الفصل 9: الإمام علي عليه السلام قوته و قدرته

1ـقال ابن أبي الحديد:«و أما القوة و الأيد،فبه يضرب المثل فيهما،قال ابن قتيبة في«المعارف» :«ما صارع أحدا قط إلا صرعه»،و هو الذي قلع باب خيبر و اجتمع عليه عصبة من الناس ليقلبوه فلم يقلبوه،و هو الذي اقتلع هبل من أعلى الكعبةـو كان عظيما كبيرا جداـو ألقاه إلى الأرض،و هو الذي اقتلع الصخرة العظيمة في أيام خلافته عليه السلام بيده بعد عجز الجيش كله عنها فأنبط الماء من تحتها (1) ».

2ـقال العلامة المجلسي رحمه الله:«و كان أبو طالب يجمع ولده،و ولد إخوته ثم يأمرهم بالصراعـو ذلك خلق في العربـفكان علي عليه السلام يحسر عن ذراعيه،و هو طفل و يصارع كبار إخوتة و صغارهم و كبار بني عمه و صغارهم فيصرعهم،فيقول أبوه:ظهر علي،فسماه ظهيرا فلما ترعرع عليه السلام كان يصارع الرجل الشديد فيصرعه،و يعلق بالجبار بيده و يجذبه فيقتله،و ربما قبض على مراق بطنه و رفعه إلى الهواء،و ربما يلحق الحصان الجاري فيصدمه فيرده على عقبيه» .

بيان:الجبار:العظيم القوي الطويل،و المراقـبتشديد القافـ:مارق من‏أسفل البطن و لان،و لا واحد له و ميمه زائدة،و الحصانـككتابـ:الفرس الذكر (2) ».

3ـعن الصادق عليه السلام في خبر:«قالت فاطمة بنت أسدـرضى الله عنهاـفشددته(يعنى عليا عليه السلام)و قمطته بقماط فنتر القماط (3) ،ثم جعلته قماطين فنترهما،ثم جعلته ثلاثة و أربعة و خمسة و ستة منها أديم (4) و حرير فجعل ينترها،ثم قال:يا اماه لا تشدي فإني أحتاج أن أبصبص (5) لربي بإصبعي (6) ».

4ـإن عليا عليه السلام رأى حية تقصده و هو في مهدهـو قد شدت يداه في حال صغرهـفحول نفسه فأخرج يده و أخذ بيمينه عنقها و غمزها غمزة حتى أدخل أصابعه فيها و أمسكها حتى ماتت،فلما رأت ذلك امه نادت و استغاثت،فاجتمع الحشم،ثم قالت:كأنك حيدرة.

أقول:حيدرة:اللبوة إذا غضبت من أذى أولادها (7) .

قال العلامة في اللغة،ابن المنظور:«و حيدرة:الأسد،قال الأزهري:قال أبو العباس أحمد بن يحيى:لم تختلف الرواة في أن هذه الأبيات لعلي ابن أبي طالبـرضوان الله عليهـ:

أنا الذي سمتني أمي حيدرة 
كليث غابات غليظ القصرة (8)

أكيلكم بالسيف كيل السندرة

و قال:السندرة،الجرأة،و رجل سندرـعلى فعللـإذا كان جريئا،و الحيدرة الأسد،قال:و السندرة :مكيال كبير،و قال ابن الأعرابي:الحيدرة في الأسد مثل الملك في الناس،قال أبو العباس :يعني لغلظ عنقه و قوة ساعديه،و منه:غلام حادر،إذا كان ممتلى‏ء البدن شديد البطش،قال :و الياء و الهاء زايدتان،زاد ابن بري في الرجز:قيل:

أكيلكم بالسيف كيل السندرة 
أضرب بالسيف رقاب الكفرة

و قال:أراد بقوله:«أنا الذي سمتني أمى الحيدرة»أنا الذي سمتني أمى أسدا،فلم يمكنه ذكر الأسد لأجل القافية فعبر بحيدرة،لأن امه لم تسمه حيدرة و إنما سمته أسدا باسم أبيها،لأنها فاطمة بنت أسد،و كان أبو طالب غائبا حين ولدته و سمته أسدا،فلما قدم كره أسدا و سماه عليا،فلما رجز علي هذا الرجز يوم خيبر سمى نفسه بما سمته به أمه.

قلت:و هذا العذر من ابن بري لا يتم له إلا أن كان الرجز أكثر من هذه الأبيات و لم يكن أيضا ابتدأ بقوله«أنا الذي سمتني أمي الحيدرة»و إلا فإذا كان هذا البيت ابتداء الرجز و كان كثيرا أو قليلا كان رضى الله عنه مخيرا في إطلاق القوافي أي حرف شاء مما يستقيم الوزن له به،كقوله:«أنا الذي سمتني أمي الأسد»،أو«أسدا»و له في هذه القافية مجال واسع،فنطقه بهذا الاسم على هذه القافية من غير قافية تقدمت يجب اتباعها و لا ضرورة صرفته إليه مما يدل أنه سمي حيدرة،و قد قال ابن الاثير:و قيل:بل سمته أمه حيدرة،و القصرة:أصل العنق (9) ».ـعن جابر الأنصاري:«إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم دفع الراية إلى علي عليه السلام في يوم خيبر بعد أن دعا له،فجعل يسرع السير و أصحابه يقولون له:ارقع(ارفق خ ل)حتى انتهى إلى الحصن فاجتذب بابه فألقاه على الأرض،ثم اجتمع منا سبعون رجلا و كان جهدهم أن أعادوا الباب (10)

6ـقال الأزري رحمه الله

و له يوم خيبر فتكات‏ 
كبرت منظرا على من رآها

يوم قال النبي إني لاعطي‏ 
رايتي ليثها و حامي حماها

فاستطالت أعناق كل فريق‏ 
ليروا أي ماجد يعطاها

فدعا أين وارث العلم و الحلم‏ 
مجير الأيام من بأساها

أين ذو النجدة الذي لو دعته‏ 
في الثريا مروعة لباها

فأتاه الوصي أرمد عين‏ 
فسقاها بريقه و شفاها

و مضى يطلب الصفوف فولت‏ 
عنه علما بأنه أمضاها

و يرى مرحبا بكف اقتدار 
أقوياء الأقدار من ضعفاها

و دحى بابها بقوة بأس‏ 
لوحمته الأفلاك منه دحاها

عائذ للموملين مجيب‏ 
سامع ما تسر من نجواها

إنما المصطفى مدينة علم‏ 
و هو الباب من أتاه أتاها

و هما مقلتا العوالم يسرا 
ها علي و أحمد بمناها

7ـقال الفخر الرازي:«إن كل من كان أكثر علما بأحوال عالم الغيب كان أقوى قلبا و أقل ضعفا،و لهذا قال علي بن أبي طالبـكرم الله وجههـ:«و الله،ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية،و لكن بقوة ربانية»،و ذلك لأن علياـكرم الله وجههـفي ذلك الوقت انقطع نظره عن عالم الأجساد و أشرقت الملائكة بأنوار عالم الكبرياء،فتقوى روحه و تشبه بجواهر الأرواح الملكية و تلألأت فيه أضواء عالم القدس و العظمة،فلا جرم حصل له من القدرة ما قدر بها على ما لم يقدر عليه غيره،و كذلك العبد إذا واظب على الطاعات بلغ إلى المقام الذي يقول الله:كنت له سمعا و بصرا،فإذا صار نور جلال الله سمعا له سمع القريب و البعيد،و إذا صار ذلك النور بصرا له رأى القريب و البعيد،و إذا صار ذلك النور يدا له قدر على التصرف في الصعب و السهل و البعيد و القريب (11) ».

8ـيقول الحكيم السبزواري رحمه الله:

و يقوي العمال فالهيولى‏ 
تنقاد خلعا شاء أو حلولا

فيقلب الهوا و يحدث المطر 
يبدى‏ء طوفانا يبيد من فجر

يطيعه العنصر طاعة الجسد 
للنفس فالكل كجسمه يعد (12) .

تعليقات:

1ـابن أبى الحديد:شرح نهج البلاغة،ج 1:ص .21

2ـالمجلسي:بحار الانوار،ج 41:ص .275

3ـالقمط:شد لشد الصبي فى المهد،و فى غير المهد،إذا ضم أعضاؤه الى جسده،ثم لف عليه القماط،و القماطـبالكسرـ:حبل يشد به الصبي فى المهد،و الخرقة العريضة التي تلفها على الصبي.و نتر الثوب نترا:شقه بأصابعه أو أضراسه(ابن المنظور:لسان العرب).

4ـالأديم:الجلد ما كان،و قيل:الاحمر،و قيل:هو المدبوغ.

5ـالبصبصة:تحريك الظبأ أذنابها،و المقصود فى الحديث تحريك الاصابع بالذكر.

6ـالمجلسي:بحار الانوار،ج 41:ص .274

7ـالمجلسي:بحار الانوار،ج 41:ص .274

8ـفي«تاريخ الامم و الملوك»:ليث بغابات شديد القسورة.

9ـابن المنظور:لسان العرب،ج 4:ص .174

10ـالمجلسي:بحار الانوار،ج 41:ص .279

11ـالفخر الرازي:التفسير الكبير،ج 21:ص .91

12ـالسبزواري:المنظومة،الفريدة الثانية فى اصول المعجزات و الكرامات.