الفصل 24: الامام علي عليه السلام و عدالته في القاضي و القضاء و الحكومة،و شي‏ء من قضائه

1ـقال ابن أبي الحديد:«و استعدى رجل على علي بن أبي طالب عليه السلام عمر بن الخطاب و علي جالس،فالتفت عمر إليه فقال:قم،يا أبا الحسن!فاجلس مع خصمك،فقام فجلس معه و تناظرا،ثم انصرف الرجل و رجع علي عليه السلام إلى مجلسه،فتبين عمر التغير في وجهه فقال:يا أبا الحسن!مالي أراك متغيرا؟أكرهت ما كان؟قال:نعم،قال:و ما ذاك؟قال:كنيتني بحضرة خصمي،هلا قلت:قم،يا علي!فاجلس مع خصمك (1) ».

2ـعن الشعبي قال:«وجد علي عليه السلام درعا له عند نصراني فجاء به إلى شريح يخاصمه إليه ...ثم قال علي عليه السلام:أن هذه درعي لم أبع و لم أهب،فقال(شريح)للنصراني:ما يقول أمير المؤمنين؟فقال النصراني:ما الدرع إلا درعي،و ما أمير المؤمنين عندي بكاذب،فالتفت شريح إلى علي عليه السلام فقال:يا أمير المؤمنين!هل من بينة؟قال:لا،فقضى بها للنصراني،فمشى هنيئة ثم أقبل فقال:أما أنافأشهد أن هذه أحكام النبيين،أمير المؤمنين يمشي بي إلى قاضيه و قاضيه يقضي عليه!أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،و أن محمدا عبده و رسوله،الدرعـو اللهـدرعك يا أمير المؤمنين،انبعث الجيش و أنت منطلق إلى صفين،فخرت من بعيرك الأورق،فقال :أما إذا أسلمت فهي لك،و حمله على فرس (2) ».

3ـ«إن أمير المؤمنين عليه السلام ولى أبا الأسود الدؤلي القضاء ثم عزله،فقال له:لم عزلتني و ما خنت و ما جنيت؟فقال:إني رأيت كلامك يعلو كلام خصمك (3) ».

4ـعن أبي عبد الله عليه السلام،قال:قال أمير المؤمنين عليه السلام:من ابتلي بالقضاء فليواس بينهم في الاشارة و في النظر و في المجلس (4) ».

5ـو قال عليه السلام فى عهده لمحمد بن أبي بكر:«و آس بينهم في اللحظة و النظرة،حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم،و لا ييأس الضعفا من عدلك عليهم (5) ».

6ـو قال عليه السلام في عهده للأشتر:«فلا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم،فإنهم صنفان:إما أخ لك في الدين،أو نظير لك في الخلق». (6)

7ـقال روكس بن زائد:«فالإمام علي عليه السلام أعجوبة من أعاجيب القضاء،لأنه أول قاض فرق بين الشهود لئلا يتواطأ اثنان منها على شهادة تشوه جمال الحق أو تطمس معالمه،فسن بهذه السنة الحميدة البارعة للقضاء ما يجعل سبيل الحق لهم واضحا،و ينزه أحكامهم عن الشبهات،و يحول بين الذين يتلاعبون بضمائر الناس...و هو أول من سجل شهادة الشهود حتى لا تبدل شهادة بإغراء من رشوة أو تدليس من طمع أو ميل مع عاطفة،فكان بذلك مبتكرا من أعظم‏المبتكرين،لأن صيانة حقوق الناس من العبث و الغش أثمن من حياة الناس نفسها،فجاءت الأجيال و الامم و الحكومات و الدول تسير على الاسلوب الذي رسمه الإمام الأعظم...».

و قالـأيضا:و هو أول مكتشف أو مبتكر للتفريق ما بين لبن ام الانثى و ام الذكر (7) ».

أقول:و إنه عليه السلام هو الذي استفاد في مقام القضاء من عاطفة عميقة بين الام و ولدها،و هو عليه السلام اول من استفاد من ضمير الباطن كما يظهر لك،إن شاء الله تعالى.

8ـعن أبي جعفر عليه السلام في حديث:«إن شابا قال لأمير المؤمنين عليه السلام:إن هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في السفر فرجعوا و لم يرجع أبي،فسألتهم عنه فقالوا:مات،فسألتهم عن ماله فقالوا:ما ترك مالا،فقد متهم إلى شريح فاستحلفهم،و قد علمت أن أبي خرج و معه مال كثير،فقال أمير المؤمنين عليه السلام:و الله،لأحكمن بينهم بحكم ما حكم به خلق قبلي إلا داود النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

يا قنبر!ادع لي شرطة الخميس،فدعاهم،فوكل بكل رجل منهم رجلا من الشرطة،ثم نظر إلى وجوههم فقال:ماذا تقولون؟تقولون إني لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتي؟إني إذا لجاهل،ثم قال :فرقوهم و غطوا رؤوسهم.

قال:ففرق بينهم و اقيم كل رجل منهم إلى اسطوانة من أساطين المسجد و رؤوسهم مغطاة بثيابهم،ثم دعا بعبيد الله بن أبي رافع كاتبه فقال:هات صحفة و دواة،و جلس أمير المؤمنين عليه السلام في مجلس القضاء و جلس الناس إليه،فقال لهم:إذا أنا كبرت فكبروا،ثم قال للناس:اخرجوا،ثم دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه و كشف عن وجهه ثم قال لعبيد الله:اكتب إقراره و ما يقول .

ثم أقبل عليه بالسؤال،فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:في أي يوم خرجتم من‏منازلكم و أبو هذا الفتى معكم؟فقال الرجل:في يوم كذا و كذا،فقال:و في أي شهر؟فقال:في شهر كذا و كذا،قال:في أي سنة؟فقال:في سنة كذا و كذا،فقال:و إلى أين بلغتم في سفركم حتى مات أبو هذا الفتى؟قال:إلى موضع كذا و كذا،قال:و في منزل من مات؟قال:في منزل فلان بن فلان،قال :و ما كان مرضه؟قال:كذا و كذا،قال:و كم يوما مرض؟قال:كذا و كذا،و في أي يوم مات،و من غسله،و من كفنه و بما كفنتموه،و من صلى عليه،و من نزل قبره؟فلما سأله عن جميع ما يريد كبر أمير المؤمنين عليه السلام و كبر الناس جميعا،فارتاب اولئك الباقون و لم يشكوا أن صاحبهم قد اقر عليهم و على نفسه،فأمر أن يغطى رأسه و ينطلق به إلى السجن،ثم دعا بآخر فأجلسه بين يديه و كشف عن وجهه و قال:كلا،زعمتم أني لا أعلم ما صنعتم؟فقال:يا أمير المؤمنين !ما أنا إلا واحد من القوم،و لقد كنت كارها لقتله،فأقر،ثم دعا بواحد بعد واحد كلهم يقر بالقتل و أخذ المال،ثم رد.الذي كان أمر به إلى السجن فأقرـأيضاـ،فألزمهم المال و الدمـالحديث (8) ».

9ـعن أبي جعفر عليه السلام قال:«كان لرجل على عهد علي عليه السلام جاريتان،فولدت إحداهما ابنا و الاخرى بنتا،فعمدت صاحبة البنت فوضعت بنتها في المهد الذي فيه الابن و أخذت ابنها،فقالت صاحبه البنت:الابن ابني،و قالت صاحبة الإبن:الابن ابني،فتحا كمتا إلى أمير المؤمنين عليه السلام،فأمر أن يوزن لبنهما و قال:أيتهما كانت أثقل لبنا فالابن لها (9) ».

10ـروى المفيد رحمه الله:«إن امرأتين تنازعتا على عهد عمر في طفل،ادعته كل واحدة منهما ولدا لها بغير بينة و لم ينازعهما فيه غيرهما،فالتبس الحكم في ذلك على عمر،ففزع فيه إلى أمير المؤمنين عليه السلام،فاستدعى المرأتين و وعظهما وخوفهما،فأقامتا على التنازع،فقال علي عليه السلام:ايتوني بمنشار،فقالت المرأتان:فما تصنع به؟فقال:أقده نصفين لكل واحد منكما نصفه،فسكتت إحداهما،و قالت الاخرى:الله،الله،يا أبا الحسن!إن كان لا بد من ذلك فقد سمحت به لها،فقال:الله أكبر،هذا ابنك دونها،و لو كان ابنها لرقت عليه و أشفقت،و اعترفت الاخرى أن الحق لصاحبتها و أن الولد لها دونها (10) ».

11ـقال أبو جعفر عليه السلام:«توفي رجل على عهد أمير المؤمنين عليه السلام و خلف ابنا و عبدا فادعى كل واحد منها أنه الابن و أن الآخر عبد له،فأتيا أمير المؤمنين عليه السلام فتحا كما إليه،فأمر عليه السلام أن يثقب في حائط المسجد ثقبتين،ثم أمر كل واحد منهما أن يدخل رأسه في ثقب،ففعلا،ثم قال:يا قنبر!جرد السيف،و أشار إليه لا تفعل ما آمرك به،ثم قال:اضرب عنق العبد،فنحى العبد رأسه،فأخذه أمير المؤمنين عليه السلام و قال للآخر:أنت الابن و قد أعتقت هذا و جعلته مولى لك (11) ».

12ـعن جابر الجعفي،عن تميم بن حزام الاسدي:«أنه رفع إلى عمر منازعة جاريتين تنازعتا في ابن و بنت،فقال:أين أبو الحسن مفرج الكرب؟فدعي له به،فقص عليه القصة،فدعا بقارورتين فوزنهما،ثم أمر كل واحدة فحلبت في قارورة،و وزن القارورتين فرجحت إحداهما على الاخرى،فقال :الابن للتي لبنها أرجح،و البنت للتي لبنها أخف،فقال عمر:من أين قلت ذلك يا أبا الحسن؟فقال :لان الله جعل للذكر مثل حظ الانثيين،و قد جعلت الأطباء ذلك أساسا في الاستدلال على الذكر و الانثى (12) ».

13ـأخرج الحافظ عبد الرزاق،و عبد بن حميد و ابن المنذر بأسانيدهم عن الدؤلي،قال:«رفع إلى عمر امرأة ولدت لستة أشهر،فأراد عمر أن يرجمها،فجائت اختها إلى علي بن أبي طالب،فقالت :إن عمر يرجم اختي،فأنشدك الله إن كنت تعلم أن لها عذرأ لما أخبرتني به،فقال علي:إن لها عذرأ،فكبرت تكبيرة سمعها عمر و من عنده،فانطلقت إلى عمر فقالت:إن عليا زعم أن لاختي عذرا،فأرسل عمر إلى علي:ما عذرها؟قال:إن الله يقول:و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين (13) ،فقال:و حمله و فصاله ثلاثون شهرا (14) و قال:و فصاله في عامين (15) ،و كان الحمل هنا ستة أشهر،فتركها عمر،قال ثم بلغنا أنها ولدت آخر لستة أشهر (16) ».

14ـعن أبي عبد الله عليه السلام قال:اتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل وجد في خربة و بيده سكين ملطخ بالدم،و إذا رجل مذبوح يتشحط في دمه،فقال له أمير المؤمنين عليه السلام :ما تقول؟قال:يا أمير المؤمنين!أنا قتلته،قال:اذهبوا به و أقيدوه به،فلما ذهبوا به ليقتلوه به أقبل رجل مسرع فقال:لا تعجلوه و ردوه إلى أمير المؤمنين،فردوه فقال:و الله يا أمير المؤمنين!ما هذا صاحبه،أنا قتلته،فقال أمير المؤمنين عليه السلام للأول:ما حملك على إقرارك على نفسك؟فقال:يا أمير المؤمنين!و ما كنت أستطيع أن أقول و قد شهد علي أمثال هؤلاء الرجال فأخذوني و بيدي سكين ملطخة بالدم و الرجل يتشحط في دمه و أنا قائم عليه،و خفت الضرب فأقررت،و أنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة فأخذني البول،فدخلت الخربة فرأيت الرجل يتشحط في دمه،فقمت معجبا فدخل علي هؤلاء فأخذوني.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام:خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن عليه السلام،و قولوا له:ما الحكم فيهما؟قال:فذهبوا إلى الحسن عليه السلام و قصوا عليه قصتهما،فقال الحسن عليه السلام:قولوا لأمير المؤمنين عليه السلام:إن هذا إن كان ذبح ذاك فقد أحيى هذا،و قد قال الله عز و جل:و من أحياها فكأنما أحي الناس جميعا (17) يخلي عنهما و تخرج دية المذبوح من بيت المال (18) ».

15ـجاء رجل إلى علي عليه السلام،فقال:يا أمير المؤمنين!اني كنت أعزل عن امرأتي و إنها جاءت بولد،فقال عليه السلام:و انا شدك الله،هل وطئتها ثم عاودتها قبل أن تبول؟قال:نعم،قال :فالولد لك (19) ».

قال الاستاذ الشيخ محمد تقي الفلسفي:«من هذه الجملة يعلم أن الرجل كان يعزل(يقذف السائل المنوي خارج مهبل زوجته)لمنع الحمل،و مع ذلك فقد حدث أن حملت المرأة،فأدى الأمر إلى أن يشك الرجل في زوجته،فجاء يسأل عليا عليه السلام و إلا فإنه لم يكن يرضى بأن يفشي سره،فنجد الإمام عليه السلام حين يسمع بالقصة يسأله هل اتفق له أن جامع زوجته مرتين من دون أن يبول في الأثناء؟فأجابه بوقوع ذلك،فصرح الإمام بأن الولد له،و السر في ذلك واضح،لأنه عليه السلام كان يعلم أن ذرة صغيرة من النطفة كافية لأن تلقح بويضة المرأة فتحمل،فبما أن الرجل جامع زوجته في المرة الاولى ثم قذف السائل خارجا،و بقي مدة لم يبل فيها فبقيت الحيا من في المجرى،و حين جامعها للمرة الثانية خرجا في المرة الثانية إلا أن الحيا من المبتقية في المجرى كانت قادرة على الاحتفاظ بنشاطها لمدة 48 ساعة،و كذلك فعلت (20) ».

و قالـأيضا:«لم يكن بإمكان البشر قبل أربعة عشر قرنا أن يتصوروا أن منشأظهور الإنسان هو موجود صغير و ضئيل يوجد منه في نطفة الرجل مئات الملايين في كل مرة،و هذه الذرة الصغيرة كافية في أن تلقح امرأة (21) ».

وـايضاـنقل عن الدكتور الكسيس كارل:«إن الحيا من المنوية قادرة على الاحتفاظ بقابليتها على التلقح لمدة 48 ساعة بعد الخروج من الرجل،و ذلك في وسط قلوي(قاعدي)و تحت درجة حرارة 37 منوية (22) ».

تعليقات:

1ـابن ابى الحديد:شرح النهج،ج 17:ص 65/ذيل عهده عليه السلام الى الأشتر النخعي.

2ـالثقفي:الغارات،ج 1:ص .124

3ـالنوري:مستدرك الوسائل،ج 3:ص .197

4ـالحر العاملي:مسائل الشيعة:ج 18،ص 157 ط عبد الرحيم.

5ـالرضي(المجمع):نهج البلاغة،ر .27

6ـنهج البلاغة،ر .53

7ـالامام على أشد الإسلام و قديسه.

8ـالحر العاملي:وسائل الشيعة،ج 18:ص 204،ط عبد الرحيم.

9ـالحر العاملي:وسائل الشيعة،ج 18:ص 210،ط عبد الرحيم.

10ـالحر العاملي:الوسائل،ج 18:ص .212

11ـالحر العاملي:وسائل الشيعة،ج 18:ص .211

12ـابن شهر آشوب:مناقب آل أبي طالب،ج 2:ص .367

13ـالبقرة،2: .233

14ـالاحقاف،46: .15

15ـلقمان،31: .14

16ـالاميني:الغدير،ج 6:ص .93

17ـالمائدة،5: .32

18ـالحويزى:تفسير نور الثقلين،ج 1:ص .620

19ـالبحار،ج 104،ص .64

20ـمحمد تقى الفلسفي:الطفل بين الوراثة و التربية/التعريب و التعليق:فاضل الحسيني الميلاني،ج 1:صص 84 و .83

21ـمحمد تقى الفلسفي:الطفل بين الوراثة و التربية/التعريب و التعليق:فاضل الحسيني الميلاني،ج 1:صص 84 و .83

22ـالمصدر.