الفصل 6: آية خير البرية:

من الأدلة الدالةـمن الآياتـعلى أن عليا عليه السلام خير البشر من الأولين و الآخرين،حتى أولي العزم من المرسلين،قوله تعالى:/أن الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية (1) /.

قال العلامة الحافظ،جلال الدين السيوطي في تفسيره:«أخرج ابن مردويه عن عائشة،قالت:قلت :يا رسول الله!من أكرم الخلق على الله؟قال:يا عائشة!أما تقرئين/إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئك هم خير البرية/»؟

و أخرج ابن عساكر،عن جابر بن عبد الله،قال:«كنا عند النبي صلى الله عليه و آله و سلم فأقبل علي،فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم:و الذي نفسي بيده،إن هذا و شيعته لهم الفائزون يوم القيامة،و نزلت/إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئك هم خير البرية/ .فكان أصحاب النبي إذا أقبل علي قالوا:جاء خير البرية».

و أخرج ابن عدي و ابن عساكر،عن أبي سعيد مرفوعا:«علي خير البرية».

و أخرج ابن عدي،عن ابن عباس،قال:«لما نزلت/إن الذين آمنوا و عملواالصالحات اولئك هم خير البرية/،قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعلي:«هو أنت و شيعتك يوم القيامة راضين مرضيين».

و أخرج ابن مردويه،عن علي عليه السلام،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :«ألم تسمع قول الله/إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئك هم خير البرية/أنت و شيعتك (2) ».

و قال العلامة،ابو جعفر،محمد بن جرير الطبري في تفسيره:«و قوله/إن الذين آمنوا.../يقول اللهـتعالى ذكرهـ:إن الذين آمنوا بالله و رسوله محمد،و عبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء،و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة،و أطاعوا الله فيما أمر و نهى،اولئك هم خير البرية.يقول :من فعل ذلك من الناس فهم خير البرية.و قد حدثنا ابن حميد قال:حدثنا عيسى بن فرقد،عن أبي الجارود،عن محمد بن علي«اولئك هم خير البرية»فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم :أنت يا علي و شيعتك (3) ».

و قال العلامة الحافظ،الكنجي الشافعي:«عن جابر بن عبد الله،قال:كنا عند النبي صلى الله عليه و آله و سلم فأقبل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم:قد أتاكم أخى،ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده،ثم قال:و الذي نفسي بيده،إن هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة،ثم إنه أولكم إيمانا،و أوفاكم بعهد الله،و أقومكم بأمر الله،و أعدلكم في الرعية،و أقسمكم بالسوية،و أعظمكم عند الله مزية.قال:و نزلت:/إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئك هم خير البرية/قال:«و كان أصحاب النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم إذا أقبل علي عليه السلام قالوا:جاء خير البرية».

قلت:هكذا رواه محدث الشام في كتابه بطرق شتى،و ذكرها محدث العراق و مورخها عن زر،عن عبد الله،عن علي،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«من لم يقل علي خير الناس فقد كفر».و فى رواية عن حذيفة قال:سمعت النبي صلى الله عليه و آله و سلم يقول:«علي‏خير البشر،من أبى فقد كفر»...

و فى رواية لعائشة،عن عطاء،قال:سألت عائشة عن علي،فقالت:ذاك خير البشر،لا يشك فيه إلا كافر.قلت:هكذا ذكره الحافظ في ترجمة علي عليه السلام في تاريخه في المجلد الخمسين و كتابه يبلغ مائتا مجلد (4) ».

و قال العلامة،الآلوسي البغدادي في تفسيره:«أخرج ابن مردويه،عن عليـكرم الله تعالى وجههـقال :قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:ألم تسمع قول الله تعالى/إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئك هم خير البرية/؟هم أنت و شيعتك،و موعدي و موعدكم الحوض إذا جئت الامم للحساب يدعون غرا محجلين».

و أخرج ابن مردويه أيضا،عن ابن عباس،قال:لما نزلت هذه الآية/إن الذين آمنوا/ـالآية قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعليـرضي الله تعالى عنه و كرم وجههـ:هو أنت و شيعتك يوم القيامة راضين مرضيين».

و أخرج ابن مردويه،عن عائشة،قالت:قلت:يا رسول الله!من أكرم الخلق على الله تعالى؟قال :يا عائشة!أما تقرئين:/إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئك هم خير البرية/؟»

(قال الآلوسي:)و أنت تعلم أن هذا ظاهر في أن المراد بالبرية الخليقة مطلقا...و الامامية و إن قالوا:إنهـرضى الله عنهـخير من الأنبياء و حتى اولي العزم عليهم السلام و من الملائكة المقربين عليهم السلام لا يقولون بخيريته من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فإن قالوا:بأن البرية على ذلك مخصوصة بمن عداهـعليه الصلاة و السلامـللدليل الدال على أنه صلى الله عليه و آله و سلم خير منهـكرم الله تعالى وجههـقيل:إنها مخصوصةـأيضاـبمن عدا الأنبياء و الملائكة (5) ».أقول:هنا ينبغي التوجه إلى نكتة أدبية و هي أن البرية فعيلة من برأ الله الخلق إلا أنه ترك فيها الهمز.و يجوز أن تكون من البرى و هو التراب.قال ابن المنظور في«برأ»:«و البرية الخلق،و أصلها الهمز،و قد تركت العرب همزها،و نظيره النبي و الذرية.و أهل مكة يخالفون غيرهم من العرب يهمزون البريئة و النبي‏ء و الذريئة من ذرأ الله الخلق».

و عجبا من الآلوسي مع أنه اعترف بأن البرية هي الخليقة مطلقا كيف يقول:إن علياـكرم الله وجههـخير البرية ما عدا الأنبياء و الملائكة؟!اشهد الله على أنه ما قال هذا الكلام إلا لشي‏ء يتلجلج في صدره،و لكراهية كانت في نفسه من أفضلية سيد الموحدين،أمير المؤمنين نفس النبي،عديل القرآن،أخ المصطفى،زوج فاطمة الزهراء،عليهم صلوات الله و ملائكته و أنبيائه ألف ألف مرة.

لماذا يقول الآلوسي:إنها مخصوصة أيضا بمن عدا الأنبياء و الملائكة؟ألم ير هذا الفاضل حديث الأشباه،و حديث المؤاخاة،و حديث الطير المشوي؟ألم يقرأ عن عمر بن الخطاب هذا الحديث أنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول:«لو أن إيمان أهل السموات و الأرض وضع في كفة،و وضع إيمان علي في كفة لرجح إيمان علي بن أبي طالب (6) ».

فلاحظ الأخبار و الأحاديث الآتية حتى تكون على بصيرة من أمرك إن شاء الله تعالى،و إنها لكثيرة جدا،و ها نحن نذكر نبذة يسيرة منها:

1ـروى العلامة الشيخ سليمان الحنفي،عن جابر،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«من أراد أن ينظر إلى إسرافيل في هيبته،و إلى ميكائيل في رتبته،و إلى جبرئيل في جلالته،و إلى آدم في علمه،و إلى نوح في خشيته،و إلى إبراهيم في خلته،و إلى يعقوب في حزنه،و إلى يوسف في جماله،و إلى موسى في مناجاته،و إلى‏أيوب في صبره،و إلى يحيى في زهده،و إلى عيسى في عبادته،و إلى يونس في ورعه،و إلى محمد في حسبه و خلقه،فلينظر إلى علي،فإن فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء جمعها الله فيه و لم يجمعها في أحد غيره (7) ».

2ـروى العلامة،الجويني الخراساني،عن أبي الحمراء،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه،و إلى نوح في فهمه،و إلى إبراهيم في حلمه،و إلى يحيى بن زكريا في زهده،و إلى موسى بن عمران في بطشه،فلينظر إلى علي بن أبي طالب (8) ».

3ـأخرج العلامة،الحسكاني الحنفي،عن أبي الحمراء،قال:«كنا عند رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأقبل علي فقال رسول الله:من سره أن ينظر إلى آدم في علمه،و نوح في فهمه،و إبراهيم في خلته،فلينظر إلى علي بن أبي طالب (9) ».

4ـروى الحافظ،الموفق الحنفي،المعروف بأخطب خوارزم،عن الحارث الأعورـصاحب راية علي بن أبي طالب عليه السلامـقال:«بلغنا أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان في جمع أصحابه فقال:اريكم آدم في علمه،و نوحا في فهمه،و إبراهيم في حكمته،فلم يكن بأسرع من أن طلع علي عليه السلام،فقال أبو بكر:يا رسول الله!أقست رجلا بثلاثة من الرسل!بخ بخ لهذا الرجل،من هو يا رسول الله؟قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم:أو لا تعرفه يا أبابكر؟قال:الله و رسوله أعلم،قال:هو أبو الحسن علي بن أبي طالب.فقال أبو بكر:بخ بخ لك يا أبا الحسن،و أين مثلك يا أبا الحسن (10) »؟!

5ـروى العلامة المجلسي رحمه الله،عن علي بن الحسين،عن أبيه عليهما السلام،قال:«نظر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ذات يوم إلى علي عليه السلام قد أقبل و حوله جماعة من أصحابه فقال:من أحب ان ينظر إلى يوسف في جماله،و إلى إبراهيم في سخائه،و إلى سليمان في بهجته،و إلى داود في حكمته،فلينظر إلى هذا (11) ».

6ـروىـأيضاـعن سلمة بن قيس،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:اعطى الله عليا من الفضل جزءا لو قسم على أهل الأرض لو سعهم،و أعطاه الله من الفهم لو قسم على أهل الأرض لو سعهم،شبهت لينه (12) بلين لوط،و خلقه بخلق يحيى،و زهده بزهد أيوب،و سخاؤه بسخاء إبراهيم،و بهجته ببهجة سليمان بن داود،و قوته بقوة داود،و لو اوحي إلى أحد بعدي لأوحي إليه،فزين الله به المحافل،و أكرم به العساكر،و أخصب به البلاد،و أعز به الاجناد،مثله كمثل بيت الله الحرام يزار و لا يزور،و مثله كمثل القمر إذا طلع أضاء الظلمة،و مثله كمثل الشمس إذا طلعت أنارت الدنياـالحديث (13) ».

أقول:المستفاد من هذه الأحاديث التي سميت بالاشباه و النظائر لاشتمالها بمشابهات بين الأنبياء عليهم السلام و علي المرتضى عليه السلام تقدم علي على جميع الملائكة و الأنام حيث إن النظر إليه عليه السلام وحده يقوم مقام النظر إلى جميعهم،فإن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أثبت لعلي عليه السلام في هذه الأحاديث هيبة تشبه هيبة إسرافيل،و رتبة تشبه رتبة ميكائيل،و جلالة تشبه جلالة جبرئيل،و علما يشبه علم آدم،و خشية تشبه خشية نوح،و خلة تشبه خلة إبراهيم،و حزنا يشبه حزن يعقوب،و جمالا يشبه جمال يوسف،و مناجاة تشبه مناجاة موسى،و صبرا يشبه صبر أيوب،و زهدا يشبه زهد عيسى عليهم السلام،و أن هذه الصفات تعلو فيه عليه السلام أعلى الدرجات.و أحسن ما أجاد به المولى محمد كاظم الازري رحمه الله:

لك في مرتقى العلى و المعالي‏ 
درجات لا يرتقى أدناها

أنت بعد النبي خير البرايا 
و السماء خير ما بها قمراها

و استدل الفخر الرازي في تفسيره بقوله تعالى:/اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسئلكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين/ (14) على أفضلية نبينا صلى الله عليه و آله و سلم على سائر الأنبياء لاجتماع خصال الأنبياء فيه كاستدلالنا بها على أفضلية علي عليه السلام.قال:«احتج العلماء بهذه الآية أن رسولنا صلى الله عليه و آله و سلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم السلام،و تقريره:هو أنا بينا أن خصال الكمال و صفات الشرف كانت مفرقة فيهم(أي في الأنبياء)بأجمعهم،فداود و سليمان كانا من أصحاب الشكر على النعمة،و أيوب كان من أصحاب الصبر على البلاء،و يوسف كان مستجمعا لهاتى الحالتين،و موسى عليه السلام كان صاحب الشريعة القوية القاهرة و المعجزات الظاهرة،و زكريا و يحيى و عيسى و إلياس كانوا أصحاب الزهد،و إسماعيل كان صاحب الصدق،و يونس صاحب التضرع.فثبت أنه تعالى إنما ذكر كل واحد من هؤلاء الأنبياء لأن الغالب عليه كان خصلة معينة من خصال المدح و الشرف.

ثم إنه تعالى لما ذكر الكل أمر محمداـعليه الصلاة و السلامـبأن يقتدي بهم بأسرهم،فكان التقدير كأنه تعالى أمر محمدا صلى الله عليه و آله و سلم أن يجمع من خصال العبودية و الطاعة كل الصفات التي كانت مفرقة فيهم بأجمعهم و لما أمره الله تعالى بذلك امتنع أن يقال:إنه قصر في تحصيلها،فثبت أنه حصلها،و متى كان الأمر كذلك ثبت أنه اجتمع فيه من خصال الخير ما كان متفرقا فيهم بأسرهم،و متى كان الأمر كذلك وجب أن يقال:إنه أفضل منهم (15) »

أقول:فبناء على هذا فلا تنس أحاديث الأشباه و دلالتها على أفضلية علي عليه السلام.قال الحافظ العلامة،ابو عبد الله،الكنجي الشافعي:«قلت:تشبيهه لعلي عليه السلام بآدم في علمه،لأن الله علم آدم كل شي‏ء كما قال عز و جل:/و علم آدم الاسماء كلها/ (16) .فما من شي‏ء و لا حادثة و لا واقعة إلا و عند علي عليه السلام فيها علم،و له في استنباط معناها فهم،و شبهه بنوح في حكمته،أو في رواية«فى حكمه»و كأنه أصح،لأن عليا عليه السلام كان شديدا على الكافرين رؤوفا بالمؤمنين كما وصفه الله في القرآن:/و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم/ (17) .و أخبر الله عز و جل عن شدة نوح على الكافرين بقوله:/رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا/ (18) ،و شبهه في الحلم بإبراهيم خليل الرحمن كما وصفه الله عز و جل في القرآن بقوله:/إن إبراهيم لأواه حليم/ (19) ،فكان متخلقا بأخلاق الأنبياء،متصفا بصفات الأصفياء (20) ».

7ـروى العلامة،الشيخ سليمان الحنفي،عن جابر رضى الله عنه،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«يا علي!لو أن أحدا عبد الله حق عبادته ثم شك فيك و أهل بيتك أنكم أفضل الناس،كان في النار (21) ».

8ـو روى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال:«لو وضع أعمال امتي في كفة،و وضع عملك يوم احد في كفة اخرى لرجح عملك،و إن الله باهى بك يوم احد ملائكته المقربين،و رفعت الحجب من السماوات،و أشرفت إليك الجنة و ما فيها،و ابتهج بفعلك رب العالمين (22) ».

9ـروى أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي،الفقيه المتكلم رحمه الله،عن‏النبي صلى الله عليه و آله و سلم،أنه قال لأمير المؤمنين عليه السلام:«يا أبا الحسن!لو وضع إيمان الخلائق و أعمالهم في كفه ميزان،و وضع عملك يوم احد في الكفة الاخرى لرجح عملك يوم احد على جميع ما عمل الخلائق،و إن الله تعالى باهي بك يوم احد ملائكته المقربين،و رفع الحجب من السماوات السبع،و أشرفت إليك الجنة و ما فيها،و ابتهج بفعلك رب العالمين،و إن الله ليعوضك بذلك اليوم ما يغبطك به كل نبي و صديق و شهيد (23) ».

أقول:هذه الأحاديث شاهدة لأمير المؤمنين عليه السلام بفضل عظيم و قدر خطير لا يعادله فيه أحد من الأنبياء و المرسلين و الملائكة المقربين.يقول الازري رحمه الله:

لا فتى في الوجود إلا علي‏ 
ذاك شخص بمثله الله باها

10ـروى الحافظ الكنجي،عن أبي عقال،عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،«سأل أبو عقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال:يا رسول الله!من سيد المسلمين؟فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم من تظن،يا أبا عقال؟فقال:آدم،فقال صلى الله عليه و آله و سلم:ههنا من أفضل من آدم،فقال:يا رسول الله!أليس الله خلقه بيده،و نفخ فيه من روحه،و زوجه حواء أمته،و أسكنه جنته؟فمن يكون أفضل منه؟فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم :من فضله الله عز و جل؟فقال:شيث.فقال صلى الله عليه و آله و سلم:أفضل من شيث؟فقال:إدريس،فقال صلى الله عليه و آله و سلم:افضل من إدريس و نوح؟فقال:هود،فقال صلى الله عليه و آله و سلم:أفضل من هود و صالح و لوط؟فقال:موسى و هارون،فقال صلى الله عليه و آله و سلم:أفضل من موسى و هارون؟فقال:فإبراهيم إذن،قال صلى الله عليه و آله و سلم:أفضل من إبراهيم و إسماعيل و إسحاق؟قال:فيعقوب،قال صلى الله عليه و آله و سلم:أفضل من يعقوب و يوسف؟قال :فداود،قال صلى الله عليه و آله و سلم:أفضل من داود و سليمان؟قال:فأيوب إذن،قال صلى الله عليه و آله و سلم:أفضل من أيوب و يونس؟قال:زكريا إذن،قال صلى الله عليه و آله و سلم : أفضل من زكريا و يحيى؟قال:فاليسع إذن،قال صلى الله عليه و آله و سلم،أفضل من اليسع و ذي الكفل قال:فعيسى‏إذن،قال صلى الله عليه و آله و سلم:أفضل من عيسى؟قال ابو عقال:ما علمت من هو،يا رسول الله!ملك مقرب.فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم مكلمك،يا أبا عقال(يعني نفسه).

فقال ابو عقال:سررتني،و الله يا رسول الله!فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم:أزيدك،يا أبا عقال؟قال:نعم،فقال صلى الله عليه و آله و سلم:اعلم يا أبا عقال أن الأنبياء و المرسلين ثلاثمائة و ثلاثة عشر نبيا،لو جعلوا في كفة و صاحبك في كفة لرجح عليهم،فقلت:ملأتني سرورا يا رسول الله،فمن أفضل الناس بعدك؟فذكر له نفرا من قريش (24) ثم قال:علي بن أبي طالب،فقلت:يا رسول الله فأيهم أحب إليك؟قال:علي بن أبي طالب،فقلت:لم ذلك؟فقال صلى الله عليه و آله و سلم:خلقت أنا و علي بن أبي طالب من نور واحدـإلى أن قال:ـيا أبا عقال!فضل علي على سائر الناس كفضل جبرئيل على سائر الملائكة».ثم قال الكنجي :«هذا حديث حسن عال (25) ».

11ـروى العلامة الكراجكي رحمه الله عن ابن عباس،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«علي أفضل من خلق الله تعالى غيري،و الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة،و أبوهما خير منهما،و إن فاطمة سيدة نساء العالمين (26) ».

12ـو روى عن أبي ذر رحمه الله قال:«نظر النبي صلى الله عليه و آله و سلم إلى علي ابن أبي طالب عليه السلام فقال:هذا خير الأولين و الآخرين من أهل السماوات و الأرضين... (27) ».

13ـو عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم«يا علي!أنت أمير من في السماء،و أمير من في الارض،و أمير من مضى،و أمير من بقي،و لا أمير قبلك و لا أمير بعدك،و لا يجوز أن يسمى بهذا الاسم من لم يسمه الله عز و جل به (28) ».

أقول:و لا يرتاب ذو مرة في أن من كان أمير من في السماء و أمير من في الأرض و أمير من مضى و من بقي لكان أفضلهم و أشرفهم و خيرهم.

14ـروى العلامة ابن المغازلي عن حذيفة بن اليمان،قال:«آخي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بين أصحابه الأنصار و المهاجر،فكان يؤاخى بين الرجل و نظيره،ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال:هذا أخي.قال حذيفة:رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سيد المسلمين و إمام المتقين و رسول رب العالمين،الذي ليس له في الأنام شبيه و لا نظير،و علي بن أبي طالب أخوان (29) ».

15ـروى العلامة القندوزي عن زيد بن أوفى،قال:«لما آخى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بين أصحابه فقال علي عليه السلام:يا رسول الله آخيت بين أصحابك و لم تواخ بيني و بين أحد!فقال صلى الله عليه و آله و سلم:و الذي بعثني بالحق نبيا ما أخرتك إلا لنفسي،فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي،و أنت أخي و وارثي،و أنت معي في قصري في الجنة مع ابنتي فاطمة،و أنت أخي و رفيقي.ثم تلا:إخوانا على سرر متقابلين المتحابون فى الله ينظر بعضهم إلى بعض (30) ».

16ـروى العلامة،السيد هاشم البحراني رحمه الله عن جابر بن عبد الله أنه قال:قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«يا جابر!أي الإخوة أفضل؟قال:قلت البنون من الأب و الأم .فقال صلى الله عليه و آله و سلم:إنا معاشر الأنبياء إخوة و انا أفضلهم،و لأحب الإخوة إلى علي بن أبي طالب،فهو عندي أفضل من الأنبياء فمن زعم أن الأنبياء أفضل منه فقد جعلني أقلهم،و من جعلني أقلهم فقد كفر،لأني لم أتخذ عليا أخا إلا لما علمت من فضله (31) ».

17ـو روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام:«أنارسول الله المبلغ عنه،و أنت وجه الله المؤتم به،فلا نظير لي إلا أنت،و لا مثل لك إلا أنا (32) ».

18ـروى العلامة الكنجي عن ابن عمر،قال:«آخي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه،فقال:يا رسول الله!آخيت بين أصحابك و لم تواخ بينى و بين أحد!فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:أنت أخي في الدنيا و الآخرة.ثم قال:قلت :هذا حديث حسن عال صحيح (33) ».

أقول:لحديث المؤاخاة مصادر شتي و طرق مختلفة،فان جمعا من الحفاظ و أئمة الحديث ذكروه بأسانيد متعدده تجده بنصه في«الغدير»الأغر(ج 3:ص 112 إلى 124)أخرجه العلامة الأمينيـحشره الله مع أوليائه الكرامـمن خمسين طريقا.و جاءت طرقه أيضا فى«فضائل الخمسة»للعلامة الفيروز آبادي(ج 1:ص 318،إلى 332).و ذكره أيضا العلامة المجلسيـطيب الله مرقدهـفي البحار بأسانيد شتى(ج 38:ص 330 إلى 347).

و لا ريب أنه لم تكن هذه المؤاخاة إلا على أساس المماثلة و المشاكلة بين الأشخاص في الكمالات النفسانية و الدرجات الروحية،و إن شئت زيادة بصيرة فأمعن النظر في كلام الحافظ الكنجي الشافعي،قال:«فإذا أردت قرب منزلته عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم تأمل صنيعه في المؤاخاة بين الصحابة،جعل يضم الشكل إلى الشكل و المثل إلى المثل،فيؤلف بينهم إلى أن آخى بين أبي بكر و عمر،و ادخر عليا عليه السلام لنفسه و اختصه باخوته.و ناهيك بها من فضلية و شرف/إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد (34) /».

أقول:و اشهد الله و رسوله على أن حديث المؤاخاة من أدل الدليل على إمامةعلي عليه السلام و تقدمه على جميع البشر ممن تقدم و تأخر سوى النبي صلى الله عليه و آله و سلم،لأنه عليه السلام نظير النبي صلى الله عليه و آله و سلم و مثله كما لاحظته في الأخبار الماضية .يقول الازري رحمه الله:

لك ذات كذاته حيث لولا 
أنها مثلها لما آخاها

اللهم اجعلنا ممن تمسك بولاية أمير المؤمنين عليه السلام.

19ـروى العلامة ابن المغازلي،عن أبي جعفر السباك،عن أنس بن مالك،قال:«اهدي لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم طائر مشوي أهدته له امرأة من الأنصار،فدخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فوضعت ذلك بين يديه.فقال:اللهم أدخل علي أحب خلقك إليك من الأولين و الآخرين ليأكل معي من هذا الطائر،قال أنس:فقلت في نفسي:اللهم اجعله رجلا من الأنصار من قومي،فجاء علي فطرق الباب،فرددته و قلت:رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم متشاغل،و لم يعلم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لذلك،فقال:اللهم أدخل علي أحب خلقك إليك من الأولين و الآخرين يأكل معي من هذا الطائر،قلت:اللهم اجعل رجلا من قومي الأنصار:فجاء علي فرددته،فلما جاء الثالثة قال لي رسول الله:قم فافتح الباب لعلي،فقمت ففتحت الباب،فأكل معه،فكانت الدعوة له (35) ».

20ـروى الحاكم،ابو عبد الله النيشابوري عن يحيى بن سعيد،عن أنس بن مالك،قال:«كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقدم لرسول الله فرخ مشوي،فقال:اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير،قال قلت:اللهم اجعله رجلا من الأنصار.فجاء عليـرضى الله عنهـفقلت:إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على حاجة،ثم جاء فقلت:إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على حاجة،ثم جاء فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:افتح،فدخل فقال صلى الله عليه و آله و سلم:ما حبسك علي؟فقال:إن هذه آخر ثلاث كرات يرددني أنس بزعم أنك على حاجة،فقال صلى الله عليه و آله و سلم:ما حملك على ما صنعت؟فقلت :يا رسول الله!سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلا من قومي،فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:إن الرجل قد يحب قومه.هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه (36) ».

أقول:إن حديث الطير حديث معتبر متواتر،و قد روي من طرق عديدة من الصحابة و التابعين،و أخرجه العلماء و الحفاظ في كتبهم المعتبرة بصور مختلفة و عبارات متفاوتة قريبة المعنى و إليك بعض نصوصها.

1ـعن حميد الطويل،عن أنس بن مالك،قال:«اهدي إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم نحامة (37) مشوية،فقال:اللهم ابعث إلى أحب خلقك إليك و إلى نبيك يأكل معي من هذه المائدة.قال:فأتي عليـالحديث (38) ».

2ـعن إسماعيل بن أبي المغيرة،عن أنس بن مالك،قال:«اهدي لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أطيار،فقسمها بين نسائه،فأصاب كل امرأة منهن ثلاثة،فأصبح عند بعض نسائه قطاتان (39) ،فبعثت بهما إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال:اللهم ائتني بأحب خلقك إليك و إلى رسولك يأكل معي من هذا الطعام.فقلت:اللهم اجعله رجلا من الأنصار،فجاء عليـالحديث (40) ».

3ـعن عثمان الطويل،عن أنس بن مالك،قال:«اهدى للنبي صلى الله عليه و آله و سلم طير كان يعجبه أكله،فقال:اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل من هذا الطائر معى،فجاء عليـالحديث (41) ».

4ـعن زبير بن عدي،عن أنس قال:«اهدي إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم طير مشوي،فلما وضع بين يديه قال:اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر،قال:فقلت في نفسي :اللهم اجعله رجلا من الأنصار،قال:فجاء عليـالحديث (42) ».

5ـعن ابن عباس،قال:«اتي النبي صلى الله عليه و آله و سلم بطائر،فقال:اللهم ائتني برجل يحبه الله و رسوله،فجاء عليـالحديث (43) ».

6ـعن نافع،عن أنس بن مالك:«إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قرب إليه طير،فقال :اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير،قال:فجاء علي يأكل معه (44) ».

7ـعن عبد الله بن أنس،عن أنس بن مالك قال:«اهي لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حجل مشوي (45) بخبزة و صنابة،فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم :اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام،فقالت عائشة:اللهم اجعله أبي،و قالت حفصة:اللهم اجعله أبي،قال أنس :اللهم اجعله سعد بن عبادة،فسمعت حركة بالباب فخرجت فإذا علي بالبابـ (46) ».

أقول:و هنا نشير إلى فوائد هامة ينبغي الإلتفات إليها:

الأولى:المستفاد من هذه الأحاديث أن عليا عليه السلام أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و خير البشر،لأنك قد لاحظت دعاء النبي صلى الله عليه و آله و سلم«اللهم أدخل علي أحب خلقك إليك من الاولين و الآخرين ليأكل معي من هذا الطير»فجاء علي عليه السلام.و أيضا:«اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل من هذا الطائر معي،فجاء علي عليه السلام».

و أيضا:«اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل من هذا الطائر معي،فجاء علي عليه السلام».

و إن شئت أن يبرد قلبك و قرت عينك فانظر كلاما هو أطيب من نفحة الأزهار و هو ما قاله العلامة الكنجي الشافعي،قال:«و فيه(أي في حديث الطير)دلالةواضحة على أن عليا عليه السلام أحب الخلق إلى الله،و أدل الدلالة على ذلك إجابة دعاء النبي صلى الله عليه و آله و سلم حيث قال عز و جل:«ادعوني فاستجب لكم (47) ».فأمر بالدعاء و وعد بالإجابة،و هو عز و جل لا يخلف الميعاد،و ما كان الله ليخلف رسله وعده،و لا يرد دعاء رسوله لأحب الخلق إليه،و من أقرب الوسائل إلى الله تعالى محبته و محبة من يحبه لحبه كما أنشدني بعض أهل العلم في معناه:

بالخمسة الغر من قريش‏ 
و سادس القوم جبرئيل

بحبهم رب فاعف عني‏ 
بحسن ظني بك الجميل (48)

العدد الموسوم في هذا البيت أراد بهم أهل البيت أصحاب العباء الذين قال الله تعالى في حقهم:«ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا (49) »و هم محمد صلى الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام،و سادس القوم جبرئيل.

الثانية:إن أكثر هذه الأحاديث لا تذكر مصدر هذا الطير المشوي الذي أكل منه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أكل معه علي عليه السلام و إن ذكر في بعضها،فأنك شاهدت ألفاظ الأحاديث التي مرت عليك،ففيها«قدم لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أو اهدي أو قرب و وضع بين يديه»و ما شابه ذلك،فهل كان هذا الطير من أطيار الدنياأو من طيور الجنة؟يظهر من بعض الأحاديث أن هذا الطير من أطيب طعام الجنة أتى به جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم،كالخبر الاذي أخرجه العلامة المجلسيـرحمه اللهـضمن حديث طويل عن علي عليه السلام في البحار،ج 38،ص .348

و يستفاد أيضا من هذا الحديث أن عائشة كانت تمنع الإمام عليه السلام من الدخول على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و العمدة في هذا الباب أن هذه الفضيلة من خصائص‏أمير المؤمنين عليه السلام و أنه أحب الناس إلى الله و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم و أفضلهم،و الاختلاف في هوامش هذه الفضيلة و جوانبها لا يقدح في أصلها.

الثالثة:إن حديث الطير من الأحاديث المعتبرة الصحيحة التي قد أجمعت أئمة الحديث و الحفاظ على صحته و توثيق سنده،و قد تواتره وروده بطرق شتى و أسانيد عديدة،منهم الحافظ ابو عبد الله الحاكم النيشابوري في مستدركه (50) ،قال:«و قد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفسا».و قال الحافظ الذهبي في تلخيصه على ما في ذيل المستدرك:«و قد رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفسا»،و أخرجه الحافظ ابن المغازلي الشافعي في مناقبه عن أربعة و عشرين طريقا.

و قال الحافظ المقتول في سنة 658 الكنجي الشافعي في كفاية الطالب (51) :«و حديث أنس الذي صدرته في أول الباب أخرجه الحاكم ابو عبد الله الحافظ النيشابوري عن ستة و ثمانين رجلا كلهم رووه عن أنس،و هذا ترتيبهم على حروف المعجم»ثم ذكر أسامي كلهم .و أخرجه ابن عساكر من عشرين طريقا (52) ،و جاء حديث الطير في ذيل إحقاق الحق بالتفصيل (53) .

ثم إن الموضوع مما نظمه شعراء أهل البيت عليهم السلامـرحمه اللهـو أرسلوه إرسال المسلمات .قال السيد إسماعيل الحميريـرحمه اللهـالمتوفى سنة 173:

نبئت أن أبانا كان عن أنس‏ 
يروي حديثا عجيبا معجبا عجبا

في طائر جاء مشويا به بشر 
يوما و كان رسول الله محتجبا

أدناه منه فلما أن رآه دعا 
ربا قريبا لأهل الخير منتجبا

أدخل إلي أحب الخلق كلهم‏ 
طرا إليك فأعطاه الذي طلبا

فاعتز (54) بالباب معتز فقال له‏ 
من ذا؟و كان وراء الباب مرتقبا

من ذا؟فقال:علي قال:إن له‏ 
شأنا له أهتم منه اليوم فاحتجبا (55)

و قال صاحب بن عبادـرحمه اللهـ:

من كمولاي علي زاهد 
طلق الدنيا ثلاثا و وفى

من دعي للطير أن يأكله‏ 
و لنا في بعض هذا مكتفى (56)

افتراءات و شبهات وقعت حول حديث الطير:

أولها من المدعي المعاند ابن تيمية الحراني أنه قال:«فإن حديث الطير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح،و لا صححه أئمة الحديث و لكن هو مما رواه بعض الناس كما رووا أمثاله في فضل غير علي» (57) .

أقول:و قد ذكرنا آنفا تواتره من كلام أعلامهم،و ما أقول في رجل أفتى أئمة المذاهب الأربعة بفسقه و كفره،و مات في السجن.

و قال أيضا هذا الغاوي الناكب عن الحق:«إن الطير ليس فيه أمر عظيم هنا يناسب أن يجي‏ء أحب الخلق إلى الله ليأكل معه فإن إطعام الطعام مشروع للبر و الفاجر،و ليس في ذلك زيادة و قربة عند الله لهذا الآكل و لا معونة على مصلحة دين و لا دنيا،فأي أمر عظيم يناسب أن يجي‏ء أحب الخلق إلى الله يفعله؟» (58) .

قال العلامة المظفرـرحمه اللهـ:«و الجواب:أن الأمر العظيم تعريف الأحب إلى الله»تعالى للناس بدليل وجداني فإنه آكد من اللفظ و أقوى في الحجة،كما عرفهم نبي الهدى صلى الله عليه و آله و سلم أن عليا حبيب الله في قصة خيبر بإخبارهم أنه يعطي الراية من يحبه الله و رسوله و يحب الله و رسوله،و أن الفتح على يده،على أنه يكفى في المناسبة رغبة النبي صلى الله عليه و آله و سلم بأن يأكل مع أحب الخلق إلى الله و إليه» (59) .

و مما قال ابن تيمية الحراني:«إن الحديث يناقض مذهب الرافضة فإنهم يقولون:إن النبي كان يعلم أن عليا أحب الخلق إلى الله،و أنه جعله خليفة من بعده،و هذا الحديث يدل على أنه ما كان يعرف أحب الخلق إلى الله» (60) .

و الجواب من العلامة المظفرـرحمه اللهـ:«إنا لا نعرف وجه الدلالة على أنه لا يعرفه،أتراه لو قال:ائتني بعلي يدل على عدم معرفته له (61) ؟و كيف لا يعرفه و قد قال كما في بعض الأخبار:«اللهم ائتني بأحب الخلق إليك و إلى».و قال لعلي في بعض آخر:«ما حبسك علي»؟و قال له في بعضها:«ما الذي أبطأبك»؟فالنبي صلى الله عليه و آله و سلم كان عارفا به لكنة أبهم و لم يقل:ائتني بعلي،ليحصل التعيين من الله سبحانه فيعرف الناس أن عليا هو الاحب إلى الله تعالى بنحو الاستدلال».

و من الشبهات حول هذا الحديث ما في المواقف و شرحها و هو أنه لا يفيد أنه عليه السلام أحب إليه في كل شى‏ء لصحة التقسيم و إدخال لفظ الكل و البعض،ألا ترى أنه يصح أن يستفسر و يقال:أحب إليه في كل الأشياء أو في بعض الأشياء؟فلا يدل على الأفضلية مطلقا.و قال العلامة المظفرـرحمه اللهـفى جوابه:«إن الإطلاق مع عدم القرينة على الخصوص يفيد العموم في مثل المقام،ألا ترى أن كلمة الشهادة تدل على التوحيد؟و بمقتضى ما ذكره ينبغي أن لا تدل عليه،لإمكان الاستفسار بأنه لا إله إلا هو في كل شى‏ء أو في السماء أو في الأرض،إلى غير ذلك فلا تفيد نفي الشرك مطلقا،و هذا لا يقوله عارف» (62) .

و من تلك الشبهات:أنه خبر واحد من أخبار الآحاد لأنه رواه أنس ابن مالك وحده.

و أجابه الشيخ المفيدـرحمه اللهـ:بأن الامة بأجمعها قد تلقته بالقبول و لم يروا أن أحدا رده على أنس و لا أنكر صحته عند روايته،فصار الإجماع عليه هو الحجة في صوابه مع أن المتواتر قد ورد بأن أمير المؤمنين عليه السلام احتج به في مناقبه يوم الدار فقال:«أنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر،فجاء أحد غيري؟قالوا:اللهم لا،قال:اللهم اشهد».فاعترف الجميع بصحته،و لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام ليحتج بباطل لا سيما و هو في مقام المنازعة» (63) .

و لنختم هذا البحث بنقل كلام عن العلامة المجلسيـرحمه اللهـ:

قال(ره)بعد ذكر أخبار الطير:«اعلم أن تلك الأخبار مع تواترها و اتفاق الفريقين على صحتها تدل على كونهـصلوات الله عليهـأفضل الخلق و أحق بالخلافة بعد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم.أما دلالتها على كونه أفضل فلأن حب الله تعالى ليس إلا كثرة الثواب و التوفيق و الهداية المرتبة على كثرة الطاعة و الاتصاف بالصفات الحسنة كما برهن في محله أنه تعالى منزه عن الانفعالات و التغيرات،و إنما اتصافه‏بالحب و البغض و أمثالهما باعتبار الغايات ...فظهر أن حبه تعالى إنما يترتب على متابعة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم،فثبت أنهـصلوات الله عليهـأفضل من جميع الحلق.

و إنما خص الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بالاجماع و بقرينة أنه كان هو القائل لذلك فالظاهر أن مراده أحب سائر الخلق إليه تعالى.

و أما كونه أحق بالخلافة فلأن من كان أفضل من جميع الصحابة بل من سائر الأنبياء و الأوصياء لا يجوز العقل تقدم غيره عليه» (64) .

تعليقات:

1ـالبينة،98: .7

2ـالزمخشري:الدر المنثور،ج 6:ص .379

3ـالطبري:جامع البيان،ج:29/ذيل الآية.

4ـالكنجي:كفاية الطالب،ص .245

5ـالآلوسي:روح المعانى،ج 30:ص .207

6ـالقندوزي:ينابيع المودة،ج 2:ص .127

7ـالقندوزي:ينابيع المودة،الباب 56:ج 2/ص .80

8ـالحمويني:فرائد السمطين،ج 1:ص .170

9ـالحسكاني:شواهد التنزيل،ج 1:ص .19

10ـالخوارزمي:المناقب،ص .45

11ـالمجلسي:بحار الأنوار،ج 39:صص 35ـ .37

12ـاللين:ضد الخشونة.

13ـالمجلسي:بحار الأنوار،ج 39:صص 35ـ .37

14ـالانعام،6: .90

15ـالرازي:التفسير الكبير،ج 13:ص .69

16ـالبقرة،2: .31

17ـالفتح،48: .29

18ـنوح،71: .26

19ـالتوبة،9: .114

20ـالكنجي:كفاية الطالب،الباب 23:ص .122

21ـالقندوزي:ينابيع المودة،ج 2:ص .78

22ـالمصدر السابق،ج 17:ص .127

23ـالتفضيل،ص 25.و أورده صاحب«ينابيع المودة»،(في ج 1:ص 63).

24ـكذا،و الظاهر أن الخبر دخيل.(م).

25ـالكنجي:كفاية الطالب،ص .316

26ـالتفضيل،ص 16 و .19

27ـالمصدر.

28ـالمصدر.

29ـابن المغازلي:مناقب علي بن ابي طالب،ص .38

30ـالقندوزي:ينابيع المودة،ج 1:ص .55

31ـالبحراني:البرهان في تفسير القرآن،ج 4:ص .148

32ـالبحراني:البرهان في تفسير القرآن،ج 4:ص .148

33ـالكنجي:كفاية الطالب،الباب 47:ص .194

34ـق،50: .37

35ـابن المغازلي:مناقب علي بن ابي طالب،ص .168

36ـالمستدرك،ج 3،ص 130،ط حلب.

37ـالنحامة:طائر أحمر يقال له بالفارسية:سرخ آوى(ابن منظور:لسان العرب).

38ـابن المغازلي:مناقب علي بن ابي طالب،صص 167ـ .156

39ـالمصدر.

40ـالمصدر.

41ـالمصدر.

42ـابن المغازلي:مناقب علي بن ابي طالب،صص 167ـ .156

43ـالمصدر.

44ـابن المغازلي:مناقب علي بن ابي طالب،ص .167

45ـالحجل:القبح،و بالفارسية:كبك،و هو طائر معروف.و الصنابـبالكسرـ:ادام يتخذ من الخردل و الزبيب،أو الخردل و الزيت.

46ـابن عساكر،تاريخ دمشق،ج 2:ص .112

47ـالغافر،40: .60

48ـالكنجي الشافعي،كفاية الطالب،الباب 33،ص .151

49ـالاحزاب،33: .33

50ـالمصدر،ج 3،ص .131

51ـالكنجي الشافعي،كفاية الطالب،الباب 33،ص .152

52ـابن عساكر،تاريخ دمشق،ج 2:ص .105

53ـابن عساكر،تاريخ دمشق،ج 2:ص .105

54ـاعتز:تشرف و تعظم.

55ـديوان الحميرى،ص 69،ط دار مكتبة الحياة.

56ـكفاية الطالب،الباب 46،ص .192

57ـمنهاج السنة،ج 4،ص 99،ط الرياض.أقول:و قد ينبغى جدا أن نسميه منهاج الضلالة.

58ـالمصدر.

59ـدلائل الصدق،ج 2،ص .283

60ـمنهاج السنة،ج 4،ص .99

61ـقال مصحح الكتاب:أتراه صلى الله عليه و آله أنه قال يوم خيبر:«لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله»أكان لا يعرفه حين هذا القول؟و لو كان لا يعرفه فكيف أعطى الراية عليا؟على أن قبيل هذا الكلام انما يصدر ممن يكون عارفا بالمقصود و انما يكنى به ليكون أوضح فى الدلالة،و هذا ما لا يجهله من له آدنى المام بالادب.(استادولى) .

62ـدلائل الصدق،ج 2،ص .438

63ـالبحار،ج 38،ص .358

64ـالبحار،ج 38،ص .358