الصفحة 334

[ باب ]
[ الفضائل الثابتة له عليه السلام بعد مضيّه ووفاته ]


منقول من كتاب الأربعين للشيخ القدوة، أخطب الخطباء، موفق الدين بن أحمد المكي، بالاسناد عن سليمان بن مهران الأعمش رحمه الله قال: بينا أنا ذات ليلة إذ أيقظني صياح الحرس وصك الباب عليّ، فقمت مرعوباً وناديت الغلام: ما هذا؟ فقال: رسل أبي جعفر المنصور، فقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون وفتحت الباب، فقال الرسول: أجب أمير المؤمنين.

فدخلت لألبس ثيابي وقلت في نفسي: ما بعث إليّ هذا الظالم في هذا الوقت إلاّ ويسألني(1) عن شيء من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، إن قلت ما عندي من الحق قتلني لا محالة، وإن ملت إلى هواه تبوّأت جهنّم، فأيست من الحياة والحرس يستحثّوني، فلبست تحت ثيابي كفناً محنّطاً كنت قد أعددته لوفاتي، ثمّ ودّعت أهلي وأطفالي، وخرجت معهم ولم أعقل شيئاً حتّى اُدخلت عليه، فسلّمت سلام خائف ذاهل اللب.

____________

1- في "ج": ليسألني.


الصفحة 335
فأومأ إليّ بالجلوس فلم أجلس رعباً، ونظرت فإذا عمرو بن عبيدة عنده، فرجع إليّ ذهني حين رأيته ثمّ سلّمت ثانياً ثمّ جلست، فعلم إنّي رعبت(1) منه فقال لي: اُدن منّي، فقمت ودنوت منه، فشمّ منّي رائحة الحنوط فقال: ويلك يا ابن مهران لتصدّقني أمرك وإلاّ أمرت بك(2)، فقلت: سل والله لا اُكذّبك.

فقال: ويحك ما هذا الحنوط، وما حدّثتك به نفسك حتّى فعلت هذا؟ فقلت: يا أمير المؤمنين الصدق أنجا، وأخبرته بجميع ما خطر ببالي، وما حدّثت نفسي به حتّى لبست كفني، وودعت قومي وصيّتي(3)، فلمّا سمع كلامي وثبت في نفسه صدقي قال: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، فلمّا سمعت حوقلته سكن روعي، وذهب بعض ما بي لما أعرف من سطوته.

ثمّ قال: يا سليمان أخبرني كم تروي حديثاً في فضائل عليّ عليه السلام، قلت: عشرة آلاف حديث، فقال: والله لاُحدّثنّك بحديثين في فضل عليّ عليه السلام، إن يكونا ممّا سمعت ورويت فعرّفني وإلاّ فاروهما عنّي، قلت: نعم يا أمير المؤمنين.

قال: إنّي أيّام كنت هارباً من بني مروان لا تسعني منهم بلد، ولا تحويني دار ولا ينالني قرار، كلّما دخلت بلداً خالطت(4) أهل ذلك البلد فيما يحبّون لأنال من نفعهم بما يطعموني ويزوّدوني إذا خرجت إلى بلد آخر، حتّى قدمت بلاد الشام متنكراً وعليّ كساء لا يواريني غيره، فبينا أنا أدور إذ سمعت الأذان في المسجد، فدخلت ذلك المسجد وركعت ركعتين، واُقيمت(5) الصلاة فصلّيت معهم العصر،

____________

1- في "ج": انّ بي رعباً منه.

2- في "ب": بقتلك.

3- في "ج": ودّعت عيالي وأطفالي ووصّيت.

4- في "الف" و "ب": خالفت.

5- في "الف" و "ب": أقمتُ.


الصفحة 336
وفي نفسي إذا قضيت الصلاة أسأل من القوم عشاء ليلتي تلك.

ولمّا سلّم الإمام وجلس إذا هو شيخ ذو وقار ونعمة ظاهرة، فأقبل إليه صبيّان وضيئان ذوا جمال وبهجة فسلّما، فقال الشيخ: مرحباً بكما ومن سمّيتما باسمهما، وكان إلى جانبي فتى فقلت له: ما هذان الصبيّان مِنْ هذا الشيخ؟ فقال: هو جدّهما، وليس في هذه البلدة رجل يحبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام غيره، وانّه من حبِّهِ عليّاً سمّى سبطيه بالحسن والحسين عليهما السلام.

فقلت في نفسي: الله أكبر، وقمت فرحاً مسروراً ودنوت منه وقلت: أيّها الشيخ هل لك أن اُحدّثك بحديث تقرّ به عينك؟ قال: نعم، فقلت: أخبرني والدي عن أبيه عن جدّه قال: كنّا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ أتت فضّة جارية فاطمة عليها السلام فقالت ـ وهي باكية العين ـ: انّ الحسن والحسين خرجا من عند سيّدتي فاطمة آنفاً وما تدري أين ذهبا وهي باكية [حزينة](1).

فقام صلى الله عليه وآله من ساعته حتّى دخل منزل فاطمة فوجدها باكية حزينة، فقال: لا تبكي يا فاطمة ولا تحزني فوالذي نفسي بيده انّ الله هو ألطف بهما منك وأرحم، ورفع يده إلى السماء وقال: اللّهمّ إنّهما ولداي وقرّتا عيني وثمرة فؤادي، وأنت أرحم بهما وأعلم بموضعهما، يا لطيف بلطفك الخفي احفظهما لي، وسلّمهما أين كانا من الأرض.

فما استتمّ كلامه ودعاءه حتّى هبط الأمين جبرئيل عليه السلام وقال: يا محمد لا تحزن ولا تغتمّ فإنّ ولديك وجيهان عند الله في الدنيا والآخرة وأبوهما خير منهما، وهما الآن نائمان في حظيرة بني النجار، وقد وكّل الله عزوجل بهما ملكاً يحفظهما.

فلمّا سمع رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك مضى ومن حضر معه حتّى انتهى

____________

1- أثبتناه من "ب".


الصفحة 337
إليهما، فوجدهما نائمان وهما متعانقان، والملك الموكّل بهما قد وضع أحد جناحيه وطاءً لهما(1) والآخر قد جلّلهما به وقاية من حرّ الشمس، فهوى رسول الله صلى الله عليه وآله عليهما يقبّلهما واحداً واحداً ويمسح بيده عليهما حتّى استيقضا.

فحمل النبي صلى الله عليه وآله الحسن وحمل جبرئيل عليه السلام الحسين حتّى خرجنا من الحظيرة وهو يقول: والله لاُشرفكما اليوم كما شرّفكما الله من لدنه، وكان جبرئيل يتمثّل بدحية الكلبي دائماً، فصادفهما أبو بكر فقال: يا رسول الله ناولني أحد الصبيّين اُخفّف عنك أو عن صاحبك، فقال: دعهما فنعم الحاملان ونعم الراكبان وأبوهما خير منهما.

ومضيا بهما حتّى دخلا المسجد ثمّ أقبل صلى الله عليه وآله على بلال فقال: هلمّ عليّ بالناس فنادِ فيهم واجمعهم، ثمّ قام صلى الله عليه وآله على قدميه خطيباً، فخطب الناس خطبة أبلغ فيها بحمد الله عزوجل والثناء عليه بما هو مستحقّه، ثمّ قال: معاشر المسلمين هل أدلّكم على خير الناس جدّاً وجدّه؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين، جدّهما رسول الله، وجدّتهما خديجة سيّدة نساء أهل الجنّة، وأوّل من سارعت إلى الايمان بالله تعالى، والتصديق بما أنزل الله على نبيّه.

ثمّ قال: ألا أدلّكم على خير الناس أباً واُمّاً؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين أبوهما(2) أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، واُمّهما فاطمة بضعة رسول الله التي شرّفها الله عزوجل في سمائه وأرضه، يرضى الله برضاها ويغضب لغضبها، ثمّ قال: ألا أدلّكم على خير الناس خالا وخالة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين، خالهما القاسم بن رسول الله، وخالتهما زينب بنت رسول الله.

ثمّ قال: ألا أدلّكم على خير الناس عمّاً وعمّة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال:

____________

1- في "ج": وظلّلهما.

2- زاد في "ج": أبوهما إمام المتّقين، ومن افترض الله طاعته على الخلائق أجمعين.


الصفحة 338
الحسن والحسين، عمّهما جعفر الطيّار ذو الجناحين يطير مع الملائكة في الجنّة حيث يشاء، وعمّتهما اُمّ هاني بنت أبي طالب المقبولة الايمان، ثمّ قال: اللّهمّ إنّك تعلم انّ الحسن والحسين في الجنّة، وجدّهما وجدّتهما في الجنّة، وأبوهما في الجنّة، واُمّهما في الجنّة، وخالهما في الجنّة، وخالتهما في الجنّة، وعمّهما في الجنّة، وعمّتهما في الجنّة، ومن يحبّهما في الجنّة، ومن يبغضهما في النار.

قال: فتهلّل وجه الشيخ وقال: أنشدك الله تعالى من أنت؟ قلت: رجل من أهل الكوفة، فقال: عربي أم مولى، قلت: بل عربي شريف، قال: تحدّث بمثل هذا الحديث وتكون في مثل هذا الكساء الرث، قلت: نعم، أنا هارب من بني مروان على هذه الحالة ولو غيّرتها ربّما عُرفت، فلا آمن على نفسي منهم القتل، فقال: لا خوف عليك إن شاء الله، وكساني خلعتين(1) وحملني على بغلته إلى منزله وقال: أقرّ الله عينك كما قررت عيني بروايتك، ولاُرشدك إلى فتى يقرّ الله به عينك.

ثمّ بعث معي رجلا بعد أن [أكرمني و](2) أكرم ضيافتي، فأتى بي ذلك الرجل إلى باب دار وقرع الباب واستأذن لي، فخرج الخادم إليّ وأدخلني الدار، وإذا بفتى جالس على سرير منجّد(3)، فسلّمت فأحسن الردّ وأخذ بيدي وأجلسني قريباً منه، وكان صبيح الوجه حسن الخلقة، فقال ـ وقد نظر إلى ملبوسي ـ: قد عرفت هذه الكسوة والخلعة والبغلة، وما كان أبو محمد ليكسوك خلعته ويحملك على مركوبه إلاّ بأنّك من محبّي أهل بيت رسول الله وعترته، واحبّ رحمك الله أن تحدّثني بشيء من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام.

قلت: نعم، حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلى الله عليه وآله انّه قال: دخلت يوماً إلى فاطمة فقامت إليّ والحسن على كتفها وهي تكفكف عبرتها،

____________

1- في "ج": حلّتين.

2- أثبتناه من "ج".

3- المنجّد: المزيّن. (أقرب الموارد)


الصفحة 339
فقلت: ما يبكيك لا أبكى الله عينك، قالت: يا أبة سمعت انّ نساء قريش قد عيّرتني في المحافل فقلن: زوجها معدوماً لا مال له.

فقال لها صلى الله عليه وآله: لتقرّ عينك يا فاطمة، والله ما أنا زوّجتك ولكنّ الله عزوجل زوّجك من فوق سبع سماوات، وأشهد جبرئيل وميكائيل واسرافيل، وانّ الله سبحانه اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار من الخلائق أباك لرسالته، ثمّ اطلع ثانية فاختار علياً لولايته وزوّجك إيّاه فاتّخذته وصيّاً، فعليّ منّي وأنا منه.

ألا وانّ علياً أوفر الناس علماً، وأعظمهم حلماً، وأقدمهم سلماً، والحسن والحسين ولداه سيّدا شباب أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين، وسمّاهما الله تعالى في التوراة على لسان موسى عليه السلام شبّراً وشبيراً، يا فاطمة أبشري فإنّي إذا دُعيت غداً إلى ربّ العالمين فعليّ معي، وإذا جئت(1) فمعي عليّ، وهو صاحب لواء الحمد في موقفي، يا فاطمة انّ علياً وشيعته الفائزون يوم القيامة بالجنّة يوم لا ينفع مال ولا بنون.

قال: فلمّا سمع الفتى حديثي بدت عليه البهجة وتلألأ وجهه مسرّة وقال: أنشدتك الله من تكون؟ قلت: رجل من أهل الكوفة، فلم يزد على ذلك، ثمّ أمر لي بثلاثين ثوباً مع عشرة آلاف درهم، ثمّ قال: أقرّ الله عينك بما بشّرتنا، ثمّ قال: ولي إليك حاجة، قلت: قضيت إن شاء الله، قال: إذا كان السحر(2) فآت مسجد فلان لكي ترى أخي الشقي.

قال: فوالله ما بتّ ليلتي من الحرص لأن أرى أخاه، فلمّا كان الصبح أتيت ذلك المسجد للصلاة، فقمت في الصف الأوّل، فلمّا قضيت أداء الفرض نظرت وإلى جانبي(3) شاب معتم بعمامة كبيرة وقد أهوى للسجود عجلا، فسرحت العمامة عن

____________

1- في "ب": وإذا أجبت.

2- في "ج": الفجر.

3- في "ج": وإذا بجانبي.


الصفحة 340
نصف رأسه وهو على هيئة رأس خنزير، وبان صفحة وجهه وجه خنزير.

فدهشت ممّا عاينت حتّى لم أعقل في يقظة أنا أم في نوم، وانّ الرجل ابتدرها عجلا فردّها على رأسه ولاحت منه التفاتة نحوي، فاستبان منّي انّي قد عاينته، فقلت له: يا فتى ما هذا الذي لمحت منك؟ فأخذ بيدي وقال: أظنّك غريباً فصر معي إلى منزلي لاُضيّفك واخبرك، وأتى بي إلى منزله وإلى جانب داره دكان خراباً، فأومأ إليه وقال: رأيته؟ قلت: نعم.

فأدخلني الدار وجلسنا واستدعى بمأكول فأكلت، ثمّ قلت: هل تخبرني؟ فصعد نفساً طويلا وبكى حتّى كادت نفسه تزهق، ثمّ قال: اعلم انّي كنت اُؤذّن في المسجد على أهل هذا الدكان وأؤم في المسجد، وكنت أشتم عليّاً عليه السلام عقيب كلّ أذان مائة مرّة حتّى إذا كان يوم الجمعة أذّنت وأقمت [الصلاة](1) ولعنت بينهما ألف مرّة، ولمّا خرجت من المسجد أتيت هذا الدكان الذي أريتك، فجلست على طرفه متّكئاً على جانب الحائط إذ أخذتني رقدة، فرأيت في منامي كأنّما قد فتح باب من الجنّة مقابل هذا الدكان، فبان لي منه قبة خضراء مكلّلة بالاستبرق والديباج.

وكان النبي وعلياً والحسن والحسين عليهم السلام قد أقبلوا فدخلوها، وجبرئيل عن يمين الرسول صلى الله عليه وآله بيده ابريق فضّة بيضاء يشرق نوره، وعن يساره عليّ عليه السلام بيده كأس يتلألأ نوراً، وكأنّما النبي صلى الله عليه وآله قال للحسين: خذ الكأس واسق أباك، فسقاه ثمّ سقى النبي ومن معه، وكأنّما قال النبي صلى الله عليه وآله للحسين: اسق هذا الذي على هذا الدكان، فدمعت عينه وقال: يا جدّاه أتأمرني أن أسقي من يلعن أبي عقيب كلّ أذان مائة مرّة في كلّ يوم، وفي هذا يوم الجمعة قد لعنه ألف مرّة.

____________

1- أثبتناه من "ب".


الصفحة 341
فإذا النبي صلى الله عليه وآله يقول بأعلى صوته: ما لك عليك لعنة الله ـ قالها ثلاثاً ـ ويلك أتشتم علياً وهو منّي وأنا منه ـ قالها ثلاثاً ـ ما لك عليك غضب الله ـ قالها ثلاثاً ـ ويلك أتسبّ علياً وعليّ منّي، ثمّ تفل في الهواء نحوي وقال: بدّل الله خلقك، وسوّد وجهك، وجعلك عبرة لغيرك، قال: والله قد أحسست برأسي وكأنّه انفطر، فانزعجت مرعوباً فإذا رأسي ووجهي على ما رأيت.

ثمّ قال المنصور: يا ابن مهران انّ هذين الحديثين رويتهما على ما ترى؟!(1)فقلت: لا والله يا أمير المؤمنين، فقال: هذا من ذخائر الأحاديث ونوادره، ثمّ قال: حبّ عليّ ايمان وبغضه نفاق، فقلت: الأمان يا أمير المؤمنين، فقال: لك الأمان، قلت: ما تقول في قاتل الحسين عليه السلام؟ قال: في النار أخزاه الله، فقلت: وكذلك من قتل من ولدهم أحداً، قال: فحرّك رأسه قليلا ثمّ قال: ويحك يا سليمان الملك عقيم ـ قالها ثلاثاً ـ. تمّ الحديثان والحمد لله المنّان(2).

وأمّا الفضائل الثابتة بعد مضيّه صلى الله عليه وآله فكثيرة يطول بذكرها الكتاب، فلنذكر منها شيئاً يسيراً.

روي انّ الشاعر الببغا وفد على بعض الملوك، وكان يفد عليه في كلّ سنة فوجده في الصيد، فكتب وزير الملك يخبره بقدومه، فأمره أن يسكنه في بعض دوره، وكان على باب تلك الدار غرفة كان الببغا يبيت ليله فيها ولها مطلع إلى الدرب، وكان على الحارس أن يخرج كلّ ليلة بعد نصف الليل فيصيح بأعلى صوته: يا غافلين اذكروا الله، على باغض معاوية لعنة الله.

وكان الببغا الشاعر ينزعج لصوته، فاتّفق في بعض الليالي انّ الشاعر رأى في منامه انّ النبي صلى الله عليه وآله قد جاء هو وعليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى

____________

1- في "ج": فيما تروي.

2- راجع مناقب الخوارزمي: 284; ومناقب ابن المغازلي: 143; وفضائل ابن شاذان: 116; وانظر أيضاً أمالي الصدوق: 353 ح1 مجلس 67; عنه البحار 37: 88 ح55; ولم نعثر على كتاب أربعين الخوارزمي.


الصفحة 342
ذلك الدرب، فوجدا الحارس، فقال النبي صلى الله عليه وآله [لعليّ بن أبي طالب](1): اصفعه بيدك فإنّه يسبّك، فضربه أمير المؤمنين عليه السلام بين كتفيه، وانتبه الشاعر منزعجاً من المنام.

ثمّ انتظر الصوت الذي كان يسمعه من الحارس كلّ ليلة فلم يسمعه فعجب من ذلك، ثمّ سمع صياحاً ورأى رجالا قد أقبلوا إلى دار الحارس، فسألهم الخبر فقالوا: انّ الحارس قد حصل له بين كتفيه ضربة بقدر الكف وهي تتشقّق وتمنعه القرار، فلم يكن وقت الصباح حتّى مات وشاهده بذلك الحال أربعون نفساً(2).

وروي أيضاً انّه كان لأبي دلف ولد، فتحادث أصحابه في حبّ عليّ عليه السلام وبغضه، فروى بعضهم عن النبي صلى الله عليه وآله انّه قال: يا عليّ ما يحبّك إلاّ مؤمن تقيّ، ولا يبغضك إلاّ كافر منافق شقي ولد زنية أو حيضة.

فقال ولد أبي دلف: ما تقولون في الأمير هل يؤتى في أهله؟ فقالوا: لا، فقال: أنا أبغض عليّاً وليس كما روى هذا الرجل، فخرج أبوه وهم في التشاجر فقال: ما تقولون؟ فقالوا: كذا، وحكوا كلام ولده، فقال: والله انّ هذا الخبر حق، وانّه لولد زنية وحيضة معاً، إنّي كنت مريضاً في دار أخي فتماثلت ودخلت عليّ جاريته لقضاء حاجة، فدعتني نفسي إليها، فأبت وقالت: انّي حائض، فكابرتها على نفسها ووطأتها، فحملت بهذا الذي يبغض علياً فهو لزنية وحيضة(3).

وروي أيضاً انّه كان ببلد الموصل شخص يقال له حمدان بن حمدونالعدوي، وكان شديد العناد كثير البغض لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام، فأراد بعض أعيان أهل الموصل الحج، فجاء إليه يودّعه وقال: انّي قد عزمت على

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- راجع كشف اليقين: 478; عنه البحار 42: 9 ح12.

3- كشف اليقين: 482; عنه البحار 39: 287 ح80.


الصفحة 343
الخروج إلى الحجّ، فإن كان لك حاجة هناك فعرفني حتّى أقضيها(1)، فقال: إنّ لي حاجة مهمّة وهي عليك سهلة، فقال له: مرني حتّى أفعلها.

قال: إذا وردت المدينة وزرت النبي صلى الله عليه وآله فخاطبه عنّي وقل له: يا رسول الله ماذا أعجبك من عليّ بن أبي طالب حتّى زوّجته ابنتك؟ عظم بطنه، أم دقة ساقيه، أم صلعة رأسه؟! وحلّفه وعزم عليه أن يبلغ هذا الكلام.

فلمّا بلغ الرجل المدينة وقضى أمره نسى تلك الوصيّة، فرأى أمير المؤمنين عليه السلام في منامه وهو يقول: لِمَ لا تبلّغ وصيّة فلان؟ فانتبه ومضى لوقته إلى القبر المقدّس، وخاطب رسول الله صلى الله عليه وآله بما أوصاه ذلك الرجل، ثمّ نام فرأى أمير المؤمنين عليه السلام قد أخذه ومشى هو وإيّاه إلى منزل ذلك الرجل، وفتح الأبواب وأخذ مدية(2) فذبحه أمير المؤمنين عليه السلام بها، ثمّ مسح المدية بملحفة كانت عليه، ثمّ جاء إلى سقف باب الدار فرفعه بيده ووضع المدية تحته وخرج.

فانتبه الحاج منزعجاً من ذلك وكتب صورة المنام هو وأصحابه، وانتهى الخبر إلى سلطان الموصل في تلك الليلة، فأخذ الجيران والمشتبهين ورماهم في السجن، واستعجب(3) أهل الموصل من قتله حيث لم يجدوا نقباً، ولا أثر تسلّق على حائط، ولا باباً مفتوحاً.

وبقي السلطان متحيّراً في أمره ما يدري ماذا يصنع في قضيّته، ولم يزل الجيران وغيرهم في السجن حتّى ورد الحاج من مكة، فلقى الجيران في السجن فسأل عن سبب ذلك، فقيل له: انّ في الليلة الفلانية وجد فلان في داره مذبوحاً ولم نعرف قاتله، فكبّر هو وأصحابه وقال لأصحابه: اخرجوا صورة المنام المكتوبة

____________

1- في "ج": حتّى نجيبها لك.

2- المدية: الشفرة. (القاموس)

3- في "ج": تعجب.


الصفحة 344
عندكم، فأخرجوها فوجدوا ليلة المنام هي ليلة القتل.

ثمّ مضى هو وأصحابه إلى دار المقتول، وأمرهم باخراج الملحفة، وأخبرهم بالدم الذي كان فيها، فوجدوها كما قال، ثمّ أمر برفع المردم(1) فرفع فوجدوا السكين تحته فعرفوا صدق منامه، وافرج عن المسجونين(2) ورجع أهل المقتول وكثير من أهل البلد إلى الايمان، وكان ذلك من لطف الله سبحانه وتعالى في حقّهم(3)، وهذه القصة مشهورة وهي من الغرائب، فماذا تقول في فضل هذا الرجل وعظم شأنه، وارتفاع منزلته، وعلوّ مكانه. تمّ الخبر.

[في فضائل مشهده الشريف عليه السلام]

ومن فضائله ما خصّ الله تعالى مشهده الشريف، وحرمه المقدّس من الفضل والمزيّة التي ليست لمكان آخر من الأمكنة الشريفة، وما جاء في فضل زيارته عليه السلام.

الأوّل: في ذكر قبره، وكيفية دفنه عليه السلام، وما يتعلّق بذلك.

اعلم انّ عمره عليه السلام المبارك كان ثلاثاً وستّين سنة، وقبض بالكوفة ليلة الجمعة احدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلا بالسيف، قتله ابن ملجم المرادي لعنه الله في مسجد الكوفة وهو في الصلاة، وحمل إلى الغري ودفن حيث الآن قبره، والغري يقال بالافراد للتخفيف، والمسموع الغريّان، قال الجوهري: بناءان طويلان(4).

____________

1- في "ج": السقف.

2- في "ج": فأخرج المحبوسين.

3- كشف اليقين: 480; عنه البحار 42: 10 ح12.

4- الصحاح 4: 2445 / غرا.


الصفحة 345
وأمّا كيفية دفنه فهو لمّا قبض عليه السلام وغسل وكفن، اُخرج إلى مسجد الكوفة أربع توابيت وصلّى عليها، ثمّ اُدخل تابوت إلى البيت، والثلاثة الباقية منها ما بُعث إلى جهة بيت الله الحرام، ومنها ما بعث إلى مدينة الرسول، ومنها ما نقل إلى بيت المقدس، وفعل ذلك لاخفائه عليه السلام، ويأتي سبب ذلك.

وكان عليه السلام قال لولديه الحسن والحسين عليهما السلام عند الوفاة: إذا أنا متّ فاحملاني على سريري، وانتظرا حتّى إذا ارتفع لكما مقدّم السرير فاحملا مؤخّره، فلمّا مضى هزيع من الليل قام الحسن والحسين عليهما السلام وخواصّهما وارتفع مقدّم السرير وحملا مؤخّره.

قال من حضر من خواصّهم: كنّا حال حمل الجنازة نسمع دوي الملائكة بالتسبيح والتكبير والتهليل، وناطقاً لنا بالتعزية يقول: أحسن الله لكم العزاء في سيّدكم وحجة الله على خلقه، حتّى أتينا الغريين فإذا صخرة بيضاء تلمع نوراً، فوضع المقدّم عندها فوضعنا المؤخّر، وحفرنا الصخرة فإذا ساجة مكتوب عليها: "هذا قبر ادّخره نوح النبي لوصيّ محمد صلى الله عليه وآله قبل الطوفان بسبعمائة عام". فدفنّاه هناك واُخفي قبره الشريف، وبقي مخفيّاً إلى زمان الرشيد، وظهر في زمانه.

و [أمّا](1) كيفيّة ظهوره ما روي عن عبد الله بن حازم قال: خرجنا يوماً مع الرشيد من الكوفة وهو يتصيّد، فصرنا إلى ناحية الغريين فرأينا ضباء، فأرسلنا عليها الصقور والكلاب فجاولتها ساعة، ثمّ لجأت الضباء إلى اكمة فسقطت عليها، فتراجعت الصقور والكلاب عنها، فتعجّب الرشيد من ذلك.

ثمّ انّ الضباء هبطت من الاكمة فسقطت الطيور والكلاب عليها، فرجعت الضباء إلى الاكمة فتراجعت الكلاب عنها مرّة ثانية، ثمّ فعلت ذلك مرّة اُخرى،

____________

1- أثبتناه من "ج".


الصفحة 346
فقال الرشيد: اركضوا إلى الكوفة فأتوني بأكبرها سنّاً، فاُتي بشيخ من بني أسد فقال له الرشيد: أخبرني ما هذه الاكمة، فقال: حدّثني أبي عن آبائه انّهم كانوا يقولون انّ هذه الاكمة قبر عليّ بن أبي طالب عليه السلام، جعله الله تعالى حرماً لا يأوي إليه شيء إلاّ أمن.

فنزل هارون الرشيد ودعا بماء وتوضّأ وصلّى عند الأكمة، وجعل يدعو ويبكي ويمرغ عليها وجهه، وأمر أن يبنى فيه [قبّة](1) بأربعة أبواب، فبني وبقي إلى أيّام السلطان عضد الدولة رحمه الله، فجاء وأقام في ذلك الطرف قريباً من سنة هو وعساكره، فبعث فاُتي بالصنّاع والأساتذة من الأطراف، وخرّب تلك العمارة وصرف أموالا كثيراً جزيلة، وعمّر عمارة جليلة حسنة، وهي العمارة التي كانت قبل عمارة اليوم(2).

وأمّا الدليل الواضح والبرهان اللاّئح على انّ قبره الشريف عليه السلام بالغري فمن وجوه: الأوّل: تواتر الامامية الاثنا عشرية يروونه خلفاً عن سلف، الثاني: اجماع الشيعة والاجماع حجة، و [الثالث](3) منها: ما حصل عنده من الأسرار والآيات وظهور المعجزات، ومنها ما ذكر في كيفية ظهوره في أيام الرشيد، ومنها ما حصل فيه من قيام الزمن وردّ بصر الأعمى.

ومنها ما حكي عن جماعة خرجوا بليل مختفين إلى الغري لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام، قالوا: فلمّا وصلنا إلى القبر الشريف ـ وكان يومئذ قبراً حوله حجارة ولا بناء عنده، وذلك بعد أن أظهره الرشيد وقبل أن يعمّره ـ فبينما نحن عنده بعضنا يقرأ وبعضنا يصلّي وبعضنا يزور، وإذا نحن بأسد مقبل نحونا، فلمّا قرب منّا

____________

1- أثبتناه من "ب".

2- فرحة الغري: 119; عنه البحار 42: 329 ح16.

3- أثبتناه من "ج".


الصفحة 347
قدر رمح قال بعضنا لبعض: ابعدواعن القبر لننظر ما يصنع.

فتباعدنا عن القبر الشريف، فجاء الأسد وجعل يمرغ ذراعيه على القبر، فمضى رجل منّا فشاهده وعاد فأعلمنا، فزال الرعب عنّا فجئنا فأجمعنا فشاهدناه يمرغ ذراعيه على القبر وفيه جراح، فلم يزل يمرغه ساعة ثمّ انزاح عن القبر ومضى، وعُدنا إلى ما كنّا عليه لاتمام الزيارة والصلاة وقراءة القرآن(1).

ومنها ما روي عن كمال الدين بن عنان(2) القمي قال: دخلت حضرة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فزرت وتحوّلت إلى المسألة ودعوت وتوسّلت بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ قمت فعلق مسمار من الضريح المقدّس سلام الله على مشرفه في قبائي فمزّقه، فقلت مخاطباً لأمير المؤمنين عليه السلام: ما أعرف عوض هذا القباء إلاّ منك.

وكان إلى جانبي رجل رأيه غير رأيي، فقال لي مستهزئاً: ما يعطيك عوضه إلاّ قباء وردياً(3)، وانفصلنا من الزيارة وجئنا إلى الحلّة، وكان جمال الدين بن قشتم(4) الناصري قد هيّأ لشخص يريد أن ينفذه إلى بغداد قباء وردياً(5)، فخرج الخادم على لسان ابن قشتم وقال: اُطلبوا كمال الدين القمي.

فجئت وأخذ بيدي ودخل الخزانة وألبسني قباء وردياً(6)، فخرجت ودخلت حتّى اُسلّم على ابن قشتم واُقبّل كفّه، فنظر نظراً شزراً عرفت الكراهية في وجهه، والتفت إلى الخادم كالمغضب وقال له: طلبت فلان فأين هو؟ فقال الخادم: إنّما طلبت كمال الدين القمي، وشهد الجماعة الذين كانوا جلساء الأمير انّه أمر

____________

1- فرحة الغري: 141; عنه البحار 42: 315 ح2.

2- في "ج": غياث.

3- في "ج": قباءً ورداءً.

4- في "ج": قشم، وفي فرحة الغري: قشتمر.

5 و 6) في "ج": قباء ورداء.


الصفحة 348
بحضور كمال الدين القمي.

فقلت: أيّها الأمير ما خلعت أنت عليّ هذه الخلعة بل أمير المؤمنين عليه السلام خلعها عليّ، فالتمس منّي الحكاية فحكيت له، فخرّ ساجداً وقال: الحمد لله إذ كانت الخلعة على يدي(1).

ومنها ما روي عن عليّ بن يحيى بن الحسن بن الطحال المقدادي قال: أخبرني أبي، عن أبيه، عن جدّه ـ وكان من الملازمين للقبّة الشريفة صلوات الله على مشرفها ـ انّه أتاه رجل مليح الصورة نقي الأثواب ودفع إليه مثقالين(2) وقال له: اغلق عليّ باب القبّة وذرني وحدي أعبد الله.

فأخذهما منه وأغلق عليه الباب، فنام فرأى أمير المؤمنين عليه السلام في منامه وهو يقول: اُقعد أخرجه عنّي فإنّه نصراني. فنهض عليّ بن طحال فأخذ حبلا فوضعه في عنق الرجل وقال له: اُخرج تخدعني بالمثقالين وأنت نصراني، فقال: لست بنصراني، قال: بلى انّ أمير المؤمنين عليه السلام أتاني في المنام وأخبرني انّك نصراني، وقال أخرجه عنّي.

فقال الرجل: امدد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله، وانّ علياً أمير المؤمنين خليفة الله، والله ما علم أحد بخروجي من الشام، ولا عرفني أحد من أهل العراق، ثمّ حسن اسلامه(3).

ومنها ما حكي انّ عمران بن شاهين من أهل العراق عصى على السلطان عضد الدولة، فطلبه طلباً شديداً فهرب منه إلى المشهد الشريف متخفيّاً(4)، وقصد أمير المؤمنين عليه السلام ودعا عنده وسأله السلامة.

____________

1- فرحة الغري: 142; عنه البحار 42: 316 ح3.

2- في "ج": دينارين.

3- فرحة الغري: 146; عنه البحار 42: 319 ح6.

4- في "ج": مستخفياً.


الصفحة 349
فرأى أمير المؤمنين عليه السلام في منامه وهو يقول: يا عمران انّ في غد يأتي فناخسرو إلى مشهدي للزيارة، فتقف أنت هاهنا ـ وأشار إلى زاوية من زوايا القبّة ـ وانّهم لا يرونك، ويدخل هو إلى الضريح ويزور ويصلّي ويبتهل في الدعاء والقسم بمحمد وآله أن يظفر بك، فادن منه وقل له: أيّها الملك ما هذا الذي قد ألجأت(1) بالقسم بمحمد وآله أن يظفرك به؟ فيقول: رجل عصاني ونازعني في سلطاني، فقل له: ما لمن يظفرك به؟ فيقول: إن طلب منّي العفو عنه قبلت منه، فأعلمه بنفسك فإنّك تجد منه ما تريد.

قال: فكان ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: أنا عمران بن شاهين(2)، قال له: من أوقفك هاهنا؟ فقال: هذا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أوقفني هاهنا، وقال لي في منامي: غداً يحضر فناخسرو إلى هاهنا، وأعاد عليه القول، فقال له السلطان: بحقّه عليك قال لك فناخسرو؟ قلت: اي وحقّه.

فقال عضد الدولة: انّه لحق والله، ما عرف أحد انّ اسمي فناخسرو إلاّ اُمّي والقابلة وأنا، ثمّ خلع عليه خلع الوزارة وطلع بين يديه إلى الكوفة.

وكان عمران هذا قد نذر عليه انّه متى عفى عنه عضد الدولة أن يأتي إلى زيارة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام حافياً حاسراً، فلمّا جنّه الليل خرج من الكوفة وحده، فرأى بعض من كان في الحضرة الشريفة من القوّام ـ وهو عليّ بن طحال المقدادي ـ مولانا وسيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام في منامه وهو يقول: اقعد وافتح لوليّي عمران بن شاهين الباب.

فقعد وفتح الباب فإذا بالرجل قد أقبل، فلمّا وصل قال له: بسم الله يا مولانا، فقال له: ومن أنا؟ فقال: عمران بن شاهين، فقال: لست بعمران بن شاهين(3)،

____________

1- في "ج": ألحت.

2- زاد في "ج": فقال: من أنت؟ قال: أنا عمران....

3- في "ج": من أين علمت انّي عمران بن شاهين.


الصفحة 350
فقال: بلى انّ أمير المؤمنين عليه السلام أتاني في منامي فقال لي: اقعد وافتح الباب لوليّي عمران بن شاهين.

قال له: بحقّه هو قال لك؟ فقال: اي وحقّه هو قال لي، فوقع على العتبة الشريفة يقبّلها ويبكي، وأحال لذلك الرجل بستّين مثقالا، وبنى الرواق المعروف برواق عمران في المشهدين الشريفين ـ الغروي والحائري على مشرفهما أفضل الصلاة والسلام ـ والأخبار الواردة في هذا المعنى كثيرة(1).

وأمّا السبب الموجب لاخفاء قبره فهو انّه قد تحقّق وعلم ما جرى لأمير المؤمنين عليه السلام من الوقائع العظيمة والحروب الكثيرة زمان النبي صلى الله عليه وآله وبعده، وأوجب ذلك حقد المنافقين المارقين عليه حتّى ابن ملجم لعنه الله لمّا اُخذ ليُقتل قال للحسن(2) عليه السلام: انّي اُريد أن اُسارّك(3) بكلمة يا ابن رسول الله، فأبى الحسن(4) عليه السلام وقال: انّه يريد أن يعضّ اُذني، فقال ابن ملجم لعنه الله: والله لو أمكنني منها لأخذتها من صماخه(5).

فإذا كان هذا فعال هذا الكافر وحقده إلى هذه الغاية، وهو على تلك الحال وقد اُتي به للقتل، فكيف يكون حال معاوية وأصحابه وبني اُميّة والدولة لهم والملك بيدهم، وكانوا يبالغون في اطفاء نور أهل البيت واخفاء آثارهم، فلهذا السبب أوصى عليه السلام أن يدفن سرّاً خوفاً من بني اُميّة وأعوانهم، والخوارج وأمثالهم أن يتهجّموا على قبره الشريف لو كان ظاهراً.

وأيضاً ربّما لو نبشوه مع العلم بمكانه لحمل ذلك بني هاشم على المحاربة

____________

1- فرحة الغري: 147; عنه البحار 42: 319 ح7 باختلاف.

2- في "الف": للحسين عليه السلام.

3- في "ب": اُشاورك.

4- في "الف: للحسين عليه السلام.

5- انظر فرحة الغري: 19.