الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الأول

 

 ٢٥٩ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الحادى عشر : الاستخلاف عن النبىّ فى غزوة تبوك

تبوك هى أقصي منطقة توجّه إليها النبىّ  ½ فى حروبه . وبدأت تحرّكات المنافقين فى المدينة فى وقت راح رسول الله  ½ يعدّ جيشه للانطلاق إلي تبوك . والحوادث التى وقعت تدلّ بوضوح علي أنّ المنافقين فى المدينة كانوا يتحيّنون الفرصة لتوجيه ضربتهم للحكومة النبويّة الجديدة . وكانت هذه الغيبة الطويلة للنبىّ فرصة مناسبة لهم . من هنا ، نلحظ أنّه  ½ استخلف فى البداية محمّد بن مسلمة علي المدينة ، ثمّ جعل عليّاً  ¼ عليها ، وقال :

"أنا لابدّ من أن اُقيم أو تقيم"(١) .

وقال :

"إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بى أو بك"(٢) .


(١) المعجم الكبير : ٥ / ٢٠٣ / ٥٠٩٤ ، الطبقات الكبري : ٣ / ٢٤ .
(٢) الإرشاد : ١ / ١٥٥ ، كمال الدين : ٢٧٨ / ٢٥ ، الاحتجاج : ١ / ٣٤٦ / ٥٦ ، كنز الفوائد : ٢ / ١٨١ ; المستدرك علي الصحيحين : ٢ / ٣٦٨ / ٣٢٩٤ .

 ٢٦٠ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الحادى عشر : الاستخلاف عن النبىّ فى غزوة تبوك

وهكذا أخفقت المؤامرة ، فإنّ وجود علىّ  ¼ ألقي الرعب فى قلوب المنافقين والمتآمرين ، وآيسهم من القيام بأىّ تحرّك فى المدينة ، فراحوا يعزفون علي وتر آخر ; فإنّ غزوة تبوك كانت الغزوة الوحيدة التى لم يشهدها أمير المؤمنين  ¼ بقرار النبىّ  ½ ، ولما طرأ من أحداث فى المدينة(١) . فأرجفوا أنّ عليّاً تخلّي عن الحرب وخذل النبىّ ولم يرافقه مع رغبة النبىّ فى حضوره معه . فما كان من الإمام  ¼ إلاّ أن هرع إليه  ½ قبل مغادرته ، وأخبره بأراجيفهم ، فنطق النبىّ  ½ عندئذ كلمته الخالدة العظيمة فى حقّه : "أ ما ترضي أن تكون منّى بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبىّ بعدى"(٢) .

وهكذا اُحبطت هذه المؤامرة فى مهدها ، وسجّل التاريخ لعلىٍّ  ¼ أسطع المناقب أمام أنظار الناس .

٢٣٧ ـ الطبقات الكبري عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم : لمّا كان عند غزوة جيش العسرة وهى تبوك ، قال رسول الله  ½ لعلىّ بن أبى طالب : إنّه لابدّ من أن اُقيم أو تقيم ، فخلّفه ، فلمّا فصل رسول الله  ½ غازياً قال ناس : ما خلّف عليّاً إلاّ لشىء كرهه منه .

فبلغ ذلك عليّاً ، فاتّبع رسول الله  ½ حتي انتهي إليه ، فقال له : ما جاء بك يا علىّ ؟ ! قال : لا يا رسول الله إلاّ أنّى سمعت ناساً يزعمون أنّك إنّما خلّفتنى لشىء كرهته منّى ! ! فتضاحك رسول الله  ½ وقال : يا علىّ ، أ ما ترضي أن تكون منّى كهارون من موسي غير أنّك لست بنبىّ ؟ ! قال : بلي يا رسول الله ، قال : فإنّه


(١) الطبقات الكبري : ٣ / ٢٣ ، اُسد الغابة : ٤ / ٩٢ / ٣٧٨٩ .
(٢) خصائص أمير المؤمنين للنسائى : ١٠٧ / ٤٥ ، المصنّف لابن أبى شيبة : ٨ / ٥٦٢ / ٤ ، تاريخ الطبرى : ٣ / ١٠٤ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٣٤٨ ، الاستيعاب : ٣ / ٢٠١ / ١٨٧٥ .

 ٢٦١ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الحادى عشر : الاستخلاف عن النبىّ فى غزوة تبوك

كذلك(١) .

٢٣٨ ـ تاريخ الطبرى عن ابن إسحاق ـ فى خروج النبىّ  ½ إلي غزوة تبوك : خلّف رسول الله  ½ علىّ بن أبى طالب علي أهله ، وأمره بالإقامة فيهم ، واستخلف علي المدينة سباع بن عرفطة أخا بنى غفّار ، فأرجف المنافقون بعلىّ بن أبى طالب ، وقالوا : ما خلّفه إلاّ استثقالاً له ، وتخفّفاً منه .

فلمّا قال ذلك المنافقون أخذ علىّ سلاحه ، ثمّ خرج حتي أتي رسول الله  ½ وهو بالجرف ، فقال : يا نبىّ الله ، زعم المنافقون أنّك إنّما خلّفتنى أنّك استثقلتنى وتخفّفت منّى ! فقال : كذبوا ، ولكنّى إنّما خلّفتك لما ورائى ، فارجع فاخلُفنى فى أهلى وأهلك ، أ فلا ترضي يا علىّ أن تكون منّى بمنزلة هارون من موسي ، إلاّ أنّه لا نبىّ بعدى ؟ ! فرجع علىّ إلي المدينة ، ومضي رسول الله  ½ علي سفره(٢) .

٢٣٩ ـ الإرشاد ـ فى غزوة تبوك : أوحي الله تبارك وتعالي اسمه إلي نبيّه  ½ أن يسير إليها بنفسه ، ويستنفر الناس للخروج معه ، وأعلمه أنّه لا يحتاج فيها إلي حرب ، ولا يُمني بقتال عدوّ ، وأنّ الاُمور تنقاد له بغير سيف ، وتَعبّده بامتحان أصحابه بالخروج معه واختبارهم ، ليتميّزوا بذلك وتظهر سرائرهم .

فاستنفرهم النبىّ  ½ إلي بلاد الروم ، وقد أينعت ثمارهم ، وأشتدّ القيظ عليهم ، فأبطأ أكثرهم عن طاعته ; رغبةً فى العاجل ، وحرصاً علي المعيشة وإصلاحها ، وخوفاً من شدّة القيظ ، وبُعد المسافة ، ولقاء العدوّ . ثمّ نهض بعضهم علي استثقال


(١) الطبقات الكبري : ٣ / ٢٤ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٣٤٩ ، المعجم الكبير : ٥ / ٢٠٣ / ٥٠٩٤ نحوه وراجع خصائص أمير المؤمنين للنسائى : ١٠٦ / ٤٥ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٣ / ١٠٣ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٤ / ١٦٣ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٦٣١ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٦٣٦ .

 ٢٦٢ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الحادى عشر : الاستخلاف عن النبىّ فى غزوة تبوك

للنهوض ، وتخلّف آخرون .

ولمّا أراد رسول الله  ½ الخروج استخلف أمير المؤمنين  ¼ فى أهله وولده وأزواجه ومهاجره ، وقال له : "يا علىّ ، إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بى أو بك" ; وذلك أنّه  ¼ علم من خبث نيّات الأعراب ، وكثير من أهل مكّة ومن حولها ممّن غزاهم وسفك دماءهم ، فأشفق أن يطلبوا المدينة عند نأيِه عنها وحصوله ببلاد الروم أو نحوها ، فمتي لم يكن فيها من يقوم مقامه ، لم يؤمن من مَعَرَّتهم(١) ، وإيقاع الفساد فى دار هجرته ، والتخطّى إلي ما يشين أهله ومخلّفيه .

وعلم  ¼ أنّه لا يقوم مقامه فى إرهاب العدوّ وحراسة دار الهجرة وحياطة من فيها إلاّ أمير المؤمنين  ¼ ، فاستخلفه استخلافاً ظاهراً ، ونصّ عليه بالإمامة من بعده نصّاً جليّاً .

وذلك فيما تظاهرت به الرواية أنّ أهل النفاق لمّا علموا باستخلاف رسول الله  ½ عليّاً  ¼ علي المدينة حسدوه لذلك ، وعظم عليهم مقامه فيها بعد خروجه ، وعلموا أنّها تنحرس به ، ولا يكون للعدوّ فيها مطمع ، فساءهم ذلك ، وكانوا يؤثرون خروجه معه ; لما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاط عند نأى النبىّ  ½ عن المدينة ، وخلوّها من مرهوب مخوف يحرسها . وغبطوه  ¼ علي الرفاهيّة والدعة بمقامه فى أهله ، وتكلُّف من خرج منهم المشاقّ بالسفر والخطر .

فأرجفوا به  ¼ ، وقالوا : لم يستخلفه رسول الله  ½ إكراماً له وإجلالاً ومودّة ، وإنّما خلّفه استثقالاً له . فبهتوه بهذا الإرجاف كبهت قريش للنبىّ  ½ بالجِنّة تارة ،


(١) المَعَرَّة : الجناية ، والأذي (لسان العرب : ٤ / ٥٥٦) .

 ٢٦٣ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الحادى عشر : الاستخلاف عن النبىّ فى غزوة تبوك

وبالشعر اُخري ، وبالسحر مرّة ، وبالكهانة اُخري ، وهم يعلمون ضدّ ذلك ونقيضه ، كما علم المنافقون ضدّ ما أرجفوا به علي أمير المؤمنين  ¼ وخلافه ، وأنّ النبىّ  ½ كان أخصّ الناس بأمير المؤمنين  ¼ ، وكان هو أحبّ الناس إليه ، وأسعدهم عنده ، وأفضلهم لديه .

فلمّا بلغ أمير المؤمنين  ¼ إرجاف المنافقين به ، أراد تكذيبهم وإظهار فضيحتهم ، فلحق بالنبىّ  ½ ، فقال : يا رسول الله ، إنّ المنافقين يزعمون أنّك إنّما خلّفتنى استثقالاً ومقتاً ! فقال له رسول الله  ½ : ارجع يا أخى إلي مكانك ، فإنّ المدينة لا تصلح إلاّ بى أو بك ، فأنت خليفتى فى أهلى ودار هجرتى وقومى ، أ ما ترضي أن تكون منّى بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبىّ بعدى ! !(١)


(١) الإرشاد : ١ / ١٥٤ .

 ٢٦٤ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الحادى عشر : الاستخلاف عن النبىّ فى غزوة تبوك

 ٢٦٥ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة

\

١٢ / ١

البعث لكسر الأصنام

٢٤٠ ـ الإرشاد ـ فى ذكر وقايع بعد غزوة حنين ـ ثمّ سار ـ يعنى النبىّ  ½ بنفسه ـ إلي الطائف فحاصرهم أيّاماً ، وأنفذ أمير المؤمنين  ¼ فى خيل ، وأمره أن يطأ ما وجد ، ويكسر كلّ صنم وجده . فخرج حتي لقيته خيل خثعم فى جمع كثير ، فبرز له رجل من القوم يقال له : شهاب ، فى غَبش الصبح ، فقال : هل من مبارز ؟ فقال أمير المؤمنين  ¼ : مَن له ؟ فلم يقُم أحد ، فقام إليه أمير المؤمنين  ¼ ، فوثب أبو العاص بن الربيع زوج بنت رسول الله  ½ فقال : تُكفاه أيّها الأمير . فقال : لا ، ولكن إن قُتلتُ فأنت علي الناس ، فبرز إليه أمير المؤمنين  ¼ وهو يقول :

إنّ علي كلّ رئيس حقّا أن يروى الصَّعدَة(١) أو تُدقّا

(١) الصعدة : القناة (لسان العرب : ٣ / ٢٥٥) .

 ٢٦٦ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / البعث لتأدية خسارات بنى جذيمة

ثمّ ضربه فقتله . ومضي فى تلك الخيل حتي كسر الأصنام ، وعاد إلي رسول الله  ½ وهو محاصر لأهل الطائف ، فلمّا رآه النبىّ  ½ كبّر للفتح ، وأخذ بيده فخلا به ، وناجاه طويلا(١) .

١٢ / ٢

البعث لتأدية خسارات بنى جذيمة

وجّه رسول الله  ½ بعد فتح مكّة خالد بن الوليد علي رأس كتيبة لدعوة قبيلة جذيمة بن عامر . وكان خالد يُكنّ حقداً قديماً لهذه القبيلة ، فقتل نفراً منهم ظلماً وعدواناً ، ومنوا بخسائر . فتبرّأ رسول الله  ½ من هذه الجريمة الشنعاء ، وأمر عليّاً  ¼ أن يذهب إليهم ، ويعوّضهم عمّا تكبّدوه من خسائر ، ويديهم بنحو دقيق . فأدّي  ¼ المهمّة مراعياً غاية الدقّة فى تنفيذها ، وحين رجع أثني النبىّ  ½ علي عمله ، وأكّد ، بكلمات ثمينة رفيعة ، منزلته العليّة ودوره الكبير فى هداية الاُمّة وتوجيه المسلمين فى المستقبل(٢) .

٢٤١ ـ الإمام الباقر  ¼ : بعث رسول الله  ½ خالد بن الوليد ـ حين افتتح مكّة ـ داعياً ، ولم يبعثه مقاتلاً ، ومعه قبائل من العرب ; سليم بن حصور ، ومدلج بن مرّة ، فوطئوا بنى جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة . فلمّا رآه القوم أخذوا السلاح ، فقال خالد : ضعوا السلاح ، فإنّ الناس قد أسلموا . . . فلمّا وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك ، فكتّفوا ، ثمّ عرضهم علي السيف ، فقتل من قتل


(١) الإرشاد : ١ / ١٥٢ ، إعلام الوري : ١ / ٢٣٤ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ١٤٤ نحوه .
(٢) الأمالى للصدوق : ٢٣٧ / ٢٥٢ ، الخصال : ٥٦٢ ، بحار الأنوار : ٢١ / ١٤٢ / ٥ ; تاريخ الطبرى : ٣ / ٦٧ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٤ / ٧١ .

 ٢٦٧ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / البعث لتأدية خسارات بنى جذيمة

منهم .

فلمّا انتهي الخبر إلي رسول الله  ½ رفع يديه إلي السماء ، ثمّ قال : اللهمّ إنّى أبرأ إليك ممّا صنع خالد بن الوليد . . . .

ثمّ دعا رسول الله  ½ علىّ بن أبى طالب ـ رضوان الله عليه ـ فقال : يا علىّ ، اخرج إلي هؤلاء القوم فانظر فى أمرهم ، واجعل أمر الجاهليّة تحت قدميك . فخرج علىّ حتي جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله  ½ ، فوَدَي(١) لهم الدماء وما اُصيب لهم من الأموال ، حتي إنّه ليَدى لهم مِيلَغة(٢) الكلب ، حتي إذا لم يبقَ شىء من دم ولا مال إلاّ وَدَاه بقيت معه بقيّة من المال .

فقال لهم علىّ ـ رضوان الله عليه ـ حين فرغ منهم : هل بقى لكم بقيّة من دم أو مال لم يُودَ لكم ؟ قالوا : لا . قال : فإنّى اُعطيكم هذه البقيّة من هذا المال ، احتياطاً لرسول الله  ½ ممّا لا يعلم ولا تعلمون ، ففعل ، ثمّ رجع إلي رسول الله  ½ ، فأخبره الخبر ، فقال : أصبت وأحسنت .

ثمّ قام رسول الله  ½ فاستقبل القبلة قائماً شاهراً يديه حتي إنّه ليري ما تحت مَنْكِبيه ، يقول : "اللهمّ إنّى أبرأ إليك ممّا صنع خالد بن الوليد" ثلاث مرّات(٣) .


(١) وَدَيتُ القتيل : أعطيت ديته (لسان العرب : ١٥ / ٣٨٣) .
(٢) هى الإناء الذى يَلغ فيه الكلب ، يعنى أعطاهم قيمة كلّ ما ذهب لهم حتي قيمة المِيلغة (لسان العرب : ٨ / ٤٦٠) .
(٣) السيرة النبويّة لابن هشام : ٤ / ٧١ ، تاريخ الطبرى : ٣ / ٦٦ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٥٦٨ كلّها عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حُنَيف ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٦٢٠ كلاهما نحوه وراجع الطبقات الكبري : ٢ / ١٤٧ والمغازى : ٣ / ٨٧٥ ـ ٨٨٢ .

 ٢٦٨ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / البعث إلي فلس

١٢ / ٣

البعث إلي فلس (١)

٢٤٢ ـ الطبقات الكبري : بعث رسول الله  ½ علىّ بن أبى طالب فى خمسين ومائة رجل من الأنصار ، علي مائة بعير وخمسين فرساً ، ومعه راية سوداء ولواء أبيض إلي الفلس ليهدمه ، فشنّوا الغارة علي محلّة آل حاتم مع الفجر ، فهدموا الفلس وخرّبوه ، وملؤوا أيديهم من السبى والنعم والشاة . وفى السبى اُخت عدىّ بن حاتم ، وهرب عدىّ إلي الشام(٢) .

١٢ / ٤

البعث لإعلان البراءة من المشركين

إنّ آيات البراءة ، وإعلان الاستياء من الشرك والصنميّة ، ولزوم تطهير أرض الوحى من معالم الشرك ، كلّ ذلك يعدّ من أعظم الفصول فى التاريخ الإسلامى . فقد نزلت سورة "براءة" فى موسم الحجّ سنة (٩ هـ ) وكُلّف أبو بكر بقراءتها علي الحجّاج ، مع بيان يتألّف من أربع موادّ ، وتوجّه أبو بكر إلي مكّة ، لكن لم يمضِ علي تحرّكه إلاّ وقت قصير حتي هبط الوحى مبلّغاً النبىّ  ½ أن :

"لا يؤدّى عنك إلاّ أنت أو رجل منك" .

فدعا عليّاً  ¼ وأخبره بالأمر ، وأعطاه راحلته ، وأمره أن يعجّل فى ترك المدينة ، ويأخذ السورة من أبى بكر ، ويقرأها علي الناس فى حشدهم الغفير يوم العاشر من ذى الحجّة . وهكذا كان . فاُضيفت بذلك منقبة اُخري إلي مناقبه


(١) فَلْس أو فُلُس : اسم صنم كان بنجد تعبده طىء (معجم البلدان : ٤ / ٢٧٣) .
(٢) الطبقات الكبري : ٢ / ١٦٤ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٦٢٤ نحوه وراجع المغازى : ٣ / ٩٨٤ .

 ٢٦٩ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / البعث لإعلان البراءة من المشركين

العظيمة ، وثبت للأجيال والأعصار المختلفة سلفاً أنّه من النبىّ  ½ ، وأنّه نفسه(١) .

٢٤٣ ـ الإمام علىّ  ¼ : لمّا نزلت عشر آيات من براءة علي النبىّ  ½ ، دعا النبىّ  ½ أبا بكر فبعثه بها ليقرأها علي أهل مكّة ، ثمّ دعانى النبىّ  ½ فقال لى : أدرك أبا بكر فحيثما لحقته فخُذ الكتاب منه ، فاذهب به إلي أهل مكّة فاقرأه عليهم . فلحقته بالجحفة ، فأخذت الكتاب منه ، ورجع أبو بكر إلي النبىّ  ½ فقال : يا رسول الله ، نزل فىَّ شىء ؟ ! قال : لا ، ولكنّ جبريل جاءنى فقال : لن يؤدّى عنك إلاّ أنت أو رجل منك(٢) .

٢٤٤ ـ مسند ابن حنبل عن أنس بن مالك : إنّ رسول الله  ½ بعث ببراءة مع أبى بكر إلي أهل مكّة ـ قال : ـ ثمّ دعاه فبعث بها عليّاً ، قال : لا يبلّغها إلاّ رجل من أهلى(٣) .

٢٤٥ ـ فضائل الصحابة عن أنس بن مالك : إنّ رسول الله  ½ بعث ببراءة مع أبى بكر إلي أهل مكّة ، فلمّا بلغ ذا الحليفة بعث إليه فردّه ، وقال : لا يذهب بها إلاّ


(١) راجع الغدير : ٦ / ٣٣٨ ـ ٣٥٠ فقد جمع المؤلّف الطرق المختلفة لهذا الحديث ، وذهب إلي تواترها المعنوى .
(٢) مسند ابن حنبل : ١ / ٣١٨ / ١٢٩٦ ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٧٠٣ / ١٢٠٣ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٣٤٨ / ٨٩٢٩ كلّها عن حنش ، الطبقات الكبري : ٢ / ١٦٨ ، تاريخ الطبرى : ٣ / ١٢٢ وص ١٢٣ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٦٤٤ ، المغازى : ٣ / ١٠٧٧ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٤ / ١٩٠ والخمسة الأخيرة نحوه وراجع الأمالى للمفيد : ٥٦ / ٢ وشرح الأخبار : ١ / ٣٠٤ / ٢٨٤ والمناقب للكوفى : ١ / ٤٧٣ / ٣٧٦ .
(٣) مسند ابن حنبل : ٤ / ٥٦٤ / ١٤٠٢١ ، المصنّف لابن أبى شيبة : ٧ / ٥٠٦ / ٧٢ وفيه "أهل بيتى" بدل "أهلى" ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٣٤٤ / ٨٩١٧ وح ٨٩١٨ .

 ٢٧٠ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / البعث لإعلان البراءة من المشركين

رجل من أهل بيتى ; فبعث عليّاً(١) .

٢٤٦ ـ خصائص أمير المؤمنين عن زيد بن يثيع عن الإمام علىّ  ¼ : إنّ رسول الله  ½ بعث ببراءة إلي أهل مكّة مع أبى بكر ، ثمّ أتبعه بعلىّ ، فقال له : خذ الكتاب فامضِ به إلي أهل مكّة . قال : فلحقته وأخذت الكتاب منه ، فانصرف أبو بكر وهو كئيب ، فقال : يا رسول الله : أنزل فىَّ شىء ؟ ! قال : لا ، إلاّ أنّى اُمرت أن اُبلّغه أنا أو رجل من أهل بيتى(٢) .

٢٤٧ ـ مسند ابن حنبل عن زيد بن يثيع عن أبى بكر : إنّ النبىّ  ½ بعثه ببراءة لأهل مكّة : لا يحجّ بعد العام مشركٌ ، ولا يطوف بالبيت عريانٌ ، ولا يدخل الجنّة إلاّ نفسٌ مسلمةٌ ، من كان بينه وبين رسول الله  ½ مدّة فأجله إلي مدّته ، والله برىء من المشركين ورسوله . قال : فسار بها ثلاثاً ، ثمّ قال لعلىّ   ¢ : الحقه فرُدّ علىَّ أبا بكر وبلّغها أنت . قال : ففعل ، قال : فلمّا قدم علي النبىّ  ½ أبو بكر بكي ، قال : يا رسول الله ، حدث فىَّ شيءٌ ؟ ! قال : ما حدث فيك إلاّ خير ، ولكن اُمرت أن لا يبلّغه إلاّ أنا أو رجل منّى(٣) .

٢٤٨ ـ المستدرك علي الصحيحين عن جميع بن عمير الليثى : أتيت عبد الله بن عمر فسألته عن علىّ   ¢ فانتهرنى ، ثمّ قال : ألا اُحدّثك عن علىّ ؟ هذا بيت


(١) فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٥٦٢ / ٩٤٦ ، مسند ابن حنبل : ٤ / ٤٢٣ / ١٣٢١٣ نحوه وراجع السيرة النبويّة لابن هشام : ٤ / ١٩٠ .
(٢) خصائص أمير المؤمنين للنسائى : ١٤٧ / ٧٦ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٣٨٤ عن يزيد بن يثيع ، تفسير الطبرى : ٦ / الجزء ١٠ / ٦٤ ، تفسير ابن كثير : ٤ / ٤٩ كلاهما عن زيد بن يشيع وكلّها نحوه من دون إسناد إليه  ¼ وراجع تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٧٦ .
(٣) مسند ابن حنبل : ١ / ١٨ / ٤ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٣٤٧ / ٨٩٢٨ .

 ٢٧١ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / البعث لإعلان البراءة من المشركين

رسول الله  ½ فى المسجد ، وهذا بيت علىّ   ¢ . إنّ رسول الله  ½ بعث أبا بكر وعمر ببراءة إلي أهل مكّة ، فانطلقا ، فإذا هما براكب ، فقالا : من هذا ؟ قال : أنا علىّ ، يا أبا بكر هاتِ الكتاب الذى معك . قال : وما لى ! ! قال : والله ما علمت إلاّ خيراً ، فأخذ علىّ الكتاب فذهب به ، ورجع أبو بكر وعمر إلي المدينة ، فقالا : ما لنا يا رسول الله ؟ ! قال : ما لكما إلاّ خير ، ولكن قيل لى : إنّه لا يبلّغ عنك إلاّ أنت أو رجل منك(١) .

٢٤٩ ـ الإرشاد : جاء فى قصّة البراءة وقد دفعها النبىّ  ½ إلي أبى بكر لينبذ بها عهد المشركين ، فلمّا سار غير بعيد نزل جبرئيل  ¼ علي النبىّ  ½ فقال له : إنّ الله يُقرئك السلام ويقول لك : لا يؤدّى عنك إلاّ أنت أو رجل منك . فاستدعي رسول الله  ½ عليّاً  ¼ وقال له : اركب ناقتى العضباء والحَق أبا بكر ، فخُذ براءة من يده وامضِ بها إلي مكّة ، فانبذ عهد المشركين إليهم ، وخيّر أبا بكر بين أن يسير مع ركابك أو يرجع إلىّ .

فركب أمير المؤمنين  ¼ ناقة رسول الله  ½ العضباء ، وسار حتي لحق أبا بكر ، فلمّا رآه فزع من لحوقه به ، واستقبله وقال : فيمَ جئت يا أبا الحسن ، أسائر معى أنت أم لغير ذلك ؟ ! فقال له أمير المؤمنين  ¼ : إنّ رسول الله  ½ أمرنى أن ألحقك فأقبض منك الآيات من براءة وأنبذ بها عهد المشركين إليهم ، وأمرنى أن اُخيّرك بين أن تسير معى أو ترجع إليه . فقال : بل أرجع إليه .

وعاد إلي النبىّ  ½ ، فلمّا دخل عليه قال : يا رسول الله ، إنّك أهّلتنى لأمر طالت الأعناق فيه إلىّ ، فلمّا توجّهت له رددتنى عنه ، ما لى ، أنزل فىَّ قرآن ؟ ! فقال


(١) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٥٣ / ٤٣٧٤ .

 ٢٧٢ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / تحقيق وتحليل

النبىّ  ½ : لا ، ولكنّ الأمين هبط إلىّ عن الله جلّ جلاله بأنّه لا يؤدّى عنك إلاّ أنت أو رجل منك ، وعلىّ منّى ، ولا يؤدّى عنّى إلاّ علىّ(١) .

٢٥٠ ـ تاريخ دمشق عن ابن عبّاس : بينا أنا مع عمر بن الخطّاب فى بعض طرق المدينة ـ يده فى يدى ـ إذ قال لى : يابن عبّاس ، ما أحسب صاحبك إلاّ مظلوماً ! فقلت : فردّ إليه ظلامته يا أمير المؤمنين ! ! قال : فانتزع يده من يدى ، ونفر منّى يهمهم ، ثمّ وقف حتي لحقته ، فقال لى : يابن عبّاس ، ما أحسب القوم إلاّ استصغروا صاحبك . قلت : والله ما استصغره رسول الله  ½ حين أرسله وأمره أن يأخذ براءة من أبى بكر فيقرأها علي الناس ! ! فسكت(٢) .

راجع :القسم التاسع / علىٌّ عن لسان أصحاب النبىّ / عمر بن الخطّاب .

كتاب "تاريخ دمشق" : ٤٢ / ٣٤٤ ـ ٣٤٩ .


(١) الإرشاد : ١ / ٦٥ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١٢٦ عن ابن عبّاس نحوه وراجع الخصال : ١٥٧٨ وتفسير القمّى : ١ / ٢٨٢ وتفسير العيّاشى : ٢ / ٧٣ / ٤ والمناقب للكوفى : ١ / ٤٦٩ / ٣٧١ .
(٢) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٣٤٩ ، شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٥ وفيه "ما استصغره الله" وج ١٢ / ٤٦ وفيه "ما استصغره الله ورسوله" ، كنز العمّال : ١٣ / ١٠٩ / ٣٦٣٥٧ ; الدرجات الرفيعة : ١٠٥ كلّها نحوه وراجع فرائد السمطين : ١ / ٣٣٤ / ٢٥٨ .


إرجاعات 
٣٤٢ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل السادس : عليّ عن لسان أصحاب النبيّ / عُمَرُ بن الخَطَّاب

 ٢٧٣ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / تحقيق وتحليل

قال العلاّمة الطباطبائى : قد عرفت أنّ الذى وقع فى الروايات علي كثرتها فى قصّة بعث علىّ وعزل أبى بكر ـ من كلمة الوحى الذى نزل به جبرئيل علي النبىّ  ½ ـ هو قوله : "لا يؤدّى عنك إلاّ أنت أو رجل منك" . وكذا ما ذكره النبىّ  ½ حين أجاب أبا بكر ـ لمّا سأله عن سبب عزله ـ إنّما هو متن ما أوحي إليه الله سبحانه ، أو قوله ـ وهو فى معناه : "لا يؤدّى عنّى إلاّ أنا أو رجل منّى" . وكيفما كان فهو كلام مطلق ; يشمل تأدية براءة وكلّ حكم إلهى احتاج النبىّ  ½ إلي أن يؤدّيه عنه مؤدٍّ غيره ، ولا دليل ـ لا من متون الروايات ولا غيرها ـ يدلّ علي اختصاص ذلك ببراءة .

وقد اتّضح أنّ المنع عن طواف البيت عرياناً ، والمنع عن حجّ المشركين بعد ذلك العام [الفتح] ، وكذا تأجيل مَن له عهد إلي مدّة أو من غير مدّة ، كلّ ذلك أحكام إلهيّة نزل بها القرآن ، فما معني إرجاع أمرها إلي أبى بكر ، أو نداء أبى هريرة بها وحده ، أو نداؤه ببراءة وسائر الأحكام المذكورة فى الجمع إذا بحّ علىّ  ¼ حتي يصحل صوته من كثرة النداء ؟ ! ولو جاز لأبى هريرة أن يقوم بها والحال هذه فلِم لم يجُز لأبى بكر ذلك ؟ !

 ٢٧٤ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / تحقيق وتحليل

نعم أبدع بعض المفسّرين ـ كابن كثير وأترابه ـ هنا وجهاً ; وجّهوا به ما تتضمّنه هذه الروايات انتصاراً لها ، وهو أنّ قوله : "لا يؤدّى عنّى إلاّ أنا أو رجل منّى" مخصوص بتأدية براءة فقط ، من غير أن يشمل سائر الأحكام التى كان ينادى بها علىّ  ¼ ، وأنّ تعيينه  ½ عليّاً بتبليغ آيات براءة أهلَ الجمع إنّما هو لما كان من عادة العرب أن لا ينقض العهد إلاّ عاقده أو رجل من أهل بيته ، ومراعاة هذه العادة الجارية هى التى دعت النبىّ  ½ أن يأخذ براءة ـ وفيها نقض ما للمشركين من عهد ـ من أبى بكر ويسلّمها إلي علىّ ; ليستحفظ بذلك السنّة العربيّة فيؤدّيها عنه بعض أهل بيته . قالوا : وهذا معني قوله  ½ لمّا سأله أبو بكر قائلاً : يا رسول الله هل نزل فىَّ شىء ؟ ! قال : "لا ولكن لا يؤدّى عنى إلاّ أنا أو رجل منّى" ، ومعناه أنّى إنّما عزلتك ونصبت عليّاً لذلك لئلاّ أنقض هذه السنّة العربيّة الجارية . . . .

فليت شعرى من أين تسلّموا أنّ هذه الجملة التى نزل بها جبرئيل ; "إنّه لا يؤدّى عنك إلاّ أنت أو رجل منك" ـ مقيّدة بنقض العهد لا يدلّ علي أزيد من ذلك ، ولا دليل عليه من نقل أو عقل ! ! فالجملة ظاهرة أتمّ ظهور فى أنّ ما كان علي رسول الله  ½ أن يؤدّيه لا يجوز أن يؤدّيه إلاّ هو أو رجل منه ، سواء(١) كان نقض عهد من جانب الله ـ كما فى مورد براءة ـ أو حكماً آخر إلهيّاً علي رسول الله  ½ أن يؤدّيه ويبلّغه .

وهذا غير ما كان من أقسام الرسالة منه  ½ ممّا ليس عليه أن يؤدّيه بنفسه الشريفة كالكتب التى أرسل بها إلي الملوك والاُمم والأقوام فى الدعوة إلي الإسلام ، وكذا سائر الرسالات التى كان يبعث بها رجالا من المؤمنين إلي الناس


(١) فى المصدر "سواه" وهو تصحيف .

 ٢٧٥ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / تحقيق وتحليل

فى اُمور ترجع إلي دينهم والإمارات والولايات ونحو ذلك .

ففرقٌ جلىّ بين هذه الاُمور وبين براءة ونظائرها ; فإنّ ما تتضمّنه آيات براءة وأمثال النهى عن الطواف عرياناً والنهى عن حجّ المشركين بعد العام أحكامٌ إلهيّة ابتدائيّة لم تبلّغ بعدُ ولم تؤدَّ إلي مَن يجب أن تبلغه ; وهم المشركون بمكّة والحجّاج منهم ، ولا رسالة من الله فى ذلك إلاّ لرسوله . وأمّا سائر الموارد التى كان يكتفى النبىّ  ½ ببعث الرسل للتبليغ فقد كانت ممّا فرغ  ½ فيها من أصل التبليغ ، والتأدية بتبليغه من وسعه تبليغُه ممّن حضر ; كالدعوة إلي الإسلام وسائر شرائع الدين ، وكان يقول : "ليبلّغ الشاهد منكم الغائب" .

ثمّ إذا مسّت الحاجة إلي تبليغه بعضَ من لا وثوق عادة ببلوغ الحكم إليه أو لا أثر لمجرّد البلوغ إلاّ أن يعتنى لشأنه بكتاب أو رسول(١) توسّل عند ذلك إلي رسالة أو كتاب ; كما فى دعوة الملوك .

وليتأمّل الباحث المنصف قوله : "لا يؤدّى عنك إلاّ أنت أو رجل منك" ، فقد قيل : "لا يؤدّى عنك إلاّ أنت" ولم يُقَل : "لا يؤدّى إلاّ أنت أو رجل منك" حتي يفيد اشتراك الرسالة ، ولم يُقَل : "لا يؤدّى منك إلاّ رجل منك" حتي يشمل سائر الرسالات التى كان  ½ يقلّدها كلّ من كان من صالحى المؤمنين . فإنّما مفاد قوله : "لا يؤدّى عنك إلاّ أنت أو رجل منك" أنّ الاُمور الرساليّة التى يجب عليك نفسك أن تقوم بها لا يقوم بها غيرك عوضاً منك ، إلاّ رجل منك ; أى لا يخلفك فيما عليك كالتأدية الابتدائيّة إلاّ رجل منك .

ثمّ ليت شعرى ما الذى دعاهم إلي أن أهملوا كلمة الوحى التى هى قول الله


(١) فى المصدر "أو توسّل" وهو تصحيف .

 ٢٧٦ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / تحقيق وتحليل

نزل به جبرئيل علي النبىّ  ½ : "لا يؤدّى عنك إلاّ أنت أو رجل منك" ، وذكروا مكانها أنّه "كانت السنّة الجارية عند العرب أن لا ينقض العهد إلاّ عاقده أو رجل من أهل بيته" ! ! تلك السنّة العربيّة التى لا خبر عنها ـ فى أيّامهم ومغازيهم ـ ولا أثر ، إلاّ ما ذكره ابن كثير ونسبه إلي العلماء عند البحث عن آيات براءة .

ثمّ لو كانت سنّة عربيّة جاهليّة علي هذا النعت فما وزنها فى الإسلام ! ! وما هى قيمتها عند النبىّ  ½ وقد كان ينسخ كلّ يوم سنّة جاهليّة ، وينقض كلّ حين عادة قوميّة ، ولم تكن من جملة الأخلاق الكريمة أو السنن والعادات النافعة ، بل سليقة قبائليّة تشبه سلائق الأشراف ! ! وقد قال  ½ يوم فتح مكّة عند الكعبة ـ علي ما رواه أصحاب السير : "ألا كلّ مأثرة أو دم أو مال يدّعي فهو تحت قدمىّ هاتين ، إلاّ سدانة البيت ، وسقاية الحاج" .

ثمّ لو كانت سنّة عربيّة غير مذمومة ، فهل كان رسول الله  ½ ذهل عنها ونسيها حين أسلم الآيات إلي أبى بكر وأرسله ، وخرج هو إلي مكّة حتي إذا كان فى بعض الطريق ذكر  ½ ما نسيه أو ذكّره بعض من عنده بما أهمله وذهل عنه من أمر كان من الواجب مراعاته ، وهو  ½ المثل الأعلي فى مكارم الأخلاق واعتبار ما يجب أن يعتبر من الحزم وحسن التدبير ؟ ! وكيف جاز لهؤلاء المذكّرين أن يغفلوا عن ذلك وليس من الاُمور التى يُغفل عنها وتخفي عادة ، فإنّما الذهول عنه كغفلة المقاتل عن سلاحه .

وهل كان ذلك بوحى من الله إليه ; أنّه يجب له أن لا يلغى هذه السنّة العربيّة الكريمة ، وأنّ ذلك أحد الأحكام الشرعيّة فى الباب ، وأنّه يحرم علي ولىّ أمر المسلمين أن ينقض عهداً إلاّ بنفسه أو بيد أحد من أهل بيته ؟ وما معني هذا الحكم ؟ أو أنّه حكم أخلاقى أضطرّ إلي اعتباره ; لما أنّ المشركين ما كانوا يقبلون

 ٢٧٧ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / تحقيق وتحليل

هذا النقض إلاّ بأن يسمعوه من النبيّ  ½ نفسه ، أو من أحد من أهل بيته ؟ ! وقد كانت السيطرة يومئذ له  ½ عليهم ، والزمام بيده دونه ، والإبلاغ إبلاغ .

أو أنّ المؤمنين المخاطبين بقوله : ³ عَاهَدتُّم  ²  (١) ، وقوله : ³ وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَي النَّاسِ  ²  (٢) ، وقوله : ³ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ  ²  (٣) ما كانوا يعتبرون هذا النقض نقضاً دون أن يسمعوه منه  ½ ، أو من واحد من أهل بيته ، وإن علموا بالنقض إذا سمعوا الآيات من أبى بكر ؟ . . . .

ليس التوغّل فى مسألة الإمارة ممّا يهمّنا فى تفهّم معني قوله : "لا يؤدّى عنك إلاّ أنت أو رجل منك" ; فإمارة الحاجّ سواء صحّت لأبى بكر أو لعلىّ ، دلّت علي فضل أو لم تدلّ ، إنّما هى من شعب الولاية الإسلاميّة العامّة التى شأنها التصرّف فى اُمور المجتمع الإسلامى الحيويّة ، وإجراء الأحكام والشرائع الدينيّة ، ولا حكومة لها علي المعارف الإلهيّة ، ومواد الوحى النازلة من السماء فى أمر الدين .

إنّما هى ولاية رسول الله  ½ ; ينصب يوماً أبا بكر أو عليّاً لإمارة الحاجّ ، ويؤمّر يوماً اُسامة علي أبى بكر وعامّة الصحابة فى جيشه ، ويولّى يوماً ابن اُمّ مكتوم علي المدينة وفيها من هو أفضل منه ، ويولّى هذا مكّة بعد فتحها ، وذاك اليمن ، وذلك أمر الصدقات . وقد استعمل  ½ أبا دجانة الساعدى أو سباع بن عرفطة الغفارى ـ علي ما فى سيرة ابن هشام ـ علي المدينة عام حجّة الوداع ، وفيها أبو بكر لم يخرج إلي الحجّ علي ما رواه البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى


(١) التوبة : ١ .
(٢) التوبة : ٣ .
(٣) التوبة : ٥ .

 ٢٧٨ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / البعث إلي اليمن

وغيرهم وإنّما تدلّ علي إذعانه  ½ بصلاحيّة من نصبه لأمر لتصدّيه وإدارة رحاه .

وأمّا الوحى السماوى بما يشتمل عليه من المعارف والشرائع فليس للنبى  ½ ولا لمن دونه صنعٌ فيه ، ولا تأثير فيه ممّا له من الولاية العامّة علي اُمور المجتمع الإسلامى بإطلاق أو تقييد أو إمضاء أو نسخ أو غير ذلك ، ولا تحكم عليه سنّة قوميّة أو عادة جارية حتي توجب تطبيقه علي ما يوافقها ، أو قيام العصبة مقام الإنسان فيما يهمّه من أمر .

والخلط بين البابين يوجب نزول المعارف الإلهيّة من أوج علوّها وكرامتها إلي حضيض الأفكار الاجتماعيّة التى لا حكومة فيها إلاّ للرسوم والعادات والاصطلاحات ، فيعود الإنسان يفسّر حقائق المعارف بما يسعه الأفكار العامّيّة ، ويستعظم ما استعظمه المجتمع دون ما عظّمه الله ، ويستصغر ما استصغره الناس ، حتي يقول القائل فى معني كلمة الوحى : إنّه عادة عربيّة محترمة !(١)

١٢ / ٥

البعث إلي اليمن

لمّا فتح رسول الله  ½ مكّة ، وانتصر علي القبائل المستقرّة حولها فى غزوة حنين ، أراد توسيع نطاق دعوته ; فأرسل إلي اليمن معاذ بن جبل ، وهناك استعصت مسائل علي معاذ فرجع ، وبعث بعده خالد بن الوليد ، فلم يحقّق نجاحاً ، وأخفق فى مهمّته بعد ستّة أشهر من المكوث فى اليمن . فانتدب عليّاً  ¼ ، فوجّهه إليها مع كتاب . ولمّا وصل قرأه علي أهلها ببيان بليغ وكلام مؤثِّر ، ودعاهم إلي التوحيد ، فأسلمت قبيلة "همدان" . وأخبر رسول الله  ½ بذلك ، فسرَّ


(١) الميزان فى تفسير القرآن : ٩ / ١٦٨ ـ ١٧٤ .

 ٢٧٩ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / البعث إلي اليمن

ودعا لهم(١) .

ونقلت أخبار اُخري أنّ الإمام  ¼ اصطدم بقبيلة "مذحج" وهزمهم ، ثمّ دعاهم إلي الإسلام بعد هزيمتهم الأولي ، وجمع غنائم الحرب ، وسار بها وبصدقات نجران فالتحق بالنّبىّ  ½ فى موسم الحجّ(٢) .

ثمّ فوِّض إليه  ¼ القضاء فى اليمن ، ودعا له النبيّ  ½ بالثّبات فى قضائه(٣) . ونقلت كتب التاريخ نماذج من قضائه فى اليمن . والآن يمكن أن يثار السؤال الآتى : هل حدثت كلّ هذه الوقائع لعليّ  ¼ فى سفرة واحدة أو فى عدّة أسفار ؟ !

ينصّ ابن سعد علي سفرتين له  ¼ (٤) . يضاف إلي هذا أنّ الأخبار المرتبطة باشتباكه مع قبيلة "مذحج" تدلّ علي استقلال تلك "السريّة" . وفى النصوص المتعلّقة بذهاب الإمام  ¼ إلي اليمن ، وكيفيّة تنفيذ هذه المهمّة الكبري مناقب وفضائل مسجَّلة له  ¼ تجدها هنا .

٢٥١ ـ تاريخ الطبرى عن أبى إسحاق عن البرّاء بن عازب : بعث رسول الله  ½ خالد بن الوليد إلي أهل اليمن ; يدعوهم إلي الإسلام . فكنت فيمن سار معه ، فأقام عليه ستّة أشهر لا يجيبونه إلي شىء ، فبعث النبىّ  ½ علىّ بن أبى طالب ، وأمره أن يقفل خالداً ومن معه ، فإن أراد أحد ممّن كان مع خالد بن الوليد أن يعقّب معه تركه .


(١) تاريخ الطبرى : ٣ / ١٣١ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٦٩٠ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٦٥١ .
(٢) الطبقات الكبري : ٢ / ١٦٩ .
(٣) مسند ابن حنبل : ١ / ١٩٠ / ٦٦٦ ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٤٦ / ٤٦٥٨ ، الطبقات الكبري : ٢ / ٣٣٧ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٦٩١ .
(٤) الطبقات الكبري : ٢ / ١٦٩ .

 ٢٨٠ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / البعث إلي اليمن

قال البرّاء : فكنت فيمن عقّب معه ، فلمّا انتهينا إلي أوائل اليمن بلغ القوم الخبر ، فجمعوا له ، فصلّي بنا علىٌّ الفجر ، فلمّا فرغ صفّنا صفّاً واحداً ، ثمّ تقدّم بين أيدينا فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قرأ عليهم كتاب رسول الله  ½ ، فأسلمت هَمْدان كلّها فى يوم واحد . وكتب بذلك إلي رسول الله  ½ ، فلمّا قرأ كتابه خرّ ساجداً ، ثمّ جلس فقال : السلام علي هَمْدان ، السلام علي هَمْدان ! ثمّ تتابع أهل اليمن علي الإسلام(١) .

٢٥٢ ـ الطبقات الكبري : بعث رسول الله  ½ عليّاً إلي اليمن ، وعقد له لواءً ، وعمّمه بيده ، وقال : امضِ ولا تلتفت ، فإذا نزلتَ بساحتهم فلا تقاتلهم حتي يقاتلوك . فخرج فى ثلاثمائة فارس ، وكانت أوّل خيل دخلت إلي تلك البلاد ; وهى بلاد مذحج . ففرّق أصحابه ، فأتوا بنهب وغنائم ونساء وأطفال ونعم وشاء وغير ذلك . وجعل علىّ علي الغنائم بريدةَ بن الحصيب الأسلمى ، فجمع إليه ما أصابوا .

ثمّ لقى جمعهم فدعاهم إلي الإسلام ، فأبوا ورموا بالنبل والحجارة ، فصفّ أصحابه ودفع لواءه إلي مسعود بن سنان السلمى ، ثمّ حمل عليهم علىّ بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلاً ، فتفرّقوا وانهزموا ، فكفّ عن طلبهم . ثمّ دعاهم إلي الإسلام ، فأسرعوا وأجابوا ، وبايعه نفر من رؤسائهم علي الإسلام وقالوا : نحن علي من وراءنا من قومنا ، وهذه صدقاتنا فخذ منها حقّ الله .

وجمع علىّ الغنائم فجزّأها علي خمسة أجزاء ، فكتب فى سهم منها لله ، وأقرع عليها ، فخرج أوّل السهام سهم الخُمس . وقسّم علىّ علي أصحابه بقيّة


(١) تاريخ الطبرى : ٣ / ١٣١ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٦٩٠ نحوه .

 ٢٨١ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / البعث إلي اليمن

المغنم ، ثمّ قفل ، فوافي النبىّ  ½ بمكّة قد قدمها للحجّ سنة عشر(١) .

٢٥٣ ـ الإمام علىّ  ¼ : بعثنى رسول الله  ½ إلي اليمن وقال لى : يا علىّ ، لا تقاتلنّ أحداً حتي تدعوه ، وايمُ الله لأن يهدى الله علي يديك رجلاً خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت ! ولك ولاؤه يا علىّ(٢) .

٢٥٤ ـ عنه  ¼ : بعثنى رسول الله  ½ إلي اليمن ، فقلت : يا رسول الله ، إنّك تبعثنى إلي قوم هم أسنّ منّى لأقضى بينهم ! ! قال : اذهب فإنّ الله تعالي سيُثبّت لسانك ، ويهدى قلبك(٣) .

٢٥٥ ـ السيرة النبويّة عن أبى عمرو المدنى : بعث رسول الله  ½ علىّ بن أبى طالب إلي اليمن ، وبعث خالد بن الوليد فى جُند آخر ، وقال : إن التقيتما فالأمير علىّ بن أبى طالب(٤) .

٢٥٦ ـ الإرشاد : انصرف عَمرو [ بن معديكرب ] مرتدّاً ، فأغار علي قوم من بنى الحارث بن كعب ومضي إلي قومه . فاستدعي رسولُ الله  ½ علىّ بن أبى طالب  ¼ فأمّره علي المهاجرين ، وأنفذه إلي بنى زبيد ، وأرسل خالد بن الوليد فى طائفة من الأعراب وأمره أن يقصد الجعفى ، فإذا التقيا فأمير الناس علىّ بن أبى طالب .


(١) الطبقات الكبري : ٢ / ١٦٩ وراجع المغازى : ٣ / ١٠٧٩ .
(٢) الكافى : ٥ / ٢٨ / ٤ عن السكونى عن الإمام الصادق  ¼ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ١٤١ / ٢٤٠ عن السكونى عن الإمام الصادق عن آبائه عنه    ¥ .
(٣) مسند ابن حنبل : ١ / ١٩٠ / ٦٦٦ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٣٨٩ / ٩٠٠١ ، خصائص أمير المؤمنين للنسائى : ٩٧ / ٣٦ كلّها عن حارثة بن مضرب وص ٩٣ / ٣٣ عن أبى البخترى ; العمدة : ٢٥٦ / ٣٩٨ عن حارثة بن مضرب نحوه وراجع فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٥٨١ / ٩٨٤ والمستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٤٦ / ٤٦٥٨ والطبقات الكبري : ٢ / ٣٣٧ وتاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٦٩١ .
(٤) السيرة النبويّة لابن هشام : ٤ / ٢٩٠ وراجع الإرشاد : ١ / ١٥٩ .

 ٢٨٢ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثانى عشر : عدّة بعثات هامّة / البعث إلي اليمن

فسار أمير المؤمنين واستعمل علي مقدّمته خالد بن سعيد بن العاص ، واستعمل خالدٌ علي مقدّمته أبا موسي الأشعرى .

فأما جُعفى فإنّها لمّا سمعت بالجيش افترقت فرقتين ; فذهبت فرقة إلي اليمن ، وانضمّت الفرقة الاُخري إلي بنى زبيد . فبلغ ذلك أمير المؤمنين  ¼ ، فكتب إلي خالد بن الوليد أن قف حيث أدركك رسولى ، فلم يقف . فكتب إلي خالد بن سعيد : تعرّض له حتي تحبسه ، فاعترض له خالد حتي حبسه ، وأدركه أمير المؤمنين  ¼ فعنّفه علي خلافه .

ثمّ سار حتي لقى بنى زبيد بواد يقال له : كُشر(١) ، فلمّا رآه بنو زبيد قالوا لعمرو : كيف أنت ـ يا با ثور ـ إذا لقيك هذا الغلامُ القرشى فأخذ منك الإتاوة(٢) ؟ قال : سيعلم إن لقينى .

قال : وخرج عمرو فقال : هل من مبارز ؟ فنهض إليه أمير المؤمنين  ¼ ، فقام خالد بن سعيد فقال له : دعنى يا أبا الحسن ـ بأبى أنت واُمّى ـ اُبارزه ! فقال له أمير المؤمنين  ¼ : إن كنت تري أنّ لى عليك طاعة فقف مكانك ، فوقف ، ثمّ برز إليه أمير المؤمنين  ¼ فصاح به صيحة فانهزم عمرو ، وقُتل أخوه وابن أخيه ، واُخذت امرأته ركانة بنت سلامة ، وسُبى منهم نسوان ، وانصرف أمير المؤمنين  ¼ ، وخلّف علي بنى زبيد خالد بن سعيد ; ليقبض صدقاتهم ، ويؤمِنَ من عاد إليه من هُرّابهم مسلماً(٣) .


(١) كُشَر ـ بوزن زُفَر : من نواحى صنعاء اليمن (معجم البلدان : ٤ / ٤٦٢) .
(٢) الإتاوة : الخراج (النهاية : ١ / ٢٢) .
(٣) الإرشاد : ١ / ١٥٩ .