
الفصل 5: آية الشاهد:
و من الآيات الدالة على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام على جميع البشر حتى الأنبياء
و الرسل عليهم السلام قوله تعالى:/أفمن كان على بينة من ربه و يتلوه شاهد منه و من قبله
كتاب موسى إماما و رحمة (1) /
هذه الآية و إن اختلف المفسرون فيها اختلافا عجيبا من حيث المعنى و الإعراب،كاختلافهم
في المراد من الموصول أ هو النبي صلى الله عليه و آله و سلم أو المؤمنون من أصحابه أو
من أهل الكتاب أو كل من يدين بالحق في أي زمان،و المراد من البينة أ هي بصيرة إلهية
أو القرآن،و المراد من«يتلوه»أ هو من التلاوة أو من التلو،و المراد من الضمير المنصوب
فيه أ هو عائد إلى الموصول أو إلى البينة باعتبار المعنى،و المراد من الشاهد هو جبرئيل
أو لسان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أو وجهه صلى الله عليه و آله و سلم أو
علي المرتضى عليه السلام،و المراد من الضمير المجرور في«منه»أ هو عائد إلى الله عز و
جل أو إلى الرسول صلى الله عليه و آله و سلم،و المراد من الضمير المجرور في«قبله»أ هو
عائد إلى الموصول أو إلى البينة،و المراد من«إماما و رحمة»أ هما حالان من الشاهد أو
من كتابموسى،حتى قال العلامة الطباطبائي رحمه الله:«و أمر الآية فيما يحتمله مفردات
ألفاظها و ضمائرها عجيب،فضرب بعضها في بعض يرقى إلى الوف من المحتملات بعضها صحيح و
بعضها خلافه
(2) ».إلا أن الآية الكريمة بمعونة الأخبار الكثيرة المستفيضة التي جائت من طريق العامة و
الخاصة تدل على أن من كان على بينة من ربه هو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،و
أن الشاهد التالي منه هو علي المرتضى عليه السلام و أنه منه أي كانه بعض من رسول الله
صلى الله عليه و آله و سلم و جزء منه،بل أوصياؤه الكرام عليهم السلام شهداء منه واحدا
بعد واحد.
فلاحظ كلام الفخر الرازي و نظرائه من العامة كيف أجرى الله الحقيقة على لسانهم!قال في
تفسيره:«و ثالثها(أي من الأقوال)أن المراد هو علي ابن أبي طالبـرضى الله عنهـ،و المعنى
أنه يتلو تلك البينة.و قوله«منه»أي هذا الشاهد من محمد صلى الله عليه و آله و سلم و
بعض منه.و المراد منه تشريف هذا الشاهد بأنه بعض من محمد عليه السلام (3) ».
أقول:فاذا كان عليه السلام بعضا من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يكون أفضل من
جميع أولي العزم من الرسل عليهم السلام.
و قال القرطبي في تفسيره:«روي عن ابن عباس أنه قال:هو علي بن أبي طالب.و روي عن علي
أنه قال:ما من رجل من قريش إلا و قد انزلت فيه الآية و الآيتان،فقال له رجل:أي شيء
نزل فيك؟فقال علي:و يتلوه شاهد منه (4) ».
و قال الحافظ ابو حيان الاندلسي في تفسيره (5) :«و روى المنهال عن عبادة بن عبد الله:قال عليـكرم الله وجههـ:ما في قريش أحد إلا و قد
نزلت فيه آية،قيل:فما نزلت فيك؟قال عليه السلام:و يتلوه شاهد منه».و قال الآلوسي البغدادي
في تفسيره:«و أخرج ابن مردويه بوجه آخر عن عليـكرم الله تعالى وجههـقال:قال رسول الله
صلى الله عليه و آله و سلم:«أفمن كان على بينة من ربه»أنا،«و يتلوه شاهد منه»علي.و«يتلوه»اى
يتبعه«شاهد»عظيم يشهد بكونه من عند الله تعالى شأنه.و معنى كونه«منه»أنه غير خارج عنه (6) ».
و قال العلامة،الشيخ سليمان الحنفي:«أخرج الحافظ جمال الدين الزرندي المدني في«درر السمطين»بسنده
عن ابي الطفيل عامر بن وائلة و جعفر بن حيان قالا:خطب الحسن بن عليـرضي الله عنهماـبعد
شهادة أبيه قال:أيها الناس!أنا ابن البشير،و أنا ابن النذير،و أنا ابن السراج المنيرـإلى
أن قال:ـفأخرج جدي صلى الله عليه و آله و سلم يوم المباهلة من الأنفس أبي،و من البنين
أنا و أخى الحسين،و من النساء امى فاطمة،فنحن أهله و لحمه و دمه،و نحن منه و هو منا،و
هو يأتينا كل يوم عند طلوع الفجر فيقول:الصلاة،يا أهل البيتـيرحمكم اللهـ،ثم يتلو:/إنما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا/،و قال الله تعالى:/أفمن كان
على بينة من ربه و يتلوه شاهد منه/،فجدي صلى الله عليه و آله و سلم على بينة من ربه،و
أبي الذي يتلوه و هو شاهد منه (7) ».
و أخرج أيضا عن الحمويني:«عن ابن عباس،و بسنده عن زاذان و هما،عن عليـكرم الله وجههـ،قال
:إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان بينة من ربه،و أنا التالي الشاهد منه (8) ».
و قال الحافظ جلال الدين السيوطي في تفسيره:«أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه و أبو نعيم
في المعرفة عن علي بن أبي طالبـرضى الله عنهـقال عليه السلام:ما من رجل من قريش إلا
نزل فيه طائفة من القرآن.فقال له رجل،ما نزل فيك؟قال عليه السلام:أماتقرأ سورة هود:/أفمن
كان على بينة من ربه و يتلوه شاهد منه/رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على بينة
من ربه،و أنا شاهد منه».
و أخرج ابن مردويه و ابن عساكر عن عليـرضى الله عنهـفي الآية،قال:«رسول الله صلى الله
عليه و آله و سلم على بينة من ربه،و أنا شاهد منه (9) ».
و أخرج ابن مردويه من وجه آخر،عن عليـرضى الله عنهـ،قال:قال رسول الله صلى الله عليه
و آله و سلم:/أفمن كان على بينة من ربه/أنا.و يتلوه شاهد منه قال:علي (10) ».
و قال الإمام الحافظ،ابو جعفر،محمد بن جرير الطبري في تفسيره:و قال آخرون:هو علي بن
أبي طالب.حدثني محمد بن عمارة الأسدي،قال:حدثنا زريق ابن مرزوق،قال:حدثنا صباح الفراء،عن
جابر بن عبد الله بن يحيى،قال:قال عليـرضى الله عنهـ:ما من رجل من قريش إلا و قد نزلت
فيه الآية و الآيتان.فقال له رجل:فأنت فأي شيء نزل فيك؟فقال علي:أما تقرأ الآية التي
نزلت في هود:/و يتلوه شاهد منه/ (11) ؟
و قال العلامة الفيض القاساني في تفسيره:«عن الكاظم و الرضا عليهما السلام:و أمير المؤمنين
عليه السلام الشاهد على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،و رسول الله على بينة من
ربه».و أنه عليه السلام سئل عن أفضل منقبة له،فتلا هذه الآية و قال:«أنا الشاهد من رسول
الله صلى الله عليه و آله و سلم».و في«المجمع»عن أمير المؤمنين و الباقر و الرضا عليهم
السلام:«أن الشاهد منه علي بن أبي طالب عليه السلام يشهد للنبي صلى الله عليه و آله
و سلم و هو منه».و عن العياشي عنه(أي الصادق)عليه السلام:«الذي على بينة من ربه رسول
الله صلى الله عليه و آله و سلم،و الذي تلاه من بعده الشاهد منه أمير المؤمنين عليه
السلام ثم أوصياؤه واحد بعد واحد»،و القمي عن الصادق عليه السلام:«إنما انزل:أفمن كان
على بينة من ربه و يتلوه شاهد منه إماما و رحمةو من قبله كتاب موسى».و عن الباقر عليه
السلام:«إنما انزلت:أفمن كان على بينة من ربه(يعني رسول الله صلى الله عليه و آله و
سلم)و يتلوه(علي)شاهد منه إماما و رحمة و من قبله كتاب موسى اولئك يؤمنون به.فقدموا
و أخروا في التأليف (12) ».
و قال العلامة،السيد علي الموسوي البهبهاني في كتابه«مصباح الهداية»:«و أما المقام الثالث
و هو الإحتواء على المنقبة الفاضلة فيظهر من مواضع منها(أي من آية الشاهد).الأول:كونه
عليه السلام شاهدا للرسول صلى الله عليه و آله و سلم على رسالته.و الثانى:أنه من الرسول
.و الثالث:أنه تال له.و الرابع و الخامس:أنه إمام و رحمة.
توضيح الأمر:إن من الآثار المترتبة على الشهادة برسالته صلى الله عليه و آله و سلم إسلام
الشاهد،و هو مترتب عليها في جميع الموارد سواء كان الشاهد معصوما،أم لا.و منها ثبوت
الرسالة بها،و هو إنما يترتب عليها إذا كان الشاهد عالما معصوما من الخطأ و الزلل عمدا
و سهوا و جهلا.و الغرض في المقام إنما هو الثاني لا الأول،ضرورة أنه عز و جل في مقام
إثبات رسالة رسوله صلى الله عليه و آله و سلم بالحجج القاطعة التي لا ينبغي الإرتياب
فيها ممن له حظ من مراتب التعقل،فلو لم يكن هذا الشاهد الذي ذكره تعالى معصوما من الجهل
و الزلل عمدا و سهوا لم يكن لذكره في هذا المقام و جعل شهادته في مقابل بينة الرب تعالى
مقدمة على شهادة كتاب موسى مجال...
هذا كله بالنسبة إلى كونه عليه السلام شاهدا للرسول صلى الله عليه و آله و سلم على رسالته،و
أما كونه من الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فمنقبة اخرى قد كشف عنها الرسول صلى الله
عليه و آله و سلم على ما رواه الفريقان أنه قال صلى الله عليه و آله و سلم:«أنا و علي
من شجرة واحدة،و الناس من أشجار شتى»و«على مني و أنا منه»،و هي منقبة جليلة دالة على
اتحادهما و تساويهما في الكمال،و عدم ارتقاء أحد من الناس مرتبته و درجته.
و أما كونه تاليا للرسول صلى الله عليه و آله و سلمـبناء على أخذ يتلوه من التلو و رجوعـالضميرالمنصوب
إلى الموصول كما هو الظاهر بقرينة مقابلة مع قوله عز و جل/و من قبله كتاب موسى/و تذكير
الضمير الظاهر في الرجوع إلى المذكر و هو الموصول لا البينة،فهو دليل على أنه عليه السلام
خير الناس و أفضلهم بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم و خلافته عليه السلام بلا فصل،إذ
لو تلاه غيره ابتداء لكان أحق بالذكر،بل لا مجال لذكر المتأخر و ترك المتقدم (13) ».
أقول:بعد ما لاحظت كلام هذا المحقق العلامة رحمه الله و هو قوله«و أما كونه عليه السلام
من الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فمنقبة اخرى قد كشف عنها الرسول صلى الله عليه
و آله و سلم»فانظر الأخبار و الأحاديث التي جائت من الفريقين بأن عليا عليه السلام من
رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،أو عضو منه،أو جزء منه و أمثال ذلك،حتى يتضح لك
ما كشف عنها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.فها نحن نذكر نبذة منهاـإن شاء الله
تعالىـشفاء للمؤمنين و خسارا للظالمين.
1ـقال ابن أبي الحديد في شرحه:«عن علي عليه السلام قال:كنت في أيام رسول الله صلى الله
عليه و آله و سلم كجزء من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ينظر إلى الناس كما ينظر
إلى الكواكب (14) ».
2ـو قال أيضا:«عن علي عليه السلام:أنا من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كالعضد
من المنكب،و كالذراع من العضد (15) ».
3ـو قال العلامة الشيخ سليمان القندوزي:«عن علي عليه السلام:أنا من أحمد كالكف من اليد،و
كالذراع من العضد،و كالضوء من الضوء (16) ».
4ـو عنه:«قال أبوذر رفعه:إن الله تبارك و تعالى ايد هذا الدين بعلي،و إنه مني و أنا
منه،و فيه انزل:أفمن كان على بينة من ربه»الآية (17) .ـو روى العلامة المناوي:«علي مني بمنزلة رأسي من بدني».و عنه صلى الله عليه و آله و
سلم:«علي مني و أنا من علي،و لا يؤدي عني إلا أنا أو علي».و قال في شرحه:«أي هو متصل
بي و أنا متصل به في الاختصاص و المحبة و غيرهما (18) ».
6ـقال الحافظ المحدث الكبير،الجويني الخراساني:«قال رسول الله صلى الله عليه و آله و
سلم...فعلي مني و أنا منه،لحمه من لحمي،و دمه من دمي (19) ».
7ـقال الحافظ المحدث محمد بن طلحة الشافعي:«عن براء بن عازبـرضى الله عنهـقال:قال رسول
الله صلى الله عليه و آله و سلم و لعلي عليه السلام:أنت مني و أنا منك (20) ».
8ـقال أحمد بن حنبل الشيباني:«قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم(فى حديث أخذنا
منه موضع الحاجة):أما أنت،يا جعفر!فأشبهت خلقي و خلقي،و أما أنت،يا علي!فمني و أنا منك،و
أما أنت،يا زيد!فأخونا و مولانا،و الجارية عند خالتها،و الخالة والدة (21) ».
9ـقال الحافظ ابو عبد الله الكنجي الشافعي:«عن زاذان،عن سلمان قال:سمعت رسول الله صلى
الله عليه و آله و سلم يقول:كنت أنا و علي نورا بين يدي الله مطيعا،يسبح ذلك النور و
يقدسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام،فلما خلق الله آدم ركز ذلك النور في صلبه،فلم
يزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب،فجزء أنا،و جزء علي (22) ».
10ـو قال أيضا:«قال صلى الله عليه و آله و سلم:أن الله خلق الأنبياء من أشجار شتى،و
خلقنى و عليا من شجرة واحدة،فانا أصلها،و علي فرعها،و فاطمة لقاحها،و الحسن والحسين
ثمرها،فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا،و من زاغ عنها هوى (23) ».
11ـو قوله صلى الله عليه و آله و سلم:«يا علي!خلقت أنا و أنت من شجرة واحدة،أنا أصلها،و
أنت فرعها،و الحسن و الحسين أغصانها.فمن تعلق بغصن منها دخل الجنة (24) ».
12ـو قوله صلى الله عليه و آله و سلم:«خلقت أنا و هارون بن عمران و يحيى بن زكريا و
علي بن أبي طالب من طينة واحدة (25) ».
13ـو قوله صلى الله عليه و آله و سلم لام سلمة:«أتعرفينه(يعني عليا)قالت:نعم،هذا علي
بن أبى طالب،قال:صدقت،سجيته سجيتي،و دمه دمي
(26) ».
14ـو عن علي عليه السلام:«إن الحسن و الحسين عليهما السلام سبطا هذه الامة،و هما من
محمد كمكان العينين من الرأس،و أما أنا فكمكان اليد من البدن،و أما فاطمة فكمكان القلب
من الجسد،مثلنا مثل سفينة نوح،من ركبها نجا،و من تخلف عنها غرق (27) ».
15ـو قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«أنت مني كروحي من جسدي»و قال صلى الله
عليه و آله و سلم«أنت زري من قميصي»و قال صلى الله عليه و آله و سلم:«أنت مني كالضوء
من الضوء (28) ».
تعليقات:
1ـهود،11: .17
2ـالطباطبايى:الميزان،ج 10:ص .192
3ـالرازي:التفسير الكبير،ج 17:ص .200
4ـالقرطبي:الجامع لأحكام القرآن،ج 9:ص .16
5ـابو حيان:البحر المحيط،ج 5:ص .211
6ـالآلوسي:روح المعانى،ج 12:ص .25
7ـالقندوزي:ينابيع الموده،ص .479
8ـالقندوزي:ينابيع الموده،ص .99
9ـالزمخشري:الدر المنثور،ج 3:ص .324
10ـالزمخشري:الدر المنثور،ج 3:ص .324
11ـالطبري:جامع البيان،ج 12:ص .14
12ـالفيض القاساني:تفسير الصافى،ج 2:ص .437
13ـالبهبهاني:مصباح الهداية،ص 59،ط القاهرة.
14ـابن ابي الحديد:شرح نهج البلاغة،ج 20:ص .326
15ـابن ابي الحديد:شرح نهج البلاغة،ج 20:ص .316
16ـالقندوزي:ينابيع المودة،ص .138
17ـالقندوزي:ينابيع المودة،ص .256
18ـالمناوي:فيض القدير،ج 4:ص .356
19ـالحمويني:فرائد السمطين،ج 1:ص .43
20ـابن طلحة:مطالب السؤول،ص .18
21ـأحمد:المسند،ج 1:ص .98
22ـالكنجي:كفاية الطالب،الباب 87:ص .315
23ـالكنجي:كفاية الطالب،الباب 87:ص .337
24ـالكنجي:كفاية الطالب،الباب .87
25ـالمصدر.
26ـالكنجي:كفاية الطالب،الباب .86
27ـالمجلسي:بحار الأنوار،ج 39:ص .353
28ـالمجلسي:بحار الأنوار،ج 38:ص .296