الفصل 16: الإمام علي عليه السلام و جاهه،و قربه عند الله

1ـقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:ـفي حديثـو أيكم اليوم نفع بجاهه أخاه المؤمن؟فقال علي عليه السلام:أنا،قال:صنعت ماذا؟قال:مررت بعمار بن ياسر و قد لازمه بعض اليهود في ثلاثين درهما كانت له عليه،فقال عمار:يا أخا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم!يلازمني و لا يريد إلا إيذائي و إذلالي لمحبتي لكم أهل البيت فخلصني منه بجاهك،فأردت أن أكلم له اليهودي فقال:يا أخا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم!أنا اجلك في قلبي و عيني من أن أبذلك لهذا الكافر،و لكن اشفع لي إلى من لا يردك عن طلبه،فلو أردت جميع جوانب العالم أن يصيرها كأطراف السفرة لفعل،فاسأله أن يعينني على أداء دينه و يغنيني عن الاستدانة،فقلت :اللهم افعل ذلك به،ثم قلت له:اضرب إلى ما بين يديك من شي‏ء حجرا أو مدرا فإن الله يقلبه لك ذهبا إبريزا (1) ،فضرب يده فتناول حجرا فيه أمنان فتحول في يده ذهبا.

ثم أقبل على اليهودي فقال:و كم دينك؟قال:ثلاثون درهما،قال:فكم قيمتها من الذهب؟قال:ثلاثة دنانير،فقال عمار:اللهم بجاه من بجاهه قلبت هذا الحجرذهبا لين لي هذا الذهب لأفصل قدر حقه،فألانه الله عز و جل له،ففصل له ثلاثة مثاقيل و أعطاه،ثم جعل ينظر إليه و قال:اللهم إني سمعتك تقول:/إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى/ (2) ،و لا اريد غنى يطغيني،اللهم فأعد هذا الذهب حجرا بجاه من بجاهه جعلته ذهبا بعد أن كان حجرا فعاد حجرا،فرماه من يده و قال:حسبي من الدنيا و الآخرة موالاتي لك يا أخا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.

فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:تعجبت ملائكة السموات من فعله،و عجت إلى الله تعالى بالثناء عليه،فصلوات الله من فوق عرشه تتوالى عليه،فأبشر يا أبا اليقظان،فإنك أخو علي في ديانته،و من أفاضل أهل ولايته،و من المقتولين في محبته،تقتلك الفئة الباغية،و آخر زادك من الدنيا صاع من لبن،و يلحق روحك بأرواح محمد و آله الفاضلين،و أنت من خيار شيعتي (3) ».

2ـقال يزيد بن قعنب:«كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب و فريق من بني عبد العزى بإزاء البيت الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد،أم أمير المؤمنين عليه السلام و كانت حاملا به لتسعة أشهر،و قد أخرها الطلق،فقالت:ربي!إنى مؤمنة بك و بما جاء من عندك من رسل و كتب،إني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل عليه السلام و أنه بنى بيتك العتيق،فبحق الذي بنى هذا البيت و بحق المولود الذي في بطني لما يسرت علي ولادتي.

قال يزيد بن قعنب:فرأينا البيت قد انفتح عن ظهره،و دخلت فاطمة و غابت من أبصارنا فيه،و التزق الحائط،فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب،فلم ينفتح،فعلمنا أن ذلك أمر من الله عز و جل،ثم خرجت بعد الرابع و بيدها أمير المؤمنين علي عليه السلام،فقالت:إني فضلت على من تقدمني من النساء،لأن آسية بنت مزاحم‏عبدت الله عز و جل سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا،و أن مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطبا جنيا،و أني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة و أرزاقها،فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف:يا فاطمة!سميه عليا،فهو علي،و الله علي الأعلى يقول:إنى شققت إسمه من إسمي،و أدبته بأدبي،و أوقفته على غامض علمي،و هو الذي يكسر الأصنام في بيتي و هو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي،و يقدسني و يمجدني،فطوبى لمن أحبه و أطاعه،و ويل لمن أبغضه و عصاه (4) ».

3ـو عنه عليه السلامـفي خبر طويلـ:«و لأقولن ما لم أقله لأحد قبل هذا اليوم،سألته(يعني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم)مرة أن يدعو لي بالمغفرة،فقال:أفعل،ثم قام فصلى،فلما رفع يده للدعاء استمعت عليه فإذا هو قائل:اللهم بحق علي عندك اغفر لعلي،فقلت:يا رسول الله!ما هذا؟فقال:أو أحد أكرم منك عليه فأستشفع به إليه؟ (5) ».

4ـفي حديث طويل عن عطاء،عن ابن عباس عند موته:«اللهم إني أتقرب إليك بولاية الشيخ علي بن أبي طالب،فمازال يكررها حتى وقع إلى الأرض،فصبرنا عليه ساعة ثم أقمناه فإذا هو ميت (6) ».

5ـعن محمد بن أحمد الأنصاري،قال:«وجه قوم من المفوضة و المقصرة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد(الإمام العسكري)عليه السلام،قال كامل:فقلت في نفسي:أسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي و قال بمقالتي،قال:فلما دخلت على سيدي أبي محمد عليه السلام نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه،فقلت في نفسي:ولي الله و حجته يلبس الناعم من الثياب و يأمرنا بمواساة الإخوان،و ينهانا عن لبس مثله!فقال متبسما:يا كامل!و حسر ذراعيه فإذا مسح أسود خشن على‏جلده فقال:هذا لله،و هذا لكم.

فسلمت و جلست إلى باب عليه ستر مرخى،فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها،فقال لي:يا كامل بن إبراهيم!فاقشعررت من ذلك و الهمت أن قلت:لبيك يا سيدي،فقال:جئت إلى ولي الله و حجته و بابه تسأله:هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك،و قال بمقالتك؟فقلت:إي،و الله،قال:إذن و الله،يقل داخلها،و الله إنه ليدخلها قوم يقال لهم الحقية،قلت:يا سيدي!و من هم؟قال:قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقهـالخبر (7) ».

6ـعن الأعمش:«كان بالمدينة جارية سوداء عمياء تسقي الماء،و هي تقول:اشربوا حبا لعلي بن أبي طالب،ثم رأيتها بمكة بصيرة تسقي الماء و هي تقول:اشربوا حبا لمن رد الله علي بصري به،فسألتها عن شأنها،قالت إني رأيت رجلا قال:يا جارية!أنت مولاة لعلي بن أبي طالب و محبه؟فقلت:نعم،قال:اللهم إن كانت صادقا فرد عليها بصرها،فو الله،لقد رد الله علي بصري،فقلت :من أنت؟قال:أنا الخضر،و أنا من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام (8) ».

7ـقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«أتدري ما سمعت من الملأ الأعلى فيك ليلة اسري بى،يا علي؟سمعتهم يقسمون على الله تعالى بك،و يستقضونه حوائجهم،و يتقربون إلى الله تعالى بمحبتك،و يجعلون أشرف ما يعبدون الله به الصلاة علي و عليك،و سمعت خطيبهم في أعظم محافلهم و هو يقول:على الحاوي لأصناف الخيرات المشتمل على أنواع المكرمات،الذي قد اجتمع فيه من خصال الخير ما قد تفرق في غيره من البريات،عليه من الله تعالى الصلاة و البركات و التحيات،و سمعت‏الأملاك بحضرته و الأملاك في سائر السماوات و الحجب و العرش و الكرسي و الجنة و النار يقولون بأجمعهم عند فراغ الخطيب من قوله:آمين،اللهم و طهرنا بالصلاة عليه و على آله الطيبين (9) ».

8ـعن ابن مسعود،قال:«دخلت يوما على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقلت:يا رسول الله!عليك السلام،أرني الحق لأنظر إليه،فقال:يا عبد الله!لج المخدع (10) ،فولجت المخدع و على بن أبي طالب يصلي و هو يقول في سجوده و ركوعه:اللهم بحق محمد عبدك اغفر للخاطئين من شيعتي،فخرجت حتى اجتزت برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فرأيته يصلى و هو يقول:اللهم بحق علي عبدك اغفر للخاطئين من امتي (11) .

قال:فأخذني من ذلك الهلع العظيم،فأوجز النبي صلى الله عليه و آله و سلم في صلاته،و قال :يا ابن مسعود!أكفر بعد إيمان؟فقلت:حاشا و كلا يا رسول الله،و لكن رأيت عليا يسأل الله بك،و رأيتك تسأل الله بعلي،فلا أعلم أيكما أفضل عند الله عز و جل؟قال:اجلس يا ابن مسعود،فجلست بين يديه فقال لي:اعلم أن الله خلقني و عليا من نور قدرته قبل أن يخلق الخلق بألفي عام إذ لا تسبيح و لا تقديس،ففتق نوري فخلق منه السموات و الأرضين،و أناـو اللهـأجل من السموات و الأرضين،و فتق نور علي بن أبي طالب فخلق منه العرش و الكرسي،و علي بن أبي طالبـو اللهـأفضل من العرش و الكرسي،و فتق نور الحسن فخلق منه اللوح و القلم،و الحسنـو اللهـأفضل من اللوح و القلم.و فتق نور الحسين فخلق منه الجنان و الحور العين،و الحسينـو اللهـأفضل من الحور العين.

ثم أظلمت المشارق و المغارب،فشكت الملائكة إلى الله تعالى أن يكشف‏عنهم تلك الظلمة،فتكلم الله جل جلاله كلمة فخلق منها روحا،ثم تكلم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نورا،فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب،فهي فاطمة الزهراء و لذلك سميت الزهراء،لأن نورها زهرت به السماوات.

يا ابن مسعود!إذا كان يوم القيامة يقول الله جل جلاله لي و لعلي:أدخلا الجنة من شئتما،و أدخلا النار من شئتما،و ذلك قوله تعالى:/ألقيا في جهنم كل كفار عنيد/ (12) ،فالكافر من جحد نبوتي،و العنيد من جحد بولاية علي بن أبي طالب و عترته،و الجنة لشيعته و لمحبيه (13) ».

الاستدراك

قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في حديث:أما إن من شيعة علي عليه السلام لمن يأتي يوم القيامة و قد وضع له في كفة سيئاته من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرواسي و البحار التيارة،يقول الخلائق:هلك هذا العبد،فلا يشكون أنه من الهالكين،و في عذاب الله تعالى من الخالدين،فيأتيه النداء من قبل الله تعالى:يا أيها العبد الخاطي الجاني!هذه الذنوب الموبقات،فهل بإزائها حسنة تكافئها و تدخل جنة الله برحمة الله؟أو تزيد عليها فتدخلها بوعد الله؟يقول العبد:لا أدري،فيقول منادي ربنا عز و جل:إن ربي يقول:ناد في عرصات القيامة:ألا إني فلان بن فلان من بلد كذا و كذا،أو قرية كذا و كذا،قد رهنت بسيئات كأمثال الجبال و البحار،و لا حسنة لي بإزائها،فأي أهل هذا المحشر كانت لي عنده يد أو عارفة فليغثني بمجازاتي عنها،فهذا أوان شدة حاجتى إليها.

فينادي الرجل بذلك.فأول من يجيبه علي بن أبي طالب عليه السلام:لبيك لبيك لبيك،أيها الممتحن في محبتي،المظلوم بعداوتي.ثم يأتي هو و من معه عدد كثير و جم غفير،و إن كانوا أقل عددا من خصمائه الذين لهم قبله الظلامات،فيقول ذلك العدد:يا أمير المؤمنين،نحن إخوانه المؤمنون،كان بنا بارا،و لنا مكرما،و في معاشرته إيانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعا،و قد نزلنا له عن جميع طاعاتنا و بذلناها له،فيقول علي عليه السلام:فبماذا تدخلون جنة ربكم؟فيقولون :برحمة الله الواسعة التي لا يعدمها من والاك،و والى آلك يا أخا رسول الله.

فيأتي النداء من قبل الله تعالى:يا أخا رسول الله!هؤلاء إخوانه المؤمنون قد بذلوا له،فأنت ماذا تبذل له؟فإني أنا الحكم ما بيني و بينه من الذنوب قد غفرتها له بموالاته إياك،و ما بينه و بين عبادي من الظلامات،فلا بد من فصلي بينه و بينهم.فيقول علي عليه السلام :يا رب،أفعل ما تأمرني،فيقول الله تعالى:يا علي،اضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله،فيضمن لهم علي عليه السلام ذلك و يقول لهم:اقترحوا علي ما شئتم اعطكم عوضا من ظلاماتكم قبله .

فيقولون:يا أخا رسول الله،تجعل لنا بإزاء ظلاماتنا قبله ثواب نفس من أنفاسك ليلة بيتوتك على فراش محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،فيقول علي عليه السلام:قد وهبت ذلك لكم،فيقول الله عز و جل:فانظروا يا عبادي،الآن إلى ما نلتموه من علي فداء لصاحبه من ظلاماتكم،و يظهر لهم ثواب نفس واحد في الجنان من عجائب قصورها،و خيراتها،فيكون ذلك ما يرضي الله عز و جل به خصماء اولئك المؤمنين،ثم يريهم بعد ذلك من الدرجات و المنازل ما لا عين رأت و لا اذن سمعت،و لا خطر على قلب بشر.

يقولون:يا ربنا،هل بقي من جنانك شي‏ء؟إذا كان هذا كله لنا فأين تحل سائر عبادك المؤمنين و الأنبياء و الصديقين و الشهداء و الصالحين؟و يخيل إليهم عندذلك أن الجنة بأسرها قد جعلت لهم،فياتي النداء من قبل الله تعالى:يا عبادي،هذا ثواب نفس من أنفاس علي بن أبي طالب عليه السلام الذي اقترحتموه عليه،قد جعله لكم فخذوه،و انظروا،فيصيرون هم و هذا المؤمن الذي عوضهم علي عليه السلام في تلك الجنان،ثم يرون ما يضيفه الله عز و جل إلى ممالك علي عليه السلام في الجنان ما هو أضغاف ما بذله عن وليه الموالى له مما شاء من الأضعاف التي لا يعرفها غيره.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم (14) »المعدة لمخالفي أخي و وصيي علي بن أبي طالب عليه السلام (15) .

تعليقات:

1ـأي خالصا.

2ـالعلق،96:6 و .7

3ـالمجلسي:بحار الانوار،ج 41:ص .19

4ـالطبري:بشارة المصطفى،ص .8

5ـابن أبي الحديد:شرح نهج البلاغة،ج 20:ص .316

6ـالكنجي:كفاية الاثر،ص .21

7ـالانصاري:الانوار البهية،ص .178

8ـالقمي:سفينة البحار،ج 1:ص 391/«خضر».

9ـالمجلسي:بحار الانوار،ج 41:ص .21

10ـالمخدع:بيت داخل البيت الكبير.

11ـلا تنافي بين دعائه صلى الله عليه و آله و سلم لأمته،و دعائه عليه السلام لشيعته .لأن امته حقا هم شيعة علي عليه السلام.و يدل عليه أخبار الإرتداد بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم التي مر عليك بعضها في باب موقفه عليه السلام عند الحوض.

12ـق،50: .24

13ـالمجلسي:بحار الانوار،ج 40:ص .43

14ـالصافات، .62

15ـالمجلسي:بحار الانوار،ج 68:صص 107ـ .109