الفصل 29: الإمام علي عليه السلام و تصلبه و تنمره في ذات الله تعالى

1ـعن سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام:«و ما الذي نقموا من أبي حسن؟نقمواـو اللهـنكير سيفه،و شدة وطأته،و نكال وقعته،و تنمره في ذات الله.و تالله تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لا عتلقه،و لسار إليهم سيرا سجحا لا تكلم خشاشه،و لا يتعتع راكبه،و لأوردهم منهلا نميرا فضفاضا يطفح ضفتاه،و لأصدرهم بطانا قد تحير بهم الرأي غير متحل بطائل إلا بغمر الناهل وردعه سورة الساغب،و لفتحت عليهم بركات من السماء و الارض،و سيأخذهم الله بما كانوا يكسبون (1) ».

2ـقال ابن شهر آشوب:«عن ابن مردويه:إنه لما أقبل(علي عليه السلام)من اليمن تعجل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم و استخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه،فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي،فلما دناجيشه خرج علي ليتلقاهم،فإذا هم عليهم الحلل،فقال:ويلك ما هذا؟قال:كسوتهم ليجملوا به إذا قدموا في الناس.قال:ويلك،من قبل أن تنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم!قال:فانتزع الحلل من الناس وردها في البز،و أظهر الجيش شكاية لما صنع بهم.

ثم روى عن الخدري أنه قال:شكا الناس عليا عليه السلام فقام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خطيبا فقال:أيها الناس لا تشكوا عليا،فو الله إنه لخشن في ذات الله (2) ».

أقول:و في بعض الروايات:«لاخيشن»و هو أفعل تفضيل من خشن خشونة:ضد لان،و التصغير هنا للتعظيم،قاله السيد علي خان المدني رحمه الله (3) .

3ـعن عبد الواحد الدمشقي قال:«نادى حوشب الحميري عليا يوم صفين فقال:انصرف عنا يا ابن أبي طالب،فإنا ننشدك الله في دمائنا،فقال علي:هيهات يا ابن أم ظليم!و الله لو علمت أن المداهنة تسعني في دين الله لفعلت،و لكان أهون علي في المؤونة،و لكن الله لم يرض من أهل القرآن بالادهان و السكوت،و الله يقضي (4) ».

4ـقال الدينوري:«و ذكروا أن عليا كتب إلى جرير:أما بعد فإن معاوية إنما أراد بما طلب أن لا يكون لي في عنقه بيعة،و أن يختار من أمره ما أحب،و قد كان المغيرة بن شعبة أشار عليـو أنا بالمدينةـأن أستعمله على الشام،فأبيت ذلك عليه،و لم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا،فإن بايعك الرجل و إلا فأقبل (5) ».

5ـقال العلامة المجلسي رحمه الله:«و قصد علي عليه السلام دار أم هانى‏ء متقنعا بالحديد يوم الفتح و قد بلغه أنها آوت الحارث بن هشام و قيس بن السائب و ناسا من بني‏مخزوم،فنادى :أخرجوا من آويتم،فيجعلون يذرقون كما يذرق الحبارى خوفا منه،فخرجت إليه أم هانى‏ءـو هي لا تعرفهـفقالت:يا عبد الله!أنا أم هانى‏ء بنت عم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،و اخت أمير المؤمنين،انصرف عن داري،فقال عليه السلام:أخرجوهم،فقالت:و الله لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،فنزع المغفر عن رأسه فعرفته،فجاءت تشتد حتى التزمته فقالت:فديتك،حلفت لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،فقال لها:اذهبي فبري قسمك فإنه بأعلى الوادي.

فأتت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم،فقال لها:إنما جئت يا أم هانى‏ء تشتكين عليا؟فإنه أخاف أعداء الله و أعداء رسوله،شكر الله لعلي سعيه،و أجرت من أجارت أم هانى‏ء لمكانها من علي بن أبي طالب عليه السلام (6) ».

6ـو قالـأيضا:«إن سارة مولاة أبي عمرو بن سيفي بن هشام أتت النبي صلى الله عليه و آله و سلم من مكة مسترفده،فأمر بني عبد المطلب بإسدانها،فأعطاها حاطب بن أبي بلتعة عشرة دنانير على أن تحمل كتابا بخبر و فود النبي صلى الله عليه و آله و سلم إلى مكة و كان صلى الله عليه و آله و سلم أسر ذلك ليدخل عليهم بغتةـفأخذت الكتاب و أخفته في شعرها و ذهب.فأتى جبرئيل عليه السلام و قص القصة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم،فأنفذ عليا و الزبير و مقدادا و عمارا و عمر و طلحة و أبا مرثد خلفها،فأدركوها بروضة خاخ يطالبونها بالكتاب،فأنكرت،و ما وجدوا معها كتابا،فهموا بالرجوع،فقال علي عليه السلام:و الله ما كذبنا و لا كذبنا،و سل سيفه و قال:أخرجي الكتاب و إلا و الله لأضربن عنقك،فأخرجته من عقيصتها،فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام الكتاب و جاء إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم... (7) ».

7ـقال ابن أبي الحديد:«و روى صاحب«كتاب الغارات»:أن عليا عليه السلام لما حد النجاشي (8) غضبت اليمانية لذلك،و كان أخصهم به طارق بن عبد الله بن كعب‏النهدي،فدخل عليه فقال:يا أمير المؤمنين ما كنا نرى أن أهل المعصية و الطاعة و أهل الفرقة و الجماعة عند ولاة العدل و معادن الفضل سيان في الجزاء حتى رأيناها ما كان من صنيعك بأخي الحارث،فأو غرت صدورنا،و شتت امورنا،و حملتنا على الجادة التي كنا نرى أن سبيل من ركبها النار.

فقال على عليه السلام:و إنها لكبيرة إلا على الخاشعين (9) يا أخا نهد!و هل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله فأقمنا عليه حدا كان كفارته؟إن الله تعالى يقول:/و لا يجر منكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى/ (10) .

قال:فخرج طارق من عنده فلقيه الأشتر فقال:يا طارق!أنت القائل لأمير المؤمنين:«أو غرت صدورنا،و شتت امورنا»؟قال طارق:نعم،أنا قائلها،قال:و الله،ما ذاك كما قلت،إن صدورنا له لسامعة،و إن امورنا له لجامعة.فغضب طارق و قال:ستعلم يا أشتر!أنه غير ما قلت،فلما جنه الليل همس هو و النجاشي إلى معاوية،فلما قدما عليه دخل آذنه فأخبره بقدومهما،و عنده وجوه أهل الشام منهم عمرو بن مرة الجهني و عمرو بن صيفي و غيرهما،فلما دخلا نظر معاوية إلى طارق و قال:مرحبا بالمورق غصنه،و المعرق أصله،المسود غير المسود من رجل كانت منه هفوة و نبوة باتباعه صاحب الفتنة،و رأس الضلالة و الشبهة،الذي اغترز في ركاب الفتنة حتى استوى على رجلها،ثم أوجف في عشوة ظلمتها و تيه ضلالتها،و اتبعه رجرجة من الناس،و أشابة من الحثالة لا أفئدة لهم،/أ فلا يتدبرون القرآن/أم على قلوب أقفالها/ (11) .

فقام طارق فقال:يا معاوية!إنى متكلم فلا يسخطك،ثم قال:و هو متكى‏ء على سيفه:إن المحمود على كل حال رب علا فوق عباده،فهم منه بمنظر و مسمع،بعث فيهم رسولا منهم لم يكن من قبله يتلو كتابا،و لا يخطه بيمينه إذا لارتاب المبطلون،فعليه السلام من رسول كان بالمؤمنين برا رحيما.

أما بعد،فإن ما كنا نوضع فيما أوضعنا فيه بين يدي إمام تقي عامل مع رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أتقياء مرشدين،ما زالوا منارا للهدى،و معالم للدين،خلفا عن سلف مهتدين،أهل دين لا دنيا،كل الخير فيهم،و اتبعهم من الناس ملوك و أقيال أهل بيوتات و شرف ليسوا بناكثين و لا قاسطين،فلم يكن رغبة من رغب عنهم و عن صحبتهم إلا لمرارة الحق حيث جرعوها،و لو عورته حيث سلكوها و غلبت عليهم دنيا مؤثرة،و هوى متبع،و كان أمر الله قدرا مقدورا...فبلغ عليا عليه السلام قوله،فقال:لو قتل النهدي يومئذ لقتل شهيدا (12) ».

و قالـأيضا:و أكثر مبغضيه عليه السلام أهل البصرة كانوا عثمانية،و كانت في أنفسهم أحقاد يوم الجمل،و كان هو عليه السلام قليل التألف للناس شديدا في دين الله،لا يبالي مع علمه بالدين و اتباعه الحق من سخط و من رضي (13) ».

8ـقال جورج جرداق:«و كثر عدد المنحرفين اللاحقين معاوية بكثرة الذين يريدون الدنيا لأنفسهم وحدهم،و ما كان من طبائع الناس كلهم أن يتحملوا الحق و أن يقولوه و يفعلوه،و لا كان من طبائعهم كلهم أن يوالوا عليا الذي يشتد بالحق على نفسه و ذويه و الخلق جميعا...فكيف لا يلحق معاوية و يترك عليا ذلك الوالي الذي يبعث إليه علي:«و إنى اقسم بالله،لئن بلغني أنك خنت من في‏ءالمسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر،ثقيل الظهر،ضئيل الأمر (14) »،أو ذاك الآخر الذي يتلقى من علي مثل هذا الكتاب:«بلغني أنك جردت الأرض،و أخذت ما تحت قدميك،و أكلت ما تحت يديك،فارفع إلي حسابك (15) ».

كيف يستطيع العاديون من الخلق أن يرتفعوا إلى هذا المستوى العظيم من صفة الإنسان الحق،فيقبل وجيههم أو واليهم أن يقول له علي:«و لئن كان ما بلغني عنك حقا لجمل أهلك و شسع نعلك خير منك (16) »!و كيف يرضى الغاصبون أن يحكمهم من يقول:«و الله،لأن أبيت على حسك السعدان مسهدا،أو اجر في الأغلال مصفدا أحب إلى من أن ألقى الله و رسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد،و غاصبا لشي‏ء من الحطام (17) ».

9ـعن رزين قال:«كنت أتوضأ في ميضأة الكوفة فإذا رجل قد جاء فوضع نعليه و وضع درته فوقها،ثم دنا فتوضأ معي فزحمته حتى وقع على يديه.فقام فتوضأ،فلما فرغ ضرب رأسى بالدرة ثلاثا،ثم قال:إياك أن تدفع فتكسر فتغرم،فقلت:من هذا؟فقالوا،أمير المؤمنين،فذهبت أعتذر إليه فمضى و لم يلتفت إلي (18) ».

أقول:هذا الخبر و إن لم يكن نصا في الباب لكنه مناسب له لأنه يشعر بأن ما كان مهما في نظر علي عليه السلام إحياء الدين و إن عني في سبيل إحيائه.

10ـقال العلامة المجلسي رحمه الله:«أرسل علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام إلى‏لبيد العطاردي بعض شرطه فمروا به على مسجد سماك،فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدي فحال بينهم و بينه،فأرسل أمير المؤمنين عليه السلام إلى نعيم فجي‏ء به،قال:فرفع أمير المؤمنين عليه السلام شيئا ليضربه،فقال نعيم:و الله إن صحبتك لذل،و إن خلافك لكفر،فقال أمير المؤمنين عليه السلام:و تعلم ذلك؟قال:نعم،قال:خلوه (19) ».

11ـو كتب عليه السلام إلى بعض عماله:«أما بعد،فإني كنت أشركتك في أمانتي،و جعلتك شعاري و بطانتي،و لم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي لمواساتي و مؤازرتي،و أداء الأمانة إلي.فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب،و العدو قد حرب،و أمانة الناس قد خزيت،و هذه الامة قد فنكت و شغرت قلبت لابن عمك ظهر المجن،ففارقته مع المفارقين،و خذلته مع الخاذلين،و خنته مع الخائنين!فلا ابن عمك آسيت،و لا الأمانة أديت،و كأنك لم تكن الله تريد بجهادك،و كأنك لم تكن على بينة من ربك،و كأنك إنما كنت تكيد هذه الامة عن دنياهم،و تنوي غرنهم عن فيئهم،فلما أمكنتك الشدة في خيانة الأمة أسرعت الكرة،و عاجلت الوثبة،و اختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم و أيتامهم اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى الكسيرة،فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله غير متأثم من أخذه،كأنكـلا أبا لغيركـحدرت إلى أهلك تراثا من أبيك و أمك!فسبحان الله!أما تؤمن بالمعاد؟أو ما تخاف نقاش الحساب؟

أيها المعدود!كان عندنا من ذوي الألباب كيف تسيغ شرابا و طعاما و أنت تعلم أنك تأكل حراما و تشرب حراما؟و تبتاع الإماء،و تنكح النساء من مال اليتامى و المساكين و المؤمنين و المجاهدين الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال،و أحرز بهم هذه البلاد،فاتق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم،فإنك إن لم تفعل‏ثم أمكنني الله منك لأعذرن إلى الله فيك،و لأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار،و والله لو أن الحسن و الحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة،و لا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما،و أزيح الباطل من مظلمتهما،و أقسم بالله رب العالمين ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم حلال لي،أتركه ميراثا لمن بعدي،فضح رويدا فكأنك قد بلغت المدى،و دفنت تحت الثرى،و عرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي الظالم فيه بالحسرة،و يتمنى المضيع فيه الرجعة،ولات حين مناص (20) ».

تعليقات:

1ـابن ابى الحديد:شرح النهج،ج 16:ص .233

و الخطبة طويلة مشهورة نقلها جمع من الاعلامـمع اختلاف فى بعض الالفاظـكالطبرسى فى«الاحتجاج» (ج 1:ص 147)و ابن طيفور في«بلاغات النساء»(ص 20)و المجلسي رحمه الله في«البحار»مع شرحه (ج 43:ص 158ـ170).

2ـمناقب ابن شهر آشوب،ج 2،ص 110 و المستدرك للحاكم،ج 3،ص .134

3ـرياض السالكين،ص .1

4ـالمتقي الهندي:كنز العمال(بهامش المسند)،ج 5:ص .449

5ـالدينوري الامامة و السياسة،ج 1:ص .95

6ـالمجلسي،بحار الأنوار،ج 4190:ص .10

7ـالمجلسي:بحار الأنوار،ج 4190،ص .8

8ـالنجاشي الشاعر من بنى الحارث بن كعب كان شاعر أهل العراق بصفين،و كان على عليه السلام يأمره‏بمحاربة شعراء أهل الشام مثل كعب بن جعيل و غيره،فشرب الخمر بالكوفة،فحده على عليه السلام،فغضب و لحق بمعاوية،وهجا عليا عليه السلام،فضربه ثمانين،ثم زاده عشرين سوطا،فقال :يا أمير المؤمنين!أما الحد فقد عرفته،فما هذه العلاوة؟قال:لجرئتك على الله،و افطارك فى شهر رمضان.ثم أقامه فى سراويله للناس،فجعل الصبيان يصيحون به:خزى النجاشي،خزى النجاشى .(ابن ابى الحديد:شرح النهج،ج 4:ص 89)

9ـالبقرة،2: .45

10ـالمائدة،5: .8

11ـمحمد(ص)،47: .24

12ـابن ابى الحديد:شرح النهج،ج 4:ص .94

13ـابن ابى الحديد:شرح النهج،ج 4:ص .89

14ـراجع نهج البلاغة،ر 20.و الوفر:المال.و ثقيل الظهر:من عجز عن نفقة عياله.و الضئيل :الحقير.

15ـالنهج،ر 40 و .71

16ـالنهج،ر 40 و .71

17ـالنهج،خ 222،جرداق:الإمام على صوت العدالة الانسانية ج 4:ص .9601

18ـالحر العاملي:وسائل الشيعة،ج 18:ص 583،ط عبد الرحيم.

19ـالمجلسي:بحار الأنوار،ج 42:ص .186

20ـنهج البلاغة،ر 41.و اختلف فى المكتوب اليه بين عبد الله بن عباس و عبيد الله ابن عباس و غيرهما فليراجع فى ذلك المطولات من الشروح.