فضائل الامام(ع) جوده و سخاؤه عليه السلام‏





جوده و سخاؤه

و اذا نظرنا الى جوده و سخائه وجدناه اسخى من السحاب الهاطل و وجدناه لا يبارى في ذلك و لا يماثل قال الشعبي كان اسخى الناس و قال عدوه معاوية لو ملك بيتا من تبر و بيتا من تبن لأنفق تبره قبل تبنه و كان يكنس بيوت الاموال و يصلي فيها و يقول يا صفراء و يا بيضاء غري غيري و لم يخلف ميراثا و كانت الدنيا كلها بيده عدى الشام و لم يعمل بآية النجوى غيره.و اعتق الف عبد من كسب يده و لم يقل لسائل لا قط.

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 27

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


سد الابواب

خبر سد الابواب غير باب علي عليه السلام كان رسول الله (ص) لما هاجر الى المدينة و بني مسجده فيها بنى لنفسه حجرا في جانب المسجد اسكنها ازواجه و بني لعلي (ع) حجرة بجانب الحجرة التي اسكنها عائشة و بنى اصحابه بجانب المسجد حجرا سكنوها و كانت ابوابها الى المسجد فامر النبي صلى الله عليه و آله و سلم بسد هذه الابواب الا باب علي فبقي بابه الى المسجد ليس له طريق غيره و فتح الباقون ابوابا من غير جهة المسجد و كانت الحجرة التي تسكنها عائشة التي دفن فيها النبي (ص) و بيت علي كلاهما في الجانب الشرقي من المسجد فلما زادت بنو امية في المسجد دخلت فيه هذه البيوت.في مسند احمد بن حنبل (1) حدثنا عبد الله (2) حدثني ابي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن ميمون ابي عبد الله عن زيد ابن ارقم قال كان لنفر من اصحاب رسول الله (ص) ابواب شارعة في المسجد فقال يوما سدوا هذه الابواب الا باب على فتكلم فى ذلك الناس فقام رسول الله (ص) فحمد الله و اثنى عليه ثم قال اما بعد فاني امرت بسد هذه الابواب الا باب علي و قال فيه قائلكم و اني و الله ما سددت شيئا و لا فتحته و لكني امرت بشي‏ء فاتبعته.و رواه النسائي في الخصائص مثله قال اخبرنا محمد بن بشار بن بندار البصري حدثنا محمد بن جعفر الى آخر السند و المتن المتقدمين (و رواه) الحاكم في المستدرك مثله قال اخبرنا ابو بكر احمد بن جعفر البزاز ببغداد حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل الى آخر السند و المتن السابقين و قال هذا حديث صحيح الاسناد و لم يخرجاه و ذكره الذهبي في تلخيص المستدرك و قال صحيح (و في مسند احمد (3) حدثنا عبد الله حدثني ابي حدثنا وكيع عن هشام بن سعد عن عمر بن اسيد عن ابن عمر كنا نقول في زمن النبي (ص) رسول الله خير الناس ثم ابو بكر ثم عمر و لقد اوتي ابن ابي طالب ثلاث خصال لان تكون لي واحدة منها احب الي من حمر النعم زوجه رسول الله (ص) ابنته و ولدت له و سد الابواب الا بابه في المسجد و اعطاه الراية يوم خيبر. (و روى) الحاكم في المستدرك بسنده عن ابي هريرة قال عمر بن الخطاب لقد اعطي علي بن ابي طالب ثلاث خصال لان تكون لي خصلة منها احب الي من حمر النعم قيل و ما هن يا أمير المؤمنين قال تزوجه فاطمة بنت رسول الله (ص) و سكناه في المسجد مع رسول الله (ص) يحل له فيه ما يحل و الراية يوم خيبر قال هذا حديث صحيح الاسناد و لم يخرجاه (و روى) النسائي في الخصائص اخبرنا احمد ابن يحيى الكوفي اخبرنا علي و هو ابن قادم اخبرنا اسرائيل عن عبد الله بن شريك عن الحارث ابن مالك قال اتيت مكة فلقيت سعد بن ابي وقاص فقلت له سمعت لعلي منقبة؟قال كنا مع رسول الله (ص) في المسجد فنادى مناديه (4) ليخرج من في المسجد الا آل رسول الله (ص) و آل علي فلما اصبح اتاه عمه فقال يا رسول الله اخرجت اصحابك و اعمامك و اسكنت هذا الغلام فقال رسول الله (ص) ما انا امرت باخراجكم و لا باسكان هذا الغلام،ان الله هو امر به.قال فطر عن عبد الله بن شريك عن عبد الله بن ارقم عن سعد ان العباس اتى النبي (ص) فقال سددت ابوابنا الا باب علي فقال ما انا فتحتها و لا انا سددتها (و فيها) بسنده عن ابن عباس امر رسول الله (ص) بابواب المسجد فسدت الا باب علي (و بسنده) عن ابن عباس و سد ابواب المسجد غير باب علي فكان يدخل المسجد و هو طريقه ليس له طريق غيره (و عن) سنن الترمذي عن ابن عباس ان رسول الله (ص) امر بسد الابواب الا باب علي:فما يروى في بعض الكتب من جعل هذه المنقبة لغير علي انما هو ممن يريدون معارضة مناقبه بمثلها او باثباتها لغيره فاختلفوا في ذلك ما اختلفوا و اكثره كان في عصر بني امية فجاء من جاء بعد ذلك فرواه كما وجده و لم يتفطن لما فيه.

تعليقات:

(1) ص 369 ج 4 الطبعة المصرية

(2) هو ابن احمد بن حنبل

(3) ص 26 ج 2 الطبعة المصرية.ـالمؤلفـ

(4) النسخة مغلوطة و المظنون ان فيما هكذا.ـالمؤلفـ

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 87

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


السخاء و الجود

قال ابن ابي الحديد:اما السخاء و الجود فحاله فيه ظاهرة كان يصوم و يطوي و يؤثر بزاده و فيه انزل (و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا) و روى المفسرون انه لم يكن يملك الا اربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا و بدرهم نهارا و بدرهم سرا و بدرهم علانية فأنزل فيه (الذين ينفقون اموالهم بالليل و النهار سرا و علانية) و روي انه كان يسقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة حتى مجلت يده و يتصدق بالاجرة و يشد على بطنه حجرا.و قال الشعبي و قد ذكر عنده علي عليه السلام:كان أسخى الناس كان على الخلق الذي يحبه الله السخاء و الجود و ما قال لا لسائل قط.و قال عدوه و مبغضه الذي يجتهد في وصمه و عيبه معاوية ابن ابي سفيان لمحفن بن ابي محفن الضبي لما قال له جئتك من عند ابخل الناس فقال ويحك كيف تقول انه أبخل الناس و لو ملك بيتا من تبر و بيتا من تبن لأنفق تبره قبل تبنه.و هو الذي كان يكنس بيوت الاموال و يصلي فيها و هو الذي قال يا صفراء و يا بيضاء غري غيري و هو الذي لم يخلف ميراثا و كانت الدنيا كلها بيده الا ما كان من الشام«ا ه»روى ابو الحسن بن احمد الواحدي النيسابوري بسنده عن ابن عباس في قوله (الذين ينفقون اموالهم بالليل و النهار سرا و علانية) قال نزلت في علي بن ابي طالب كان عنده اربعة دراهم فأنفق بالليل واحدا و بالنهار واحدا و في السر واحدا و في العلانية واحدا (و بسنده) عن مجاهدعن ابيه قال كان لعلي اربعة دراهم فأنفق درهما بالليل و درهما بالنهار و درهما سرا و درهما علانية فنزلت الذين ينفقون اموالهم بالليل و النهار سرا و علانية قال:و قال الكلبي نزلت هذه الآية في علي بن ابي طالب لم يكن يملك غير اربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا و بدرهم نهارا و بدرهم سرا و بدرهم علانية فقال له رسول الله«ص»ما حملك على هذا قال حملني ان استوجب على الله الذي وعدني فقال له رسول الله«ص»الا ان ذلك لك فأنزل الله تعالى هذه الآية«ا ه»و في اسد الغابة بعدة اسانيد عن ابن عباس مثله.

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 73

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


آية النجوى

و حسبك في جوده و سخائه عليه السلام ان آية النجوى لم يعمل بها احد من الصحابة غنيهم و فقيرهم غيره حتى نسخت و جاءهم اللوم و التوبيخ منه تعالى أ أشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات و لم ينج منه غيره قال النسائي في الخصائص:ذكر النجوى و ما خفف علي عن هذه الامة ثم روى بسنده عن علي قال لما نزلت (يا ايها الذين آمنوا اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) قال رسول الله«ص»لعلي مرهم ان يتصدقوا قال بكم يا رسول الله قال بدينار قال لا يطيقون قال فبكم قال بشعيرة فقال رسول الله«ص»انك لزهيد فأنزل الله أ أشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات الآية و كان علي يقول خفف بي عن هذه الامة و رواه غير النسائي من اصحاب الصحاح بأسانيدهم مثله قال الواحدي في قوله تعالى (يا ايها الذين آمنوا اذا ناجيتم الرسول) الآية قال مقاتل بن حيان نزلت الآية في الاغنياء و ذلك انهم كانوا يأتون النبي«ص»فيكثرون مناجاته و يغلبون الفقراء على المجالس حتى كره رسول الله«ص»ذلك من طول جاوسهم و مناجاتهم فأنزل الله تبارك و تعالى هذه الآية و أمر بالصدقة عند المناجاة فاما اهل العسرة فلم يجدوا شيئا و اما اهل الميسرة فبخلوا و اشتد ذلك على اصحاب النبي«ص»فنزلت الرخصة و قال علي بن ابي طالب ان في كتاب الله لآية ما عمل بها احد قبلي و لا يعمل بها احد بعدي يا ايها الذين آمنوا اذا ناجيتم الرسول كان لي دينار فبعته و كنت اذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نفد فنسخت بالآية الاخرى أ أشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات.و روى الطبري في تفسيره بعدة اسانيد عن مجاهد في قوله تعالى فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال نهوا عن مناجاة النبي«ص»حتى يتصدقوا فلم يناجه الا علي بن ابي طالب قدم دينارا فتصدق به ثم‏انزلت الرخصة في ذلك (و بسنده) عن مجاهد قال علي ان في كتاب الله عز و جل لآية ما عمل بها احد قبلي و لا يعمل بها احد بعدي و ذكر الآية قال فرضت ثم نسخت (و بسنده) عن مجاهد قال علي آية من كتاب الله لم يعمل بها احد قبلي و لا يعمل بها احد بعدي كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم فكنت اذا جئت الى النبي«ص»تصدقت بدرهم فنسخت فلم يعمل بها احد قبلي و ذكر الآية و في (الكشاف) عن علي عليه السلام ان في كتاب الله آية ما عمل بها احد قبلي و لا يعمل بها احد بعدي كان لي دينار فاشتريت به عشرة دراهم فكنت اذا ناجيته تصدقت بدرهم قال الكلبي تصدق به في عشر كلمات سألهن رسول الله«ص»و مثله في تفسير النيسابوري.و في الكشاف عن ابن عمر كان لعلي ثلاث لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب الي من حمر النعم تزويجه فاطمة و اعطاؤه الراية يوم خيبر و آية النجوى (و في تفسير الرازي) روي عن علي عليه السلام انه قال ان في كتاب الله لآية و ذكر نحو ما مر عن الكشاف الى قوله بدرهم قال:و روى عن ابن جريح و الكلبي و عطاء عن ابن عباس انهم نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا فلم يناجه احد الا علي عليه السلام تصدق بدينار ثم نزلت الرخصة (و فيه و في تفسير النيسابوري) عن القاضي ما حاصله ان هذا لا يدل على فضله على أكابر الصحابة لان الوقت لعله لم يتسع للعمل لهذا الغرض.و قال الفخر الرازي ما حاصله ان الوقت و إن وسع لكن الاقدام على هذا العمل مما يضيق قلب الفقير و الصدقة عند المناجاة واجبة اما المناجاة فليست بواجبة و لا مندوبة بل الاولى تركها لانها كانت سببا لسآمة النبي«ص» (و اقول) اذا كان الامر كذلك فأي معنى لقوله تعالى أ أشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فان لم تفعلوا و تاب الله عليكم (الآية) و اي وجه لهذا العتاب و التقريع و اذا كان الاولى ترك المناجاة فأي معنى لقوله تعالى و تاب الله عليكم حتى جعلها ذنبا يوجب التوبة و ترك المناجاة و ان لم يكن حراما في نفسه لكن تركه بخلا و رغبة عن مناجاة رسول الله«ص»التي فيها تعلم الاحكام و خير الدنيا و الآخرة ان لم يكن ذنبا فهو مساوق للذنب فيوجب التوبة حقيقة او تنزيلا و المناجاة التي كان الاولى تركها هي ما يوجب الملالة او مزاحمة الاغنياء للفقراء لا مطلق المناجاة و بناء على هذه الفلسفة الواهية يلزم ان يكون الاولى ترك عمل الخيرات من الاغنياء لئلا تنكسر قلوب الفقراء العاجزين عنها و لهذا قال النيسابوري بعد نقله ذلك عن القاضي و الفخر:هذا الكلام لا يخلو عن تعصب و هل يقول منصف ان مناجاة النبي«ص»نقيصة«ا ه»اقول بل هو تعصب مجسم و منه يعلم ان التعصب كيف يؤدي بابن آدم الى ان ينكر الشمس الضاحية.و روى الحاكم في المستدرك‏بالاسناد الى عبد الرحمن بن ابي ليلى قال قال علي بن ابي طالب ان في كتاب الله لآية ما عمل بها احد قبلي و لا يعمل بها احد بعدي آية النجوى (يا ايها الذين آمنوا اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) قال كان عندي دينار فبعثه بعشرة دراهم فناجيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم فكنت كلما ناجيته قدمت بين يدي نجواي درهما ثم نسخت فلم يعمل بها احد فنزلت (أ أشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) الآية قال الحاكم:هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه.و اورده الذهبي في مختصر المستدرك و لم يعلق عليه شيئا.

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 74

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


عدله عليه السلام‏





عدالته عليه السلام   
عدله   
العدالة   





عدله

و اذا نظرنا الى عدله لم يجد له في العدل مشابها قال ابن الاثير في اسد الغابة ان زهده و عدله لا يمكن استقصاؤهما و مر كلام الاستيعاب في ذلك عند ذكر صفته في اخلاقه و اطواره و ما ذا يقول القائل في عدل خليفة يجد في مال جاءه من اصبهان رغيفا فيقسمه سبعة اجزاء كما قسم المال و يجعل على كل جزء جزءا.و يساوي بين الناس في العطاء و يأخذ كأحدهم.

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 26

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


العدالة

مر عن اسد الغابة ان زهده و عدله لا يمكن استقصاؤهما و من عظيم عدله ما مر في الامر التاسع عشر من انه وجد مع المال الذي جاء من اصبهان رغيفا فقسمه سبعة اجزاء كما قسم المال و جعل على كل جزء جزءا و انه كان يخير غلامه بين الثوبين يشتريهما (و في الاستيعاب) بسنده عن أبجر بن جرموز عن ابيه رأيت علي بن ابي طالب يخرج من مسجد الكوفة و عليه قطريتان متزر بالواحدة مرتد بالاخرى و ازاره الى نصف الساق و هو يطوف في الاسواق و معه درة يأمرهم بتقوى الله و صدق الحديث و حسن‏البيع و الوفاء بالكيل و الميزان (و في اسد الغابة) بسنده عن رجل من ثقيف قال استعملني علي بن ابي طالب على مدرج سابور فقال لا تضربن رجلا سوطا في جباية درهم و لا تبيعن لهم رزقا و لا كسوة شتاء و لا صيف و لا دابة يعتملون عليها و لا تقيمن رجلا قائما في طلب درهم قلت يا أمير المؤمنين اذن أرجع اليك كما ذهبت من عندك قال و ان رجعت ويحك انما امرنا ان نأخذ منهم العفو يعني الفضل.و هو اول من ساوى بين الناس في العطاء و كان يأخذ كأحدهم و قصته مع اخيه عقيل حين طلب منه زيادة في عطائه فقال له اصبر حتى يخرج عطائي فلم يقبل فأبى ان يعطيه اكثر من عطائه معروفة و كذلك خبره مع ولده الحسن حين استقرض شيئا من عسل بيت المال و مع ابنته حين استعارت عقدا من بيت المال (و في الاستيعاب) بسنده عن عنترة الشيباني كان علي يأخذ في الجزية و الخراج من اهل كل صناعة من صناعته و عمل يده حتى يأخذ من اهل الابر الابر و المسال و الخيوط و الحبال ثم يقسمة بين الناس (الحديث) .

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 72

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


عدالته عليه السلام

علي عليه السلام و جوهرة العدالة

لقد لازمت شخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام السامية جوهرة العدالة الثمينة،و اقترن اسمه المقدس بالعدالة،فقد كان عادلا يأنس بالعدالة و يهتم بها.

إن كل مجتمع أو جماعة أو فرد مناد بالعدالة،و يأمل في تكوين مجتمع يقوم على أساس القسط و العدل،يضع عدل علي عليه السلام نصب عينه،و يتخذ اسلوب علي عليه السلام في تطبيق العدالة و نظامه العادل قدوة له في برنامجه الذي يسعى إلى تطبيقه.

حقا لم يعرف تاريخ الانسانية شخصا كعلي عليه السلام خلد اسمه إلى الأبد و ارتسمت صورة عدالته في أذهان البشر،فقد كان عاشقا للعدالة مولعا بها إلى غايتها القصوى.

علي عليه السلام مصداق بارز لآية (كونوا قوامين بالقسط)

نعم،لقد كانت هذه العدالة ضالة علي عليه السلام،و كان كالظامي‏ء الذي يبحث عن عين ماء تروي ظمأه،كان علي عليه السلام يسعى إلى معين العدالة العذب.

كان علي عليه السلام مظهر العدالة و جوهرتها حقا،فقد بعد عن كل ظلم و جور،و في فكر علي عليه السلام السامي لم يكن ممكنا أن تقاس العدالة بأي أمر آخر،و كان لا يعبأ حتى بأعز إنسان عليه من أجل الحق،و ذلك أن ربه قد أمره بذلك فكيف يعصي مولاه؟ (إن الله يأمر بالعدل و الإحسان) . (1)

لم يكن علي عليه السلام يرضى بالكف عن تطبيق العدالة و التراجع عنها مهما كلف الثمن،و لم يرض أن يتخطى العدالة خطوة حتى من أجل تثبيت أركان حكومته‏الفتية،و أبى أن يساوم أو يتبع المصالح السياسية مهما عظم الثمن،كما أنه لم يرض أن يضحي بالعدالة و يقع تحت تأثير الرحمة و التحرق شفقة،فيعرض بذلك هذا الركن المقدس للتزلزل و الانهيار،فقد كان مصداقا و مظهرا بارزا للآية الشريفة:«يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط». (2) القسط هو العدل،و القيام بالقسط العمل به و التحفظ له،فالمراد بالقوامين بالقسط القائمون به أتم قيام و أكمله،من غير انعطاف و عدول عنه إلى خلافه لعامل من هوى و عاطفة،أو خوف،أو طمع،أو غير ذلك،و هل توجد هذه الصفة بتمامها و كمالها في غير علي بن أبي طالب عليه السلام؟ !إنه مصداق بارز و كامل لهذه الصفة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله،كما سيظهر ذلك من المباحث الآتية إن شاء الله تعالى.

ما قاله النبي صلى الله عليه و آله في عدله

أخرج السيوطي و الحافظ الكنجي،بإسنادهما عن أبي هريرة،قال:جئت إلى النبي صلى الله عليه و آله و بين يديه تمر،فسلمت عليه،فرد علي،و ناولني من التمر مل‏ء كفه،فعددته ثلاثا و سبعين تمرة،ثم مضيت من عنده إلى علي بن أبي طالب عليه السلام و بين يديه تمر،فسلمت عليه،فرد علي،و ضحك إلي،و ناولني من التمر مل‏ء كفه،فعددته فإذا هو ثلاث و سبعون تمرة،فكثر تعجبي من ذلك،فرجعت إلى النبي صلى الله عليه و آله.فقلت:يا رسول الله،جئتك و بين يديك تمر،فناولتني مل‏ء كفك فعددته ثلاثا و سبعين تمرة،ثم مضيت الى علي بن أبي طالب عليه السلام و بين يديه تمر،فناولني مل‏ء كفه،فعددته ثلاثا و سبعين تمرة،فعجبت من ذلك،فتبسم النبي صلى الله عليه و آله و قال:«يا أبا هريرة،أما علمت أن يدي و يد علي بن أبي طالب في العدل سواء». (3)

و في (المناقب) لابن المغازلي و (فرائد السمطين) للجويني،بإسنادهما إلى‏حبشي بن جنادة،قال :كنت جالسا عند أبي بكر،فأتاه رجل،فقال:يا خليفة رسول الله،إن رسول الله صلى الله عليه و آله و عدني أن يحثو لي ثلاث حثيات من تمر؟قال أبو بكر:ادعوا لي عليا.

فجاء علي عليه السلام فقال أبو بكر:يا أبا الحسن،إن هذا يزعم أن رسول الله صلى الله عليه و آله وعده أن يحثو له ثلاث حثيات من تمر،فاحثها له.فحثا له ثلاث حثيات.ثم قال :«عدوها»فعدوها فوجدوا في كل حثوة ستين تمرة لا تزيد واحدة على الاخرى.

فقال أبو بكر:صدق الله و رسوله،سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله ليلة الهجرة و نحن خارجون من مكة إلى المدينة يقول:«يا أبا بكر كفي و كف علي في العدل سواء». (4)

و أخرجه بهذا السند و اللفظ الخطيب في تاريخ بغداد،و الخوارزمي في المناقب،و العلامة القندوزي في ينابيع المودة عن صاحب الفردوس. (5)

المجتمع لا يطيق عدالته عليه السلام

لقد كان علي عليه السلام يعلم أن ذلك المجتمع لا يتحمل تطبيق العدالة التي يريد الإمام تطبيقها،و لما كان عليه السلام لا يتبع إلا الحق و إقامة العدل فإنه رفض قبول الخلافة بالرغم من ضغط الناس عليه و تسابقهم بالبيعة له،لأنه كان يعلم أن الإنحرافات،و التفاوت الطبقي،و عدم المساواة الذي عم المجتمع،لا يمكن أن يدعه يطبق العدالة دون إثارة العراقيل و المشاكل في وجهه و وضع الصعوبات في طريقه،و لذلك قال عليه السلام:«دعوني و التمسوا غيري،فإنا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان لا تقوم له القلوب و لا تثبت عليه العقول،و إن الآفاق قد أغامت و المحجة قد تنكرت،و اعلموا أني إن أجبتكم ركبت‏بكم ما أعلم،و لم أصغ إلى قول القائل و عتب العاتب،و إن تركتموني فأنا كأحدكم،و لعلي أسمعكم و أطوعكم لمن وليتموه أمركم،و أنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا». (6)

و عند ما اضطر علي عليه السلام أن يقبل الخلافة،و سار على كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و آله و اجتهاده و رأيه الذي كان يعني إقامة العدل في المجتمع الاسلامي بالرغم من غضب أصحاب الثروات غير المشروعة و المتساهلين في أمر الدين و رفضهم لاسلوب علي عليه السلام و طريقته في إقامة العدل،و هي طريقة رسول الله صلى الله عليه و آله،و كان عليه السلام قد أشار إلى أهمية العدالة في تقسيم المال في أول خطبة خطبها حين اجتمع إليه المهاجرون و الأنصار بعد مقتل عثمان،حيث قال عليه السلام:«إني قد كنت كارها لأمركم،فأبيتم إلا أن أكون عليكم،ألا و إنه ليس لي أمر دونكم،إلا أن مفاتيح مالكم معي،ألا و إنه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم،رضيتم؟قالوا:نعم،قال:اللهم اشهد عليهم،ثم بايعهم على ذلك» (7) و لذلك ثارت نائرة الحقد في صدورهم فأشعلوا تلك الحروب ضد علي عليه السلام.

عدالة علي عليه السلام شهد بها العدو و الصديق

لقد كان علي عليه السلام مثالا للعدل و المساواة و عاشقا للحق و الإنصاف،و كان نموذجا متكاملا لمحبة الناس و الرحمة و الرأفة و الإحسان،و كانت عدالته عليه السلام ذكرا يلهج به لسان الخاص و العام و العدو و الصديق حتى كانت كثرة عدله سببا لقتله عليه السلام،و نشير هنا إلى ما قاله البعض في عدله.

1ـيقول شبلي شميلـو هو من الماديينـفي علي عليه السلام:إن علي بن أبي طالب عليه السلام إمام بني الانسان و مقتداهم،و لم ير الشرق و الغرب نموذجا يطابقه أبدا لا في‏الغابر و لا في الحاضر. (8)

2ـيقول الكاتب المسيحي جبران خليل جبران:قتل علي في محراب عبادته لشدة عدله. (9)

3ـقال ابن الاثير في (اسد الغابة) :إن زهده و عدله لا يمكن استقصاؤهما. (10)

4ـو قال ابن عبد البر في (الاستيعاب) :كان علي عليه السلام إذا ورد عليه مال لم يبق منه شيئا إلا قسمه،و لا يترك في بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسمته في يومه ذلك،و يقول :يا دنيا غري غيري،و لم يكن يستأثر من الفي‏ء بشي‏ء،و لا يخص به حميما و لا قريبا،و لا يخص بالولايات إلا أهل الديانات و الأمانات،و إذا بلغه عن أحدهم خيانة كتب إليه: (قد جاءتكم موعظة من ربكم فأوفوا الكيل و الميزان بالقسط و لا تبخسوا الناس أشياءهم و لا تعثوا في الأرض مفسدين،بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين و ما أنا عليكم بحفيظ) (11) إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى نبعث إليك من يتسلمه منك»ثم يرفع طرفه إلى السماء فيقول:«اللهم إنك تعلم أني لم آمرهم بظلم خلقك و لا بترك حقك». (12)

5ـروى ابن أبي الحديد،عن علي بن محمد بن أبي يوسف المدائني،عن فضيل بن الجعد،قال:آكد الأسباب في تقاعد العرب عن أمير المؤمنين عليه السلام،أمر المال،فإنه لم يكن يفضل شريفا على مشروف و لا عربيا على عجمي،و لا يصانع الرؤساء و امراء القبائل كما يصنع الملوك،و لا يستميل أحدا إلى نفسه،و كان معاوية بخلاف‏ذلك فترك الناس عليا و التحقوا بمعاوية . (13)

6ـقال سيد قطب:لقد جاء علي عليه السلام ليدخل نظرية الإسلام في الحكم في قلوب القادة و الناس من جديد و ليطبقها عمليا...جاء ليأكل خبز الشعير الذي طحنته زوجته بيديها،و يختم على جرابه و يقول:«لا احب أن آكل ما لا أعلم»...و ربما باع سيفه ليشتري بثمنه غذاء و لباسا،و أبى أن يسكن القصور الزاهية الفخمة. (14)

أقول:حقيق أن يقال:إن عليا عليه السلام ليس إمام زمانه فقط،بل هو مقتدى الأجيال و القرون،و هو التلميذ الأول لرسول الله صلى الله عليه و آله و المعلم الثاني للامم طول التأريخ .

و لو كان علي عليه السلام يمشي وراء السياسة لعرفه التأريخ رجلا سياسيا فحسب،و ما كانت الملوك و العظماء،يطأطئون هاماتهم أمام عدالته و عظمته،و ينظرون إليه نظرة التقدير و التقديس،كما أنشأت سودة بنت عمارة الهمدانية عند معاوية أعدى عدوه:

صلى الإله على روح تضمنها 
قبر فأصبح فيه العدل مدفونا 
قد حالف الحق لا يبغي به بدلا 
فصار بالحق و الإيمان مقرونا (15)

صور من عدله عليه السلام على مدى حكومته

و من أجل نتعرف أكثر على عدل الامام علي عليه السلام و لترسم هذه الحقيقة بأجلى صورها نشير إلى موارد توضح صورة تلك العدالة:

منها:صادر كل الأموال الموهوبة بغير حق في عهد عثمان

عندما تسلم علي عليه السلام زمام حكومة المسلمين بعد عثمان صادر كل الأموال‏الموهوبة بغير حق إلى طبقة الأشراف،و قد بين سياسته للناس عبر خطبته التي يقول فيها (فيما رده على المسلمين من قطائع) :«و الله و لو وجدته قد تزوج به النساء و ملك به الاماء لرددته،فإن في العدل سعة،و من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق». (16)

روى ابن أبي الحديد المعتزلي في ذيل هذه الخطبة،عن ابن عباس:أن عليا عليه السلام خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة،فقال:«ألا إن كل قطيعة (17) أقطعها عثمان و كل مال أعطاه من مال الله،فهو مردود في بيت المال،فإن الحق القديم لا يبطله شي‏ء،و لو وجدته قد تزوج به النساء،و فرق في البلدان لرددته إلى حاله،فإن في العدل سعة،و من ضاق عنه الحق فالجور عليه أضيق (18) »إلى أن قال:قال الكلبي:ثم أمر عليه السلام بكل سلاح وجد لعثمان في داره،مما تقوى به على المسلمين فقبض،و أمر بقبض نجائب كانت في داره من إبل الصدقة فقبضت،و أمر بقبض سيفه و درعه،و أمر ألا يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمين،و بالكف عن جميع أمواله التي وجدت في داره و في غير داره،و أمر أن ترتجع الأموال التي أجاز بها عثمان حيث اصيبت أو اصيب أصحابها.

فبلغ ذلك عمرو بن العاص،و كان بأيلة من أرض الشام،أتاها حيث وثب الناس على عثمان فنزلها،فكتب إلى معاوية:ما كنت صانعا فاصنع،إذ قشرك ابن‏أبي طالب من كل مال تملكه كما يقشر عن العصا لحاها. (19)

و منها:إطفاؤه السراج لأن زيته من بيت المال

قال الكشفي الحنفي في المناقب المرتضوية:كان أمير المؤمنين عليه السلام قد دخل ليلة في بيت المال يكتب قسمة الأموال،فورد عليه طلحة و الزبير،فأطفأ عليه السلام السراج الذي بين يديه،و أمر بإحضار سراج آخر من بيته،فسألاه عن ذلك؟

فقال عليه السلام:«كان زيته من بيت المال،لا ينبغي أن نصاحبكم في ضوئه». (20)

خطابه الى عماله،و عتابه لهم بما بدر منهم

في هذا المجال خطابات كثيرة نشير إلى نبذة منها رعاية للإختصار:

منها:من كتاب له إلى مصقلة بن هبيرة

في (نهج البلاغة) من كتاب له عليه السلام إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني،و هو عامله على أردشير خره (21) :«بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت إلهك و أغضبت إمامك،إنك تقسم في‏ء المسلمين الذي حازته رماحهم و خيولهم،و اريقت عليه دماؤهم فيمن اعتامك (22) من أعراب قومك،فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة لئن كان ذلك حقا لتجدن بك علي هوانا و لتخفن عندي ميزانا،فلا تستهن بحق ربك،و لا تصلح دنياك بمحق دينك،فتكون من الأخسرين أعمالا،ألا و إن حق من قبلك (23) و قبلنا من المسلمين في قسمة هذا الفي‏ء سواء،يردون عندي عليه،ويصدرون عنه». (24)

و منها:من كتاب له إلى عثمان بن حنيف و هو عامله على البصرة

قد كان علي عليه السلام يراقب أعمال ولاته مراقبة شديدة حتى إنه لما بلغه أن و اليه على البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري قد أجاب دعوة جماعة من أهل البصرة إلى وليمة فيها ألوان الطعام فتناول منها شيئا،و في البصرة فقراء محتاجون منعوا من حضورها،أرسل إليه كتابا يوبخه فيه:«أما بعدـيابن حنيفـفقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة،فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان،و تنقل إليك الجفان،و ما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم (25) مجفو و غنيهم مدعو،فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم،فما اشتبه عليك علمه فالفظه (26) ،و ما أيقنت بطيب وجهه فنل منه،ألا و إن لكل مأموم إماما يقتدي به و يستضي‏ء بنور علمه،ألا و إن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه (27) ،و من طعمه (28) بقرصيه،ألا و إنكم لا تقدرون على ذلك،و لكن أعينوني بورع و اجتهاد،و عفة و سداد،فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا (29) ،و لا ادخرت من غنائمها وفرا (30) ،و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا[و لا حزت من أرضها شبرا،و لا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة، (31) و لهي‏في عيني أوهى و أهون من عفصة مقرة (32) ]. (33)

و روي في شرح الإحقاق عن (ذخيرة الملوك للهمداني،ص 102) أن عليا عليه السلامـبعد إرسال الكتاب إلى عثمان بن حنيفـعزله عن الحكومة. (34)

و منها:توبيخه عليه السلام أبا رافع لإعارته بنته عليه السلام عقد لؤلؤ من بيت المال

روى ابن الأثير في التاريخ:كان أبو رافع (35) مولى رسول الله صلى الله عليه و آله خازنا لعلي عليه السلام على بيت المال،فدخل علي يوما و قد زينت ابنته،فرأى عليها لؤلؤة كان عرفها لبيت المال،فقال:«من أين لها هذه؟لأقطعن يدها!»فلما رأى أبو رافع جده في ذلك،قال:أنا و الله يا أمير المؤمنين زينتها بها،فقال علي عليه السلام:«لقد تزوجت بفاطمة،و ما لي فراش إلا جلد كبش ننام عليه بالليل،و نعلف عليه ناضحنا بالنهار،و ما لي خادم غيرها». (36)

و روى الطبري في التاريخ بسنده عن عباس بن الفضل،عن أبيه،عن جده ابن أبي رافع،نحوه. (37)

علي عليه السلام مع أخيه عقيل و قصة الحديدة المحماة

عند ما طلب منه أخوه عقيل أن يزيد في عطائه من بيت المال،أحمى له حديدةو قربها منه،و من أجل أن يفهم أخاه أنه يرفض الظلم و الجور قال:«و الله لأن أبيت على حسك (38) السعدان (39) مسهدا (40) و اجر في الأغلال مصفدا (41) أحب إلي من أن ألقى الله و رسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد،و غاصبا لشي‏ء من الحطام،و كيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى قفولها (42) ،و يطول في الثرى (43) حلولها؟»

ثم قال عليه السلام:«و الله لقد رأيت عقيلا و قد أملق (44) حتى استماحني (45) من بركم صاعا،و رأيت صبيانه شعث (46) الشعور،غبر (47) الألوان من فقرهم،كأنما سودت وجوههم بالعظلم (48) ،و عاودني موكدا،و كرر علي القول مرددا،فأصغيت إليه سمعي،فظن أني أبيعه ديني،و أتبع قياده (49) مفارقا طريقتي،فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها،فضج ضجيج ذي دنف (50) من ألمها،و كاد أن يحترق من ميسمها. (51)

فقلت له:ثكلتك الثواكل (52) يا عقيل،أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه،و تجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه؟أتئن من الأذى و لا أئن من لظى (53) ».

و ساق كلامه عليه السلام إلى أن قال:«و الله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة (54) ما فعلته،و إن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها،ما لعلي و لنعيم يفنى،و لذة لا تبقى،نعوذ بالله من سبات (55) العقل و قبح الزلل (56) و به نستعين». (57)

نبذة من أخبار عقيل و قصته مع معاوية

قال ابن أبي الحديد:و اختلف الناس في عقيل،هل التحق بمعاوية و أمير المؤمنين حي؟.فقال قوم:نعم،و رووا أن معاوية قال يوما و عقيل عنده:هذا أبو يزيد،و لو لا علمه أني خير له من أخيه،لما أقام عندنا و تركه.

فقال عقيل:أخي خير لي في ديني،و أنت خير لي في دنياي،و قد آثرت دنياي،أسأل الله خاتمة خير.

و قال قوم:إنه لم يعد إلى معاوية إلا بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام،و استدلوا على ذلك بالكتاب الذي كتبه إليه في آخر خلافته،و الجواب الذي أجابه عليه السلام،قال ابن أبي الحديد:و هذا القول هو الأظهر عندي. (58)

سؤال معاوية لعقيل عن قصة الحديدة المحماة

سأل معاوية عقيلا عن قصه الحديدة المحماة المذكورة.فقال:نعم أقويت (59) و أصابتني مخمصة شديدة،فسألته فلم تند صفاته،فجمعت صبياني و جئته بهم و البؤس و الضر ظاهران عليهم،فقال:«ائتني عشية لأدفع إليك شيئا»فجئته يقودني أحد ولدي،فأمره بالتنحي،ثم قال:«ألا فدونك»فأهويت حريصا قد غلبني الجشع أظنها صرة،فوضعت يدي على حديدة تلتهب نارا،فلما قبضتها نبذتها و خرت كما يخور الثور تحت يد جازره،فقال لي:«ثكلتك امك!هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا،فكيف بك و بي غدا إن سلكنا في سلاسل جهنم!»ثم قرأ: (إذ الأغلال في أعناقهم و السلاسل يسحبون) (60) ثم قال:«ليس لك عندي فوق حقك الذي فرضه الله لك إلا ما ترى،فانصرف إلى أهلك»فجعل معاوية يتعجب،و يقول:هيهات هيهات!عقمت النساء أن يلدن مثله! (61)

سيرة علي عليه السلام مع قاتله و وصيته له بالعدل و الإنصاف

في (نهج البلاغة) :من كتاب له عليه السلام في وصيته للحسن و الحسين عليه السلام لما ضربه ابن ملجم (لعنة الله) ،قال:«يا بني عبد المطلب،لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا،تقولون قتل أمير المؤمنين،ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي.

انظروا إذا أنا مت من ضربتي هذه فاضربوه ضربة بضربة،و لا يمثل بالرجل،فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول:إياكم و المثلة و لو بالكلب العقور». (62)

و روى ابن الصباع المالكي في (الفصول المهمة) :لما جي‏ء بابن ملجم في المسجدنظر إليه علي عليه السلام ثم قال:«النفس بالنفس،إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني،و إن سلمت رأيت رأيي فيه». (63)

خاتمة

إذا أردنا التعرض نماذج لعدالته عليه السلام لاحتجنا إلى مجلدات طوال،و إنما نقول:إن العدالة كانت نصب عينه،و ملأت وجوده و كيانه،فقد كان الامام عليه السلام يرى أنه«في العدل صلاح البرية». (64)

و قال عليه السلام:«في العدل الاقتداء بسنة الله و ثبات الدول». (65)

و قال عليه السلام:«في العدل الاحسان». (66)

و قال عليه السلام:«العدل حياة و الجور هلاك». (67)

لقد كان عليه السلام يسد جوعته بكسرة خبز يابسة و يأتدم الملح ليكون مستوى معيشته كأضعف الناس،فإنه يقول:«إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفه الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره». (68)

إن هذا السلوك لا يمكن أن يصدر من غير علي عليه السلام،فهو نتاج تربية الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله،قد أشار عليه السلام إلى ذلك بأن الرسول قد احتضنه طفلا و رباه كما في خطبته عليه السلام القاصعة. (69) نعم إن عدالة علي عليه السلام التي نشأت من العدل الالهي و سعيه لتطبيقها،قد أصبحت نموذجا واضحا لكل القادة و طلاب العدالة على مر القرون،و مصداقا مشرفا للانسان المسلم المتكامل الذي يستطيع أن يكون قدوة في جميع المجالات و خاصة في مجال الحكومة،و نرى ذلك القدوة العظيمة يعرف نفسه بقوله:«إنما مثلي بينكم مثل السراج في الظلمة يستضي‏ء به من ولجها،فاسمعواـأيها الناسـو عوا،و أحضروا آذان قلوبكم تفهموا». (70)

و أخيرا اشير إلى كلمة لجورج جرادق يقول فيها:«ما ضرك أيتها الأيام لو جمعت قواك و طاقاتك فأنجبت في كل زمان إنسانا كعلي عليه السلام في عقله و روحه و نفسه،في كلامه و بيانه،و في قوته و شجاعته». (71)

تعليقات:

(1).النحل، .90

(2).النساء، .135

(3).السيوطي في ذيل اللآلئ ص 54 و الحافظ الكنجي في الباب 62 ص .256

(4).المناقب لابن المغازلي الشافعي،ص 129،ح 170،و فرائد السمطين للجويني،ج 1،ص 50،ح 15 مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه بلا تفاوت في المعنى.

(5).تاريخ بغداد،ج 5،ص 37،المناقب للخوارزمي،ص 235،ينابيع المودة،ص 233،الفردوس،ج 5،ص 305،ح .8265

(6).نهج البلاغة،الخطبة .91

(7).تاريخ الطبري،ج 4،ص 428،حوادث سنة .35

(8).انظر الإمام علي صوت العدالة الانسانية،ج 1،ص .7

(9).ملحمة الشمس لهادي دستباز،ص .329

(10).اسد الغابة في معرفة الصحابة،ج 4،ص .25

(11).الآيات من سوره (يونس،57،الأعراف،85،الشعراء،183،هود،86) .

(12).الاستيعاب بهامش الاصابة،ج 3،ص .48

(13).شرح ابن أبي الحديد،ج 2،ص .197

(14).العدالة الاجتماعية في الاسلام لسيد قطب.

(15).بلاغات النساء،ص .48

(16).نهج البلاغة،ص 57،الخطبة .15

(17).القطائع:ما يقطعه الامام بعض الرعية من أرض بيت المال ذات الخراج و يسقط عنه خراجه و يجعل عليه ضريبة يسيرة عوضا عن الخراج،و قد كان عثمان أقطع كثيرا من بني امية و غيرهم من أوليائه و أصحابه قطائع من أرض الخراج على هذه الصورة.شرح ابن أبي الحديد،ج 1،ص .269

(18).تفسير هذا الكلام:أن الوالي اذا ضاقت عليه تدبيرات اموره في العدل فهي في الجور أضيق عليه لأن الجائر في مظنة أن يمنع و يصدعن جوره،شرح ابن أبي الحديد،ج 1،ص .270

(19).شرح ابن أبي الحديد،ج 1،ص .269

(20).المناقب المرتضوية للكشفي الحنفي،ص .365

(21).أردشير خرة:كورة من كور فارس،و الظاهر أنه ما يسمى في عصرنا (فيروز آباد) .

(22).اعتامك:اختارك من بين الناس،أصله من العيمة بالكسر،و هي خيار المال.

(23).القبل بكسر ففتح:ظرف بمعنى عند.

(24).نهج البلاغة،الكتاب .43

(25).عائلهم:محتاجهم.

(26).الفظه:اطرحه.

(27).الطمر بالكسر:الثوب الخلق البالي.

(28).طعمه بضم الطاء:ما يطعمه و يفطر عليه.

(29).التبر:بالكسر فالسكون،فتات الذهب و الفضة قبل أن يصاغ.

(30).الوفر:المال.

(31).الاتان الدبرة،هي التي عقر ظهرها فقل أكلها.

(32).مقرة:مرة.

(33).نهج البلاغة،الكتاب 45،و بين المعقوفين من شرح ابن أبي الحديد،ج 16،ص .205

(34).الاحقاق،ج 8،ص .549

(35).أبو رافع مولى رسول الله عليه السلام و اسمه إبراهيم،أو أسلم،أو هرمز،أو ثابت،كان عبدا للعباس بن عبد المطلب،فوهبه للنبي صلى الله عليه و آله،فلما بشر النبي صلى الله عليه و آله باسلام العباس،عتقه النبي،و كان من المخلصين له و صار من شيعة أمير المؤمنين و خواصه،و كان صاحب خزائن بيت المال في عهده عليه السلام.

(36).الكامل في التاريخ،ج 2،ص .441

(37).تاريخ الطبري،ج 4،ص .119

(38).الحسك:الشوك.

(39).السعدان:نبت ترعاه الابل له شوك.

(40).المسهد من سهده:إذا أسهره.

(41).المصفد:المقيد.

(42).قفولها:رجوعها.

(43).الثرى:التراب.

(44).أملق:افتقر أشد الفقر.

(45).استماحني:استعطاني.

(46).شعث جمع أشعث:و هو الذي تلبد شعره بالوسخ.

(47).الغبر:جمع أغبر متغير اللون شاحبه.

(48).العظلم كزبرج:سواد يصبغ به.

(49).القياد:ما يقاد به كالزمام.

(50).الدنف:المرض.

(51).الميسم،المكواة.من ميسمها:من أثرها في يده.

(52).الثواكل:النساء.

(53).لظى:اسم جهنم.

(54).جلب الشعيره:قشرها.

(55).سبات العقل:نومه.

(56).الزلل:السقوط في الخطأ.

(57).نهج البلاغة،الخطبة .215

(58).شرح ابن أبي الحديد،ج 11،ص 250ـ .252

(59).أي افتقرت.

(60).سوره غافر، .71

(61).شرح ابن أبي الحديد،ج 11،ص .253

(62).المصدر السابق،الكتاب 47،الرياض النضرة،ج 3،ص .238

(63).الفصول المهمة،ص .134

(64).غرر الحكم،ج 4،ص 402،ح .6491

(65).نفس المصدر،ج 4،ص 403،ح .6496

(66).نفس المصدر،ج 4،ص 401،ح .6482

(67).نفس المصدر،ج 1،ص 64ـ57،ح 216 و .246

(68).نهج البلاغة،الخطبة .200

(69).المصدر السابق الخطبة 234،المعروفة بالقاصعة و هي طويلة و محل الشاهد منها،ص 802،من المصدر.

(70).المصدر السابق،ص 746،الخطبة .229

(71).الإمام علي صوت العدالة الانسانية،ج 1،ص .49

حياة اميرالمؤمنين(ع) ص 301

السيد اصغر ناظم‏زاده القمي


كاتب الوحي عليه السلام‏

كتابة الوحى

حديث علي عليه السلام مع القرآن

من الفضائل المختصة بعلي بن أبي طالب عليه السلام قول رسول الله صلى الله عليه و آله :«علي مع القرآن و القرآن مع علي،لن يفترقا حتى يردا على الحوض». (1)

كان علي عليه السلام منذ بداية نزول الوحي إلى جنب رسول الله صلى الله عليه و آله،و لم يفارقه في حالة إلا موارد نادرة طلب فيها إذنه صلى الله عليه و آله مثل ليلة المبيت،و غزوة تبوك،و البعث إلى اليمن،و كان ما زال حاميا و ناصرا لرسول الله صلى الله عليه و آله،و حتى لحظة وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله،حيث كان رأسه صلى الله عليه و آله في حجره عليه السلام،و لهذا اختص علي عليه السلام بمعرفة كل ما نزل من الوحي على رسول الله صلى الله عليه و آله،و كان طبيعيا أنه يعلم خاصة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله خصوصيات الوحي من ساعات النزول و دقائقه إلى لحظات آخر عمره المبارك صلى الله عليه و آله،و من أنه نزل في الليل أو النهار،في السهل أو الجبل،في الحضر أو السفر،و على من و لمن نزل،يعلم ناسخه و منسوخه،عامه و خاصه،ظاهره و متشابهه،و هو يعلم إعرابه و ترتيب نزوله...خصوصا أنه صلى الله عليه و آله وصاه بجمع القرآن حتى لا يضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة.

و أيضا فقد أملاه رسول الله صلى الله عليه و آله على علي عليه السلام و هو يكتبه،و دعا الله تعالى له عليه السلام أن يعلمه فهمه و حفظه،و استجاب الله دعاءه صلى الله عليه و آله فصار عليه السلام حافظا للقرآن،و عالما بمفاهيمه،كيف و قد علمه صلى الله عليه و آله من العلم ألف باب ينفتح له من كل باب ألف باب آخر.

و أدل دليل و شاهد على ذلك حديث الثقلين قوله صلى الله عليه و آله:«إني تارك فيكم الثقلين :كتاب الله،و عترتي»فإن عليا عليه السلام جعل في هذا الحديث عدل القرآن،و مع كل هذا هل يصلح أحد للإمامة و الخلافة و إقامة أحكام القرآن و الوحي بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و تفسيره غير علي عليه السلام؟

تعليقة:

1.مستدرك الحاكم،ج 3،ص 124،كنزل العمال،ج 11،ص .603

حياة اميرالمؤمنين(ع) ص 111

السيد اصغر ناظم‏زاده القمي

اضغط للأعلى