الفصل 18: الإمام علي عليه السلام و مروءته

1ـقال ابن أبي الحديد:«و لما ملك عسكر معاوية عليه الماء و أحاطوا بشريعة الفرات و قالت رؤساء الشام له:اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشا،سألهم علي عليه السلام و أصحابه أن يسوغوا لهم شرب الماء فقالوا:لا و الله،و لا قطرة حتى تموت ظمأ كما مات ابن عفان،فلما رأى عليه السلام أنه الموت لا محالة تقدم بأصحابه و حمل على عساكر معاوية حملات كثيفة حتى أزالهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع سقطت منه الرؤوس و الأيدي،و ملكوا عليهم الماء،و صار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم،فقال له أصحابه و شيعته:امنعهم الماء يا أمير المؤمنين،كما منعوك،و لا تسقهم منه قطرة،و اقتلهم بسيوف العطش،و خذهم قبضا بالأيدي فلا حاجة لك إلى الحرب،فقال:لا و الله،لا اكافئهم بمثل فعلهم،افسحوا لهم عن بعض الشريعة،ففي حد السيف ما يغني عن ذلك (1) ».

ملكنا فكان العفو منا سجية 
فلما ملكتم سال بالدم أبطح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا 
فكل إناء بالذي فيه ينضح

قال العلامة الديار بكري:«روي أن عليا لما قتل عمرا لم يسلبه،فجاءت اخت عمرو حتى قامت عليه،فلما رأته غير مسلوب سلبه قالت:ما قتله إلا كفؤ كريم،ثم سألت عن قاتله،قالوا:علي بن أبي طالب،فأنشأت هذين البيتين:

لو كان قاتل عمرو غير قاتله‏ 
لكنت أبكي عليه آخر الآبد

لكن قاتله من لا يعاب به‏ 
من كان يدعى قديما بيضة البلد (2) .

تعليقات:

1ـابن أبي الحديد:شرح نهج البلاغة،ج 1:ص .23

2ـالديار بكري:تاريخ الخميس،ج 1:ص 488.و قال ابن المنظور في«اللسان»:«بيضة البلد علي بن أبي طالبـسلام الله عليهـ،أى أنه فرد ليس مثله فى الشرف كالبيضة التي تريكة وحدها ليس معها غيرها،و اذا ذم الرجل فقيل:هو بيضة البلد،أرادوا هو منفرد لا ناصر له».