٢٠٥ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الخامس : ارغام العدوّ علي التسليم فى غزوتين
٥ / ١ كان بنو النضير قد عقدوا حلفاً مع المسلمين ، ثمّ همّوا بقتل النبىّ ½ . وكان ½ قد عرف تحرّكاتهم السرّيّة بعد اُحد ، فقصد حصنهم لتقصّى الحقيقة ، وكان مطلبه الظاهرى دفع دية رجلين من قبيلة بنى عامر . تظاهر بنو النضير باستقباله ½ فى مشارف الحصن ، ولمّا نام ½ مع أصحابه فى ظلّ الحصن ، خطّطوا لقتله ، لكنّه علم بمكيدتهم حين مهّدوا لتنفيذها فيمّم المدينة علي غفلة منهم(١) بعد أن نقضوا حلفهم ونكثوا عهدهم ، فأمر بإجلائهم عن بيوتهم ، وترحيلهم عن ديارهم ، فكابروا ولجّوا ، فحاصرهم فى ربيع الأوّل (١) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٥١ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ١٩٩ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٦٤ . ٢٠٦ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الخامس : ارغام العدوّ علي التسليم فى غزوتين / غزوة بنى النضِير
سنة (٤) من الهجرة(١) . وفى ضوء بعض المعلومات التاريخيّة نزحوا عن ديارهم أذلّةً صاغرين بعد أن قتل عشرة منهم(٢) . ١٧٨ ـ الإرشاد : لمّا توجّه رسول الله ½ إلي بنى النضِير ، عَمِل علي حصارهم ، فضرب قبّته فى أقصي بنى حُطَمة من البطحاء ، فلّما أقبل الليل رماه رجل من بنى النضير بسهم فأصاب القُبّة ، فأمر النبىّ ½ أن تحوّل قبّته إلي السفح ، وأحاط به المهاجرون والأنصار . فلمّا اختلط الظلام فقدوا أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ¼ ، فقال الناس : يا رسول الله ، لا نري عليّاً ؟ فقال ½ : أراه فى بعض ما يُصلح شأنكم . فلم يلبث أن جاء برأس اليهودى الذى رمي النبىّ ½ ـ وكان يقال له : عزورا ـ فطرحه بين يدى النبىّ ½ . فقال له النبىّ ½ : كيف صنعت ؟ فقال : إنّى رأيت هذا الخبيث جريئاً شجاعاً ، فكَمَنت له وقلت : ما أجرأه أن يخرج إذا اختلط الظلام يطلب منّا غُرّة(٣) ، فأقبل مُصلِتاً سيفه فى تسعة نفر من أصحابه اليهود ، فشددت عليه فقتلته وأفلت أصحابه ولم يبرحوا قريباً ، فابعثْ معى نفراً ; فإنّى أرجو أن أظفر بهم ! فبعث رسول الله ½ معه عشرةً ، فيهم : أبو دجانة سِماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ، فأدركوهم قبل أن يَلِجوا الحصن ، فقتلوهم وجاؤوا برؤوسهم إلي النبىّ ½ ، فأمر أن تُطرح فى بعض آبار بنى حُطَمة . وكان ذلك سبب فتح حصون بنى النضير(٤) . (١) تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٢٤٥ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٠٠ . ٢٠٧ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الخامس : ارغام العدوّ علي التسليم فى غزوتين / غزوة بنى قُرَيظة
٥ / ٢ أخفقت المؤامرة الكبري التى تآزر عليها المشركون واليهود فى غزوة الخندق ، ونكث بنو قريظة حلفهم الذى كان قد عقدوه مع المسلمين علي عدم التعرّض لهم ، ومالؤوا المشركين ضدّ النبىّ ½ (١) ، فعزم ½ فى غد ذلك اليوم الذى فرّ فيه المشركون علي اقتحام حصن بنى قريظة ، وهو آخر وكر فساد لليهود قرب المدينة(٢) . وبعد أن صلّي ½ صلاة الظهر ، أصدر أمره بالتعبئة العسكريّة ، وأخبر المسلمين بإقامة صلاة العصر فى حىّ "بنى قريظة"(٣) . وتجلّت شخصيّة الإمام ¼ فى هذا التحرّك أيضاً ، وكان دوره فيه لافتاً للنظر لاُمور : ١ ـ كانت راية الإسلام الخفّاقة بيده المقتدرة(٤) . ٢ ـ كان آمراً علي مقدّمة الجيش(٥) . ٣ ـ كان بنو قريظة قد تسامعوا به ، ولمّا رأوه ، قالوا : جاء قاتل عمرو بن (١) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٧١ ، المغازى : ٢ / ٤٥٥ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٢٨٧ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٣١ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٦٩ ; تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٥٢ . ٢٠٨ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الخامس : ارغام العدوّ علي التسليم فى غزوتين / غزوة بنى قُرَيظة
عبد ودّ . يقول ابن هشام : نزل بنو قريظة علي حكم سعد بن معاذ ; لأنّ علىّ بن أبى طالب قال : "و الله لأذوقنّ ما ذاق حمزة أو لأفتحنّ حصنهم"(١) . ٤ ـ رضى اليهود بحكم سعد بن معاذ فيهم ; إذ كانوا يظنّون أنّه سيحكم لهم بسبب الأواصر القديمة التى كانت تربطهم به ، لكنّه حكم بقتل رجالهم ، ومصادرة أموالهم ، وسبى ذراريهم(٢) . ١٧٩ ـ الإرشاد : لمّا انهزم الأحزاب وولّوا عن المسلمين الدبُر ، عَمِل رسول الله ½ علي قصد بنى قُرَيظة ، وأنفذ أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ¼ إليهم فى ثلاثين من الخَزرج ، فقال له : اُنظر بنى قُرَيظة هل تركوا حصونهم ! فلمّا شارف سورهم سمع منهم الهُجْر(٣) ، فرجع إلي النبىّ ½ فأخبره ، فقال : دعهم ، فإنّ الله سيُمكّن منهم ، إنّ الذى أمكنك من عمرو بن عبد ودّ لا يخذلك ، فقفْ حتي يجتمع الناس إليك ، وأبشرْ بنصر الله ; فإنّ الله قد نصرنى بالرعب بين يدىّ مسيرة شهر . قال علىّ ¼ : فاجتمع الناس إلىّ ، وسرت حتي دنوت من سورهم ، فأشرفوا علىَّ ، فحين رأونى صاح صائح منهم : قد جاءكم قاتل عمرو ، وقال آخر : قد أقبل إليكم قاتل عمرو ، وجعل بعضهم يصيح ببعض ويقولون ذلك ، وألقي الله فى قلوبهم الرعب ، وسمعت راجزاً يرجز :
هَتَك علىٌّ سِتْرا (١) السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٥١ ; الإرشاد : ١ / ١٠٩ . ٢٠٩ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الخامس : ارغام العدوّ علي التسليم فى غزوتين / غزوة بنى قُرَيظة
فقلت : الحمد لله الذى أظهر الإسلام وقمع الشرك . وكان النبىّ ½ قال لى حين توجّهت إلي بنى قُرَيظة : سِرْ علي بركة الله ; فإنّ الله قد وعدك أرضهم وديارهم . فسِرت مستيقناً لنصر الله عزّ وجلّ حتي رَكزت الراية فى أصل الحصن(١) . ١٨٠ ـ السيرة النبويّة ـ فى ذكر نزول بنى قُرَيظة علي حكم سعد بن معاذ ـ : إنّ علىّ بن أبى طالب صاح وهم محاصرو بنى قريظة : يا كتيبة الإيمان . وتقدّم هو والزبير بن العوّام وقال : والله لأذوقنّ ما ذاق حمزة أو لأفتحنّ حصنهم ; فقالوا : يا محمّد ، ننزل علي حكم سعد بن معاذ(٢) . (١) الإرشاد : ١ / ١٠٩ ، كشف اليقين : ١٥٨ / ١٧٠ ، بحار الأنوار : ٢ / ٢٦٢ / ١٩ . ٢١٠ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الخامس : ارغام العدوّ علي التسليم فى غزوتين / غزوة بنى قُرَيظة
٢١١ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق
عندما نزح بنو النضير عن أطراف المدينة ، توجّه قسم منهم إلي خيبر ، وقسم إلي الشام ، وطفق رؤساؤهم يحرّضون المشركين ويشجّعونهم علي التحالف مع اليهود ، وتهيئة جيش من جميع القبائل لمهاجمة المدينة بمؤازرة اليهود(١) . وهكذا كان ; فقد تهيّأ جيش ضخم قوامه عشرة آلاف ، ضمّ كافّة المعارضين للحكومة الإسلاميّة الجديدة التى أسّسها النبىّ ½ فى المدينة وبدأ زحفه نحو المدينة(٢) ، ومن هنا عُرفت هذه الغزوة بغزوة الأحزاب . وقد شاور النبىّ ½ أصحابه حول كيفيّة مواجهة العدوّ ، فاقترح سلمان حفر خندق فى مدخل المدينة ; لتعويق العدوّ . وتحقّق ما أراد ، وأمر ½ أصحابه بحفر (١) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٦٥ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٢٥ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٦٨ ، المغازى : ٢ / ٤٤١ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٢٨٣ . ٢١٢ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق
الخندق ، واشترك هو معهم فى الحفر(١) ، فتعوّق جيش العدوّ ، الذى كان يهمّ بمهاجمة المدينة بكلّ غرور وخُيَلاء ، خلف الخندق ، وظلّ علي هذه الحال شهراً تقريباً(٢) ، حتي وقع فى مأزِق بسبب صعوبة الإمداد . وفى ذات يوم عبر عمرو بن عبد ودّ الخندق ومعه عدد من فرسان العدوّ وشجعانه المشهورين(٣) ، وصاروا أمام المسلمين ، وطلبوا أن يبرز إليهم أقرانهم ، فلم يجِبهم أحد ، وكرّروا نداءهم غير مرّة ، وكان لعمرو صيته المخيف ، ففزع منه الجميع ، وحُبست الأنفاس فى الصدور ، ولم تلقَ نداءاته المغرورة جواباً ، فأمر رسول الله ½ أن يقوم إليه أحد ويقتلع شرّه ، فلم يقُم إلاّ أمير المؤمنين علىّ ¼ (٤) . ولمّا تقابلا قال ½ عبارته الخالدة : "برز الإيمان كلّه إلي الشرك كلّه"(٥) . وبعد قتال شديد عاجله الإمام بهجمة سريعة ، فقضي عليه ، وبلغت صيحة (١) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٦٦ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٢٦ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٦٨ ، المغازى : ٢ / ٤٤٥ وص ٤٥٤ . ٢١٣ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق
"الله أكبر" عنان السماء ، فلاذ أصحابه بالفرار(١) . وتبدّد جيش الأحزاب علي ما كان عليه من شوكة واُبّهة خياليّة . ويمكننا أن نفهرس دور الإمام العظيم فى هذه الحرب علي النحو الآتى : ١ ـ لمّا عبر عمرو بن عبد ودّ وأصحابه من موضع ضيّق من الخندق ، استقرّ الإمام ¼ هناك مع جماعة ، فلم يتيسّر للمشركين العبور بعدئذ(٢) . ٢ ـ كان قتل عمرو بن عبد ودّ مهمّاً وحاسماً ومصيريّاً إلي درجة أنّ رسول الله ½ قال : "لَمبارزةُ علىّ بن أبى طالب لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق أفضل من أعمال اُمّتى إلي يوم القيامة"(٣) . وفى رواية : "لَضربةُ علىّ لعمرو يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين"(٤) . وحينما تجدّل صنديد العرب صريعاً بصق فى وجه الإمام آيِساً بائساً ، فوقف صلوات الله عليه ، وتمهّل ولم يبادر إلي حزّ رأسه لئلاّ يكون فى عمله ذرّة من غضب . (١) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٧٤ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٧٠ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٣٦ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٢٩٠ . ٢١٤ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق
٣ ـ وبعد أن جدّله وصرعه ، وولّي أصحابه مدبرين تبعهم(١) ، وقتل منهم نوفل ابن عبد الله(٢) . ٤ ـ لمّا ضرب الإمام ¼ رجل عمرو وقضي عليه ، ألقي تراب الذلّ والخوف والرعب علي وجوه المشركين ، وأقعدهم حياري مهزومين منهارين(٣) . ٥ ـ قتل الإمام ¼ عمراً ، بيد أنّه ترفّع عن سلب درعه الثمين إذ "كان يضرب بسيفه من أجل الحقّ" لا غيره . . . ولم يخفَ كلّ هذا الترفّع والجلال والشمم عن الأنظار ، حتي إنّ اُخت عمرو نفسها أثنت عليه(٤) . ١٨١ ـ تاريخ اليعقوبى : كانت وقعة الخندق . . . فى السنة السادسة بعد مقدم رسول الله بالمدينة بخمسة وخمسين شهراً ، وكانت قريش تبعث إلي اليهود وسائر القبائل فحرّضوهم علي قتال رسول الله ، فاجتمع خلق من قريش إلي موضع يقال له : سَلْع(٥) ، وأشار عليه سلمان الفارسىّ أن يحفر خندقاً ، فحفر الخندق ، وجعل لكلّ قبيلة حدّاً يحفرون إليه ، وحفر رسول الله معهم حتي فرغ من حفر الخندق ، وجعل له أبواباً ، وجعل علي الأبواب حرساً ; من كلّ قبيلة رجلاً ، وجعل عليهم الزبير بن العوّام ، وأمره إن رأي قتالاً أن يقاتل . وكانت عدّة المسلمين سبعمائة رجل . ووافي المشركون فأنكروا أمر الخندق ، وقالوا : ما كانت العرب تعرف هذا ! (١) الإرشاد : ١ / ١٠٢ . ٢١٥ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق
وأقاموا خمسة أيّام ، فلمّا كان اليوم الخامس خرج عمرو بن عبد ودّ وأربعة نفر من المشركين : نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومى ، وعكرمة بن أبى جهل ، وضرار بن الحطّاب الفهرى ، وهبيرة بن أبى وهب المخزومى . فخرج علىّ بن أبى طالب إلي عمرو بن عبد ودّ فبارزه وقتله ، وانهزم الباقون ، وكبا(١) بنوفل بن عبد الله بن المغيرة فرسُه ، فلحقه علىٌّ فقتله(٢) . ١٨٢ ـ السنن الكبري عن ابن إسحاق : خرج ـ يعنى يوم الخندق ـ عمرو بن عبد ودّ فنادي : من يبارز ؟ فقام علىّ ¢ وهو مقنّع فى الحديد فقال : أنا لها يا نبىّ الله ، فقال : إنّه عمرو ، اجلسْ . ونادي عمرو : ألا رجل ! وهو يؤنّبهم ويقول : أين جَنّتكم التى تزعمون أنّه من قُتل منكم دخلها ؟ أ فلا يبرز إلىّ رجل ؟ ! فقام علىّ ¢ فقال : أنا يا رسول الله ، فقال : اجلسْ . ثمّ نادي الثالثة وذكر شعراً ، فقام علىّ فقال : يا رسول الله ، أنا ، فقال : إنّه عمرو ! قال : وإن كان عمرو ! فأذن له رسول الله ½ . فمشي إليه حتي أتاه وذكر شعراً . فقال له عمرو : مَن أنت ؟ قال : أنا علىّ . قال : ابن عبد مناف ؟ فقال : أنا علىّ بن أبى طالب . (١) الكَبْوة : السقوط للوجه ، كَبا لوجهه : سقط . وكَبا ـ أيضاً ـ : عثر (لسان العرب : ١٥ / ٢١٣) . ٢١٦ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق
فقال : غيرك يابن أخى من أعمامك من هو أسنّ منك ; فإنّى أكره أن اُهريق دمك . فقال علىّ ¢ : لكنّى والله ما أكره أن اُهريق دمك ! فغضب فنزل وسلّ سيفه كأنّه شعلة نار ، ثمّ أقبل نحو علىّ ¢ مغضباً ، واستقبله علىّ ¢ بدرقته ، فضربه عمرو فى الدرقة فقدّها وأثبت فيها السيف ، وأصاب رأسه فشجّه ، وضربه علىٌّ ¢ علي حبل العاتق فسقط وثار العجاج ، وسمع رسول الله ½ التكبير ، فعرف أنّ عليّاً ¢ قد قتله(١) . ١٨٣ ـ الإرشاد عن الزهرى : جاء عمرو بن عبد ودّ وعكرمة بن أبى جهل وهبيرة ابن أبى وهب ونوفل بن عبد الله بن المغيرة وضرار بن الخطّاب ـ فى يوم الأحزاب ـ إلي الخندق ، فجعلوا يطوفون به ; يطلبون مضيقاً منه فيعبرون ، حتي انتهوا إلي مكان أكرهوا خيولهم فيه فعبرت ، وجعلوا يجولون بخيلهم فيما بين الخندق وسَلْع ، والمسلمون وقوف لا يُقدِم واحد منهم عليهم . وجعل عمرو بن عبد ودّ يدعو إلي البراز ويُعرِّض بالمسلمين ويقول :
فى كلّ ذلك يقوم علىّ بن أبى طالب من بينهم ليبارزه ، فيأمره رسول الله ½ بالجلوس ; انتظاراً منه ليتحرّك غيره ، والمسلمون كأنّ علي رؤسهم الطير ; لمكان عمرو بن عبد ودّ ، والخوف منه ، وممّن معه ووراءه . فلمّا طال نداء عمرو بالبراز وتتابع قيام أمير المؤمنين ¼ قال له رسول الله ½ : اُدنُ منّى يا علىّ ، فدنا منه ، فنزع عمامته من رأسه وعمّمه بها ، وأعطاه سيفه ، ٢١٧ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق
وقال له : امضِ لشأنك ، ثمّ قال : اللهمّ أعِنه . فسعي نحو عمرو ومعه جابر بن عبد الله الأنصارى ; لينظر ما يكون منه ومن عمرو ، فلما انتهي أمير المؤمنين ¼ إليه قال له : يا عمرو ، إنّك كنت فى الجاهليّة تقول : لا يدعونى أحد إلي ثلاث إلاّ قبلتُها أو واحدة منها ! قال : أجل . قال : فإنّى أدعوك إلي شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، وأن تُسلم لربّ العالمين . قال : يابن أخ أخّر هذه عنّى . فقال له أمير المؤمنين ¼ : أما إنّها خير لك لو أخذتها ، ثمّ قال : فهاهنا اُخري . قال : ما هى ؟ قال : ترجع من حيث جئت . قال : لا تُحدّث نساء قريش بهذا أبداً . قال : فهاهنا اُخري . قال : ما هى ؟ قال : تنزل فتقاتلنى . فضحك عمرو وقال : إنّ هذه الخصلة ، ما كنت أظنّ أنّ أحداً من العرب يرومنى عليها ! وإنّى لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، وقد كان أبوك لى نديماً . قال علىّ ¼ : لكنّى اُحبّ أن أقتلك ، فانزل إن شئت ! فأسف عمرو ونزل ، وضرب وجه فرسه حتي رجع . فقال جابر § : وثارت بينهما قترة ; فما رأيتهما ، وسمعت التكبير تحتها ، فعلمت أنّ عليّاً ¼ قد قتله ، وانكشف أصحابه حتي طفرت خيولهم الخندق ، وتبادر المسلمون حين سمعوا التكبير ينظرون ما صنع القوم ، فوجدوا نوفل بن عبد الله فى جوف الخندق لم ينهض به فرسه ، فجعلوا يرمونه بالحجارة ، فقال لهم : قتلة أجمل من هذه ! ينزل بعضكم اُقاتله ! ! فنزل إليه أمير المؤمنين ¼ ، فضربه حتي قتله . ولحق هبيرة فأعجزه ، فضرب قربوس(١) سرجه ، وسقطت درع كانت عليه ، وفرّ عكرمة ، وهرب ضرار بن الخطّاب . ٢١٨ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق
فقال جابر : فما شبّهت قتل علىّ عمراً إلاّ بما قصّ الله تعالي من قصّة داود وجالوت حيث يقول : ³ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ ² (١) (٢) . ١٨٤ ـ المستدرك علي الصحيحين عن ابن إسحاق : ثمّ أقبل علىّ ¢ [أى بعد قتله عمراً] نحو رسول الله ½ ووجهه يتهلّل ، فقال عمر بن الخطّاب : هلاّ أسلبتَه درعه ; فليس للعرب درعاً خيراً منها ! فقال : ضربته فاتّقانى بسَوءته ، واستحييت ابن عمّى أن أستلبه(٣) . ١٨٥ ـ المناقب لابن شهر آشوب : لمّا أدرك [علىّ ¼ ] عمرو بن عبد ودّ لم يضربه ، فوقعوا فى علىّ ¼ ، فردّ عنه حذيفة ، فقال النبىّ ½ : مَه يا حذيفة ; فإنّ عليّاً سيذكر سبب وقفته . ثمّ إنّه ضربه ، فلمّا جاء سأله النبىّ ½ عن ذلك ، فقال : قد كان شتم اُمّى ، وتفل فى وجهى ، فخشيت أن أضربه لحظّ نفسى ، فتركته حتي سكن ما بى ، ثمّ قتلته فى الله(٤) . ١٨٦ ـ الإرشاد عن أبى الحسن المدائنى : لمّا قتل علىّ بن أبى طالب ¼ عمرو بن عبد ودّ نُعى إلي اُخته ، فقالت : من ذا الذى اجترأ عليه ؟ ! فقالوا : ابن أبى طالب . فقالت : لم يعدُ يومَه [إلاّ](٥) علي يدِ كُفء كريم ، لا رقأت دمعتى إن هرقتُها عليه ; قتل الأبطال ، وبارز الأقران ، وكانت منيّته علي يدِ كُفء كريمِ (١) البقرة : ٢٥١ . ٢١٩ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق
قومه ، ما سمعت أفخر من هذا يا بنى عامر ! ثمّ أنشأت تقول :
١٨٧ ـ الإمام علىّ ¼ : إنّى قتلت عمرو بن عبد ودّ ، وكان يُعدّ بألف رجل(٢) . ١٨٨ ـ رسول الله ½ ـ عند مبارزة الإمام علىّ ¼ عمراً : برز الإيمان كلّه إلي الشرك كلّه(٣) . ١٨٩ ـ عنه ½ : لَمبارزةُ علىّ بن أبى طالب لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق أفضل من أعمال اُمّتى إلي يوم القيامة(٤) . ١٩٠ ـ عنه ½ : لَضربةُ علىّ لعمرو يوم الخندق تعدلُ عبادة الثقلين(٥) . ١٩١ ـ المستدرك علي الصحيحين : قد ذكرت فى مقتل عمرو بن عبد ودّ من الأحاديث المسندة ومعاً(٦) ـ عن عروة بن الزبير وموسي بن عقبة ومحمّد بن إسحاق بن يسار ما بلغنى ـ ; ليتقرّر عند المنصف من أهل العلم أنّ عمرو بن (١) الإرشاد : ١ / ١٠٧ ، إرشاد القلوب : ٢٤٥ وراجع المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٣٦ / ٤٣٢٩ . ٢٢٠ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق
عبد ودّ لم يقتله ولم يشترك(١) فى قتله غير أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ¢ ، وإنّما حملنى علي هذا الاستقصاء فيه قول من قال من الخوارج : "إنّ محمّد بن مسلمة ـ أيضاً ـ ضربه ضربة وأخذ بعض السلب" ، وو الله ما بلغنا هذا عن أحد من الصحابة والتابعين ، وكيف يجوز هذا وعلىّ ¢ يقول : ما بلغنا أنّى ترفّعت عن سلب ابن عمّى فتركته ! ! وهذا جوابه لأمير المؤمنين عمر بن الخطّاب بحضرة رسول الله ½ (٢) . ١٩٢ ـ شرح نهج البلاغة عن أبى بكر بن عيّاش : لقد ضرب علىّ بن أبى طالب ¼ ضربةً ما كان فى الإسلام أيمنَ منها ; ضربته عَمراً يوم الخندق(٣) . (١) فى الطبعة المعتمدة : "نشترك" ، والتصحيح من طبعة اُخري . |
||||||||||