الفصل 6: جود الإمام على عليه السلام و سخاؤه

1ـقال ابن أبي الحديد:«و أما السخاء و الجود،فحاله فيه ظاهرة،كان يصوم و يطوي و يؤثر بزاده،و فيه انزل:/و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا/ (1) .

و روى المفسرون أنه لم يكن يملك إلا أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا و بدرهم نهارا و بدرهم سرا و بدرهم علانية،فأنزل فيه:/الذين ينفقون أموالهم بالليل و النهار سرا و علانية/ (2) ،و روي عنه أنه كان يسقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة حتى مجلت يده،و يتصدق بالاجرة و يشد على بطنه حجرا.

و قال الشعبىـو قد ذكره عليه السلامـ:«كان أسخى الناس،كان على الخلق الذي يحبه الله السخاء و الجود،ما قال«لا»لسائل قط،و قال عدوه و مبغضه الذي يجتهد في وصمه و عيبه معاوية بن أبي سفيان لمحفن بن أبي محفن الضبي لما قال له:جئتك من عند أبخل الناس،فقال:«ويحك !كيف تقول إنه أبخل الناس؟(و هوالذي)لو ملك بيتا من تبر،و بيتا من تبن لأنفد تبره قبل تبنه»و هو الذي كان يكنس بيوت الأموال و يصلي فيها،و هو الذي قال:يا صفراء!و يا بيضاء،غري غيري،و هو الذي لم يخلف ميراثا و كانت الدنيا كلها بيده إلا ما كان من الشام (3) ».

2ـروى الحافظ ابن عساكر بسنده عن الأصبغ بن نباتة،عنه عليه السلام:«جاء رجل فقال:يا أمير المؤمنين!أن لي إليك حاجة فرفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك،فإن أنت قضيتها حمدت الله و شكرتك،و إن أنت لم تقضها حمدت الله و عذرتك،فقال علي:اكتب على الأرض فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجهك،فكتب:إني محتاج،فقال علي عليه السلام:علي بحلة،فاتي بها،فأخذها الرجل فلبسها،ثم أنشأ يقول:

كسوتني حلة تبلى محاسنها 
فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا

إن نلت حسن ثنائي نلت مكرمة 
و لست تبغي بما قد قلته بدلا

إن الثناء ليحيي ذكر صاحبه‏ 
كالغيث يحيي نداه (4) السهل و الجبلا

لا تزهد الدهر في زهو (5) تواقعه‏ 
فكل عبد سيجزي بالذي عملا

فقال علي عليه السلام:علي بالدنانير،فاتي بمائة دينار فدفعها إليه،فقال الأصبغ:فقلت :يا أمير المؤمنين!حلة و مائة دينار؟قال:نعم،سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول:«أنزلوا الناس منازلهم»،و هذه منزلة هذا الرجل عندي (6) ».

3ـجاء سائل إلى علي رضي الله عنه فنظر إليه و قد تغير وجهه من الحياء،فقال علي رضي الله عنه:اكتب حاجتك على الأرض حتى لا أرى ذل المسألة في وجهك،فكتب:

لم يبق لى شي‏ء يباع بدرهم‏ 
تغنيك حالة منظري عن مخبري

إلا بقية ماء وجه صنته‏ 
أن لا يباع و نعم أنت المشتري

فأمر علي رضى الله عنه بجمل يحمل ذهبا و فضة،ثم قال علي رضى الله عنه:

عاجلتنا فأتاك عاجل برنا 
فلا (7) و لو أمهلتنا لم تقتر

فخذ القليل و كن كأنك لم تبع‏ 
ما صنته و كأننا لم نشتر (8)

4ـأبو السعادات في«فضائل العترة»:«روي أن عليا عليه السلام كان يحارب رجلا من المشركين،فقال المشرك:يا ابن أبي طالب!هبني سيفك،فرماه إليه،فقال المشرك:عجبا،يا ابن أبي طالب!في مثل هذا الوقت تدفع إلي سيفك؟!فقال:يا هذا،إنك مددت يد المسألة إلى،و ليس من الكرم أن يرد السائل،فرمى الكافر نفسه إلى الأرض،و قال:هذه سيرة أهل الدين،فقبل قدمه و أسلم (9) ».

تعليقات:

1ـالدهر،76:8 و .9

2ـالبقرة،2: .274

3ـابن أبي الحديد:شرح نهج البلاغة،ج 1:ص .20

4ـالندى:العطاء.

5ـالزهو:التيه،و الكبر،و الباطل،و الكذب.

6ـتاريخ ابن عساكر،ج 3:ص .246

7ـالفل:ما ندر عن الشي‏ء.القليل.

8ـاحقاق الحق،ج 8:ص .582

9ـالمجلسي:بحار الانوار،ج 41:ص .69