جنبي لعلما لو اصبت له حملة (ا ه) .و مما جمع من كلامه عليه السلام كتاب دستور معالم الحكم جمع القاضي القضاعي طبع في مصر و جمع الشيخ ابو علي الطبرسي صاحب مجمع البيان كتابا من حكمه«ع»القصيرة مرتبا على حروف المعجم سماه نثر اللآلئ ذكرناه في ضمن الجزء الاول من معادن الجواهر المطبوع .و جمع الشيخ المفيد من كلامه و خطبه«ع»قدرا وافيا في كتاب الارشاد و احتوى كتاب صفين‏لنصر بن مزاحم جل خطبه التي خطبها في تلك الحرب او كلها و كتبه الى معوية و غيره.و جمع ابو اسحق الوطواط الانصاري المتوفى سنة 578 كتابا من كلامه عليه السلام سماه مطلوب كل طالب من كلام علي بن ابي طالب جمع فيه مائة من الحكم المنسوبة اليه طبع في ليبسك و بولاق و ترجم الى الفارسية و الالمانية.و ذكره صاحب كشف الظنون.و جمع القاضي الامام ابو يوسف يعقوب بن سليمان الاسفرائني كتابا من كلامه«ع»سماه قلائد الحكم و فرائد الكلم ذكره صاحب كشف الظنون و ألف بعضهم كتابا فارسيا أسماه معميات علي عليه السلام مذكور في كشف الظنون و كأن المراد بها الامور الغامضة في كلام عليه السلام و في فهرست دار الكتب المصرية ج 3 ص 24 أمثال الامام علي بن ابي طالب مرتبة على حروف المعجم طبع الجوائب.

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 53

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


فصاحته و بلاغته

و اذا نظرنا الى فصاحته و بلاغته وجدناه امام الفصحاء و سيد البلغاء،و حسبك ان يقال في كلامه انه بعد كلام الرسول«ص»فوق كلام المخلوق و دون كلام الخالق.و قول عدوه معاوية :و الله ما سن الفصاحة لقريش غيره.و انه لم يدون لأحد من الصحابة العشر و لا نصف العشر مما دون له.و يقبح بنا ان نقيم شيئا من الأدلة و الشواهد على ذلك فانه كاقامة الدليل على الشمس الضاحية

و ليس يصح في الاذهان شي‏ء 
متى احتاج النهار الى دليل

و لا أدل على ذلك مما أثر عنه و جمع من كلامه كنهج البلاغة و غيره و سنتكلم على نهج البلاغة مستقلا.

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 27

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


فصاحته و بلاغته

و كان شديدا، قاصفا، مزمجرا، كالرعد في ليالي الويل!

و الينبوع هو الينبوع لا حساب في جريه لليل أو نهار!

من تتبع سير العظماء الحقيقيين في التاريخ لا فرق بين شرقي منهم أو غربي،و لا قديم و محدث،أدرك ظاهرة لا تخفى و هي أنهم،على اختلاف ميادينهم الفكرية و على تباين مذاهبهم في موضوعات النشاط الذهني،أدباء موهوبون على تفاوت في القوة و الضعف.

فهم بين منتج خلاق،و متذوق قريب التذوق من الإنتاج و الخلق.حتى لكأن الحس‏الأدبي،بواسع دنيواته و معانيه و أشكاله،يلزم كل موهبة خارقة في كل لون من ألوان‏النشاط العظيم!

فنظرة واحدة الى الأنبياء،مثلا،تكفي لتقرير هذه الظاهرة في الأذهان.فماداود و سليمان و أشعيا و أرميا و أيوب و المسيح و محمد إلا أدباء أوتوا من الموهبة الأدبيةما أوتوا من سائر المواهب الخاصة بهم.و هذا نابوليون القائد،و أفلاطون الفيلسوف،و باسكال الرياضي،و باستور العالم الطبيعي،و الخيام الحسابي،و نهرو رجل الدولة،و ديغول السياسي،و ابن خلدون المؤرخ،إنهم جميعهم أدباء لهم في الأدب ما يجعلهم في‏مصاف ذوي الشأن من أهله.فلكل منهم لون من ألوان النشاط الفكري حدده الطبع‏و الموهبة،ثم رعت النزعة الجمالية ما دخل منه في نطاق التعبير،فإذا هو من الأدب الخالص.

هذه الحقيقة تتركز جلية واضحة في شخصية علي بن أبي طالب،فإذا هو الإمام في الأدب،كما هو الإمام في ما أثبت من حقوق و في ما علم و هدى،و آيته في ذلك«نهج البلاغة»الذي‏يقوم في أسس البلاغة العرب في ما يلي القرآن من أسس،و تتصل به أساليب العرب في نحوثلاثة عشر قرنا فتبني على بنائه و تقتبس منه و يحيا جيدها في نطاق من بيانه الساحر.

أما البيان فقد وصل علي سابقه بلاحقه،فضم روائع البيان الجاهلي الصافي المتحدبالفطرة السليمة اتحادا مباشرا،الى البيان الإسلامي الصافي المهذب المتحد بالفطرة السليمةو المنطق القوي اتحادا لا يجوز فيه فصل العناصر بعضها عن بعض.فكان له من بلاغةالجاهلية،و من سحر البيان النبوي،ما حدا بعضهم إلى أن يقول في كلامه إنه«دون‏كلام الخالق و فوق كلام المخلوق» .

و لا عجب في ذلك،فقد تهيأت لعلي جميع الوسائل التي تعده لهذا المكان بين أهل‏البلاغة .فقد نشأ في المحيط الذي تسلم فيه الفطرة و تصفو،ثم إنه عايش أحكم الناس‏محمد بن عبد الله،و تلقى من النبي رسالته بكل ما فيها من حرارة و قوة.أضف الى ذلك‏استعداداته الهائلة و مواهبه العظيمة،فإذا بأسباب التفوق تجتمع لديه من الفطرة و من البيئةجميعا!

أما الذكاء،الذكاء المفرط،فتلقى له في كل عبارة من«نهج البلاغة»عملا عظيما.

و هو ذكاء حي،قادر،واسع،عميق،لا تفوته أغوار.إذا هو عمل في موضوع أحاطبه بعدا فما يفلت منه جانب و لا يظلم منه كثير أو قليل،و غاص عليه عمقا،و قلبه‏تقليبا،و عركه عركا،و أدرك منه أخفى الأسباب و أمعنها في الاختفاء كما أدرك أصدق‏النتائج المترتبة على تلك الأسباب :ما قرب منها أشد القرب،و ما بعد أقصى البعد.

و من شروط الذكاء العلوي النادر هذا التسلسل المنطقي الذي تراه في النهج أني اتجهت.

و هذا التماسك بين الفكرة و الفكرة حتى تكون كل منها نتيجة طبيعية لما قبلها و علة لمابعدها .ثم إن هذه الأفكار لا تجد فيها ما يستغنى عنه في الموضوع الذي يبحث فيه.بل‏إنك لا تجد فيها ما يستقيم البحث بدونه.و هو،لاتساع مداه،لا يستخدم لفظا إلا و في‏هذا اللفظ ما يدعوك لأن تتأمل و تمعن في التأمل،و لا عبارة إلا و تفتح أمام النظر آفاقاوراءها آفاق .

فعن أي رحب وسيع من مسالك التأمل و النظر يكشف لك قوله:«الناس أعداءما جهلوا»أو قوله :«قيمة كل امرى‏ء ما يحسنه».أو«الفجور دار حصن ذليل!».و أي إيجاز معجز هو هذا الايجاز :«من تخفف لحق!»و أي جليل من المعنى في العبارات‏الأربع و ما تحويه من ألفاظ قلائل فصلت تفصيلا،بل قل أنزلت تنزيلا!

ثم عن أي حدة في الذكاء و استيعاب للموضوع و عمق في الإدراك،يشف هذا الكشف‏العجيب عن طبع الحاسد و صفة نفسه و حقيقة حاله:«ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من‏الحاسد:نفس دائم و قلب هائم و حزن لازم.مغتاظ على من لا ذنب له،بخيل بما لايملك!»و يستمر تولد الأفكار في«نهج البلاغة»من الأفكار،فإذا أنت منها أمام حشد لا ينتهي.

و هي مع ذلك لا تتراكم،بل تتساوق و يترتب بعضها على بعض.و لا فرق في ذلك بين مايكتبه علي و ما يلقيه ارتجالا.فالينبوع هو الينبوع و لا حساب في جريه لليل أو نهار.

ففي خطبه المرتجلة معجزات من الأفكار المضبوطة بضابط العقل الحكيم و المنطق القويم.

و إنك لتدهش،أمام هذا المقدار من الإحكام و الضبط العظيمين،حين تعلم أن عليا لم يكن‏ليعد خطبه و لو قبيل إلقائها بدقائق أو لحظات.

فهي جائشة في ذهنه منطلقة على لسانه عفو الخاطر لا عنت و لا إجهاد،كالبرق إذ يلمع‏و لا خبر يأخذه أو يعطيه قبل وميضه.و كالصاعقة إذ تزمجز و لا تهي‏ء نفسها لصعق أو زمجرة .

و كالريح إذ تهب فتلوي و تميل و تكسح و تنصب على غاية ثم إلى مداورها تعود و لا يدفعهاإلى أن تروح و تجي‏ء إلا قانون الحادثة و منطق المناسبة في حدودها القائمة،لا قبل و لا بعد !

و من مظاهر الذكاء الضابط القوي في نهج البلاغة تلك الحدود التي كان علي يضبط بهابها عواطف الحزن العميق إذ تهيج في نفسه و تعصف.فإن عاطفته الشديدة ما تكاد تغرقه في‏محيط من الأحزان و الكآبات البعيدة،حتى يبرز سلطان العقل في جلاء و مضاء،فإذا هوآمر مطاع .

و من ذكاء علي المفرط الشامل في نهجه كذلك أنه نوع البحث و الوصف فأحكم في كل‏موضوع و لم يقصر جهده الفكري على واحد من الموضوعات أو سبل البحث.فهو يتحدث‏بمنطق الحكيم الخبير عن أحوال الدنيا و شؤون الناس،و طبائع الافراد و الجماعات.و هويصف البرق و الرعد و الأرض و السماء.و يسهب في القول في مظاهر الطبيعة الحية فيصف‏خفايا الخلق في الخفاش و النملة و الطاووس و الجرادة و ما إليها.و يضع للمجتمع دساتيرو للأخلاق قوانين.و يبدع في التحدث عن خلق الكون و روائع الوجود.و إنك لا تجد في‏الأدب العربي كله هذا المقدار الذي تجده في نهج البلاغة من روائع الفكر السليم و المنطق‏المحكم،في مثل هذا الأسلوب النادر.

أما الخيال في نهج البلاغة فمديد وسيع،خفاق الجوانح في كل أفق.و بفضل هذاالخيال القوي الذي حرم منه كثير من حكماء العصور و مفكري الأمم،كان علي يأخذمن ذكائه و تجاربه المعاني الموضوعية الخالصة،ثم يطلقها زاهية متحركة في إطار تثبت‏على جنباته ألوان الجمال على أروع ما يكون اللون.فالمعنى مهما كان عقليا جافا،لا يمرفي مخيلة علي إلا و تنبت له أجنحة تقضي فيه على صفة الجمود و تمده بالحركة و الحياة.

فخيال علي نموذج للخيال العبقري الذي يقوم على أساس من الواقع،فيحيط بهذا الواقع‏و يبرزه و يجليه،و يجعل له امتدادات من معدنه و طبيعته،و يصبغه بألوان كثيرة من مادته‏و لونه،فإذا الحقيقة تزداد وضوحا،و إذا بطالبها يقع عليها أو تقع عليه!

و قد تميز علي بقوة ملاحظة نادرة،ثم بذاكرة واعية تخزن و تتسع.و قد مر من أطوارحياته بعواطف جرها عليه حقد الحاقدين و مكر الماكرين،و مر منها كذلك بعواطف كريمةأحاطه بها وفاء الطيبين و إخلاص المخلصين.فتيسرت له من ذلك جميعا عناصر قوية تغذي‏خياله المبدع .فإذا بها تتعاون في خدمة هذا الخيال و تتساوق في لوحات رائعة حية،شديدةالروعة و الحيوية،تتركز على واقعية صافية تمتد لها فروع و أغصان،ذات أوراق و أثمار!

و من ثم يمكنك،إذا أنت شئت،أن تحول عناصر الخيال القوي في نهج البلاغة الى‏رسوم مخطوطة باللون،لشدة واقعيتها و اتساع مجالها و امتداد أجنحتها و بروز خطوطها.أ لاما أروع خيال الإمام إذ يخاطب أهل البصرة و كان بنفسه ألم منهم بعد موقعة الجمل،قائلا:

«لتغرقن بلدتكم حتى كأنني أنظر الى مسجدها كجؤجؤ طير في لجة بحر (1) !»أو في مثل هذا التشبيه الساحر:«فتن كقطع الليل المظلم».

أو هذه الصورة المتحركة:«و إنما أنا كقطب الرحى:تدور علي و أنا بمكاني!»أو هذه اللوحة ذات الجلال التي يشبه فيها امتدادات بيوت أهل البصرة بخراطيم الفيلة،و تبدو له شرفاتهن كأنها أجنحة النسور:«ويل لسكككم العامرة،و الدور المزخرفة التي‏لها أجنحة كأجنحة النسور و خراطيم كخراطيم الفيلة!»

و من مزايا الخيال الرحب قوة التمثيل.و التمثيل في أدب الإمام وجه ساطع بالحياة.و إن‏شئت مثلا على ذلك فانظر في حال صاحب السلطان الذي يغبطه الناس و يتمنون ما هو فيه من‏حال،و لكنه أعلم بموضعه من الخوف و الحذر،فهو و إن أخاف بمركوبه إلا أنه يخشى‏أن يغتاله.ثم انظر بعد ذلك الى علي كيف يمثل هذا المعنى يقول:«صاحب السلطان‏كراكب الأسد:يغبط بموقعه،و هو أعلم بموضعه.»

و إن شئت مثلا آخر فاستمع اليه يمثل حالة رجل رآه يسعى على عدو له بما فيه إضراربنفسه،فيقول :«إنما أنت كالطاعن نفسه ليقتل ردفه!»و الردف هو الراكب خلف‏الراكب.ثم إليك هذا النهج الرائع في تمثيل صاحب الكذب:«إياك و مصادقة الكذاب‏فإنه كالسراب:يقرب عليك البعيد و يبعد عنك القريب!»

أما النظرية الفنية القائلة بأن كل قبيح في الطبيعة يصبح جميلا في الفن،فهي إن صحت‏فإنما الدليل عليها قائم في كلام ابن أبي طالب في وصف من فارقوا الدنيا.فما أهول الموت‏و ما أبشع وجهه.و ما أروع كلام ابن أبي طالب فيه و ما أجمل وقعه.فهو قول آخذمن العاطفة العميقة نصيبا كثيرا،و من الخيال الخصب نصيبا أوفر.فإذا هو لوحة من لوحات‏الفن العظيم لا تدانيها إلا لوحات عباقرة الفنون في أوروبا ساعة صوروا الموت و هوله‏لونا و نغما و شعرا.

فبعد أن يذكر علي الأحياء بالموت و يقيم العلاقة بينهم و بينه،يوقظهم على أنهم دانون‏من منزل الوحشة بقول فيه من الغربة القاسية لون قائم و نغم حزين:«فكأن كل امرى‏ءمنكم قد بلغ من الأرض منزل وحدته،فيا له من بيت وحدة،و منزل وحشة،و مفردغربة!»ثم يهزهم بما هم مسرعون إليه و لا يدرون،بعبارات متقطعة متلاحقة و كأن فيهادوي طبول تنذر تقول«ما أسرع الساعات في اليوم،و أسرع الأيام في الشهر،و أسرع‏الشهور في السنة،و أسرع السنين في العمر !»بعد ذلك يطلق في أذهانهم هذه الصورةالرائعة التي يأمر بها العقل،و تشعلها العاطفة،و يجسم الخيال الوثاب عناصرها ثم يعطيهاهذه الحركات المتتابعة و هي بين عيون تدمع و أصوات تنوح و جوارح تئن،قائلا:

«و إنما الأيام بينكم و بينهم بواك و نوائح عليكم».ثم يعود فيطلق لعاطفته و خياله‏العنان فإذا بهما يبدعان هذه اللوحة الخالدة من لوحات الشعر الحي:

«و لكنهم سقوا كأسا بدلتهم بالنطق خرسا،و بالسمع صمما،و بالحركات سكونا.

فكأنهم في ارتجال الصفة صرعى سبات (2) !.

جيران لا يتآنسون،و أحباء لا يتزاورون،بليت بينهم عرى التعارف،و انقطعت منهم أسباب الإخاء .فكلهم وحيد و هم‏جميع،و بجانب الهجر و هم أخلاء،لا يتعارفون لليل صباحا،و لا لنهار مساء .أي‏الجديدين (3) ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا (4) ».

ثم يقول هذا القول الرهيب:«لا يعرفون من أتاهم،و لا يحفلون من بكاهم،و لا يجيبون‏من دعاهم!»

فهل رأيت الى هذا الإبداع في تصوير هول الموت و وحشة القبر و صفة سكانه في‏قوله:«جيران لا يتآنسون و أحباء لا يتزاورون!»ثم هل فطنت إلى هذه الصورة الرهيبةلأبدية الموت التي لا ترسمها إلا عبقرية علي:«أي الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا!»

و مثل هذه الروائع في«النهج»كثير.

هذا الذكاء الخارق و هذا الخيال الخصب في أدب الإمام يتحدان اتحاد الطبيعة بالطبيعة،مع العاطفة الهادرة التي تمدهما بوهج الحياة.فإذا الفكرة تتحرك و تجري في عروقها الدماءسخية حارة.و إذا بها تخاطب فيك الشعور بمقدار ما تخاطب العقل لانطلاقها من عقل‏تمده العاطفة بالدف‏ء.و قد يصعب على المرء أن يعجب بأثر من آثار الفكر أو الخيال في‏ميادين الأدب و سائر الفنون الرفيعة،إن لم تكن للعاطفة مشاركة فعالة في إنتاج هذاالأثر.ذلك ان المركب الإنساني لا يرضيه،طبيعيا،إلا ما كان نتاجا لهذا المركب‏كله.و هذا الأثر الأدبي الكامل،هو ما نراه في نهج البلاغة.و إنك لتحس نفسك مندفعافي تيار جارف من حرارة العاطفة و انت تسير في نهج البلاغة من مكان إلى آخر.

أ فلا يشيع في قلبك الحنان و العطف شيوعا و أنت تصغي إلى علي يقول:«لو أحبني جبل‏لتهافت»أو«فقد الأحبة غربة!»أو«اللهم إني أستعديك على قريش،فإنهم قد قطعوارحمي و أكفأوا إنائي،و قالوا :«أ لا إن في الحق أن تأخذه و في الحق أن تمنعه،فاصبرمغموما أو مت متأسفا!فنظرت فإذا ليس لي رافد و لا ذاب و لا مساعد إلا أهل بيتي!»و اليك كلاما له عند دفن السيدة فاطمة،يخاطب به ابن عمه الرسول:

«السلام عليك يا رسول الله عني و عن ابنتك النازلة في جوارك،و السريعة اللحاق بك!

قل،يا رسول الله،عن صفيتك صبري،و رق عنها تجلدي،إلا أن لي في التأسي‏بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك موضع تعز!»و منه«أما حزني فسرمد،و أما ليلي‏فمسهد،إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم!»ثم إليك هذا الخبر:

روى أحدهم عن نوف البكالي بصدد إحدى خطب الإمام علي قال:

خطبنا هذه الخطبة بالكوفة أمير المؤمنين عليه السلام،و هو قائم على حجارةنصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي،و عليه مدرعة من صوف،و حمائل سيفه ليف،و في‏رجليه نعلان من ليف،فقال عليه السلام،في جملة ما قال:

«ألا إنه أدبر من الدنيا ما كان مقبلا،و أقبل منها ما كان مدبرا.و أزمع الترحال عبادالله الأخيار،و باعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بكثير من الآخرة لا يفنى!ما ضر إخوانناالذين سفكت دماؤهم و هم بصفين أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص،و يشربون‏الرنق؟!قد،و الله،لقوا الله فوفاهم أجورهم و أحلهم دار الأمن بعد خوفهم!أين‏إخواني الذين ركبوا الطريق و مضوا على الحق؟أين عمار؟و أين ابن التيهان؟و أين ذوالشهادتين؟و أين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على النية؟»قال:ثم ضرب بيده على لحيته الشريفة فأطال البكاء!

و أخبر ضرار بن حمزة الضابى‏ء قال:فأشهد لقد رأيتهـيقصد الإمامـفي بعض‏مواقفه،و قد أرخى الليل سدوله و هو قائم في ظلامه قابض على لحيته يتململ و يبكي بكاءالحزين و يقول:«يا دنيا يا دنيا،اليك عني!أ بي تعرضت؟أم إلي تشوقت؟لا حان‏حينك،هيهات!غري غيري،لا حاجة لي فيك،قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها!

فعيشك قصير،و خطرك يسير،و أملك حقير!آه من قلة الزاد و طول الطريق و بعدالسفر و عظيم المورد!»

هذه العاطفة الحارة التي عرفها الإمام في حياته،تواكبه أني اتجه في نهج البلاغة،و حيث سار.تواكبه في ما يحمل على الغضب و السخط،كما تواكبه في ما يثير العطف و الرضا.

حتى إذا رأى تخاذل أنصاره عن مساندة الحق فيما يناصر الآخرون الباطل و يحيطونه‏بالسلاح و بالأرواح،تألم و شكا،و وبخ و أنب،و كان شديدا قاصفا،مزمجرا،كالرعد في ليالي الويل !و يكفيك أن تقرأ خطبة الجهاد التي تبدأ بقوله:«أيها الناس المجتمعةأبدانهم،المختلفة أهواؤهم،كلامكم يوهي الصم الصلاب الخ»،لتدرك أية عاطفةمتوجعة ثائرة هي تلك التي تمد هذه الخطبة بنبض الحياة و جيشانها!

و إنه لمن المعيي أن نسوق الأمثلة على تدفق العاطفة الحية التي تبث الدف‏ء في مآثر الإمام .

فهي في أعماله،و في خطبه و أقواله،مقياس من المقاييس الأسس.و ما عليك إلاأن تفتح هذا الكتاب،كي تقف على ألوان من عاطفة ابن أبي طالب،ذات القوة الدافقة و العمق العميق!

تعليقات:

(1) الجؤجؤ:الصدر.

(2) ارتجال الصفة:وصف الحال بلا تأمل،فالواصف لهم بأول النظر يظنهم صرعى‏من السبات،أي النوم.

(3) الجديدان:الليل و النهار.

(4) سرمد:أبدي.

الامام علي روائع نهج البلاغة ص 9

جورج جرداق


طلاقة الوجه

حسن الخلق و طلاقة الوجه قال ابن ابي الحديد:و اما سجاحة الاخلاق و بشر الوجه و طلاقة المحيا و التبسم فهو المضروب به المثل فيه حتى عابه بذلك اعداؤه و قال عمرو بن العاص لاهل الشام انه ذو دعابة شديدة و قال علي عليه السلام في ذلك عجبا لابن النابغة يزعم لاهل الشام ان في دعابة و اني امرؤ تلعابة اعافس و امارس.و عمرو ابن العاص انما اخذها عن عمر بن الخطاب لقوله لما عزم على استخلافه لله ابوك لولا دعابة فيك الا ان عمر اقتصر عليها و عمرو زاد فيها و سمجها و قال صعصعة بن صوحان و غيره من شيعته و اصحابه:كان فينا كأحدنا لين جانب و شدة تواضع و سهولة قياد و كنا نهابه مهابة الاسير المربوط للسياف الواقف على رأسه.و قال معوية لقيس بن سعد:رحم الله ابا حسن فلقد كان هشا بشا ذا فكاهة قال قيس نعم كان رسول الله«ص»يمزح و يبسم الى اصحابه أراك تسرحوا في ارتغاء و تعيبه بذلك أما و الله لقد كان مع تلك الفكاهة و الطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى تلك هيبة التقوى ليس كما يهابك طغام اهل الشام.قال و قد بقي هذا الخلق متوارثا متناقلا في محبيه و اوليائه الى الآن كما بقي الجفاء و الخشونة و الوعورة في الجانب الآخر و من له أدنى معرفة بأخلاق الناس و عوائدهم يعرف ذلك.

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 76

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


معرفته عليه السلام لمفاهيم القرآن و أسباب النزول




علم الكتاب   
معرفته عليه السلام لمفاهيم القرآن و أسباب النزول   







معرفته لمفاهيم القرآن و اسباب النزول

1ـما نزلت آية من كتاب الله إلا و قد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه و آله

عن جعفر بن محمد،عن ابيه،عن آبائه عليهم السلام،عن علي عليه السلام قال:

«سلوني عن كتاب الله عز و جل،فو الله ما نزلت آية من كتاب الله في ليل و لا نهار،و لا مسير و لا مقام،إلا و قد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه و آله،و علمني تأويلها».

فقام اليه ابن الكواء فقال:يا أمير المؤمنين،فما كان ينزل عليه و أنت غائب عنه؟

قال‏[علي عليه السلام‏]:

«كان رسول الله صلى الله عليه و آله ما كان ينزل عليه من القرآن و أنا غائب عنه حتى أقدم عليه،فيقرأنيه و يقول لي:يا علي،أنزل الله علي بعدك كذا و كذا،و تأويله كذا و كذا،فيعلمني تنزيله و تأويله».

الاحتجاج للطبرسي ج 1 ص 617 الرقم 140،كتاب سليم بن قيس ص 175،الامالي للطوسي ج 2 ص 136،شواهد التنزيل ج 1 ص 30 الرقم 30،بحار الانوار ج 40 ص 186 الرقم 72 و ج 89 ص .78

ـ179ـ

2ـأعلمه الله إياه فعلمنيه رسول الله صلى الله عليه و آله.

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«...و إن القرآن لم يدع لقائل مقالا و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم (آل عمران/7) ليس بواحد،رسول الله صلى الله عليه و آله منهم،أعلمه الله اياه فعلمنيه رسول الله صلى الله عليه و آله،ثم لا تزال في عقبنا الى يوم القيامة».

ثم قرأ أمير المؤمنين عليه السلام:

بقية مما ترك آل موسى و آل هارون (البقرة/248) و أنا من رسول الله صلى الله عليه و آله بمنزلة هارون من موسى،و العلم في عقبنا الى أن تقوم الساعة».

تفسير فرات ص 68 الرقم 38،بحار الانوار ج 24 ص 179 الرقم .11

ـ180ـ

3ـعلمني تأويلها و تفسيرها و محكمها و متشابهها.

و من كلام له عليه السلام في علمه بتأويل القرآن و تفسيره.

عن سليم بن قيس،عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:

«كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه و آله أجابني،و إن فنيت مسائلي ابتدأني،فما نزلت عليه آية في ليل و لا نهار،و لا سماء و لا أرض،و لا دنيا و لا آخرة،و لا جنة و لا نار،و لا سهل و لا جبل،و لا ضياء و لا ظلمة،إلا أقرأنيها و أملاها علي،و كتبتها بيدي،و علمني تأويلها و تفسيرها،و محكمها و متشابهها،و خاصها و عامها،و كيف نزلت،و أين نزلت،و فيمن انزلت الى يوم القيامة،دعا الله لي أن يعطيني فهما و حفظا،فما نسيت آية من كتاب الله و لا على ما انزلت إلا أملاه علي».

بصائر الدرجات الجزء 4 الباب 8 الرقم 3،تفسير العياشي ج 1 ص 14،تفسير البرهان ج 1 ص 16،بحار الانوار ج 40 ص 139 الرقم .33

تكملة انه (ع) تعلم القرآن من النبي (ص)

166ـ«فما نزلت على رسول الله صلى الله عليه و آله آية من القرآن إلا أقرأنيها (ع) و أملاها علي،فكتبتها بخطي،و علمني تأويلها و تفسيرها،و ناسخها و منسوخها،و محكمها و متشابهما،و خاصها و عامها،و دعا الله أن يعطيني فهمها و حفظها،فما نسيت آية من كتاب الله،و لا علما أملاه علي و كتبته منذ دعا الله لي بما دعا...».

168ـ«ما نزلت عليه آية إلا قرأتها و علمت تفسيرها و تأويلها،و دعا الله لي أن لا أنسى شيئا علمني اياه فما نسيته...».

188ـقال‏[رسول الله صلى الله عليه و آله‏]لأصحابه:«إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله و أشار الي».

حياة اميرالمؤمنين عن لسانه ص 220

الشيخ محمد محمديان


علم الكتاب

ان عنده علم القرآن و التوراة و الانجيل.قد مر في الامر الخامس عشر قوله سلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية الا و انا اعلم ا بليل نزلت ام بنهار ام في سهل ام في جبل.و في حلية الاولياء بسنده عن علي عليه السلام قال و الله ما انزلت آية الا و قد علمت فيم انزلت ان ربي و هب لي قلبا عقولا و لسانا سؤولا.

قال ابن ابي الحديد:و روى المدائني قال خطب علي عليه السلام فقال لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين اهل التوراة بتوراتهم و بين اهل الانجيل بانجيلهم و بين اهل الفرقان بفرقانهم و ما من آية في كتاب الله انزلت في سهل او جبل الا و انا عالم متى انزلت و فيمن انزلت .قال و روى صاحب كتاب الغارات عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث قال:سمعت عليا يقول على المنبر ما احد جرت عليه المواسي الا و قد انزل الله فيه قرآنا فقام اليه رجل فقال يا امير المؤمنين فما انزل الله تعالى فيك (يريد تكذيبه) فقام الناس اليه يلكزونه فقال دعوه ا قرأت سورة هود قال نعم قال قرأت قوله سبحانه (أ فمن كان على بينة من ربه و يتلوه شاهد (منه) قال نعم قال صاحب البينة محمد و التالي الشاهد انا.

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 65

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


حديث الكساء و آية التطهير

في اسد الغابة بسنده عن ام سلمة ان النبي«ص»جلل عليا و فاطمة و الحسن و الحسين كساء ثم قال اللهم هؤلاء اهل بيتي و حامتي اللهم اذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا قالت ام سلمة قلت يا رسول الله انا منهم قال انك الى خير.

و في الاستيعاب:لما نزلت (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا) دعا رسول الله«ص»فاطمة و عليا و حسنا و حسينا في بيت ام سلمة و قال اللهم هؤلاء اهل بيتي فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.و روى الواحدي في اسباب النزول بسنده عن ابي سعيد انها نزلت في خمسة النبي«ص»و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام.

(و بسنده) عن ام سلمة ان النبي«ص»كان في بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة فدخلت بها عليه فقال لها ادعي لي زوجك و ابنيك قالت فجاء علي و حسن و حسين فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة و هو على منامة و كان تحته كساء خيبري قالت و انا في الحجرة أصلي فأنزل الله تعالى هذه الآية انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت‏و يطهركم تطهيرا قالت فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ثم أخرج يديه فألوى بهما الى السماء ثم قال اللهم هؤلاء اهل بيتي و خاصتي فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا قالت فأدخلت رأسي البيت و قلت انا معكم يا رسول الله قال انك الى خير انك الى خير.و روى الحاكم و في المستدرك بسنده عن ام سلمة انها قالت في بيتي نزلت هذه الآية انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت قالت فأرسل رسول الله«ص»الى علي و فاطمة و الحسن و الحسين فقال اللهم هؤلاء اهل بيتي قالت ام سلمة يا رسول الله ما انا من اهل البيت قال انك الى خير و هؤلاء اهل بيتي اللهم اهلي أحق قال هذا حديث صحيح على شرط البخاري و لم يخرجاه و قال الذهبي في تلخيص المستدرك (قلت) سمعه الوليد بن مزيد من الاوزاعي«اه» (و روى الحاكم في المستدرك) بسنده عن واثلة بن الاسقع قال جئت اريد عليا فلم أجده فقالت فاطمة انطلق الى رسول الله«ص»يدعوه فاجلس فجاء مع رسول الله«ص»فدخل و دخلت معهما فدعا رسول الله«ص»يدعوه فاجلس فجاء مع رسول الله«ص»فدخل و دخلت معهما فدعا رسول الله«ص»حسنا و حسينا فأجلس كل واحد منهما على فخذه و أدنى فاطمة من حجره و زوجها ثم لف عليهم ثوبه و انا شاهد فقال انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا اللهم هؤلاء اهل بيتي.هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه«اه» .و قوله«ص»في هذه الاخبار هؤلاء اهل بيتي ينفي احتمال ان يراد بأهل البيت نساء النبي«ص»كما يوهمه السياق فانه بمنزلة التفسير له لا سيما مع تذكير الضمير المانع من ارادتهن به و ان كان الذي قبل الآية و بعدها واردا فيهن لان مراعاة السوق في القرآن الكريم غير لازمة و كون ترتيبه على ترتيب نزوله غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم و في قول ام سلمة انا منهم و قول النبي«ص»جبرا لقلبها انك الى خير تصريح ببطلان هذا الاحتمال و بذلك يظهر بطلان ما رواه الواحدي في اسباب النزول بعد روايته انها نزلت في الاربعةـعن ابن عباس و عن عكرمة انها نزلت في نساء النبي صلى الله عليه و آله و سلم فان ذلك ان صح عنهما فهو اجتهاد في مقابل النص و لو صح عن عكرمة الذي كان يميل الى رأي الخوارج لا يكاد يصح عن ابن عباس و لا يراد بمثل ذلك الا معارضة كل ما ورد في فضل اهل البيت و لو بالامور الواهية و مر لهذا زيادة ايضاح في سيرة الزهراء عليها السلام في الجزء الثاني.

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 85

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


خلافته للرسول صلى الله عليه و آله‏




بعث علي عليه السلام الى اليمن

في شهر رمضان سنة عشر من الهجرة.

ليخمس ركازها و الركاز الذهب و الفضة و ليقبض ما وقع عليه الصلح مع وفد نجران‏من الحلل و العين و غير ذلك،و ليدعو مذحج و زبيد كأمير بطن من مذحج كمجلس ابو قبيلة من اليمن .

و مر ان بعث علي الى اليمن كان مرتين و استظهرنا سابقا انه كان ثلاث مرات (احداها) سنة ثمان (و الثانية) بين ثمان و تسع (و الثالثة) هذه.

قال ابن سعد في الطبقات الكبير:ثم سرية علي بن أبي طالب الى اليمن يقال مرتين احداهما في شهر رمضان سنة عشر من مهاجر رسول الله«ص».قالوا بعث رسول الله«ص»عليا الى اليمن و عقد له لواء و عممه بيده و قال امض و لا تلتفت فاذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك فخرج في ثلثمائة فارس و كانت أول خيل دخلت الى تلك البلاد و هي بلاد مذحج ففرق اصحابه فاتوا بنهب و غنائم و نساء و اطفال و نعم و شاء و غير ذلك و جعل على الغنائم بريدة بن الخصيب الاسلمي فجمع اليه ما اصابوا ثم لقي جمعهم فدعاهم الى الاسلام فأبو و رموا بالنبل و الجارة فصف اصحابه و دفع لواءه الى مسعود ابن سنان السلمي ثم حمل عليهم علي باصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا و انهزموا فكف عن طلبهم ثم دعاهم الى الاسلام فاسرعوا و أجابوا و بايعه نفر من رؤسائهم على الاسلام و قالوا نحن على من وراءنا من قومنا و هذه صدقاتنا فخذ منها حق الله و جمع علي الغنائم فجزأها على خمسة اجزاء فكتب في سهم منها الله و اقرع فخرج أول السهام سهم الخمس و قسم علي على اصحابه بقية المغنم ثم قفل فوافى النبي«ص»بمكة قد قدمها للحج سنة عشر«اه»و هي حجة الوداع و سيأتي تمام خبره«انش»عند ذكر حجة الوداع.و في سيرة دحلان:فقال علي يا رسول الله ما اصنع قال اذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك و ادعهم الى قول لا اله الا الله فان قالوا نعم فمرهم بالصلاة فان اجابوا فلا تبغ منهم غير ذلك و الله لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت (الى أن قال) و خرج منهم رجل من مذحج يدعوا الى المبارزة فبرز اليه الاسود بين خزاعي فقتله الاسود و اخذ سلبه و روى الكليني في الكافي بسنده عن الصادق«ع»قال :قال امير المؤمنين«ع»بعثني رسول الله«ص»الى اليمن و قال لي يا علي لا تقاتلن احدا حتى تدعوه و ايم الله لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس و غربت و لك ولاؤه يا علي و روى الشيخ في الامالي بسنده عن الرضا عن آبائه عليهم السلام ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بعث عليا الى اليمن فقال له و هو يوصيه يا علي اوصيك بالدعاء فان معه الاجابةو بالشكر فان معه المزيد و انهاك عن المكر فانه لا يحيق المكر السي‏ء الا بأهله و انهاك عن البغي فانه من بغي عليه لينصرنه الله.قال ابن هشام في سيرته قال أبو عمرو المدني بعث رسول الله صلى الله عليه (و آله) و سلم علي بن أبي طالب الى اليمن و بعث خالد بن الوليد في جند آخر و قال ان التقيتما فالامير علي بن أبي طالب«اه» .و الظاهر ان هذا البعث هو الذي كان سنة عشر يدل عليه ما ذكره المفيد في موضع من ارشاده حيث قال:و لما عاد رسول الله«ص»من تبوك الى المدينة قدم عليه عمرو بن معديكرب (الزبيدي) فآمن بالله و رسوله و آمن من معه من قومه و رجعوا الى قومهم ثم ان عمرا نظر الى أبي كعب بن عثعث الخثعمي فاخذ برقبته ثم جاء به الى النبي«ص»فقال اعدني على هذا الفاجر الذي قتل والدي فقال رسول الله«ص»هدر الاسلام ما كان في الجاهلية فانصرف عمرو مرتدا فاغار على قوم من بني الحارث ابن كعب و مضى الى قومه فاستدعى رسول الله«ص»علي بن أبي طالب و امره على المهاجرين و انفذه الى بني زبيد و ارسل خالد بن الوليد و أمره ان يقصد جعفي فاذا التقيا فأمير الناس أمير المؤمنين فسار أمير المؤمنين و استعمل على مقدمته خالد بن سعيد بن العاص و استعمل خالد على مقدمته أبا موسى الاشعري فاما جعفي فانها لما سمعت بالجيش افترقت فرقتين فذهبت فرقة الى اليمن و انضمت الفرقة الاخرى الى بني زبيد فبلغ ذلك أمير المؤمنين«ع»فكتب الى خالد بن الوليد ان قف حيث ادركك رسولي فلم يقف فكتب الى خالد بن سعيد ابن العاص:تعرض له حتى تحبسه،فاعترض له حتى حبسه و ادركه أمير المؤمنين فعنفه على خلافه ثم سار علي حتى لقي بني زبيد بواد يقال له كثير فلما رآه بني زبيد قالوا لعمرو كيف انت يا ابا ثور اذا لقيك هذا الغلام القرشي فاخذ منك الاتاوة قال سيعلم ان لقيني و خرج عمرو فقال من يبارز فنهض اليه أمير المؤمنين و قام اليه خالد بن سعيد و قال له دعني يا ابا الحسن بابي انت و امي ابارزه فقال له امير المؤمنين ان كنت ترى ان لي عليك طاعة فقف في مكانك ثم برز اليه امير المؤمنين فصاح به صيحة فانهزم عمرو و قتل أخاه و ابن أخيه و اخذت امرأته ركانة بنت سلامة و سبي منهم نسوان و انصرف امير المؤمنين«ع»و خلف على بني زبيد خالد بن سعيد ليقبض صدقاتهم و يؤمن من عاد اليه من هرابهم مسلما فرجع عمرو بن معديكرب و استأذن على خالد بن سعيد فاذن له فعاد الى الاسلام فكلمه في امرأته و ولده فوهبهم له و قد كان عمرو لما وقف بباب خالد بن سعيد وجد جزورا قد نحرت فجمع قوائمهما ثم ضربها بسيفه فقطعها جميعا و كان يسمى سيفه الصمصامة فلما وهب خالد بن سعيد لعمرو و امرأته و ولده وهب له عمرو الصمصامة.قال المفيد في موضع آخر من الارشاد:كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قد انفذ عليا الى اليمن ليخمس ركازها و يقبض ما وافق عليه أهل نجران من الحلل و العين و غير ذلك فتوجه لما ندبه اليه رسول الله«ص»فانجزه ممتثلا امره فيه مسرعا الى طاعته و لم يأتمن رسول الله«ص»احدا غيره على ما ائتمنه عليه من ذلك و لا رأى في القوم من يصلح للقيام به سواه فاقامه مقام نفسه في ذلك و استنابه فيه مطمئنا اليه ساكنا الى نهوضه باعباء ما كلفه فيه«اه»و قال ابن الاثير في حوادث سنة عشر:ذكر بعث رسول الله صلى الله عليه«و اله»و سلم أمراءه على الصدقات.ثم قال:و بعث علي بن أبي طالب الى نجران ليجمع صدقاتهم و جزيتهم و يعود ففعل و عاد و لقى رسول الله صلى الله عليه (و اله) و سلم بمكة في حجة الوداع ثم ذكر استخلافه رجلا على الجيش كما يأتي و الظاهر ان كلماتهم هذه كلها المتقدمة لبيان واقعة واحدة و انه غزا بني زبيد الذين هم بطن من مذحج في تلك السفرة و قبض ما صولح عليه أهل نجران و جمع الزكاة ثم قفل فاجتمع بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم في حجة الوداع.و غزوة زبيد المذكورة في كلام المفيد و ان امكن ان تكون سفرة وحدها غير السفرة لقبض ما صولح عليه أهل نجران الا انه لما ذكر بعث خالد معه علم انهما سفرة واحدة لان ابن سعد ذكر انه في شهر رمضان سنة عشر بعثه الى اليمن الى بلاد مذحج فقتل و سبى و غنم ثم اسلموا و معه بريدة ثم قال فوفى النبي بمكة سنة عشر فعلم انهما واقعة واحدة.و روي الكليني في الكافي بسنده عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام قال سمعته يقول اهدى امير المؤمنين عليه السلام الى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم اربعة افراس من اليمن فقال سمها فقال هي الوان مختلفة فقال ففيها أشقر قال نعم قال فامسكه علي قال و فيها كميتان اوضحان قال فاعطهما ابنيك قال و الرابع ادهم بهيم قال بعه و استخلف به نفقة لعيالك انما يمن الخيل في ذوات الاوضاح«اه»و لا يعلم ان ذلك في أي سفرة من اسفاره الى اليمن.

اخباره في حجة الوداع

و كانت سنة عشر من الهجرة.

قال المفيد في الارشاد:ثم تلا وفد نجران من القصص المنبئة عن فضل أمير المؤمنين و تخصصه من المناقب بما بان به من كافة العباد حجة الوداع و ما جرى فيها من الاقاصيص و كان لامير المؤمنين فيها من جليل المقامات فمن ذلك ان رسول الله«ص»كان قد انفذه‏الى اليمن ليخمس ركازها و يقبض ما وافق عليه أهل نجران من الحلل و غيرها فتوجه لما ندبه اليه (الى ان قال) :ثم اراد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم التوجه الى الحج و اداء ما فرض الله تعالى عليه فاذن في الناس بالحج و بلغت دعوته الى اقاصي بلاد اهل الاسلام فتجهز الناس للخروج معه و حضر المدينة من ضواحيها و من حولها خلق كثير و تهيؤوا للخروج معه فخرج بهم لخمس بقين من ذي القعدة«اه»و في السيرة الحلبية خرج معه اربعون الفا و قيل سبعون و قيل تسعون و قيل مائة الف و اربعة عشر الفا و قيل مائة و عشرون الفا و قيل اكثر من ذلك هذا عدى من حج معه اهل مكة و اليمن.و في سيرة دحلان خرج معه تسعون الفا و يقال مائة الف و اربعة و عشرون الفا و يقال اكثر من ذلك«اه»و يمكن الجمع بان الذين خرجوا من المدينة و ضواحيها كانوا اربعين الفا و مع الذين انضموا اليهم مما قرب منها كانوا سبعين أو تسعين و الكل ممن قرب و بعد كانوا مائة و اربعة و عشرين الفا و الله أعلم.قال ابن سعد و أخرج معه نساءه التسع في الهوادج و ابنته فاطمة و أشعر هديه و قلده.قال المفيد:و كاتب أمير المؤمنين بالتوجه الى الحج من اليمن و لم يذكر له نوع الحج الذي عزم عليه و خرج قارنا للحج بسياق الهدي و أحرم من ذي الحليفة و احرم الناس معه و لبى من عند الميل الذي بالبيداء فاتصل ما بين الحرمين بالتلبية و خرج أمير المؤمنين عليه السلام بمن معه من المعسكر الذي كان صحبه الى اليمن و معه الحلل التي كان أخذها من أهل نجران فلما قارب رسول الله«ص»مكة من طريق المدينة قاربها أمير المؤمنين عليه السلام من طريق اليمن و تقدم الجيش للقاء النبي«ص»و خلف عليهم رجلا منهم فادرك النبي صلى الله عليه و آله و سلم و قد اشرف على مكة فسلم عليه و خبره بما صنع و بقبض ما قبض و انه سارع للقائه امام الجيش فسر رسول الله«ص»بذلك و ابتهج بلقائه و قال بم اهلك يا علي فقال يا رسول الله انك لم تكتب الي اهلالك و لا عرفته فعقدت نيتي بنيتك فقلت اللهم اهلالا كاهلال نبيك و سقت معي من البدن اربعا و ثلاثين بدنة فقال رسول الله الله اكبر قد سقت أنا ستا و ستين و انت شريكي في حجي و مناسكي و هديي فاقم على احرامك و عد الى جيشك فعجل بهم حتى نجتمع بمكة انشاء الله و في سيرة ابن هشام قال رسول الله«ص»لعلي هل معك من هدي قال لا فشاركه في هديه و ثبت على احرامه حتى فرغا من الحج و نحر رسول الله«ص»الهدي عنهما.و في السيرة الحلبية يمكن الجمع بين هذا و بين انه قدم من اليمن و معه هدي بان الهدي كان قد تأخر مجيئه فاشركه في هدية ثم نقل ان الهدي الذي جاء به علي عليه السلام من اليمن كان سبعا و ثلاثين و الذي جاء به رسول الله«ص»كان ثلاثا و ستين.قال المفيد:فودعه أمير المؤمنين و عاد الى جيشه فلقيهم عن قريب فوجدهم قد لبسواالحلل التي كانت معهم فانكر ذلك عليهم و قال للذي كان استخلفه عليهم ويلك ما دعاك الى ان تعطيهم الحلل من قبل ان تدفعها الى رسول الله و لم أكن اذنت لك في ذلك فقال سألوني ان يتجملوا بها و يحرموا فيها ثم يردوها علي فانتزعها أمير المؤمنين من القوم و شدها في الاعدال فاضطغنوا ذلك عليه فلما دخلوا مكة كثرت شكايتهم منه فأمر رسول الله«ص»فنادى في الناس ارفعوا السنتكم عن علي بن أبي طالب فانه خشن في ذات الله عز و جل غير مداهن في دينه فكف القوم عن ذكره و علموا مكانه من النبي«ص»و سخطه على من رام الغميزة فيه،و في رواية ابن اسحق فاظهر الجيش شكواه لما صنع بهم قال أبو سعيد الخدري اشتكى الناس عليا فقام رسول الله«ص»فينا خطيبا فسمعته يقول ايها الناس لا تشكن عليا فو الله انه لاخشن في ذات الله أو سبيل الله من ان يشكى قال المفيد و أقام أمير المؤمنين على احرامه تأسيا برسول الله«ص»و كان قد خرج مع النبي«ص»كثير من المسلمين بغير سياق هدي فانزل الله تعالى و اتموا الحج و العمرة لله فقال رسول الله«ص»دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة و شبك احدى اصابع يديه على الاخرى ثم قال لو استقبلت من امري ما استدبرت ما سقت الهدي ثم أمر مناديه ان ينادي من لم يسق منكم هديا فليحل و ليجعلها عمرة و من ساق منكم هديا فليقم على احرامه فأطاع ذلك بعض الناس و خالف بعض و جرت خطوب بينهم فيه و قال منهم قائلون:رسول الله اشعث اغبر و نحن نلبس الثياب و نقرب النساء و ندهن و قال بعضهم أما تستحون ان تخرجوا و رؤسكم تقطر من الغسل و رسول الله على احرامه (و هذا اعتذار بارد فاطاعة امر رسول الله الذي هو امر الله اولى من اظهار حب المواساة له في البقاء على الاحرام) فانكر رسول الله«ص»على من خالف في ذلك و قال لو لا اني سقت الهدي لا حللت و جعلتها عمرة فمن لم يسق هديا فليحل فرجع قوم و اقام آخرون على الخلاف و كان فيمن اقام على الخلاف بعض اكابرهم فاستدعاه رسول الله«ص»و قال ما لي اراك محرما اسقت هديا قال لم اسق قال فلم لا تحل و قد امرت من لم يسبق بالاحلال فقال و الله يا رسول الله لا احللت و انت محرم فقال له النبي«ص»انك لم تؤمن بها حتى تموت فلذلك اقام على انكار متعة الحج حتى رقى المنبر في امارته فنهى عنها نهيا مجددا و توعد عليها بالعقاب«اه»و روى مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة قدم رسول الله«ص»لأربع مضين من ذي الحجة او خمس فدخل علي و هو غضبان فقلت من اغضبك يا رسول الله ادخله الله النار.قال او ما شعرت اني امرت الناس بامر فاذا هم يترددون لو اني استقبلت من امري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى اشتريه ثم احل كما احلوا،قال النووي في الشرح :اما غضبه فلانتهاك حرمة الشرع و ترددهم في قبول حكمه و قد قال الله تعالى فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما فغضب لما ذكرنا من انتهاك حرمة الشرع و الحزن عليهم في نقص ايمانهم و فيها دلالة لاستحباب الغضب عند انتهاك حرمة الدين و فيه جواز الدعاء على المخالف لحكم الشرع«اه»اي حتى بادخال النار الذي لا افظع منه و الذي ربما زاد على اللعن الذي هو الطرد و الابعاد من رحمة الله.و فهم ما جاء في هذه الاحاديث على وجهه يتوقف على بيان اقسام الحج و كيف اختلف حج من ساق الهدي على من لم يسقه (فنقول) الحج على ثلاثة اقسام افراد و قران و تمتع و الثالث فرض من بعد عن مكة ثمانية و اربعين ميلا و الاولان فرض اهل مكة و من بعد عنها بأقل من ذلك،و المفرد يأتي بالحج اولا ثم بعمرة مفردة و يعقد احرامه بالتلبية و سمي افرادا لانفراده عن العمرة و عدم ارتباطه بها فهما نسكان مستقلان و كذلك القارن يأتي بالحج اولا ثم بالعمرة و هما نسكان مستقلان الا انه يسوق الهدي معه عند الاحرام و يعقد احرامه بسياق الهدي و سمي قرانا لاقترانه بسياق الهدي و المتمتع يأتي اولا بعمرة التمتع ثم يأتي بالحج و يعقد احرامه بالتلبية و يكون النسك مركبا من العمرة و الحج و هذا معنى قوله عليه السلام دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة و تشبيكه بين اصابعه و سمي تمتعا لانه بعد احلاله من احرام العمرة يتمتع اي ينتفع بما كان محرما عليه حال الاحرام و النبي حين احرم في حجة الوداع احرم بحج القران لانه ساق الهدي و كذلك علي عليه السلام احرم كاحرام رسول الله«ص»و ساق الهدي فكان حجه حج قران و اكثر الذين كانوا مع النبي«ص»لم يسوقوا الهدي و احرموا بالحج فكان حجهم حج افراد و لم يكن حج التمتع مفروضا يومئذ بل كان الحج قسمين فقط افراد و قران فلما نزل فرض حج التمتع لمن لم يسق الهدي بقوله تعالى و أتموا الحج و العمرة لله«الى قوله»فمن تمتع بالعمرة الى الحج «الآية»امر رسول الله«ص»من ساق الهدي ان يبقى على احرامه و يجعل حجه حج قران و من لم يسق الهدي ان يجعلها عمرة تمتع فيحل من احرامه ثم يحرم للحج من مكة يوم التروية لان حجة صار حج تمتع و صار ذلك فرض البعيدين عن مكة بالمسافة السابقة الى آخر الدهر و قال ان العمرة دخلت في الحج كدخول اصابعه بعضها في بعض و سئل ان ذلك لعامهم هذا او لأبد الأبد فقال بل لأبد الأبد و من ذلك فهم ان فرضهم مركب من عملين العمرة و الحج مرتبط احدهما بالآخر اما من ساق الهدي فحجه حج قران في ذلك العام فقط اما بعده فسيكون حج البعيد حج تمتع لا حج افراد و لا قران و يظهر ان‏جماعة لم يرق لهم ان يكون حج علي كحج النبي و حجهم مخالف لذلك فترددوا في الاحلال من الاحرام او امتنعوا حسدا لعلي (و قديما كان في الناس الحسد) و اعتذروا بما سمعت مما لم يكن بعذر مقبول.و في قول النبي«ص»:لو استقبلت من امري ما استدبرت ما سقت الهدي ايماء الى ان حج التمتع افضل.قال ابن سعد:انه بعد ما رمى جمرة العقبة بمنى يوم العيد نحر الهدي قال صاحب السيرة الحلبية فنحر من البدن ثلاثا و ستين بيده الشريفة و هي التي جاء بها من المدينة و امر عليا فنحر الباقي و هو تمام المائة (و كأنه الذي جاء به من اليمن) قال و جاء عن ابن عباس انه اهدي في حجة الوداع مائة بدنة نحر منها ثلاثين و امر عليا فنحر الباقي و قال له اقسم لحومها و جلودها و جلالها بين الناس و لا تعط جزارا منها شيئا و خذ لنا من بعير جذبة من لحم و اجعلها في قدر حتى نأكل من لحمها و نحسو من مرقها ففعل«اه».

حديث الغدير

قال المفيد:لما قضى رسول الله (ص) نسكه و اشرك عليا في هديه قفل الى المدينة و هو معه و المسلمون حتى انتهى الى الموضع المعروف بغدير خم (و هو مكان قريب من الجحفة بناحية رابغ و ذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشرة من الهجرة) و ليس بموضع اذ ذاك يصلح للنزول لعدم الماء فيه و المرعى فنزل في الموضع و نزل المسلمون معه و كان سبب نزوله في هذا المكان نزول القرآن عليه بنصبه امير المؤمنين علي بن ابي طالب خليفة في الامة من بعده و قد كان تقدم الوحي اليه في ذلك من غير توقيت له فاخره لحضور وقت يأمن فيه الاختلاف منهم عليه و علم الله عز و جل انه ان تجاوز غدير خم انفصل عنه كثير من الناس الى بلدانهم و اماكنهم و بواديهم فاراد ان يجمعهم لسماع النص على امير المؤمنين و تأكيد الحجة عليهم فيه فانزل الله عليه يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك يعني في استخلاف علي و النص بالامامة عليه و ان لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس فاكد الفرض عليه بذلك و خوفه من تأخير الامر و فيه و ضمن له العصمة و منع الناس منه فنزل بذلك المكان و نزل المسلمون حوله و كان يوما قائظا شديد الحر فامر بدوحات هناك فقم ما تحتها و امر بجمع الرحال و وضع بعضها فوق بعض ثم امر مناديه فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمعوا من رحالهم و ان اكثرهم ليلف رداءه على قدميه من شدة الحر فلما اجتمعوا صعد على تلك الرحال حتى‏صار في ذروتها و اصعد عليا معه حتى قام عن يمينه ثم خطب الناس فحمد الله و اثنى عليه و وعظ فابلغ في الموعظة و نعى الى الامة نفسه و قال اني قد دعيت و يوشك ان اجيب و قد حان منى خفوق من بين اظهركم و انى مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب الله و عترتي اهل بيتي فانهما لن يفترقا حتى يرد علي الحوض ثم نادى باعلى صوته الست اولى بكم منكم بانفسكم قالوا اللهم بلى فقال لهم على النسق و قد اخذ بضبعي امير المؤمنين عليه السلام فرفعهما حتى بان بياض ابطيهما (1) فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله ثم نزل فصلى ركعتين ثم زالت الشمس فصلى بهم صلاة الظهر و جلس في خيمته و امر عليا ان يجلس في خيمة له بازائه و امر المسلمين ان يدخلوا عليه فوجا فوجا فيهنئوه بالمقام و يسلموا عليه بامرة المؤمنين ففعل الناس ذلك كلهم ثم امر ازواجه و سائر نساء المؤمنين ممن معه ان يدخلن عليه و يسلمن عليه بامرة المؤمنين ففعلن و كان فيمن اطنب في تهنئته بالمقام و اظهر له المسرة عمر بن الخطاب و قال فيما قال بخ بخ لك يا علي اصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة و استأذن حسان بن ثابت رسول الله (ص) ان يقول في ذلك ما يرضاه الله فقال:

يناديهم يوم الغدير نبيهم‏ 
بخم و اسمع بالنبي مناديا

الابيات الستة المتقدمة في الجزء الثاني فقال له رسول الله (ص) لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك قال و انما اشترط في الدعاء له لعلمه بعاقبة امره في الخلاف و لو علم سلامته في مستقبل الاحوال لدعا له على الاطلاق.و مثل ذلك ما اشترط الله تعالى في مدح ازواج النبي (ص) فقال يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن و لم يجعلهن في ذلك حسبما جعل اهل بيت النبي حديث بذلوا قوتهم لليتيم و المسكين و الاسير فانزل الله سبحانه في علي و فاطمة و الحسن و الحسين و قد آثروا على انفسهم مع الخصاصة التي كانت بهم فقال تعالى و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و اسيرا انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم و لقاهم نضرة و سرورا و جزاهم بما صبروا جنة و حريرا فقطع لهم بالجزاء و لم يشترط لهم كما اشترط لغيرهم لعلمه باختلاف الاحوال«اه».

تعليقة:

(1) لان كلا منهما كان في ازار و رداء كما هو عادة العرب في ذلك العصر في كثير من حالاتهم لا سيما في في حر الحجاز فلما اخذ النبي«ص»بعضدي علي و رفعهما ليراه الناس جميعا و يعرفوه توكيدا للحجة و مبالغة في التبليغ انحسر الرداء عن ابطيهما و بان بياض ابطيهما من تحت الرداء.ـالمؤلفـ


ضرب سكه

اول من امر بضرب السكة الاسلامية

ذكر الفاضل المتتبع الشيخ حيدر قليخان بن نور محمد خان الكابلي نزيل كرمانشاه في رسالته غاية التعديل في الاوزان و المكاييل و اخبرني به من لفظه بمنزله في كرمانشاه يوم السبت العشرين من المحرم سنة 1353 في طريقنا الى زيارة الرضا عليه السلام و هو يعرف اللغة الانكليزية جيدا قال رأيت في دائرة المعارف البريطانية في صفحة 904 من الطبعة الثالثة و العشرين عند الكلام على المسكوكات العربية ما تعريبه ملخصا:ان اول من امر بضرب السكة الاسلامية هو الخليفة علي بالبصرة سنة 40 من الهجرة الموافقة لسنة 660 مسيحية ثم اكمل الامر عبد الملك الخليفة سنة 76 من الهجرة الموافقة لسنة 695 مسيحية (اه) و يأتي في سيرة الباقر عليه السلام خبر ضرب السكة في عهد عبد الملك بن مروان.

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 2 ص 273

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


يوم الغدير

قوله«ص»من كنت مولاه فعلي مولاه و هذا قد تقدم في حديث الغدير و نذكر هنا ما ورد في غير حديث الغدير،روى النسائي في الخصائص بسنده عن ابن عباس عن بريدة بعثني النبي«ص»مع علي الى اليمن فرأيت منه جفوة فلما رجعت شكوته الى النبي«ص»فرفع رأسه الي و قال يا بريدة من كنت مولاه فعلي مولاه«و بسنده»عن ابن عباس عن بريدة خرجت مع علي الى اليمن فرأيت منه جفوة فقدمت على النبي«ص»فذكرت عليا فتنقصته فجعل رسول الله«ص»يتغير وجهه فقال يا بريدة الست اولى بالمؤمنين من انفسهم قلت بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه،و رواه الحاكم في المستدرك بسنده عن بريدة مثله و قال صحيح على شرط مسلم«و روى»النسائي بسنده عن سعد ان رسول الله«ص»قال من كنت مولاه فعلي مولاه.عن سعد في حديث لقد سمعت رسول الله«ص»يقول في علي خصال ثلاث لان يكون لي واحدة منهن احب الي من حمر النعم سمعته يقول انه مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي و سمعته يقول لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله و سمعته يقول من كنت مولاه فعلي مولاه.

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 90

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


ادلة امامته(ع)

و هى امور كثيرة نذكر منها هنا بعضها:

(الاول) وجوب العصمة في الامام بالدليل الذي دل على وجوب العصمة في النبي فكما انه لا يجوز كون النبي غير معصوم لان صدور الذنب منه يسقط منزلته من القلوب و لا يؤمن معه زيادته في الشريعة و تنقيصه منها و يوجب عدم الوثوق بأقواله و أفعاله و هو ينافي الغرض المقصود من ارساله و نقض الغرض قبيح فلا يمكن صدوره من الله تعالى.كذلك لا يجوز كون الامام غير معصوم لان النبي مبلغ للشرع الى الامة عن الله تعالى و الامام مبلغ له اليهم عن النبي و حافظ له من الزيادة و النقصان فان الامامة رياسة عامة في امور الدين و الدنيا لشخص من الاشخاص نيابة عن النبي«ص»هكذا عرفها جميع علماء الاسلام‏و صدور الذنب من الامام يسقطه من النفوس و لا يؤمن معه زيادته في الشريعة و تنقيصه منها مع كونه منصوبا لحفظها من ذلك،و يوجب عدم الوثوق بأقواله و افعاله و هو ينافي الغرض المقصود من امامته فالدليل الذي دل على عصمة النبي«ص»بعينه دال على عصمة الامام و قد اجمعت الامة على انه لا معصوم بعد النبي«ص»سوى علي و ولده لان الامة بين قولين اما لا معصوم اصلا او انحصار المعصوم فيهم فاذا دل الدليل على وجوب عصمة الامام كانوا هم الأئمة.و مما يدل على عصمته و عصمة الائمة من ذريته عليه و عليهم السلام آية التطهير،و مرت في سيرة الزهراء عليها السلام في الجزء الثاني و احاديث الثقلين و باب حطة و سفينة نوح و غيرها و تأتي هنا (انش) .

(الثاني) ما رواه الطبري في تاريخه و تفسيره و البغوي و الثعلبي في تفسيره و النسائي في الخصائص و صاحب السيرة الحلبية و رواه من ثقات اصحابنا و محدثيهم محمد بن علي ابن الحسين بن بابويه القمي و الشيخ ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في مجالسه جميعا بأسانيدهم المتصلة و قد مرت رواياتهم بأسانيدهم المتصلة في الجزء الثاني من هذا الكتاب في السيرة النبوية و نعيد ذكرها هنا باختصار و ان لزم بعض التكرار.قال الطبري في تاريخه:حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة حدثني محمد بن اسحق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي ابن طالب قال لما نزلت و انذر عشيرتك الاقربين دعاني رسول الله«ص» (الى ان قال) فاصنع لنا صاعا من طعام و اجعل عليه رجل شاة و املأ لنا عسا من لبن (و العس القدح الكبير) ثم اجمع لي بني عبد المطلب ففعلت ما امرني ثم دعوتهم و هم يومئذ اربعون رجلا يزيدون رجلا او ينقصونه فيهم اعمامه ابو طالب و حمزة و العباس و ابو لهب فلما وضعت الطعام تناول جذبة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال خذوا باسم الله فأكلوا حتى ما لهم بشي‏ء حاجة و ما ارى الا موضع ايديهم و أيم الله ان كان الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم و شربوا من ذلك العس حتى رووا جميعا و أيم الله ان كان الواحد منهم ليشرب مثله فلما أراد ان يكلمهم بدره ابو لهب فقال لشد ما سحركم صاحبكم فتفرقوا و لم يكلمهم.ثم فعل مثل ذلك في اليوم الثاني فأكلوا و شربوا فقال يا بني عبد المطلب اني قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة و قد أمرني الله تعالى ان أدعوكم اليه فأيكم يؤازرني على هذا الامر على ان يكون اخي و وصيي و خليفتي فيكم فأحجم القوم جميعا و قلتـو اني‏لأحدثهم سنا و أرمصهم عينا و أعظمهم بطنا و أحمشهم ساقاـانا يا نبي الله اكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال ان هذا اخي و وصيي و خليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا فقاموا يضحكون و يقولون لأبي طالب قد أمرك ان تسمع لابنك و تطيع«ا ه».كبر عليهم ان يسمعوا و يطيعوا لشاب حدث السن عمره بين العشرة و الخمس عشرة سنة رمص العين حمش الساق عظيم البطن و كل ذلك يوجب عدم الروعة في عين الرائي و قالوا في انفسهم كيف يؤمر غلام صغير السن ليس في مرآه روعة على مشيخة قومه و كهولهم و فيهم أعمامه و ابوه شيخ الابطح ان هذا لعجيب يوجب الضحك فضحكوا منه و لم يعلموا ان هذا الغلام الحدث السن الرمص العين العظيم البطن الحمش الساق سيكون له شأن عظيم فيكون باب مدينة علم المصطفى و حامل لواء الاسلام و مشيد أركانه و رافع بنيانه و منسي شجاعة الشجعان و جامع أعلى صفات الفضل و حاوي ارفع و أعظم مزايا النبل و مشيد مجد لبني عبد المطلب و عامة العرب لا تهدمه الايام مهما تطاولت و مخلد ذكر لهم لا تمحوه الأعوام مهما تعاقبت و انه هو خليفة الرسول في امته و انه لا يصل الى مرتبته احد منهم و لا من غيرهم و كأن النبي«ص»قال لهم في نفسه و بلسان حاله مهلا يا بني عبد المطلب ستعلمون عن قريب انني لم أخطى‏ء في تقديمه عليكم و ستصدق أفعاله اقوالي فيه،و لا شك ان جملة من شبانهم و كهولهم الذين هم أعلى منه سنا و أروع منظرا في رأي العين اخذهم الحسد عند ذلك الذي يأخذ أمثالهم في مجرى العادة في مثل هذا المقام كما اخذ قابيل ابن ابيهم آدم و أخذ اخوة يوسف عليهما السلام فكان ذلك سببا في زيادة ضحكهم و تعجبهم و غطى ما رأوه من المعجزة و لا شك ان ابا لهب كان اشدهم ضحكا و نفورا حتى اوهمهم ان هذه المعجزة نوع من السحر الشديد،اما ابو طالب فكان مسرورا اشد السرور بما رأى من كرامة ولده و علو شأنه الذي انضم الى ما كان يراه فيه من مخايل النجابة و النبل و من اعلم بالولد من الوالد و كان عالما بصدق النبي«ص»فيما ادعاه و زاده يقينا ما رآه من المعجز لكنه لم يستطع مجابهة قومه باظهار ما في نفسه و ان كان شاركهم في الضحكـو لا نخالهـفما ضحكه الا ضحك سرور لا ضحك استهزاء و ان كان فما هو الا استهزاء بهم،اما اخوه حمزة فلا نعتقد الا انه كان مثله في اكثر ذلك و قد سره ما رأى من ابني اخويه محمد و علي لكنه سكت متربصا سنوح الفرصة ليظهر اسلامه.و يمكن ان يكون العباس ايضا كذلك.و روى هذا الحديث الطبري في تفسيره ايضا بمثل ما رواه في تاريخه سندا و متنا الا انه ابدل في النسخةالمطبوعة قوله:على ان يكون اخي و وصيي و خليفتي فيكم.و قوله:ان هذا اخي و وصيي و خليفتي فيكم بغيره فوضع مكان الاول (على ان يكون اخي و كذا و كذا) و مكان الثاني (ان هذا اخي و كذا و كذا) و لا شك ان هذا التبديل من الطابعين جريا على الشنشنة الأخزمية و لكن وجوده في التاريخ و ما بقي منه في التفسير من قوله فاسمعوا له و اطيعوا كاف في الارشاد الى ما حذف منه.

و قد رواه الشيخ ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي من علمائنا في كتاب مجالسه قال حدثنا جماعة عن ابي المفضل حدثنا ابو جعفر الطبري سنة 308 حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا سلمة بن الفضل الابرش حدثني محمد بن اسحق عن عبد الغفار قال ابو المفضل:و حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي و اللفظ له حدثنا محمد بن الصباح الجرحلوي حدثنا سلمة بن صالح الجعفي عن سليمان الاعمش و ابي مريم جميعا عن المنهال بن عمرو عن عبد الله ابن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس عن علي بن ابي طالب قال لما نزلت هذه الآية و ذكر مثل رواية الطبري المتقدمة بعينها مع تفاوت يسير في بعض الالفاظ لا يخل بالمعنى.

و رواه البغوي كما في رواية الطبري بعينها حكاه عنه ابن تيمية كما ستعرف.

و قال الثعلبي في تفسيره:اخبرني الحسين بن محمد بن الحسين حدثنا موسى بن محمد حدثنا الحسن بن علي بن شعيب العمري حدثنا عبد الله بن يعقوب حدثنا علي بن هاشم عن صباح ابن يحيى المزني عن زكريا بن ميسرة عن ابي اسحق عن البراء قال لما نزلت و انذر عشيرتك الاقربين جمع رسول الله«ص»بني عبد المطلب و هم اربعون رجلا فأمر عليا برجل شاة فأدمها ثم قال ادنوا بسم الله فدنوا عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال اشربوا بسم الله فشربوا حتى رووا فبدرهم ابو لهب فقال هذا ما سحركم به الرجل فسكت ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام و الشراب ثم أنذرهم فقال يا بني عبد المطلب اني انا النذير اليكم من الله عز و جل و البشير فأسلموا و أطيعوني تهتدوا ثم قال من يواخيني و يوازرني و يكون وليي و وصيي بعدي و خليفتي في اهلي و يقضي ديني فسكت القوم فأعادها ثلاثا كل ذلك يسكت القوم و يقول علي انا فقال في المرة الثالثة انت فقام القوم و هم يقولون لابي طالب اطع ابنك فقد امر عليك.و هو يدل على انهم فهموا الخلافة بعده و لذلك قالوا هذا لابي طالب مع ان اتحاده مع روايةالطبري في الخصوصيات يدل على اشتماله على ما فيها.و قال النسائي في الخصائص اخبرنا الفضل بن سهل حدثني ابن عفان بن مسلم حدثنا ابو عوانة عن عثمن بن المغيرة عن ابي صادق عن ربيعة بن ماجد ان رجلا قال لعلي يا أمير المؤمنين لم ورثت دون اعمامك قال جمع رسول الله«ص»بني عبد المطلب فصنع لهم مدا من الطعام فأكلوا حتى شبعوا ثم دعا بعس فشربوا حتى رووا فقال يا بني عبد المطلب اني بعثت اليكم خاصة و الى الناس عامة فأيكم يبايعني على ان يكون اخي و صاحبي و وارثي فلم يقم اليه احد فقمت اليه فقال اجلس ثم قال ثلاث مرات كل ذلك اقوم اليه فيقول اجلس حتى اذا كان في الثالثة ضرب بيده على يدي فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي«ا ه».

و اتحاد الخصوصيات في هذا الحديث مع خصوصيات حديث الطبري من جمع بني عبد المطلب و صنع الطعام لهم و المجي‏ء بالشراب يدل على ان متنه هو متن حديث الطبري بعينه و انه اشتمل على جميع ما اشتمل عليه حديث الطبري و انه قد تناولته يد التحريفـلأمر يعلمه اللهـفلذلك وقع اضطراب في متنه فان هذا التعليل في الميراث لا يصح ان اريد به ميراث المال اما عندنا فلان الميراث للبنت بالفرض و الرد و ليس لابن العم شي‏ء،و اما عند غيرنا فلأن الانبياء لا تورث.و ان اريد ميراث العلم نافاه السياق الدال على ان المذكور فيه هو المذكور في حديث الطبري.

و قد اورد هذا الحديث صاحب السيرة الحلبية بنحو ما مر عن الطبري الى ان قال:من يجيبني الى هذا الامر و يوازرني على القيام به قال علي انا يا رسول الله. (قال) و زاد بعضهم في الرواية يكن اخي و وزيري و وارثي و خليفتي من بعدي فلم يجبه احد منهم فقام علي و قال انا يا رسول الله قال اجلس ثم أعاد القول على القوم ثانيا فلم يجبه احد منهم فقام علي و قال انا يا رسول الله فقال اجلس فأنت اخي و وزيري و وصيي و وارثي و خليفتي من بعدي،ثم حكى عن ابن تيمية انه قال في الزيادة المذكور انها كذب و حديث موضوع من له ادنى معرفة في الحديث يعلم ذلك،قال و قد رواه مع زيادته المذكورة ابن جرير و البغوي باسناد فيه ابو مريم الكوفي و هو مجمع على تركه و قال احمد انه ليس بثقة،عامة احاديثه بواطيل و قال ابن المديني كان يضع الحديث«ا ه» (و اقول) من عنده ادنى معرفة يعلم ان قدح ابن تيمية فيه لم يستند الى حجة بل الى التحامل على علي و النصب فقد سمعت بسنده في روايةالطبري في تاريخه و تفسيره و في رواية الثعلبي في تفسيره،و ليس فيه ابو مريم الكوفي على فرض صحة ما قيل فيه و قد عرفت ان الشيخ الطوسي رواه بسندين آخرين غير سند الطبري و ان ابا مريم في احدهما دون الآخر على ان رواية البغوي له ان لم تكن حجة فهي مؤيدة و لا يكون ضعفها قادحا في الرواية الصحيحة،و كل من له ادنى معرفة في الحديث يعلم ذلك.

و قد رواه ايضا من مشاهير علمائنا و ثقات محدثيهم الشيخ محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي المعروف بالصدوق قال:حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحق الطالقاني:حدثنا عبد العزيز حدثنا المغيرة بن محمد حدثنا ابراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الازدي حدثنا قيس ابن الربيع و شريك بن عبد الله عن الاعمش عن منهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث ابن نوفل عن علي بن ابي طالب عليه السلام قال:لما نزلت و انذر عشيرتك الاقربين دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بني عبد المطلب و هم اذ ذاك اربعون رجلا يزيدون رجلا او ينقصون رجلا فقال أيكم يكون اخي و وارثي و وزيري و وصيي و خليفتي فيكم بعدي فعرض ذلك عليهم رجلا رجلا كلهم يأبى ذلك حتى أتى علي فقال انا يا رسول الله فقال يا بني عبد المطلب هذا اخي و وارثي و وزيري و خليفتي فيكم بعدي فقام القوم يضحك بعضهم الى بعض و يقولون لابي طالب قد امرك ان تسمع و تطيع لهذا الغلام.و مرت رواية الشيخ المفيد له في ارشاده عند ذكر فضائله و مناقبه (1) .

(الثالث) النص على امامته من النبي صلى الله عليه و آله و سلم يوم الغدير حين رجع من حجة الوداع و معه ما يزيد على مائة الف فخطبهم و قال في خطبته و قد رفعه للناس و اخذ بضبعيه فرفعهما حتى بان للناس ابطيهما أ لست أولى بالمؤمنين من انفسهم قالوا بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و أحب من احبه و ابغض من ابغضه و انصرمن نصره و أعن من أعانه و اخذل من خذله و أدر الحق معه حيث دار،ثم افرده بخيمة و امر الناس بمبايعته بامرة المؤمنين حتى النساء و منهم نساؤه،و مر ذلك مفصلا في الجزء الثاني في السيرة النبوية،و يأتي في هذا الجزء في حوادث سنة عشر من الهجرة،و نذكر هنا وجه الدلالة على امامته و يتضمن ذلك طرفا من الاحاديث الواردة فيه مما لم يذكر هناك فنقول:وجه الاستدلال انه قال من كنت مولاه فعلي مولاه بعد تقريرهم بقوله أ لست اولى بكم من انفسكم و اقرارهم بقولهم بلى فدل على ان المراد من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه و ليست الامامة شيئا فوق ذلك و هذا التقرير و الاقرار و التعقيب بهذا الكلام نص على ان المراد بالمولى هنا هو الاولى فانه احد معانيه و ناف لاحتمال غيره فبطل الاعتراض بأن المولى لفظ مشترك بين معان فتعيين احدها يحتاج الى القرينة لانها موجودة و هي ما ذكرناه على ان بعض تلك المعاني لا يصح ارادته في المقام مثل المعتق و المعتق و نحو ذلك و بعضها لا يناسبه كل هذا الاهتمام من النبي صلى الله عليه و آله و سلم مثل الصديق و نحوه و كفى في الاهتمام جمع الناس من اقاصي البلاد و أدانيها ليحجوا معه في ذلك العام الذي لم يكن الا لتبليغهم هذا الامر المهم و بطل ما يتمحله بعض المتمحلين من ان ذلك قاله في شأن اسامة بن زيد بن حارثة لما قال لعلي لست مولاي و انما مولاي (اي معتقي) رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ذلك،فانه اذا كان اسامة بن زيد قد اعتقه النبي«ص»فلا معنى لان يكون اعتقه علي و لو فرض فلا يناسبه هذا الاهتمام العظيم،على ان اسامة لم يعتقه النبي«ص»و انما اعتق اباه زيد بن حارثة فاطلاق انه مولى رسول الله«ص»عليه انما هو باعتبار انجرار الولاء اليه من ابيه و لهذا قال بعضهم ان القائل لعلي لست مولاي و انما مولاي رسول الله هو زيد بن حارثة فقال رسول الله من كنت مولاه فعلي مولاه ردا لقول زيد و هذا القول قاله اسحق بن جماد بن زيد للمأمون لما جمع العلماء ليحتج عليهم في فضل علي عليه السلام فيما ذكره صاحب العقد الفريد فقال اسحق للمأمون ذكروا ان الحديث انما كان بسبب زيد بن حارثة لشي‏ء جرى بينه و بين علي و انكر ولاء علي فقال رسول الله«ص»من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه فرد عليه المأمون بأن ذلك كان في حجة الوداع و زيد بن حارثة قتل قبل ذلك و كأن من ذكر هذا العذر التفت الى مثل ما رد به المأمون فغير العذر و قال انه قال ذلك في شأن اسامة بن زيد،و سواء أ قيل ان ذلك في شأن زيد او ابنه اسامة فزيد انما هو مولى عتاقة و ابنه اسامة كذلك بجر الولاء و علي لم يعتقه و انما اعتقه النبي«ص»فكيف يكون زيد او ابنه مولاه و هو لم يعتقه على انه لا يناسبه كل هذا الاهتمام كما عرفت،و كذلك‏ما تمحله ابن كثير و صاحب السيرة الحلبية من صرف ما وقع يوم الغدير الى ما وقع عند رجوع علي من اليمن،فقال ابن كثير في تاريخه:فصل في الحديث الدال على انه عليه السلام خطب بمكان بين مكة و المدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة يقال له غدير خم فبين فيها فضل علي بن ابي طالب و براءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن بسبب ما كان صدر اليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جورا و تضييقا و بخلاف و الصواب كان معه في ذلك،و لهذا لما فرغ عليه السلام من بيان المناسك و رجع الى المدينة بين ذلك في اثناء الطريق فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ و كان يوم الاحد بغدير خم تحت شجرة هناك و ذكر من فضل علي و امانته و عدله و قربه اليه ما ازاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه (الى ان قال) و نحن نورد عيون ما روي في ذلك مع اعلامنا انه لا حظ للشيعة فيه و لا متمسك لهم و لا دليلـلكنه لم يأت بدليل يثبت ما قالـبل قدم اولا روايات هذه الواقعة فنقل عن محمد بن اسحق بسنده عن يزيد ابن طلحة قال:لما اقبل علي من اليمن ليلقى رسول الله«ص»بمكة تعجل الى رسول الله و استخلف على جنده الذين معه رجلا من اصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي (و هو الذي اخذه من اهل نجران) فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فاذا عليهم الحلل قال ويلك ما هذا قال كسوت القوم ليتجملوا به اذا قدموا في الناس قال ويلك انزع قبل ان ينتهى به الى رسول الله«ص»فانتزع الحلل من الناس فردها في البز.و اظهر الجيش شكواهم لما صنع بهم،ثم حكى عن ابن اسحق انه روى بسنده عن ابي سعيد الخدري قال اشتكى الناس عليا فقام رسول الله«ص»فينا خطيبا فسمعته يقول:ايها الناس لا تشتكوا عليا فو الله انه لأخشن في ذات الله او في سبيل الله من ان يشكى،ثم حكى عن الامام احمد انه روى بسنده عن بريدة قال غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول الله«ص»ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله«ص»يتغير فقال يا بريدة أ لست أولى بالمؤمنين من انفسهم قلت بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه.قال ابن كثير:و كذا رواه النسائي باسناده نحوه،قال و هذا اسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات«ا ه»ثم اتبع ابن كثير ذلك بروايات الغدير ليجعلهما بزعمه واقعة واحدة و ان ما وقع يوم الغدير هو تدارك لما وقع في سفر اليمن و ان النبي«ص»بين يوم الغديرفضل علي و براءة ساحته مما تكلم فيه اهل ذلك الجيش مع انهما واقعتان لا دخل لاحداهما في الاخرى فالنبي«ص»لما شكا اهل الجيش من علي و كانت شكايتهم منه بمكة في ايام الحج غضب النبي لذلك و بين لهم ان شكايتهم منه في غير محلها و قام فيهم خطيبا و قال لا تشكوا عليا فو الله انه لاخشن في ذات الله من ان يشكى و قال لهم يومئذ أ لست اولى بالمؤمنين من انفسهم قالوا بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه و اكتفى بذلك و هو كاف في ردعهم و بيان فضل علي و ان ما فعله هو الصواب،و حديث الغدير كان في الثامن عشر من ذي الحجة بعد انقضاء الحج و رجوعه الى المدينة و لو كان ما وقع يوم الغدير هو لمجرد ردعهم و بيان خطئهم في شكايتهم من علي لقاله بمكة و اكتفى به و لم يؤخره الى رجوعه،و زعم صاحب السيرة الحلبية انه قال ذلك بمكة لبريدة وحده ثم لما وصل الى غدير خم احب ان يقوله للصحابة عموما يكذبه ما سمعته من قول ابي سعيد الخدري احد الصحابة فقام فينا خطيبا اي قام في الصحابة عموما و اعلن ذلك في خطبته على المنبر و على رؤوس الاشهاد و قوله ذلك بمكة أعم و أشمل لوجود الحاج كلهم و منهم اهل مكة و ما حولها الذين لم يكونوا معه في غدير خم فلو كان الغرض تبليغ عموم الصحابة ما وقع في مسألة اليمن لما اخره الى غدير خم و لكنه لما نزل عليه قوله تعالى (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك و ان لم تفعل فما بلغت رسالته) و هو في الطريق بلغهم اياه في غدير خم حين نزلت عليه الآية فهما واقعتان لا دخل لاحداهما في الاخرى،و خلط احداهما بالاخرى نوع من الخلط و الخبط و الغمط مع انك ستعرف و عرفت ان في روايات الغدير انه وقف حتى لحقه من بعده و امر برد من كان تقدم و هذا يدل على انه لأمر حدث في ذلك المكان و هو نزول الوحي عليه و لو كان لتبليغ عموم الصحابة لم يؤخره الى غدير خم بل كان يقوله في بعض المنازل قبله او في مكة فأمره بالنزول و هو في اثناء السير و انتظار من تخلف و امره برد من تقدم يدل على انه لامر حدث في ذلك الوقت مع انه قال هذا الكلام عقيب الامر بالتمسك بالكتاب و العترة و بيان انهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض الذي هو تمهيد لما بعده،فدل على انه لامر أهم من مسألة اليمن على اننا انما نستدل بقوله من كنت مولاه فعلي مولاه عقيب قوله أ لست اولى بالمؤمنين من انفسهم سواء أ قال ذلك بمكة ام في غدير خم و سواء أ قاله عقيب شكايتهم من علي ام لا فانه دال على ان عليا أولى بالمؤمنين من انفسهم و الامامة و الخلافة لا تزيد على ذلك كما مر،و قداجاب صاحب السيرة الحلبية عن الحديث بوجوه عمدتها ما يأتي:

(احدهما) ان الشيعة اتفقوا على اعتبار التواتر فيما يستدلون به على الامامة من الاحاديث و هذا الحديث مع كونه آحادا طعن في صحته جماعة من أئمة الحديث كأبي داود و ابي حاتم الرازي (و يرده) ان الحديث لا يقصر عن درجة المتواتر بمعنى المقطوع الصدور فقد رواه علماء الفريقين و محدثوهم بأسانيد صحيحة تزيد عن عدد التواتر و قد رواه عن النبي«ص»ثلاثون صحابيا و اعترف لعلي به عدد كثير من الصحابة لما نشدهم في مسجد الكوفة و دعا على من انكر فاستجيب دعاؤه فيه كما ستعرف،و لم يكن في الدوحات احد الا سمع و رأى ما جرى فيه و هم يزيدون على مائة الف و قد اعترف الحافظ الذهبي بتواتره فيما يأتي حيث قال و صدر الحديث متواتر اتيقن ان رسول الله«ص»قاله و اما زيادة اللهم وال من والاه فزيادة قوية الاسناد«ا ه»و قد افرد هذا الحديث بالتأليف حتى ان ابن جرير الطبريـو ناهيك بهـجمع مجلدين في طرقه و ألفاظه و قد اثبت تواتره السيد حامد حسين الهندي اللكهنوئي من أجلاء علماء الهند في هذا العصر في كتابه عبقات الانوار فذكر من رواه من الصحابة و من رواه عنهم من التابعين و من رواه عن التابعين من تابعي التابعين و من اخرجه في كتابه من المحدثين على ترتيب القرون و الطبقات و من وثق الراوين و المخرجين له و من وثق من وثقهم و هكذا في طرز عجيب لم يسبقه اليه احد.قال ابن كثير الشامي في تاريخه:اعتني بأمر هذا الحديثـيعني حديث الغديرـابو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير و التاريخ فجمع فيه مجلدين اورد فيهما طرقه و ألفاظه و كذلك الحافظ الكبير ابو القاسم ابن عساكرـصاحب تاريخ دمشقـاورد احاديث كثيرة في هذه الخطبة يعني خطبة يوم الغدير«ا ه»ثم اورد ابن كثير احاديث كثيرة جدا مما ورد في يوم الغدير نقلها من كتاب ابن جرير المشار اليه و يأتي نقل بعضها،و اما طعن ابي داود و ابي حاتم فيه الذي لا منشأ له الا التحامل فهو قد قال فيما يأتي انه لا يلتفت اليه.

(ثانيها) ان اسم المولى يطلق على عشرين معنى منها انه السيد الذي ينبغي محبته و يجتنب بغضه و ايد ذلك بما مر عنه من ان بريدة لما جاء من اليمن مع علي شكا بريدة عليا الى النبي«ص»فقال ذلك لبريدة خاصة ثم احب ان يقوله للصحابة عموما في غدير خم أي فكماعليهم ان يحبوني عليهم ان يحبوا عليا (و يرده) ان اسم المولى لو كان يطلق على الف معنى فالمراد به هنا الاولى لاقترانه بقوله أ لست اولى بكم من انفسكم فقالوا بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه كما مر تفصيله،على ان هذا الاهتمام العظيم من النبي«ص»بجمع الناس في غدير خم و الخطبة و رفع علي معه و اخذه بضبعيه حتى بان بياض ابطيهما لا يناسب ان يكون الغرض منه ان يعلمهم ان عليهم ان يحبوا عليا كما عليهم ان يحبوه مع كون ذلك امرا ثابتا في حق كل مسلم لا يختص به علي.

(ثالثها) مع تسليم ان المراد انه اولى بالامامة فالمراد في المآل لا في الحال قطعا و الا لكان هو الامام مع وجود النبي«ص»و المآل لم يعين وقته فيجوز ان يكون بعد ان يبايع بالخلافة و ايده بأنه لم يحتج بذلك الا بعد ان صارت الخلافة اليه.

(و يرده) انه لم يقل احد ان معنى الحديث انه اولى بالامامة بل اولى بالمؤمنين من انفسهم فيكون هو الامام بعد النبي«ص»لان الامامة لا تزيد على ذلك و اما في حياة النبي«ص»فقد علم انه ليس للناس امام غيره،و اما ارادة انه اولى بالمؤمنين من انفسهم في زمن خلافته فتقييد بلا مقيد.و اما عدم احتجاجه بذلك قبل زمن خلافته فلأن القول الفصل حينئذ لم يكن للكلام و الاحتجاج بل كان للسيف و القوة،و ما ينفع الاحتجاج فيمن يقول و الله لاحرقن عليكم او لتخرجن الى البيعة و يجي‏ء بعلي و الزبير و يقول لتبايعان و انتما طائعان او لتبايعان و انتما كارهان كما مر في الجزء الثاني عن الطبري و يقول لعلي انك لست متروكا حتى تبايع.و يدعو بالحطب و يحلف لتخرجن او لأحرقن الدار عليكم فيقال له ان فيها فاطمة فيقول و ان،كما مر عن ابن قتيبة هناك ايضا و يمكن ان يكون ترك الاحتجاج به لان فيه ما لا يمكن ان يتحملوه منه فيقع ما لا تحمد عقباه مع علمه بعدم الفائدة فعدل الى الاحتجاج بالقرابة و بأنه أحق و ما غاب عنا لا يمكننا الاحاطة بجميع خصوصياته لا سيما مع اعتراض الاهواء و العصبيات.

و روى الواحدي النيسابوري في كتاب اسباب النزول بسنده عن ابي سعيد الخدري قال نزلت هذه الآية يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك يوم غدير خم في علي بن ابي طالب.و روى الامام احمد بن حنبل في مسنده و ابو يعلي الموصلي و الحسن بن سفيان فيما حكاه عنهماابن كثير في تاريخه بأسانيدهم عن البراء بن عازب قال:كنا مع رسول الله«ص»في سفر (في حجة الوداع) فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة و كسح لرسول الله«ص»تحت شجرة فصلى الظهر و اخذ بيد علي (فأقامه عن يمينه) فقال أ لستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من انفسهم (أ لست أولى بكل امرى‏ء من نفسه) قالوا بلى فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه،فلقيه عمر بعد ذلك فقال هنيئا لك يا ابن ابي طالب اصبحت و امسيت ولي كل مؤمن و مؤمنة.و روى الحاكم في المستدرك و صححه على شرط الشيخين و لم يتعقبه الذهبي في التلخيص بعدة اسانيد عن ابي الطفيل عن زيد بن ارقم قال لما رجع رسول الله«ص»من حجة الوداع و نزل غدير خم امر بدوحات فقممن فقال كأني قد دعيت فأجبت اني قد تركت فيكم الثقلين احدهما اكبر من الآخر كتاب الله و عترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم قال ان الله عز و جل مولاي و انا مولى كل مؤمن ثم اخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه .و روى الحاكم ايضا بسنده عن سلمة بن كهيل عن ابي الطفيل عامر بن واثلة و صححه على شرطهما انه سمع زيد بن ارقم يقول نزل رسول الله«ص»بين مكة و المدينة عند شجرات خمس دوحات عظام فكنس الناس ما تحت الشجرات ثم راح رسول الله«ص»عشية فصلى ثم خطب و قال ايها الناس اني تارك فيكم امرين لن تضلوا ان اتبعتموهما و هما كتاب الله و اهل بيتي عترتي ثم قال أ تعلمون اني اولى بالمؤمنين من انفسهم ثلاث مرات قالوا نعم فقال من كنت مولاه فعلي مولاه .

و في السيرة الحلبية لما وصل«ص»الى محل بين مكة و المدينة يقال له غدير خم بقرب رابغ جمع الصحابة فخطبهم فقال ايها الناس انما انا بشر يوشك ان يأتيني رسول ربي فأجيب ثم حض على التمسك بكتاب الله و وصى باهل بيته فقال اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي اهل بيتي و لن يفترقا حتى يردا علي الحوض،و قال في حق علي لما كرر عليهم أ لست أولى بكم من انفسكم ثلاثا و هم يجيبونه بالتصديق و الاعتراف و رفع يد علي و قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و احب من احبه و ابغض من ابغضه و انصر من نصره و أعن من اعانه و اخذل من خذله و أدر الحق معه حيث دار،ثم قال و هذا حديث صحيح ورد باسانيد صحاح و حسان.قال و لا التفات لمن قدح في صحته.قال و قول بعضهم ان زيادة اللهم وال من والاه الخ موضوعة مردود فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيرا منها. (انتهت السيرة الحلبية) .

و قال ابن ماجة:حدثنا علي بن محمد انبأنا ابو الحسين انبأنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد ابن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب:اقبلنا مع رسول الله«ص»في حجة الوداع فنزل في الطريق فامر بالصلاة جامعة فاخذ بيد علي فقال أ لست اولى بالمؤمنين من انفسهم قالوا بلى قال أ لست اولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فهذا ولي من انا مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه«اه».قال ابن كثير و كذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن علي بن زيد بن جدعان عن البراء«اه».و اورد ابن كثير عن الامام احمد بعدة اسانيد عن زيد بن ارقم في بعضها نزلنا مع رسول الله«ص»منزلا يقال له وادي خم فامر بالصلاة فصلاها بهجير فخطبنا و ظلل رسول الله بثوب على شجرة ستره من الشمس قال ألستم تعلمونـاو أ لستم تشهدونـاني اولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فمن كنت مولاه فان عليا مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه،قال ابن كثير و هذا اسناد جيد رجاله ثقات على شرط السنن،و اورد ابن كثير روايات كثيرة باسانيدها من كتاب غدير خم لابن جرير و في بعضها انه«ص»قال ايها الناس اني وليكم قالوا صدقت فرفع يد علي فقال هذا وليي و المؤدي عني و ان الله موالي من والاه و معادي من عاداه«اه»تاريخ ابن كثير و استقصاء ما فيه يطول به الكلام.

و روى النسائي في الخصائص عن محمد بن المثنى عن يحيى بن حماد عن ابي معاوية عن الاعمش عن حبيب بن ابي ثابت عن ابي الطفيل عن زيد بن ارقم قال لما رجع رسول الله«ص»من حجة الوداع و نزل غدير خم امر بدوحات فقممن ثم قال كاني قد دعيت فاجبت و اني تارك فيكم الثقلين احدهما اكبر من الآخر كتاب الله و عترتي اهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم قال ان الله مولاي و انا ولي كل مؤمن ثم اخذ بيد علي فقال من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه فقلت لزيد سمعته من رسول الله«ص»فقال نعم و انه ما كان في الدوحات احد الا رآه بعينه و سمعه باذنه،قال ابن كثير في تاريخه قال شيخنا ابو عبد الله الذهبي و هذا حديث صحيح.و روى النسائي في الخصائص ايضا بسنده عن زيد بن ارقم قام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أ لستم تعلمون اني أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى نشهد لأنت اولى بكل مؤمن من نفسه قال فاني من كنت مولاه فهذا مولاه و اخذ بيد علي.و روى النسائي في الخصائص ايضا بسنده عن عائشة بنت سعد سمعت ابي يقول سمعت رسول الله«ص»يوم الجحفة فاخذ بيد علي فحمد الله و أثنى عليه ثم قال ايها الناس اني وليكم قالوا صدقت يا رسول الله ثم اخذ بيد علي فرفعها فقال هذا وليي و يؤدي عني و انما موالي من والاه و معادي من عاداه.و حكى ابن كثير عن ابن جرير الطبري انه رواه بسنده عن عائشة بنت سعد عن ابيها مثله الا انه قال هذا وليي و المؤدي عني و ان الله موالي من والاه و معادي من عاداه،قال ثم رواه ابن جرير من طريق آخر و انه عليه السلام وقف حتى لحقه من بعده و أمر برد من كان تقدم فخطبهم الحديث (و روى) النسائي بسنده عن عائشة بنت سعد عن سعد قال اخذ رسول الله«ص»بيد علي فخطب فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أ لم تعلموا اني اولى بكم من انفسكم قالوا نعم صدقت يا رسول الله ثم اخذ بيد علي فرفعها فقال من كنت وليه فهذا وليه و ان الله ليوالي من والاه و يعادي من عاداه.و بسنده عن عائشة بنت سعد عن سعد قال كنا مع رسول الله«ص»بطريق مكة و هو متوجه اليها فلما بلغ غدير خم وقف للناس ثم رد من تقدم و لحقه من تخلف فلما اجتمع الناس اليه قال ايها الناس من وليكم قالوا الله و رسوله ثلاثا ثم اخذ بيد علي فاقامه ثم قال من كان الله و رسوله وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه (اقول) كأنه اشار بذلك الى قوله تعالى انما وليكم الله و رسوله (الآية) و الولي هنا بمعني الاولى و منه ولي الطفل و ولي المرأة«اه».

و في الاستيعاب:روى بريدة و ابو هريرة و جابر و البراء بن عازب و زيد بن ارقم كل واحد منهم عن النبي«ص»انه قال يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه،و بعضهم لا يزيد على من كنت مولاه فعلي مولاه،ثم قال بعد ذكر خبر اعطاء الراية يوم خيبر و هذه كلها آثار ثابتة.

و حكى صاحب السيرة الحلبية عن بعضهم انه لما شاع قوله«ص»من كنت مولاه فعلي مولاه في سائر الامصار و طار في الاقطار بلغ الحارث بن النعمان الفهري فقدم المدينة و دخل‏على النبي«ص»ثم قال يا محمد امرتنا بالشهادتين فقبلنا و امرتنا بالصلاة و الصوم و الزكاة و الحج فقبلنا ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته و قلت من كنت مولاه فعلي مولاه فهذا شي‏ء من الله او منك فاحمرت عينا رسول الله«ص»فقال و الله الذي لا اله الا هو انه من الله و ليس مني قالها ثلاثا فقام الحارث و هو يقول اللهم ان كان ما يقول محمد حقا فارسل علينا حجارة من السماء«الآية»و كان ذلك (اي ما جرى يوم الغدير) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة«اه».

استشهاد علي عليه السلام في خلافته

(جماعة من الصحابة على حديث الغدير)

في السيرة الحلبية:قد جاء ان عليا قام خطيبا ثم قال انشد الله من شهد يوم غدير خم الا قام و لا يقوم رجل يقول انبئت او بلغني الا رجل سمعت اذناه و وعى قلبه فقام سبعة عشر صحابيا و في رواية ثلاثون صحابيا و في المعجم الكبير ستة عشر و في رواية اثنا عشر فذكر الحديث و عن زيد بن ارقم كنت ممن كتم فذهب الله ببصري و كان علي دعا على من كتم (انتهت السيرة الحلبية) .

و قال ابن كثير في تاريخه:اورد ابن ماجة عن عبد الله ابن الامام احمد في مسند ابيه بعدة اسانيد عن سعيد بن وهب و عن زيد بن يثيع (2) قال نشد علي الناس في الرحبة من سمع رسول الله«ص»يقول يوم غدير خم ما قال الا قام فقام من قبل سعيد ستة و من قبل زيد ستة فشهدوا انهم سمعوا رسول الله«ص»يقول لعلي يوم غدير خم أ ليس رسول الله اولى بالمؤمنين من انفسهم قالوا بلى قال اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه قال و في بعضها زيادة و انصر من نصره و اخذل من خذله،و اورد فيه ايضا بعدة اسانيد عن عبد الرحمن بن ابي ليلى نحوه،و في بعضها فقام اثنا عشر رجلا فقالوا قد رأيناه و سمعناه حيث اخذ بيده يقول اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من‏نصره و اخذل من خذله الا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فاصابتهم دعوته .و اورد عنه ايضا بعدة اسانيد عن جماعة منهم ابو الطفيل قال جمع علي الناس في الرحبة يعني رحبة مسجد الكوفة قال انشد الله كل من سمع رسول الله«ص»يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام ناس كثير فشهدوا حين اخذ بيده فقال للناس أ تعلمون اني اولى بالمؤمنين من انفسهم قالوا نعم يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه قال فخرجت كأن في نفسي شيئا فلقيت زيد بن ارقم فقلت له اني سمعت عليا يقول كذا و كذا قال فما تنكر سمعت رسول الله«ص»يقول ذلك له هكذا ذكره الامام احمد في مسند زيد ابن ارقم«اه».

و في الخصائص بسنده عن عمرو بن سعد انه سمع عليا و هو ينشد في الرحبة من سمع رسول الله«ص»يقول من كنت مولاه فعلي مولاه فقام ستة نفر فشهدوا (و بسنده) عن سعيد ابن وهب انه قام صحابة ستة و قال زيد بن يثيع و قام مما يلي المنبر ستة فشهدوا انهم سمعوا رسول الله«ص»يقول من كنت مولاه فعلي مولاه (و فيه) اخبرنا ابو داود حدثنا عمران ابن ابان حدثنا شريك حدثنا ابو اسحق عن زيد بن يثيع سمعت علي بن ابي طالب يقول على منبر الكوفة اني انشد الله رجلا و لا يشهد الا اصحاب محمد سمع رسول الله«ص»يوم غدير خم يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه فقام ستة من جانب المنبر و ستة من جانب المنبر الآخر فشهدوا انهم سمعوا رسول الله«ص»يقول ذلك قال شريك فقلت لابي اسحق هل سمعت البراء بن عازب يحدث بهذا عن رسول الله«ص»قال نعم،قال ابو عبد الرحمن«هو النسائي»:عمران بن ابان الواسطي ليس بقوي في الحديث (و بسنده) المتعدد عن فطر بن خليفة عن ابي الطفيل عامر بن واثلة قال جمع علي الناس في الرحبة فقال انشد بالله كل امرى‏ء سمع من رسول الله«ص»قال يوم غدير خم أ لستم تعلمون اني اولى بالمؤمنين من انفسهم و هو قائم ثم اخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه قال ابو الطفيل فخرجت و في نفسي منه شي‏ء فلقيت زيد بن ارقم فاخبرته فقال تشك انا سمعته من رسول الله«ص» (و بسنده) عن سعيد بن وهب قال علي في الرحبة انشد بالله من سمع رسول الله«ص»يوم غدير خم يقول ان الله و رسوله ولي المؤمنين و من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه‏و انصر من نصره قال سعيد قام الى جنبي ستة قال زيد بن يثيع قام عندي ستة و قال عمرو ذو مر احب من احبه و ابغض من ابغضه و ساق الحديث (و بسنده) عن عمرو ذي مر شهدت عليا بالرحبة ينشد اصحاب محمد أيكم سمع رسول الله«ص»يقول يوم غدير خم ما قال فقام اناس فشهدوا انهم سمعوا رسول الله«ص»يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و احب من احبه و ابغض من ابغضه و انصر من نصره (و بسنده) عن سعيد بن وهب قال علي في الرحبة انشد بالله من سمع رسول الله«ص»يوم غدير خم يقول الله وليي و انا ولي المؤمنين و من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره فقال سعيد قام الى جنبي ستة و قال حارثة بن نصر قام ستة و قال زيد بن يثيع قام عندي ستة و قال عمرو ذو مر احب من احبه (و في اسد الغابة) بسنده عن عبد الرحمن بن ابي ليلى شهدت عليا في الرحبة يناشد الناس انشد الله من سمع رسول الله«ص»يقول يوم غدير خم أ لست اولى بالمؤمنين من انفسهم و ازواجي امهاتهم قلنا بلى يا رسول الله فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه،و قد روي مثل هذا عن البراء بن عازب و زاد فقال عمر بن الخطاب يا ابن ابي طالب اصبحت اليوم ولي كل مؤمن«اه».

قال المفيد في الارشاد:و كان في حجة الوداع من فضل أمير المؤمنين عليه السلام الذي اختص به ما شرحناه و انفرد فيه من المنقبة الجليلة ما ذكرناه و كان شريك النبي في حجه و هديه و مناسكه و وفقه الله تعالى لمساواة نبيه في نيته و وفاقه في عبادته و ظهر من مكانه عنده و جليل محله عند الله سبحانه ما نوه به في مدحته و اوجب له فرض طاعته على الخلائق و اختصاصه بخلافته و التصريح منه بالدعوة الى اتباعه و النهي عن مخالفته و الدعاء لمن اقتدى به في الدين و قام بنصرته و الدعاء على من خالفه و اللعن لمن بارزه بعداوته و كشف بذلك عن كونه افضل خلق الله تعالى و اجل بريته و هذا مما لم يشركه فيه ايضا احد من الامة و لا تعرض منه بفضل يقاربه على شبهة لمن ظنه او بصيرة لمن عرف المعنى في حقيقته و الله المحمود«اه».

(الرابع) انه افضل الصحابة فيكون هو الامام لان تقديم المفضول على الفاضل قبيح و الدليل على انه افضل الصحابة امور: (احدها) ان الناس انما تتفاضل بالصفات الحسنة النفسية كالعلم و الحلم و الصفح و الشجاعة و السماحة و الفصاحة و البلاغة و العدل و محاسن الاخلاق و العبادة و الزهادة و الجهاد و غير ذلك.

(اما العلم) فقد كان أعلم الصحابة و كانوا يرجعون اليه في المشكلات و لم يكن يرجع الى احد و كفى في ذلك قول عمر:لو لا علي لهلك عمر،قضية و لا ابو حسن لها،اعوذ بالله من قضية ليس لها ابو حسن،لا يفتين احد في المسجد و علي حاضر و امثاله مما شاع و ذاع و عرفه كل احد حتى استشهد به النحويون في كتبهم.و قوله«ص»:انا مدينة العلم و علي بابها،و قوله«ص»اعطي علي تسعة اجزاء الحكمة و الناس جزءا واحدا،و قول ابن عباس انه اعطي تسعة اعشار العلم و شارك في العشر العاشر،و انه ما شك في قضاء بين اثنين،و انه اقضى اهل المدينة و أعلمهم بالفرائض،و قوله«ص»:انه أقضى اصحابه.و قد ألفت المؤلفات في قضاياه بالخصوص،و قول عطاء ما اعلم احدا كان في اصحاب محمد«ص»اعلم من علي،و قول عائشة اما انه لأعلم الناس بالسنة،و قوله عليه السلام سلوني فو الله لا تسألوني عن شي‏ء الا اخبرتكم سلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية الا و انا أعلم أ بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل،و انه ما كان احد يقول سلوني غيره،و قوله«ص»لما نزلت و تعيها اذن واعية انت اذن واعية لعلمي.و قول معوية ذهب الفقه و العلم بموت علي بن ابي طالب.و ذكرنا هذا كله مفصلا باسانيده عن ذكر فضائله.

قال المفيد في الارشاد:فاما الاخبار التي جاءت بالباهر من قضاياه في الدين و احكامه التي افتقر اليه في علمها كافة المؤمنين بعد الذي أثبتناه من جملة الوارد في تقدمه في العلم و تبريزه على الجماعة بالمعرفة و الفهم و فزع علماء الصحابة اليه فيما اعضل من ذلك و التجائهم اليه فيه و تسليمهم له القضاء به فهي اكثر من تحصى و أجل من ان تتعاطى فمن ذلك ما رواه نقلة الآثار من العامة و الخاصة في قضاياه و رسول الله حي فصوبه فيها و حكم له بالحق فيما قضاه و دعا له بخير و أثنى عليه به و أبانه بالفضل في ذلك من الكافة و دل به على استحقاقه الامر من بعده و وجوب تقدمه على من سواه في مقام الامامة كما تضمن ذلك التنزيل فيما دل على معناه و عرف به ما حواه من التأويل حيث يقول الله عز و جل (أ فمن يهدي الى الحق‏احق ان يتبع أم من لا يهدي الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون) و قوله (قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون انما يتذكر اولو الالباب) و قوله عز و جل في قصة آدم و قد قالت الملائكة (ا تجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك قال اني أعلم ما لا تعلمون و علم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما انبأهم باسمائهم قال أ لم اقل لكم اني اعلم غيب السماوات و الارض و اعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون) فنبه الله جل جلاله الملائكة على ان آدم احق بالخلافة منهم لانه أعلم منهم بالاسماء و افضلهم في علم الانباء .و قال تقدست اسماؤه في قصة طالوت (و قال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا و نحن أحق بالملك منه و لم يؤت سعة من المال قال ان الله اصطفاه عليكم و زاده بسطة في العلم و الجسم و الله يؤتي ملكه من يشاء و الله واسع عليم) فجعل جهة حقه في التقدم عليهم ما زاده الله من البسطة في العلم و الجسم و اصطفاءه اياه على كافتهم بذلك و كانت هذه الآيات موافقة لدلائل العقول في ان الأعلم هو أحق بالتقدم في محل الامامة ممن لا يساويه في العلم و دلت على وجوب تقدم أمير المؤمنين على كافة المسلمين في خلافة الرسول و امامة الامة لتقدمه في العلم و الحكمة و قصورهم عن منزلته في ذلك«اه» .

(و اما الحلم و الصفح) فقد ذكرنا عند ذكر فضائله ما يثبت ذلك بأوضح وجه و اجلاه و كذا الباقي فلا نطيل باعادته،و امتيازه في كل ذلك قد صار ملحقا بالضروريات منتظما في سلك المتواترات و الاستدلال عليه كالاستدلال على الشمس الضاحية،و ما ذكرناه في ذلك قد اتفق على روايته المؤالف و المخالف بخلاف ما روي مما يعارضه فقد رواه فريق دون فريق و تطرقت اليه الشبهة بما كان يجهد فيه اعداء أمير المؤمنين في عصر الملك العضوض و يبذلون على روايته الاموال و هم في سلطانهم،و الاطالة في هذا تخرجنا عن موضوع الكتاب و فيما ذكر غنى و كفاية و مقنع لمن اراد و الله الهادي.

(ثانيها) حديث الطائر المشوي الذي مر في الفضائل لدلالته على انه احب الخلق الى الله تعالى بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم و معلوم ان حب الله تعالى و حب النبي«ص»لا يكون كحب غيرهم لمحاباة او قرابة او منفعة او غيرها و لا يكون الا عن استحقاق فيدل على الافضلية.

(ثالثها) حديث الكساء و مر ذكره في سيرة الزهراء عليها السلام في الجزء الثاني و مر في الفضائل في هذا الجزء.

(رابعها) ما دل على انه نفس رسول الله«ص»في آية المباهلة (فقل تعالوا ندع ابناءنا و ابناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) و يأتي خبر نزولها عند ذكر و فد نجران سنة عشر من الهجرة و انما نذكر هنا بعض ما يتعلق بكونه نفس رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقط فنقول:اتفق الرواة و المفسرون على ان الذين دعاهم رسول الله«ص»للمباهلة هم علي و فاطمة و الحسنان و انه لم يدع احدا غيرهم .و حينئذ فالمراد بأبنائنا الحسنان و بنسائنا فاطمة و هو واضح.اما انفسنا فلا يجوز ان يكون المراد به غير علي بن ابي طالب لما ذكره صاحب مجمع البيان و غيره من انه لا يجوز ان يدعو الانسان نفسه و انما يصح ان يدعو غيره و اذا كان قوله و انفسنا لا بد ان يكون اشارة الى غير الرسول وجب ان يكون اشارة الى علي لانه لا احد يدعي دخول غير أمير المؤمنين علي و زوجته و ولديه في المباهلة.و يمكن ان يقال بأنه يصح التعبير عن الحضور بدعاء النفس مجازا و هو المراد هنا فالاولى في الاستدلال ان يقال ان الاتفاق واقع على ان عليا كان من جملة من دعاهم النبي«ص»للمباهلة و ليس داخلا في الابناء و النساء قطعا فتعين دخوله في قوله و انفسنا فيكون المراد بأنفسنا علي وحده او هو مع النبي«ص»و على الوجهين يكون قد اطلق عليه نفس النبي صلى الله عليه و آله و سلم فان قلنا المراد بانفسنا علي وحده كان التجوز في انفسنا وحدها،و ان قلنا المراد به رسول الله و علي معا كان التجوز في ندعو باستعمالها في دعاء النفس و دعاء الغير و في انفسنا ايضا.

و الحاصل ان انفسنا مراد به علي بن ابي طالب اما وحده او مع النبي«ص»اختار الاول الشعبي فيما حكاه عنه الواحدي فقال ابناءنا الحسن و الحسين و نساءنا فاطمة و انفسنا علي ابن ابي طالب،و اختار الثاني جابر فيما حكاه عنه صاحب الدر المنثور فقال انفسنا رسول الله و علي و ابناؤنا الحسن و الحسين و نساؤنا فاطمة.

(فاذا) ثبت ان المراد بانفسنا علي بن ابي طالب دل على انه افضل الخلق بعد رسول الله«ص»اذ المراد به انه مثل نفسه مجازا لان كونه نفسه حقيقة باطل بالضرورة و اذا ثبت اطلاق انه مثله كان المراد انه مثله في جميع صفاته الا ما اخرجه الدليل مثل النبوة و المساواة في الفضل للاجماع على ان عليا ليس بنبي و ان النبي«ص»افضل منه فبقي الباقي و هو انه افضل من سائر الصحابة و بالجملة ففي كونه مثل النبي الا ما اخرجه الدليل غنى و كفاية .قال الرازي في تفسيره:كان في الري رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصي (3) و كان متكلم الاثني عشرية و كان يزعم ان قوله و انفسنا و انفسكم يدل على ان عليا افضل من جميع الانبياء سوى محمد«ص»لان الانسان لا يدعو نفسه بل غيره و اجمعوا على ان ذلك الغير كان علي ابن ابي طالب فدلت على ان نفسه هي نفس محمد و لا يمكن ان يراد ان هذه النفس عين تلك النفس فالمراد انها مثلها و ذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه ترك العمل به في النبوة و الفضل لقيام الدليل فبقى ما عداه.و محمد افضل من سائر الانبياء فعلي مثله.ثم قال (اي الحمصي) و يؤيد الاستدلال بهذه الآية الحديث المقبول عند الموافق و المخالف و هو قوله عليه السلام:من اراد ان يرى آدم في علمه و نوحا في طاعته و ابراهيم في خلقه فلينظر الى علي بن ابي طالب،فالحديث دل على انه اجتمع فيه ما كان متفرقا فيهم و ذلك يدل على انه افضل من جميعهم سوى محمد«ص».قال:و اما سائر الشيعة فقد كانوا قديما و حديثا يستدلون بهذه الآية على ان عليا افضل من سائر الصحابة لان الآية لما دلت على ان نفسه مثل نفسه الا فيما خصه الدليل و كانت نفس محمد افضل من الصحابة فوجب ان تكون نفس علي كذلك.و الجواب انه كما انعقد الاجماع بين المسلمين على ان محمدا عليه السلام افضل من علي كذلك انعقد الاجماع بينهم قبل ظهور هذا الانسان على ان النبي افضل ممن ليس بنبي«اه»ملخصا.و قد دل كلامه على تسليم دلالة الآية على ذلك لو لا الاجماع فبقي‏الامر موقوفا على تحقق الاجماع هذا بالنسبة الى الانبياء،اما بالنسبة الى الصحابة فهو يسلم به لانه لم يرده و لم يناقش فيه.

قال المفيد:

و في قصة اهل نجران بيان عن فضل أمير المؤمنين عليه السلام مع ما فيه من الآية للنبي«ص»و المعجز الدال على نبوته،و ان الله تعالى حكم في آية المباهلة لامير المؤمنين عليه السلام بانه نفس رسول الله«ص»كاشفا بذلك عن بلوغه نهاية الفضل و مساواته للنبي«ص»في الكمال و العصمة من الآثام و ان الله تعالى جعله و زوجته و ولديه مع تقارب سنهما حجة لنبيه و برهانا على دينه و نص على الحكم بان الحسن و الحسين ابناؤه و ان فاطمة نساؤه المتوجه اليهن الذكر و الخطاب في الدعاء الى المباهلة و الاحتجاج و هذا فضل لم يشركهم فيه احد من الامة و لاقاربهم فيه و لا ماثلهم في معناه و هو لاحق بما تقدم من مناقب أمير المؤمنين الخاصة به.

(الخامس) قوله تعالى:انما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون.نزلت في حق علي بن ابي طالب لما تصدق بخاتمه و هو في الصلاة،فلفظ الذين آمنوا و ان كان عاما الا ان المراد به خاص و ارادة الواحد من لفظ الجمع في كلام العرب و في القرآن الكريم غير عزيزة مع دلالة القرينة كما في قوله تعالى الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم و المراد نعيم بن مسعود،و المراد من الزكاة فيها هي الصدقة لان الزكاة و ان اشتهرت في الشرع في الصدقة الواجبة لكنها تطلق على المستحبة ايضا بكثرة و قوله و هم راكعون حال من ضمير يؤتون الزكاة اي و يؤتون الزكاة في حال ركوعهم.روى الواحدي النيسابوري في كتابه اسباب النزول عن الكلبي ان آخر الآية في علي بن ابي طالب لانه اعطى خاتمه سائلا و هو راكع.و روى بسنده عن ابن عباس قال اقبل عبد الله بن سلام و معه نفر من قومه قد آمنوا فقالوا يا رسول الله ان منازلنا بعيدة و ليس لنا مجلس و لا متحدث و ان قومنا لما رأونا آمنا بالله و رسوله و صدقناه رفضونا و آلوا على انفسهم ان لا يجالسونا و لا يناكحونا و لا يكلمونا فشق ذلك علينا فقال لهم النبي عليه السلام:انما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا«الآية»ثم ان النبي«ص»خرج الى المسجد و الناس بين قائم و راكع فنظر سائلا فقال هل اعطاك احد شيئا قال نعم خاتم قال من‏اعطاكه قال ذلك القائم و أومأ بيده الى علي بن ابي طالب فقال على اي حال اعطاك قال اعطاني و هو راكع فكبر النبي«ص»ثم قرأ و من يتول الله و رسوله و الذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون،و في الدر المنثور للسيوطي:اخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس قال:أتى عبد الله بن سلام و ذكر نحوه.و في اسباب النزول للسيوطي:اخرج الطبراني في الاوسط بسند فيه مجاهيل عن عمار بن ياسر قال:وقف على علي بن ابي طالب سائل و هو راكع في تطوع فنزل خاتمه فأعطاه السائل فنزلت انما وليكم الله و رسوله«الآية»و له شاهد.قال عبد الرزاق حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن ابيه عن ابن عباس في قوله انما وليكم الله و رسوله«الآية»قال نزلت في علي بن ابي طالب.و روى ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس مثله،و اخرج ايضا عن علي مثله،و اخرج ابن جرير عن مجاهد و ابن ابي حاتم عن سلمة بن كهيل مثله قال فهذه شواهد يقوي بعضها بعضا«اه»اسباب النزول،يعني فلا يضر كون بعض طرقه فيه مجاهيل.و قال السيوطي في الدر المنثور:اخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال تصدق علي بخاتمه و هو راكع فقال النبي«ص»للسائل من اعطاك هذا الخاتم قال ذاك الراكع فانزل الله انما وليكم الله و رسوله.و اخرج عبد الرزاق و عبد بن حميد و ابن جرير و ابو الشيخ و ابن مردويه عن ابن عباس في قوله انما وليكم الله و رسوله«الآية»قال نزلت في علي بن ابي طالب.و اخرج الطبراني في الاوسط و ابن مردويه عن عمار بن ياسر قال وقف بعلي سائل و هو راكع في صلاة تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل فأتى رسول الله«ص»فاعلمه ذلك فنزلت على النبي«ص»هذه الآية انما وليكم الله و رسوله«الآية»فقرأ رسول الله«ص»على اصحابه ثم قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه،و اخرج ابو الشيخ و ابن مردويه عن علي بن ابي طالب قال نزلت هذه الآية على رسول الله«ص»في بيته انما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا الى آخر الآية فخرج رسول الله«ص»فدخل المسجد و جاء الناس يصلون بين راكع و ساجد و قائم يصلي فاذا سائل فقال يا سائل هل اعطاك احد شيئا قال لا الا ذاك الراكع لعلي ابن ابي طالب اعطاني خاتمه .و اخرج ابن ابي حاتم و ابو الشيخ و ابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال تصدق علي بخاتمه و هو راكع فنزلت انما وليكم الله«الآية»،و اخرج الطبراني و ابن مردويه و ابو نعيم عن ابي رافع قال دخلت على رسول الله«ص»و هو نائم يوحى اليه«الى‏ان قال»فمكث ساعة فاستيقظ و هو يقول:انما وليكم الله و رسوله«الآية»الحمد لله الذي أتم لعلي نعمه و هنيئا لعلي بتفضيل الله اياه.و اخرج ابن مردويه عن ابن عباس:كان علي ابن ابي طالب قائما يصلي فمر سائل و هو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت هذه الآية نزلت في الذين آمنوا و علي اولهم«اه»الدر المنثور .و في الكشاف:و هم راكعون الواو فيه للحال اي يعلمون ذلك في حال الركوع و هو الخشوع و الاخبات و التواضع لله اذا صلوا و اذا زكوا و قيل هو حال من يؤتون الزكاة بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة و انها نزلت في حق علي ابن ابي طالب حين سأله سائل و هو راكع في صلاته فطرح له خاتمه قال فان قلت كيف صح ان يكون لعلي و اللفظ لفظ جماعة قلت جي‏ء به على لفظ الجمع و ان كان السبب فيه رجلا واحدا ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه«اه» (اقول) الركوع و ان كان في اللغة بمعنى مطلق الخضوع لكنه صار في الشرع اسما لركوع الصلاة كما ان الصلاة كان معناها في اللغة مطلق الدعاء و صارت في عرف الشرع لذات الاركان فقوله تعالى و هم راكعون لا يصح ان يراد به و هم خاضعون لان الحقيقة الشرعية و العرفية مقدمة على الحقيقة اللغوية و لم يستعمل في القرآن الا في ذلك المعنى،و اذا قيل لهم اركعوا لا يركعون.يا مريم اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين،و اقيموا الصلاة و آتوا الزكاة و اركعوا مع الراكعين،يا ايها الذين آمنوا اركعوا و اسجدوا،و خر راكعا و أناب،تراهم ركعا سجدا،و الركوع السجود،الراكعون الساجدون،فعلم بذلك ان المراد به ركوع الصلاة،و في تفسير الطبري اختلف اهل التأويل في المراد بالذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون فقال بعضهم عنى به علي بن ابي طالب و قال بعضهم عنى به جميع المؤمنين،ثم روى عن السدي انه قال:هؤلاء جميع المؤمنين و لكن علي بن ابي طالب مر به سائل و هو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه،و روى بسنده عن عبد الملك عن ابي جعفر سألته عن هذه الآية قلنا من الذين آمنوا قال الذين آمنوا قلنا بلغنا انها نزلت في علي بن ابي طالب قال علي من الذين آمنوا.و في الدر المنثور اخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر عن ابي جعفر انه سئل عن هذه الآية و ذكر مثله.قال و اخرج ابو نعيم في الحلية عن عبد الملك بن ابي سليمان قال سألت ابا جعفر محمد بن علي و ذكر نحوه و منه علم ان المراد به الباقر عليه السلام.و روى الطبري في تفسيره عن عتبة بن حكيم في هذه الآية انما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا قال‏علي بن ابي طالب،و بسنده عن مجاهد قال نزلت في علي بن ابي طالب تصدق و هو راكع (اقول) فدل عدم امكان ارادة العموم منها على ان كلام السدي راجع الى ان المراد من الذين آمنوا علي بن ابي طالب بان يكون مراده هؤلاء جميع المؤمنين في ظاهر اللفظ و لكن علي بن ابي طالب مر به سائل و هو راكع فأعطاه خاتمه فكان ذلك قرينة على انه هو المراد و الا لكان كلامه متدافعا،و لذلك قال السيوطي في الدر المنثور :اخرج ابن جرير عن مجاهد انها نزلت في علي بن ابي طالب تصدق و هو راكع،و اخرج ابن جرير عن السدي و عتبة بن حكيم مثله«اه»فجعل السدي من القائلين بنزولها في علي،و المنقول عن ابي جعفر الباقر ان صح فيه نوع اجمال و يمكن ارجاعه الى ما مر بان يكون قوله علي من الذين آمنوا اي فصح اطلاق هذا اللفظ عليه،و من ذلك يعلم ان وجود القائل بالقول الثاني غير متحقق،و في تفسير الفخر الرازي في قوله الذين آمنوا قولان (الاول) ان المراد عامة المؤمنين لان عبادة بن الصامت لما تبرأ من اليهود و قال انا بري‏ء الى الله من حلف قريظة و النضير و اتولى الله و رسوله نزلت هذه الآية على وفق قوله،قال و روي ايضا ان عبد الله بن سلام قال يا رسول الله ان قومنا قد هجرونا و اقسموا ان لا يجالسونا و لا نستطيع مجالسة اصحابك لبعد المنازل فنزلت هذه الاية فقال رضينا بالله و برسوله و بالمؤمنين اولياء . (اقول) الاستشهاد بخبر عبد الله بن سلام على ان المراد عامة المؤمنين لا وجه له لانه انما يدل على ان الله تعالى جعل لهم بدل هجر قومهم اياهم ولاية الله و رسوله و الذين آمنوا سواء اريد بالذين آمنوا العموم او الخصوص فاذا كان هناك ما يدل على الخصوص لم يكن فيه منافاة لهذا الخبر و لذلك ذكره الواحدي في سياق نزولها في علي بن ابي طالب كما مر في الفضائل.قال الفخر (القول الثاني) ان المراد من هذه الاية شخص معينـروي عكرمة انها نزلت في علي بن ابي طالب و روي ان عبد الله بن سلام قال لما نزلت هذه الاية قلت يا رسول الله انا رأيت عليا تصدق بخاتمه على محتاج و هو راكع فنحن نتولاه،و روي عن ابي ذر انه قال صليت مع رسول الله«ص»يوما صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه احد فرفع السائل يده الى السماء و قال اللهم اشهد اني سألت في مسجد الرسول«ص»فما اعطاني احد شيئا و علي«ع»كان راكعا فأومأ اليه بخنصره اليمنى و كان فيها خاتم فأقبل السائل حتى اخذ الخاتم بمرأى النبي«ص»فقال اللهم ان اخي موسى سأل فقال رب اشرح لي صدري الى قوله و اشركه في امري فأنزلت قرآنا ناطقا سنشد عضدك باخيك و نجعل لكما سلطانا اللهم و انا محمد نبيك و صفيك فاشرح لي صدري و يسر لي امري و اجعل لي وزيرا من اهلي عليا اشدد به ظهري،قال ابوذر فو الله ما أتم رسول الله«ص»هذه الكلمة حتى نزل جبرئيل فقال يا محمد اقرأ انما وليكم الله و رسوله الى آخرها«ا ه» (اقول) علم من مجموع ما سلف ان احتمال ارادة عموم المؤمنين ضعيف لا يعول عليه و لا يرجع الى مستند و لا يعارض الاخبار الكثيرة الدالة على نزولها في علي عليه السلام و ان وجود القائل به غير متحقق،مضافا الى انه على هذا الاحتمال تكون الواو في و هم راكعون عاطفة من عطف الخاص على العام كما في أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة و اركعوا مع الراكعين،و لو كان كذلك لكان من مقتضى البلاغة ان يقول و هم يركعون لان الجمل التي قبلها فعلية فلا يناسب عطف الجملة الاسمية الصرفة عليها بل المناسب ان يقول و هم يركعون كما في قوله تعالى الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون و الذين يؤمنون بما انزل اليك و ما انزل من قبلك و بالآخرة هم يوقنون و لم يقل موقنون و رواية عكرمة قد انفرد بها فلا تعارض الروايات الكثيرة مع انه كان متهما برأي الخوارج و اذا كان المراد بهذه الآية شخص معين و هو علي بن ابي طالب كانت دالة على امامته لان في اقتران ولايته بولاية الله تعالى و رسوله«ص»مع الحصر بأنما اقوى دليل على ذلك،و قد أطال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية و ذكر اشياء اكثرها لا طائل تحتها مثل ان اللائق بعلي عليه السلام ان يكون مستغرق القلب بذكر الله في الصلاة لا يتفرغ لاستماع كلام الغير و فهمه (و الجواب) ان الاستماع الى كلام السائل لا يخرج عن ذلك كما يحكى عن ابي الفرج الجوزي انه قال في جواب السائل عن ذلك:

يسقي و يشرب لا تلهيه سكرته‏ 
عن النديم و لا يلهو عن الكاس

(و مثل) ان دفع الخاتم في الصلاة للفقير عمل كثير و اللائق بحال علي عليه السلام ان لا يفعل ذلك (و الجواب) ان اراد انه عمل كثير مبطل للصلاة فقد اجاب عنه في الكشاف بقوله كأن الخاتم كان مرجا في خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته«ا ه»و عند فقهائنا انه لا يفسد الصلاة الا العمل الكثير الماحي لصورتها و ان اراد انه عمل كثير يكره فعله ففيه انه كيف يكره التصدق على الفقير الذي هو من افضل الطاعات الى غير ذلك‏مما اطال به و لا فائدة في نقله و نقضه.

(السادس) آية التطهير:انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا،دلت الاخبار الكثيرة على ان المراد بأهل البيت علي و فاطمة و الحسنان فتدل الآية الشريفة على عصمتهم لان الذنب رجس و قد أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا من كل رجس و ذنب،و لا ينافي ذلك كون ما قبلها و ما بعدها في نساء النبي«ص»بعد ما ورد النص الصريح بان المراد بها ما ذكر و بعد تذكير ضمير عنكم و مراعاة السياق في الكتاب العزيز غير لازمة كما في موارد كثيرة منه و لعل ذلك لانه نزل نجوما،و مر الكلام على ذلك مفصلا في سيرة الزهراء عليها السلام من الجزء الاول و مر له ذكر في الفضائل من هذا الجزء.

(السابع) احاديث الثقلين التي رواها اجلاء علماء اهل السنة و اكابر محدثيهم في صحاحهم باسانيدهم المتعددة و اتفق على روايتها الفريقان فرواها مسلم و الترمذي في صحيحيهما و الامام احمد بن حنبل في مسنده و الثعلبي في تفسيره و ابن المغازلي الشافعي في المناقب و صاحب الجمع بين الصحاح الستة و الحميدي من افراد مسلم و السمعاني في فضائل الصحابة و الحموئي و موفق بن احمد و الطبراني و ابن حجر في صواعقه و غيرهم و رويت من طرق اهل البيت باثنين و ثمانين طريقا (اما روايات اهل السنة) ففيها عن زيد بن ارقم عن النبي (ص) انا تارك فيكم ثقلين اولهما كتاب الله فيه الهدى و النور فخذوا بكتاب الله و استمسكوا به فحث على كتاب الله و رغب فيه ثم قال و اهل بيتي اذكركم الله في اهل بيتي اذكركم الله في اهل بيتي اذكركم الله في اهل بيتي فقال له حصين و من اهل بيته يا زيد أ ليس نساؤه من اهل بيته فقال نساؤه من اهل بيته و لكن اهل بيته من حرم الصدقة بعده قال و من هم قال آل علي و آل عقيل و آل جعفر و آل عباس قال هؤلاء حرم الصدقة قال نعم (و في رواية) لمسلم فقلنا من اهل بيته نساؤه قال لا لأن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع الى ابيها و قومها أهل بيته اصله و عصبته الذين حرموا الصدقة بعده، (و فيها) عن ابي سعيد الخدري عن النبي (ص) اني تارك فيكم الثقلين و في رواية خليفتين احدهما اكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض و عترتي اهل بيتي و انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض«و في رواية»و ان‏اللطيف الخبير اخبرني انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا بما تخلفوني فيهما (و في اخرى) اني قد تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا بعدي الثقلين احدهما اكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض و عترتي اهل بيتي و انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض«و في رواية»اني تارك فيكم امرين لن تضلوا ان تبعتموهما و هما كتاب الله و عترتي اهل بيتي فلا تتقدموهما فتهلكوا و لا تقصروا عنهما فتهلكوا و لا تعلموهم فانهم اعلم منكم،و هي صريحة في خروج النساء من اهل البيت و اختصاصهم بعشيرته و عصبته و قد اوردنا هذه الاحاديث كلها و تكلمنا عليها بما لا مزيد عليه في كتابنا اقناع اللائم على اقامة المآتم فليرجع اليه من اراد.دلت هذه الاحاديث على عصمة أهل البيت من الذنوب و الخطأ لمساواتهم فيها بالقرآن الثابت عصمته في انهم احد الثقلين المخلفين في الناس و في الامر بالتمسك بهم كالتمسك بالقرآن و لو كان الخطأ يقع منهم لما صح الامر بالتمسك بهم الذي هو عبارة عن جعل اقوالهم و افعالهم حجة و في ان المتمسك بهم لا يضل كما لا يضل المتمسك بالقرآن و لو وقع منهم الذنب او الخطأ لكان المتمسك بهم يضل و ان في اتباعهم الهدى و النور كما في القرآن و لو لم يكونوا معصومين لكان في اتباعهم الضلال و في انهم حبل ممدود من السماء الى الارض كالقرآن و هو كناية عن انهم واسطة بين الله تعالى و بين خلقه و ان اقوالهم عن الله تعالى و لو لم يكونوا معصومين لم يكونوا كذلك و في انهم لن يفارقوا القرآن و لن يفارقهم مدة عمر الدنيا و لو اخطأوا او اذنبوا لفارقوا القرآن و فارقهم و في عدم جواز مفارقتهم بتقدم عليهم بجعل نفسه اماما لهم او تقصير عنهم و ائتمام بغيرهم كما لا يجوز التقدم على القرآن بالافتاء بغير ما فيه او التقصير عنه باتباع اقوال مخالفيه و في عدم جواز تعليمهم ورد اقوالهم و لو كانوا يجهلون شيئا لوجب تعليمهم و لم ينه عن رد قولهم،و دلت هذه الاحاديث ايضا على ان منهم من هذه صفته في كل عصر و زمان بدليل قوله«ص»انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض و ان اللطيف الخبير اخبره بذلك و ورود الحوض كناية عن انقضاء عمر الدنيا فلو خلا زمان من احدهما لم يصدق انهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض،اذا علم ذلك ظهر انه لا يمكن ان يراد باهل البيت جميع بني هاشم بل هو من العام المخصوص بمن ثبت اختصاصهم بالفضل و العلم و الزهد و العفة و النزاهة من ائمة اهل البيت الطاهر و هم الائمة الاثنا عشر و امهم الزهراء البتول للاجماع على عدم‏عصمة من عداهم و الوجدان ايضا على خلاف ذلك لان من عداهم من بني هاشم تصدر منهم الذنوب و يجهلون كثيرا من الاحكام و لا يمتازون عن غيرهم من الخلق فلا يمكن ان يكونوا هم المجعولين شركاء القرآن في الامور المذكورة بل يتعين ان يكونوا بعضهم لا كلهم و ليس الا من ذكرنا اما تفسير زيد بن ارقم لهم بمطلق بني هاشم ان صح ذلك عنه فلا تجب متابعته عليه بعد قيام الدليل على بطلانه.

(الثامن) حديث السفينة و باب حطة و هو قوله«ص»مثل اهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تأخر عنها هلك او من ركب فيها نجا و من تخلف عنها غرق او من دخلها نجا و من تخلف عنها هلك.الذي اتفق على روايته جميع علماء الاسلام،قال ابن حجر في الصواعق.جاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضا انما مثل اهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا و في رواية مسلم و من تخلف عنها غرق و في رواية هلك و انما مثل اهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله غفر له و في رواية غفر له الذنوب و قال في موضع آخر جاء من طرق كثيرة يقوي بعضها بعضا مثل اهل بيتي و في رواية انما مثل اهل بيتي و في اخرى ان مثل اهل بيتي و في رواية الا ان مثل اهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجا و من تخلف عنها غرق و في رواية من ركبها سلم و من تركها غرق و ان مثل اهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله غفر له (ا ه) .و روى الحاكم في المستدرك بسنده عن حنش الكناني سمعت ابا ذر يقول و هو آخذ بباب الكعبة من عرفني فانا من عرفتم و من انكرني فانا ابو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول مثل اهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها غرق هذا حديث صحيح على شرط مسلم (ا ه) و قد تكلمنا على هذه الروايات مفصلا في كتاب اقناع اللائم على اقامة المآتم و ذكرنا هناك ان تمثيلهم بسفينة نوح صريح في وجوب اتباعهم و الاقتداء باقوالهم و افعالهم و حرمة اتباع من خالفهم و اي عبارة ابلغ في الدلالة على ذلك من قوله من ركبها نجا و من تخلف عنها هلك او غرق فكما ان كل من ركب مع نوح في سفينته نجا من الغرق و من لم يركب غرق و هلك فكذلك كل من اتبع اهل البيت اصاب الحق و نجا من سخط الله و فاز برضوانه و من خالفهم هلك و وقع في سخط الله و عذابه و ذلك دليل عصمتهم و الا لما كان كل متبع‏لهم ناجيا و كل مخالف لهم هالكا و هذا عام مخصوص كما مر في حديث الثقلين و ليس المراد به الا أئمة اهل البيت الذين وقع الاتفاق على تفضيلهم و اشتهروا بالعلم و الفضل و الزهد و الورع و العبادة و اتفقت الامة على عدم عصمة غيرهم و غير المعصوم لا يكون متبعه ناجيا و مخالفه هالكا على كل حال و لا يقصر عنه في الدلالة خبر تسميتهم بباب حطة الدال على ان النجاة في اتباعهم و الخلاص من الذنوب و المعاصي بالاخذ بطريقتهم.

(التاسع) حديث المنزلة و هو قوله صلى الله عليه و آله و سلم انت مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي.و مر في غزاة تبوك في هذا الجزء و الجزء الثاني انه قال له أ ما ترضى ان تكون مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي.

و هذا الحديث يقع الكلام فيه في مقامين في صحة سنده و اثبات دلالته على المطلوب.

المقام الاول صحة سنده

هذا الحديث قد اعترف اكابر علماء المسلمين و ثقات الرواة من الفريقين بصحة سنده و انه من اثبت الآثار و أصحها.

في الاستيعاب روى قوله صلى الله عليه (و آله) و سلم لعلي انت مني بمنزلة هرون من موسى جماعة من الصحابة و هو من أثبت الآثار و أصحها رواه عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم سعد بن ابي وقاص و طرق حديث سعد فيه كثيرة جدا قد ذكرها ابن ابي خيثمة و غيره.و رواه ابن عباس و ابو سعيد الخدري و ام سلمة و اسماء بنت عميس و جابر بن عبد الله و جماعة يطول ذكرهم ثم روى بسنده عن اسماء بنت عميس انها قالت:سمعت رسول الله«ص»يقول لعلي انت مني بمنزلة هرون من موسى الا انه ليس بعدي نبي.و روى قبل ذلك انه قال له في غزوة تبوك انت مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي (و روى) النسائي في الخصائص هذا الحديث بأسانيد كثيرة عن سعد بن ابي وقاص (فمن رواياته) بسنده عن سعد بن ابي وقاص قال لما غزا رسول الله«ص»غزوة تبوك و خلف عليا في المدينة قالوا فيه مله و كره صحبته فتبع علي النبي«ص»حتى لحقه في الطريق قال يا رسول الله خلفتني بالمدينة مع الذراري و النساء حتى قالوا مله و كره صحبته فقال النبي«ص»انما خلفتك على اهلي أ ماترضى ان تكون مني بمنزلة هرون من موسى غير انه لا نبي بعدي (و في رواية) الا انه لا نبوة بعدي (و في رواية) فقال علي رضيت رضيت (و في رواية) انت يا ابن ابي طالب مني مكان هرون من موسى الا انه لا نبي من بعدي (و في رواية) الا انه ليس من بعدي نبي (و بسنده) عن سعد بن ابي وقاص ان النبي«ص»قال لعلي انت مني بمنزلة هرون من موسى (و بسنده) عن سعد قال لما خرج رسول الله«ص»الى تبوك خرج علي فتبعه فشكا و قال يا رسول الله أ تتركني مع الخوالف فقال النبي«ص»يا علي أ ما ترضى ان تكون مني بمنزلة هرون من موسى الا النبوة (و بسنده) عن سعد بن مالك ان رسول الله«ص»غزا على ناقته الجدعاء و خلف عليا و جاء علي حتى تعدى الناقة فقال يا رسول الله زعمت قريش انك انما خلفتني لانك استثقلتني و كرهت صحبتي و بكى فنادى رسول الله«ص»في الناس ما منكم احد الا و له حاجة بابن ابي طالب أ ما ترضى ان تكون مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي قال علي رضيت عن الله عز و جل و عن رسول الله«ص». (و روى) مسلم في صحيحه حديث المنزلة بعدة اسانيد منها عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد ابن ابي وقاص عن ابيه ان النبي«ص»قال لعلي انت مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي قال سعيد فاحببت ان اشافه بذلك سعدا فلقيته فحدثته بما حدثني به عامر فقال انا سمعته فقال انا سمعته فقلت انت سمعته فوضع اصبعيه على اذنيه فقال نعم و الا فاستكتا (و رواه) في اسد الغابة بسنده عن سعيد عن عامر عن ابيه نحوه (و رواه) النسائي في الخصائص بسنده عن سعيد عن عامر بن سعد عن سعد مثله بتفاوت يسير (و روى) مسلم في صحيحه بسنده عن مصعب بن سعد بن ابي وقاص قال:خلف رسول الله«ص»علي بن ابي طالب في غزوة تبوك فقال يا رسول الله تخلفني في النساء و الصبيان فقال أ ما ترضى ان تكون مني بمنزلة هرون من موسى غير انه لا نبي بعدي.

المقام الثاني اثبات دلالته على المطلوب

من القواعد المسلمة ان الاستثناء دليل العموم فيما عدى المستثنى فقوله الا انه لا نبي بعدي يدل على عموم المنزلة و هرون كان وزيرا لموسى و شريكا له في النبوة و لو عاش بعدموسى لكان خليفة له لكنه مات في حياته فعلي له منزلة هرون عدى المشاركة في النبوة و حيث انه بقي بعد النبي«ص»فيكون خليفة له و تنتفي عنه صفة النبوة خاصة.

(لا يقال) هرون كان خليفة موسى عليهما السلام على قومه في حياته مدة غيابه كما حكاه الله تعالى بقوله اخلفني في قومي و علي عليه السلام خلفه على اهله و على المدينة في حياته مدة غيابه و لذلك قال له انت مني بمنزلة هرون من موسى اي كما ان موسى خلف هرون على قومه في حياته مدة غيابه فانا خلفتك على اهلي في حياتي مدة غيابي و اين هذا من الامامة و الخلافة العامة.

(لأنا نقول) ينافي التخصيص بذلك الاستثناء الدال على عموم المنزلة كما مر فهو دال على ان لعلي من النبي جميع ما كان لهرون من موسى عدا النبوة.

قال المفيد في الارشاد:تضمن هذا القول من رسول الله«ص»نصه عليه بالامامة و ابانته من الكافة بالخلافة و دل به على فضل لم يشركه فيه احد سواه و أوجب له به جميع منازل هرون من موسى الا ما خصه العرف و استثناه هو من النبوة الا ترى انه جعل له كافة منازل هرون من موسى الا المستثنى منها لفظا (و هو النبوة) و عقلا و هو الاخوة و قد علم من تأمل معاني القرآن و تصفح الروايات و الاخبار ان هرون كان اخا موسى لابيه و امه و شريكه في امره و وزيره على نبوته و تبليغه رسالات ربه و ان الله سبحانه شد به ازره و انه كان خليفته على قومه و كان له من الامامة عليهم و فرض الطاعة كامامته و فرض طاعته و انه كان احب قومه اليه و افضلهم لديه قال الله عز و جل حاكيا عن موسى (رب اشرح لي صدري و يسر لي امري و احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي و اجعل لي وزيرا من اهلي هرون اخي اشدد به ازري و اشركه في امري كي نسبحك كثيرا و نذكرك كثيرا) فاجاب الله تعالى مسألته و اعطاه سؤله في ذلك و امنيته حيث يقول (قد اوتيت سؤلك يا موسى) و قال تعالى حاكيا عن موسى عليه السلام (و قال موسى لاخيه هرون اخلفني في قومي و اصلح و لا تتبع سبيل المفسدين) فلما جعل رسول الله«ص»عليا منه بمنزلة هرون من موسى اوجب له بذلك جميع ما عددناه الا ما خصه العرف من الاخوة و استثناه من النبوة لفظا و هذه فضيلة لم يشرك فيها احد أمير المؤمنين و لا ساواه في معناها و لا قاربه فيها على حال.

تعليقات:

(1) لما كتب الدكتور محمد حسين هيكل كتابه حياة محمد نشره اول الامر فصولا في جريدة السياسة الاسبوعية و اورد هذا الحديث بنصه كاملا،فاعترض عليه معترض بأن هذا يؤيد رأي الشيعة فرد الدكتور هيكل بما معناه:ان هذا عين ما رواه التاريخ.ثم نشر الدكتور كتابه في طبعته الاولى و نشر فيه هذا الحديث و ان عدله تعديلا يسيرا،فلما طبع الكتاب ثانية شوه الحديث تشويها عجيبا،و لما سأل الناس عن السر و كيف ان الدكتور في جريدته دافع عن هذا الحديث و قال ان هذا ما رواه التاريخ.ثم عاد في طبعة الكتاب الثانية فشوهه و تجنى على التاريخـلما سأل الناس عرفوا ان الدكتور كان قد عرض على جهة ان تشتري الف نسخة من الطبعة الثانية فاشترطت هذه الجهة عليه ان يشوه الحديث هذا التشويه لقاء الخمسمائة الجنيه التي ستدفعها ثمن الالف النسخة.ـالناشرـ

(2) يثيع كزبير بمثناة تحتية و مثلثة و عين مهملة و يقال اثيع كذا في القاموس و بعضهم قال بغين معجمة.ـالمؤلفـ

(3) هو شيخ الامام الرازي.في القاموس الحمصي بالضم مشددا محمود بن علي الحمصي (الرازي) متكلم أخذ عنه الامام فخر الذين الرازي«اه»لكنه قال محمود بن علي و الرازي قال محمود بن الحسن و لعل احدهما نسبه الى الاب و الآخر الى الجد.ـالمؤلفـ

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 109

السيد محسن الامين الحسيني العاملي

اضغط للأعلى