الفصل 7: الإمام على عليه السلام و شجاعته

1ـعنه عليه السلام:«و الذي نفس ابن أبي طالب بيده،لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش في غير طاعة الله (1) ».

قال ابن أبي الحديد:«و اعلم،أنه عليه السلام أقسم أن القتل أهون من حتف الأنف،و ذلك على مقتضى ما منحه الله تعالى به من الشجاعة الخارقة لعادة البشر،و هو عليه السلام يحاول أن يحض أصحابه و يحرضهم ليجعل طباعهم مناسبة لطباعه و إقدامهم على الحرب مماثلا لاقدامه على عادة الامراء في تحريض جندهم و عسكرهم،و هيهات إنما هو كما قال أبو الطيب:

يكلف سيف الدولة الجيش همة 
و قد عجزت عنه الجيوش الخضارم (2)

و يطلب عند الناس ما عند نفسه‏ 
و ذلك ما لا تدعيه الضراغم (3)

ليست النفوس كلها من جوهر واحد،و لا الطباع و الأمزجة كلها من نوع واحد،و هذه خاصية توجد لمن يصطفيه الله تعالى من عباده في الأوقات المتطاولة و الدهور المتباعدة و ما اتصل بنا نحن من بعد الطوفانـفإن التواريخ من قبل الطوفان مجهولة عندناـأن أحدا أعطي من الشجاعة و الاقدام ما أعطيه هذا الرجل من جميع فرق العالم على اختلافها من الترك،و الفرس،و العرب،و الروم و غيرهم... (4) »؟

2ـقال العلامة ابن أبي جمهور الأحسائي:«روى جابر الأنصاري،قال:شهدت البصرة مع أمير المؤمنين عليه السلام و القوم قد جمعوا مع المرأة سبعين ألفا،فما رأيت منهزما إلا و هو يقول:هزمني علي،و لا مجروحا إلا يقول:جرحني علي و لا من يجود بنفسه إلا و هو يقول:قتلني علي،و لا كنت في الميمنة إلا سمعت صوت علي عليه السلام،و لا في الميسرة إلا سمعت صوت علي عليه السلام،و لقد مررت بطلحةـو هو يجود بنفسه و في صدره نبلةـو قلت له:من رماك بهذه النبلة؟فقال :علي بن أبي طالب. (5)

فقلت:يا حزب بلقيس،و يا حزب إبليس!إن عليا لم يرم بالنبل و ما بيده ألا سيفه،فقال:يا جابر!أما تنظر إليه كيف يصعد في الهواء مرة،و ينزل في الأرض اخرى،و ينزل من قبل المشرق،و مرة من قبل المغرب،و جعل المشارق و المغارب بين يديه شيئا واحدا فلا يمر بفارس إلا طعنه،و لا يلقى أحدا إلا قتله أو ضربه أو كبه بوجهه،أو قال:مت يا عدو الله،فيموت،فلا يفلت منه أحد (6) ».

3ـو قال ابن أبي الحديد في شرح قوله عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام:«لا تدعون إلى مبارزة،فإن دعيت إليها فأجب،فأن الداعي إليها باغ،و الباغي مصروع (7) »،«قدذكر عليه السلام الحكم ثم ذكر العلة،و ما سمعنا أنه عليه السلام دعا إلى مبارزة قط،و إنما كان يدعى هو بعينه أو يدعى من يبارز فيخرج إليه فيقتله،دعا بنو ربيعة بن عبد شمس بني هاشم إلى البراز يوم بدر فخرج عليه السلام فقتل الوليد،و اشترك هو و حمزة عليهما السلام في قتل عتبة،و دعا طلحة بن أبي طلحة إلى البراز يوم أحد فخرج إليه فقتله،و دعا مرحب إلى البراز يوم خيبر فخرج إليه فقتله،فأما الخرجة التي خرجها يوم الخندق إلى عمرو بن عبدود فإنها أجل من أن يقال جليلة و أعظم من أن يقال عظيمة،و ما هي إلا كما قال شيخنا أبو الهذيلـو قد سأله سائلـ:أيما أعظم منزلة عند الله،علي أم أبوبكر؟ـفقال:يا ابن أخي !و الله لمبارزة علي عمرا يوم الخندق تعدل أعمال المهاجرين و الأنصار و طاعاتهم كلها تربى عليها فضلا عن أبي بكر وحده.

و قد روي عن حذيفة بن اليمان ما يناسب هذا،بل ما هو أبلغ منه،و روى قيس بن الربيع،عن أبى هارون العبدي،عن ربيعة بن مالك السعدي قال:أتيت حذيفة بن اليمان،فقلت:يا أبا عبد الله!إن الناس يتحدثون عن علي بن أبي طالب و مناقبه فيقول لهم أهل البصرة:إنكم لتفرطون في تقريظ هذا الرجل،فهل أنت محدثى بحديث عنه أذكره للناس؟فقال:يا ربيعة!و ما الذي تسألني عن علي،و ما الذي أحدثك عنه؟و الذي نفس حذيفة بيده،لو وضع جميع أعمال أمة محمد صلى الله عليه و آله و سلم في كفة الميزان منذ بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه و آله و سلم إلى يوم الناس هذا،و وضع عمل واحد من أعمال 44 على في الكفة الاخرى،لرجح على أعمالهم كلها...و الذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من أعمال أمة محمد صلى الله عليه و آله و سلم إلى هذا اليوم و إلى أن تقوم القيامة (8) ».

4ـأورد العلامة الحجة،الآية المرعشي في«ملحقات الاحقاق»نص‏المقالات في شجاعته عليه السلام و هي:«علي أشجع الناس قلبا،علي أسد الله في أرضه،علي سيف الله في أرضه،علي قاتل الكفرة،علي صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في الدنيا و الآخرة،علي أسد الله الغالب،علي قاتل الفجرة،علي يقاتل على التأويل،علي أشجع العرب،علي قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين،ان لعلي الشجاعة و الخلافة كما أن للنبي صلى الله عليه و آله و سلم الرسالة و النبوة،ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين،لا فتى إلا علي،و لا سيف إلا ذو الفقار (9) ».

5ـقال ابن الأثير:«كانت ضربات علي مبتكرات لا عونا،أي إن ضربته كانت بكرا يقتل بواحدة منها لا يحتاج أن يعيد الضربة ثانيا،يقال:«ضربة بكر»إذا كانت قاطعة لا تثنى،و العون :جمع عوان و هي في الأصل الكهلة من النساء،و يريد بها ههنا المثناة (10) ».

و قالـأيضا:«و منه حديث علي:كان إذا تطاول قد،و إذا تقاصر قط،أي قطع طولا و قطع عرضا (11) ».

و قال أيضا:«إن عليا حمل على عسكر المشركين فما زالوا يبقطون،أي يتعادون إلى الجبل متفرقين،بقط الرجل إذا صعد الجبل،و البقط:التفرقة (12) ».

و قالـأيضا:«و في حديث عمر أنه سأل الاسقف عن الخلفاء،فحدثه حتى انتهى إلى نعت الرابع منهم فقال:«صدأ من حديد»،و يروى صدع،أراد دوام لبس الحديد لاتصال الحروب في أيام علي و ما مني به من مقاتلة الخوارج و البغاة،و ملابسة الامور المشكلة و الخطوب المعضلة،و لذلك قال عمر:«و ادفراه»تضجرا من ذلك و استفحاشا،و رواه أبو عبيد غير مهموز كأن الصدا لغة في الصدع هواللطيف الجسم،أراد أن علياـرضى الله عنهـخفيف يخف إلى الحروب و لا يكسل لشدة بأسه و شجاعته (13) ».

تعليقات:

1ـنهج البلاغة،الخطبة .122

2ـجمع خضرمـبالكسرـو هو الكبير العظيم.

3ـجمع ضرغام،و هو الأسد.

4ـابن أبي الحديد:شرح نهج البلاغة،ج 7:ص .301

5ـكذا،و التاريخ على القول بقتل مروان له.(م).

6ـالمجلى،ص .410

7ـنهج البلاغة،الخطبة .233

8ـابن أبى الحديد:شرح نهج البلاغة،ج 19:ص .60

فى«بحر المعارف»:سئل الصادق عليه السلام عن هذا،قال:«أنا من الثقلين».

9ـاحقاق الحق،ج 8:ص .319

10ـابن أثير:النهاية،ج 1:ص 149/«بكر».

11ـالمصدر،ج 4:ص 21/«قط».

12ـالمصدر،ج 1:ص 145/«بقط».

13ـابن أثير:النهاية،ج 3:ص 15/«صد».