الفصل 23: الإمام علي عليه السلام و عدله

كان منهجه عليه السلام فى العدل كمنهج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن لم نقل إنه عينه لقوله صلى الله عليه و آله و سلم:«كفي و كف علي في العدل سواء (1) »و«يدي و يد علي بن أبي طالب في العدل سواء (2) »و«إنه أوفاكم بعهد الله تعالى،و أقومكم بأمر الله،و أعدلكم فى الرعية،و أقسمكم بالسوية،و أعظمكم عند الله مزية (3) ».

و لقوله عليه السلام:«و الله،لأن أبيت على حسك السعدان مسهدا،أو اجر في الأغلال مصفدا أحب إلي من ألقى الله و رسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد،و غاصبا لشي‏ء من الحطام ...و الله،لو اعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصى الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته (4) ».

و قوله عليه السلام:«من نصب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره،و ليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه،و معلم نفسه و مؤدبها أحق بالإجلال من‏معلم الناس و مؤدبهم (5) ».

و قوله عليه السلام:«إني و الله،ما أحثكم على طاعة إلا و أسبقكم إليها،و لا أنهاكم عن معصية،إلا و أتناهى قبلكم عنها (6) ».

و قوله عليه السلام في صفة خصومه:«و قد أرعدوا و أبرقوا،و مع هذين الأمرين الفشل،و لسنا نرعد حتى نوقع،و لا نسيل حتى نمطر (7) ».

فهلم معي حتى ننظر إلى نماذج من عدله عليه السلام ليطابق القول الفعل،و الدعوى العمل .

1ـقال ابن أبي الحديد:«عن ابن عباسـرضي الله عنهـأن عليا عليه السلام خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة فقال:«ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان،و كل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال،فإن الحق القديم لا يبطله شي‏ء،و لو وجدته قد تزوج به النساء،و فرق في البلدان لرددته إلى حاله،فأن في العدل سعة،و من ضاق عليه الحق فالجور عليه أضيق» .

قال الكلبي:ثم أمر عليه السلام بكل سلاح وجد لعثمان في داره مما تقوى به على المسلمين فقبض...،و أمر بقبض سيفه و درعه،و أمر أن لا يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمين،و بالكف عن جميع أمواله التي وجدت في داره و غير داره،و أمر أن ترجع الأموال التي أجاز بها عثمان حيث اصيب أو أصيب أصحابها،فبلغ ذلك عمرو بن العاصـو كان بأيلة من أرض الشام أتاها حيث وثب الناس على عثمان فنزلهاـفكتب إلى معاوية:ما كنت صانعا فاصنع إذ قشرك‏ابن أبي طالب من كل مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها (8) ».

2ـو قالـأيضا:«قال أبو جعفرـالمعروف بالإسكافيـ(المتوفى سنة 240):لما اجتمعت الصحابة في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بعد قتل عثمان للنظر في أمر الإمامة أشار أبو الهيثم بن التيهان،و رفاعة بن رافع،و مالك بن العجلان،و أبو أيوب الأنصاري،و عمار بن ياسر بعلي عليه السلام،و ذكروا فضله و سابقته و جهاده و قرابته،فأجابهم الناس إليه،فقام كل واحد منهم خطيبا يذكر فضل علي عليه السلام،فمنهم من فضله على أهل عصره خاصة،و منهم من فضله على المسلمين كلهم كافة.

ثم بويع و صعد المنبر في اليوم الثاني من يوم البيعةـو هو يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقين من ذي الحجةـ،فحمد الله و أثنى عليه،ثم ذكر محمدا فصلى عليه،ثم ذكر نعمة الله على أهل الإسلامـإلى أن قال عليه السلام:ـ«و أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم،و لا يحمل هذا الأمر إلا أهل الصبر و البصر و العلم بمواقع الأمر،و إني حاملكم على منهج نبيكم صلى الله عليه و آله و سلم،و منفذ فيكم ما امرت به إن استقمتم لي و بالله،المستعان،ألا إن موضعي من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بعد وفاته كموضعي منه أيام حياته...

ألا لا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار،و فجروا الأنهار،و ركبوا الخيول الفارهة،و اتخذوا الوصائف الروقة فصار ذلك عليهم عارا و شنارا إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه،و أصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون،فينقمون ذلك و يستنكرون و يقولون :حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا،ألا و أيما رجل من المهاجرين و الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يرى أن الفضل له على من سواه لصحبته فإن الفضل النير غدا عند الله،و ثوابه و أجره على الله.

و أيما رجل استجاب لله و للرسول،فصدق ملتنا،و دخل في ديننا،و استقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام و حدوده، فأنتم عباد الله، و المال مال الله،يقسم بينكم بالسوية،لا فضل فيه لأحد على أحد،و للمتقين عند الله غدا أحسن الجزاء و أفضل الثواب،لم يجعل الله الدنيا للمتقين أجرا و لا ثوابا،و ما عند الله خير للأبرار،و إذا كان غداـإن شاء اللهـفاغدوا علينا،فإن عندنا مالا نقسمه فيكم،و لا يتخلفن أحد منكم عربي و لا عجمي،كان من أهل العطاء أو لم يكن إلا يكن إلا حضر إذا كان مسلما حرا،أقول قولي هذا،و أستغفر الله لي و لكم،ثم نزل.

قال شيخنا أبو جعفر:«و كان هذا أول ما أنكروه من كلامه عليه السلام،و أورثهم الضغن عليه،و كرهوا إعطاءه و قسمه بالسوية،فلما كان من الغد غدا،و غدا الناس لقبض المال،فقال لعبيد الله بن أبي رافع كاتبه:ابدأ بالمهاجرين فنادهم و أعط كل رجل ممن حضر ثلاثة دنانير،ثم ثن بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك،و من يحضر من الناس كلهم الأحمر و الأسود فاصنع به مثل ذلك».

فقال سهل بن حنيف:«يا أمير المؤمنين!هذا غلامي بالأمس،و قد أعتقته اليوم،فقال:نعطيه كما نعطيك،فأعطى كل واحد منهما ثلاثد دنانير،و لم يفضل أحدا على أحد (9) ».

3ـقال العلامة الفيض الكاشاني رحمه الله:«خطب أمير المؤمنين عليه السلام فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:أيها الناس!إن آدم لم يلد عبدا و لا أمة،و إن الناس كلهم أحرار،و لكن الله خول بعضكم بعضا،فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمن به على الله تعالى،ألا و قد حضر شي‏ء و نحن مسوون فيه بين الأسود و الأحمر،فقال مروان لطلحة و الزبير:ما أراد بهذا غيركما،قال:فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير،و أعطى رجلا من الأنصار ثلاثة دنانير،و جاء بعد غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير،فقال الأنصاري:يا أمير المؤمنين!هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلنى و إياه سواء؟فقال:إني نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا (10) ».

4ـقال العلامة المجلسي رحمه الله:«عن محمد بن إبراهيم النوفلي رفعه إلى جعفر بن محمد عليهما السلام أنه ذكر عن آبائه عليهم السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب إلى عماله:أدقوا أقلامكم،و قاربوا بين سطوركم،و احذفوا عني فضولكم،و اقتصدوا قصد المعاني،و إياكم و الإكثار،فإن أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار (11) ».

5ـو قال:«قال علي بن أبي طالب عليه السلام:احاج الناس يوم القيامة بسبع:إقامة الصلاة،و إيتاء الزكاة،و الأمر بالمعروف،و النهي عن المنكر،و القسم بالسوية،و العدل في الرعية،و إقام الحدود (12) ».

6ـو قال:«عن هلال بن مسلم الجحدري؟،قال:سمعت جدي حرة[أو حوة]قال:شهدت على بن أبي طالب عليه السلام اتي بمال عند المساء،فقال:اقسموا هذا المال،فقالوا:قد أمسينا يا أمير المؤمنين،فأخره إلى غد،فقال لهم:تقبلون أن أعيش إلى غد؟فقالوا:ماذا بأيدينا؟قال:فلا تؤخروه حتى تقسموه،فأتي بشمع فقسموا ذلك المال من تحت ليلتهم (13) ».

7ـو قال:«دخل عليه عمرو بن العاص ليلة و هو في بيت المال،فطفى‏ء السراج و جلس في ضوء القمر،و لم يستحل أن يجلس في الضؤء بغير استحقاق (14) ».

8ـو قال:«عن أبي مخنف الأزدي قال:أتى أمير المؤمنين عليه السلام رهط من الشيعة،فقالوا :يا أمير المؤمنين!لو أخرجت هذه الأموال ففرقتها في هؤلاء الرؤساء و الأشراف،و فضلتهم علينا حتى إذا استوسقت الأمور عدت إلى أفضل ما عودك‏الله من القسم بالسوية و العدل في الرعية،فقال أمير المؤمنين عليه السلام:و يحكم!أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الإسلام؟لا و الله،لا يكون ذلك ما سمر السمير،و ما رأيت في السماء نجما،و الله،لو كانت أموالهم مالي لساويت بينهم،فكيف و إنما هي أموالهم... (15) ».

9ـو قال:اتي علي بمال من إصفهان،و كان أهل الكوفة أسباعا،فقسمه سبعة أسباع،فوجد فيه رغيفا فكسره بسبعة كسر،ثم جعل على كل جزء كسرة،ثم دعا امراء الأسباع فأقرع بينهم (16) ».

أقول:قال الحافظ ابن عبد البر في«الإستيعاب»ـبعد ذكره قصة الرغيف و كسره:«و أخباره في مثل هذا من سيرته لا يحيط بها كتاب (17) ».

10ـو قال:«عن أبي عبد الله عليه السلام قال:لما ولي علي عليه السلام صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:إني و الله،لا أرزؤكم من فيئكم درهما ما قام لي عذق بيثرب،فلتصدقكم أنفسكم أفتروني مانعا نفسي و معطيكم؟قال:فقام إليه عقيلـكرم الله وجههـفقال له:الله لتجعلني و أسود بالمدينة سواء؟فقال:اجلس،أما كان ههنا أحد يتكلم غيرك؟و ما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى (18) ».

11ـو قال:«روى أبو إسحاق الهمداني:أن امرأتين أتتا عليا عليه السلام،إحداهما من العرب و الاخرى من الموالي،فسألتاه،فدفع إليهما دراهم و طعاما بالسواء،فقالت إحداهما:إني امرأة من العرب و هذه من العجم؟فقال:إني و الله،لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفي‏ء فضلا على بني إسحاق (19) ».ـقال المولى صالح الكشفي الحنفي:«كان أمير المؤمنين علي عليه السلام دخل ليلة في بيت المال يكتب قسمة الأموال،فورد عليه طلحة و الزبير،فأطفأ عليه السلام السراج الذي بين يديه،و أمر بإحضار سراج آخر من بيته،فسألاه عن ذلك فقال عليه السلام:كان زيته من بيت المال لا ينبغي أن نصاحبكم في ضوئه (20) ».

13ـقال أمير المؤمنين عليه السلام:«و الله،لقد رأيت عقيلا،و قد أملق حتى استماحني من بركم صاعا،و رأيت صبيانه شعث الشعور،غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم،و عاودني مؤكدا،و كرر علي القول مرددا،فأصغيت إليه سمعي،فظن أني أبيعه ديني،و أتبع قياده مفارقا طريقتي فأحميت له حديدة،ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها،فضج ضجيج ذي دنف من ألمها،و كاد أن يحترق من ميسمها،فقلت له:ثكلتك الثواكل،يا عقيل!أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه،و تجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه،أتئن من الأذى و لا أئن من لظى؟ (21) ».

قال عبده في شرحه:«عقيل:أخوه،و أملق:افتقر أشد الفقر،و استماحني:استعطاني،و البر:القمح،و شعث:جمع أشعث و هو من الشعر المتلبد بالوسخ،و الغبرـبضم الغينـجمع أغبر:متغير اللون،و العظلمـكزبرجـ:سواد يصبغ به،قيل:هو النيلج،أي النيلة،القياد:ما يقادبه كالزمام،الدنفـبالتحريكـ :المرض،و الميسمـبكسر الميم و فتح السينـ:المكواة،و ثكل،كفرح:أصاب ثكلاـبالضمـو هو فقدان الحبيب أو خاص بالولد،و الثواكل:النساء،دعاء عليه بالموت لتألمه من نار ضعيفة الحرارة،و طلبه عملا و هو تناول شي‏ء من بيت المال زيادة عن المفروض له يوجب الوقوع في نار سجرهاـاي أضرمهاـالجبار،و هوالله،للانتقام ممن أعطاه،و لظى اسم جهنم».

أقول:هكذا كان تصلبه عليه السلام في الله تعالى،و أداؤه الأمانة التي استأمن الله الولاة عليها.نعم،إن هذا العمل لثقيل على كل إنسان لا مسحة له بالعدل فإنه أوسع الأشياء في التناصف،إنه عليه السلام عمل هذه الوتيرة ليحمل الناس،لا سيما الولاة و القضاة على أن يتخذوا طريقه،و يحذوا حذوه في تحقيق العدل و التسوية بين الناس،حتى لا يهملوا قريبا أو بعيدا،صغيرا أو كبيرا.

صلى الإله على جسم تضمنه قبر 
فأصبح فيه العدل مدفونا

و هذه السيرة المرضية قد اتخذها من نبيه و اسوته صلى الله عليه و آله و سلم فقد ورد في الخبرـكما«في من لا يحضره الفقيه»و«صحيح البخاري»و مسلم و سنن أبي داود،و اللفظ لهـ :«عن أمير المؤمنين عليه السلام،أنه قال لابن أعبد:ألا احدثك عني و عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلمـو كانت من أحب أهله إليهـو كانت عندي؟قال:بلى،قال:إنها جرت بالرحى حتى أثرت في يدها،و استقت بالقربة حتى أثرت في نحرها،و كنست البيت حتى اغبرت ثيابها،فأتى النبي خدمـيعني سبيـ،فقلت:لو أتيت أباك فسألته خادما،فأتته فوجدت عنده حداثا فرجعت،فأتاها من الغد فقال:ما كان حاجتك؟فسكتت،فقلت:أنا احدثك يا رسول الله،جرت بالرحى حتى أثرت في يدها،و حملت القربة حتى أثرت في نحرها،فلما أن جاء الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمك خادما يقيها حر ماهي فيه.

قال صلى الله عليه و آله و سلم:اتقى الله،يا فاطمة!و أدى فريضة ربك،اعملي عمل أهلك،و إذا أخذت مضجعك فسبحي ثلاثا و ثلاثين،و احمدي ثلاثا و ثلاثين،و كبري أربعا و ثلاثين،فتلك مائة،فهو خير لك من خادم،قالت:رضيت عن الله و عن رسوله.و زاد في رواية:«و لم يخدمها» .

أقول:و قد أفاد الفاضل المحقق،محشي من لا يحضره الفقيه ما يعجبني ذكره‏و إيراده هنا،و إليك نصه:«فقف،أيها القارى‏ء الكريم!و تأمل جيدا في هذا الخبر الشريف المجمع عليه،فإن بضعة المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم و قرة عينه الوحيدة تطلب منه من السبي و الغنائم خادما ليعينها في مهام منزلها،و يزيل عنها شيئا من تعبها،و هو سلطان نافذ الكلمة،وراع مسيطر في وقته،بيده الأموال بل النفوس،و له القدرة بأعظم مظاهرها بحيث يقول ناعته:لم أر قبله و لا بعده مثله،مع ذلك كله يأمر ابنته الوحيدة،و فلذة كبده الفريدة بالتقوى،و القيام بواجب بيتها،و الاكثار من ذكر ربها،و لم يرض أن يعطيها من بيت مال المسلمين خادما،و قالـصلى الله عليه و عليهما:ألا اعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟(كما في الخبر الوارد في متن الفقيه)،فتجيب المعصومة عليها السلام طائعة مشعوفة مختارة:«رضيت عن الله و رضيت عن رسوله»،فخذها مثالا يلمسك الحقيقة جدا في معرفة من حذا حذو الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و من مال عن طريقته و نأى بجانبه و حاد عن سنته ممن يدعي الخلافة بعده،فرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هو الإمام المتبع فعله،و الرئيس المقتفى أثره.

هذا علي بن أبي طالب عليه السلام ترك التفضيل لنفسه و ولده على أحد من أهل الإسلام،دخلت عليه اخته ام هاني بنت أبي طالب فدفع إليها عشرين درهما،فسألت ام هاني مولاتها العجمية،فقالت :كم دفع إليك أمير المؤمنين؟فقالت عشرين درهما،فانصرفت مسخطة،فقال لها:انصرفيـرحمك اللهـما وجدنا في كتاب الله فضلا لإسماعيل على إسحاق.

و بعث إليه من البصرة من غوص البحر بتحفة لا يدرى ما قيمتها،فقالت ابنته ام كلثوم:أتجمل به و يكون في عنقي؟فقال:يا أبا رافع!أدخله إلى بيت المال،ليس إلى ذلك سبيل حتى لا يبقى امرأة من المسلمين إلا و لها مثل ذلك.

ثم ذكر خطبته على المهاجرين و الأنصار،و كلامه مع عقيل،ثم قال:و هذا ابن عفان أعطى سعد بن أبي سرح أخاه من الرضاعة جميع ما أفاء الله عليه من فتح إفريقية بالمغرب،و هي طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحدا من‏المسلمين،و أعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف،و أتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة فقسمها كلها في بني اميةـذلك كله في شرح ابن أبي الحديد (22) و سعد بن أبي سرح هذا هو الذي أباح رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم دمه يوم الفتح كما في«سنن أبي داود»و«أنساب الأشراف للبلاذري»،و في بعض المصادر عبد الله بن أبي سرح،و بالجملة هاتان السيرتان مقياسان لمن يروم معرفة المحق و المبطل ممن كان بيده بيت المال (23) ».

أقول:و إذا بلغ الكلام إلى المقايسةـو إن كان قياسا بغير قياسـفلا بأس بنقل بعض مظالم الخلفاء و تعديهم في بيت مال المسلمين مما نقله رواتهم و محدثوهم،قال ابن أبي الحديد :«عثمان بن عفان بن أبي العاص بن امية بن عبد شمس بن عبد مناف،كنيته أبو عمرو،و امه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حنين بن عبد شمس،بايعه الناس بعد انقضاء الشورى و استقرار الأمر له،و صحت فيه فراسة عمر فإنه أو طألبني امية رقاب الناس،و ولاهم الولايات،و أقطعهم القطائع،و افتتحت إفريقية في أيامه،فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان،فقال عبد الرحمن بن حنبل الحملى :

أحلف بالله رب الأنام‏ 
ما ترك الله شيئا سدى

و لكن خلقت لنا فتنة 
لكي نبتلى بك أو تبتلى

فإن الأمينين قد بينا 
منار الطريق عليه الهدى

فما أخذا درهما غلية 
و لا جعلا درهما في هوى

و أعطيت مروان خمس البلاد 
فهيهات سعيك ممن سعى

الأمينان:أبو بكر و عمر،و طلب منه عبد الله بن خالد بن أسيد صلة فأعطاه أربعةآلاف درهم،و أعاد الحكم بن أبي العاص بعد أن كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قد سيره ثم لم يرده أبو بكر و لا عمر،و أعطاه مائة ألف درهم،و تصدق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بموضع سوق بالمدينة يعرف بمهزور (24) على المسلمين فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم،و أقطع مروان فدك و قد كانت فاطمة عليها السلام طلبتها بعد وفاة أبيهاـصلوات الله عليهماـتارة بالميراث،و تارة بالنحلة فدفعت عنها،و حمى المراعي حول المدينة كلها من مواشي المسلمين كلهم إلا عن بني امية،و أعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح إفريقية بالمغرب و هي من طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحدا من المسلمين،و أعطى أبا سفيان بن الحرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال،و قد كان زوجه ابنته ام أبان

و جاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح فوضعها بين يدي عثمان و بكى،فقال عثمان :أتبكي أن وصلت رحمي؟قال:لا،و لكن أبكي لأني أظنك أنك أخذت هذا المال عوضا عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،و الله،لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا!فقال:ألق المفاتيح يا ابن أرقم!فإنا سنجد غيرك.و أتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة فقسمها كلها في بني امية،و أنكح الحارث بن الحكم ابنته عائشة فأعطاه مائة ألف من بيت المال... (25) ».

صحيفة من نماذج الفوضي في مال الله

صورة متخذة من أعطيات الخليفة و الكنوز العامرة ببركته

الدينار/الاعلام

500000/مروان

100000/ابن ابى سرح

200000/طلحة

2560000/عبد الرحمن

500000/يعلى بن امية

100000/زيد بن ثابت

150000/اختص به نفسه

200000/اختص به نفسه

4310000/الجمع

أربعة ملايين و ثلاثمائة و عشرة آلاف دينار اقرأ و لا تنس قول مولانا أمير المؤمنين فيه:قام نافجا حضنيه بين نثيله و معتلفه،و قام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع.

و قوله الآتي بعيد هذا (26) :ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان،و كل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال (27) .

الدرهم/الاعلام

300000/الحكم

2020000/آل الحكم

300000/الحارث

100000/سعيد

100000/الوليد

300000/عبد الله

600000/عبد الله

200000/ابو سفيان

100000/مروان

2200000/طلحة

30000000/طلحة

59800000/الزبير

250000/سعد بن ابى وقاص

30500000/اختص به نفسه

126770000/المجموع

مائة و ستة و عشرون ميليونا و سبعمائة و سبعون ألف درهم.

14ـقال الشيخ المفيد رحمه الله:«قدم أمير المؤمنين،علي بن أبي طالب عليه السلام من البصرة إلى الكوفة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب فأقبل حتى صعد المنبر،فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:أما بعد،فالحمد لله الذي نصر وليه،و خذل عدوه،و أعز الصادق المحق،و أذل الكاذب المبطل،عليكم يا أهل هذا المصر بتقوى الله،و طاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم‏[صلى الله عليه و آله و سلم‏]،الذين هم أولى بطاعتكم فيما أطاعوا الله فيه من المنتحلين المدعين المقابلين إلينا،يتفضلون بفضلنا و يجاحدونا،و ينازعونا حقنا و يدفعونا عنه،و قد ذاقوا و بال ما اجترحوا فسوف يلقون غيا،إنه قد قعد عن نصرتي رجال منكم فأنا عليهم عاتب زار (28) ،فاهجروهم،أسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا أو نرى منهم ما نرضى.

فقام إليه مالك بن حبيب التميمي اليربوعيـو كان صاحب شرطتهـفقال:و الله،إني لأرى الهجر و إسماع المكروه لهم قليلا،و الله،لئن أمرتنا لنقتلنهم.فقال له أمير المؤمنين عليه السلام :يا مالك!جزت المدى،و عدوت الحد،و أغرق في النزع (29) .فقال:يا أمير المؤمنين.

لبعض الغشم أبلغ في أمور 
تنوبك (30) من مهادنة الأعادي

فقال أمير المؤمنين عليه السلام:ليس هكذا قضى الله يا مال،قال الله تعالى:النفس بالنفس (31) فما بال بعض الغشم؟و قال الله سبحانه:و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا (32) .فقام إليه أبو بردة بن عوف الأزديـو كان عثمانيا تخلف عنه يوم الجمل و حضر معه صفين على ضعف نية في نصرتهـفقال:يا أمير المؤمنين!أرأيت القتلى حول عائشة و طلحة و الزبير بم قتلوا؟فقال أمير المؤمنين عليه السلام:بما قتلوا شيعتي و عمالي،و بقتلهم أخا ربيعة العبدي رحمه الله في عصابة من المسلمين،قالوا:لا ننكث البيعة(كما نكثتم)،و لا نغدر كما غدرتم،فوثبوا عليهم فقتلوهم ظلما و عدوانا،فسألتهم أن يدفعوا إلي قتلة إخواني منهم أقتلهم بهم،ثم كتاب الله حكم بيني و بينهم،فأبوا علي و قاتلوني و في أعناقهم بيعتي و دماء نحو ألف من شيعتي فقتلتهم بذلك،أفي شك أنت من ذلك؟فقال:قد كنت في شك،فأما الآن فقد عرفت،و استبان لي خطأ القوم،فإنك أنت المهتدي المصيب.

ثم إن عليا عليه السلام تهيأ لينزل،فقام رجال ليتكلموا،فلما رأوه قد نزل جلسوا و لم يتكلموا.قال أبو الكنود:و كان أبو بردة مع حضوره صفين ينافق أمير المؤمنين عليه السلام و يكاتب معاوية سرا،فلما ظهر معاوية أقطعه قطيعة بالفلوجة (33) ،و كان عليه كريما.

ذكرها الشيخ المفيد في أماليه و نقلنا منه.

تعليقات:

.1 ابن المغازلى:مناقب علي بن ابى طالب،ص 129 و .130

.2 ابن المغازلى:مناقب علي بن ابى طالب،ص 129 و .130

.3 الحمويني:فرائد السمطين،ج 1:ص .176

.4 نهج البلاغة،خ 224.و السعدان:نبت له شوك.و مسهدا:ساهرا أرقا.و مصفدا:مقيدا.

.5 نهج البلاغة،خ .73

.6 المصدر،خ .175

.7 المصدر،خ 9.قال عبده:و اذا أمطرنا أسلنا،أما اولئك الذين يقولون:نفعل و نفعل،و ما هم بفاعلين،فهم بمنزلة من يسيل قبل المطر،و هو محال غير موجود،فهم كالاعدام فيما به يوعدون.

.8 ابن ابى الحديد:شرح نهج البلاغة،ج 1:ص .269

.9 ابن أبى الحديد:شرح نهج البلاغة،ج 7:ص .36

.10 القاساني:الوافى،ج 3/الجزء 14:ص 20 الى 38 و .107

.11 المجلسى:بحار الأنوار،ج 41:ص .105

.12 المجلسي:بحار الأنوار،ج 41:ص .107

.13 المجلسي:بحار الأنوار،ج 41:ص .116

.14 المجلسي:بحار الأنوار،ج 41:ص .122

.15 المجلسي:بحار الأنوار،ج 41:ص .118

.16 المجلسي:بحار الأنوار،ج 41:ص 116،122 و .118

.17 المجلسي:بحار الأنوار،ج 41:ص 116،122 و .118

.18 هاشمى الإصابة،ج 3:ص 49،ط مصر.

.19 المجلسي:بحار الأنوار،ج 41:ص .137

.20 المناقب المرتضوية،ص .365

.21 نهج البلاغة،خ .222

.22 ابن ابى الحديد:شرح النهج،ج 1:ص 67ـمن طبعه الذي كمل في أربعة مجلد.

.23 هامش من لا يحضره الفقيه،ج 1:صص 324ـ322،طبع مكتبة الصدوق.

.24 كذا في«شرح النهج»،و في«معجم الادباء»للحموي:«وادى مهزور»و قال:بفتح أوله و سكون ثانيه ثم زاء و واو ساكنة و راء.و مهزور و مذينب و اديان يسيلان بماء المطر خاصة،و قال :قال أبو عبيد:مهزور وادى قريظة.

.25 ابن ابى الحديد:شرح نهج البلاغة،ج 1:ص .198

.26 قد تقدم آنفا من كتابنا هذا.

.27 الاميني:الغدير،ج 8:ص .286

.28 عتب عليه:وجد عليه موجدة و أنكر منه شيئا من فعله،وزرى عمله عليه:عابه عليه و عاتبه .

.29 المدى:الغاية،و في بعض النسخ:«و عدوت الحق».و أغرق النازع في القوس:استوفى مدها،و النزع:الرمى،و الكلام يقال لمن بالغ فى الشى‏ء.

.30 من ناية الامر أى أصابه.و المراد أن اعمال بعض الظلم على الاعداء و المخالفين في امور تصيبك و تزلزل اركان حكومتك و يصدك عن النيل بالمقصود الحق أبلغ الى المراد من المهادنة و الرفق و كف التضييق عليهم.

.31 و فى بعض نسخ الحديث:«فما بال ذكر الغشم»أجاب عليه السلام بأن المقصود مهما عظم و تقدس لا يسوغ الظلم و التعدى فى سبيل نيله و لا يوجهه مهما قل و صغر،بل يكون خلاف المقصود و انما لنا المشى على مهيع الحق فان نلنا فهو،و إلا لم يكن بنا بأس و ما على الرسول إلا البلاغ المبين و الآية في المائدة،5: .45

.32 الاسراء،17:33.زاد في«شرح النهج»الحديدى هنا نقلا عن نصر بن مزاحم:«و الإسراف فى القتل أن تقتل غير قاتلك فقد نهى الله عنه،و ذلك هو الغشم».

.33 أقطع الأمير فلانا قطيعة:جعل له غلة أرض رزقا له.و الفلوجة كما فى«المراصد الأطلاع»ـبالفتح ثم التشديد و واو ساكنة و جيمـقال الليث:فلا ليج السواد:قراها.و الفلوجة الكبرى و الفلوجة الصغرى:قريتان كبيرتان من سواد بغداد و الكوفة قرب عين التمر.قلت:و المشهور هي هذه التي على شاطى‏ء الفرات،عندها فم نهر الملك من الجانب الشرقي».