قال: فارجع معي فرجعت معه، فلمّا صرنا إلى باب الدار جلست بالباب ورفع عليّ عليه السلام الشملة ودخل فسلّم، فسمعت دحية يقول: وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثمّ قال له: اجلس فَخُذْ رأسَ أخيك وابن عمّك من حجري فأنت أولى الناس به، فجلس عليّ عليه السلام وأخذ رأس رسول الله صلّى الله عليه وآله فجعله في حجره، وخرج دحية من البيت، فقال عليّ عليه السلام: اُدخل يا حذيفة.
فدخلت وجلست فما كان بأسرع أن انتبه رسول الله صلّى الله عليه وآله، فضحك في وجه عليّ عليه السلام ثمّ قال: يا أبا الحسن مِنْ حجر مَنْ أخذت رأسي؟ قال: من حجر دحية الكلبي، فقال: ذلك جبرئيل عليه السلام، فما قلت له حين دخلت وما قال لك؟
قال: دخلت فسلّمت فقال لي: وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا عليّ سلّمت عليك ملائكة الله وسكّان سماواته بإمرة المؤمنين من قبل أن تسلّم عليك أهل الأرض، يا عليّ إنّ جبرئيل عليه السلام فعل ذلك عن أمر الله عزوجل، وقد أوحى إليّ عن ربّي عزوجل من قبل دخولك أن أفرض ذلك على الناس، وأنا فاعل ذلك إن شاء الله.
فلمّا كان من الغد بعثني رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى ناحية فدك في حاجة، فلبثت أيّاماً ثمّ قدمت، فوجدت الناس يتحدّثون انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أمر الناس أن يسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين، وانّ جبرئيل عليه السلام أتاه بذلك عن الله عزوجل.
فقلت: صدق رسول الله صلّى الله عليه وآله وأنا فقد سمعت جبرئيل عليه السلام يسلّم على عليّ عليه السلام بإمرة المؤمنين ـ وحدّثتهم الحديث ـ فسمعني
قال حذيفة: فسمعني بريدة بن الحصيب الأسلمي وأنا اُحدّث ببعض ما رأيت وسمعت، فقال لي: والله يا ابن اليمان لقد أمرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله بالسلام على عليّ بإمرة المؤمنين، فاستجابت له طائفة يسيرة من الناس، وردّ ذلك عليه وأباه كثير من الناس، فقلت: يا بريدة أكنت شاهداً ذلك اليوم؟ فقال: نعم من أوّله إلى آخره، فقلت له: حدّثني به رحمك الله فإنّي كنت عن ذلك اليوم غائباً.
فقال بريدة: كنت أنا وعمّار أخي مع رسول الله صلّى الله عليه وآله في نخيل بني النجار، فدخل علينا عليّ بن أبي طالب عليه السلام فسلّم، فردّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله ورددنا، ثمّ قال له: يا عليّ اجلس هناك فجلس، فدخل رجال فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله بالسلام على عليّ بإمرة المؤمنين، فسلّموا وما كادوا، ثمّ دخل أبو بكر وعمر فسلّما فقال لهما رسول الله صلّى الله عليه وآله: سلّما على عليّ بإمرة المؤمنين، فقالا: الأمر(1) من الله ورسوله؟ فقال: نعم.
ثمّ دخل طلحة وسعد بن مالك فسلّما، فقال لهما رسول الله صلّى الله عليه وآله: سلّما على عليّ بإمرة المؤمنين، فقالا: عن الله ورسوله؟ فقال: نعم، قالا: سمعنا وأطعنا، ثمّ دخل سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري رضي الله عنهما فسلّما، فردّ عليهما السلام ثمّ قال: سلّما على عليّ بإمرة المؤمنين، فسلّما ولم يقولا شيئاً، ثمّ دخل خزيمة بن ثابت وأبو الهيثم بن التيهان فسلّما، فردّ عليهما السلام ثمّ قال: سلّما على عليّ بإمرة المؤمنين، ففعلا ولم يقولا شيئاً.
ثمّ دخل عمّار والمقداد فسلّما، فردّ عليهما السلام فقال: سلّما على عليّ بإمرة
____________
1- في "ج": الامرة.
ثمّ دخل فلان وفلان ـ وعدّ جماعة من المهاجرين والأنصار ـ كلّ ذلك يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله: سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين، فبعض سلّم ولا يقول شيئاً، وبعض يقول للنبي: عن الله ورسوله؟ فيقول: نعم، حتّى غصّ المجلس بأهله، وامتلأت الحجرة، وجلس بعض على الباب وفي الطريق، وكانوا يدخلون فيسلّمون ويخرجون، ثمّ قال لي ولأخي: قم يا بريدة أنت وأخوك فسلّما على عليّ بإمرة المؤمنين، فقمنا وسلّمنا ثمّ عُدنا إلى مواضعنا فجلسنا.
قال: ثمّ أقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله عليهم جميعاً فقال: اسمعوا وعوا، إنّي أمرتكم أن تسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين، وانّ رجالا سألوني أذلك عن أمر الله وأمر رسوله، وما كان لمحمّد أن يأتي أمراً من تلقاء نفسه بل بوحي ربّه وأمره، أفرأيتم والذي نفسي بيده لئن أبيتم ونقضتموه لتكفرون ولتفارقون ما بعثني به ربّي، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
قال بريدة: فلمّا خرجنا سمعت بعض اُولئك الذين اُمروا بالسلام على عليّ بإمرة المؤمنين [من قريش](2) يقول لصاحبه ـ وقد التفّت بهما طائفة من الجفاء البطاء من الإسلام من قريش ـ: أما رأيت ما صنع محمد بابن عمّه من علوّ المنزلة والمكان؟ ولو يستطيع والله لجعله نبيّاً من بعده، فقال له صاحبه: أمسك ولا يكبرنّ عليك هذا، فإنّا لو فقدنا محمداً لكان هذا فعله تحت أقدامنا.
قال حذيفة: ومضى(3) بريدة إلى بعض طريق الشام ورجع وقد قُبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وبايع الناس أبا بكر، فأقبل بريدة فدخل المسجد
____________
1- أثبتناه من "ج".
2- أثبتناه من "ج".
3- في "ج": ثمّ خرج.
فقال له أبو بكر: يا بريدة الأمر يحدث بعده الأمر، وانّك غبت وشهدنا والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فقال لهما: رأيتما ما لم يره الله ولا رسوله، وفى لك صاحبك(1) بقوله: ولو فقدنا محمداً لكان هذا قوله تحت أقدامنا، ألا انّ المدينة حرام عليّ أن أسكنها أبداً حتّى أموت.
فخرج بريدة بأهله وولده، فنزل بين قومه بني أسلم، فكان يطلع في الوقت دون الوقت، فلمّا قضى الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام سار إليه وكان معه حتّى قدم العراق، فلمّا اُصيب أمير المؤمنين عليه السلام صار إلى خراسان، فنزلها ولبث هناك إلى أن مات رحمه الله.
قال حذيفة: فهذا أنباء ما سألتني عنه، فقال الفتى: لا جزى الله الذين شهدوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسمعوه يقول هذا القول في عليّ خيراً، فقد خانوا الله ورسوله، أزالوا الأمر عمّن رضيه الله ورسوله، وأقرّوه فيمن لم يره الله ولا رسوله لذلك أهلا، لا جرم والله لن يفلحوا بعدها أبداً.
فنزل حذيفة عن منبره فقال: يا أخا الأنصار انّ الأمر كان أعظم ممّا تظنّ، انّه عزب والله البصر، وذهب اليقين، وكثر المخالف، وقلّ الناصر لأهل الحق، فقال له الفتى: فهلاّ انتضيتم أسيافكم، ووضعتموها على رقابكم، وضربتم بها الزائلين عن الحق قدماً حتّى تموتوا أو تدركوا الأمر الذي تحبّونه من طاعة الله عزوجل وطاعة رسوله؟ فقال: يا أيّها الفتى انّه أخذوا(2) بأسماعنا وأبصارنا، وكرهنا الموت،
____________
1- في "ج": ولكن هذا وفاء صاحبك.
2- في "ج": اُخذ والله بأسماعنا.
قال عبد الله بن سلمة: فبينا أنا ذات يوم عند حذيفة أعوده في مرضه الذي مات فيه، وقد كان يوم قدمت فيه من الكوفة وذلك من قبل قدوم عليّ عليه السلام إلى العراق، فبينا أنا عنده إذ جاء الفتى الأنصاري فدخل على حذيفة، فرحّب به فأدناه(3) وقرب مجلسه، وخرج من كان عند حذيفة من عوّاده، وأقبل عليه الفتى فقال: يا أبا عبد الله سمعتك يوماً تحدّث عن بريدة بن الخصيب الأسلمي انّه سمع بعض القوم الذين أمرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يسلّموا على عليّ عليه السلام بإمرة المؤمنين يقول لصاحبه: أما رأيت اليوم ما صنع محمد بابن عمّه من التشريف وعلوّ المنزلة حتّى لو قدر أن يجعله نبيّاً لفعل، فأجابه صاحبه فقال: لا يكبرنّ عليك، فلو قد فقدنا محمداً لكان قوله تحت أقدامنا، وقد ظننت نداء بريدة لهما وهما على المنبر انّهما صاحبا القول.
قال حذيفة: أجل، القائل عمر والمجيب أبو بكر، فقال الفتى: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، هلك والله القوم وبطلت أعمالهم، قال حذيفة: ولم يزل القوم على ذلك الارتداد وما يعلم الله منهم أكثر، فقال الفتى: قد كنت أحبّ أن أتعرّف هذا الأمر مِنْ فعلهم ولكنّي أجدك مريضاً، وأنا أكره أن اُملّك بحديثي ومسألتي، وقام لينصرف.
فقال حذيفة: لا بل اجلس يا ابن أخي، وتلقّ منّي حديثهم وإن كربني ذلك، فلا أحسبني إلاّ مفارقكم انّي لا احبّ أن يغتر بمنزلتهما في الناس، فهذا ما أقدر عليه
____________
1- في "ج": علم الله.
2- في "ج": الصفح.
3- في "ج": فرحّب به وأقبل به وأدناه.
فقال حذيفة: اذاً والله لاخبرنّك بخبر سمعته ورأيته، ولقد والله دلّنا ذلك من فعلهم على انّهم والله ما آمنوا بالله ولا رسوله طرفة عين، واخبرك انّ الله تعالى أمر رسوله صلّى الله عليه وآله في سنة عشر من مهاجرته من مكة إلى المدينة أن يحجّ هو ويحجّ الناس معه، فأوحى إليه بذلك: {وأذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق}(1).
فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله المؤذّنين فأذّنوا في أهل السافلة والعالية: ألا انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قد عزم على الحجّ في عامه هذا ليفهم(2) الناس حجّهم، ويعلّمهم مناسكهم، فيكون سنّة لهم إلى آخر الدهر.
قال: فلم يبق أحد ممّن دخل في الإسلام إلاّ حجّ مع رسول الله صلّى الله عليه وآله سنة عشر ليشهدوا منافع لهم ويعلّمهم حجّهم ويعرّفهم مناسكهم، وخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله بالناس وخرج بنسائه معه وهي حجة الوداع، فلمّا استتمّ حجّهم، وقضوا مناسكهم، وعرف الناس جميع ما احتاجوا إليه، وأعلمهم انّه قد أقام لهم ملّة ابراهيم عليه السلام، وقد أزال عنهم جميع ما أحدثه المشركون بعده، وردّ الحج إلى حالته الاُولى، ودخل مكة فأقام بها يوماً واحداً، فهبط عليه جبرئيل الأمين عليه السلام بأوّل سورة العنكبوت، فقال: يا محمد اقرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم * الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون * ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين * أم حسب الذين
____________
1- الحج: 27.
2- في "ب": ليعلّم.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا جبرئيل وما هذه الفتنة؟ فقال: يا محمد انّ الله يقرئك السلام ويقول لك: إنّي ما أرسلت نبيّاً قبلك إلاّ أمرته عند انقضاء أجله أن يستخلف على اُمّته من بعده من يقوم مقامه، ويحيى لهم سنّته وأحكامه، فالمطيعون لله فيما يأمرهم به رسوله هم الصادقون، والمخالفون عليه أمره هم الكاذبون، وقد دنا يا محمد مصيرك إلى ربّك وجنّته، وهو يأمرك أن تنصب لاُمّتك من بعدك عليّ بن أبي طالب وتعهد إليه، فهو الخليفة القائم برعيّتك واُمّتك، إن أطاعوه [أسلموا](2) وإن عصوه [كفروا](3)، وسيفعلون ذلك وهي الفتنة التي تلوت عليه الآي فيها.
وانّ الله عزوجل يأمرك أن تعلّمه جميع ما علّمك، وتستحفظه جميع ما حفظك(4) واستودعك، فإنّه الأمين المؤتمن، يا محمد انّي اخترتك من عبادي نبيّاً، واخترته لك وصيّاً.
قال: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله عليّاً فخلا به يومه ذلك وليلته، واستودعه العلم والحكمة التي آتاه الله إيّاها، وعرّفه ما قال جبرئيل عليه السلام، وكان ذلك في يوم عائشة بنت أبي بكر، فقالت: يا رسول الله لقد طال استخلاؤك بعليّ منذ اليوم؟ قال: فأعرض عنها رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقالت: لم تعرض عنّي يا رسول الله بأمر لعلّه يكون لي صلاحاً؟ فقال: صدقت، وأيم الله لأمر صلاح لمن أسعده الله بقبوله والايمان به، وقد أمرت بدعاء الناس جميعاً إليه وستعلمين ذلك إذا أنا قمت به في الناس.
____________
1- العنكبوت: 1-4.
2- أثبتناه من "ب" و "ج".
3- أثبتناه من "ب" و "ج".
4- في "ج": استحفظك.
فضمنت له حفظه والايمان به ورعايته، فقال: إنّ الله تعالى أخبرني انّ عمري قد انقضى، وأمرني أن أنصب علياً للناس علماً، وأجعله فيهم إماماً، وأستخلفه كما استخلف الأنبياء من قبلي أوصياءها، وأنا صائر إلى أمر ربّي وآخذ فيه بأمره، فليكن هذا الأمر منك تحت سويداء قلبك إلى أن يأذن الله بالقيام به، فضمنت له ذلك، وقد اطلع الله نبيّه على ما يكون منها فيه ومن صاحبتها حفصة وأبويهما، فلم تلبث أن أخبرت حفصة، وأخبرت كلّ واحدة منهما أباها.
فاجتمعا فأرسلا إلى جماعة الطلقاء والمنافقين فخبراهم بالأمر، فأقبل بعضهم على بعض وقالوا: انّ محمّداً يريد أن يجعل هذا الأمر في أهل بيته كسنّة كسرى وقيصر إلى آخر الدهر، ولا والله ما لكم في الحياة من حظّ إن أفضى هذا الأمر إلى عليّ بن أبي طالب، وانّ محمداً عاملكم على ظاهركم وانّ علياً يعاملكم على ما يجد في نفسه منكم، فأحسنوا النظر لأنفسكم في ذلك وقدّموا رأيكم فيه.
ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأحالوا الرأي، فاتّفقوا على أن ينفروا بالنبي صلّى الله عليه وآله ناقته على عقبة هرشى(1)، وقد كانوا صنعوا مثل ذلك في غزاة تبوك فصرف الله الشرّ عن نبيّه صلّى الله عليه وآله، واجتمعوا في أمر
____________
1- في "ج": الهريش، وهو ـ بالفتح ثمّ السكون والقصر ـ: ثنية في طريق مكة قريبة من الجحفة ترى من البحر، ولها طريقان فكل من سلك واحداً منها أفضى به إلى موضع واحد.
فسار رسول الله صلّى الله عليه وآله يومين وليلتين، فلمّا كان في اليوم الثالث أتاه جبرئيل عليه السلام بآخر سورة الحجر فقال: اقرأ: {لنسئلنّهم أجمعين * عمّا كانوا يعملون * فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنّا كفيناك المستهزئين}(1).
قال: ورحل رسول الله صلّى الله عليه وآله وأغذّ السير(2) مسرعاً إلى دخول المدينة لينصب علياً علماً للناس، فلمّا كانت الليلة الرابعة هبط جبرئيل عليه السلام في آخر الليل فقرأ عليه: {يا أيّها الرسول بلّغ ما اُنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس انّ الله لا يهدي القوم الكافرين}(3)وهم الذين همّوا برسول الله صلّى الله عليه وآله.
فقال صلّى الله عليه وآله: أما تراني يا جبرئيل أغذّ السير مجدّاً فيه لأدخل المدينة فأفرض ولايته على الشاهد والغائب، قال له جبرئيل عليه السلام: إنّ الله يأمرك أن تفرض(4) ولايته غداً إذا نزلت منزلك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: نعم يا جبرئيل غداً أفعل ذلك إن شاء الله.
وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بالرحيل من وقته وسار الناس معه حتّى نزل بغدير خم، وصلّى بالناس وأمرهم أن يجتمعوا إليه، ودعا عليّاً عليه السلام
____________
1- الحجر: 92-95.
2- أي أسرع، وفي "ب": أعدّ، وفي "ج": أغدق.
3- المائدة: 67.
4- في "ب": تعرض.
وقال لهم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، ثمّ أمر الناس أن يبايعوه، فبايعه الناس جميعاً ولم يتكلّم منهم أحد، وقد كان أبو بكر وعمر تقدّما إلى الجحفة، فبعث وردّهما ثمّ قال لهما النبي صلّى الله عليه وآله متهجّماً: يا ابن أبي قحافة ويا عمر بايعا عليّاً بالولاية من بعدي، فقالا: أمر من الله ومن رسوله؟ فقال: وهل يكون مثل هذا عن غير أمر الله(1)؟! نعم أمر من الله ومن رسوله، فبايعا ثمّ انصرفا.
وسار رسول الله صلّى الله عليه وآله باقي يومه وليلته حتّى إذا دنوا من عقبة هرشى تقدّمه القوم فتواروا في ثنية العقبة، وقد حملوا معهم دباباً وطرحوا فيها الحصى.
فقال حذيفة: فدعاني رسول الله صلّى الله عليه وآله ودعا عمّار بن ياسر، وأمره أن يسوقها وأنا أقودها حتّى إذا صرنا في رأس العقبة ثار القوم من ورائنا، ودحرجوا الدباب بين قوائم الناقة، فذعرت وكادت تنفر برسول الله صلّى الله عليه وآله، فصاح بها النبي صلّى الله عليه وآله: اُسكني وليس عليك بأس، فأنطقها الله بقول عربي فصيح فقالت: والله يا رسول الله لا أزلت يداً عن مستقر يد، ولا رجل عن موضع رجل وأنت على ظهري.
فتقدّم القوم إلى الناقة ليدفعوها، فأقبلت أنا وعمّار نضرب وجوههم
____________
1- في "ب" و "ج": من غير أمر الله ورسوله.
فقلت: من هؤلاء المنافقون يا رسول الله، أمن المهاجرين أم من الأنصار؟ فسماهم لي رجلا رجلا حتّى فرغ منهم، وقد كان فيهم اُناس [كنت](3) كاره أن يكونوا فيهم، فأمسكت عند ذلك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا حذيفة كأنّك شاك في بعض من سمّيت لك، ارفع رأسك إليهم، فرفعت طرفي إلى القوم وهم وقوف على الثنية، فبرقت برقة فأضاءت جميع ما حولنا، وثبتت البرقة حتّى خلتها شمساً طالعةً، فنظرت والله إلى القوم فعرفتهم رجلا رجلا، فإذا هم كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله، وعدد القوم أربعة عشر رجلا، تسعة من قريش وخمسة من سائر الناس.
فقال له الفتى: سمّهم لنا يرحمك الله، فقال حذيفة: هم والله أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجرّاح، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن عاص ـ هؤلاء من قريش ـ وأمّا الخمسة الاخر: فأبو موسى الأشعري، والمغيرة بن شعبة الثقفي، وأوس بن الحدثان البصري، وأبو هريرة، وأبو طلحة الأنصاري.
____________
1- في "ج": دبروا.
2- في "ج": من هؤلاء القوم وما يريدون.
3- أثبتناه من "ب".
وارتحل رسول الله صلّى الله عليه وآله بالناس منزل العقبة، فلمّا نزل المنزل الآخر رأى سالم مولى أبي حذيفة أبا بكر وعمر وأبا عبيدة يسارّ بعضهم بعضاً، فوقف عليهم وقال: أليس قد أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله أن لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس على سرّ؟ والله لتخبروني فيما أنتم وإلاّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وآله اُخبره بذلك منكم.
فقال أبو بكر: يا سالم عليك عهد الله وميثاقه لئن نحن خبرناك بالذي نحن فيه وبما اجتمعنا له، إن أحببت أن تدخل معنا فيه دخلت وكنت رجلا منّا، وإن كرهت ذلك كتمته علينا؟ فقال سالم: لكم ذلك(1)، وأعطاهم بذلك عهده وميثاقه ـ وكان سالم شديد البغض والعداوة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام، وعرفوا ذلك منه ـ فقالوا له: إنّا قد اجتمعنا على أن نتحالف ونتعاقد على أن لا نطيع محمداً فيما فرض علينا من ولاية عليّ بن أبي طالب بعده.
فقال لهم سالم: عليكم عهد الله وميثاقه انّ في هذا الأمر كنتم تخوضون وتتناجون؟ قالوا: أجل، علينا عهد الله وميثاقه انّا انّما كنّا في هذا الأمر بعينه لا في شيء سواه، قال سالم: وأنا والله أوّل من يعاقدكم على هذا الأمر ولا يخالفكم عليه، انّه والله ما طلعت الشمس على أهل بيت أبغض لي من بني هاشم، ولا في بني هاشم أبغض لي ولا أمقت من عليّ بن أبي طالب، فاصنعوا في هذا ما بدا لكم فإنّي واحد
____________
1- في "ج": ذلك لكم منّي.
فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر ثمّ تفرّقوا، فلمّا أراد رسول الله صلّى الله عليه وآله المسير أتوه فقال لهم: فيما كنتم تتناجون في يومكم هذا وقد نهيتكم عن النجوى؟ فقالوا: يا رسول الله ما التقينا غير وقتنا هذا، فنظر إليهم النبي صلّى الله عليه وآله مليّاً، ثمّ قال لهم: أنتم أعلم أم الله، {ومن أظلم ممّن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عمّا تعملون}(1).
ثمّ سار حتّى دخل المدينة واجتمع القوم جميعاً وكتبوا صحيفة بينهم على ذكر ما تعاهدوا(2) عليه في هذا الأمر، وكان أوّل ما في الصحيفة النكث لولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وانّ الأمر لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم ليس بخارج منهم، وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا، هؤلاء أصحاب العقبة، وعشرون رجلا آخر، واستودعوا الصحيفة أبا عبيدة بن الجراح، وجعلوه أمينهم عليها.
قال: فقال الفتى: يا أبا عبد الله يرحمك الله، هبنا نقول انّ هؤلاء القوم رضوا أبا بكر وعمر وأبا عبيدة لأنّهم من مشيخة قريش [ومن المهاجرين الأوّلين](3)، فما بالهم رضوا بسالم وليس هو من قريش ولا من المهاجرين ولا من الأنصار؟ وإنّما هو عبد لامرأة من الأنصار.
قال حذيفة: يا فتى انّ القوم أجمع تعاقدوا على إزالة هذا الأمر عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام حسداً منهم له وكراهة لأمره، واجتمع لهم مع ذلك ما كان في قلوب قريش عليه من سفك الدماء، وكان خاصّة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكانوا يطلبون الثأر الذي أوقعه رسول الله صلّى الله عليه وآله بهم عند عليّ من بني هاشم، فإنّما كان العقد على إزالة الأمر عن عليّ بن أبي طالب على هؤلاء الأربعة
____________
1- البقرة: 140.
2- في "ج": تعاقدوا.
3- أثبتناه من "ج".
قال الفتى: فخبرني يرحمك الله عمّا كتب جميعهم في الصحيفة لأعرفه، فقال حذيفة: حدّثتني(1) بذلك أسماء بنت عميس الخثعميّة امرأة أبي بكر، انّ القوم اجتمعوا في منزل أبي بكر فتآمروا في ذلك ـ وأسماء تسمعهم وتسمع جميع ما يدبرونه في ذلك ـ حتّى اجتمع رأيهم على ذلك، فأمروا سعيد بن العاص الأموي فكتب لهم الصحيفة باتّفاق منهم، وكانت نسخة الصحيفة:
"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اتّفق عليه الملأ من أصحاب محمد رسول الله من المهاجرين والأنصار الذين مدحهم الله في كتابه على لسان نبيّه، اتّفقوا جميعاً بعد أن اجتهدوا في رأيهم، وتشاوروا في أمرهم(2)، وكتبوا هذه الصحيفة نظراً منهم إلى الإسلام وأهله على غابر الأيام وباقي الدهور، ليقتدي بهم من يأتي من بعدهم من المسلمين.
أمّا بعد، فإنّ الله بمنّه وكرمه بعث محمداً رسولا إلى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لعباده، فأدّى من ذلك وبلغ ما أمره الله به، وأوجب علينا القيام بجميعه حتّى إذا أكمل الدين، وفرض الفرائض، وأحكم السنن، واختار الله له ما عنده، فقبضه إليه مكرماً محبوراً من غير أن يستخلف أحداً من بعده، وجعل الاختيار إلى المسلمين يختارون لأنفسهم مَنْ وثقوا برأيه ونصحه.
وانّ للمسلمين في رسول الله اُسوة حسنة، قال الله عزوجل: {لقد كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}(3) وانّ رسول الله لم يستخلف أحداً لئلاّ يجري ذلك في أهل بيت واحد فيكون ارثاً دون سائر
____________
1- في "ج": حدّثني.
2- في "ج": اُمورهم.
3- الأحزاب: 21.
والذي يجب على المسلمين عند مضيّ خليفة من الخلفاء أن يجتمع ذوو الرأي والصلاح منهم فيتشاوروا في اُمورهم، فمن رأوه مستحقّاً لها ولّوه اُمورهم، وجعلوه القيّم عليهم، فإنّه لا يخفى على أهل كلّ زمان من يصلح منهم للخلافة، فإن ادّعى مدّع من الناس جميعاً انّ رسول الله استخلف رجلا بعينه، نصبه للناس ونصّ عليه باسمه ونسبه، فقد أبطل في قوله، وأتى بخلاف ما يعرفه أصحاب رسول الله، وخالف على جماعة من المسلمين.
وإن ادّعى مدّع انّ خلافة رسول الله ارثاً وانّ رسول الله يورث، فقد أحال في قوله، لأنّ رسول الله قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة، وان ادّعى مدّع انّ الخلافة لا تصلح إلاّ لرجل واحد من بين الناس جميعاً وانّها مقصورة فيه ولا تنبغي لغيره لأنّها تتلو النبوّة، فقد كذب لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال: أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم(1).
وإن ادّعى مدّع انّه مستحق الخلافة والامامة بقربه من رسول الله ثمّ هي مقصورة عليه وعلى عقبه، يرثها الولد منهم عن والده، ثم هي كذلك في كل عصر وزمان لا تصلح لغيرهم ولا تنبغي أن تكون لأحد سواهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فليس له ولا لولده وإن دنا من النبي نسبه لأنّ الله يقول ـ وقوله القاضي
____________
1- قال الشيخ المفيد رحمه الله في كتابه "الافصاح" ص49 ذيل هذا الحديث: هذه أحاديث آحاد، وهي مضطربة الطريق والاسناد، والخلل ظاهر في معانيها والفساد، وما كان بهذه الصورة لم يعارض الاجماع ولا يقابل حجج الله تعالى وبيّناته الواضحات، مع انّه قد عارضها من الأخبار التي جاءت بالصحيح من الاسناد، ورواها الثقات عند أصحاب الآثار، وأطبق على نقلها الفريقان من الشيعة والناصبة على الاتّفاق، ما ضمن خلاف ما انطوت عليه فأبطلها على البيان... [ثمّ ذكر الشيخ رحمه الله عدّة أحاديث في الردّ على هذا الحديث، فليراجع].
وقال رسول الله: إنّ ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، وكلّهم يد على من سواهم، فمن آمن بكتاب الله وأقرّ بسنّة رسول الله فقد استقام وأناب وأخذ بالصواب، ومن كره ذلك من فعلهم فقد خالف الحق والكتاب، وفارق جماعة المسلمين فاقتلوه فإنّ قتله صلاح للاُمّة، وقد قال رسول الله: من جاء إلى اُمّتي وهم جميع ففرّق بينهم فاقتلوه واقتلوا الفرد كائناً من كان من الناس، فإنّ الاجتماع رحمة والفرقة عذاب، ولا تجتمع اُمّتي على ضلال أبداً، وانّ المسلمين يد واحدة على من سواهم، فإنّه لا يخرج من جماعة المسلمين إلاّ مفارق معاند لهم مظاهر عليهم أعداءهم، فقد أباح الله ورسوله دمه وأحلّ قتله.
وكتب سعيد بن العاص باتّفاق ممّن اثبت اسمه وشهادته آخر هذه الصحيفة في المحرّم سنة عشر من الهجرة، والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمد النبي وآله وسلّم".
ثمّ دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجراح فوجّه بها إلى مكة، فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أن ولى عمر بن الخطاب، فاستخرجها من موضعها وهي الصحيفة التي تمنّى أمير المؤمنين عليه السلام لمّا توفّى عمر فوقف به وهو مسجّى بثوبه، قال: ما أحبّ إليّ أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجّى.
ثمّ انصرفوا وصلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله بالناس صلاة الفجر، ثمّ جلس في مجلسه يذكر الله عزوجل حتّى طلعت الشمس، فالتفت إلى أبي عبيدة بن الجراح، فقال له: بخ بخ من مثلك قد أصبحت أمين هذه الاُمّة، ثمّ تلا: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلا فويل لهم ممّا كتبت أيديهم وويل لهم ممّا يكسبون}(1) لقد أشبه هؤلاء رجال في هذه الاُمّة:
____________
1- البقرة: 79.
ثمّ قال: لقد أصبح في هذه الاُمّة في يومي هذا [قوم](2) ضاهوهم(3) في صحيفتهم التي كتبوها علينا في الجاهلية وعلّقوها في الكعبة، وإنّ الله تعالى يعذّبهم غداً ليبتليهم(4) ويبتلي من [يأتي](5) بعدهم، تفرقة بين الخبيث والطيب، ولولا انّه سبحانه أمرني بالاعراض عنهم للأمر الذي هو بالغه لقدمتهم فضربت أعناقهم.
قال حذيفة: فوالله لقد رأينا هؤلاء النفر عند قول رسول الله صلّى الله عليه وآله لهم هذه المقالة وقد أخذتهم الرعدة، فما يملك أحد منهم من نفسه شيئاً، ولم يخف على أحد ممّن حضر مجلس رسول الله صلّى الله عليه وآله ذلك اليوم انّ رسول الله إيّاهم عنى بقوله، ولهم ضرب تلك الأمثال بما تلا من القرآن.
قال: ولما قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله من سفره ذلك نزل بمنزل اُم سلمة رضي الله عنها زوجته، فأقام به شهراً لا ينزل منزلا سواه من منازل أزواجه كما كان يفعل قبل ذلك، قال: فشكت عائشة وحفصة ذلك إلى أبويهما، فقالا لهما: إنّا نعلم لم صنع ذلك ولأيّ شيء هو، امضيا إليه فلاطفاه في الكلام وخادعاه عن نفسه، فإنّكما تجدانه حيّياً كريماً، فلعلّكما تسلاّن ما في قلبه وتستخرجان سخيمته.
قال: فمضت عائشة وحدها إليه، فأصابته في منزل اُمّ سلمة وعنده عليّ بن أبي طالب، فقال لها النبي صلّى الله عليه وآله: ما جاء بك يا حميراء؟ قالت: يا رسول الله أنكرتُ تخلّفك عن منزلك هذه المدّة، وأنا أعوذ بالله من سخطك يا رسول الله،
____________
1- النساء: 108.
2- أثبتناه من "ب" و "ج".
3- في "ج": شابهوهم.
4- في البحار: يمتعهم ليبتليهم.
5- أثبتناه من "ج".
قال: ثمّ أمر خادمة لاُمّ سلمة فقال: اجمعي لي هؤلاء ـ يعني نساءه ـ فجمعتهنّ له في منزل اُمّ سلمة فقال لهنّ: اسمعن ما أقول لكنّ ـ وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب فقال لهنّ: ـ هذا أخي ووصيّي ووارثي والقائم فيكنّ وفي الاُمّة من بعدي، فأطعنه فيما يأمركنّ به ولا تعصينّه فتهلكن بمعصيته، ثمّ قال: يا عليّ اُوصيك بهنّ فأمسكهنّ ما أطعن الله ورسوله وأطعنك، وأنفق عليهنّ من مالك، ومرهنّ بأمرك، وانههنّ عمّا يريبك، وخلّ سبيلهنّ إن عصينك.
فقال عليّ عليه السلام: يا رسول الله إنّهنّ نساء ومنهنّ الوهن وضعف الرأي، فقال: ارفق بهنّ ما كان الرفق أمثل، فمن عصاك منهنّ فطلّقها طلاقاً يبرأ الله ورسوله منها، قال: وكلّ نساء النبي صلّى الله عليه وآله قد صمتن فما يقلن شيئاً، فتكلّمت عائشة فقالت: يا رسول الله ما كنّا لتأمرنا بشيء فنخالفه إلى ما سواه.
فقال لها: بلى يا حميراء، قد خالفت أمري أشدّ خلاف، وأيم الله لتخالفين قولي هذا ولتعصينه بعدي، ولتخرجين من البيت الذي اخلّفك فيه متبرّجة، قد حفّ بك فئام(1) من الناس، فتخالفينه ظالمة له عاصية لربّك، ولتنبحنّك في طريقك كلاب حوأب، ألا انّ ذلك لكائن، ثمّ قال: قمن فانصرفن إلى منازلكنّ، قال: فقمن فانصرفن.
قال: ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله جمع اُولئك النفر ومن مالأهم(2)على عليّ عليه السلام، وطابقهم على عدواته، ومن كان من الطلقاء والمنافقين ـ وكانوا زهاء أربعة آلاف رجل ـ فجعلهم تحت يدي اُسامة بن زيد مولاه، وأمّره
____________
1- في "ج": فئات.
2- في "ج": ومن والاهم.