٥ - المجلد الأوّل / الإهداء
يا بقيّة الله .. يا سليل رسول الله .. ويا حبيب فاطمة الزهراء وعلىّ المرتضي . سيّدى .. يا من ذكرك يجعل القلب يفيض بحبّ الجمال ، ويشدو صوب المكرمات ، ويتطلّع إلي العدل والخير . إيه "يا شمس المغرب" ، ويا من التفكير بغاياتك الشاهقة النبيلة ، مطالعَ نور تتفجّر براكينَ حماسة وإيمان . إيه "يا من يملأ الأرض عدلاً" ، ويا من ظهورك تتويجٌ لغايات النبيّين ، وحضورك تأسيس لـ "يوم الخلاص" الموعود . يا آخرَ أمل أنتَ ، ويا أغلي هبات السماء ، يا من اسمك يملأ النفوس أملاً ، وَذكرك ينثر علي العاشقين عطراً روحيّاً فوّاحاً ، يجذبهم صوب الشمس . بعد سنوات طويلة من الجهد المثابر الخاضع الدؤوب ، وحيث تمّت صفحات هذا الكتاب وهى تتضوّع فى كلّ جزء جزء باسم علىّ بن ٦ - المجلد الأوّل / الإهداء
أبى طالب رمز العدالة الشاهق ، ومثال الحقّ والإيمان النابض ، ها أنا أرفع بضاعتى المزجاة ، وأتطلّع إليك ـ يا أيّها العزيز ـ بكفٍّ ممدودة ملؤها الرجاء . أهتفُ وأقول ، بخشوع آسر ودمع هطول : سيّدى .. أيها اللواء المنشور والعلم المركوز يا مَظهر الرحمة الفيّاضة ، والحنان الكبير يا ملاذ أهل الضرّ والبلوي ، وصريخ المكروبين يا سَطْعة نور متفجّر فى وهدة الدَّيجور ويا شمساً طالعة فى اُفق الوجود . تقبّل ـ سيّدى ـ هذه الهديّة المتواضعة ، وحفّها منك بنظرة رعاية كريمة ، واجعلنا من المشمولين بضراعاتك ، وحقّق لنا أمل الوصال ، وأذقنا طعم اللقاء . ٨ - المجلد الأوّل / المدخل
٩ - المجلد الأوّل / المدخل
الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنّا لنهتدى لولا أن هدانا الله ، وصلّي الله علي سيّد المرسلين ، وخاتم الأنبياء محمّد ، وأهل بيته الطيّبين الطاهرين ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً . قال رسول الله ½ : علىٌّ آيةُ الحقّ ، وراية الهدي . ماذا أقول فى علىّ ¼ والحديث عنه صعب شاقّ ؟ ! ثمّ هو أصعب إذا ما رامت الكلمات أن تتسلّق صوب ذراه الشاهقة ، وتطمع أن تكون خليقة بتلك الشخصيّة المتألّقة . النظر إلي شخصيّة الإمام أمير المؤمنين ¼ محنة للفكر . وتملّى أبعاد هذا الرجل الشاهق يتطلّب طاقة لا تحتملها إلاّ الجبال الرواسى . أمّا الحديث عن بعض عظمته الباهرة ، وما تحظي به هذه الشخصيّة المتوهِّجة فى التاريخ الإنسانى من جلال وجمال ، فهو خليق بكلام آخر ، ويحتاج ١٠ - المجلد الأوّل / المدخل
إلي لغة اُخري ; لغة تتناهي فى امتدادها حتي تبلغ "الوجود" سعة ، عساها ـ عندئذ ـ أن تُدرك شيئاً ضئيلاً من كلّ هذه الفضيلة التى تُحيط تلك الشخصيّة "العملاقة" ، وما يحظي به من سموّ ومناقب لا نظير لها ، ثمّ عساها أن تؤلّف كلاماً يرتقى إلي مدي هذا الإنسان الإلهى ، ويكون جديراً به . أمّا اُولئك الذين سلّحتهم بصيرتهم بفكر نافذ عن الإمام ، وأدركوا ـ إلي حدّ ما ـ أبعاده الوجوديّة ; فما لبثوا أن اضطرموا بمحنة العجز وقد لاذوا بالصمت ، ثمّ ما برحوا يجهرون أنّ هذا الصمت لم يكن إباءً عن إظهار فضائل الإمام بقدر ما كان ينمّ عمّا اعتورهم من عجز ، وهو إلي ذلك ينبئ عن حيرة استحوذت عليهم وهم لا يدرون كيف يصبّون كلّ هذه الفضائل العَليّة فى حدود الكلمات ، وكيف يعبّرون عن معانيها البليغة من خلال الألفاظ ! أجل ، لم يكن قلّة اُولئك الذين اُشربوا فى أعماق نفوسهم هذا المعني الرفيع للمتنبى ، وهو يصدع :
مَنْ يريد أن يتحدّث عن جلال علىّ وفضائله يستبدّ به العجز ، وتطوّقه الحيرة ; فلا يدرى ما يقول ! هى محنة كبيرة لا تستثنى أحداً ; أن ينطق الإنسان بكلام يرتفع إلي مستوي هذه "الظاهرة الوجوديّة المذهلة" ; وهو عجز كبير مدهش يعترى ١١ - المجلد الأوّل / المدخل
الجميع مهما كانت القابليّة وبلغ الاستعداد . ولا ريب أنّ أبا إسحاق النظّام كان قد لبث يفكِّر طويلاً ، وطوي نفسه علي تأمّل عميق مترامى الأطراف فى أبعاد هذه الشخصيّة ومكوّناتها ، قبل أن يقول : "علىّ بن أبى طالب ¼ محنة علي المتكلِّم ; إن وفّاه حقّه غلا ، وإن بخسه حقّه أساء !" . علىٌّ ¼ فى سوح القتال اللاحبة هو الأكثر جهاداً ، والأمضي عزماً ، والأشدّ توثّباً . وهو فى مضمار الحياة الوجهُ المفعم بالاُلفة ; حيث لا يرتقى إليه إنسان بالخلق الرفيع . وفى جوف الليل الأوّاب المتبتِّل ، أعبد المتبتِّلين ، وأكثر القلوب ولَهاً بربّه . وبإزاء خلق الله هو أرفق إنسان علي هذه البسيطة بالإنسان ، يفيض بالعطوفة واللين . وهو الأصلب فى ميدان إحقاق الحقّ فى غير مداجاة ، المنافح عنه فى غير هروب . أمّا فى البلاغة والتوفّر علي بدائع الخطابة وضروب الحكمة وفنون الكلام ، فليس له نظير ; وهو فارس هذا الميدان ، والأمكن فيه من كلّ أحد . ولله درّ الشاعر العلوى ، وهو يقول فى ذلك :
تُري ، هل يمكن لإنسان أن يُشرِف علي منعرجات التاريخ ، ولا تشدّه تلك القمّة الشاهقة فى مضمار الكرامة والحريّة والإنسانيّة ، وهى تسمو علي كلّ ما سواها ! وهل يسوغ لإنسان أن يمدّ بصره إلي صحراء الحياة ، ثمّ لا يرفرف ١٢ - المجلد الأوّل / المدخل
قلبه صوب هذا المظهر المتألِّق بالحبّ والعبادة ، المملوء بالجهاد والمروءة ، أو لا يُبصر هذا المثال المترع بالصدق والإيثار ، وبالإيمان والجلال ! ثمّ هل يمكن لكاتب أن يخطّ صفحات بقلمه ، ولا يهوي فؤاده أن يعطّر بضاعته بعبير يتضوّع بذكر علىّ ، ويخلط كلماته بشذيً يفوح بنسائم حياته التى يغمرها التوثّب ، ويحيط بها الإقدام من كلّ حدب ، ويجلّلها الجهاد والإيثار من كلّ صوب ! فى ظنّى أنّ جميع اُولئك الذين فكّروا وتأمّلوا ، ثمّ استذاقوا طعم هذه الظاهرة الوجوديّة المذهلة ، إنّما يخامرهم اعتقاد يفيد : وأنّي للقطرة الوحيدة التائهة أن تُثنى علي البحر ! وأنّي للذرّة العالقة أن تنشد المديح بالشمس ! وأمّا كاتب هذه السطور ! فلم يكن يدُر بخلده قطّ أن يخطّ يوماً كلاماً جديراً فى وصف تلك الشمس الساطعة ، كما لم يخطر بباله أبداً أن يكون له حظّ فى حمل قبضة من قبس كتلة الحقّ المتوهِّجة تلك ، أو أن يكون له نصيب فى بثّ شىء من أريج بحر فضائلها الزخّار ، وأن يُسهِم فى نشر أثارة من مناقبها المتضوّعة بعبير فوّاح . هكذا دالت الحال ومرّت الأيّام بانتظار موعد فى ضمير الغيب مرتقب ! فقد قُدِّر لى وأنا أشتغل بتدوين "ميزان الحكمة" أن اُلقى نظرة من بعيد ١٣ - المجلد الأوّل / المدخل
علي هذا البحر الزخّار ، بحكم ضرورة أملتها هيكليّة الكتاب ، وساقت منهجيّاً إلي مدخل بعنوان : "الإمامة" . أجل ، لم يسمح "المدخل" بأكثر من نظرة من بعيد إلي البحر اللجّى ، أطلّت علي شخصيّة الإمام الأخّاذة عبر الكلام الإلهى والنبوى ، قد سمحت بتثبيت ومضات من سيرة ذلك العظيم علي أساس ما تحكيه روايات المعصومين ¥ . مرّة اُخري شاء التقدير الإلهى أن تتّسع موسوعة "ميزان الحكمة" (التى تجدّد طبعها ـ بفضل الله ـ مرّات ، وراحت تتخطّي الحدود وتصل إلي أقصي النقاط ، وهى تستجيب بقدرها لتطلّعات الباحثين عن المعرفة الدينيّة) وتمتدّ فصولها وتزداد . بعد تأمّل طويل انطلقت بكاتب هذه السطور همّتُه ، وتبدّل العزم إلي قرار بالعمل يقضى بإضافة هذا الجزء . كانت الرحلة بعيدة المدي ، وبدا الطريق طويلاً وأنا حديث العهد به ، لولا أن تداركتنى رعاية خاصّة من الإمام ، ولا غَروَ وهو كهف السائرين علي الحقّ وملاذهم ، ثمّ اكتنفتنى همم كبيرة برزت من فضلاء كرام . وبين هذا وذاك أينع ذلك الجهد وأثمر بعد سنوات حصيلةً تحمل عنوان : "موسوعة الإمام علىّ بن أبى طالب فى الكتاب والسنّة والتاريخ" هى ذى التى بين أيديكم . ثمّ شاءت المقادير مرّة اُخري أن يقترن طبع الموسوعة فى السنة التى ١٤ - المجلد الأوّل / المدخل
توشّحت باسم مولانا أمير المؤمنين ¼ ، حيث راحت هذه المناسبة تستقطب إليها اُلوف الجهود والهمم(١) . وها أنا ذا أتوجّه إلي الله سبحانه شاكراً أنعُمَه من أعماق وجودى وقد حالفنى توفيقه فى المضىّ قُدماً لإنجاز هذا المشروع المهمّ ; حيث هوّن العقبات ، وذلّل الصِّعاب ، ويسّر العسير . إنّ "موسوعة الإمام" لهى إلي هذا العاشق الوله بذكر علىّ ¼ أعذب شىء فى حياته وأحلاه ، وأدعي حصيلة تبعث علي الفخر فى سنىّ عمره ، حيث بلغت نهايتها بفضل الله سبحانه ، ومعونة خالصة أسداها عدد من الفضلاء . أجل ; إنّ "موسوعة الإمام علىّ بن أبى طالب" تجسِّد من الاُمنيات فى حياتى ما هو أرفعها وأسماها ، وتستجيب من تطلّعاتى إلي ما هو أبعدها مديً . وما كان ذلك يتحقّق لولا فضل الله وتوفيقه ، فله حمدى ، وعليه ثنائى اُزجيه خاشعاً بكلّ وجودى . وما كان ليتمّ لولا رعاية خاصّة كنفنى بها المولي أمير المؤمنين ، فله شكرى ، وعليه سلامى ، فلولا ما فاء به من رعاية وتسديد ، ولولا مدده ١٥ - المجلد الأوّل / المدخل
الذى أسداه فى تذليل العقبات الكؤود وتيسيرها لما رسَت "الموسوعة" علي هذا الشكل . وحسبُ هذه الكلمات أنّها رسالة اعتذار تومئ إلي تقصير صاحبها ، ثمّ حسبها ما تُبديه من ثناء عاطر مقرون بالخشوع والجلال لكلّ هذه الرعاية الحافلة من أجل بلوغ المقصد . إنّ "موسوعة الإمام" هى إطلالة علي حياة أمير المؤمنين ¼ ، كما هى نافذة تشرف علي السيرة العلويّة ، وتتطلّع إلي تاريخ حياة أكمل إنسان ، وأعظم المؤمنين وأبرز شخصيّة فى تاريخ الإسلام بعد رسول الله ½ . وتهدف "موسوعة الإمام" أن تترسّم السبيل إلي أعظم تعاليم علىّ بن أبى طالب ¼ وأبلغها عِظة وتذكيراً . كما توفّرت علي بيان أجزاء من حياة أمير المؤمنين ¼ وسيرته البيضاء الوضّاءة . وتسعي "موسوعة الإمام" من خلال استجلاء المعالم الملكوتيّة لإمام الإنسانيّة ; وتتطلّع عبر تدوين الخصائص العلميّة والأخلاقيّة والعمليّة لحياته التى تفيض بالتوثّب والإيمان ; وتصبو عبر تبيين ما بذله "صوت العدالة الإنسانيّة" من جهود مذهلة لبسط العدل وإرساء حاكميّة الحقّ ، إلي الجواب عمليّاً علي السؤال التالى : لماذا جعل الكتابُ الإلهى علىَّ بن أبى طالب شاهداً إلي جوار الله علي الرسالة ؟ لقد انطلقت "الموسوعة" من خلال الاستناد إلي عرض جديد ، وهيكليّة مبتكرة ، ومنهج مستحدَث فاعل ، لتقسيم السيرة العلويّة إلي ستّة ١٦ - المجلد الأوّل / المدخل
عشر قسماً ، تضعها بين يدى الباحثين والمتطلِّعين إلي المعارف العلويّة ، وتُقدّمها إلي الولهين بحبّ علىّ ¼ ، وإلي طلاّب الحقّ والحقيقة . وفيما يلى نقدِّم استعراضاً عامّاً لمحتويات هذه الأقسام : القسم الأوّل : اُسرة الإمام علىّ توفّر هذا القسم علي بيان منحدر الإمام علىّ ¼ واُسرته ، كما تناول المحيط الذى ترعرع به وحياته الخاصّة ، ودار الحديث فيه أيضاً عن شخصيّة والديه ، وعن أسماء الإمام وكُناه وألقابه وشمائله وأوصافه وزواجه وزوجاته وأولاده . لقد اتّضح من هذا القسم أنّ الإمام نشأ فى اُسرة كريمة ، وترعرع فى محيط طاهر زكىّ ; فأسلافه الكرام من الآباء والأجداد موحِّدون بأجمعهم ، طاهرون لم تخالطهم أدناس الجاهليّة ، مضَوا وكلّهم ثبات فى سبيل الله . كما كشف هذا القسم عن اُصول كريمة تكتنف هذا الموحِّد العظيم فى تاريخ الإسلام ، فلم يلوّث الشرك أحداً من أسلافه قط ، ولم يكن لمواضعات البيئة وتلوّثاتها الفكريّة والعقيديّة نصيب فى حياتهم . فهذا هو الإمام وقد انبثق من حضن والد مؤمن جَلِد قوىّ الشكيمة منافح عن الحقّ ، ووالدة كريمة المحتد صافية الفطرة مؤمنة بالمعاد . ثمّ مضت حياته مع زوجة هى أتقي وأطهر امرأة فى نساء عصره ; وهى سيّدة نساء العالمين . وقد كان زواجاً بدأ بأمر الله سبحانه وحفّته هالة من ١٧ - المجلد الأوّل / المدخل
القداسة والخشوع ، فانشقّ عن ذرّيّة كريمة كان لها اليد الطولي فى صنع التاريخ ، وهى إلي ذلك المصداق الأسمي لـ "الكوثر" . أمّا كُناه وألقابه فقد اختارها رسول الله ½ غالباً ، وهى جميعاً تومئ إلي فضائله الرفيعة التى تتألّق عظمة ، وإلي موضعه المنيف الشاهق فى الإسلام والتاريخ . حياة لم تهبط عن مستوي العظمة لحظة ، ولم تتعثّر بصاحبها قط . القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ يوم قرع صوت السماء فؤاد رسول الله ½ ، وهبط إليه أمر الرسالة ، ثمّ أعلن دعوته التاريخيّة ، كانت الجزيرة العربيّة تغطّ فى ظلام دامس ، ويحيطها الجهل من كلّ حدب وصوب . لقد واجه القوم بعثة نبىّ الحرّيّة والكرامة بالرفض والتكذيب ، ثمّ اشتدّت عليه سفاهات القوم وتكالب الطغاة . وها هو ذا علىّ اختار موقفه إلي جوار النبىّ منذ الأيّام الاُولي لهذه النهضة الربّانيّة . وقد صحب أمير المؤمنين ¼ رسول الله ½ ولم ينفصل عنه لحظة ، بل راح ينافح ويتفاني فى الدفاع عنه دون تعب أو كلل . وما توفّر عليه هذا القسم هو بيان الموقع الرفيع الذى تبوّأه الإمام فى إرساء النهضة الإسلاميّة ، والدور البنّاء الذى اضطلع به فى دوام هذه الحركة الربّانيّة علي عصر رسول الله ½ . ١٨ - المجلد الأوّل / المدخل
يكشف هذا القسم أنّ عليّاً ¼ كان إلي جوار النبىّ لم يفارقه منذ البعثة حتي الوفاة ، باذلاً نفسه وأقصي ما يستطيع فى سبيل تحقيق حاكميّة الإسلام فى المجتمع . فهو مع رسول الله ½ فى المشاهد جميعاً وعند المنعطفات الخطرة ، وهو السبّاق الذى يثب مبادراً فى المواطن الصعبة كلّها وعند العقبات الكؤود التى تعترى حركة الإسلام . يُسفر هذا القسم عن أنّ عليّاً ¼ لم يوفِّر من جهده الدؤوب لحظة ، ولم يدّخر من تفانيه المخلص شيئاً إلاّ وقد بذله دفاعاً عن هذا الدين ، وذوداً عن نبيّه الكريم ½ ، وصوناً لهذه الدعوة الربّانيّة الفتيّة ، من أجل أن يمتدّ الإسلام وتبلغ هذه الحركة الإلهيّة مداها . القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ الإسلام خاتم الأديان ، ورسول الله ½ خاتم النبيّين ، والقرآن الحلقة الأخيرة فى الكتب السماويّة . والنبىّ ½ مبلِّغ لدين اكتسي لون الأبديّة ، ولن يقوي الزمان علي طىّ سجلِّ حياته ; فماذا فعل رسول الله ½ لتأمين مستقبل هذا الدين ، وضمان مستقبل اُمّته ؟ وما هو التدبير الإلهى فى هذا المضمار ؟ أوضح هذا القسم الرؤية المستقبليّة التى انطوي عليها الدين الإلهى ، وموقع الإمام أمير المؤمنين ¼ فى المخطّط الربّانى الذى حملته السماء فى هذا المجال . بكلام آخر ، ما عنى به هذا الفصل هو الولاية العلويّة ، وإمامة علىّ بن ١٩ - المجلد الأوّل / المدخل
أبى طالب ¼ التى جاءت فى إطار جهود رسول الله ½ فى رسم مستقبل الاُمّة . وفى هذا الاتّجاه استفاض هذا القسم فى حشد مجموعة الأدلّة العقليّة والنقليّة لإثبات أنّ النبىّ ½ لم يدَع الاُمّة بعده هملاً دون راع ، ولم يعلّق مستقبلها علي فراغ من دون برنامج محدّد للقيادة من بعده ، بل حدّد مسار المستقبل بدقّة وجلاء من خلال جهد مثابر بذله طوال ثلاث وعشرين سنة ، وعبر تهيئة الأجواء المناسبة لتعاليم مكثّفة أدلي بها علي نحو الإشارة مَرّة ، وعلي نحو صريح أغلب المرّات . كما بيَّن هذا القسم صراحة أنّ "الغدير" لم يكن إلاّ نقطة الذروة علي خطّ هذا الجهد المتواصل الطويل . ثمّ عاد يؤكِّد بوضوح أنّ النبىّ ½ لم يتوانَ بعد ذلك عن هذا الأمر الخطير ، بل دأب علي العناية به والتركيز عليه حتي آخر لحظات عمره المبارك . ومع أنّ الحلقات الأخيرة فى التدبير النبوى ; كمَيلِه ½ إلي تدوين ما كان قد ركّز علي ذكره مرّات خلال السنوات الطويلة الماضية فى إطار وصيّة مكتوبة ، لم يأت بالنتيجة المطلوبة إثر الفضاء المخرّب الذى اُثير من حوله . وكذلك انتهت إلي المآل نفسه حلقة اُخري علي هذا الخطّ تمثّلت بإنفاذ بعث اُسامة . إلاّ أنّ ما يُلحظ أنّ رسول الله ½ لم يُهمل هاتين الواقعتين ، بل راح يُدلى بكلمات وإشارات ومواضع تُزيل الستار عن سرّ هذه الحقيقة ورمزها . وهذا أيضاً ممّا اضطلع به هذا القسم مشيراً إلي نتائج مهمّة استندت إلي ٢٠ - المجلد الأوّل / المدخل
وثائق ثابتة عند الفريقين . القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ أسفاً أن لا يكون قد تحقّق ما ارتجاه رسول الله ½ وما اختطّه لمستقبل الاُمّة ، وقد ارتدي سرابيل الخلافة آخرٌ هو غير من اختُصّ به الأمر الإلهى . أما وقد أسفر المشهد عن هذا ، فها هو ذا علىّ يواجه واقعاً كاذباً مريراً مدمِّراً قلَبَ الحقيقة ، وها هو مباشرة أمام لوازم الدين الجديد ومصالحه ، وبإزاء اُناس حديثى عهد بالإسلام ; فماذا ينبغى له أن يفعل ؟ وما هو تكليفه الإلهى ؟ ما الذى يقتضيه واقع ذلك العصر بما يكتنفه من أوضاع خاصّة علي المستويين الداخلى والخارجى ؟ لقد نهض هذا القسم بالجواب علي هذه الأسئلة وغيرها ممّا حفَّ السيرة العلويّة فى الفترة التى امتدّت بين وفاة رسول الله ½ حتي تسنّم الإمام لأزمّة الحكم . كما سلّط أضواءً كاشفة علي عوامل إهمال تعاليم النبىّ حيال مستقبل الاُمّة ، وأسباب الإغضاء عن توجيهاته ½ حول قيادة علىّ ¼ . وفى إطار متابعة الحوادث التى عصفت بالحياة الإسلاميّة بعد النبىّ ½ حتي خلافة عثمان وقيام الناس ضدّه ، تكفّل هذا القسم أيضاً ببيان الأجواء التى أحاطت بالمواقف الحكيمة لإمام الحكماء ، وتفصيل ملابسات ذلك . ٢١ - المجلد الأوّل / المدخل
القسم الخامس : سياسة الإمام علىّ خمسة وعشرون عاماً مضت علي خلافة الخلفاء ، وقد اتّسعت الانحرافات ، وتفشّي الاعوجاج الذى كان قد بدأ بعد رحيل رسول الله ½ ، حتي بلغت الأوضاع فى مداها حدّاً أملي علي الإمام علىّ ¼ أن يصف ما جري بأنّه "بليّة"(١) كتلك التى كانت قبل الإسلام ، وذلك فى خطاب حماسى خطير ألقاه بدء الخلافة . فى هذه البرهة العصيبة ثار الناس ضدَّ الخليفة وضدّ سلوكه ونهجه فى الحكم ، حتي إذا ما قُتل انثالوا علي الإمام بشكل مذهل ، وهم يطالبونه باستلام الحكم . لقد كان الإمام يُدرك تماماً أنّ ما ذهب لن يعود ; إذ قلّما عاد شىء أدبر . وعلي ضوء تقديره للأوضاع التى تناهت فى صعوبتها امتنع فى بادئ الأمر عن الاستجابة لهم ، بيدَ أنّه لم يجد محيصاً عن إجابتهم بعد أن تعاظم إصرار المسلمين ، وكثر التفافهم حوله . كان أوّل ما طالعهم به فى أوّل خطبة له حديثه عن التغييرات الواسعة التى يزمع القيام بها فى المجتمع ، كما أوضح فى الحديث ذاته اُصول منهجه ومرتكزاته . هذا القسم يبدأ رحلته مع الإمام ، فيسجِّل فى البدء الأجواء التى لابست وصوله إلي السلطة وتسنّمه للحكم ، ثمّ يتابع تفصيليّاً انطلاق ٢٢ - المجلد الأوّل / المدخل
حركته الإصلاحيّة ، متوفّراً علي رصد اُصول نهج الإمام ومرتكزات سياسته فى التغييرات الواسعة التى قادها ، والحركة الإصلاحيّة التى تزعّمها ، وما أثارت من أصداء فى المجتمع ، وما خلّفته من تبعات عليه . من بين البحوث الأساسيّة الاُخري فى هذا القسم رصد أبرز الاُصول التى اعتمدها الإمام فى الإصلاح علي مختلف الصُّعد الثقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والقضائيّة والأمنيّة . كما سعي هذا القسم من الكتاب إلي متابعة رؤي الإمام ¼ فى مجال السياسة ، وعوامل استقرار الدول ، وعوامل انحطاطها وزوالها ، وطبيعة تعاون الدول بعضها مع بعض وغير ذلك ممّا له صلة بهذه الدائرة . القسم السادس : حروب الإمام علىّ يوم أن مسك الإمام أمير المؤمنين ¼ زمام الحكم بيده ، وراح يطبّق ما كان قد تحدّث عنه ووعد الناس به ، برز أمامه تدريجيّاً ما كان قد توقّعه ; فالوضع لم يحتمل بسط العدل ، ولم يُطِق حركة الإصلاح والمساواة وإلغاء الامتيازات الوهميّة ، فأخذت الفتن تطلّ برأسها ، وبدأت أزمات الحكم . ما يبعث علي الدهشة أنّ أوّل من استجاش الفتنة وأرباها هُم اُولئك النفر الذين كان لهم الدور الأكبر فى إسقاط الحكم السابق ، وإرساء قواعد الحكم الجديد ! ميزة هذا القسم من الموسوعة أنّه تناول بالبحث والتحليل مناشئ هذه الفتن وجذورها ، وتابع مساراتها وما ترتّب عليها من تبعات . كما رصد ٢٣ - المجلد الأوّل / المدخل
بالتفصيل فتن "الناكثين" و"القاسطين" و"المارقين" التى تعدّ فى حقيقتها انعكاساً لحركة الإمام الإصلاحيّة ، وردّ فعل علي مواضعه المبدئيّة الصُّلبة بإزاء الحقوق الإلهيّة ، ودفاعه عن قيم الناس وحقوقها . من النقاط المبدعة اللامعة فى هذا القسم تسليط الضوء علي بعض الزوايا الفكريّة والنفسيّة والمواقف السياسيّة لمثيرى الفتنة ، ومتابعة تجلّيات ذلك بعمق ودقّة فى حركة خوارج النهروان . إنّ هذا البحث ـ فى الصيغة التى اكتسبتها هذه الدراسة من خلال معرفة الوثائق التاريخيّة ، وتحرّى التوجيهات الروائيّة التى احتوت هذه الخصائص ـ لهو حديث مبتكر وتحليل بكر بديع . علي أنّ هذا القسم برمّته هو أكثر أقسام الكتاب عِظة ، وأعظمها درساً . القسم السابع : أيّام التّخاذل اتّسمت السنوات الاُولي لحكم الإمام أمير المؤمنين ¼ بأنّها سنوات مواجهة وصِدام مع مثيرى الفتنة . هكذا مضت بتمامها ، وقد تعب الناس من دوام هذه الفتن وأصابتهم الملالة من المواجهة والاضطراب وعدم الاستقرار . علي صعيد آخر دأب أرباب الفتنة ـ خاصّة مركزها الأساس فى الشام ـ علي إيجاد الأزمات علي الدوام ، وإثارة الفتن باستمرار ، وزرع العقبات أمام الحكومة المركزيّة . ويجىء القسم السابع هذا حديثاً عن ذلك العهد . فهذه كلمات الإمام أمير المؤمنين ¼ تفيض من ألم الوحدة وحرقتها ، وتبثّ شكواها من ٢٤ - المجلد الأوّل / المدخل
مصائب الزمان ودواهيه . فى تلك البرهة الحالكة من الزمان سقطت مصر ; فغاب عن الإمام مالك الأشتر ; أطهر الرجال ، وأكفأ القادة ، وأشجع الخلاّن ، وأوفاهم بعد أن ارتوي بشُهد الشهادة . فانكمش قلب الإمام ، واُصيبت روحه الطهور ، والألم يعتصره من كلّ جانب . هذا القسم رحلة تسجِّل وحدة الإمام ، وهو منظومة رثاء تعزف لظلامة علىّ ، كما هو انعكاس لأصوات غربته المتوجِّعة التى راحت تندّ عن نفسه الطهور . وهذا القسم يُسفر عن مشهد آخر ليس له شبهٌ بالمشهد الأوّل الذى رافق بداية عهد الإمام . فالناس لم تعد علي استعدادها الأوّل لحضور الجبهات ، كما لم تعُد تستجيب لنداءات الإمام وهتافاته للجهاد والنفير . والذى يتفحّص ما كان يبثّه الإمام مراراً من شكوي ، يري فيه خصائص لأهل ذلك العصر وقد آثروا حبَّ الحياة ، وراحت أنفسهم ترنو إلي الدنيا ، وتصبو إليها . فى أوضاع كالحة كهذه استعرت بالإمام أمير المؤمنين ¼ عواطفه النبيلة ، وثارت بين جوانحه أحاسيسه الطهور ; فملأت نفسه ألماً وغضاضة وهو ينظر إلي جند معاوية تغير علي المدن المَرّة تلو الاُخري ; تُزهِق أرواح الأبرياء ، وتُمارِس النهب والسلب ، وتبثّ بين الآمنين الرعب والدمار . ٢٥ - المجلد الأوّل / المدخل
راحت أخبار الظلم المرير تصل الإمام ، وتنهال عليه وقائع غارات معاوية وتهوّر جنده واستهتارهم وضحكاتهم المجنونة ، فاهتاجته هذه الحال ، والتاعت نفسه وفاضت لها غصصاً وهو يتأوّه من الأعماق ، ولكن لا من مجيب ! وهكذا مضي الإمام أمير المؤمنين ¼ وهو يتمنّي الموت مرّات ومرّات ! بيد أنّه لم يهُن ولم تضعف عزيمته لهذه الرزيئة ، ولم يذعن إلي الواقع المرير ، بل مضي قَويّاً شامخاً مقداماً لم يتخلّ عن المقاومة حتي آخر لحظة من عمره . أجل ، هذا أمير المؤمنين يثبُ كالمنار المضىء آخر أيّام حياته وهو يهيب بالناس العودة إلي صفّين مجدّداً ، وقد استنفر بكلماته المفعمة بالحماس جيشاً عظيماً إلي هذه المهمّة . فما أن انتهي من خطبته ـ وكانت الأخيرة ـ إلاّ وعقد للحسين بن علىّ ¼ ولقيس بن سعد وأبى أيّوب الأنصارى لكلّ واحد فى عشرة آلاف مقاتل . لكن وا أسفاً ! فقد أودت واقعة استشهاد الإمام ¼ واغتياله من قِبل شقىّ "متنسّك" بقواعد هذا البرنامج ، فانهار ما دبّره الإمام لاستئصال فتنة الشام واجتثاثها من الجذور ; إذ ما لبثت أن تداعت الجيوش بعد مقتل الإمام وتفرّقت . لقد توفّر هذا القسم علي تفصيل هذه اللمحات التى جاءت هنا مختصرة ، وغاص بالبحث والتحليل مع جذور هذه الوقائع وأجوائها ٢٦ - المجلد الأوّل / المدخل
ومساراتها وما كان قد اكتنفها من أسباب وعوامل . القسم الثامن : استشهاد الإمام علىّ كان رسول الله ½ هو الذى أخبر باستشهاد الإمام أمير المؤمنين علىّ ¼ . أمّا الإمام نفسه فقد كان وجوده ينمّ عن صبغة وتكوين خاص يشدّه إلي السماء أكثر ممّا يجرّه إلي الأرض ويربطه بها . كان دائماً يتطلّع صوب الملكوت ، تهفو روحه إلي هناك بانتظار اللحظة التى يعرج بها إلي السماء . كم كانت عظيمة هذه الرحلة صوب الملكوت وهى تحمل عليّاً مضرَّجاً بدم الجراح ، ومضمَّخاً بالنقيع الأحمر . ما كان أعظم شوقه للمنيّة ! فها هو ذا علىّ والسيف الغادر المسموم يرقد علي مفرقه ويشقّ رأسه ، يتطلّع إلي الملأ الأعلي ، ويهتف فى وصف رحلته ويقول : "كطالب وجد ، وغارب ورد" . القسم الثامن هذا اختصّ بمتابعة ما كان ذكره رسول الله ½ عن استشهاد علىٍّ ¼ ، وما كان يحكيه علىّ عن شهادته . كما تابع بقيّة مكوّنات المشهد ; إذ وقف فى البدء مع واقعة الاغتيال يصفها عن قرب ، ثم انتقل مع الإمام المسجّي مع جراحه راصداً جميع ما نطق به من تعاليم ووصايا وحِكَم مذ هوي علي رأسه سيف الغدر حتي لحظة استشهاده ، ثمّ انتقل إلي الجانب الآخر متقصّياً ردّ فعل ألدّ أعداء علىّ ¼ وما نطق به عندما بلغه خبر شهادة الإمام . ٢٧ - المجلد الأوّل / المدخل
كما لم يهمل واقعة تجهيز أمير المؤمنين ¼ ودفنه وإخفاء قبره . واختُتم هذا القسم بذكر زيارة مرقد الإمام أمير المؤمنين ¼ وبركات ذلك وما يتّصل بروضته الشريفة . القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام تؤلّف تجلّيات شخصيّة الإمام أمير المؤمنين ¼ علي لسان الرجال وفى كلمات الرموز الكبيرة ، بل وحتي علي لسان أعدائه ، أحد أهمّ فصول معرفة أبعاد شخصيّته . ربّما لا نبالغ إذا قلنا إنّ ما حفَّ شخصيّة علىّ بن أبى طالب ، وما قيل فيه وعنه من كلام وأحكام وتجليل وتكريم وخطب وقصائد ومدائح ، وما أحاط به من ذهول وحيرة وهتاف وصمت ، فاق الجميع بحيث لا يمكن مقارنته بأىّ شخصيّة اُخري فى تاريخ الإسلام . فى هذا القسم يطلّ القارئ علي شخصيّة علىّ بن أبى طالب ¼ من خلال ما نطق به القرآن ، وما جاء علي لسان النبىّ ½ والإمام علىّ نفسه ، وسيّدة النساء فاطمة الزهراء £ ، وصحابة النبىّ ، وأهل البيت ¥ ، وزوجات النبىّ ، كما يتطلّع إلي اُفقها العريض عبر ما خطّه عدد كبير من الرموز العلميّة والثقافيّة والسياسيّة البارزة ، وما جادت به قرائح الشعراء والاُدباء والخطباء ; حتي أعداؤه . ويمضى القارئ فى هذا القسم مع رجال قالوا فى علىّ ¼ كلمات مسفرة كضوء الفجر ، انطلقت من قلوب مفعمة بالشوق والحبّ . ٢٨ - المجلد الأوّل / المدخل
وقد ترك بعضهم شهادة صريحة للتاريخ فى أنّ فضائل علىّ بن أبى طالب ¼ ومناقبه تعظم علي الإحصاء ، ولا تقوي الصحف المكتوبة بأجمعها علي استيفائها . وقالوا : إنّ الصمت أقوي من كلّ حديث عن علىٍّ ¼ ، وأمضي من كلّ الكلمات . فهذه كلماتهم تخطّ لعلىّ أنّه الأعلم ، وهو الأعرف من الجميع بكتاب الله ، وعلىّ الأشجع فى سوح الوغي ، وهو أكثر الناس إخلاصاً وتبتّلا وطاعة . عليٌّ الهيّن الليّن أكرم الناس خلقاً ، وقلبه الشاخص إلي ربّه أبداً . علىٌّ فى مضمار البلاغة بحر لا يُنزَف ، وهو سيّد البلَغاء ، وأفصح الخطباء . علىٌّ المجاهد الذى تَثِبُ به بصيرته ، وهو الصلب الذى لا تلين له عريكة ، ولا تُوهنه الصعاب ، ملؤه إقدام ومضاء . وعلىٌّ أعرف الاُمّة بالحقّ ، وأنفذ الرجال بصيرة . هذه بعض كلماتهم فى علىّ . ولعلىّ بعد ذلك كلّ فضيلة وكمال ، فله وحده ما كان للصالحين جميعاً . كان على وِتراً التقت فيه جميع خصال الجمال ، وتألّقت فى ذراه الفضائل بأكملها ، وحطّت عنده المكارم . وهو فى الفتوّة وِتر لا ندّ له ولا نظير . ٢٩ - المجلد الأوّل / المدخل
هذه الحقيقة نلحظها تتوهّج بين ثنايا هذا القسم عبر شهادة وأقوال عشرات المفكّرين ، تتوزّعهم مختلف الاتّجاهات والرؤي ، بل نري بعضها متضادّاً أحياناً ! ولا ريبَ أنّ قراءة كلّ هذه الشهادات والأقوال ، والاطّلاع علي هذه القطوف الدانية من كلمات المدح والإطراء ، لهو أمر خليق أن يشدّ إليه القارئ ويجذبه إلي دائرة نفوذه . القسم العاشر : خصائص الإمام علىّ علىّ بعد النبىّ ½ هو اللوحة الفريدة الوحيدة التى تتجلّي بها خصائص الإنسان الكامل . وهذه الحقيقة الناصعة الكريمة كانت قد أفصحت عن نفسها خلال القسم السابق عبر ما جاء عن المعصومين ¥ ، وما نطق به الصحابة والعلماء والفلاسفة والمتكلّمون والباحثون . ما ينهض به القسم العاشر هو إبانة خصائص الإمام أمير المؤمنين ¼ وتسليط أضواء مكثّفة علي ما تحظي به شخصيّته الفذّة من أبعاد ومكوّنات . انطلاقاً من هذا طاف القسم مع الإمام فى خصائصه العقيديّة والأخلاقيّة والعلميّة والسياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة ، التى تتلاقي فيما بينها لتؤلّف صرح هذا الرجل التاريخى الشامخ والمنار المضىء الذى لا نظير له . يا لروعته وتفرّده ! فلم يكفر بالله طرفة عين ، وهو فى ثبات إيمانه ، ورسوخ يقينه أمضي من الجبال الرواسى ، لا يرقي إلي قمّته أحد قطّ . ٣٠ - المجلد الأوّل / المدخل
يعمر الخلق الكريم جنبات وجوده ، وتفوح حياته بالإخلاص والإيثار ، وتمتلئ أرجاؤها بالمكرمات . فى محراب العبادة هو الأوّاه المتبتّل أعبد العابدين ، وقلبه المجذوب إلي ربّه أبداً ، وهو فى الصلاة أخشع المصلّين . ومن يمعن فى ميدان السياسة يجده الأصلب ، شاهقاً يفوق الجميع ، ذكيّاً لا تضارعه الرجال ، أدري الناس بملابسات الزمان . للمظلومين نصيراً لا يكلّ عن الانتصاف لهم ولا يملّ ، وهو علي الظالمين كنار اشتدّت فى يوم عاصف . علمه الأكمل ، وبصيرته الأنفذ ، ورؤيته إلي الله وإلي عالم الوجود والخليقة شفيفة رائقة ، سليمة نقيّة ، لا تضارعها نظرة ولا يضاهيها نقاء . أجل ; حسبُ علىّ أنّه كان عليّاً وحسب ، خالصاً لله من دون شَوب ، شاهداً علي الرسالة ، مجسّداً لقيمها الرفيعة ومُثلها العليا . وهذا القسم يقدّم هذا جميعاً إلي طلابّ الحقّ والنفوس الظمأي للحقيقة ، ويحمله إلي العقول المتلهّفة لمعرفة علىّ ، عبر مرآة متألّقة بنور الآيات الكريمة ، ومن خلال النصوص والوقائع التاريخيّة . القسم الحادى عشر : علوم الإمام علىّ علىّ ¼ أعظم تلميذ بزغ فى مدرسة محمّد ½ . أبصر فيه رسول الله ½ من الجدارة والاستعداد ما يفوق به كلّ إنسان ، ومن القدرة علي التعلّم ما ٣١ - المجلد الأوّل / المدخل
لا مدي له ، ففاض علي روحه علماً غزيراً لا ينضب ، وأراه الحقائق الكبري الناصعة ; وبتعبير النصوص الروائيّة والتاريخيّة لقّنه "ألف باب" ، و"ألف حرف" ، و"ألف كلمة" ، و"ألف حديث"(١) فى مضمار معرفة الحقائق وتحرّى العلوم . علىّ ¼ باب حكمة النبىّ ، ومدخل علم رسول الله ½ ، وهو خزانة علمه ، ووارث علوم جميع النبيّين . علىّ المؤتمن علي حكمة النبىّ الحافظ لعلمه ، ومن ثَمَّ هو أعلم الاُمّة . أمير المؤمنين ¼ اُذن واعية ، لذا فهو لا ينسي ما يقرع فؤاده من العلم ، وبذلك راحت الحكمة تتفجّر من بين جوانحه ، وتفيض نفسه الطهور بحقائق المعرفة . لكن أسفاً وما أعظمها لوعة أن تكون مقادير الحياة قد غيّبت اُولئك الرجال الذين يهيب بهم استعدادهم الوجودى لتلقّى المعرفة العلويّة الناصعة . ولو كانوا هناك لفاض عليهم الإمام بقبضة من شعاع علمه الباهر ، ولأشرق الوجود بقبس من نور معرفته . كان علىّ ¼ يحظي من "علم الكتاب" بعلمه الكامل كلّه ، فى حين لم يكن لآصف بن برخيا من "علم الكتاب" إلاّ بعضه ، فأهّله أن يأتى إلي (١) جاءت هذه الألفاظ فى نصوص مختلفة ، ويمكن أن يكون المقصود فيها واحداً . ٣٢ - المجلد الأوّل / المدخل
سليمان ¼ بعرش بلقيس فى طرفة عين أو أقلّ(١) . لم يعرف علم علىّ ¼ مديً ، ولم يوقفه حدّ ، بل امتدّ سعةً حتي تخطّي كلّ العلوم . فهو فى الذروة القصوي فى علوم القرآن ، وفى معارف الشريعة ، وعلوم الدين ، وعلم البلايا والمنايا ، وهو السنام الأعلي فى كلّ معرفة . هل تجد لعلىّ نظيراً فى معرفة الله ، وهو ذا رسول الله ½ يقول : "ما عرف الله إلاّ أنا وأنت" ؟ أجل ; هو ذا كما يقول النبىّ الأقدس ; فهذا كلامه فى التوحيد ومراتبه ، وفى إثبات الصانع وطرق الاستدلال عليه ، وفى معرفة الله وصفاته يقف فى الذروة العليا ، وله فى نظر الفلاسفة والمتكلِّمين مرتبة سامقة لا تُضاهي . إنّ ما نطق به الإمام علىّ ¼ حول الوجود ، وما ذكره عن المخلوقات ، وما توفّر علي إظهاره من نقاط بديعة حيال الخليقة لهو ينمّ عن إحاطة علميّة بضروب المعرفة البشريّة . فكلمات الإمام أمير المؤمنين ¼ عن بدء الخليقة ، وخلق الملائكة والسماوات والأرضين والحيوان ، وما فاض به عن المجتمع والنفس وحركة التاريخ ، وما أدلي به من إشارات عن الرياضيّات والفيزياء وعلم ٣٣ - المجلد الأوّل / المدخل
الأرض (الجيولوجيا) وغير ذلك ممّا يعدّ فى حقيقته تنبّؤات علميّة ، ويدخل فى المعجزات العلميّة للإمام ، لهو قمين بالإعجاب ، وخليق أن يملأ النفس خضوعاً ودهشة . لم يعرف التاريخ علي امتداده رجلاً ، عالماً كان أم فيلسوفاً أم مفكِّراً ، ينهض بعلوّ قامته ، ويقول بثبات : سلونى ما تشاؤون . ثمّ لم يعجزه الجواب أبداً ، ولم يلبث حتي لحظة واحدة كى يتأمّل بما يجيب . وهذا القسم ليس أكثر من إيماءة إلي علوم علىّ بن أبى طالب ¼ ، وهو إشارة علي استحياء إلي بحره الزخّار ، ونظرة عابرة تومض من بعيد إلي اُفق المعرفة العلويّة . القسم الثانى عشر : قضايا الإمام علىّ القضاء صعب ، وأصعب منه القضاء الراسخ الذى يستند إلي الصواب والحقّ . يستند القضاء من جهة إلي علم راسخ ، ويتطلّب من جهة اُخري روحاً كبيرة وشخصيّة ثابتة لا تخشي التهديد ولا تميل إلي التطميع ، ولا تطوح بها العلائق والأهواء عن جادّة الحقّ والصواب . وأقضية علىّ بن أبى طالب ¼ هى منارات مضيئة فى الحياة ، وأكاليل رفيعة فى رحاب الحياة السياسيّة ، وأحري بها أن تكون من أعاجيب التاريخ القضائى . لقد تناول هذا القسم أقضية الإمام فى أربعة فصول توفّر كلّ واحد منها ٣٤ - المجلد الأوّل / المدخل
علي بُعد . فقد مرَّ فى البدء علي الموقع القضائى الذى يحظي به الإمام ، وأنّه "أقضي الاُمّة" بمقتضي صريح كلام رسول الله ½ . ثمّ انعطف إلي بيان أمثلة لأقضية علىّ ¼ علي عهد النبىّ ½ ، متابعاً لها وهى تتوالي فى عهد خلافته الراشدة ، لتكشف بأجمعها عن علم واسع عميق ، وصلابة ماضية فى السلوك ، وثبات راسخ ، وإيثار الحقّ علي ما سواه ، والدفاع عن الحقيقة فى خضمّ الحياة . القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ الإنسان خليفة الله فى الأرض . والأبعاد المعنويّة هى أسمي مظهر باهر يتألّق فى شخصيّة الإنسان ، وإذا ما ارتقي الإنسان علي هذا الخطّ وصار قريباً إلي الله عبر السلوك المعنوى ، فسيكون كلّ ما يصدر عنه مذهلاً عجيباً ، وتصير حياته وتعاطيه مع الوجود "تجلّيات" للقدرة الإلهيّة . حين تُبصر عليّاً ¼ فى هذا المجال تجده "ممسوساً فى ذات الله" علي حدّ ما نصّ عليه رسول الله ½ فى وصفه ، وهو أدري الناس به ، وعلىّ ثمرة لتربية الرسول . ومن ثَمَّ كان حريّاً بحياته أن تكون ـ ولا تزال ـ مشرقة بأكثر تجلّيات هذا "الخليفة الربّانى" نوراً ووضاءة . لقد توفّرت فصول هذا القسم علي الإيماء إلي أمثلة للقدرة المعنويّة الباهرة ، والولاية التكوينيّة التى يحظي بها الإمام ، ومرّت علي بعض تجلّيات هذا "الخليفة الربّانى" ، وما يشعّ به وجوده من مظاهر القدرة والعظمة الإلهيّة . ٣٥ - المجلد الأوّل / المدخل
كان من بين المحطّات التى لبثت عندها فصول هذا القسم أمثلة لإجابة الدعوات ، وإخبار الإمام بالمغيّبات ، وبعض ما له من كرامات مثل "ردّ الشمس" التى تعدّ منقبة تختصّ به وحده ، وفضيلة تبعث علي الدهشة ، وتدعو إلي العجب . هذا القسم فى حقيقة الإمام أمير المؤمنين ¼ رحلة تطوف معه لتبرز بُعده المعنوى فى التعامل مع اُفق الوجود ، وتؤشّر إلي موقعه المنيف فى معارج الصعود ، وما يحظي به هذا الإنسان الربّانى من مكانة عظيمة علي مهاد الأرض ، كما تكشف عن دوره كـ "خليفة إلهى" . القسم الرابع عشر : حبّ الإمام علىّ الجمال حبيب إلي الإنسان ، والإنسان يهفو إلي الجمال ، ولن تجد إنساناً يصدّ عن الجمال أو تنكفئ نفسه عن المكرمات والفضائل السامقة أو يُشيح عن المُثل العليا . هو ذا علىّ ¼ مصدر جميع ضروب الجمال ، يتفجّر وجوده بالكمال ، وتحتشد فيه جميع الفضائل والمكارم والقيم ; فأىّ إنسان يبصر كلّ هذا التألّق ولا يشدو قلبه إلي علىّ حبّاً وإيماناً ؟ وأىّ إنسان له عين بصيرة ويعمي عن ضوء الشمس ؟ دعْ عنك اُولئك النفر الذين ادلهمّت نفوسهم بظلمة حالكة ، فعميت أبصارهم عن رؤية هذا الجمال الباهر الممتد ، ولم يُبصروا مظاهره الخلاّبة . ٣٦ - المجلد الأوّل / المدخل
وإلاّ لو خُلّى الإنسان وإنسانيّته لاُلفى باحثاً عن الجمال أبداً متطلّعاً إليه علي الدوام . كذلك هو علىّ أحبُّ الخلق إلي الله خالق الجمال وواهب العظمة . كما هو الأحبّ عند الملائكة وعند رسول الله ½ . وهل يكون هذا إلاّ لجوهر الذات العلويّة ، وللمكانة المكينة التى يحظي بها هذا الإنسان الملكوتى الذى تتقرّب الملائكة ـ أيضاً ـ إلي الله بمحبّته ؟ إنّ لحبّ علىّ فى ثقافتنا الدينيّة شأناً عظيماً يُبهِر العقول ، ويبعث علي التأمّل . وما نهض به هذا القسم أنّه وثَّقَ لهذه الحقيقة نصوصَها . وقد جاءت النصوص تفصح دون مواربة ولُبْس أنّ حبّ علىّ حبٌّ لله ولرسوله ، وتسجِّل بنصاعة وضّاءة أنّ حبّ علىّ "نعمة" و"فريضة" و"عبادة" ، وهو "العروة الوثقي" و"أفضل العمل" و"عنوان صحيفة المؤمن" . فحبّه إذاً من دين الله بالصميم . ومع أنّ هذا القسم لا يدّعى أنّه قد استقصي كلّ النصوص الروائيّة التى لها مساس بعلىّ ¼ فى هذا المجال ، إلاّ أنّ ما توفّر علي ذكره أسفر بوضوح : أنّ حبّ علىّ هو السبيل إلي بلوغ حقائق المعرفة الدينيّة ، وهو الذى يشيع السكينة فى أرجاء الحياة ، وبحبّ علىّ يكتمل الإيمان والعمل ، وبه تُرفع أعمالنا مقبولة إلي الله سبحانه ، وبحبّ علىّ يستجاب الدعاء وتُغفر الذنوب . ٣٧ - المجلد الأوّل / المدخل
وبحبّ علىّ ¼ تنتشر نسائم السرور علي الإنسان عند الموت ، وحبّ علىّ لُقيا يُبصِر بها المحتضر وجه المولي عند الممات ، وحبّ علىّ جواز لعبور الصراط وللثبات عليه ، وهو الجُنّة التى تقى نار جهنّم . ومسك الختام : أنّ حبّ علىّ هو الحياة الطيّبة فى جنّة الخُلد . إنّ كلّ ذلك لا يكون إلاّ بحبّ علىّ ، وفى ظلال حبّ علىّ ¼ . لم تتردّد النصوص الروائيّة لحظة وهى تسجّل بثبات راسخ أنّ حبّ علىّ ¼ هو دليل طهارة المولد ، وعلامة علي الإيمان والتقوي ، وهو عنوان شهرة الإنسان ومعروفيّته فى السماوات وعند الملأ الأعلي ، وهو رمز السعادة . وبعدُ ; فإنّ كلّ هذا الحشد من التأكيد علي الحبّ العلوى ، ووصله برباط وثيق مع الحبّ الإلهى ، وبحبّ رسول الله ½ لهو دليل شاخص علي أنّ الحبّ المحمّدى الصحيح لن يكون ممكناً من دون الحبّ العلوى . وما ادّعاء حبّه ½ من دون حبّ علىّ ¼ إلاّ عبث جزاف ودعوة باطلة . علي أنّ هذا القسم يعود ليكشف فى جوانب اُخري علي أنّ حبّ علىّ ¼ ما كان شعاراً يُرفع وحديثاً يُفتري ، بل هو اُسوة يقتدى فيها المحبّ بحياة علىّ ، يلتمس هديه فى خطاه ، يعيش كما يعيش ، ويفكّر كما يفكّر ، ويمارس معايير علىّ فى الحبّ والولاء ، وفى البغض والبراءة ، ويحثّ خطاه صوب قيَمه دائماً وأبداً ، وإلاّ كيف يجتمع حبّ علىّ مع حياة سفيانيّة ونهج اُموى ؟ ٣٨ - المجلد الأوّل / المدخل
آخر ما يشدّ إليه الانتباه فى مادّة هذا القسم هو التحذير من الغلوّ ; فمع كلّ هذا التركيز المكثّف العريض علي حبّ الإمام أمير المؤمنين ¼ ، وإلي جوار هذه الإشادة بالآثار العظيمة التى يُغدقها هذا الحبّ علي الحياة الماديّة والمعنويّة ، جاءت التعاليم النبويّة والعلويّة والدينيّة تشدّد النكير ، وتُعلن التحذير الكبير من الغلو بهذا الحبّ . فها هى ذى النصوص الحديثيّة تنهي عن الإفراط وتذمّه ، وتعدّه انحرافاً يهيّئ الأجواء إلي انحرافات أكبر . القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ علي قدر ما تكون شخصيّة علىّ الطالعة المهيبة بالغة الروعة والجمال لذوى النفوس الزكيّة ، موحية أخّاذة لذوى الأفكار الرفيعة ، محبوبة خلاّبة لذوى الفِطَر النقيّة والطباع الكريمة ، فهى تثير الغيظ فى النفوس المدلهمّة المظلمة ، وتستجيش عداوة الوصوليّين النفعيّين ، وبغضاء ذوى الأغراض الدنيئة الهابطة ، والنوازع المنحطّة . إنّ التاريخ يجهر أنّ أعداء علىّ بن أبى طالب كانوا من حيث التكوين الروحى سقماء غير أسوياء نفسيّاً ، ومن حيث التكوين الفكرى كانوا منحرفين بعيدين عن الصواب . أمّا من حيث مكوّنات الشخصيّة فقد كانوا اُناساً تستحوذ عليهم الأنانيّة والأثَرة ، يُنبئ باطنهم عن الفساد والأغراض الهابطة . هذا رسول الله ½ يستشرف مستقبل الإسلام عبر مرآة الزمان ، يعلم بالفتن ويعرف مثيريها وأصحابها . وهو ذا يؤكّد فى كلّ موقع موقع من ٣٩ - المجلد الأوّل / المدخل
أشواط حياته المملوءة عزماً وتوثّباً والتزاماً علي حبّ علىّ بن أبى طالب ، ويحذّر الناس من بغضه ، وينهاهم عن عداوته وشنآنه . يسجّل رسول الله ½ بصراحة لا يشوبها لبسٌ أنّ بغض علىّ بن أبى طالب كفر ، وأنّ مَن آذي عليّاً فقد آذاه . ليس هذا وحده ، بل مضي رسول الله ½ يرسم ثغور الجبهة الاجتماعيّة ويحدّد اصطفافاتها العامّة بما يُظهر أنّ مَن هو مع علىّ وعلي حبّ علىّ فهو مع النبىّ نفسه ، ومَن يناهض عليّاً ويعاديه فموقعه فى الجبهة التى تعادى النبىّ وتُناهض رسالته . لقد أفصحت النصوص المعتبرة عند الفريقين ممّا تقصّاها هذا القسم ، علي أنّ أعداء علىّ بن أبى طالب بعيدون عن رحمة الله سبحانه ، وأنّ خسرانهم وسوء منقلبهم أمر قطعى لا ريب فيه . فمن يمُت علي بغض علىّ ¼ يمُت ميتة جاهليّة ، وبغض علىّ علامة تُجهر بنفاق صاحبها وفسقه وشقائه . وإذا كان بغض علىّ ¼ يستتبع ميتة جاهليّة ; فإنّ إنساناً كهذا لن ينتفع شيئاً من تظاهره بالإسلام ، وهو يُحشر فى القيامة أعمي ، ليس من مصير يؤول إليه سوي نار جهنّم . يضع هذا القسم بين يدى القارئ نصوصاً حديثيّة وروائيّة كثيرة ، فيها دلالة علي ما سلفت الإشارة إليه . وهو ـ علاوة علي ذلك ـ يعرّف بعدد من ألدّ أعداء الإمام وأعنف المبغضين له ، كما يمرّ علي جماعة من ٤٠ - المجلد الأوّل / المدخل
المنحرفين عنه ، وعلي القبائل التى كانت تكنُّ له البغضاء ، ولا غرابة فقد قيل : "تُعرف الأشياء بأضدادها" . هذا علىٌّ ، ولا يلحق به لاحق ، واسمه الآن يصدح عبر اُفق المكان والزمان ، ويعلو شاهقاً علي ذري التاريخ ، وهذه تعاليمه وكلماته مسفرة كضوء الفجر متألّقة علي مدار الزمان . أما والأمر كذلك ; فقد كان حريّاً بهذا القسم أن يلبث عند تلك الجهود المحمومة كاللهب ، وعند تلك الصدور الموبوءة بالحقد ، وقد نفثت أحقادها علّها تُطفئ الشعلة المتوقّدة ، أو عساها تنال من وهجها شيئاً ، حتي تستيقن النفوس بوعد الله الذى وعَده ، وكى لا يستريب أحد بقوله سبحانه : ³ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ² (١) . وهكذا كان . القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله مع هذا القسم يُختَتم الكتاب ويبلُغ نهايته . بعد أن لبث القارئ مع خمسة عشر قسماً من الموسوعة ، وصار علي معرفة واسعة ممتدّة بمختلف أبعاد حياة الإمام أمير المؤمنين ¼ المملوءة بالتعاليم الواعية البنّاءة التى تُنير الحياة وتفتح المغاليق ; بعد هذا كلّه آن له أن يرحل فى هذا القسم مع جولة تطوف به علي عدّة من أصحاب علىّ ¼ وعمّاله ، يتعرّف عليهم وينظر إليهم عن كثب . (١) الصفّ : ٨ . ٤١ - المجلد الأوّل / المدخل
فى هذا القسم يخرج القارئ بحصيلة معرفيّة معطاءة عن اُولئك الرادة الذين تربّوا فى كنف علىّ ، وتخرّجوا من مدرسته ، وفى الوقت ذاته تتكشّف له معالم الحكم العلوى وما كان يعانيه من قلّة الطاقات الرياديّة الملتزمة الرشيدة ، وما يكابده الحكم من نقص فى القوي الفاعلة المطيعة المسؤولة . وهذا الواقع يُسهم إلي حدّ فى الإفصاح عن السرّ الكامن وراء بعض النواقص التى بدت فى الحكم العلوى ، ويُعين القارئ علي إدراك ذلك ، كما تمنحه معطيات هذا القسم موقعاً أفضل للتوفّر علي تحليل واقعى لحكومة الإمام . من الجلىّ أنّ أصحاب الإمام لم يكونوا علي مستوي واحد ، كما لم يكن عمّاله كذلك . لقد كانت ضرورات الحكم ومتطلّبات الإدارة العامّة تُملى علي الإمام أن يلجأ أحياناً إلي استعمال اُناس ثابتين فى العقيدة بيدَ أنّهم غير منضبطين فى العمل . لكن الإمام لم يكن يغفل لحظة عن تنبيه هؤلاء وتحذيرهم المرّة تلو الاُخري ، كما لم يُطق مطلقاً انحرافاتهم وما يصدر عنهم واضطراب سلوكهم مع الناس . إنّ عليّاً الذى أمضي عمراً مديداً يضرب بسيفه دفاعاً عن الحقّ ; وعليّاً الذى اختار الصمت سنوات طويلة من أجل الحقّ " وفى العين قذي ، وفى الحلق شجا "; علىٌّ هذا لا يُطيق المداهنة ـ وحاشاه ـ فى تنفيذ الحقّ ، ولا يعرف المجاملة فى إحقاقه ، ولا يتحمّل المساومة أبداً . تتضاعف أهميّة هذا القسم من الموسوعة ، وهو حرىّ بالقراءة أكثر ، ونحن نبصر ـ فيه ـ مواقف الإمام من الأصحاب والعمّال مملوءة دروساً ٤٢ - المجلد الأوّل / المدخل
وعبراً . ومع القسم السادس عشر يشرف الكتاب علي نهايته ، ليكون القارئ قد خرج من الموسوعة بسيل متدفّق من المعرفة ، وبفيض من التحاليل والرؤي والأفكار والأخبار ، تستحوذ عليها جميعاً شخصيّة الإمام علىّ بن أبى طالب ¼ . خصائص الموسوعة انتهي للتوّ استعراض وجيز قدّمناه لأقسام "الموسوعة" الستّة عشر دون خوض لما احتوته فصولها من تفاصيل ، وما ضمّته من مداخل صغيرة كانت أم كبيرة ، وقد آن الأوان للحديث عمّا تحظي به من خصائص . بيد أنّا نعتقد أنّ السبيل إلي معرفة خصائص الموسوعة ـ وربّما ما تحمله من مزايا ونقاط بارزة ـ يُملى علينا أن نُلقى نظرة إلي ما كُتب عن الإمام أمير المؤمنين ¼ حتي الآن ، كى تتّضح من جهة ضرورات التعاطى مع هذه المجموعة ، وتستبين من جهة اُخري نقاط قوّتها وما قد تكون حقّقته من مكاسب ومعطيات علي هذا الصعيد . غزارة المدوّنات وكثرتها عن الإمام يحظي الإمام أمير المؤمنين ¼ بشخصيّة هى فى المدي الأقصي من الجاذبيّة ; ومن ثَمّ فتَملّى سيرة هذا العظيم ، والتطلّع إلي حياته العبقة الفوّاحة هو ممّا لا يختصّ باتّجاه دون آخر . فها هم الجميع من كافّة ٤٣ - المجلد الأوّل / المدخل
الاتّجاهات والأفكار يكتبون عن الإمام ، وها هى ذى شخصيّته المتوهّجة تجذب كلّ المسالك والميول ، وتستقطب لدائرتها كافّة القرائح والأقلام . هكذا تمثّلت واحدة من خصائص علىّ بن أبى طالب بغزارة ما كُتب عنه ، وكثافة التآليف التى أطلّت علي حياته وسيرته ، وتناولت بالبحث إمامته وخلافته ، واندفعت تُعني بحِكمه وتعاليمه ، وبآثاره ومآثره . فتاريخ الإسلام بدون اسم علىّ بن أبى طالب ومن دون مآثره وبطولاته التى بلغت أعلي ذروة ، هو تاريخ أجوف مشوّه ، وكتلة هامدة بلا حراك ولا روح ، وهو بعد ذلك لا يمتّ إلي حقيقة التاريخ الإسلامى بصلة . فها هى ذى قمم تاريخ صدر الإسلام تتضوّع باسم علىّ ، وتفوح بذكراه ، وها هو ذا ظلّه يمتدّ ويطول فلا يغيب عن واقعة قط . وما خطّته الأقلام عن الإمام أمير المؤمنين ¼ يفوق الحصر عدّاً ، فهذا رصد واحد قدّم خمسة آلاف عنوان كتاب بعضها فى عدّة مجلدات ، دون أن يستوفى الجميع . تصنيف الكتابات ما جادت به القرائح والأقلام عن علىّ بن أبى طالب يقع فى جهات متعدّدة ، ويمتدّ محتواه علي مواضيع مختلفة . مع ذلك يمكن تصنيف الحصيلة فى رؤوس العناوين التالية : أ ـ تاريخ حياة الإمام . ٤٤ - المجلد الأوّل / المدخل
ب ـ خلافة الإمام . ج ـ خصائص الإمام وفضائله . د ـ مواضيع لها صلة بالإمام أو تدور حوله مثل الغدير ، وآية التطهير ، والولاية ، وما إلي ذلك . هـ ـ تفسير الآيات النازلة بشأن الإمام . وـ أقضية الإمام . ز ـ أدعية الإمام . ح ـ الأحاديث والنصوص النبويّة عن الإمام . ط ـ كلام الإمام ، ولهذا صيغ مختلفة كالأحاديث ذات الصيغة البلاغيّة ، والاُخري رُتّبت علي أساس الحروف الهجائيّة . ى ـ الشروح ; وتشمل شرح خطبة واحدة ، أو كتاب واحد أو رسالة واحدة ، وإلي غير ذلك من الصيغ . ك ـ ما جادت به القرائح والأقلام نظماً ونثراً عن فضائل الإمام ومناقبه ومراثيه . ل ـ كرامات الإمام ومعاجزه فى حياته وبعد استشهاده . يفصح هذا التصنيف بموضوعاته المختلفة أنّ الأقلام قد تبارت متحدّثة عن الإمام علىّ ¼ من زوايا مختلفة ، كلّ واحد يعزف علي حياته وآثار عظمته من بُعده الخاص . ٤٥ - المجلد الأوّل / المدخل
أما وقد اتّضح ذلك علي وجه الإجمال ، تعالوا ننعطف إلي خصائص هذه "الموسوعة" وما قد تحظي به من مزايا ، نجملها من خلال العناوين التالية : ١ ـ الشمول ومبدأ الانتخاب فى الوقت الذى حرصت "الموسوعة" علي تجنّب التكرار(١) ، والإحالة إلي النصوص المتشابهة ، فقد سعت إلي الجمع بين الشمول والاختصار معاً ، متحاشية الزوائد والفضول ، من خلال التأكيد علي مبدأ الانتخاب . لقد انطلقت "الموسوعة" تجمع النصوص والأحاديث والنقول من مصادر الفريقين ، مع التركيز علي ما له مساس بالإمام أمير المؤمنين ¼ . هكذا تطمئنّ نفس الباحث الذى يراجع هذه المجموعة إلي أنّه قد اطّلع علي حصيلة ما جادت به الأقلام حيال الإمام علىّ ¼ ، كما ينفتح أمامه الطريق ممهّداً لاختيار الموضوع أو المواضيع التى يصبو إلي دراستها ، عبر الكثافة المعلوماتيّة التى يوفّرها له حشد كبير من المصادر والهوامش والإيضاحات التى جاء ذكرها فى الهوامش . ٢ ـ الاستناد الواسع إلي مصادر الفريقين حقّقت "الموسوعة" لأوّل مرّة أوسع عمليّة استعراض لمصادر الفريقين ٤٦ - المجلد الأوّل / المدخل
التاريخيّة والحديثيّة ، حيث استنطقت ما حوَته صحفاتها من ذكر لمختلف جوانب شخصيّة الإمام علىّ ¼ . بِلغة الأرقام ; لم تبلغ هذه "الموسوعة" نهايتها ، ولم تكتسب هذه الصيغة إلاّ بعد مراجعة ما ينوف علي الأربعمائة وخمسين كتاباً أربت مجلّداتها علي الألفين ، منها مئتا كتاب من مصادر الشيعة ، ومئتان وخمسون كتاباً من مصادر أهل السنّة . ثمّ لكى ترتاد بالباحثين صوب آفاق معرفيّة ممتدّة ، وحتي تفتح لهم السبيل واسعاً للدراسة والتحليل ، فقد أحالت فى هوامشها إلي ما يناهز الثلاثين ألف موضع من مصادر الفريقين ، ويكفى هذا وحده للكشف عن المدي الأقصي الذى بلغه البحث . ٣ ـ وثاقة المصادر فى تدوين هذه الموسوعة عمدنا فى البدء إلي جمع المعطيات علي جذاذات (بطاقات) مستقلّة من المصادر مباشرة ، مع الاستعانة بأنظمة الحاسوب الآلى وأقراص الخزن باللغتين الفارسيّة والعربيّة علي قدر ما تسمح به الإمكانات ، ثمّ جمعنا النصوص المتشابهة حيال الموضوع الواحد ، وسعينا بعدئذ إلي انتخاب أكثر هذه النصوص وثاقة ، وفرز ما هو أقدمها وأكثرها شمولاً . لقد حرصنا علي أن تأتى النصوص المنتخبة من أوثق الكتب الحديثيّة والتاريخيّة وأهمّها . لكن ينبغى أن نسجّل أنّ وثاقة النصوص والنقول فى ٤٧ - المجلد الأوّل / المدخل
البحث التاريخى تختلف اختلافاً بيّناً عمّا هى عليه فى النصوص والنقول الفقهيّة ; فمن الواضح أنّ ذلك التمحيص الذى ينصبّ علي سند الرواية الفقهيّة ، لا يجرى بنفسه علي البحوث التاريخيّة . فما يستدعيه البحث التاريخى أكثر ; هو طبيعة النصّ (الوثيقة) ومدي ثباته وسلامته ، وهذه غاية يبلغها الباحث باستخدام قرائن متعدّدة . فى رؤيتنا أنّ النصّ أو النقل الموثّق ـ فقهيّاً كان أم تاريخيّاً ـ هو الذى يكون موثوقاً يبعث علي الاطمئنان ، حتي لو لم يحظَ بسند ثابت وصحيح . نسجّل ذلك رغم انتباهنا لأهميّة السند الصحيح والموثّق فى إيجاد الاطمئنان . وينبغى أن نُضيف أيضاً إلي أنّ الوثوق السندى فى النصوص التى تستند إلي المصادر الحديثيّة والتاريخيّة للفريقين (الشيعة والسنّة) لا يمكن أن يكون ملاكاً كاملاً وتامّاً ; إذ من الواضح أنّ لكلّ فريق رؤيته الخاصّة فى تعيين "الثقة" و"غير الثقة" ، كما له مساره الخاصّ ونهجه الذى يميّزه فى الاُصول الرجاليّة . الكلمة الأخيرة علي هذا الصعيد تتّجه إلي طبيعة الملاك الذى انتخبناه ; ففى عمليّة جمع النصوص وفرزها عمدنا بالإضافة إلي ما بذلناه من جهد فى توثيق المصدر والاهتمام بالسند ، إلي مسألة نقد النصّ كى يكون هو الملاك الأهمّ فى عملنا . وفى هذا الاتّجاه سعينا إلي بلوغ ضرب من الاطمئنان من خلال تأييد مضمون النصّ بالقرائن النقليّة والعقليّة ، كى يتحوّل ذلك إلي أساس نطمئنّ إليه فى ثبات النصّ . ٤٨ - المجلد الأوّل / المدخل
علي هذا لم نلجأ إلي الأحاديث المنكرة حتي لو كان لها أسانيد صحيحة . وإذا ما اضطرّتنا مواضع خاصّة لذكر نصّ غير معتبر ; فإنّنا نعطف ذلك بإيضاح ملابسات الموضوع . ٤ ـ التحليل والتصنيف يلتقى الباحثون علي صفحات هذه الموسوعة ، والمتشوّفون إلي سيرة علىّ ¼ ومعارفه مع سبعة آلاف نصّ تاريخى وحديثى تدور كلّها حول الإمام . لقد سعي هذا المشروع إلي أن يقدّم عبر الأقسام والفصول مجموعة من التحليلات والنظريّات التى تتناسب مع المادّة ، وأن يخرج من خلال تقويم النصوص بإلماعات مهمّة فى مضمار التاريخ والحديث . إن القارئ سيواجه علي هذا الصعيد نقولا مكثّفة تصحب فقه الحديث نأمل أن تأتى نافعة مفيدة . ٥ ـ رعاية متطلّبات العصر وفاعليّة المحتوي ليست "موسوعة الإمام علىّ" كتاباً تاريخيّاً محضاً يُعنى بالنصوص والوثائق التاريخيّة التى ترتبط بحياة الإمام أمير المؤمنين ¼ ، كما لم نكن نهدف أن نقدّم ترجمة صرفة نزيد بها رقماً جديداً علي التراجم الكثيرة الموجودة . بل أمعنّا النظر إلي الواقع المُعاش ، وركّزنا علي المتطلّبات المعاصرة ونحن ننتخب العناوين ونملأ النصوص التى جاءت تحتها . ٤٩ - المجلد الأوّل / المدخل
وحرصنا علي أن تأتى هذه "الموسوعة" مجموعة متكاملة موحية ، تهَب الدروس ، وتبثّ العبر من حولها ، وتلامس حاجات العالم الإسلامى ، وتؤثّر فى عقول الباحثين ، وتُعين الشباب ، وتمنح اُولئك الذين يرغبون أن تكون لهم فى سيرة علىّ ¼ اُسوة فى واقع الحياة ; تمنحهم المثال المنشود . كما أردنا لـ "الموسوعة" من خلال سيرة الإمام أمير المؤمنين ¼ أن تفتح أمام البصر الإنسانى مغالق الطريق ، وأن تُعين فى تذليل العُقَد الفكريّة والعقيديّة والسياسيّة . علي أنّ أكثر أقسام هذا المشروع نفعاً وتأثيراً هى تلك التى أضاءت النهج العلوى ، وأسفرت عن مرتكزاته فى مختلف مجالات إدارة الاجتماع السياسى ، وتسيير الحكم والتعامل مع المجتمع . فهذه الأقسام هى فى صميم حاجة قادة البلدان الإسلاميّة ، بالأخصّ العاملين فى نطاق نظام الجمهوريّة الإسلاميّة فى إيران . فهذه الأقسام جسّدت علي منصّة الواقع الحياةَ السياسيّة والاجتماعيّة للإمام ، وأومأت ببنان لا تخطئه عين إلي الواقع الحقيقى لكفاءة ذلك السياسى الواقعى ، الذى ليس له مأرب من تنفيذ السياسة غير الحقّ . فـ "الموسوعة" إذاً ليست صفحات فى بطون الكتب ، بل هى من الحاضر فى الجوهر ، ومن الواقع اليومى فى الصميم . من هذه الزاوية هى ٥٠ - المجلد الأوّل / المدخل
خليقة بالقراءة والتفكير والتأمّل ، وجديرة بالعمل . ٦ ـ الإبداع فى التدوين والتنظيم لقد صُمّمت مطالب "الموسوعة" وموضوعاتها فى إطار هيكليّة هندسيّة خاصّة ، بحيث يكون بمقدور الباحث أن يكون فى صميم السياق العام للكتاب بمجرّد إلقاء نظرة عابرة ، وبشىء من التأمّل يعثر علي ما يريد . فقد اختيرت العناوين بحيث تُسفر عن محتوي الأقسام والفصول ، وتستوعب جميع النصوص الموجودة . بيد أنّ الأهمّ من ذلك أنّها حرصت علي أن تجىء تلك العناوين حول السيرة العلويّة البنّاءة ، وهى تعبّر عن مثال يُحتذي وتعكس اُسوة يمكن الاقتداء بها . بهذا جاءت العناوين واقعيّة وليست انتزاعيّة محضة ، كما لم تأتِ مغلقة مبهمة . ٧ ـ إيضاحات الهوامش ومزايا اُخري لكى يستغنى الباحث الذى يراود هذه "الموسوعة" عن العودة إلي المصادر الاُخري فى المسائل الفرعيّة ، وحتّي يشقّ طريقه إلي مبتغاه بيسر ، جاءت إيضاحات الهوامش تضمّ ترجمة للأشخاص وتعريفاً بالأماكن وبياناً للنقاط الغامضة التى تكتنف النصوص ، مع شرح موجز للمفردات الصعبة . وقد تمّ تعزيز ذلك كلّه بخرائط مؤدّية تعكس الأمكنة والمواقع التاريخيّة بدقّة ، عكف علي تصميمها متخصّصون . ٥١ - المجلد الأوّل / المدخل
٨ ـ أدب التكريم عند نقل النصوص ; إذا ما كانت تلك النصوص مسندة إلي رسول الله ½ وأهل بيته ¥ يُذكر الاسم مع النقل ، وعند ذكر النبىّ يُشفع بصيغة (صلي الله عليه وآله) ، فى حين يشفع ذكر كلّ واحد من أئمة أهل البيت ¥ بصيغة (عليهم السلام) تكريماً لهذه الأسماء المقدّسة والذوات المعصومة ، حتي لو لم تحوِ النصوص فى مصادرها الأصليّة هذا التكريم . أمّا إذا كانت النصوص عن غير النبىّ ½ وأهل بيته ¥ فعندئذ نكتفى بذكر المصدر فقط فى بدء النصّ . ٩ ـ أخلاقيّة الكتابة حرصت "الموسوعة" علي أن تلتزم فى كتاباتها الأدب العلمى بدقّة ، وتراعي اُصول البحث فى مداها الأقصي . إنّ من يتأمّل تاريخ الإسلام بعمق ، ويرمى ببصره تلقاء مصنّفات مختلف علماء النِّحَل فى دائرة الثقافة الإسلاميّة ، يلمس كم احتوي ميراث اُولئك ـ قدماء ومحدثين ـ من ظلم للتشيّع ، وأىّ حيف أصاب قمّته العلياء الشاهقة ! كما يدرك الصدود الذى أحاط إمام المجاهدين ، وما نزل بصحبه الأبرار الذين أخلصوا له الولاء ، سواء عن طريق كتمان الحقائق أو من خلال قلب وقائع التاريخ . هذه اُمور جليّة لم تخف علي أحد ، يعرفها جميع باحثى التاريخ ٥٢ - المجلد الأوّل / المدخل
الإسلامى ، كما نعرفها نحن أيضاً ، وقد تبدّت أمامنا بأبعاد مهولة عند كتابة "الموسوعة" . بيد أن ذلك كلّه لم يجرّنا إلي موقف مماثل عند تدوين "الموسوعة" لا بدءاً ، وتأسيساً ، ولا بصيغة الردّ بالمثل . فها هى ذى التحليلات والإيضاحات ووجهات النظر والمداخل نقيّة لم يشبْها لوث ، وها هو ذا القلم عفّ ولم يهبط قط إلي الشتيمة ولغة التجريح والكلام النابى وكَيل التُّهم والمطاعن . وفى الحقيقة جعلنا المشروع يفىء بجميع أجزائه فى ظلال "الأدب العلوى" ; هذا الأدب الذى يأخذ مثاله الرفيع مما علّمه الإمام أمير المؤمنين ¼ صاحبيه حجر بن عدى وعمرو بن الحمق . فهذان الحواريّان يتوقّدان عزماً ، ويفيضان رسوخاً ، وهما مملوءان حماساً وغيرة ; فأنّي لهما أن يصبرا علي أباطيل العدوّ وزخرفه ، وما صار يستجيشه من ضوضاء هائجة ؟ لقد راحا يدمدمان بألسنتهما ضدَّ العدو ، فما كان من أمير المؤمنين ¼ إلاّ أن علّمهما أدب المواجهة ، فقال لهما بعد أن ذكّرهما بأنّهم علي الحقّ وأن عدوّهم علي الباطل : "كرهت لكم أن تكونوا لعّانين ; تشتمون وتتبرّؤون ، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم : مِن سيرتهم كذا وكذا ، ومِن عملهم كذا وكذا ، كان ٥٣ - المجلد الأوّل / المدخل
أصوب فى القول ، وأبلغ فى العذر"(١) . واضح إذن أنّ ذِكر شخص وفعاله وتحليل سلوكه ، أو تسليط أضواء كاشفة علي ما يلفّ فعال بعضِ مَن تنكّب عن الحقّ والصواب وما صدر عنه من سلوك شائن ـ لا يمكن أن يُعدّ إساءة نابية ، بل هو من الوعى التاريخى والدفاع عن الحقّ بالصميم . ومن ثَمّ إذا ما احتوت "الموسوعة" شيئاً من هذا فهو تعبير عن واقع لا أنّه ينمّ عن إساءة جارحة . ومع ذاك سعينا أن ننظر إلي المسائل برؤية الاُسلوب التحليلى والبحث العلمى وليس من خلال العناد والتعصّب الأعمي المقيت . ومِن ثَمّ لم يتمّ التوهين بمقدّسات أىّ نحلة ، ولم نطعن بشخص قط . علي هذا نأمل أن تجىء "الموسوعة" خطوة علي طريق التقريب بين المذاهب ، وأن يكون شخوص "الأدب العلوى" وتبلوره فيها سبباً لانتفاع الجميع ، ويهيّئ الأجواء لوحدة كلمة المؤمنين . شكر وتقدير حيث شارف هذا المدخل علي نهايته ، ولمّا يُمسِك القلم بعدُ نبتهل ـ مرّة اُخري ـ إلي الله سبحانه ضارعين بقلوب مفعمة ، بالشكر والثناء علي ما أنعم به من تيسير كريم وفضل جسيم ، وما امتنّ به من توفيق عظيم ٥٤ - المجلد الأوّل / المدخل
لهذه الخدمة العلويّة الجليلة . كما نوجّه شكرنا وثناءنا إلي كلّ جهد كريم شارك فى هذا المشروع فى إطار مختلف المجاميع ، وكان له سهم فى التأليف والتحقيق والتخريج ، وفى الطباعة والتصحيح والتدقيق ، ونخصّ بالذكر الباحثَين الكريمَين الجليلين السيّد محمّد كاظم الطباطبائى والسيّد محمود الطباطبائى نژاد ، اللذين بذلا جهوداً مخلصة مشكورة فى تدوين هذه المجموعة ، وكانا معنا رفيقَى درب فى هذه الرحلة الممتدّة من عام ١٤١٣ هـ . كما نشكر الاُستاذ الفاضل الشيخ محمّد على مهدوى راد الذى أعاننا علي تهيئة البيانات والتحليلات . وأتقدّم بشكرى الخالص وثنائى الجزيل أيضاً إلي مسؤول قسم تدوين الموسوعة فى مركز دراسات دار الحديث المحقّق العزيز الشيخ عبد الهادى المسعودى ، الذى بذل جهداً محموداً فى تنظيم الصيغة الأخيرة وإعداد العمل وإنجازه فى الموعد المقرّر . إلهى .. اجعلنا فى حزب علىّ ¼ الذى هو حزب رسول الله ½ ، واكتبنا فى المفلحين الفائزين . واجعلنا فى صفّ جنودك المحبّين لك الوالهين بك ، وفى عداد حماة دينك ، المنافحين عن نقاء الفكر الإسلامى ، وصُن ألسنتنا وأقلامنا من الزلل ، وأقِلْها من العثرات والباطل ، واجعل ما نكتب ونقول خدمة لغايات ٥٥ - المجلد الأوّل / المدخل
الحكم العلوى ، وأرضاً صلبة توطئ إلي الحكومة العالميّة لولىّ الله الأعظم الإمام المهدى ¼ . وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّي الله علي سيّدنا ونبيّنا محمد وآله الطاهرين . |
||||||