الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الأول

 

 ٢٠٥ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الخامس : ارغام العدوّ علي التسليم فى غزوتين

٥ / ١

غزوة بنى النضِير

كان بنو النضير قد عقدوا حلفاً مع المسلمين ، ثمّ همّوا بقتل النبىّ  ½ . وكان  ½ قد عرف تحرّكاتهم السرّيّة بعد اُحد ، فقصد حصنهم لتقصّى الحقيقة ، وكان مطلبه الظاهرى دفع دية رجلين من قبيلة بنى عامر .

تظاهر بنو النضير باستقباله  ½ فى مشارف الحصن ، ولمّا نام  ½ مع أصحابه فى ظلّ الحصن ، خطّطوا لقتله ، لكنّه علم بمكيدتهم حين مهّدوا لتنفيذها فيمّم المدينة علي غفلة منهم(١) بعد أن نقضوا حلفهم ونكثوا عهدهم ، فأمر بإجلائهم عن بيوتهم ، وترحيلهم عن ديارهم ، فكابروا ولجّوا ، فحاصرهم فى ربيع الأوّل


(١) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٥١ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ١٩٩ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٦٤ .

 ٢٠٦ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الخامس : ارغام العدوّ علي التسليم فى غزوتين / غزوة بنى النضِير

سنة (٤) من الهجرة(١) . وفى ضوء بعض المعلومات التاريخيّة نزحوا عن ديارهم أذلّةً صاغرين بعد أن قتل عشرة منهم(٢) .

١٧٨ ـ الإرشاد : لمّا توجّه رسول الله  ½ إلي بنى النضِير ، عَمِل علي حصارهم ، فضرب قبّته فى أقصي بنى حُطَمة من البطحاء ، فلّما أقبل الليل رماه رجل من بنى النضير بسهم فأصاب القُبّة ، فأمر النبىّ  ½ أن تحوّل قبّته إلي السفح ، وأحاط به المهاجرون والأنصار .

فلمّا اختلط الظلام فقدوا أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب  ¼ ، فقال الناس : يا رسول الله ، لا نري عليّاً ؟ فقال  ½ : أراه فى بعض ما يُصلح شأنكم . فلم يلبث أن جاء برأس اليهودى الذى رمي النبىّ  ½ ـ وكان يقال له : عزورا ـ فطرحه بين يدى النبىّ  ½ . فقال له النبىّ  ½ : كيف صنعت ؟ فقال : إنّى رأيت هذا الخبيث جريئاً شجاعاً ، فكَمَنت له وقلت : ما أجرأه أن يخرج إذا اختلط الظلام يطلب منّا غُرّة(٣) ، فأقبل مُصلِتاً سيفه فى تسعة نفر من أصحابه اليهود ، فشددت عليه فقتلته وأفلت أصحابه ولم يبرحوا قريباً ، فابعثْ معى نفراً ; فإنّى أرجو أن أظفر بهم !

فبعث رسول الله  ½ معه عشرةً ، فيهم : أبو دجانة سِماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ، فأدركوهم قبل أن يَلِجوا الحصن ، فقتلوهم وجاؤوا برؤوسهم إلي النبىّ  ½ ، فأمر أن تُطرح فى بعض آبار بنى حُطَمة .

وكان ذلك سبب فتح حصون بنى النضير(٤) .


(١) تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٢٤٥ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٠٠ .
(٢) الإرشاد : ١ / ٩٢ و٩٣ ; المغازى : ١ / ٣٧١ .
(٣) الغُرّة : الغفلة (النهاية : ٣ / ٣٥٥) .
(٤) الإرشاد : ١ / ٩٢ ; المغازى : ١ / ٣٧١ نحوه .

 ٢٠٧ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الخامس : ارغام العدوّ علي التسليم فى غزوتين / غزوة بنى قُرَيظة

٥ / ٢

غزوة بنى قُرَيظة

أخفقت المؤامرة الكبري التى تآزر عليها المشركون واليهود فى غزوة الخندق ، ونكث بنو قريظة حلفهم الذى كان قد عقدوه مع المسلمين علي عدم التعرّض لهم ، ومالؤوا المشركين ضدّ النبىّ  ½ (١) ، فعزم  ½ فى غد ذلك اليوم الذى فرّ فيه المشركون علي اقتحام حصن بنى قريظة ، وهو آخر وكر فساد لليهود قرب المدينة(٢) . وبعد أن صلّي  ½ صلاة الظهر ، أصدر أمره بالتعبئة العسكريّة ، وأخبر المسلمين بإقامة صلاة العصر فى حىّ "بنى قريظة"(٣) .

وتجلّت شخصيّة الإمام  ¼ فى هذا التحرّك أيضاً ، وكان دوره فيه لافتاً للنظر لاُمور :

١ ـ كانت راية الإسلام الخفّاقة بيده المقتدرة(٤) .

٢ ـ كان آمراً علي مقدّمة الجيش(٥) .

٣ ـ كان بنو قريظة قد تسامعوا به ، ولمّا رأوه ، قالوا : جاء قاتل عمرو بن


(١) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٧١ ، المغازى : ٢ / ٤٥٥ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٢٨٧ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٣١ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٦٩ ; تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٥٢ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٨١ وص ٥٨٣ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٤٤ ، المغازى : ٢ / ٤٩٧ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٣٠٧ وص ٣٠٩ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٧٣ .
(٣) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٨١ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٤٥ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٣٠٨ .
(٤) الطبقات الكبري : ٢ / ٧٤ ، تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٨٢ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٣١١ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٤٥ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٧٣ ; تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٥٢ .
(٥) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٨٢ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٤٥ ، المغازى : ٢ / ٤٩٩ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٣١١ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٧٣ ; الإرشاد : ١ / ١٠٩ .

 ٢٠٨ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الخامس : ارغام العدوّ علي التسليم فى غزوتين / غزوة بنى قُرَيظة

عبد ودّ . يقول ابن هشام : نزل بنو قريظة علي حكم سعد بن معاذ ; لأنّ علىّ بن أبى طالب قال : "و الله لأذوقنّ ما ذاق حمزة أو لأفتحنّ حصنهم"(١) .

٤ ـ رضى اليهود بحكم سعد بن معاذ فيهم ; إذ كانوا يظنّون أنّه سيحكم لهم بسبب الأواصر القديمة التى كانت تربطهم به ، لكنّه حكم بقتل رجالهم ، ومصادرة أموالهم ، وسبى ذراريهم(٢) .

١٧٩ ـ الإرشاد : لمّا انهزم الأحزاب وولّوا عن المسلمين الدبُر ، عَمِل رسول الله  ½ علي قصد بنى قُرَيظة ، وأنفذ أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب  ¼ إليهم فى ثلاثين من الخَزرج ، فقال له : اُنظر بنى قُرَيظة هل تركوا حصونهم !

فلمّا شارف سورهم سمع منهم الهُجْر(٣) ، فرجع إلي النبىّ  ½ فأخبره ، فقال : دعهم ، فإنّ الله سيُمكّن منهم ، إنّ الذى أمكنك من عمرو بن عبد ودّ لا يخذلك ، فقفْ حتي يجتمع الناس إليك ، وأبشرْ بنصر الله ; فإنّ الله قد نصرنى بالرعب بين يدىّ مسيرة شهر .

قال علىّ  ¼ : فاجتمع الناس إلىّ ، وسرت حتي دنوت من سورهم ، فأشرفوا علىَّ ، فحين رأونى صاح صائح منهم : قد جاءكم قاتل عمرو ، وقال آخر : قد أقبل إليكم قاتل عمرو ، وجعل بعضهم يصيح ببعض ويقولون ذلك ، وألقي الله فى قلوبهم الرعب ، وسمعت راجزاً يرجز :

قَتَل علىٌّ عَمْرا صاد علىٌّ صَقْرا
قَصَم علىٌّ ظَهْرا أبرَم علىٌّ أمْرا

هَتَك علىٌّ سِتْرا


(١) السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٥١ ; الإرشاد : ١ / ١٠٩ .
(٢) الإرشاد : ١ / ١١١ .
(٣) هو الخَنا والقبيحُ من القول (النهاية : ٥ / ٢٤٥) .

 ٢٠٩ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الخامس : ارغام العدوّ علي التسليم فى غزوتين / غزوة بنى قُرَيظة

فقلت : الحمد لله الذى أظهر الإسلام وقمع الشرك . وكان النبىّ  ½ قال لى حين توجّهت إلي بنى قُرَيظة : سِرْ علي بركة الله ; فإنّ الله قد وعدك أرضهم وديارهم . فسِرت مستيقناً لنصر الله عزّ وجلّ حتي رَكزت الراية فى أصل الحصن(١) .

١٨٠ ـ السيرة النبويّة ـ فى ذكر نزول بنى قُرَيظة علي حكم سعد بن معاذ ـ : إنّ علىّ بن أبى طالب صاح وهم محاصرو بنى قريظة : يا كتيبة الإيمان . وتقدّم هو والزبير بن العوّام وقال : والله لأذوقنّ ما ذاق حمزة أو لأفتحنّ حصنهم ; فقالوا : يا محمّد ، ننزل علي حكم سعد بن معاذ(٢) .


(١) الإرشاد : ١ / ١٠٩ ، كشف اليقين : ١٥٨ / ١٧٠ ، بحار الأنوار : ٢ / ٢٦٢ / ١٩ .
(٢) السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٥١ ، البداية والنهاية : ٤ / ١٢٢ . وممّا تجدر الإشارة إليه هنا هو إنّهم إنّما رضوا بحكم سعد بن معاذ رجاء العفو عنهم ; وذلك لوجود مودّة قديمة بينه وبينهم من قبل الإسلام ، ولكنّ سعداً حكم بقتل الرجال وسبى النساء وغنيمة الأموال .

 ٢١٠ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الخامس : ارغام العدوّ علي التسليم فى غزوتين / غزوة بنى قُرَيظة

 ٢١١ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق

عندما نزح بنو النضير عن أطراف المدينة ، توجّه قسم منهم إلي خيبر ، وقسم إلي الشام ، وطفق رؤساؤهم يحرّضون المشركين ويشجّعونهم علي التحالف مع اليهود ، وتهيئة جيش من جميع القبائل لمهاجمة المدينة بمؤازرة اليهود(١) .

وهكذا كان ; فقد تهيّأ جيش ضخم قوامه عشرة آلاف ، ضمّ كافّة المعارضين للحكومة الإسلاميّة الجديدة التى أسّسها النبىّ  ½ فى المدينة وبدأ زحفه نحو المدينة(٢) ، ومن هنا عُرفت هذه الغزوة بغزوة الأحزاب .

وقد شاور النبىّ  ½ أصحابه حول كيفيّة مواجهة العدوّ ، فاقترح سلمان حفر خندق فى مدخل المدينة ; لتعويق العدوّ . وتحقّق ما أراد ، وأمر  ½ أصحابه بحفر


(١) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٦٥ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٢٥ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٦٨ ، المغازى : ٢ / ٤٤١ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٢٨٣ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٧٠ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٣٠ ، المغازى : ٢ / ٤٤٤ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٢٨٤ وص ٢٨٧ .

 ٢١٢ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق

الخندق ، واشترك هو معهم فى الحفر(١) ، فتعوّق جيش العدوّ ، الذى كان يهمّ بمهاجمة المدينة بكلّ غرور وخُيَلاء ، خلف الخندق ، وظلّ علي هذه الحال شهراً تقريباً(٢) ، حتي وقع فى مأزِق بسبب صعوبة الإمداد .

وفى ذات يوم عبر عمرو بن عبد ودّ الخندق ومعه عدد من فرسان العدوّ وشجعانه المشهورين(٣) ، وصاروا أمام المسلمين ، وطلبوا أن يبرز إليهم أقرانهم ، فلم يجِبهم أحد ، وكرّروا نداءهم غير مرّة ، وكان لعمرو صيته المخيف ، ففزع منه الجميع ، وحُبست الأنفاس فى الصدور ، ولم تلقَ نداءاته المغرورة جواباً ، فأمر رسول الله  ½ أن يقوم إليه أحد ويقتلع شرّه ، فلم يقُم إلاّ أمير المؤمنين علىّ  ¼ (٤) . ولمّا تقابلا قال  ½ عبارته الخالدة :

"برز الإيمان كلّه إلي الشرك كلّه"(٥) .

وبعد قتال شديد عاجله الإمام بهجمة سريعة ، فقضي عليه ، وبلغت صيحة


(١) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٦٦ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٢٦ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٦٨ ، المغازى : ٢ / ٤٤٥ وص ٤٥٤ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٧٢ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٣٣ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٦٩ ; الإرشاد : ١ / ٩٦ .
(٣) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٧٤ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٣٥ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٧٠ ، المغازى : ٢ / ٤٧٠ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٢٩٠ ، تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٥٠ .
(٤) السنن الكبري : ٩ / ٢٢٣ / ١٨٣٥٠ ، المغازى : ٢ / ٤٧٠ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٣٥ و٢٣٦ ; الإرشاد : ١ / ١٠٠ .
(٥) شرح نهج البلاغة : ١٩ / ٦١ ; كنز الفوائد : ١ / ٢٩٧ ، الطرائف : ٣٥ ، إرشاد القلوب : ٢٤٤ ، عوالى اللآلى : ٤ / ٨٨ / ١١٣ وفيه "الكفر" بدل "الشرك" .

 ٢١٣ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق

"الله أكبر" عنان السماء ، فلاذ أصحابه بالفرار(١) . وتبدّد جيش الأحزاب علي ما كان عليه من شوكة واُبّهة خياليّة .

ويمكننا أن نفهرس دور الإمام العظيم فى هذه الحرب علي النحو الآتى :

١ ـ لمّا عبر عمرو بن عبد ودّ وأصحابه من موضع ضيّق من الخندق ، استقرّ الإمام  ¼ هناك مع جماعة ، فلم يتيسّر للمشركين العبور بعدئذ(٢) .

٢ ـ كان قتل عمرو بن عبد ودّ مهمّاً وحاسماً ومصيريّاً إلي درجة أنّ رسول الله  ½ قال :

"لَمبارزةُ علىّ بن أبى طالب لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق أفضل من أعمال اُمّتى إلي يوم القيامة"(٣) .

وفى رواية :

"لَضربةُ علىّ لعمرو يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين"(٤) .

وحينما تجدّل صنديد العرب صريعاً بصق فى وجه الإمام آيِساً بائساً ، فوقف صلوات الله عليه ، وتمهّل ولم يبادر إلي حزّ رأسه لئلاّ يكون فى عمله ذرّة من غضب .


(١) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٧٤ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٧٠ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٣٦ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٢٩٠ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٧٤ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٣٥ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٧٠ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٢٩٠ ; الإرشاد : ١ / ٩٨ .
(٣) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٣٤ / ٤٣٢٧ ، تاريخ بغداد : ١٣ / ١٩ / ٦٩٧٨ ، شواهد التنزيل : ٢/١٤/٦٣٦ ، المناقب للخوارزمى : ١٠٧/١١٢ ، الفردوس : ٣/٤٥٥/٥٤٠٦ ; إرشاد القلوب : ٢٤٥ .
(٤) عوالى اللآلى : ٤ / ٨٦ / ١٠٢ وراجع الطرائف : ٥١٩ والمستدرك علي الصحيحين : ٣/٣٤/٤٣٢٨ .

 ٢١٤ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق

٣ ـ وبعد أن جدّله وصرعه ، وولّي أصحابه مدبرين تبعهم(١) ، وقتل منهم نوفل ابن عبد الله(٢) .

٤ ـ لمّا ضرب الإمام  ¼ رجل عمرو وقضي عليه ، ألقي تراب الذلّ والخوف والرعب علي وجوه المشركين ، وأقعدهم حياري مهزومين منهارين(٣) .

٥ ـ قتل الإمام  ¼ عمراً ، بيد أنّه ترفّع عن سلب درعه الثمين إذ "كان يضرب بسيفه من أجل الحقّ" لا غيره . . . ولم يخفَ كلّ هذا الترفّع والجلال والشمم عن الأنظار ، حتي إنّ اُخت عمرو نفسها أثنت عليه(٤) .

١٨١ ـ تاريخ اليعقوبى : كانت وقعة الخندق . . . فى السنة السادسة بعد مقدم رسول الله بالمدينة بخمسة وخمسين شهراً ، وكانت قريش تبعث إلي اليهود وسائر القبائل فحرّضوهم علي قتال رسول الله ، فاجتمع خلق من قريش إلي موضع يقال له : سَلْع(٥) ، وأشار عليه سلمان الفارسىّ أن يحفر خندقاً ، فحفر الخندق ، وجعل لكلّ قبيلة حدّاً يحفرون إليه ، وحفر رسول الله معهم حتي فرغ من حفر الخندق ، وجعل له أبواباً ، وجعل علي الأبواب حرساً ; من كلّ قبيلة رجلاً ، وجعل عليهم الزبير بن العوّام ، وأمره إن رأي قتالاً أن يقاتل . وكانت عدّة المسلمين سبعمائة رجل .

ووافي المشركون فأنكروا أمر الخندق ، وقالوا : ما كانت العرب تعرف هذا !


(١) الإرشاد : ١ / ١٠٢ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٧٤ ; الإرشاد : ١ / ١٠٥ ، تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٥٠ .
(٣) كنز الفوائد : ١ / ٢٩٨ .
(٤) الإرشاد : ١ / ١٠٧ ; المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٣٦ / ٤٣٣٠ .
(٥) موضع بقرب المدينة (معجم البلدان : ٣ / ٢٣٦) .

 ٢١٥ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق

وأقاموا خمسة أيّام ، فلمّا كان اليوم الخامس خرج عمرو بن عبد ودّ وأربعة نفر من المشركين : نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومى ، وعكرمة بن أبى جهل ، وضرار بن الحطّاب الفهرى ، وهبيرة بن أبى وهب المخزومى . فخرج علىّ بن أبى طالب إلي عمرو بن عبد ودّ فبارزه وقتله ، وانهزم الباقون ، وكبا(١) بنوفل بن عبد الله بن المغيرة فرسُه ، فلحقه علىٌّ فقتله(٢) .

١٨٢ ـ السنن الكبري عن ابن إسحاق : خرج ـ يعنى يوم الخندق ـ عمرو بن عبد ودّ فنادي : من يبارز ؟ فقام علىّ   ¢ وهو مقنّع فى الحديد فقال : أنا لها يا نبىّ الله ، فقال : إنّه عمرو ، اجلسْ .

ونادي عمرو : ألا رجل ! وهو يؤنّبهم ويقول : أين جَنّتكم التى تزعمون أنّه من قُتل منكم دخلها ؟ أ فلا يبرز إلىّ رجل ؟ ! فقام علىّ   ¢ فقال : أنا يا رسول الله ، فقال : اجلسْ .

ثمّ نادي الثالثة وذكر شعراً ، فقام علىّ فقال : يا رسول الله ، أنا ، فقال : إنّه عمرو ! قال : وإن كان عمرو ! فأذن له رسول الله  ½ . فمشي إليه حتي أتاه وذكر شعراً .

فقال له عمرو : مَن أنت ؟

قال : أنا علىّ .

قال : ابن عبد مناف ؟

فقال : أنا علىّ بن أبى طالب .


(١) الكَبْوة : السقوط للوجه ، كَبا لوجهه : سقط . وكَبا ـ أيضاً ـ : عثر (لسان العرب : ١٥ / ٢١٣) .
(٢) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٥٠ .

 ٢١٦ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق

فقال : غيرك يابن أخى من أعمامك من هو أسنّ منك ; فإنّى أكره أن اُهريق دمك .

فقال علىّ   ¢ : لكنّى والله ما أكره أن اُهريق دمك !

فغضب فنزل وسلّ سيفه كأنّه شعلة نار ، ثمّ أقبل نحو علىّ   ¢ مغضباً ، واستقبله علىّ   ¢ بدرقته ، فضربه عمرو فى الدرقة فقدّها وأثبت فيها السيف ، وأصاب رأسه فشجّه ، وضربه علىٌّ   ¢ علي حبل العاتق فسقط وثار العجاج ، وسمع رسول الله  ½ التكبير ، فعرف أنّ عليّاً   ¢ قد قتله(١) .

١٨٣ ـ الإرشاد عن الزهرى : جاء عمرو بن عبد ودّ وعكرمة بن أبى جهل وهبيرة ابن أبى وهب ونوفل بن عبد الله بن المغيرة وضرار بن الخطّاب ـ فى يوم الأحزاب ـ إلي الخندق ، فجعلوا يطوفون به ; يطلبون مضيقاً منه فيعبرون ، حتي انتهوا إلي مكان أكرهوا خيولهم فيه فعبرت ، وجعلوا يجولون بخيلهم فيما بين الخندق وسَلْع ، والمسلمون وقوف لا يُقدِم واحد منهم عليهم . وجعل عمرو بن عبد ودّ يدعو إلي البراز ويُعرِّض بالمسلمين ويقول :

ولقد بححت من النداء بجمعِهمْ هل من مبارزْ

فى كلّ ذلك يقوم علىّ بن أبى طالب من بينهم ليبارزه ، فيأمره رسول الله  ½ بالجلوس ; انتظاراً منه ليتحرّك غيره ، والمسلمون كأنّ علي رؤسهم الطير ; لمكان عمرو بن عبد ودّ ، والخوف منه ، وممّن معه ووراءه .

فلمّا طال نداء عمرو بالبراز وتتابع قيام أمير المؤمنين  ¼ قال له رسول الله  ½ : اُدنُ منّى يا علىّ ، فدنا منه ، فنزع عمامته من رأسه وعمّمه بها ، وأعطاه سيفه ،


(١) السنن الكبري : ٩ / ٢٢٣ / ١٨٣٥٠ .

 ٢١٧ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق

وقال له : امضِ لشأنك ، ثمّ قال : اللهمّ أعِنه . فسعي نحو عمرو ومعه جابر بن عبد الله الأنصارى ; لينظر ما يكون منه ومن عمرو ، فلما انتهي أمير المؤمنين  ¼ إليه قال له : يا عمرو ، إنّك كنت فى الجاهليّة تقول : لا يدعونى أحد إلي ثلاث إلاّ قبلتُها أو واحدة منها ! قال : أجل . قال : فإنّى أدعوك إلي شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، وأن تُسلم لربّ العالمين .

قال : يابن أخ أخّر هذه عنّى . فقال له أمير المؤمنين  ¼ : أما إنّها خير لك لو أخذتها ، ثمّ قال : فهاهنا اُخري . قال : ما هى ؟ قال : ترجع من حيث جئت . قال : لا تُحدّث نساء قريش بهذا أبداً . قال : فهاهنا اُخري . قال : ما هى ؟ قال : تنزل فتقاتلنى . فضحك عمرو وقال : إنّ هذه الخصلة ، ما كنت أظنّ أنّ أحداً من العرب يرومنى عليها ! وإنّى لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، وقد كان أبوك لى نديماً . قال علىّ  ¼ : لكنّى اُحبّ أن أقتلك ، فانزل إن شئت ! فأسف عمرو ونزل ، وضرب وجه فرسه حتي رجع .

فقال جابر  § : وثارت بينهما قترة ; فما رأيتهما ، وسمعت التكبير تحتها ، فعلمت أنّ عليّاً  ¼ قد قتله ، وانكشف أصحابه حتي طفرت خيولهم الخندق ، وتبادر المسلمون حين سمعوا التكبير ينظرون ما صنع القوم ، فوجدوا نوفل بن عبد الله فى جوف الخندق لم ينهض به فرسه ، فجعلوا يرمونه بالحجارة ، فقال لهم : قتلة أجمل من هذه ! ينزل بعضكم اُقاتله ! ! فنزل إليه أمير المؤمنين  ¼ ، فضربه حتي قتله . ولحق هبيرة فأعجزه ، فضرب قربوس(١) سرجه ، وسقطت درع كانت عليه ، وفرّ عكرمة ، وهرب ضرار بن الخطّاب .


(١) القَرَبوس : حِنو السرج (لسان العرب : ٦ / ١٧٢) .

 ٢١٨ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق

فقال جابر : فما شبّهت قتل علىّ عمراً إلاّ بما قصّ الله تعالي من قصّة داود وجالوت حيث يقول : ³ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ  ²  (١) (٢) .

١٨٤ ـ المستدرك علي الصحيحين عن ابن إسحاق : ثمّ أقبل علىّ   ¢ [أى بعد قتله عمراً] نحو رسول الله  ½ ووجهه يتهلّل ، فقال عمر بن الخطّاب : هلاّ أسلبتَه درعه ; فليس للعرب درعاً خيراً منها ! فقال : ضربته فاتّقانى بسَوءته ، واستحييت ابن عمّى أن أستلبه(٣) .

١٨٥ ـ المناقب لابن شهر آشوب : لمّا أدرك [علىّ  ¼ ] عمرو بن عبد ودّ لم يضربه ، فوقعوا فى علىّ  ¼ ، فردّ عنه حذيفة ، فقال النبىّ  ½ : مَه يا حذيفة ; فإنّ عليّاً سيذكر سبب وقفته . ثمّ إنّه ضربه ، فلمّا جاء سأله النبىّ  ½ عن ذلك ، فقال : قد كان شتم اُمّى ، وتفل فى وجهى ، فخشيت أن أضربه لحظّ نفسى ، فتركته حتي سكن ما بى ، ثمّ قتلته فى الله(٤) .

١٨٦ ـ الإرشاد عن أبى الحسن المدائنى : لمّا قتل علىّ بن أبى طالب  ¼ عمرو بن عبد ودّ نُعى إلي اُخته ، فقالت : من ذا الذى اجترأ عليه ؟ ! فقالوا : ابن أبى طالب . فقالت : لم يعدُ يومَه [إلاّ](٥) علي يدِ كُفء كريم ، لا رقأت دمعتى إن هرقتُها عليه ; قتل الأبطال ، وبارز الأقران ، وكانت منيّته علي يدِ كُفء كريمِ


(١) البقرة : ٢٥١ .
(٢) الإرشاد : ١ / ١٠٠ ، إعلام الوري : ١ / ٣٨٠ ، كشف الغمّة : ١ / ٢٠٤ نحوه وراجع المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٣٥ / ٤٣٢٩ والمغازى : ٢ / ٤٧٠ .
(٣) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٣٥ / ٤٣٢٩ .
(٤) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١١٥ ، الدرجات الرفيعة : ٢٨٧ ; كيمياى سعادت : ١ / ٥٧١ .
(٥) أثبتنا ما بين المعقوفين من إرشاد القلوب .

 ٢١٩ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق

قومه ، ما سمعت أفخر من هذا يا بنى عامر ! ثمّ أنشأت تقول :

لو كان قاتل عمرو غير قاتلهِ لكنتُ أبكى عليه آخرَ الأبدِ
لكنّ قاتل عمرو لا يُعاب بهِ من كان يُدعي قديماً بيضةَ البلدِ(١)

١٨٧ ـ الإمام علىّ  ¼ : إنّى قتلت عمرو بن عبد ودّ ، وكان يُعدّ بألف رجل(٢) .

١٨٨ ـ رسول الله  ½ ـ عند مبارزة الإمام علىّ  ¼ عمراً : برز الإيمان كلّه إلي الشرك كلّه(٣) .

١٨٩ ـ عنه  ½ : لَمبارزةُ علىّ بن أبى طالب لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق أفضل من أعمال اُمّتى إلي يوم القيامة(٤) .

١٩٠ ـ عنه  ½ : لَضربةُ علىّ لعمرو يوم الخندق تعدلُ عبادة الثقلين(٥) .

١٩١ ـ المستدرك علي الصحيحين : قد ذكرت فى مقتل عمرو بن عبد ودّ من الأحاديث المسندة ومعاً(٦) ـ عن عروة بن الزبير وموسي بن عقبة ومحمّد بن إسحاق بن يسار ما بلغنى ـ ; ليتقرّر عند المنصف من أهل العلم أنّ عمرو بن


(١) الإرشاد : ١ / ١٠٧ ، إرشاد القلوب : ٢٤٥ وراجع المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٣٦ / ٤٣٢٩ .
(٢) الخصال : ٥٧٩ / ١ عن مكحول .
(٣) كنز الفوائد : ١ / ٢٩٧ ، الطرائف : ٣٥ ، إرشاد القلوب : ٢٤٤ ، تأويل الآيات الظاهرة : ٢ / ٤٥١ / ١١ عن حذيفة ، عوالى اللآلى : ٤ / ٨٨ / ١١٣ وفيه "الكفر" بدل "الشرك" ; شرح نهج البلاغة : ١٩ / ٦١ .
(٤) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٣٤ / ٤٣٢٧ ، تاريخ بغداد : ١٣ / ١٩ / ٦٩٧٨ ، شواهد التنزيل : ٢ / ١٤ / ٦٣٦ ، المناقب للخوارزمى : ١٠٧ / ١١٢ كلّها عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه ، الفردوس : ٣ / ٤٥٥ / ٥٤٠٦ عن معاوية بن حيدة ، ينابيع المودّة : ١ / ٤١٢ / ٥ عن حذيفة بن اليمان ; إرشاد القلوب : ٢٤٥ .
(٥) عوالى اللآلى : ٤ / ٨٦ / ١٠٢ .
(٦) الوَمعة : الدفعة من الماء (تاج العروس : ١١ / ٥٣٤) .

 ٢٢٠ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السادس : الضربة المصيريّة فى غزوة الخندق

عبد ودّ لم يقتله ولم يشترك(١) فى قتله غير أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب   ¢ ، وإنّما حملنى علي هذا الاستقصاء فيه قول من قال من الخوارج : "إنّ محمّد بن مسلمة ـ أيضاً ـ ضربه ضربة وأخذ بعض السلب" ، وو الله ما بلغنا هذا عن أحد من الصحابة والتابعين ، وكيف يجوز هذا وعلىّ   ¢ يقول : ما بلغنا أنّى ترفّعت عن سلب ابن عمّى فتركته ! ! وهذا جوابه لأمير المؤمنين عمر بن الخطّاب بحضرة رسول الله  ½ (٢) .

١٩٢ ـ شرح نهج البلاغة عن أبى بكر بن عيّاش : لقد ضرب علىّ بن أبى طالب  ¼ ضربةً ما كان فى الإسلام أيمنَ منها ; ضربته عَمراً يوم الخندق(٣) .


(١) فى الطبعة المعتمدة : "نشترك" ، والتصحيح من طبعة اُخري .
(٢) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٣٦ / ٤٣٣١ وراجع تاريخ الطبرى : ٢ / ٥٧٤ والسيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٣٥ وتاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٢٩٠ .
(٣) شرح نهج البلاغة : ١٩ / ٦١ ; الإرشاد : ١ / ١٠٥ وفيه "أعزّ" بدل "أيمن" .