الفصل 17: الإمام علي عليه السلام و استجابة دعائه

1ـعن طلحة بن عميرة،قال:«نشد علي عليه السلام فى قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم :«من كنت مولاه»فشهد اثنا عشر رجلا من الأنصار،و أنس بن مالك في القوم لم يشهد،فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:يا أنس!قال:لبيك،قال:ما يمنعك أن تشهد و قد سمعت ما سمعوا؟قال :يا أمير المؤمنين!كبرت و نسيت،فقال أمير المؤمنين عليه السلام:اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببياض أو بوضح (1) لا تواريه العمامة،قال طلحة:فأشهد بالله لقد رأيتها بيضا بين عينيه (2) ».

2ـو في رواية جابر:«فقال لأنس:لا أماتك الله حتى يبتليك ببرص لا تغطيه العمامة...فقال جابر:و الله،لقد رأيت أنسا و قد ابتلي ببرص يغطيه بالعمامة فما تستره (3) ».

3ـعن زيد بن أرقم،قال:«نشد علي عليه السلام في المسجد فقال:أنشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه و آله و سلم يقول:«من كنت مولاه فعلى مولاه،اللهم وال من والاه،و عاد من‏عاداه»،فقام اثنا عشر بدريا،ستة من الجانب الأيمن،و ستة من الجانب الأيسر فشهدوا بذلك،فقال زيد بن أرقم:و كنت أنا فيمن سمع ذلك فكتمته فذهب الله ببصري (4) ».

4ـالوليد بن الحارث و غيره،عن رجالهم:«إن أمير المؤمنين عليه السلام لما بلغه ما فعل بسر بن أرطاة باليمن(يعني قتله ثلاثين ألفا)قال:اللهم إن بسرا قد باع دينه بالدنيا فاسلبه عقله،و لا تبق من دينه ما يستوجب به عليك رحمتك،فبقي بسر حتى اختلط،و كان يدعو بالسيف،فاتخذ له سيف من خشب،و كان يضرب به حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال:السيف السيف،فيدفع إليه فيضرب به،فلم يزل كذلك حتى مات (5) ».

5ـعن سعد الخفاف،عن زاذان أبي عمرو،قلت له:«يا زاذان!إنك لتقرأ القرآن فتحسن قراءته،فعلى من قرأت؟قال:فتبسم،ثم قال:إن أمير المؤمنين عليه السلام مربي و أنا انشد الشعر،و كان لي حلق حسن،فأعجبه صوتي،فقال:يا زاذان!فهلا بالقرآن؟قلت:يا أمير المؤمنين و كيف لي بالقرآن؟فو الله ما أقرأ منه إلا بقدر ما أصلي به،قال:فادن مني،فدنوت منه فتكلم في اذني بكلام ما عرفته و لا علمت ما يقول،ثم قال:افتح فاك،فتفل في في،فو الله ما زالت قدمي من عنده حتى حفظت القرآن بإعرابه و همزه،و ما احتجت أن أسأل عنه أحدا بعد موقفي ذلك.

قال سعد:فقصصت قصة زاذان على أبي جعفر عليه السلام قال:صدق زاذان،إن أمير المؤمنين عليه السلام دعا لزاذان بالاسم الأعظم الذي لا يرد (6) ».

6ـعن الأصبغ بن نباتة،أنه قال:كنت جالسا عند أمير المؤمنين،علي ابن ابي طالب عليه السلام و هو يقضي بين الناس إذ جاءه جماعة معهم أسود مشدودالأكتاف،فقالوا:هذا سارق يا أمير المؤمنين،فقال:يا أسود!سرقت؟قال:نعم،يا أمير المؤمنين،قال له:ثكلتك أمك،إن قلتها ثانية قطعت يدك،قال:نعم،يا مولاي،قال:ويلك انظر ماذا تقول،سرقت؟قال:نعم،يا مولاي،فعند ذلك قال عليه السلام:اقطعوا يده فقد وجب عليه القطع.

قال:فقطع يمينه،فأخذها بشماله و هي تقطر دما،فاستقبله رجل يقال له:ابن الكواء فقال:يا أسود!من قطع يمينك؟قال:قطع يميني سيد الوصيين،و قائد الغر المحجلين،و أولى الناس بالمؤمنين،علي بن أبي طالب عليه السلام،إمام الهدى،و زوج فاطمة الزهراء ابنة محمد المصطفى،أبو الحسن المجتبى،و أبو الحسين المرتضى،السابق إلى جنات النعيم،مصادم الأبطال،المنتقم من الجهال،معطي الزكاة،منيع الصيانة من هاشم القمقام،ابن عم الرسول،الهادي إلى الرشاد،و الناطق بالسداد،شجاع مكي،جحجاح و في،بطين أنزع أمين من آل حم و يس و طه و الميامين،محلي الحرمين،و مصلي القبلتين،خاتم الأوصياء،و وصي صفوة الأنبياء،القسورة الهمام،و البطل الضرغام،المؤيد بجبرائيل الأمين،و المنصور بميكائيل المبين،وصي رسول رب العالمين،المطفى‏ء نيران الموقدين،و خير من نشأ من قريش أجمعين،المحفوف بجند من السماء،علي بن أبي طالب أمير المؤمنين على رغم أنف الراغبين‏[خ ل‏]و مولى الناس أجمعين.

فعند ذلك قال له ابن الكواء:ويلك!يا أسود،قطع يمينك و أنت تثني عليه هذا الثناء كله؟ !قال:و مالي لا اثني عليه،و قد خالط حبه لحمي و دمي،و الله ما قطعني إلا بحق أوجبه الله علي،قال:فدخلت على أمير المؤمنين عليه السلام فقلت:سيدي رأيت عجبا،قال:و ما رأيت؟قال (قلتـظ):صادفت أسود قطعت يمينه و أخذها بشماله و هي تقطر دما،فقلت له:يا أسود!من قطع يمينك؟قال:سيد المؤمنينـو أعدت عليهـو أعاد علي،فقلت له:ويحك قطع يمينك و أنت تثني عليه هذا الثناء كله؟فقال:و مالي لا اثني عليه و قد خالط حبه لحمي و دمي،و الله ما قطعني إلابحق أوجبه الله علي.

قال:فالتفت أمير المؤمنين عليه السلام إلى ولده الحسن و قال:قم،هات عمك الأسود،قال:فخرج الحسن عليه السلام في طلبه فوجده في موضع يقال له«كندة»،و أتى به إلى أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال له:يا أسود!قطعت يمينك و أنت تثني علي؟فقال:يا أمير المؤمنين!و مالي لا اثني عليك و قد خالط حبك دمي و لحمي؟و الله،ما قطعت إلا بحق كان على مما ينجي من عقاب الآخرة،فقال عليه السلام:هات يدك،فناوله،فأخذها و وضعها في المواضع الذي قطعت منه،ثم غطاها بردائه،فقام و صلى عليه السلام و دعا بدعاء سمعناه يقول في آخر دعائه:آمين،ثم شال الرداء (7) و قال:اضبطي أيتها العروق كما كنت و اتصلي.

فقام الأسود و هو يقول:آمنت بالله و بمحمد رسوله و بعلي الذي رد اليد القطعاء بعد تخليتها من الزند (8) ،ثم انكب على قدميه،و قال:بأبي أنت و امي يا وارث علم النبوة».

بيان:القمقام:السيد،و كذا الجحجاح،و القسورة:الأسد،و الهمامـبالضمـ:الملك العظيم الهمة،و الضرغامـبالكسرـ:الاسد (9) .

و في رواية:«فقال:يا ابن كواء!إن محبينا لو قطعناهم إربا إربا ما ازدادوا لنا إلا حبا،و إن في أعدائنا من لو ألحقناهم السمن و العسل ما ازدادوا منا إلا بغضا (10) ».

أقول:نقل هذه القصة الفخر الرازي في تفسيره(ج 21:ص 88)ملخصا.

المستدرك

قال العلامة المجلسي رحمه الله:ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لما حملت إليه جنازة البراء بن معرور ليصلي عليه قال:أين علي بن 7.أبي طالب؟قالوا:يا رسول الله إنه ذهب فى حاجة رجل من المسلمين إلى قبا،فجلس رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لم يصل عليه،قالوا:يا رسول الله مالك لا تصلي عليه؟فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:إن الله عز و جل أمرني أن أؤخر الصلاة عليه إلى أن يحضره علي فيجعله في حل مما كلمة به بحضرة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم (11) ليجعل الله موته بهذا السم كفارة له.

فقال بعض من حضر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و شاهد الكلام الذي تكلم به البراء :يا رسول الله إنما كان مزحا مازح به عليا لم يكن منه جدا فيؤاخذه الله عز و جل بذلك،قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:لو كان ذلك منه جدا لأحبط الله تعالى أعماله كلها،و لو كان تصدق بمثل ما بين الثرى إلى العرش ذهبا و فضة،و لكنه كان مزحا و هو فى حل من ذلك إلا أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يريد أن لا يعتقد أحد منكم أن عليا عليه السلام واجد عليه فيجدد بحضرتكم إحلالا،و يستغفر له ليزيده الله عز و جل بذلك قربة و رفعة فى جنانه.فلم يلبث أن حضر علي بن أبي طالب عليه السلام فوقف قبالة الجنازة و قال:رحمك الله يا براء،فلقد كنت صواما قواما،و لقد مت في سبيل الله.

و قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:و لو كان أحد من الموتى يستغني عن صلاة رسول الله لاستغنى صاحبكم هذا بدعاء علي عليه السلام له.ثم قام فصلى عليه و دفن.فلما انصرف وقعد في العزاء قال:أنتم يا أولياء البراء بالتهنية أولى منكم بالتعزية،لأن صاحبكم‏عقد له في الحجب قباب من السماء الدنيا إلى السماء السابعة،و بالحجب كلها إلى الكرسي إلى ساق العرش لروحه التي عرج بها فيها،ثم ذهب بها إلى ابض الجنان و تلقاها كل من كان فيها من خزانها،و اطلع إليه كل من كان فيها من حور حسانها،فقالوا بأجمعهم له:طوباك طوباك يا روح البراء،انتظر عليك رسول الله عليا صلوات الله و سلامه عليهما و آلهما الكرامـحتى ترحم عليك علي و استغفر لك،أما إن حملة عرش ربنا حدثونا عن ربنا أنه قال:يا عبدي الميت في سبيلي،لو كان عليك من الذنوب بعدد الحصى و الثرى و قطر المطر و ورق الشجر و عدد شعور الحيوانات و لحظاتهم و أنفاسهم و حركاتهم و سكناتهم لكانت مغفورة بدعاء علي عليه السلام لك.

قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:فتعرضوا عباد الله لدعاء علي لكم،و لا تتعرضوا لدعاء علي عليكم.فإن من دعا عليه أهلكه الله و لو كانت حسناته عدد ما خلق الله،كما أن من دعا له أسعده الله و لو كانت سيئاته بعدد ما خلق الله. (12)

تعليقات:

1ـالوضح:البياض من كل شي‏ء.

2ـالمجلسي:بحار الانوار،ج 41:ص 204 و .206

3ـالمصدر.

4ـالمجلسي:بحار الانوار،ج 41:ص 205،204 و .195

5ـالمصدر.

6ـالمصدر.

7ـأى رفعها.

8ـكذا،و الظاهر أن الخبر مدخول لأن القطع من الأصابع لا الزند.

9ـالمجلسي:بحار الانوار،ج 40:ص .281

10ـالمجلسي:بحار الانوار،ج 41:ص .210

11ـو الكلام هو أن البراء حين أتي رسول الله إليه الزراع المسمومة و تناول قبل صلى الله عليه و آله و سلم لقمة و قال علي عليه السلام له:يا براء لا تتقدم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلمـقال:يا علي كأنك تبخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم؟!فقال علي عليه السلام:ما ابخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لكني ابجله و أوقرة،ليس لي و لا لك و لا لأحد من خلق الله أن يتقدم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بقول و لا فعل و لا أكل و لا شرب.

12ـبحار الانوار 17/320ـ .321