فضائل الامام(ع) ساقى الكوثر

ساقى الكوثر

قال ابن شهر آشوب رحمه الله:جاء في تفسير قوله تعالى:و سقاهم ربهم (1) يعنى سيدهم علي بن أبي طالب و الدليل على أن الرب بمعنى السيد قوله تعالى:اذكرني عند ربك (2) .

ساقي الكوثر في القصائد و المدائح:

1ـالحميري:

فإنك تلقاه لدى الحوض قائما 
مع المصطفى بالجسر جسر جهنم‏ 
يجيران من والاهما في حياته‏ 
إلى الروح و الظل الظليل المكرم

و له أيضا:

و الحوض حوض محمد و وصيه‏ 
يسقي محبيه و يمنعه العدى

و له ايضا:

ألا أيها اللاحي عليا دع الخنا 
فما أنت من تأنيبه بمصوب (3)  
أتلحى أمير الله بعد أمينه‏ 
و صاحب حوض شربه خير مشرب‏ 
و حافاته در و مسك ترابه‏ 
و قد حازماء من لجين و مذهب (4)

2ـابن حماد:

و الحوض حوضك ليس ثم مدافع‏ 
في الحشر تسقي من تشاء و تمنع‏ 
عجبا لاعمى عن هداه و نوره‏ 
كالشمس واضحة تضي‏ء و تلمع

و له أيضا:

و هم سقاة للحوض من والاهم‏ 
يسقى بكأس لذة للشارب

و له أيضا:

و إن الحوض حوضك و البرايا 
إليك لدى القيامة مهطعينا 
و تحت لوائك المحمود تضحى‏ 
جميع الخلق دونك خاشعينا

3ـالعوني:

تسقي الظماء على حوض النبي غدا 
للمؤمنين بمملو من الحلب (5)

4ـالزاهي:

بدر الدجى و زوجه شمس الضحى‏ 
في فضلها و ابناه للعرش القرط 
و من له الكوثر حوض في غد 
و النار ملك و الفراديس خطط

و له أيضا:

يا ساقي الشيعة من كأسه‏ 
عند ورود الكوثر الجاري‏ 
في يوم تبلو النفس ما قدمت‏ 
لسيد في الحكم جبار 
و النار في الموقف قد سعرت‏ 
لأخذ نصاب و فجار

5ـحسان بن ثابت:

له الحوض لا شك يحيى به‏ 
فمن شاء أسقى برغم العدى‏ 
و من ناصب القوم لم يسقه‏ 
و يدعو إلى الورد للأولياء (6)

أقول:إذا أمعنت النظر في الأخبار و الأحاديث التي جاءت من الفريقين في صفة حوض النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الكوثر وجدت في خلالها عجائب من حيث المضامين و المعانى مثل كون ترابه المسك الأذفر،و حصاه الدر و الياقوت و المرجان،و حشيشه الزعفران،و،و،و فتحدثك نفسك:ما المراد من هذه المعاني؟هل يجب علينا أن نلتزم بظواهرها و نقول:إن في حوض النبي صلى الله عليه و آله و سلم أباريق كعدد النجوم،و فيه مرجان و ياقوت و در (7) ،أو يمكن أن نعبر من هذه الظواهر إلى معاني أعلى وأرقى و ألطف من ذلك؟نعم،جاء هذا المعنى في قول الصادق عليه السلام على ما ذكره العلامة المجلسي رحمه الله و هو:

في الأصل كنا نجوما يستضاء بنا 
و للبرية نحن اليوم برهان‏ 
نحن البحور التي فيها لغائصكم‏ 
در ثمين و ياقوت و مرجان‏ 
مساكن القدس و الفردوس نملكها 
و نحن للقدس و الفردوس خزان‏ 
من شذ عنا فبرهوت مساكنه‏ 
و من أتانا فجنات و ولدان (8)

فهل المراد من النجوم و الدر و الياقوت و المرجان في هذه الأبيات ظاهرها؟أو وراءه حكمة و علم و معرفة؟فإن الغائص في بحور علوم أهل البيت عليهم السلام له أنواع من المعرفة التي لا يقاس بها الياقوت و المرجان و الدر و غير ذلك من الأشياء التي تقربها عيون العامة عند سماعها،و لكن الخاصة و العظماء تفهم ما فوق ذلك،و تعلم أن هذه ألفاظ لضيق البيان عن كشف حقائقها،و هذا لا ينافى ظواهرها أيضا فلنختم هذا البحث بنقل كلمات من أفذاذ العلماء و عظمائهم:

الكوثر فى كلام الأعلام

1ـقال المولى صدر الدين الحكيم الشيرازي رحمه الله:«قال بعض العلماء:«إنا أعطيناك الكوثر»فالكوثر صورته صورة الماء،و حقيقته حقيقة العلم،لست أقول:إن المراد من هذه الأمثال الواردة في القرآن مقصور على معانيها الباطنية العقلية من غير تحقق الصور المحسوسة كما يقوله الباطنية،كلا،بل نقول:الغرض منها العبور من مظاهرها إلى مطاويها،و من صورها إلى معانيها،فإن للقرآن ظهرا و بطنا،و تأويلا و تفسيرا.

ثم إذا شبه العلم مطلقا بالماء فيترتب عليه تشبيه أقسامه بأقسامه،كتشبيه العلوم الحقة الخالية عن الشبه و الشكوك بالماء الطاهر الزلال،و العلوم التي بخلافها بالماء الكدر المخلوط بالكثايف،و كتشبيه اليقينات الدائمة بالماء الجاري أبدا،و التي بخلافها بالماء المنقطع،و كتشبيه العلم الذي يفيض من عند الله بإلهامه بلا واسطة معلم بشري بالماء النازل من السماء الجارية في الأودية (9) بلا سعي و تعمل آلة و حفر قناة و استنباط،و الذي يحصل بالفكر و الروية كالماء المستنبط من الأرض بالحفر و نحوه،و الذي يحصل بالتقليد كالماء الذي يفرغ من حوض إلى حوض (10) ».

2ـقال العلامة الفيض رحمه الله:«يخطر بالبال أن مثال الكوثر في الدنيا هو العلم و الحكمة،و مثال أوانيه علماء الامة،و لهذا فسر بالخير الكثير،فإن الله عز و جل يقول:و من يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا و ما يذكر إلا اولوا الألباب (11) .و يؤيد هذا ما رواه بعض علماء العامة عن مولانا الصادق عليه السلام في تأويل الآية:إنا أعطيناك نورا في قلبك دلك علي و قطعك عما سواي،قال:و كان هذا منه عليه السلام نوع‏إشارة كإشارات الصوفية لا أنه تفسير السورة.

أقول:و من شرب كأس العلم من مشرب التحقيق علم أن مثل هذه الاشارة يرجع إلى التفسير عند التحقيق،و يتحدان بحسب المعنى،لما عرفت مرارا:أن لكل حقيقة في كل موطن صورة و مثالا ... (12) ».

3ـقال العلامة الطريحي رحمه الله:«و الحوض الكوثر،و من كلام علي عليه السلام:

أنا ابن ذي الحوضين عبد المطلب‏ 
و هاشم المطعم في العام السغب

لعل المراد بهما الحقيقة،و يحتمل أنه أراد العلم و الهدى (13) ».

4ـقال العلامة الطنطاوي في تفسيره:«وصف الكوثر:طينته مسك أذفر،ماؤه أشد بياضا من الثلج،و أحلى من العسل،حافتاه من ذهب،مجراه على الدر و الياقوت،تربته أطيب من المسك،شاطئاه در مجوف.

وصف كيزانه و طيره:آنيته عدد نجوم السماء،فيه طير أعناقها كأعناق الجزور،و في رواية،كيزانه كنجوم السماء،من شرب منها لا يظمأ أبدا،و زواياه سواء،فيه أباريق كنجوم السماء،من ورده فشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا،و الذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء و كواكبها.

وصف الشاربين:في حديث مسلم:«قالوا:يا نبي الله تعرفنا؟قال:نعم،لكم سيما ليست لأحد غيركم،تردون علي غرا محجلين من آثار الوضوء،و ليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون إلى،فأقول:يا رب هؤلاء من أصحابي!فيجيبني ملك فيقول:و هل تدري ما أحدثوا بعدك»؟هذا ملخص ما جاء في الحوض من رواية البخاري أو مسلم.

إذا عرفت هذا فأصغ لما أتلو عليك من نبأ هذه الأحاديث و أسرارها:إعلم أن‏هذه الأحاديث وردت لغاية أرقى مما يراها الذين لا يفكرون،كم امم جاءت قبلنا و جاء فيهم مصلحون،فماذا فعلوا؟ألقوا إليهم العلم بهيئة جميلة و صورة مفرحة و بهجة و جمال،و من قرأ كتاب«كليلة و دمنة»الذي لم تخل منه مدرسة من مدارس العالم الشرقي و الغربي في الوقت الحاضر إلا لها حظ من قراءته.

أقول:من قرأ هذا الكتاب عرف مقدرة الفيلسوف الهندي،و كيف جاء بالسياسة و نظام المدنية و العلوم الاجتماعية في قوالب المحادثات الحيوانية،فتارة يجعله في هيئة محاورة بين ثور و أسد،و تارة بين حمامة و غراب،و سلحفاة و فأرة،و هكذا مما سر العامة بظاهره الطلي الجميل،و علم الحكماء و العلماء بباطنه القويم.

و لكن ليس ذلك (أي التعبير النبوي) كما في«كليلة و دمنة»الذي يفرح به الجهال،و لكن الحكماء يرون الباطن هو المقصود،و الظاهر منبوذ،لأن البهائم لا تتكلم بداهة،كلا ثم كلا بل هنا ظاهر القول حق،و باطنه حق.

الجاهل يسمع الدر و الياقوت و شرابا أحلى من العسل،فيفرح به فيعبد الله ليصل إلى هذه اللذات،و هذا الجاهل أكثر أهل هذه الأرض،و العالم ينظر فيقول:إن هذا القول و راءه حكمة،و راءه علم،لأنني أرى في خلال القول عجائب،فلماذا يذكر أن الكيزان أو الأباريق أو نحو ذلك عدد نجوم السماء؟و أي دخل لنجوم السماء هنا؟و لماذا عبر به؟ثم يقول:لماذا ذكر أن الذين يردون الحوض يكونون عليهم آثار الوضوء؟ثم يقول:لماذا ذكر أن عدد الآنية يكون أكثر من نجوم السماء؟و لماذا هذه المحافظة كلها على عدد نجوم السماء؟

إذن يقول:لا،لا،الحق أن نبينا محمدا صلى الله عليه و آله و سلم يريد أمرين:أمرا واضحا جليا يفرح به جميع الناس،و أمرا يختص بالقواد و العظماء،إن النبوة بأمر الله،و الله جعل في أهل الارض فلاحين لا يعرفون إلا ظواهر الزرع،و جعل أطباء يستخرجون منافع من الحب و الشجر،و حكماء يستخرجون علوما،و كل‏لا يعرف إلا علمه،فالطبيب يشارك الفلاح في أنه يأكل،و لكنه يمتاز عنه بإدراك المنافع الطبية،هكذا حكماء الامة الاسلامية يشاركون الجهلاء في أنهم يفهمون الحوض كما فهموه،و يردونه معهم كما يردونه،و لكن هؤلاء يمتازون بأنهم قواد الامة الذين يقودونها،فماذا يقولون؟

يقولون:إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم يريد معاني أرقى،إن الجنة فيها ما لا عين رأت،و لا اذن سمعت،و لا خطر على قلب بشر،فليس الماء الذي هو أحلى من العسل،و أبيض من الثلج كل شي‏ء هناك و أي شي‏ء عدد نجوم السماء،و لماذا خصصت النجوم بالعدد،و الوضوء بالأثر؟

و الذي نقوله:إن الحوض يرمز به للعلم مع بقائه على ظاهره،فما المسك الأذفر،و لا أنواع الجواهر النفيسة من در و ياقوت،و لا حلاوة العسل التي في ذلك الماء،و لا اتساع ذلك الحوض إلا أفانين العلم و مناظر بدائعه المختلفة المناهج،العذبة المشارب،السارة للناظرين.

إن هذه الأحاديث جاءت لترقية الامة الاسلامية بأن يردوا حوض رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بالعلم،و هذه الأحاديث تشير إلى أن هذه الامة سينبغ منها اناس لا نظير لهم ستطهر نفوسهم،و يكرعون من موارد العلوم الشريفة،و يشربون من حوض رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و يدرسون العلوم التي بثها الله في هذه الدنيا و لا نهاية لها،و لا يذرون شيئا مما خلق الله إلا عرفوه على مقدار طاقتهم...فيصبحون خلفاء الله في الأرض فالقرآن يطلب هذه العلوم كلها.فمن قرأ الفلك باعتبار أنه آثار جمال الله فقد ورد بعض حوض رسوله صلى الله عليه و آله و سلم،و من درس الطب و الحكمة و التشريع أو عجائب النمل أو النحل كذلك او نظام كسوف الشمس و القمر فقد ورد بعض حوض رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مع طهارة نفوسهم.

هذا هو سر حديث الحوض يدلنا على أن هذه الامة سيطول أمدها،ستكون لهم دول و حكماء و عظماء و انظر كيف يقول:إن هذا الحوض ببعد عنه اناس هم‏مسلمون،و لكن يقال للنبي صلى الله عليه و آله و سلمـكما في البخاري و مسلمـ:«هل تدري ما أحدثوا بعدك؟»اولئك الذين يطردون من الحوض،هم الذين لم تستعد قلوبهم للعلم،و هم لم يسعوا له (14) ».

تعليقات:

(1) الدهر،76: .21

(2) ابن شهر آشوب:مناقب آل ابي طالب،ج 2:ص 162.و الاية في يوسف،12: .42

(3) لاحى فلانا:لامه و عابه.و الخناـبالفتحـ:الفحش بالقول.و التأنيب من أنبه:لامه و عنفه .

(4) الحافات:الجوانب و الاطراف.و اللجينـمصغراـالفضة.

(5) الحلبـمحركةـ:اللبن.

(6) نقلنا الاشعار كلها من المناقب،لابن شهر آشوب (ج 2:ص 162ـ164) .

(7) كقول النبي صلى الله عليه و آله و سلم:«رأيت نهرا في الجنة،حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف،فضربت بيدي مجرى الماء فإذا أنا بمسك أذفر،فقلت:ما هذا؟قيل:الكوثر الذي أعطاك الله...أشد بياضا من اللبن،و أحلى من‏العسل،و فيه طيور خضر لها أعناق كأعناق البخت» (الفخر الرازي:تفسير الكبير،ج 31:ص 124) .

و كقوله صلى الله عليه و آله و سلم:«عرضه و طوله ما بين المشرق و المغرب،لا يشرب منه أحد فيظمأ،و لا يتوضأ منه أحد فيشعب»،و«عمقه سبعون ألف فرسخ،ماؤه أشد بياضا من اللبن،و أحلى من العسل،شاطئاه الدر و الياقوت و الزبرجد» (الالوسي:تفسير روح المعاني،ج 30:ص 244) .

و كقوله صلى الله عليه و آله و سلم:«عرضه ما بين أيلة و صنعاء...و أن فيه من الأباريق عدد نجوم السماء»و:«حصاه (حصباؤه) الزبرجد و الياقوت و المرجان،حشيشه الزعفران،ترابه المسك الأذفر،قواعده تحت عرش الله عز و جل» (المجلسي:بحار الانوار،ج 8:ص 18) .

(8) المجلسي:بحار الانوار،ج 47:ص .26

(9) اشارة الى الآية 17 من سورة الرعد،و كقوله تعالى:و ما يستوى البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه و هذا ملح اجاج (فاطر،35:12) فإنه تمثيل للإيمان و الكفر،و هما نوعان من العلم.

و كقول أمير المؤمنين عليه السلام في«الكافى» (باب معرفة الإمام) :«و لا سواء حيث ذهب الناس الى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض،ذهب من ذهب إلينا إلى عيون صافية تجري بأمر الله لا نفاد لها و لا انقطاع»،فانه عليه السلام شبه علوم الائمة عليهم السلام بالعيون الصافية .

(10) شرح اصول الكافى/باب معرفة الامام،ص 477،ط طهران.

(11) البقرة،2: .269

(12) الفيض:علم اليقين،ج 2:ص .987

(13) الطريحي:مجمع البحرين/مادة«حوض».

(14) تفسير الجواهر/ذيل سورة الكوثر.و قد نقلنا كلامه بالتلخيص مع أدنى تغيير في العبارات .

الإمام علي بن أبي‏طالب (ع) ص 504

أحمد الرحماني الهمداني


شهيد المحراب



مقتل أمير المؤمنين علي (ع) و قدر عمره و مدة خلافته -
ـ شهيد المحراب








شهيد المحراب

1ـ عهد الي النبي الامي أن يخضب هذا من دم هذه

قال علي عليه السلام:«عهد الي النبي الامي‏[صلى الله عليه و آله‏]أن يخضب هذا من دم هذه».

تاريخ دمشق ج 3 ص 334 الرقم 1379،مناقب ابن المغازلي ص 205 الرقم .242

ـ193ـ

2ـيا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر.

و من كلام له عليه السلام عن الرضا،عن آبائه عليهما السلام،عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة النبي صلى الله عليه و آله في فضل شهر رمضان،فقال عليه السلام:«فقمت و قلت:يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟فقال:يا أبا الحسن،أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز و جل،ثم بكى،فقلت:يا رسول الله ما يبكيك؟

فقال:يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر،كأني بك و أنت تصلي لربك و قد انبعث أشقى الأولين و الآخرين،شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك.

قال أمير المؤمنين عليه السلام:فقلت:يا رسول الله،و ذلك في سلامة من ديني؟

فقال صلى الله عليه و آله:في سلامة من دينك ثم قال:يا علي من قتلك فقد قتلني،و من أبغضك فقد أبغضني،و من سبك فقد سبني،لانك مني كنفسي،روحك من روحي،و طينتك من طينتي،إن الله تبارك و تعالى خلقني و اياك،و اصطفاني و اياك،و اختارني للنبوة و اختارك للامامة،فمن أنكر امامتك فقد أنكر نبوتي.

يا علي أنت وصيي،و أبو ولدي،و زوج ابنتي،و خليفتي على امتي في حياتي و بعد موتي،أمرك أمري،و نهيك نهيي،اقسم بالذي بعثني بالنبوة و جعلني خير البرية إنك لحجة الله على خلقه،و أمينه على سره،و خليفته على عباده».

الامالي للصدوق المجلس 20 الرقم 4،عيون اخبار الرضا (ع) ج 1 ص 297 الرقم 53،بحار الانوار ج 42 ص .190

ـ194ـ

3ـلقد خبرني حبيب الله عن يومي هذا،و عهد الي فيه.

قال القضاعي:لما ضرب أمير المؤمنين عليه السلام،إجتمع اليه أهل بيته و جماعة من خاصة أصحابه فقال:«...لقد خبرني حبيب الله و خيرته من خلقه،و هو الصادق المصدوق عن يومي هذا و عهد الي فيه فقال:يا علي،كيف بك اذا بقيت في حثالة من الناس تدعو فلا تجاب،و تنصح عن الدين فلا تعان.و قد مال أصحابك،و شنف لك نصحاؤك،و كان الذي معك أشد عليك من عدوك،اذا استهضتهم صدوا معرضين،و إن استحثثتهم أدبروا نافرين،يتمنون فقدك لما يرون من قيامك بأمر الله عز و جل و صرفك اياهم عن الدنيا،فمنهم من قد حسمت طمعه فهو كاظم على غيظه،و منهم من قتلت اسرته فهو ثائر متربص بك ريب المنون و صروف النوائب،و كلهم نغل الصدر،ملتهب الغيظ فلا تزال فيهم كذلك حتى يقتلوك مكرا،أو يرهقوك شرا.

و سيسمونك بأسماء قد سموني بها،فقالوا:«كاهن»و قالوا«ساحر»و قالوا:«كذاب مفتر»فاصبر فان لك في اسوة،و بذلك أمر الله إذ يقول: لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة . (الأحزاب/21)

يا علي،إن الله عز و جل أمرني أن ادنيك و لا اقصيك،و أن اعلمك و لا أهملك،و أن اقربك و لا أجفوك.فهذه وصيته الي،و عهده لي».

دستور معالم الحكم ص .85

ـ195ـ

4ـقال‏[رسول الله صلى الله عليه و آله‏]:ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي .

و من كلام له عليه السلام:

قال سليم:و حدثني علي بن أبي طالب عليه السلام انه قال:«كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في بعض طرق المدينة،فأتينا على حديقة،فقلت:يا رسول الله ما أحسنها من حديقة.قال صلى الله عليه و آله و سلم:ما أحسنها،و لك في الجنة أحسن منها.ثم أتينا على حديقة اخرى فقلت:يا رسول الله ما أحسنها من حديقة.قال صلى الله عليه و آله و سلم :ما أحسنها،و لك في الجنة أحسن منها.حتى أتينا على سبع حدائق،أقول:يا رسول الله ما أحسنها و يقول:لك في الجنة أحسن منها،فلما خلاله الطريق اعتنقني ثم أجهش باكيا و قال:بأبي الوحيد الشهيد.

فقلت:يا رسول الله ما يبكيك؟

فقال:ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي،أحقاد بدر،و تراث احد.فقلت:في سلامة من ديني؟

قال:في سلامة من دينك،فابشر يا علي،فان حياتك و موتك معي،و أنت أخي،و أنت وصيي،و أنت صفيي،و وزيري،و وارثي،و المؤدي عني،و أنت تقضي ديني،و تنجز عداتي عني،و انت تبرى‏ء ذمتي،و تؤدي أمانتي،و تقاتل على سنتي الناكثين من امتي،و القاسطين و المارقين،و أنت مني بمنزلة هارون من موسى،و لك بهارون اسوة حسنة إذ استضعفه قومه و كادوا يقتلونه،فاصبر لظلم قريش اياك،و تظاهرهم عليك فانك بمنزلة هارون من موسى و من تبعه،و هم بمنزلة العجل و من تبعه،و إن موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم،و إن لم يجد أعوانا أنت يكف يده،و يحقن دمه،و لا يفرق بينهم.

يا علي،ما بعث الله رسولا إلا و أسلم معه قوم طوعا و قوم آخرون كرها،فسلط الله الذين أسلموا كرها على الذين أسلموا طوعا فقتلوهم ليكون أعظم لاجورهم.

يا علي و انه ما اختلفت امة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها،و إن الله قضى الفرقة و الاختلاف على هذه الامة و لو شاء الله لجعلهم على الهدى حتى لا يختلف اثنان من خلقه،و لا يتنازع في شي‏ء من أمره،و لا يجحد المفضول ذا الفضل فضله،و لو شاء عجل النقمة،فكان منه التغيير حتى يكذب الظالم،و يعلم الحق أين مصيره.و لكن جعل الدنيا دار الأعمال،و جعل الآخرة دار القرار،ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى.

فقلت:الحمد لله شكرا على نعمائه،و صبرا على بلائه،و تسليما و رضا بقضائه».

كتاب سليم بن قيس ص 21،مسند ابي يعلى ج 1 ص 284 الرقم 561،مستدرك الحاكم ج 3 ص 139 الرقم 104،تاريخ بغداد ج 12 ص 398 الرقم 6859،المناقب للخوارزمي الفصل 6 ص 26،تاريخ دمشق ج 2 ص 322 الرقم 834 و 837،كفاية الطالب الباب 66 ص 273،الرياض النضرة ج 3 ص 184،فرائد السمطين ج 1 الباب 30 الرقم 115،مجمع الزوائد ج 9 ص 118،كنز العمال ج 13 ص 176 الرقم 36523،احقاق الحق ج 6 ص 182،غاية المرام الباب 65 ص 573،بحار الانوار ج 28 ص 50،بحار الانوار ج 41 ص 4،سمط النجوم ج 2 ص 494 الرقم .87

تكملة انه (ع) يقتل مظلوما شهيدا

42ـ«قال رسول الله صلى الله عليه و آله:يا علي أنت وصيي من بعدي،و أنت المظلوم المضطهد بعدي».

186ـ«فقال‏[رسول الله صلى الله عليه و آله‏]لي:فان ذلك كذلك،فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذه؟ـو أهوى بيده الى لحيتي و رأسيـفقلت:بأبي و امي يا رسول الله،ليس ذلك من مواطن الصبر،و لكن من مواطن البشرى و الشكر.

فقال لي:أجل.ثم قال:يا علي إنك باق بعدي،و مبتلى بامتي...».

الباب السادس موقفه (ع) عند وفاة رسول الله (ص)

الفصل الأول:يوم الوفاة.

الفصل الثاني:وفاة رسول الله (ص) و غسله.

الفصل الثالث:الصلاة على رسول الله (ص) و دفنه.

الفصل الرابع:شدة حزنه (ع) .

الفصل الأول يوم الوفاة

1ـعهد الي رسول الله (ص) يوم توفي.

2ـإن رسول الله (ص) أسر الي في مرضه.

3ـفسال علي عرقه،و سال عليه عرقي.

4ـأنبأني‏[رسول الله (ص) ]بما هو كائن الى يوم القيامة.

5ـيا علي غسلني،و لا يغسلني غيرك.

ـ196ـ

1ـعهد الي رسول الله صلى الله عليه و آله يوم توفي.

و من كلام له عليه السلام:

عن سليم،قال:سمعت عليا عليه السلام يقول:

«عهد الي رسول الله صلى الله عليه و آله يوم توفي،و قد أسندته الى صدري،و رأسه عند اذني،و قد أصغت المرأتان لتسمعان الكلام،فقال رسول الله صلى الله عليه و آله:اللهم سد مسامعهما .

ثم قال:يا علي،أرأيت قول الله تبارك و تعالى: إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئك هم خير البرية أتدري من هم؟

قلت:الله و رسوله أعلم.

قال:فانهم شيعتك و أنصارك،و موعدي و موعدهم الحوض يوم القيامة إذا جثت الامم على ركبها،و بدأ الله في عرض خلقه،و دعا الناس الى ما لا بد لهم منه،فيدعوك و شيعتك،فيجيئون غرا محجلين،شباعا مرويين.

يا علي إن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين في نار جهنم خالدين فيها اولئك هم شر البرية .فهم اليهود و بنو امية و شيعتهم،يبعثون يوم القيامة أشقياء،جياعا،عطاشى،مسودة وجوههم».

كتاب سليم ص 189،بحار الانوار ج 22 ص 498،تفسير نور الثقلين ج 5 ص 644 الرقم .10

ـ197ـ

2ـإن رسول الله صلى الله عليه و آله أسر الي في مرضه.

من كلام أمير المؤمنين عليه السلام:

«إن رسول الله صلى الله عليه و آله أسر الي في مرضه مفتاح ألف باب من العلم،يفتح من كل باب ألف باب،و لو أن الامةـمنذ قبض رسول الله صلى الله عليه و آلهـاتبعوني و أطاعوني لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم».

الاحتجاج للطبرسي ج 1 ص 357،كتاب سليم ص 174،بحار الانوار ج 28 ص .73

ـ198ـ

3ـفسال علي عرقه،و سال عليه عرقي.

من كلام له عليه السلام،بعد قول رسول الله صلى الله عليه و آله في مرضه الذي توفي فيه :«ادعوا لي خليلي»و ارسلت فاطمةـسلام الله عليهاـالى علي،فلما جاء قام رسول الله صلى الله عليه و آله فدخل،ثم جلل عليا عليه السلام بثوبه.

قال علي عليه السلام:

«فحدثني بألف حديث،يفتح كل حديث ألف حديث،حتى عرقت و عرق رسول الله صلى الله عليه و آله،فسال علي عرقه،و سال عليه عرقي».

الخصال للصدوق ج 2 ص 642 و 643 الرقم 21 و 23،البحار ج 22 ص 460ـ .461

ـ199ـ

4ـأنبأني‏[رسول الله (ص) ]بما هو كائن الى يوم القيامة.

و من كلام له عليه السلام في بيان وصية رسول الله صلى الله عليه و آله له.قال علي عليه السلام:«أوصاني النبي صلى الله عليه و آله:إذا أنا مت فغسلني بست قرب من بئر غرس، فاذا فرغت من غسلي فأدرجني في أكفاني،ثم ضع فاك على فمي».قال‏[عليه السلام‏]ففعلت و أنبأني بما هو كائن الى يوم القيامة».

بصائر الدرجات الجزء 6 الباب 6 الرقم 10،خصائص الائمة للسيد الرضي ص 55،كنز العمال ج 7 ص 249 الرقم 18781،بحار الانوار ج 40 ص 213 الرقم .1

ـ200ـ

5ـيا علي غسلني،و لا يغسلني غيرك.

عن موسى بن جعفر عليهما السلام قال:«قال لي أبي:قال علي‏°‚K 251°‚K عليه السلام:

لما قرأت صحيفة وصية رسول الله صلى الله عليه و آله فاذا فيها:يا علي،غسلني،و لا يغسلني غيرك.

قال:فقلت لرسول الله صلى الله عليه و آله:بأبي أنت و امي،أنا أقوى على غسلك وحدي؟!

قال:بذا أمرني جبرئيل،و بذلك أمره الله تبارك و تعالى.

قال:فقلت له:فإن لم أقو على غسلك وحدي،فأستعين بغيري يكون معي؟

فقال جبرئيل:يا محمد،قل لعلي:إن ربك يأمرك أن تغسل ابن عمك،فانها السنة،لا يغسل الانبياء غير الأوصياء،و إنما يغسل كل نبي وصيه من بعده،و هي من حجج الله لمحمد صلى الله عليه و آله على امته فيما أجمعوا عليه من قطيعة ما أمرهم به،و اعلم يا علي أن لك على غسلي أعوانا،نعم الأعوان و الاخوان.

قال علي عليه السلام:فقلت:يا رسول الله،من هم،بأبي أنت و امي؟

فقال:جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل و ملك الموت و اسماعيل صاحب السماء الدنيا أعوان لك .

قال علي عليه السلام:

«فخررت لله ساجدا و قلت:الحمد لله الذي جعل لي اخوانا و أعوانا هم امناء الله».

البحار ج 22 ص 546 الرقم 64،نقله عن كتاب الطرف للسيد ابن طاووس ص 44،كنز العمال ج 7 ص .249

الفصل الثاني وفاة رسول الله (ص) و غسله

1ـلقد قبض رسول الله (ص) و إن رأسه لعلى صدري.

2ـلقد وليت غسله بيدي وحدي.

3ـما تناولت عضوا إلا كأنه يقلبه معي ثلاثون رجلا.

4ـغسلته بالروح و الريحان.

5ـما أطيبك حيا و ميتا.

6ـهل فيكم من غسل رسول الله (ص) غيري؟

7ـأفيكم أحد ولي غمض رسول الله (ص) مع الملائكة غيري؟

تكملة.

ـ201ـ

1ـلقد قبض رسول الله صلى الله عليه و آله و إن رأسه لعلى صدري.

قال أمير المؤمنين عليه السلام:«و لقد قبض رسول الله صلى الله عليه و آله و إن رأسه لعلى صدري،و لقد سالت نفسه في كفي،فأمررتها على وجهي،و لقد وليت غسله صلى الله عليه و آله و الملائكة أعواني،فضجت الدار و الأفنية، ملأ يهبط و ملأ يعرج،و ما فارقت سمعي هينمة منهم،يصلون عليه حتى و اريناه في ضريحه.

فمن ذا أحق به مني حيا و ميتا؟فانفذوا على بصائركم و لتصدق نياتكم في جهاد عدوكم.فو الذي لا إله إلا هو اني لعلى جادة الحق،و إنهم لعلى مزلة الباطل.أقول ما تسمعون و استغفر الله لي و لكم».

نهج البلاغة (صبحي الصالح) الخطبة 197 ص 311،الامالي للمفيد المجلس 27 الرقم 5،الامالي للطوسي ص 11 الرقم 13،بحار الانوار ج 34 ص 109 الرقم 948 و .959

حياة اميرالمؤمنين عن لسانه (1) ص 238


مقتل أمير المؤمنين علي عليه السلام و قدر عمره و مدة خلافته

قتل صلوات الله عليه سنة 40 من الهجرة في شهر رمضان ضرب ليلة تسع عشرة ليلة الاربعاء و قبض ليلة الجمعة ليلة احدى و عشرين على المعروف بين اصحابنا و عليه عمل الشيعة اليوم و روى الطبري و ابن الاثير انه ضرب ليلة الجمعة لاحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان فتكون وفاته ليلة الاحد.و عمره ثلاث و ستون سنة رواه الحاكم في المستدرك عن محمد بن الحنفية أو اربع و ستون أو خمس و ستون سنة منها عشر سنين أو اثنتا عشرة سنة قبل‏البعثة و ثلاث و عشرون مع النبي (ص) بعد البعثة ثلاث عشرة بمكة و عشر بالمدينة و ثلاثون سنة بعد وفاة النبي (ص) و قيل في سنة غير ذلك فروى الحاكم في المستدرك عن جعفر ابن محمد عن ابيه انه قتل و هو ابن ثمان و خمسين سنة.و اشهر الاقوال الاول و الثالث قال ابن شهر اشوب في المناقب :قبض صلوات الله عليه قتيلا في مسجد الكوفة وقت التنوير ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة مضين من شهر رمضان فبقي يومين الى نحو الثلث من الليل و له يومئذ خمس و ستون سنة في قول الصادق عليه السلام و قالت العامة ثلاث و ستون سنة«اه»و روى الحاكم في المستدرك بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلي:قتل علي يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة 40 و هو يوم قتل ابن ثلاث و ستين سنة أو اربع و ستين (و بسنده) عن أبي بكر بن ابي شيبة:قتل علي بن ابي طالب سنة 40 من مهاجر رسول الله (ص) و هو ابن ثلاث و ستين سنة قتل يوم الجمعة للحادي و العشرين من شهر رمضان و مات يوم الاحد و دفن بالكوفة«اه».و كانت مدة خلافته خمس سنين الا نحوا من اربعة اشهر أو ثلاثة اشهر لانه بويع لخمس بقين من ذي الحجة سنة 35 كما مر.و روى الحاكم في المستدرك عن عبد الرحمن بن ابي ليلى ان خلافته كانت خمس سنين الا ثلاثة اشهر ثم روى عن أبي بكر بن ابي شيبة انه قال ولي علي بن ابي طالب خمس سنين«اه»و كانه مبني على نوع من التسامح.

نعيه نفسه قبل مقتله

قال ابن الاثير في الكامل قيل من غير وجه ان عليا كان يقول ما يمنع اشقاكم ان يخضب هذه من هذه يعني لحيته من دم رأسه.

و قال الحسن بن كثير عن ابيه:خرج علي من الفجر فاقبل الاوز يصحن في وجهه فطردوهن عنه فقال ذروهن فانهن نوائح،فضربه ابن ملجم في ليلته،و قال الحسن بن علي يوم قتل علي:خرجت البارحة و ابي يصلي في مسجد داره فقال لي يا بني اني بت اوقظ اهلي لانها ليلة الجمعة فملكتني عيناي فنمت فسنح لي رسول الله (ص) فقلت يا رسول الله ماذا لقيت من امتك من الأود و اللدد (قال ابو الفرج:و الأود العوج و اللدد الخصومات) فقال لي:ادع عليهم فقلت اللهم ابدلني بهم من هو خير منهم و ابدلهم بي من هو شر مني فجاء ابن الثباج فآذنه بالصلاة فخرج و خرجت خلفه فضربه ابن ملجم فقتله.و في تذكرة الخواص عن الشعبي انشد علي عليه السلام قبيل قتله بايام:

سبب قتل أمير المؤمنين عليه السلام

قال الطبري في تاريخه و ابن الاثير في الكامل:كان سبب قتله عليه السلام ان عبد الرحمن ابن ملجم المرادي و البرك بن عبد الله التميمي الصريمي و اسمه الحجاج و عمرو بن ابي بكر التميمي السعدي و هم من الخوارج اجتمعوا فتذاكروا امر الناس و عابوا الولاة ثم ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم و قالوا ما نصنع بالبقاء بعدهم فلو شرينا انفسنا لله و قتلنا ائمة الضلال و ارحنا منهم البلاد فقال ابن ملجم انا اكفيكم عليا و قال البرك بن عبد الله انا اكفيكم معوية و قال عمرو بن بكر انا اكفيكم عمرو بن العاص فتعاهدوا ان لا ينكص احدهم عن صاحبه الذي توجه اليه حتى يقتله أو يموت دونه و اخذوا سيوفهم فسموها و اتعدوا لتسع عشرة أو سبع عشرة من رمضان فاتى ابن ملجم الكوفة فلقي اصحابه بها و كتمهم امره و رأى يوما اصحابا له من تيم الرباب و معهم امرأة منهم اسمها قطام (بنت الاخضر التيمية) قتل ابوهما و اخوها يوم النهر و كانت فائقة الجمال فخطبها فقالت لا اتزوجك الا على ثلاثة آلاف و عبد و قينة و قتل علي فقال اما قتل علي فما اراك ذكرته و انت تريدينني قالت بل التمس غرته فان اصبته شفيت نفسك و نفسي و نفعك العيش معي و ان قتلت فما عند الله خير من الدنيا و ما فيها قال و الله ما جاء بي الا قتل علي فلك ما سألت قالت سأطلب لك من يشد ظهرك و يساعدك و بعثت الى رجل من قومها اسمه وردان فاجابها و اتى ابن ملجم رجلا من اشجع اسمه شبيب بن بجرة فقال هل لك في شرف الدنيا و الآخرة قال و ما ذاك قال قتل علي ابن ابي طالب قال شبيب ثكلتك امك لقد جئت شيئا ادا كيف تقدر على قتله قال اكمن له في المسجد فاذا خرج الى صلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه قال ويحك لو كان غير علي كان اهون قد عرفت سابقته و فضله و بلاءه في الاسلام و ما اجدني انشرح لقتله قال اما تعلمه قتل أهل النهر العباد الصالحين قال بلى قال فلنقتله بمن قتل من اصحابنا فاجابه فلما كان ليلةالجمعة (1) و هي الليلة التي واعد ابن ملجم فيها اصحابه على قتل علي و معوية و عمرو جاؤا قطام و هي في المسجد الاعظم معتكفة فدعت لهم بالحرير و عصبتهم به.و قال المفيد انهم اتو قطام ليلة الاربعاء.و قال ابو الفرج في مقاتل الطالبيين انهم اتو قطام بنت الاحضر بن بن شجنة من تيم الرباب و هي معتكفة في المسجد الاعظم قد ضربت عليها قبة فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم و تقلدوا سيوفهم و مضوا فجلسوا مما يلي السدة التي كان يخرج منها امير المؤمنين عليه السلام الى الصلاة. (قال المفيد) و قد كانوا قبل ذلك القوا الى الاشعث ما في نفوسهم من العزيمة على قتل امير المؤمنين عليه السلام و اوطأهم على ذلك و حضر الاشعث في تلك الليلة لمعونتهم و كان حجر بن عدي في تلك الليلة بائتا في المسجد فسمع الاشعث يقول لابن ملجم النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح فاحس حجر بما اراد الاشعث فقال قتلته يا اعور و خرج مبادرا ليمضي الى أمير المؤمنين عليه السلام ليخبره الخبر و يحذره من القوم و خالفه أمير المؤمنين عليه السلام في الطريق فدخل المسجد قال الطبري و ابن الاثير فلما خرج علي نادى الصلاة الصلاة فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة للباب أو الطلق و ضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف و قال الحكم لله لا لك يا علي و لا لأصحابك.و قال ابو الفرج فضربه ابن ملجم فاثبت الضربة في وسط رأسه قال ابن عبد البر:فقال علي فزت و رب الكعبة لا يفوتنكم الرجل.قال المفيد و ابو الفرج:و اقبل حجر و الناس يقولون قتل أمير المؤمنين و روى ابو الفرج بسنده عن عبد الله بن محمد الازدي قال اني لأصلي في تلك الليلة في المسجد الاعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من اوله الى آخره اذ نظرت الى رجال يصلون قريبا من السدة اذ خرج علي ابن أبي طالب (ع) لصلاة الفجر فاقبل ينادي الصلاة الصلاة فما ادري انادى ام رأيت بريق السيوف و قائلا يقول الحكم لله يا علي لا لك و لا لاصحابك و سمعت عليا يقول لا يفوتنكم الرجل.و في الاستعياب اختلفوا هل ضربه في الصلاة او قبل الدخول فيها و هرب القوم نحو ابواب المسجد و تبادر الناس لاخذهم قال أبو الفرج فاما شبيب فأخذه رجل فصرعه و جلس على صدر و أخذ السيف ليقتله به فرأى الناس يقصدون نحوه فخشي ان‏يعجلوا عليه و لم يسمعوا منه فوثب عن صدره و خلاه و طرح السيف من يده و مضى شبيب هاربا حتى دخل منزله و دخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره فقال له ما هذا لعلك قتلت امير المؤمنين فأراد ان يقول له لا فقال نعم فمضى ابن عمه و اشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه حتى قتله،قال المفيد:و اما ابن ملجم فلحقه رجل من همدان فطرح عليه قطيفة ثم صرعه و اخذ السيف من يده و جاء به امير المؤمنين عليه السلام و افلت الثالث و انسل بين الناس،و في رواية الطبري و ابن الاثير ان الذي قتل وردان و الذي افلت شبيب .قال ابن الاثير:و قدم علي«ع»جعدة بن هبيرة ابن اخته ام هاني‏ء يصلي بالناس الغداة قال الشيخ في الامالي و خرج الحسن و الحسين عليهما السلام و اخذا ابن ملجم و أوثقاه،و احتمل امير المؤمنين«ع»فادخل داره فقعدت لبابة عند رأسه و جلست ام كلثوم عند رجليه ففتح عينيه فنظر اليهما فقال الرفيق الأعلى خير مستقرا و احسن مقيلا ثم عرق ثم اغمي عليه ثم افاق فقال رأيت رسول الله«ص»يأمرني بالرواح اليه عشاء ثلاث مرات،قال ابن الاثير:و ادخل ابن ملجم على امير المؤمنين و هو مكتوف فقال اي عدو الله أ لم احسن اليك قال بلى قال فما حملك على هذا؟قال شحذته اربعين صباحا و سألت الله ان يقتل به شر خلقه،قال علي لا اراك الا مقتولا به و لا اراك الا من شر خلق الله ثم قال النفس بالنفس ان هلكت فاقتلوه كما قتلني و ان بقيت رأيت فيه رأيي،يا بني عبد المطلب لا الفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قتل امير المؤمنين ألا لا يقتلن الا قاتلي،انظر يا حسن اذا انا مت من ضربتي هذه فاضربه ضربة بضربة،و لا تمثلن بالرجل فاني سمعت رسول الله«ص»يقول اياكم و المثلة و لو بالكلب العقور،قال المفيد:فقال ابن ملجم و الله لقد ابتعته بألف و سمعته بألف فان خانني فابعده الله،و نادته ام كلثوم يا عدو الله قتلت امير المؤمنين قال انما قتلت اباك،قالت يا عدو الله اني لأرجو ان لا يكون عليه بأس،قال لها فأراك انما تبكين علي اذا و الله لقد ضربته ضربة لو قسمت بين اهل الارض لاهلكتهم.فاخرج من بين يديه و ان الناس ينهشون لحمه باسنانهم كأنهم سباع و هم يقولون يا عدو الله ما فعلت اهلكت امة محمد و قتلت خير الناس و انه لصامت لا ينطق فذهب به الى الحبس و جاء الناس الى امير المؤمنين فقالوا مرنا بأمرك في عدو الله و الله لقد اهلك الامة و افسد الملة فقال لهم ان عشت رأيت فيه رأيي و ان هلكت فاصنعوا به كما يصنع بقاتل النبي اقتلوه ثم احرقوه بعد ذلك بالنار.قال الطبري:و في قتل علي يقول ابن ابي مياس المرادي و نسبها الحاكم في المستدرك الى الفرزدق:

و لم أر مهرا ساقه ذو سماحة 
كمهر قطام من فصيح و اعجم‏ 
ثلاثة آلاف و عبد و قينة 
و ضرب علي بالحسام المصمم‏ 
فلا مهر أغلى من علي و ان غلا 
و لا فتك الا دون فتك ابن ملجم

قال الطبري:و اما البرك بن عبد الله فانه في تلك الليلة قعد لمعوية فلما خرج ليصلي الغداة شد عليه بسيفه فوقع في اليته فأخذ فقال ان عندي خبرا اسرك به فان اخبرتك فنافعي ذلك عندك قال نعم قال ان اخالي قتل عليا في مثل هذه الليلة قال لعله لم يقدر على ذلك قال بلى ان عليا يخرج ليس معه من يحرسه فأمر به معوية فقتل،و بعث معوية الى الساعدي و كان طبيبا فقال اختر اما ان احمي حديدة فأضعها موضع السيف و اما ان اسقيك شربة تقطع منك الولد و تبرأ فان ضربتك مسمومة،قال:اما النار فلا صبر لي عليها و اما الولد فان في يزيد و عبد الله ما تقر به عيني فسقاه الشربة فبرى‏ء و عالج جرحه حتى التأم و لم يولد له بعدها.قال سبط ابن الجوزي:لما بلغ القاضي ابا حازم ذلك قال يا ليت ذلك قبل ان يولد يزيد،و امر معوية عند ذلك بالمقصورات و حرس الليل و قيام الشرط على رأسه اذا سجد،قال ابن الاثير :و هو اول من عملها في الاسلام (اقول) المقصورة بناء او شبهه يصلي داخله الحامل لقب الخلافة لئلا يغتاله احد و يصلي الناس خلفه.اول من عمله معوية و اقتدى به من بعده.و اما عمرو بن بكر فجلس لعمرو بن العاص تلك الليلة فلم يخرج و كان اشتكى بطنه،فأمر خارجة بن حذافة صاحب شرطته من بني عامر بن لؤي فخرج ليصلي فشد عليه و هو يرى انه عمرو فقتله فأخذ الى عمرو فرآهم يسلمون عليه بالامرة فقال من هذا قالوا عمرو قال فمن قتلت قالوا خارجة فقال لعمرو اما و الله يا فاسق ما ظننته غيرك قال عمرو اردتني و اراد الله خارجة فقدمه عمرو فقتله و بلغ ذلك معوية فكتب الى عمرو:

وقتك و اسباب المنايا كثيرة 
منية شيخ من لؤي بن غالب‏ 
فيا عمرو مهلا انما انت همه‏ 
و صاحبه دون الرجال الاقارب‏ 
نجوت و قد بل المرادي سيفه‏ 
من ابن ابي شيخ الاباطح طالب‏ 
و يضربني بالسيف آخر مثله‏ 
فكانت علينا تلك ضربة لازب

(أقول) :و في ذلك يقول ابن عبدون في رائيته المشهورة:

وليتها اذ فدت عمرا بخارجة 
فدت عليا بمن شاءت من البشر

و روى ابو الفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين و ابن عبد البر في الاستعياب باسناديهماو بين كل منهما بعض التفاوت و نحن نذكر محصل الكلامين:انه جمع لعلي عليه السلام اطباء الكوفة يوم جرح فلم يكن اعلم بجرحه من اثير بن عمرو بن هاني السكوني و كان ابصرهم بالطب و كان متطببا صاحب كرسي يعالج الجراحات و قال ابو الفرج كان من الاربعين غلاما الذين كان خالد بن الوليد اصابهم في عين التمر فسباهم و قال ابن عبد البر و هو الذي تنسب اليه صحراء اثير فلما نظر الى الجرح اخذ رئة شاة حارة فتتبع عرقا منها فاستخرجه و ادخله في الجرح ثم نفخ العرق فاستخرجه فاذا عليه بياض الدماغ فقال يا امير المؤمنين اعهد عهدك فان عدو الله قد وصلت ضربته الى ام رأسك.قال ابو الفرج الاصبهاني روى ابو مخنف عن ابي الطفيل ان صعصعة بن صوحان استأذن على علي عليه السلام و قد اتاه عائدا لما ضربه ابن ملجم فلم يكن عليه اذن فقال صعصعة للآذن:قل له يرحمك الله يا امير المؤمنين حيا و ميتا لقد كان الله في صدرك عظيما و لقد كنت بذات الله عليما.فابلغه الآذن فقال قل له و انت يرحمك الله فلقد كنت خفيف المؤونة كثير المعونة.

و روى الشيخ ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في اماليه بسنده الى الاصبغ بن نباتة قال لما ضرب ابن ملجم امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام غدونا عليه نفر من اصحابنا انا و الحارث و سويد بن غفلة و جماعة معنا فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء من الدار فبكينا فخرج الينا الحسن بن علي عليهما السلام فقال يقول لكم امير المؤمنين انصرفوا الى منازلكم فانصرف القوم غيري و اشتد البكاء في منزله فبكيت فخرج الحسن فقال الم اقل لكم انصرفوا فقلت لا و الله يا ابن رسول الله ما تتابعني نفسي و لا تحملني رجلاي ان انصرف حتى ارى امير المؤمنين (ع) فاذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف دمه و اصفر وجهه فما ادري وجهه اشد صفرة ام العمامة فاكببت عليه فقبلته و بكيت فقال لي لا تبك يا اصبغ فانها و الله الجنة فقلت له جعلت فداك اني اعلم و الله انك تصير الى الجنة و انما ابكي لفقداني اياك يا امير المؤمنين (و روى) قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب الخرائج عن عمرو بن الحمق قال دخلت على علي عليه السلام حين ضرب الضربة بالكوفة فقلت ليس عليك بأس انما هو خدش قال لعمري اني لمفارقكم ثم اغمي عليه فبكت ام كلثوم فلما افاق قال لا تؤذيني يا ام كلثوم فانك لو ترين ما ارى ان الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض و النبيين يقولون انطلق يا علي فما امامك خير لك مما انت فيه.

و روى ابن الاثير في اسد الغابة بسنده عن عمرو ذي مر قال لما اصيب علي بالضربة دخلت‏عليه و قد عصب رأسه فقلت يا امير المؤمنين ارني ضربتك فحلها فقلت خدش و ليس بشي‏ء قال اني مفارقكم فبكت ام كلثوم من وراء الحجاب فقال لها اسكتي فلو ترين ما ارى لما بكيت فقلت يا امير المؤمنين ماذا ترى قال هذه الملائكة و فود و النبيون و هذا محمد«ص»يقول يا علي ابشر فما تصير اليه خير مما انت فيه.و روى الشيخ ابو جعفر الطوسي في الامالي بسنده عن حبيب بن عمرو نحوه.

وصية امير المؤمنين عليه السلام

ذكرها ابو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه و ابو الفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين .بسم الله الرحمن الرحيم.هذا ما اوصى به امير المؤمنين علي بن ابي طالب اوصى انه يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له و ان محمدا عبده و رسوله ارسله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون ثم ان صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك امرت و انا اول المسلمين اوصيكما بتقوى الله و ان لا تبغيا الدنيا و ان بغتكما و لا تأسفا على شي‏ء منها زوي عنكما و قولا بالحق و اعملا للاجر (للآخرة خ ل) و كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا اوصيكما و جميع ولدي و اهل بيتي و من بلغهم كتابي هذا من المؤمنين بتقوى الله و نظم امركم و صلاح ذات بينكم فاني سمعت رسول الله«ص»يقول صلاح ذات الببين افضل من عامة الصلاة و الصيام و ان البغضة حالقة الدين و لا قوة الا بالله انظروا ذوي ارحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب و الله الله في الايتام لا تغيروا افواههم و لا يضيعوا بحضرتكم فاني سمعت رسول الله«ص»يقول من عال يتيما حتى يستغني اوجب الله له الجنة كما اوجب لآكل مال اليتيم النار و الله الله في القرآن فلا يسبقكم الى العمل به غيركم و الله الله في جيرانكم فانهم وصية نبيكم ما زال يوصينا بهم حتى ظننا انه سيورثهم و الله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم فانه ان ترك لم تناظروا و ان ادنى ما يرجع به من امه ان يغفر له ما سلف من ذنبه و الله الله في الصلاة فانها خير العمل و انها عمود دينكم و الله الله في الزكاة فانها تطفي‏ء غضب ربكم و الله الله في صيام شهر رمضان فان صيامه جنة من النار و الله الله في الجهاد في سبيل الله باموالكم و انفسكم فانما يجاهد في سبيل الله رجلان امام هدى و مطيع له مقتد بهداه و الله الله في ذرية نبيكم فلا يظلمن بين اظهركم و الله الله في اصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا و لم يؤووا محدثا فان رسول‏الله صلى الله عليه و آله و سلم اوصى بهم و لعن المحدث منهم و من غيرهم و المؤوي للمحدث و الله الله في الفقراء و المساكين فاشركوهم في معايشكم و الله الله في النساء و ما ملكت ايمانكم فان آخر ما تكلم به رسول الله (ص) ان قال اوصيكم بالضعيفين نسائكم و ما ملكت ايمانكم ثم قال الصلاة الصلاة و لا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من ارادكم و بغى عليكم قولوا للناس حسنا كما امركم الله عز و جل و لا تتركوا الامر بالمعروف و النهي عن المنكر فيولي الله الامر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليكم بالتواصل و التباذل و التبار و اياكم و التقاطع و التدابر و التفرق و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الاثم و العدوان و اتقوا الله ان الله شديد العقاب حفظكم الله من اهل بيت و حفظ فيكم نبيكم و استودعكم الله خير مستودع و اقرأ عليكم السلام و رحمة الله و بركاته.

و قال ابن الاثير انه دعا الحسن و الحسين عليهما السلام فقال لهما اوصيكما بتقوى الله و لا تبغيا الدنيا و ان بغتكما و لا تبكيا على شي‏ء زوي عنكما منها و قولا الحق و ارحما اليتيم و كونا للظالم خصما و للمظلوم ناصرا و اعملا بما في كتاب الله و لا تأخذ كما في الله لومة لائم ثم نظر الى محمد بن الحنفية فقال هل حفظت ما اوصيت به اخويك قال نعم قال فاني اوصيك بمثله و اوصيك بتوقير اخويك العظيم حقهما عليك و لا تقطع دونهما امرا ثم قال اوصيكما به فانه شقيقكما و ابن ابيكما و قد علمتما ان اباكما كان يحبه و قال للحسن اوصيك أي بني بتقوى الله و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة و غفر الذنب و كظم الغيظ و صلة الرحم و الحلم عن الجاهل و التفقه في الدين و التعاهد للقرآن و حسن الجوار و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و اجتناب الفواحش.

ثم قال للحسن:ابصروا ضاربي اطعموه من طعامي و اسقوه من شرابي.ثم قال للحسن عليه السلام اذا أنا مت فلا تغال في كفني و صل علي و كبر علي سبعا و في رواية خمسا و غيب قبري.

قال ابن الاثير ثم لم ينطق الا بلا إله الا الله حتى توفي صلوات الله عليه«اه»و بقي الى نحو ثلث الليل و توفي فصرخت بناته و نساؤه و ارتفعت الصيحة في القصر فعلم اهل الكوفة ان أمير المؤمنين عليه السلام قد قبض فاقبل الرجال و النساء يهرعون افواجا افواجا و صاحوا صيحة عظيمة فارتجت الكوفة باهلها و كثر البكاء و النحيب و كثر الضجيج بالكوفة و قبائلها و دورها و جميع اقطارها فكان ذلك كيوم مات فيه رسول الله (ص) فلما توفي غسله‏الحسن و الحسين عليهما السلام و محمد يصب الماء و قال أبو الفرج غسله الحسن و عبد الله ابن عباس و قال ابن الاثير و عبد الله بن جعفر مكان عبد الله بن عباس (2) و كفن في ثلاثة اثواب بيض ليس فيها قميص و لا عمامة بل كان القميص و العمامة من غيرها و حنط ببقية حنوط رسول الله (ص) .ثم وضعوه على سريره و صلى عليه الحسن ابنه و كبر خمسا و قيل ستا و قيل سبعا و قيل تسعا و حمل في جوف الليل من تلك الليلة الى ظهر الكوفة الى النجف فدفن بالثوية عند قائم الغريين.

و في خبر عن الباقر عليه السلام دخل قبره الحسن و الحسين و محمد بنوه عليهم السلام و عبد الله بن جعفر رضي الله عنه.و كان اخفاء قبره بوصية منه (ع) خوفا من بني امية و من الخوارج.

و روى ابو الفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين بسنده عن ابي البختري انه لما جاء عائشة قتل أمير المؤمنين عليه السلام سجدت.و قال الطبري في تاريخه و ابن الاثير في الكامل و روى ابو الفرج في مقاتل الطالبيين و ابن سعد في الطبقات و ذكر المرزباني في معجم الشعراء انه لما اتى عائشة نعي امير المؤمنين عليه السلام تمثلت:

فالقت عصاها و استقرت بها النوى‏ 
كما قر عينا بالاياب المسافر 
ثم قالت من قتله؟قيل رجل من مراد فقالت:

فان يك نائيا فلقد نعاه‏ 
غلام ليس في فيه التراب

فقالت زينب ابنة ابي سلمة ألعلي تقولين هذا؟!فقالت اني انسى فاذا نسيت فذكروني قال ابو الفرج ثم تمثلت:

ما زال اهداء القصائد بيننا 
شتم الصديق و كثرة الالقاب‏ 
حتى تركت كأن قولك فيهم‏ 
في كل مجتمع طنين ذباب

«اه.»و في ضربة ابن ملجم امير المؤمنين عليه السلام يقول عمران بن حطان الرقاشي الخارجي :

يا ضربة من تقي ما اراد بها 
الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا 
اني لا ذكره حينا فأحسبه‏ 
اوفى البرية عند الله ميزانا 
اكرم بقوم بطون الارض اقبرهم‏ 
لم يخلطوا دينهم بغيا و عدوانا 
لله در المرادي الذي سفكت‏ 
كفاه مهجة شر الخلق انسانا 
امسى عشية غشاه بضربته‏ 
مما جناه من الآثام عريانا

و قد رد عليه جملة من الشعراء منهم طاهر بن محمد حكاه عنه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص فقال:

يا ضربة من لعين ما اراد بها 
الا امام الهدى ظلما و عدوانا 
اني لأذكره يوما فاثبته‏ 
اشقى البرية عند الله خسرانا 
و قال هذا رسول الله سيدنا 
و خاتم الرسل اعلاما و اعلانا

و منهم القاضي أبو الحارث الطبري اورده سبط ابن الجوزي ايضا و في الاصابة عارضه الامام ابو الطيب الطبري و ذكر البيتين الأولين فقط:

اني لابرأ مما انت قائله‏ 
عن ابن ملجم الملعون بهتانا 
اني لا ذكره يوما فألعنه‏ 
دينا و العن عمران بن حطانا 
عليك ثم عليه الدهر متصلا 
لعائن الله اسرارا و اعلانا 
فانتم من كلاب النار جاء به‏ 
نص الشريعة برهانا و تبيانا

و منهم السيد الحميري فقال:

لا در در المراد الذي سفكت‏ 
كفاه مهجة خير الخلق انسانا 
قد صار مما تعاطاه بضربته‏ 
مما عليه من الاسلام عريانا 
ابكى السماء لباب كان يعمره‏ 
منها و حنت عليه الارض تحنانا 
طورا اقول ابن ملعونين ملتقط 
من نسل ابليس بل قد كان شيطانا 
ويل امه اي ماذا لعنة ولدت‏ 
لا ان كما قال عمران بن حطانا 
عبد تحمل اثما لو تحمله‏ 
ثهلان طرفة عين هد ثهلانا

و منهم ابو المظفر الشهرستاني في كتابه التبصير فقال:

كذبت و ايم الذي حج الحجيج له‏ 
و قد ركبت ضلالا منك بهتانا 
لتلقين بها نارا مؤججة 
يوم القيامة لا زلفى و رضوانا 
تبت يداه لقد خابت و قد خسرت‏ 
و صار ابخس من في الحشر ميزانا 
هذا جوابي لذاك النذل مرتجلا 
ارجو بذاك من الرحمن غفرانا

و قال أبو بكر بن حماد أو بكر بن حماد التاهرتي:

قل لابن ملجم و الاقدار غالبة 
هدمت ويلك للاسلام اركانا 
قتلت افضل من يمشي على قدم‏ 
و أول الناس اسلاما و ايمانا 
و اعلم الناس بالقرآن ثم بما 
سن الرسول لنا شرعا و تبيانا 
صهر النبي و مولاه و ناصره‏ 
اضحت مناقبه نورا و برهانا 
و كان منه على رغم الحسود له‏ 
مكان هرون من موسى بن عمرانا 
و كان في الحرب سيفا صار ما ذكرا 
ليثا اذا لقي الاقران اقرانا 
ذكرت قاتله و الدمع منحدر 
فقلت سبحان رب الناس سبحانا 
اني لا حسبه ما كان من بشر 
كلا ولكنه قد كان شيطانا 
اشقى مراد اذا عدت قبائلها 
و اخسر الناس عند الله ميزانا 
كعاقر الناقة الاولى التي جلبت‏ 
على ثمود بارض الحجر خسرانا 
قد كان يخبرهم ان سوف يخضبها 
قبل المنية اشقاها و قد كانا 
فلا عفا الله عنه ما تحمله‏ 
و لا سقى قبر عمران بن حطانا 
لقوله في شقي ظل مجترما 
و نال ما ناله ظلما و عدوانا 
(يا ضربة من تقي ما اراد بها 
الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا) 
بل ضربة من غوي اوردته لظى‏ 
فسوف يلقى بها الرحمن غضبانا 
كأنه لم يرد قصدا بضربته‏ 
الا ليصلى عذاب الخلد نيرانا

قتل ابن ملجم لعنه الله

كان أمير المؤمنين عليه السلام لما ضربه ابن ملجم اوصى به فيما رواه الحاكم في المستدرك‏فقال احسنوا اليه فان اعش فهضم أو قصاص و ان امت فعاجلوه فاني مخاصمه عند ربي عز و جل (و في رواية) للحاكم لما جاؤوا بابن ملجم الى علي (ع) قال اصنعوا به ما صنع رسول الله (ص) برجل جعل له على ان يقتله فامر ان يقتل و يحرق بالنار.

قال الطبري و لما قبض أمير المؤمنين عليه السلام بعث الحسن الى ابن ملجم فاحضره فقال للحسن هل لك في خصلة اني اعطيت الله عهدا ان لا اعاهد عهدا الا وفيت به و اني عاهدت الله عند الحطيم ان اقتل عليا و معاوية أو اموت دونهما فان شئت خليت بيني و بينه فلك علي عهد الله ان لم اقتله و بقيت ان آتيك حتى اضع يدي في يدك فقال له الحسن لا و الله حتى تعاين النار ثم قدمه فقتله و اخذه الناس فادرجوه في بوارى و احرقوه بالنار،و قال المفيد في الارشاد:استوهبت ام الهيثم بنت الاسود النخعية جيفته منه لتتولى احراقها فوهبها لها فاحرقتها بالنار،و روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي اسحق الهمداني رأيت قاتل علي بن ابي طالب يحرق بالنار في اصحاب الرماح.

موضع قبر امير المؤمنين (ع)

قد عرفت انه حمل ليلا الى ناحية الغريين و دفن هناك و اخفي قبره بوصية منه.و حكى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن أبي القاسم البلخي انه قال ان عليا (ع) لما قتل قصد بنوه ان يخفوا قبره خوفا من بني امية ان يحدثوا في قبره حدثا فاوهموا الناس في موضع قبره تلك الليلة و هي ليلة دفنه ايها مات مختلفة فشدوا على جمل تابوتا موثقا بالحبال يفوح منه روائح الكافور و اخرجوه من الكوفة في سواد الليل صحبة ثقاتهم يوهمون انهم يحملونه الى المدينة فيدفنونه عند فاطمة عليها السلام و اخرجوا بغلا و عليه جنازة مغطاة يوهمون انهم يدفنونه بالحيرة و حفروا حفائر عدة منها بالمسجد و منها برحبة قصر الامارة و منها في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة المخزومي و منها في اصل دار عبد الله بن يزيد القسري بحذاء باب الوراقين مما يلي قبلة المسجد و منها في الكناسة و منها في الثوية فعمي على الناس موضع قبره و لم يعلم دفنه على الحقيقة الا بنوه و الخواص المخلصون من اصحابه فانهم خرجوا به عليه السلام وقت السحر في الليلة الحادية و العشرين من شهر رمضان فدفنوه على النجف بالموضع المعروف بالغري بوصاة منه عليه السلام اليهم في ذلك و عهد كان عهد به اليهم و عمي موضع قبره على الناس و اختلفت الا راجيف في صبيحة ذلك اليوم اختلافا شديدا او افترقت الاقوال‏في موضع قبره الشريف و تشعبت و ادعى قوم ان جماعة من طي‏ء وقعوا على جمل في تلك الليلة و قد اضله اصحابه ببلادهم و عليه صندوق فظنوا فيه مالا فلما رأوا ما فيه خافوا ان يطلبوا به فدفنوا الصندوق بما فيه و نحروا البعير و اكلوه و شاع ذلك في بني امية و شيعتهم و اعتقدوه حقا فقال الوليد بن عقبة من ابيات يقصد فيها الرد على رسول الله (ص) حيث قال و ان تولوها عليا تجدوا هاديا مهديا:

فان يك قد ضل البعير بحمله‏ 
فما كان مهديا و كان هاديا

(اه) ما حكاه ابن أبي الحديد و لذلك وقع الاختلاف في موضع قبره الشريف بين غير الشيعة اما الشيعة فمتفقون خلفا عن سلف نقلا عن ائمتهم ابناء امير المؤمنين عليه و عليهم السلام انه لم يدفن الا في الغري في الموضع المعروف الآن و وافقهم المحققون من علماء سائر المسلمين و الاخبار فيه متواترة و قد كتب السيد عبد الكريم ابن طاوس كتابا في ذلك سماه فرحة الغري استقصى فيه الآثار و الاخبار الواردة في ذلك و اتى بما لا مزيد عليه.

و روى المفيد في الارشاد بسنده عن جابر بن يزيد قال سألت أبا جعفر بن علي الباقر عليهما السلام اين دفن امير المؤمنين قال دفن بناحية الغريين و دفن قبل طلوع الفجر و بسنده عن أبي عمير عن رجاله قيل للحسين بن علي عليهما السلام اين دفنتم امير المؤمنين قال خرجنا به ليلا على مسجد الاشعث حتى خرجنا به الى الظهر بجنب الغريين فدفناه هناك و قال ابن الاثير دفن عند مسجد الجماعة و قيل في القصر و قيل غير ذلك و الاصح ان قبره هو الموضع الذي يتبرك به و يزار (اه) . (اقول) و هذا مما لا شبهة فيه و لا ريب لان اولاده و ذريته و شيعتهم كانوا يزورونه في هذا الموصع و اعرف الناس بقبر الميت اهله و اتباعه و عليه جميع الشيعة و أئمة اهل البيت و جميع المسلمين الا من شذ.و في تذكرة الخواص:حكى ابو نعيم الاصفهاني ان الذي على النجف انما هو قبر المغيرة بن شعبة قال و لو علم به زواره لرجموه قلت و هذا من اغلاط أبي نعيم فان المغيرة بن شعبة لم يعرف له قبر و قيل انه مات بالشام (اه) قال المفيد في الارشاد لم يزل قبره عليه السلام مخفيا (لا يعرفه غير بنيه و خواص شيعتهم) حتى دل عليه الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام في الدولة العباسية وزاره عند وروده الى أبي جعفر و هو بالحيرة فعرفته الشيعة و استأنفوا اذ ذاك زيارته (اه) قال صفوان بن مهران الجمال فيما روي عنه في فرحة الغري:لما وافيت مع جعفر الصادق (ع) الكوفة يريد أبا جعفر المنصور قال لي يا صفوان انخ الراحلة فهذا قبر جدي امير المؤمنين فانختها ثم نزل فاغتسل و غير ثوبه و تحفى و قال لي افعل مثلما افعل ثم اخذ نحو الذكوة و قال لي قصر خطاك (طلبالثواب زيادة الخطى) الى ان قال ثم مشى و مشيت معه و علينا السكينة و الوقار نسبح و نقدس و نهلل الى ان بلغنا الذكوات فوقف و نظر يمنة و يسرة و خط بعكازته فقال لي اطلب فطلبت فاذا اثر القبر ثم ارسل دموعه و قال:السلام عليك ايها الوصي الى آخر الزيارة (الى ان قال) قلت يا سيدي تأذن لي ان اخبر اصحابنا من اهل الكوفة به فقال نعم و اعطاني دراهم و اصلحت القبر (و في رواية) عن الصادق (ع) أنه قال لما كنت بالحيرة عند أبي العباس (يعني السفاح) كنت آتي قبر امير المؤمنين صلوات الله عليه ليلا بناحية نجف الحيرة الى جانب غري النعمان فاصلي عنده صلاة الليل و انصرف قبل الفجر (و في رواية) عن صفوان الجمال قال حملت جعفر بن محمد عليهما السلام فلما انتهيت الى النجف قال يا صفوان تياسر حتى تجوز الحيرة فتأتي القائم فبلغت الموضع الذي وصف فنزل و توضأ ثم تقدم هو و عبد الله ابن الحسن فصليا عند قبر فلما قضيا صلاتهما قلت جعلت فداك اي موضع هذا القبر قال هذا قبر علي بن أبي طالب و هو القبر الذي تأتيه الناس هناك (و ينبغي) ان يكون هذا في خلافة السفاح لانه هو الذي وفد عليه عبد الله بن الحسن و عن فرحة الغري بسنده عن عبد الله بن عبيد بن زيد قال رأيت جعفر بن محمد و عبد الله بن الحسن بالغري عند قبر امير المؤمنين (ع) (و روى) ابن قولويه في كتاب كامل الزيارة بسنده عن صفوان الجمال قال سألت أبا عبد الله (ع) عن موضع قبر امير المؤمنين (ع) فوصف لي موضعه حيث دكادك (3) الميل فاتيته فصليت عنده ثم عدت الى أبي عبد الله (ع) من قابل فاخبرته بذهابي و صلاتي عنده فقال اصبت فمكثت عشرين سنة اصلي عنده. (اقول) :صفوان كان جمالا يسافر بجماله من الحجاز الى العراق و بالعكس فكان كلما سافر الى العراق يصلي عند القبر الشريف و كأن هذا كان قبل ان يركب معه الصادق (ع) من الحجاز الى العراق كما مر فدله على القبر فعرفه بالوصف ثم لما حمله على جمله دله على موضعه بالتعيين و كان من اصحاب الصادق (ع) و شيعته (و في عدة روايات) عن الصادق (ع) انه لما اتى الكوفة صلى ركعتين ثم تنحى فصلى ركعتين ثم تنحى فصلى ركعتين فسئل عن ذلك فقال الاولى موضع قبر امير المؤمنين و الثانية موضع رأس الحسين (4) و الثالثة موضع منبر القائم عليهم السلام و قد دل الصادق (ع) جماعة من اصحابه على قبر امير المؤمنين (ع) بظهر الكوفة في المكان المعروف منهم أبو بصير و عبد الله بن طلحة و معلى بن خنيس و يونس بن ظبيان و زرارة و غيرهم و قبل ذلك جاء الامام علي زين العابدين (ع) من الحجاز الى العراق مع خادم له لزيارته فزاره ثم رجع و لكن لم يعرفه جميع الناس ثم عرفه و اظهره الرشيد العباسي بعد سنة 170 فعرفه عامة الناس روى المفيد في الارشاد عن محمد بن زكريا حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله عن ابن عائشة حدثني عبد الله بن حازم قال خرجنا يوما مع الرشيد من الكوفة نتصيد فصرنا الى ناحية الغريين و الثوية فرأينا ظباء فارسلنا عليها الصقور و الكلاب فجاولتها ساعة ثم لجأت الظباء الى اكمه فوقفت عليها فسقطت الصقور ناحية و رجعت الكلاب فعجب الرشيد من ذلك ثم ان الظباء هبطت من الاكمة فهبطت الصقور و الكلاب فرجعت الظباء الى الاكمة فتراجعت عنها الصقور و الكلاب فعلت ذلك ثلاثا فقال الرشيد اركضوا فمن لقيتموه فأئتوني به فاتيناه بشيخ من بني اسد فقال له هرون اخبرني ما هذه الاكمة قال ان جعلت لي الامان اخبرتك قال لك عهد الله و ميثاقه ان لا اهيجك و لا اوذيك قال حدثني أبي عن آبائه انهم كانوا يقولون ان في هذه الاكمة قبر علي بن أبي طالب جعله الله حرما لا يأوي اليه شي‏ء الا امن فنزل هرون فدعا بماء فتوضأ و صلى عند الاكمة و تمرغ عليها و جعل يبكي ثم انصرفنا قال محمد ابن عائشة و كان قلبي لا يقبل ذلك فحججت الى مكة فرأيت بها ياسرا خادم الرشيد فقال قال لي الرشيد ليلة من الليالي و قد قدمنا من مكة فنزلنا الكوفة يا ياسر قل لعيسى بن جعفر فليركب فركبا جميعا و ركبت معهما حتى اذا صرنا الى الغريين فاما عيسى فطرح نفسه فنام و اما الرشيد فجاء الى اكمة فصلى عندهم فكلما صلى ركعتين دعا و بكى و تمرغ على الاكمة ثم يقول يا ابن عم انا و الله اعرف فضلك و سابقتك و بك و الله جلست مجلسي الذي انا فيه و انت و انت و لكن ولدك يؤذونني و يخرجون علي ثم يقوم فيصلي ثم يعيد هذا الكلام و يدعو و يبكي حتى اذا كان وقت السحر قال لي يا ياسر اقم عيسى فاقمته فقال له يا عيسى قم فصل عند قبر ابن عمك قال له و اي ابن عم مني هذا قال هذا قبر علي بن أبي طالب فتوضأ عيسى و قام يصلي فلم يزالا كذلك حتى طلع الفجر فقلت يا أمير المؤمنين ادركك الصبح فركبنا و رجعنا الى الكوفة«اه».

تعمير القبر الشريف

العمارة الاولى

اول من عمره هرون الرشيد بعد سنة 170 و ما في بعض الكتب من ان ذلك كان سنة اشتباه لان الرشيد استخلف سنة 170 و مات سنة 193 و اظهاره القبر و تعميره انما كان في خلافته قال الديلمي الحسن بن أبي الحسن محمد في ارشاد القلوب بعد ما ذكر مجي‏ء هرون الى القبر:و امر ان تبني عليه قبة باربعة ابواب«اه»و قال أحمد بن علي بن الحسين الحسيني في كتابه عمدة الطالب بعد ما ذكر زيارة الرشيد للقبر الشريف:ثم ان هرون امر فبني عليه قبة و اخذ الناس في زيارته و الدفن لموتاهم حوله و قال السيد عبد الكريم بن أحمد ابن طاوس الحسني في كتاب فرحة الغري:ذكر ابن طحال ان الرشيد بنى عليه بنيانا بآجر ابيض اصغر من هذا الضريح اليوم من كل جانب بذراع و لما كشفنا الضريح الشريف وجدنا مبنيا عليه تربة و جصا و امر الرشيد ان يبنى عليه قبة فبنيت من طين أحمر و على رأسها جرة خضراء و هي في الخزانة اليوم«اه» .

و يظهر من حديث رواه السيد عبد الكريم بن طاوس في كتاب فرحة الغري الآنف الذكر ان داود العباسي (5) عمل على القبر صندوقا و قال أبو الحسن علي بن الحسن ابن الحجاج انه رأى هذا الصندوق لطيفا قال السيد عبد الكريم بن أحمد بن موسى بن طاوس في فرحة الغري:اخبرني عمي السعيد علي بن موسى بن طاوس و الفقيه نجم الدين أبو القاسم ابن سعيد و الفقيه المقتدى بقية المشيخه نجيب الدين يحيى بن سعيد ادام الله بركاتهم كلهم عن الفقيه محمد بن عبد الله بن زهرة الحسيني عن محمد بن الحسن العلوي الساكن بمشهد الكاظم (ع) عن القطب الراوندي عن محمد بن علي بن المحسن الحلبي عن الشيخ الطوسي و نقلته من خطه حرفا حرفا عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان عن محمد بن أحمد بن داود عن أبي الحسين محمد بن تمام الكوفي حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحجاج من حفظه قال كنا جلوسا في مجلس ابن عمي أبي عبد الله محمد بن عمران بن الحجاج و فيه جماعة من اهل الكوفة من المشايخ و فيمن حضر العباس بن أحمد العباسي و كانوا قد حضروا عند ابن عمي يهنونه بالسلامة لانه حضر وقت سقوط سقيفة سيدي أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) في ذي الحجة سنة 273 فبيناهم قعود يتحدثون اذ حضر المجلس اسماعيل بن عيسى العباسي فاحجمت الجماعة عما كانت فيه و اطال اسماعيل الجلوس فقال يا اصحابنا اعزكم الله لعلي قطعت حديثكم‏بمجيئي فقال أبو الحسن علي بن يحيى السليماني و كان شيخ الجماعة و مقدما فيهم لا و الله يا أبا عبد الله اعزك الله ما امسكنا لحال من الاحوال فقال لهم يا اصحابنا اعلموا ان الله عز و جل مسائلي عما اقول لكم و ما اعتقده من المذهب حتى حلف بعتق جواريه و مماليكه و حبس دوابه انه لا يعتقد الا ولاية علي بن أبي طالب و السادة من الأئمة و عدهم واحدا واحدا فانبسط اليه اصحابنا ثم قال لهم رجعنا يوم الجمعة من الصلاة مع عمي داود فقال لنا اينما كنتم قبل ان تغرب الشمس فصيروا الي و لا يتخلف منكم احد و كان جمرة بني هاشم فصرنا اليه فقال صيحوا بفلان و فلان من الفعلة فجاءه رجلان معهما آلتهما فقال لنا اركبوا في وقتكم هذا و خذوا معكم الجمل غلاما كان له اسود يعرف بالجمل و كان هذا الغلام لو حمل على سكر دجلة لسكرها من شدته و بأسه و امضوا الى هذا القبر الذي قد افتتن به الناس و يقولون انه قبر علي حتى تنبشوه و تجيؤوني باقصى ما فيه فمضينا الى الموضع فحفر الحفارون و هم يقولون لا حول و لا قوة الا بالله في انفسهم حتى نزلوا خمسة اذرع فقالوا قد بلغنا الى موضع صلب و ليس نقوى بنقره فانزلوا الحبشي فاخذ المنقار فضرب ضربة سمعنا لها طنينا شديدا ثم ضرب ثانية فسمعنا طنينا اشد ثم ضرب الثالثة فسمعنا طنينا اشد ثم صاح الغلام صيحة فقلنا اسألوه ما باله فلم يجبهم و هو يستغيث فشدوه بالحبل و اخرجوه فاذا على يده من اطراف اصابعه الى مرافقه دم و هو يستغيث لا يكلمنا و لا يحير جوابا فحملناه على بغل و رجعنا طائرين حتى انتهينا الى عمي فاخبرناه فالتفت الى القبلة و تاب و رجع عن مذهبه و ركب بعد ذلك في الليل الى مصعب بن جابر فسأله ان يعمل على القبر صندوقا و لم يخبره بشي‏ء مما جرى و وجه من طعم الموضع و عمر الصندوق عليه قال أبو الحسن ابن حجاج رأينا هذا الصندوق الذي هذا حديثه لطيفا (الى ان قال) :هذا آخر ما نقلته من خط الطوسي (رض) ـو رواه الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين ابن عبد الرحمن الشجري باسناده نحوه،قال الفقيه صفي الدين محمد بن معد:و قد رأيت هذا الحديث بخط ابي يعلى محمد بن حمزة الجعفري صهر الشيخ المفيد و الجالس بعد وفاته مجلسه اقول و قد رأيته بخط ابي يعلى الجعفري ايضا في كتابه كما ذكره صفي الدين«اه»المراد نقله من كلام ابن طاوس في فرحة الغري.

العمارة الثانية

عمارة محمد بن زيد الحسني الملقب بالداعي الصغير صاحب بلاد الديلم و طبرستان فانه‏امر بعمارته و عمارة الحائر بكربلاء و البناء عليهما بعد سنة 279 و بنى على المشهد العلوي حصنا فيه سبعون طاقا،و هو محمد بن زيد بن محمد بن اسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب الملقب بالداعي الصغير ملك طبرستان بعد اخيه الحسن بن زيد،و اقام بها سبع عشرة سنة و سبعة اشهر و خطب له رافع بن هرثمة بنيسابور ثم سار الى خراسان لما بلغه اسر الصفار ليستولي عليها،و حاربه محمد بن هرون السرخسي صاحب اسماعيل بن احمد الساماني و جرى بينهما قتال شديد ثم انهزم عسكر العلوي و جرح جراحات عديدة و مات منها بعد ايام سنة 287 و أسر ابنه زيد بن محمد في المعركة و حمله الى اسماعيل الساماني فأكرمه و وسع عليه و حمل رأسه الى اسماعيل الى بخارى و دفن بدنه بجرجان عند قبر الديباج محمد بن الصادق .قال ابن طاوس في فرحة الغري ان محمد بن زيد الداعي بنى المشهد الشريف الغروي ايام المعتضد«اه»و المعتضد بويع سنة (279) و توفي (289) .و عن محمد بن ابي طالب في كتابه زينة المجالس انه قال:الى ان خرج الداعيان الحسن و محمد ابنا زيد ابن الحسن فأمر محمد بعمارة المشهدين مشهد امير المؤمنين و مشهد ابي عبد الله الحسين و امر بالبناء عليهما«اه»و ممن ذكر بناء محمد بن زيد العلوي محمد بن طحال فيما حكي عنه.

و يدل بعض الاخبار ان الذي بناه الحسن بن زيد الملقب بالداعي الكبير اخو محمد بن زيد المتقدم ظهر بطبرستان سنة 250 و توفي سنة 270 قتله مرداويج الديلمي ففي ذيل خبر داود العباسي المتقدم الذي مر انه عمر عليه الصندوق قال ابو الحسن بن حجاج رأينا هذا الصندوق الذي هذا حديثه لطيفا و ذلك قبل ان يبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد،و في ذيل حديث ابن الشجري المشار اليه آنفا و ذلك قبل ان يبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن ابن زيد بن محمد بن اسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب المعروف بالداعي الخارج بطبرستان«اه»و لعله وقع اشتباه من النساخ او بعض المؤلفين فأبدل اسم محمد باسم اخيه الحسن او ان الحسن كان قد بنى عليه حائطا ثم بناه اخوه محمد فجعل له حصنا بسبعين طاقا كما مر و بعد ذلك زيد فيه.

و ممن عمره الشريف عمر بن يحيى بن الحسين بن احمد بن عمر المقتول سنة 250 ابن يحيى ابن الحسين ذي الدمعة بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب.في مستدركات الوسائل ان عمر الثاني هذا رد الله على يده الحجر الاسود لما نهبت القرامطة مكة سنة 323 و بنى قبة جده امير المؤمنين (ع) من خالص ماله«اه».

هذا و لكن يظهر من بعض الروايات ان ابن زيد هو اول من بنى على القبر الشريف‏و انه قبل عمارته لم يكن عليه بناء و لم يكن عليه شي‏ء و ما كان الا الارض و هو ينافي ما مر من ان اول من بناه الرشيد و ان داود العباسي عمل له صندوقا،فعن الطبري في دلائل الامامة عن حبيب بن الحسين عن عبيد بن خارجة عن علي بن عثمان عن فرات بن احنف عن الصادق عليه السلام في حديث زيارته لأمير المؤمنين (ع) قال:ها هنا قبر امير المؤمنين،اما انه لا تذهب الايام حتى يبعث الله رجلا ممتحنا في نفسه بالقتل يبني عليه قال حبيب بن الحسين سمعت هذا الحديث قبل ان يبنى على الموضع شي‏ء ثم ان محمد بن زيد وجه فبنى عليه (اه) .و عن كتاب المنتظم لأبي الفرج الجوزي:انبأنا شيخنا ابو بكر بن عبد الباقي سمعت ابا الغنائم ابن السرسي كان يقول توفي بالكوفة 313 من الصحابة لا يدرى احد منهم قبره الا قبر علي،و جاء جعفر ابن محمد و محمد بن علي بن الحسين فزارا الموضع من قبر امير المؤمنين علي و لم يكن اذ ذاك القبر و ما كان الا الارض حتى جاء محمد بن زيد الداعي فأظهر القبر (اه) .و لكن ما تقدم يؤكد بناء الرشيد عليه لا سيما قول ابن طاوس ان الجرة الخضراء التي كانت على أعلى القبة موجودة في الخزانة،و يمكن ان يكون بناء الرشيد فد انهدم و درس لا سيما انه كان من طين احمر و اما بناؤه القبر بالآجر الابيض فالظاهر انه كان تحت الارض و لم يكن ظاهرا منه الا قدر اربع اصابع أو نحو ذلك فطمر بالرمال على طول المدة.

العمارة الثالثة

عمارة السلطان عضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي في ايام الطائع فانه عمر المشهدين العلوي و الحسيني و بلغ الغاية في تعظيمهما و الاوقاف عليهما و عمر مشهد امير المؤمنين (ع) عمارة عظيمة و انفق عليه اموالا جليلة و ستر حيطانه بخشب الساج المنقوش و وقف له الاوقاف و بنى عليه قبة بيضاء،و فيها يقول ابن الحجاج الشاعر المشهور:

يا صاحب القبة البيضاء على النجف‏ 
من زار قبرك و استشفى لديك شفي

و ملك عضد الدولة العراق سنة 367 و توفي (372) و الظاهر ان العمارة كانت سنة 369 فما يوجد في بعض المؤلفات ان عمارته كانت سنة 338 و ما في بعضها انها كانت سنة 376 اشتباه لان التاريخ الاول متقدم على ولايته العراق و الثاني متأخر عن وفاته.قال الديلمي في ارشاد القلوب بعد ما ذكر ان الرشيد امر ان يبنى عليه قبة باربعة ابواب:و بقي‏الى ايام السلطان عضد الدولة فجاء فأقام في ذلك الطريق قريبا من سنة هو و عساكره و بعث فأتي بالصناع و الأستاذية من الاطراف و خرب تلك العمارة و صرف اموالا كثيرة جزيلة و عمر المشهدين عمارة جليلة حسنة هي العمارة التي كانت قبل عمارة اليوم (اه) و ظاهره ان العمارة التي كانت قبل عمارة عضد الدولة هي عمارة الرشيد مع انها عمارة الحسن بن زيد.

و في عمدة الطالب عند ذكره لهذه العمارة قال:و عين له اوقافا و لم تزل عمارته باقية الى سنة 753 و كان قد ستر الحيطان بخشب الساج المنقوش فاحترقت تلك العمارة و جددت عمارة المشهد على ما هي عليه الآن و لم يبق من عمارة عضد الدولة الا القليل و قبور آل بويه هناك ظاهرة مشهورة لم تحترق (اه) .و لكن عن آخر كتاب الاماقي في شرح الايلاقي لعبد الرحمن العتايقي الحلي المجاور بالنجف الاشرف في نسخته المخطوطة في الخزانة العلوية الذي تم كتابة في المحرم سنة 755 قال:في هذه السنة احترقت الحضرة الغروية صلوات الله على مشرفها و عادت العمارة و احسن منها في سنة (760) «اه»و هو اعرف بتاريخ احتراقها من صاحب ارشاد الديلمي لانه شاهده و ذلك متأخر عنه لانه توفي (841) و اراد عضد الدولة ان يجري الماء من الفرات الى النجف تحت الارض لان مكانه مرتفع لا يمكن ان يصل اليه الماء على وجه الارض فحفر الى جهة الشمال فنبعت في اثناء الحفر عين منعت من مواصلة الحفر لكن ماءها ليس بشروب فاكتفى بها للانتفاع بغير الشرب و ساق ماءها الى آبار عميقة محكمة البناء و وصل بينها بقنوات محكمة يسير فيها الفارس فيجري الماء من بئر الى بئر ثم يخرج ما يفضل منه الى جهة المغرب،ثم حفر الناس بعد ذلك آبارا أخر منها موصول بتلك الآبار و منها غير موصول و لذلك كانت بعضها آبارا شرعية و بعضها حكم مائها حكم الماء الجاري.و السراديب التي لها شبابيك الى تلك الآبار يأتي اليها الهواء البارد في الصيف لاتصال بعضها ببعض،و قد شاهد عمارة عضد الدولة ابن بطوطة في رحلته و كانت سنة 727 فقال:دخلنا من باب الحضرة حيث القبر الذي يزعمون انه قبر علي«ع»و بازائه المدارس و الزوايا و الخوانق معمورة احسن عمارة و حيطانها بالقاشاني و هو شبه الزليج عندنا لكن لونه اشرق و نقشه احسن و يدخل من باب الحضرة الى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة و الصوفية من الشيعة و لكل وارد عليها ضيافة ثلاثة ايام من الخبز و اللحم و التمر و من تلك المدرسة يدخل الى باب القبة ثم اشار الى الاستئذان و تقبيل العتبة قال و هي من الفضة و كذلك العضادتان ثم يدخل الزائر القبة و في وسطها مصطبة مربعة مكسوة بالخشب عليه صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة بمسامير الفضة قد غلب على الخشب بحيث لا يظهر منه‏شي‏ء و ارتفاعها دون القامة و فوقها ثلاثة قبور يزعمون انها قبر آدم و نوح عليهما الصلاة و السلام و علي رضي الله عنه و بين القبور طشوت ذهب و فضة فيها ماء الورد و المسك و انواع الطيب يغمس الزائر في ذلك يده و يدهن به وجهه تبركا و للقبة باب آخر عتبته ايضا من الفضة يفضي الى مسجد و له ابواب اربعة عتبتها فضة (اه) و ذلك هو الذي بناه عمران ابن شاهين في ايام عضد الدولة بعد عمارة عضد الدولة و قوله ان بين القبور طشوت ذهب و فضة لعله اشتباه منه فرأى أواني تشبه الذهب و الفضة فظنها منهما فاستعمال أواني الذهب و الفضة محرم لا يمكن ان يرخص فيه العلماء و لا ان يستعمل من دون اذنهم.و قال ابن طاوس في فرحة الغري:ان عضد الدولة بنى الرواق المعروف برواق عمران في المشهدين الشريفين الغروي و الحائري على مشرفهما السلام (اه) و الى الآن يعرف الباقي منه في دهليز باب الطوسي بمسجد عمران.و بلغ عضد الدولة الغاية في تعظيم المشهد و بنى لنفسه قبة عظيمة في النجف بجوار المشهد من جهة الغرب و اوصى ان يدفن فيها فدفن هناك و بقيت القبة حتى هدمها السلطان سليمان العثماني لما دخل العراق سنة 940 و جعلها تكية للبكتاشية و بقيت الى هذا الزمان و بابها في الجهة الغربية من الصحن الشريف.و بعض يظن ان الذي فعل ذلك هو السلطان سليم و الصواب انه ولده سليمان و انما نسب الى سليم لشهرته.و حكى بعض المعاصرين عن صاحب خريدة العجائب انه قال عند ذكر الكوفة و فيها قبة عظيمة يقال انها قبر علي ابن ابي طالب و القبة بناء ابي العباس عبد الله بن حمدان في دولة بني العباس.و في نزهة الجليس للسيد عباس الموسوي العاملي المكي انه قد عقدت على قبر آدم و نوح و علي عليهم السلام قبة عظيمة و اول من عقد هذه القبة عليهم عبد الله بن حمدان في دولة بني العباس ثم عمرها الملوك من بعده«اه»و عبد الله هذا هو والد سيف الدولة الملقب بأبي الهيجاء ولاه المكتفي امارة الموصل سنة 293،و اذا صحت هذه الرواية كان بناء عبد الله بن حمدان قبل بناء عضد الدولة لان ابن حمدان توفي قبل سنة 317 و عضد الدولة توفي سنة 772 و لكن لم نجد من ذكر بناء عبد الله بن حمدان غير هما و الله اعلم.

العمارة الرابعة

التي حصلت بعد عمارة عضد الدولة التي احترقت كما مر فجددت سنة 760 و لا يعلم مجددها و ربما تكون من جماعة لا من شخص واحد و لذلك لم يذكر مجددها و العادة قاضيةبانها لو كانت من شخص واحد لذكر اسمه خصوصا اذا كان معروفا و خصوصا ممن شاهدها كابن العتايقي كما مر.و في اثناء هذه المدة حدثت فيه اصلاحات و عمارات من البويهيين و الحمدانيين و بعض العباسيين و بني جنكيز و الايلخانيين و غيرهم.

العمارة الخامسة

الموجودة اليوم و المشهور بين اهل النجف انها للشاه عباس الصفوي الاول و ان المباشر و المهندس لها الشيخ البهائي فجعل القبة خضراء بعد ما كانت بيضاء و لكن في رسالة نزهة اهل الحرمين ان الابتداء بها كان بامر الشاه صفي الصفوي سنة 1047 كما ذكره صاحب البحر المحيط و اشتغلوا بها الى ان توفي الشاه صفي سنة 1052 فاتمها ابنه الشاه عباس الثاني و ما اشتهر بين اهل النجف انها عمارة الشاه عباس بهذا الاعتبار ثم استشهد على ذلك بكلام السيد شرف الدين علي النجفي في حواشيه على اثني عشرية صاحب المعالم حيث قال عند ذكر محراب مسجد الكوفة و حائطه القبلي و ان فيهما تيامنا عكس ضريحة المقدس ما لفظه:و عند عمارته بامر السلطان الاعظم الشاه صفي قلت للعمار غيره الى التيامن فغيره و مع هذا فله تياسر في الجملة و مخالف المحراب الكوفة (اه) و استشهد ايضا بقول الشيخ محمد ابن سليمان بن زوير السليماني:الذي ثبت عندي ان اول عمارته الموجودة الان كانت سنة 1057 و الشاه صفي توفي (1052) و المشهور بين اهل المشهد ان العمارة كانت في اكثر من عشرين سنة و لا يستقيم ذلك الا بان يكون مبدأ العمارة كان زمن الشاه صفي و اتمامها على يد الشاه عباس (اه) اقول كلام السيد شريف الدين يدل على عمارته بامر الشاه صفي و لا ينفي ان يكون عمر قبل ذلك بامر الشاه عباس الاول فقد بقي في الملك 72 سنة فيمكن ان يكون عمره في اوائل سلطنته ثم وقع فيه خلل فاعاده حفيده الشاه صفي و اما كلام السليماني فظاهر انه اجتهاد لقوله:الذي ثبت عندي و بنائه ان اكمال عمارته على يد الشاه عباس الثاني على ما اشتهر بين اهل المشهد فاذا كانت للشهرة بينهم قيمة فليعتبر ما اشتهر بينهم ان مؤسسها الشاه عباس الاول و يحصل الجمع بذلك على ان امتداد العمارة اكثر من عشرين سنة و الآمر بها ملك عظيم بعيد عن الاعتبار على ان المحكي عن المنتظم الناصري في حوادث سنة 1042 ان الشاه صفي حينما زار المشهد الشريف رأي بعض النقصان في بناء المرقد فامر وزيره ميرزا تقي المازندراني باصلاح تلك الاماكن المشرفة فجاء بالمعمارين‏و المهندسين الى النجف و مكث فيها ثلاث سنين مشغولا بهذا العمل (اه) و هو ينافي ما تقدم عن السليماني و لعله الصواب هذا مع ما يظهر من بعض القيود ان الشاه صفي وسع الصحن الشريف و زاد عليه و الله اعلم ثم جدد عمارة الصفوية السلطان نادر الافشاري و زاد عليها و زخرف القبة الشريفة و منارتي المشهد و ايوانه بالذهب الابريز بعد فتحه الهند كما هي عليه اليوم و يقال ان على كل لبنه تومانا نادريا من الذهب و اهدى الى المشهد الشريف من الجواهر و التحف شيئا كثيرا و ذلك في سنة 1156 او 54 و كتب اسمه داخل طاق الباب الشرقي هكذا (المتوكل على الملك القادر السلطان نادر) و تحته تاريخ لم يبق بذاكرتي و اظنه التاريخ السابق و عمر فيه الشاه احمد ناصر الدين القاجاري بعد ذلك و تنافست الملوك و الامراء في عمارته و الاهداء اليه و اهدى اليه السلطان عبد العزيز العثماني شمعدانين عظيمين من الفضة المؤزرة بالذهب على ابدع شكل و كذلك الى مشهد الحسين عليه السلام و مثلهما الى مشهدي الكاظمية و سامراء و مشهد الشيخ عبد القادر الجيلاني في بغداد.

اسوار النجف

لما كانت النجف على طرف البرية المتصلة ببر الشام و كان يخشى عليها من غزو الاعراب و غيرهم اجتهد ملوك الشيعة و امراؤها في حفظها ورد عادية الغزاة عنها فبنوا عليها سورا و جددوه كلما اقتضى الحال.

السور الاول

بناه عضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي ملك العراق حين عمر الحضرة الشريفة بين سنة 367 و 372 كما مر.

السور الثانى

بناه الحسن بن سهلان وزير سلطان الدولة بن بويه الديلمي سنة 400 كما ذكره ابن الاثير و غيره و ذلك انه مرض فنذر ان عوفي ان يبني عليها سورا فعوفي فامر ببنائه اما بان يكون الاول قد استهدم فهدمه و اعاد بناءه او بنى سورا اوسع من الأول و هدم الاول.

السور الثالث

بناه بعض ملوك الهند كما عن بستان السياحة و يقال انه اوسع من السور الثاني و يقال ان نادر شاه حين مجيئه للنجف امر بتسويزها و كان مجيئه اليها سنة 1156 و لعله اصلح السور السابق.

السور الرابع

بناه نظام الدولة محمد حسين خان العلاف الأصفهاني وزير فتحعلي شاه القاجاري و هو اعلى الاسوار التي بنيت و احكمها و هو الموجود الآن و في هذه السنين هدم كثير منه لعدم الحاجة اليه.

تعليقات:

(1) هكذا في تاريخ الطبري و كامل ابن الاثير و لعل الصواب ما يأتي عن المفيد ناقلا له عن ابي مخنف انه ضرب ليلة الاربعاء و قبض ليلة الجمعة و انه وقع اشتباه بين ليلة الضرب و ليلة الوفاة و الله اعلم.ـالمؤلفـ

(2) روى المفيد انه كان يفطر ليلة عند الحسن و ليلة عند الحسين و ليلة عند عبد الله ابن جعفر.و الذي في الاصل عبد الله بن عباس و وضع عبد الله بن جعفر مكان عبد الله بن عباس خطأ مطبعي و لعل الصواب انه كان يفطر ليلة عند الحسن و ليلة عند الحسين و ليلة عند عبد الله بن جعفر و ليلة عند عبد الله ابن العباس و ان هؤلاء هم الذين غسلوه.و هذا من الادلة على ان ابن عباس لم يفارق أمير المؤمنين عليه السلام كما انه سيأتي في سيرة الحسن عليه السلام ان عبد الله بن العباس قام بين يديه و دعا الناس الى بيعته فبادروا اليها و ان الحسن (ع) رتب العمال و انفذ عبد الله بن العباس الى البصرة و هو ايضا من الادلة على عدم مفارقته أمير المؤمنين عليه السلام الا ان يكون الصواب عبيد الله بن العباس مصغرا بدل عبد الله مكبرا كما ربما يدل عليه قول الطبري و ابن الاثير ان الذي حضر صلح الحسن هو عبيد الله لا عبد الله و الله اعلم.ـالمؤلفـ

(3) الدكادك جمع دكدك ما يكبس من الرمل او ارض فيها غلظ و الميل ثم الغري الذي مر تفسيره في الحاشية السابقة.

(4) لما روي من ان رأس الحسين مدفون مما يلي رأس أمير المؤمنين عليهما السلام.ـالمؤلفـ

(5) ذكر بعض المعاصرين ان داود هذا هو داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس لكن سياتي ان اسماعيل بن عيسى قال عمي داود و اذا كان داود هو ابن عيسى يكون اخاه لا عمه الا ان يكون اسماعيل و ابوه كلاهما يسمى عيسى او غير ذلك.ـالمؤلفـ

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 2 ص‏ 249

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


ترعرعه فى احضان الرسول(ص)




ترعرعه فى احضان الرسول(ص)

انه ربي في حجر رسول الله (ص) و تأدب بآدابه و تخلق باخلاقه و اهتدى بهداه و اقتدى به في اقواله و افعاله و لازمه طول حياته و قد تقدمت الاشارة الى ذلك عند ذكر نشأته و تربيته و قال عليه السلام في اواخر خطبته المسماة بالقاصعة:و قد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة و المنزلة الخصيصة وضعني في حجره و انا وليد يضمني الى صدره و يكنفني في فراشه و يمسني جسده و يشمني عرفه و كان يمضغ الشي‏ء ثم يلقمنيه و ما وجد لي كذبة في قول و لا خطلة في فعل و لقد قرن الله به من لدن ان كان فطيما اعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم و محاسن اخلاق العالم ليله و نهاره و لقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علما و يأمرني بالاقتداء به و لقد كان يجاور في كل سنة بحراء فاراه و لا يراه غيري و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (ص) و خديجة و انا ثالثهما ارى نور الوحي و الرسالة و اشم ريح النبوة قال النقيب ابو جعفر يحيى بن زيد العلوي نقيب البصرة فيما حكاه تلميذه ابن ابي الحديد في شرح النهج :و اذا كان القرين مقتديا بالقرين فما ظنك بالتربية و التنقيف الدهر الطويل فوجب ان تكون اخلاق علي كأخلاق محمد (ص) مربيه لو لا ان الله اختص محمدا برسالته فامتاز رسول الله (ص) بذلك عن سواه و بقي ما عدا الرسالة على امر الاتحاد و الى هذا المعنى اشار (ص) بقوله اخصمك بالنبوة فلا نبوة بعدي و تخصم الناس بسبع و قال له انت مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي فابان نفسه منه بالنبوة و اثبت له ما عداها من جميع الفضائل مشتركا بينهما«ا ه».و في ذلك يقول المؤلف من قصيدة:

و ربيت في حجر النبي محمد 
فطوبى لمن من احمد ضمه حجر 
و غذاك بالعلم الالاهي ناشئا 
فلا علم الا منك قد خاطه خبر 
بآدابه ادبت طفلا و يافعا 
و اكسبنك الاخلاق اخلاقه الغر

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 37

السيد محسن الامين الحسيني العاملي


نشأته و تربيته

نشأ علي عليه السلام في حجر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و تأدب بآدابه و ربي بتربيته و ذلك انه لما ولد أحبه رسول الله«ص»حبا شديدا و قال لامه اجعلي مهده بقرب فراشي و كان يلي اكثر تربيته و يطهره في وقت غسله و يوجره اللبن عند شربه و يحرك مهده عند نومه و يناغيه في يقظته و يحمله على صدره،و كان يحمله دائما و يطوف به جبال مكة و شعابها و اوديتهاـكأنه يفعل ذلك ترويحا لهـو في ذلك يقول المؤلف من قصيدة:

و ربيت في حجر النبي محمد 
فطوبى لمن من احمد ضمه حجر 
و غذاك بالعلم الالهي ناشئا 
فلا علم الا منك قد حاطه خبر 
بآدابه ادبت طفلا و يافعا 
و اكسبنك الاخلاق اخلاقه الغر

و في بعض السنين اصاب اهل مكة جدب شديد و كان ابو طالب كثير العيال قليل المال فاجتمع النبي«ص»و حمزة و العباس فقالوا ان ابا طالب كثير العيال فهلموا نخفف عنه فقال لهم ابو طالب ما ابقيتم لي عقيلا فخذوا من شئتم فأخذ النبي«ص»عليا و اخذ حمزة جعفرا و اخذ العباس طالبا و ابقى ابو طالب عنده عقيلا لميله اليهـو لعل ذلك كان لضعف عقيلـو في ذلك يقول المؤلف من قصيدة:

أتت سنة شهباء اصبح عندها 
ابو طالب قد حل ساحته الفقر 
فقالوا دعونا نكفه بعض ولده‏ 
مساعدة فالحر يسعده الحر 
خذوا من أردتم ان تركتم بجانبي‏ 
عقيلا فلي في حبه منكم عذر 
لاحمد اعطينا عليا و جعفرا 
لحمزة و العباس طالب فليدروا

و قد كان علي عليه السلام يلازم رسول الله«ص»و هو يتحنث في غار حراء كل سنة قبل النبوة .قال ابن ابي الحديد في شرح النهج:قد ورد في الكتب الصحاح ان النبي«ص»كان يجاور في حراء من كل سنة شهرا حتى جاءت السنة التي اكرمه الله فيها بالرسالة فجاور في حراء شهر رمضان و معه اهله خديجة و علي بن ابي طالب و خادم لهم«الحديث».فلم يزل علي مع رسول الله«ص»حتى بعثه الله بالنبوة فكان اول من آمن به و اتبعه و صدقه،و قال ابن حجر في الاصابة:ربي في حجر النبي صلى الله عليه و آله و سلم و لم يفارقه و شهد معه المشاهد الا غزوة تبوك .و في اسد الغابة:كان مما انعم الله به على علي انه ربي في حجر رسول الله«ص»قبل الاسلام (و قال) هاجر الى المدينة و شهد بدرا و أحدا و الخندق و بيعة الرضوان و جميع المشاهد مع رسول الله«ص»الا تبوك و له في الجميع بلاء عظيم و أثر حسن«اه»و لم يكن لاحد غيره في تلك المشاهد مثل أثره.و مر عند ذكر فضائله ما ينبغي ان يراجع.

ما جرى عند نزول و انذر عشيرتك الاقربين

قد مر ذلك مفصلا في الجزء الثاني في السيرة النبوية و في هذا الجزء عند ذكر مناقبه و فضائله و ذكرنا الاحاديث الواردة في ذلك بأسانيدها و نعيد ذكره هنا ببعض الروايات و ان لزم بعض التكرار لتكون اخباره عليه السلام متتابعة متتالية بحسب السنين و نقتصر من ذلك على ما ذكره المفيد في الارشاد في جملة كلام له في ذلك مر عند ذكر مناقبه و فضائله قال:و ذلك في حديث الدار الذي اجمع على صحته نقلة الآثار حين جمع رسول الله«ص»بني عبد المطلب في دار ابي طالب و هم اربعون رجلا يومئذ يزيدون رجلا او ينقصون رجلا فيما ذكره الرواة و امره ان يصنع لهم طعاما فخذ شاة مع مد من البر و يعد لهم صاعا من اللبن و قد كان الرجل منهم معروفا يأكل الجذعة (1) في مقام واحد و يشرب الفرق (2) من الشراب.في ذلك المقعد فأراد عليه السلام باعداد قليل الطعام و الشراب لجماعتهم اظهار الآية في شبعهم و ريهم مما كان لا يشبع واحدا منهم و لا يرويه ثم امر بتقديمه لهم فأكلت الجماعة كلها من ذلك اليسير حتى تملوا منه و لم يبن ما أكلوه منه و شربوه فيه،فبهرهم بذلك و بين لهم آية نبوته و علامة صدقه ببرهان الله تعالى فيه،ثم قال لهم بعد ان شبعوا من الطعام و رووا من الشراب يا بني عبد المطلب ان الله بعثني الى الخلق كافة و بعثني اليكم خاصة فقال (و انذرعشيرتك الاقربين) و انا أدعوكم الى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان تملكون بهما العرب و العجم و تنقاد لكم بهما الامم و تدخلون بهما الجنة و تنجون بهما من النار شهادة ان لا اله الا الله و اني رسول الله فمن يجيبني الى هذا الامر و يوازرني عليه يكن اخي و وصيي و وزيري و وارثي و خليفتي من بعدي فلم يجبه احد منهم،فقال أمير المؤمنين:فقمت بين يديه من بينهم و انا اذ ذاك اصغرهم سنا و أحمشهم ساقا و أرمصهم عينا فقلت انا يا رسول الله اوازرك على هذا الامر فقال اجلس ثم اعاد القول على القوم ثانية فأصمتوا فقمت و قلت مثل مقالتي الاولى فقال اجلس ثم أعاد القول على القوم ثالثة فلم ينطق احد منهم بحرف فقمت و قلت انا اوازرك يا رسول الله على هذا الامر فقال اجلس فأنت اخي و وصيي و وزيري و وارثي و خليفتي من بعدي فنهض القوم و هم يقولون لابي طالب يا ابا طالب ليهنئك اليوم ان دخلت في دين ابن اخيك فقد جعل ابنك أميرا عليك«اه» .

نصره النبي (ص) في صغره

كان علي عليه السلام في صغره يدافع عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقد كانت قريش لا تستطيع أذاه لمكان عمه ابي طالب فكانوا يغرون به صبيانهم فيرمونه بالحجارة و التراب اذا خرج و ليس من شأن ابي طالب ان يتبع الصبيان يذودهم عنه،و لكن النبي«ص»اخبر بذلك صبيا مثلهم هو من ابطال الصبيان يستطيع ان يتبعهم و يذودهم و هو ابن عمه علي بن ابي طالب فذودهم ان لم يكن من شأن ابيه فهو من شأن صبي مثلهم هو بطل في صباه كما هو بطل في شبابه و في كهولته و في شيخوخته.روى علي بن ابراهيم بن هاشم القمي بسنده عن الصادق عليه السلام انه سئل عن معنى قول طلحة بن ابي طلحة العبدري لما برز اليه علي عليه السلام يوم أحد فسأله طلحة من انت يا غلام قال انا علي بن ابي طالب فقال قد علمت يا قضيم انه لا يجسر علي احد غيرك،ما معنى قوله يا قضيم فقال ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان بمكة لم يجسر عليه احد لمكان ابي طالب و اغروا به الصبيان فكان اذا خرج يرمونه بالحجارة و التراب فشكا ذلك الى علي عليه السلام فقال بابي انت و امي يا رسول الله اذا خرجت فأخرجني معك فخرج معه فتعرض له الصبيان كعادتهم فحمل عليهم علي عليه السلام و كان يقضمهم في‏وجوههم و آنافهم و آذانهم فكان الصبيان يرجعون باكين الى آبائهم و يقولون قضمنا علي فسمي لذلك القضيم،و في ذلك يقول المؤلف من قصيدة علوية:

ابوك حمى الهادي فأصبح جهدهم‏ 
لصبيانهم بالمصطفى الطهر أن يغروا 
حملت على صبيانهم فقضمتهم‏ 
فعادوا الى الاهلين باكين قد فروا 
لذلك سموك القضيم و انما 
لأعناقهم من حد صارمك البتر

تعليقات:

(1) الجذعة بالتحريك الانثى من المعز و الغنم و هي قبل الثني

(2) الفرق مكيال كبير.ـالمؤلفـ

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 141

السيد محسن الامين الحسيني العاملي

اضغط للأعلى