٢٢١ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السابع : الشجاعة والأدب فى الحديبيّة
عزم رسول الله ½ علي التوجّه إلي مكّة فى السنّة السادسة من الهجرة قاصداً العمرة ، فسار حتي الحديبيّة ، فعلمت قريش بمسيره ، فخرجت من مكّة . واُخبر النبىّ ½ أنّ قريش عازمة علي صدّه ومنعه من دخول مكّة . وبعثت قريش ممثّلاً عنها للتفاوض مع النبىّ ½ ، كما بعث النبىّ ½ ممثلا عنه أيضاً ، فقرّروا أن يرجع النبىّ ½ تلك السنة ولا يدخل مكّة(١) . وعقدوا علي ذلك صلحاً بينهم ، فكتب الإمام علىّ ¼ نصّ الصلح بيده(٢) . ١٩٣ ـ الإرشاد عن فايد مولي عبد الله بن سالم : لمّا خرج رسول الله ½ فى عمرة الحديبيّة نزل الجحفة فلم يجد بها ماءً ، فبعث سعد بن مالك بالروايا ، حتي إذا كان (١) الطبقات الكبري : ٢/٩٥ ، تاريخ الطبرى : ٢/٦٢٠ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢/٣٦٣ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٣٢١ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٨٢ ، المغازى : ٢ / ٥٧١ ; تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٥٤ . ٢٢٢ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السابع : الشجاعة والأدب فى الحديبيّة
غير بعيد رجع سعد بالروايا فقال : يا رسول الله ، ما أستطيع أن أمضى ! لقد وقفت قدماى رُعباً من القوم ! ! فقال له النبىّ ½ : اجلس . ثمّ بعث رجلاً آخر ، فخرج بالروايا حتي إذا كان بالمكان الذى انتهي إليه الأوّل رجع ، فقال له النبىّ ½ : لِمَ رجعت ؟ ! فقال : والذى بعثك بالحقّ ما استطعت أن أمضى رُعباً ! ! فدعا رسول الله ½ أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب صلوات الله عليهما ، فأرسله بالروايا ، وخرج السقاة وهم لا يشكّون فى رجوعه لما رأوا من رجوع من تقدّمه ، فخرج علىّ ¼ بالروايا ، حتي ورد الحِرار(١) فاستقي ، ثمّ أقبل بها إلي النبىّ ½ ولها زجل(٢) ، فكبّر النبىّ ½ ، ودعا له بخير(٣) . ١٩٤ ـ صحيح البخارى عن البراء بن عازب : لمّا صالح رسول الله ½ أهل الحديبيّة ، كتب علىّ بينهم كتاباً ، فكتب : محمّد رسول الله ½ ، فقال المشركون : لا تكتب "محمّد رسول الله" ; لو كنت رسولا لم نقاتلك ! ! فقال لعلىّ : امحُه . فقال علىّ : ما أنا بالذى أمحاه ، فمحاه رسول الله ½ بيده(٤) . ١٩٥ ـ الإمام علىّ ¼ : إنّى كنت كاتب رسول الله ½ يوم الحديبيّة ، فكتبت : هذا (١) حِرار : جمع حَرّة ـ وهى كثيرة فى بلاد العرب ; كحرّة أوطاس وحرّة تبوك ـ وهى أرض ذات حجارة سود نخرة كأنّها اُحرقت بالنار (تقويم البلدان : ٢ / ٢٣٤ و٢٤٥) . ٢٢٣ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السابع : الشجاعة والأدب فى الحديبيّة
ما صالح عليه محمّد رسول الله وسهيل بن عمرو . فقال سهيل : لو علمنا أنّه رسول الله ما قاتلناه ! أمحُها . قلت : هو والله رسول الله ½ وإن رغم أنفك ، لا والله لا أمحوها ! فقال لى رسول الله ½ : أرِنيه ، فأريته ، فمحاها(١) . (١) خصائص أمير المؤمنين للنسائى : ٣٣٣ / ١٩٠ عن علقمة بن قيس . إرجاعات ١٢٨ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة / امتحن الله قلبه للإيمان
٢٠٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثاني عشر : تعيين الحَكَم / وثيقة التحكيم
٢٢٤ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل السابع : الشجاعة والأدب فى الحديبيّة
٢٢٥ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
تحظي وقعة خيبر بشأن خاصّ بين وقائع النبىّ ½ ; ففيها هزم ½ يهود خيبر ، وقوّض مركز التآمر علي دينه وحكومته الجديدة . فكانت حصون اليهود فى منطقة خصبة شمال غربىّ المدينة تبعد عنها حوالى (٢٠٠) كيلومتر ، تدعي خيبر(١) . وكان اليهود القاطنون فى هذه الحصون يضمرون حقداً للنبىّ ½ والمؤمنين والدولة الإسلاميّة منذ الأيّام الاُولي لاتّساع الرسالة ، ولم يدّخروا وسعاً للكيد بهم ، بل إنّ حرب الأحزاب شُنَّت علي الإسلام بدعمهم العسكرى والمالى . وبهذا يتّضح أنّهم كانوا أعداءً لُدّاً ومتآمرين يتحرّقون حنقاً علي الرسالة ونبيّها الكريم ½ (٢) . (١) معجم البلدان : ٢ / ٤٠٩ ، الطبقات الكبري : ٢ / ١٠٦ . ٢٢٦ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
وحين اطمأنّ رسول الله ½ من قريش بعد صلح الحديبيّة ، توجّه نحو خيبر ; لفتح حصونها ، والقضاء علي وكر التآمر(١) . ووجود عشرة آلاف مقاتل ، وحصون حصينة منيعة لا تُقهر ، وقدرات ومعدّات كثيرة داخلها ، وأضغان راسخة في قلوب اليهود المتواجدين داخل الحصن شدّت من عزائمهم لمحاربة النبىّ ½ شكّل دلالة علي الأهمّيّة الخاصّة لوقعة خيبر . وكان للإمام أمير المؤمنين ¼ فيها مظهر عجيب ، وله فى فتحها العظيم دور لا يضاهي ولا يباري يتمثّل فيما يلى : ١ ـ كانت راية الإسلام فى هذه المعركة بيد الإمام على ¼ المقتدرة كما فى غيرها من الحروب والغزوات(٢) . ٢ ـ لمّا فتحت كلّ الحصون ، واستعصي حصن "الوطيح" و"السلالم" ـ إذ كانا من أحكم الحصون ، وزحف المسلمون نحوهما مرّتين : الاُولي بقيادة أبى بكر ، والاُخري بقيادة عمر ، لكنّهما أخفقا فى فتحهما ـ انتدب النبىّ ½ عليّاً ¼ ، وكان مريضاً لا يقدر علي القتال فدعا النبىّ ½ ، فشفى ، وفتح الله علي يديه ، وتمكّن الجيش الإسلامى العظيم من فتح ذينك الحصنين اللذين كان فتحهما لا يصدّق ولا يخطر ببال أحد(٣) . (١) المغازى : ٢ / ٦٣٧ . ٢٢٧ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
٣ ـ جندل الإمامُ ¼ الحارثَ ـ المقاتل اليهودىّ المغرور ، الذى كانت الأبدان ترتجف من صيحاته عند القتال ـ بضربة قاصمة ، كما قدّ مرحب ـ الذى لم يجرأ أحد علي مواجهته ـ نصفين(١) . ٤ ـ لمّا أخفق المسلمون فى فتح الحصنين المذكورين وأوشك الرعب أن يسيطر علي القلوب ، قال رسول الله ½ عبارته العظيمة الرائعة المشهورة : "لاُعطينّ الراية غداً رجلا يحبّ اللهَ ورسولَه ويحبّه اللهُ ورسولُه"(٢) ، والاُخري : "كرّاراً غير فرّار"(٣) ، يريد بذلك عليّاً صلوات الله عليه ، فأحيا الأمل فى النفوس بالنصر . ٥ ـ قلع الإمام ¼ باب قلعة قموص وحده ، وكان لا يحرّكه إلاّ أربعون رجلا !(٤) (١) مسند ابن حنبل : ٩ / ٢٨ / ٢٣٠٩٣ ، السنن الكبري : ٩ / ٢٢٢ / ١٨٣٤٦ ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٦٠٤ / ١٠٣٤ ، خصائص أمير المؤمنين للنسائى : ٥٩ / ١٥ ، تاريخ الطبرى : ٣ / ١٣ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٤١١ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥٩٦ و٥٩٧ ، المغازى : ٢ / ٦٥٤ ، الطبقات الكبري : ٢ / ١١٢ . ٢٢٨ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
١٩٦ ـ رسول الله ½ ـ فى يوم فتح خيبر : لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، كرّاراً غير فرّار ، لا يرجع حتي يفتح الله علي يديه(١) . ١٩٧ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى فتح خيبر : إنّ رسول الله ½ بعث أبا بكر ، فسار بالناس ، فانهزم حتي رجع إليه . وبعث عمر ، فانهزم بالناس حتي انتهي إليه . فقال رسول الله ½ : لاُعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، يفتح الله له ، ليس بفرّار . فأرسل إلىّ فدعانى ، فأتيته وأنا أرمد لا أبصر شيئاً ، فتفل فى عينى وقال : اللهمّ اكفِه الحرّ والبرد . قال : فما آذانى بعدُ حرٌّ ولا برد(٢) . ١٩٨ ـ مجمع الزوائد عن ابن عبّاس : بعث رسول الله ½ إلي خيبر ـ أحسبه قال : (١) الكافى : ٨ / ٣٥١ / ٥٤٨ عن عدّة من أبناء المهاجرين والأنصار ، الإرشاد : ١ / ٦٤ ، الإفصاح : ٣٤ وص ١٣٢ ، الأمالى للطوسى : ٣٨٠ / ٨١٧ عن أبى هريرة ، الاحتجاج : ٢ / ٢٥ / ١٥٠ عن الإمام الحسن ¼ عنه ½ ، شرح الأخبار : ١ / ١٤٨ / ٨٦ عن بريدة وفيه "يفتح خيبر عنوة" بدل "لا يرجع . . ." ، عوالى اللآلى : ٤ / ٨٨ / ١١١ ، إعلام الوري : ١ / ٢٠٧ عن الواقدى ، الفضائل لابن شاذان : ١٢٨ ; المناقب للخوارزمى : ١٧٠ / ٢٠٣ كلاهما عن عمر . ٢٢٩ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
أبا بكر ـ فرجع منهزماً ومَن معه ، فلمّا كان من الغد بعث عمر ، فرجع منهزماً يجبّن أصحابه ويجبّنه أصحابه . فقال رسول الله ½ : لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، لا يرجع حتي يفتح الله عليه . فثار الناس ، فقال : أين علىّ ؟ فإذا هو يشتكى عينيه ، فتفل فى عينيه ، ثمّ دفع إليه الراية ، فهزّها ، ففتح الله عليه(١) . ١٩٩ ـ مسند ابن حنبل عن أبى سعيد الخدرىّ : إنّ رسول الله ½ أخذ الراية فهزّها ، ثمّ قال : مَن يأخذها بحقّها ؟ فجاء فلان فقال : أنا ، قال : أمِط . ثمّ جاء رجل فقال : أمِط ، ثمّ قال النبىّ ½ : والذى كرّم وجه محمّد لاُعطينّها رجلاً لا يفرّ ، هاك يا علىّ . فانطلق حتي فتح الله عليه خيبر وفدك ، وجاء بعَجوتهما(٢) وقَديدهما(٣) (٤) . ٢٠٠ ـ الطبقات الكبري : سريّة علىّ بن أبى طالب إلي بنى سعد بن بكر بفَدَك(٥) (١) مجمع الزوائد : ٩ / ١٦٥ / ١٤٧١٧ وراجع الإفصاح : ٨٦ والمناقب للكوفى : ٢ / ٤٩٨ / ١٠٠١ والخرائج والجرائح : ١ / ١٥٩ / ٢٤٩ . ٢٣٠ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
فى شعبان سنة ستّ من مُهاجَر رسول الله ½ . قالوا : بلغ رسول الله ½ أنّ لهم جَمعاً يريدون أن يُمِدّوا يهود خيبر ، فبعث إليهم علىّ بن أبى طالب فى مائة رجل ، فسار الليل وكمن النهار حتي انتهي إلي الهَمَج ; وهو ماء بين خيبر وفدك ، وبين فدك والمدينة ستّ ليال ، فوجدوا به رجلاً ، فسألوه عن القوم فقال : اُخبركم علي أنّكم تؤمنونى ، فآمنوه فدلّهم ، فأغاروا عليهم ، فأخذوا خمسمائة بعير وألفَى شاة ، وهربت بنو سعد بالظُّعُن(١) ورأسهم وَبَر بن عُليم . فعزل علىّ صفىّ النبىّ ½ ، لَقوحاً(٢) تدعي الحفذة ، ثمّ عزل الخُمس ، وقسّم سائر الغنائم علي أصحابه ، وقدم المدينة ولم يلقَ كيداً(٣) . ٢٠١ ـ المغازى عن يعقوب بن عتبة : بعث رسول الله ½ عليّاً ¼ فى مائة رجل إلي حىّ سعد بفدك ، وبلغ رسولَ الله ½ أنّ لهم جَمعاً يريدون أن يُمدّوا يهودَ خيبر ، فسار الليل وكمن النهار حتي انتهي إلي الهَمَج ، فأصاب عيناً فقال : ما أنت ؟ هل لك علم بما وراءك من جَمع بنى سعد ؟ قال : لا علم لى به . فشدّوا عليه فأقرّ أنّه عين لهم بعثوه إلي خيبر يعرض علي يهود خيبر نصرهم علي أن يجعلوا لهم من تمرهم كما جعلوا لغيرهم ويقدمون عليهم ، فقالوا له : فأين القوم ؟ قال : تركتهم وقد تجمّع منهم مائتا رجل ، ورأسهم وَبَر بن عُليم . قالوا : فسِر بنا حتي تدلّنا . قال : علي أن تؤمِّنونى . قالوا : إن دللتنا عليهم وعلي (١) الظُّعُن : النساء ، وأصل الظَّعِينة : الراحلة التى يُرحل ويُسار عليها (النهاية : ٣ / ١٥٧) . ٢٣١ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
سَرْحهم(١) أمَّنّاك ، وإلاّ فلا أمان لك . قال : فذاك . فخرج بهم دليلا لهم حتي ساءَ ظنُّهم به ، وأوفي بهم علي فَدافِد وآكام(٢) ، ثمّ أفضي بهم إلي سهولة فإذا نَعَمٌ كثيرٌ وشاءٌ ، فقال : هذا نَعَمهم وشاؤهم . فأَغاروا عليه فضمّوا النَّعَمَ والشاءَ . قال : أرسلونى . قالوا : لا ، حتي نأمن الطلب . ونَذَر بهم الراعى رِعاءَ(٣) الغنم والشاء ، فهربوا إلي جَمعهم فحذَّروهم ، فتفرّقوا وهربوا ، فقال الدليل : عَلامَ تحبسنى ؟ قد تفرّقت الأعراب وأنذرهم الرِّعاء . قال علىٌّ ¼ : لم نبلغ معسكرهم . فانتهي بهم إليه فلم يَرَ أحداً ، فأرسلوه وساقوا النَّعَم والشاء ; النَّعَم خمسمائة بعير ، وألفا شاة(٤) . ٢٠٢ ـ المستدرك علي الصحيحين عن جابر بن عبد الله : لمّا كان يوم خيبر بعث رسول الله ½ رجلاً فجبن ، فجاء محمّد بن مسلمة فقال : يا رسول الله ، لم أرَ كاليوم قطّ ! . . . ثمّ قال رسول الله ½ : لأبعثنّ غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّانِه لا يولّى الدُّبُر ، يفتح الله علي يديه ، فتشرّف لها الناس وعلىّ ¢ يومئذ أرمد ، فقال له رسول الله ½ : سِر . فقال : يا رسول الله ، ما اُبصر موضعاً . فتفل فى عينيه ، وعقد له ، ودفع إليه الراية(٥) . (١) السرح : الماشية (النهاية : ٢ / ٣٥٨) . ٢٣٢ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
٢٠٣ ـ السيرة النبويّة لابن هشام : عن سفيان بن فروة الأسلمى عن سلمة بن عمرو بن الأكوع : بعث رسول الله ½ أبا بكر الصديق برايته ـ وكانت بيضاء ، فيما قال ابن هشام ـ إلي بعض حصون خَيْبر ، فقاتل ، فرجع ولم يكُ فَتْحٌ ، وقد جهد ; ثمّ بعث الغدَ عمر بن الخطّاب ، فقاتل ، ثمّ رجع ولم يكُ فتح ، وقد جهد ; فقال رسول الله ½ : لاُعطينّ الراية غداً رجلا يحبّ الله ورسوله ، يفتح الله علي يديه ، ليس بفَرّار . قال : يقول سلمة : فدعا رسول الله ½ عليّاً رضوان الله عليه ، وهو أرمد ، فتفل فى عينه ، ثمّ قال : خذ هذه الراية ، فامضِ بها حتي يفتَح الله عليك . قال : يقول سلمة : فخرج والله بها يأنِح(١) ، يُهروِل هَرولة ، وإنّا لخلفه نتبع أثره ، حتي ركَز رايته فى رَضْم(٢) من حجارة تحت الحِصْن ، فاطّلع إليه يهودىّ من رأس الحِصْن ، فقال : من أنت ؟ قال : أنا علىّ بن أبى طالب . قال : يقول اليهودى : عَلَوتم ، وما اُنزل علي موسي ، أو كما قال . قال : فما رجع حتي فتح الله علي يَدَيه(٣) . ٢٠٤ ـ الكامل فى التاريخ عن بريدة الأسلمى : كان رسول الله ½ ربّما أخذته الشقيقة(٤) فيلبث اليوم اليومين لا يخرج ، فلمّا نزل خيبر أخذته فلم يخرج إلي (١) مِن الاُنوح ; وهو صوت يسمع من الجوف معه نَفَس وبُهْر ونهيج يعترى السَّمين من الرجال (النهاية : ١ / ٧٤) . ٢٣٣ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
الناس ، فأخذ أبو بكر الراية من رسول الله ½ ، ثمّ نهض فقاتل قتالاً شديداً ، ثمّ رجع فأخذها عمر فقاتل قتالاً شديداً هو أشدّ من القتال الأوّل ، ثمّ رجع فأخبر بذلك رسول الله ½ . فقال : أما والله لاُعطينّها غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، يأخذها عَنْوَة(١) . وليس ثَمَّ علىٌّ ; كان قد تخلّف بالمدينة لرمد لحقه ، فلمّا قال رسول الله ½ مقالته هذه تطاولت لها قريش ، فأصبح فجاء علىّ علي بعير له حتي أناخ قريباً من خباء رسول الله ½ ، وهو أرمد قد عصب عينيه . فقال رسول الله ½ : ما لك ؟ قال : رمدتُ بعدك ، فقال له : ادن منّى . فدنا منه ، فتفل فى عينيه ، فما شكا وجعاً حتي مضي لسبيله . ثمّ أعطاه الراية ، فنهض بها وعليه حلّة حمراء ، فأتي خيبر ، فأشرف عليه رجل من يهود فقال : مَن أنت ؟ قال : أنا علىّ بن أبى طالب ، فقال اليهودىّ : غُلبتم يا معشر يهود ! ! وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مِغْفَر(٢) يمانىّ قد نقبه مثل البيضة علي رأسه وهو يقول :
فقال علىّ :
ليثٌ بغابات شديد قسوره (١) العَنْوَة : القهر ، واُخِذت البلاد عنوةً بالقَهْر والإذلال (لسان العرب : ١٥ / ١٠١) . ٢٣٤ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
فاختلفا ضربتين ، فبدره علىّ فضربه فقدّ الحَجَفة(١) والمِغْفَر ورأسه حتي وقع فى الأرض . وأخذ المدينة(٢) . ٢٠٥ ـ صحيح البخارى عن سهل بن سعد : إنّ رسول الله ½ قال يوم خيبر : لاُعطينّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله علي يديه ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله . قال : فبات الناس يدوكون(٣) ليلتهم أيّهم يُعطاها ، فلمّا أصبح الناس غدوا علي رسول الله ½ كلّهم يرجو أن يُعطاها ، فقال : أين علىّ بن أبى طالب ؟ فقيل : هو يا رسول الله يشتكى عينيه ، قال : فأرسِلوا إليه ، فاُتى به ، فبصق رسول الله ½ فى عينيه ودعا له ، فبرأ حتي كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، فقال علىّ : يا رسول الله ، اُقاتلهم حتي يكونوا مثلنا ؟ فقال : انفذ علي رسلك حتي تنزل بساحتهم ، ثمّ ادعهم إلي الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه ، فو الله لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من أن يكون لك حُمْرُ النَّعم(٤) . ٢٠٦ ـ صحيح مسلم عن أبى هريرة : إنّ رسول الله ½ قال يوم خيبر : لاُعطينّ (١) الحَجَفة : التُرْس (النهاية : ١ / ٣٤٥) . وهو صفحة من الفولاذ تُحمل للوقاية من السيف وغيره . ٢٣٥ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
هذه الراية رجلا يحبّ الله ورسوله ، يفتح الله علي يديه . قال عمر بن الخطّاب : ما أحببت الإمارة إلاّ يومئذ . قال : فتساورت لها(١) رجاء أن اُدعي لها . قال : فدعا رسول الله ½ علىّ بن أبى طالب فأعطاه إيّاها ، وقال : امشِ ولا تلتفت حتي يفتح الله عليك . قال : فسار علىٌّ شيئاً ثمّ وقف ولم يلتفت ، فصرخ : يا رسول الله ! علي ماذا اُقاتل الناس ؟ قال : قاتلهم حتي يشهدوا أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها ، وحسابهم علي الله(٢) . ٢٠٧ ـ صحيح البخارى عن سلمة : كان علىّ بن أبى طالب ¢ تخلّف عن النبىّ ½ فى خيبر ، وكان رمداً ، فقال : أنا أتخلّف عن النبىّ ½ ؟ ! فلحق به ، فلمّا بتنا الليلة التى فتحت قال : لاُعطينّ الراية غداً ـ أو : ليأخذنّ الراية غداً ـ رجل يحبّه الله ورسوله ، يفتح الله عليه . فنحن نرجوها ، فقيل : هذا علىّ ، فأعطاه ، ففُتح عليه(٣) . ٢٠٨ ـ صحيح مسلم عن سلمة : أرسلنى [النبىّ ½ ] إلي علىّ وهو أرمد فقال : لاُعطينّ الراية رجلا يحبّ الله ورسوله ، أو يحبّه الله ورسوله(٤) . قال : فأتيت عليّاً (١) تساورتُ لها : أى رفعتُ لها شخصى (النهاية : ٢ / ٤٢٠) . ٢٣٦ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
فجئت به أقوده وهو أرمد . حتي أتيت به رسول الله ½ فبسق(١) فى عينيه فبرأ ، وأعطاه الراية . وخرج مرحب فقال :
إذا الحروب أقبلت تلهّبُ فقال علىّ :
اُوفيهم بالصاع كيل السَّنْدَره قال : فضرب رأس مرحب فقتله . ثمّ كان الفتح علي يديه(٢) . ٢٠٩ ـ الاستيعاب : روي سعد بن أبى وقّاص وسهل بن سعد وأبو هريرة وبريدة الأسلمى وأبو سعيد الخدرى وعبد الله بن عمر وعمران بن الحصين وسلمة بن الأكوع ، كلّهم بمعني واحد ، عن النبىّ ½ أنّه قال يوم خيبر : لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ليس بفرّار ، يفتح الله علي يديه ، ثمّ دعا بعلىّ وهو أرمد ، فتفل فى عينيه وأعطاه الراية ، ففتح الله عليه . وهذه كلّها آثار ثابتة(٣) . ٢١٠ ـ الإرشاد عن عبد الملك بن هشام ومحمّد بن إسحاق وغيرهم من أصحاب (١) لغة فى بَزَق ، وبَصَق (النهاية : ١ / ١٢٨) . ٢٣٧ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
الآثار : حاصر رسول الله ½ خيبر بضعاً وعشرين ليلة ، وكانت الراية يومئذ لأمير المؤمنين ¼ ، فلحقه رمد أعجزه عن الحرب ، وكان المسلمون يناوشون اليهود من بين أيدى حصونهم وجنباتها . فلمّا كان ذات يوم فتحوا الباب وقد كانوا خندقوا علي أنفسهم ، وخرج مرحب برجله يتعرّض للحرب . فدعا رسول الله ½ أبا بكر فقال له : خذ الراية ، فأخذها ـ فى جمع من المهاجرين ـ فاجتهد ولم يغن شيئاً ، فعاد يؤنّب القوم الذين اتّبعوه ويؤنّبونه ! فلمّا كان من الغد تعرّض لها عمر ، فسار بها غير بعيد ، ثمّ رجع يجبّن أصحابه ويجبّنونه ! فقال النبىّ ½ : ليست هذه الراية لمن حملها ، جيؤونى بعلىّ بن أبى طالب . فقيل له : إنّه أرمد . قال : أرونيه تُرونى رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، يأخذها بحقّها ليس بفرّار . فجاؤوا بعلىّ بن أبى طالب ¼ يقودونه إليه ، فقال له النبىّ ½ : ما تشتكى يا علىّ ؟ قال : رمدٌ ما اُبصر معه ، وصُداع برأسى . فقال له : اجلس وضَعْ رأسك علي فخِذى . ففعل علىّ ¼ ذلك ، فدعا له النبىّ ½ وتفل فى يده فمسحها علي عينيه ورأسه ، فانفتحت عيناه وسكن ما كان يجده من الصداع . وقال فى دعائه له : اللهمّ قِهِ الحرّ والبرد . وأعطاه الراية ـ وكانت راية بيضاء ـ وقال له : خذ الراية وامضِ بها ، فجبرئيل معك ، والنصر أمامك ، والرعب مبثوث فى صدور القوم ، واعلم ـ يا علىّ ـ أنّهم يجدون فى كتابهم : إنّ الذى يُدمّر عليهم اسمه آلِيا ، فإذا لقيتهم فقل : أنا علىّ ، فإنّهم يخذلون إن شاء الله . . . . وجاء فى الحديث : أنّ أمير المؤمنين ¼ لمّا قال : أنا علىّ بن أبى طالب ، قال حبر من أحبار القوم : غُلبتم وما اُنزل علي موسي . فدخل قلوبهم من الرعب ما لم ٢٣٨ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
يمكنهم معه الاستيطان به(١) . ٢١١ ـ المغازى : كان أوّل من خرج إليهم الحارث أخو مرحب فى عاديته(٢) ، فانكشف المسلمون وثبت علىّ ¼ ، فاضطربا ضربات ، فقتله علىّ ¼ ، ورجع أصحاب الحارث إلي الحصن ، فدخلوه وأغلقوا عليهم ، فرجع المسلمون إلي موضعهم(٣) . ٢١٢ ـ المغازى : برز عامر وكان رجلاً طويلاً جسيماً ، فقال رسول الله ½ حين طلع عامر : أ ترونه خمسة أذرع ؟ وهو يدعو إلي البراز ، يخطر بسيفه وعليه درعان ، يقنّع فى الحديد يصيح : من يبارز ؟ فأحجم الناس عنه ، فبرز إليه علىّ ¼ فضربه ضربات ، كلّ ذلك لا يصنع شيئاً ، حتي ضرب ساقيه فبرك ، ثمّ ذفّف عليه فأخذ سلاحه(٤) . ٢١٣ ـ الإرشاد : لمّا قتل أمير المؤمنين ¼ مرحباً رجع من كان معه وأغلقوا باب الحصن عليهم دونه ، فصار أمير المؤمنين ¼ إليه فعالجه حتي فتحه ، وأكثر الناس من جانب الخندق لم يعبروا معه ، فأخذ أمير المؤمنين ¼ باب الحصن فجعله علي الخندق جسراً لهم حتي عبروا وظفروا بالحصن ونالوا الغنائم . فلمّا انصرفوا من الحصون أخذه أمير المؤمنين بيُمناه فدحا به أذرعاً من الأرض ، وكان الباب يُغلقه عشرون رجلاً منهم(٥) . (١) الإرشاد : ١ / ١٢٥ وراجع تاريخ دمشق : ٤٢ / ١٠٧ . ٢٣٩ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
٢١٤ ـ المصنّف عن جابر بن عبد الله : إنّ عليّاً حمل الباب يوم خيبر حتي صعد المسلمون ففتحوها ، وأنّه جُرّب فلم يحمله إلاّ أربعون رجلاً(١) . ٢١٥ ـ مسند ابن حنبل عن أبى رافع مولي رسول الله ½ ـ فى معركة خيبر : خرجنا مع علىّ حين بعثه رسول الله ½ برايته ، فلمّا دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود فطرح تُرْسَه من يده ، فتناول علىّ باباً كان عند الحصن فترّس به نفسه ، فلم يزل فى يده وهو يقاتل حتي فتح الله عليه ، ثمّ ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتنى فى نفر معى سبعة أنا ثامنهم نَجْهدُ علي أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه(٢) ! ٢١٦ ـ الأمالى للصدوق عن عبد الله بن عمرو بن العاص : إنّه لمّا دنا من القَمُوص(٣) أقبل أعداء الله من اليهود يرمونه بالنبل والحجارة ، فحمل عليهم علىّ ¼ حتي دنا من الباب ، فثني رجله ثمّ نزل مغضباً إلي أصل عتبة الباب فاقتلعه ، ثمّ رمي به خلف ظهره أربعين ذراعاً ! (١) المصنّف لابن أبى شيبة : ٧ / ٥٠٧ / ٧٦ ، تاريخ بغداد : ١١ / ٣٢٤ / ٦١٤٢ ، دلائل النبوّة للبيهقى : ٤ / ٢١٢ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٢ / ٤١٢ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٢٥ وج ٤ / ١٩٠ ، المناقب للخوارزمى : ١٧٢ / ٢٠٧ ; مجمع البيان : ٩ / ١٨٣ وليس فيه "إلاّ" وكلّها عن ليث بن أبى سليم عن الإمام الباقر ¼ عنه ، روضة الواعظين : ١٤٢ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٩٤ وراجع الإرشاد : ١ / ١٢٩ وص ٣٣٣ . ٢٤٠ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
قال ابن عمرو : وما عجبنا من فتح اللهِ خيبَر علي يدى علىّ ¼ ، ولكنّا عجبنا من قلعه الباب ورميه خلفه أربعين ذراعاً ، ولقد تكلّف حمله أربعون رجلاً فما أطاقوه ! فاُخبر النبىّ ½ بذلك فقال : والذى نفسى بيده لقد أعانه عليه أربعون ملكاً(١) . ٢١٧ ـ الإرشاد عن أبى عبد الله الجدلى : سمعت أمير المؤمنين ¼ يقول : لمّا عالجت باب خيبر جعلته مِجَنّاً(٢) لى وقاتلت القوم ، فلمّا أخزاهم الله وضعت الباب علي حصنهم طريقاً ، ثمّ رميت به فى خندقهم ، فقال له رجل : لقد حملت منه ثقلاً ! فقال : ما كان إلاّ مثل جنّتى التى فى يدى فى غير ذلك المقام(٣) . ٢١٨ ـ الإمام علىّ ¼ : والله ما قلعت باب خيبر ، ودكدكت حصن يهود بقوة جسمانيّة ، بل بقوّة إلهيّة(٤) . ٢١٩ ـ عنه ¼ ـ فى رسالته إلي سهل بن حنيف ـ : والله ما قلعتُ باب خيبر ورميت بها خلف ظهرى أربعين ذراعاً بقوّة جسديّة ولا حركة غذائيّة ، لكنّى اُيّدت بقوّة ملكوتيّة ، ونفس بنور ربّها مُضيّة(٥) . (١) الأمالى للصدوق : ٦٠٤ / ٨٣٩ ، روضة الواعظين : ١٤٢ ، الدعوات : ٦٤ / ١٦٠ نحوه ، كلاهما عن عبد الله بن عمر . ٢٤١ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
٢٢٠ ـ مشارق أنوار اليقين : فى ذلك اليوم لمّا سأله عمر فقال : يا أبا الحسن ، لقد اقتلعت منيعاً ولك ثلاثة أيّام خميصاً(١) ، فهل قلعتها بقوّة بشريّة ؟ فقال : ما قلعتها بقوّة بشريّة ، ولكن قلعتها بقوّة إلهيّة ، ونفس بلقاء ربّها مطمئنّة رضيّة(٢) . ٢٢١ ـ تفسير الفخر الرازى : إنّ كلّ من كان أكثر علماً بأحوال عالم الغيب كان أقوي قلباً وأقلّ ضعفاً ، ولهذا قال علىّ بن أبى طالب كرّم الله وجهه : والله ما قلعت باب خيبر بقوّة جسدانيّة ، ولكنّ بقوّة ربّانيّة . ذلك لأنّ عليّاً كرّم الله وجهه فى ذلك الوقت انقطع نظره عن عالم الأجساد ، وأشرقت الملائكة بأنوار عالم الكبرياء ، فتقوّي روحه ، وتشبّه بجواهر الأرواح الملكيّة ، وتلألأت فيه أضواء عالم القدس والعظمة ، فلا جرم(٣) حصل له من القدرة ما قدر بها علي ما لم يقدر عليه غيره . وكذلك العبد إذا واظب علي الطاعات بلغ إلي المقام الذى يقول الله : كنت له سمعاً وبصراً . فإذا صار نور جلال الله سمعاً له سمع القريب والبعيد ، وإذا صار ذلك النور بصراً له رأي القريب والبعيد ، وإذا صار ذلك النور يداً له قدر علي التصرّف فى الصعب والسهل والبعيد والقريب(٤) . ٢٢٢ ـ الإرشاد : لمّا فتح أمير المؤمنين ¼ الحصن وقتل مرحباً ، وأغنم الله المسلمين أموالهم ، استأذن حسّان بن ثابت رسول الله ½ أن يقول شعراً : فقال (١) يقال : رجل خميص : إذا كان ضامر البطن (النهاية : ٢ / ٨٠) . ٢٤٢ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
له : قل . فأنشأ يقول :
٢٢٣ ـ تذكرة الخواصّ : ذكر أحمد فى الفضائل أنّهم سمعوا تكبيراً من السماء فى ذلك اليوم وقائلا يقول :
فاستأذن حسّان بن ثابت رسول الله ½ أن ينشد شعراً فأذن له ، فقال :
فإن قيل : قد ضعّفوا لفظة لا سيف إلاّ ذو الفقار ، قلنا : الذى ذكروه أنّ الواقعة كانت فى يوم اُحد ، ونحن نقول : إنّها كانت فى يوم خيبر ، وكذا ذكر أحمد بن حنبل فى الفضائل ولا كلام فى يوم اُحد ; فإنّ ابن عبّاس قال : لمّا قتل علىّ ¼ (١) الكمى : اللابسُ السلاح وقيل هو الشجاع المُقدِمُ الجري(لسان العرب :١٥ / ٢٣٢) . ٢٤٣ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثامن : الدور المصيرى فى فتح خيبر
طلحة بن أبى طلحة حامل لواء المشركين صاح صائح من السماء : لا سيف إلاّ ذو الفقار . قالوا : فى إسناد هذه الرواية عيسي بن مهران ، تكلّم فيه ، وقالوا : كان شيعيّاً . أمّا يوم خيبر فلم يطعن فيه أحد من العلماء . وقيل : إنّ ذلك كان يوم بدر . والأوّل أصحّ(١) . راجع : القسم التاسع / علىٌّ عن لسان النبىّ / الكمالات المعنويّة / الله ورسوله وجبرئيل عنه راضون / علىٌّ عن لسان النبىّ / لا يعرف حقّ معرفته / لولا مخافة الغلوّ . / علىٌّ عن لسان أصحاب النبىّ / سعد بن أبى وقّاص . القسم الرابع عشر / محبوبيّته عند الله ورسوله وملائكته . (١) تذكرة الخواصّ : ٢٦ ; الصراط المستقيم : ١ / ٢٥٨ نحوه . إرجاعات ١٤١ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل الثاني : عليّ عن لسان النبيّ / الكمالات المعنويّة / الله ورسوله وجبرئيل عنه راضون
١٨٣ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل الثاني : عليّ عن لسان النبيّ / لا يُعرف حقّ معرفته / لولا مخافة الغلوّ
٣١٤ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل السادس : عليّ عن لسان أصحاب النبيّ / سَعدُ بنُ أبي وَقَّاص
٢٢٣ - المجلد الحادي عشر / القسم الرابع عشر : حبّ الإمام عليّ / الفصل الرابع : محبوبيّته عند الله ورسوله وملائكته. |
||||||||||||||||||||||||||