الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد العاشر

 

٢٨٩ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / بحث حول اشعاره والديوان المنسوب إليه

يحظي الشعر بمكانة مرموقة فى المعارف البشريّة وذلك لدوره المتميّز فى نقل المفاهيم وتخليد الأحداث وإغناء الثقافة ، أمّا من حيث المضمون فمن الواضح أنّه لا يختلف عن كثير من الأدوات والوسائل التى يمكن استخدامها كسلاح ذى حدّين ; فمن الممكن أن يرتدى حُلّة رائعة ، أو يتّخذ قالباً مَقيتاً . ومن هنا يُعدّ نظم الشعر وإجادته منقبة ، ويُعتبر استخدامه أمراً ضروريّاً .

لقد كان القادة الربّانيّون يملكون هذه المقدرة ، ولكن هناك خلاف تاريخى حول ما إذا كانوا أنفسهم ينظمون الأشعار ، وإلي أىّ حدّ؟

من هنا ، يري البعض أنّ الإمام عليّاً  ¼ كان معروفاً بقول الشعر ، وكان متفوّقاً فى معرفة الشعر ، هذا فضلاً عمّا لديه من مقدرة فائقة علي نقد الشعر . فعن ابن عبد ربّه :

"قال سعيد بن المسيّب : كان أبو بكر شاعراً ، وعمر شاعراً ، وعلىّ أشعر الثلاثة"(١) .


(١) العقد الفريد : ٤ / ٢٣٠ عن سعيد بن المسيّب .

 ٢٩٠ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / بحث حول اشعاره والديوان المنسوب إليه

ويبدو أنّ الشعر وإنشاء الكلام الموزون والمقفّي والمسجّع كان صفة غالبة لدي الإمام علىّ  ¼ إلي درجة أنّه أصبح يُعرف بها ، بحيث إنّ بطلة كربلاء "زينب الكبري" بعدما ألقت كلمتها المشهورة فى الكوفة بعد واقعة كربلاء جعلت عبيد الله بن زياد يقول :

هذه سجّاعة! ولعمرى لقد كان أبوها سجّاعاً شاعراً(١) .

ذكر الشريف الرضى أنّ الإمام عليّاً  ¼ لمّا سُئل : من أشعر الشعراء؟ قال :

"إنّ القوم لم يجروا فى حلبة تُعرف الغاية عند قصبتها ، فإن كان ولابدّ فالملك الضلّيل"(٢) .

وبيّن الشريف الرضى المراد من هذا الكلام بقوله : يريد امرأ القيس(٣) .

وفى هذا السياق استند الأديب والكاتب المصرى المعروف الاُستاذ عبّاس محمود العقّاد إلي هذا الخبر وإلي غيره من الأخبار قائلاً فى هذا المعني :

"و عندنا أنّه  ¼ كان ينظم الشعر ويُحسِن النظر فيه ، وكان نقده للشعراء نقد عليم بصير ، يعرف اختلاف مذاهب القول ، واختلاف وجوه المقابلة والتفضيل علي حسب المذاهب . ومِن بصره بوجوه المقابلة بينهم أنّه سُئل : من أشعر الناس(٤)؟ قال : إنّ القوم لم يجروا فى حلقة تُعرف الغاية عند قصبتها ، فإن كان


(١) الإرشاد : ٢ / ١١٦ ، مثير الأحزان : ٩٠ ، كشف الغمّة : ٢ / ٢٧٦ ، بحار الأنوار : ٤٥ / ١١٦ / ١ .
(٢) نهج البلاغة : الحكمة ٤٥٥ ; النهاية فى غريب الحديث : ٣ / ٩٨ .
(٣) نهج البلاغة : الحكمة ٤٥٥ . نقل ابن أبى الحديد عن ابن دُرَيد مضمون الجملة المذكورة ، ونقل تصريح الإمام  ¼ بأنّ المراد من "الملك الضلّيل" امرؤ القيس (انظر شرح نهج البلاغة : ٢٠ / ١٥٣ و١٥٤ .
(٤) فى نهج البلاغة : "الشعراء" بدل "الناس" .

 ٢٩١ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / بحث حول اشعاره والديوان المنسوب إليه

ولابدّ فالملك الضلّيل .

وهذا ـ فيما نعتقد ـ أوّل تقسيم لمقاييس الشعر علي حسب "المدارس" و"الأغراض الشعريّة" بين العرب ، فلا تكون المقابلة إلاّ بين أشباه وأمثال ، ولا يكون التعميم بالتفضيل إلاّ علي التغليب"(١) .

وأمثال هذه المنقولات ـ التى تعكس آراء الإمام عليّ  ¼ فى الشعر والشعراء ـ ليست قليلة فى النصوص القديمة(٢) . وهى تدلّ ـ كما أشار العقّاد ـ علي مدي تضلّعه فى هذا الميدان ، فهو ـ بحقٍّ ـ "أمير البيان" و"سيّد البلاغة" .

يُستدلّ من الوثائق التاريخيّة أنّ الإمام عليّاً  ¼ كان ينظم الشعر ، وكان يُوصى بتعلّمه واستخدامه ضمن المعايير التى كان يؤكّد هو عليها(٣) . وكان يتمثّل فى خطبه ورسائله شيئاً من أشعار الآخرين ، ومع كلّ ذلك فإنّ العلماء والمؤرّخين كانوا منذ القدم يتأمّلون فى نسبة كلّ ما ورد باسم الإمام علىّ  ¼ إليه ، وطرحوا آراءً كثيرة فى كيفيّة الأشعار المنسوبة إليه(٤) .

نُقل عن الجاحظ أنّه كان يقول : لم يقُل علىٌّ شعراً سوي الرجز(٥) .


(١) المجموعة الكاملة (عبقريّة الإمام على  ¼ ) : ٢ / ١٣٦ .
(٢) انظر علي سبيل المثال : العُمدة فى محاسن الشعر وآدابه : ١ / ١١١ ، مصادر نهج البلاغة وأسانيده : ٤ / ٣١٢ .
(٣) وعلي سبيل المثال أنّه كان يؤكّد علي تعلّم شعر أبى طالب وتدوينه ونشره عند تعليله لسبب تعلّم شعر هذا الرجل الذى كان يدافع عن رسول الله  ½ ، قائلاً : "تعلّموا شعر أبى طالب وعلّموه أولادكم ; فإنّه كان علي دين الله ، وفيه علم كثير" (راجع تصنيف نهج البلاغة : ٧٧٣ ووسائل الشيعة : ١٢ / ٢٤٨) .
(٤) راجع مقدّمة كتاب "أنوار العقول من أشعار وصىّ الرسول" بقلم كامل سليمان الحبّورى .
(٥) فهرست نسخ الكتب الخطّية فى المكتبة المركزيّة بجامعة طهران : ٢ / ١١٦ .

 ٢٩٢ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / بحث حول اشعاره والديوان المنسوب إليه

وأورد ياقوت الحموى عن أبى عثمان المازنى : لا يصحّ عندنا أنّه تكلّم بشىء من الشعر غير هذين البيتين :

تلكُم قريش تمنّانى لتقتلنىفلا وجدّك ما برّوا ولا ظفِروا
فإن هلكتُ فرهنٌ ذمّتى لهمُبذات رَوْقيْن(١) لا يعفو لها أثرُ(٢)

وهذان الرأيان كلاهما غير صائب ، ويبالغان فى نفى أشعار الإمام .

وبيّن البعض عند نقدهم لرأى المازنى بأنّ هناك أبيات مرويّة عن الإمام علىّ  ¼ لا يمكن تجاهلها بهذه البساطة . ومع أنّ العلاّمة المجلسى يذهب إلي القول بأنّ الحكم علي نسبة جميع ما نُسب إلي الإمام علىّ  ¼ فى الديوان المشهور ، موضع تأمّل إلاّ أنّه يُقِرّ بأنّ نسبة الديوان إليه أمر مشهور(٣) .

وعلي كلّ حال هناك علائم عريقة فى القدم تحمل دلالات علي جمع وتدوين شعر الإمام علىّ  ¼ ; فقد كتب النجاشى ضمن إحصائه لآثار أبى أحمد عبد العزيز ابن يحيي الجلودى الأزدى البصرى (م ٣٣٢ هـ ) ، ما يلى : وله كتب منها . . . شعره  ¼ (٤) .

"إنّ أشهر وأقدم الكتب الموجودة من أشعار أمير المؤمنين  ¼ هو كتاب (أنوار العقول من أشعار وصىّ الرسول) الذى أعدّه قطب الدين محمّد البيهقى الكيدرى


(١) الرَّوْقان : تثنية الرَّوْق ; وهو القَرْن ، وأراد بها هاهنا الحربَ الشديدة وقيل : الداهية . ويُروي : بذات ودقَيْن ; وهى الحرب الشديدة أيضاً (النهاية : ٢ / ٢٧٩) .
(٢) معجم الاُدباء : ٤ /١٨١٠ /٧٨٤ ، النهاية فى غريب الحديث : ٢ / ٢٧٩ ; العدد القويّة : ٢٣٨ / ١٦ كلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ٤٢ / ٢٢٣ / ٣١ .
(٣) لمزيد من التفاصيل راجع كتاب "تحقيقات أدبى" لكيوان سميعى : ٣٣٣ ـ ٣٥٩ .
(٤) رجال النجاشى : ٢ / ٥٥ / ٦٣٨ .

 ٢٩٣ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / بحث حول اشعاره والديوان المنسوب إليه

علي أساس مصدرين تولّيا قبل ذلك مهمّة جمع وتدوين هذا الكتاب ، وكذلك علي أساس المنقولات التى عُثر عليها بين طيّات الكتب الموجودة . ووصف الكيدرى نفسه فى مقدّمة الكتاب كيفيّة كتابة هذا الديوان وطبيعة محتواه علي النحو التالى :

وقد كنت علي قديم الدهر ظفرت بمجموع من أشعاره الجامعة لجلائل الكلم ، وعقابل الحكم ، نحواً من مائتى بيت جمعها الإمام أبو الحسن الفنجكردى رحمه الله ، فأنستُ بذلك ، واجتهدتُ في اقتناص شوارد ، علي ما فيه زوائد ; إذ لم يكن إلاّ طرفاً من طرفه ، ودرّة من صدفه ، إلي أن عثرت بمجموع آخر أبسط منه باعاً ، وأرحب ذراعاً ، وإن لم يكن شمل الكلّ واستجمع الكلّ الكثر والقلّ ، قد استخرج بعضها من كتاب محمّد بن إسحاق وغيره من العلماء والتقط بعضها من ستون الكتب ممّا وُجد منسوباً إليه .

فاقترح علىّ بعض الإخوان أن اُجرّد من المجموعَين ما اختُصّ بالآداب والمواعظ والحكم والعِبَر دون ما ذُكر فى سائر الأغراض ، فأسعفتُ سؤله ، وحقّقتُ مأموله ، وسمّيت المجموع بالحديقة الأنيقة .

ثمّ وقع إلىّ بأخرة مجموع من أشعاره  ¼ جمعه السيّد الجليل أبو البركات هبة الله بن محمّد الحسنى ، فلم أجد فيه كثيراً ممّا وصل إلىّ ، وإن كان قد أورد أبياتاً شردت منّى ، وشذّت من يدى ، وكنت فى خلال ذلك أجدُّ فى الطلب ، وأدأبُ كلّ الدأب ، أتفحّص كتب التواريخ والسير ، والتقط ما أقف عليه من الغرر والدرر ، مسنداً ومرسلاً ، مقيّداً ومهملاً ; إذ كان غرضى أن أنظم أفرادها ، وأجمع آحادها . فلذلك لست أدّعى أنّ كلّ فلق فيه سمع من فَلْق فيه ، وأنّه  ¼ قطعاً ويقيناً ناظمه ومُنشِئُه ، بل فى كثير منه أخذ بالظنّ والتخمين ; إذ من المتعذّر فى مثله الحكم

 ٢٩٤ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / بحث حول اشعاره والديوان المنسوب إليه

باليقين ; فإن ورد علي امرئ ما يُريبه ، فحسبه من الكلام طِيبه . هذا ولا أزعم أنّى أحطتُ بجميع أشعاره ، واطّلعتُ علي نتائج أفكاره ، بل اُجوّز أن يكون الحاصل عندى دون ما ظفرت منه يدى ، وما علىّ إلاّ بذل جهدى ، وأرجو أن تكون المنفعة به كاملة تامّة ، والفائدة شاملة عامّة . وها أنا قد أمّلت زمام الهمّة إلي القيام بهذه المهمّة ، ورأيت بعدُ أن اُسمّى هذا المجموع بــ : أنوار العقول من أشعار وصىّ الرسول"(١) .

ومن الواضح أنّ كلام الكيدرى كلام رصين ; فمن جهة لا يمكن التصديق بأنّ جميع الأشعار الواردة في هذا الديوان من نظم الإمام علىّ  ¼ وإنشائه ، ومن جهة اُخري لا يمكن القطع بأنّ كلّ الأشعار المنسوبة إليه وردت فى هذا الكتاب .

ويمكن تبويب الأشعار الواردة فى هذه المجموعة ، والأشعار الاُخري المنسوبة إليه ، علي النحو التالى :

١ ـ ما جاء علي صيغة الرَّجز ، والأشعار التى وردت فى المصادر المعتبرة الاُخري .

٢ ـ أشعار الآخرين التى تمثّل بها الإمام  ¼ فى طيّات خطبه وكتبه .

٣ ـ قول أو فعل الإمام  ¼ الذى نُظِم شعراً علي لسان شاعر آخر ، ثمّ نُسب علي مرّ الزمن إليه .

٤ ـ أشعار مَن تطابقت أسماؤهم مع اسمه ، أو غيرهم ، ثمّ نُسبت إليه علي امتداد التاريخ ، وتسلّلت إلي الديوان(٢) .


(١) أنوار العقول من أشعار وصىّ الرسول : ٩٢ .
(٢) راجع : الذريعة : ٢ / ٤٣١ وج٩ / ١٠١ .

 ٢٩٥ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب السادس : علم الذرّة

٥٦٥٤ ـ الإمام علىّ  ¼ : مؤلّف بين متعادياتها ، ومفرّق بين متدانياتها ، دالّة بتفريقها علي مفرّقها ، وبتأليفها علي مؤلّفها ، وذلك قوله تعالي : ³ وَمِن كُلِّ شَىْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  ²  (١) (٢) .

٥٦٥٥ ـ عنه  ¼ : وأمّا الجمادات فهو يمسكها بقدرته ، ويمسك المتّصل منها أن يتهافت ، ويمسك المتهافت منها أن يتلاصق(٣) .

٥٦٥٦ ـ عنه  ¼ : أحال الأشياء لأوقاتها ، ولاََمَ بين مختلفاتها ، وغرّز غرائزها ،


(١) الذاريات : ٤٩ .
(٢) الكافى : ١ / ١٣٩ / ٤ عن محمّد بن أبى عبد الله رفعه ، التوحيد : ٣٠٨ / ٢ عن عبد الله بن يونس وكلاهما عن الإمام الصادق  ¼ ، الأمالى للمفيد: ٢٥٦/٤ عن محمّد بن زيد الطبرى وفيه "متباعداتها" بدل "متعادياتها" ، الأمالى للطوسى : ٢٣ / ٢٨ عن محمّد بن يزيد الطبرى وفيه "متعاقباتها" بدل "متعادياتها" وكلاهما عن الإمام الرضا  ¼ ، تحف العقول : ٦٥ وفيه "متقارباً بين متبايناتها" بدل "مفرّق بين متدانياتها" وليس فيه الآية ، بحار الأنوار : ٤ / ٢٢٩ / ٣ .
(٣) عيون أخبار الرضا : ١ / ٢٨٢ / ٣٠ ، علل الشرائع : ٤١٦ / ٣ ، بشارة المصطفي : ٢١٣ كلّها عن محمّد بن زياد ومحمّد بن سيّار عن الإمام العسكرى عن آبائه (ع) ، بحار الأنوار : ٩٢ / ٢٢٤ / ٢ .

 ٢٩٦ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب السادس : علم الذرّة

وألزمها أشباحها(١) .

٥٦٥٧ ـ عنه  ¼ : فأقام من الأشياء أوَدَها(٢) ، ونهج حدودها ، ولاءَم بقدرته بين متضادّها ، ووصل أسباب قرائنها(٣) .

نكتة

يقول أينشتاين : "لقد تمكّن بنو البشر وبعد مرور قرون متمادية من التعرّف إلي أسرار تركيب الذّرّة ، وتبيّن لهم أنّ هذا العالم المادّى إنّما يتألّف من الذّرّات الناتجة بدورها من اتّحاد الألكترونات بالبروتونات ، وأنّ وجود المادّة وبقاءها رهين بدوام تلك الآصرة التى تربط بين أجزاء الذّرّة المتكوّنة من جسمين متضادّين ; سالب وموجَب" . لكنّ الباحث المتتبّع إذا نظر بدقّة وتفحّص فى كلام الإمام علىّ  ¼ ; فى تفسيره للآية الشريفة (٤٩) من سورة الذاريات ، سيندهش حين يري بأنّه  ¼ قد سبق علماء عصرنا بـ (١٤) قرناً من الزمان ; بالتعرّف إلي أسرار تركيب الذّرّة ; حيث جاء فى أحاديث هذا الباب أنّ الإمام  ¼ أشار إلي ما يمكن انطباقه اليوم بـ (الألكترون) و(البروتون) ، وتطرّق إلي الآصرة الموجودة بين هذين الجسمين بشكل دقيق للغاية . وعلي ما تقدّم يمكن حمل كلام الرسول الأعظم  ½ فى مناظرته مع الدهريين حيث أشار إلي تلك المسألة العلميّة الدقيقة بقوله : " . . . فهذا الذى نشاهده من الأشياء بعضُها إلي بعض مفتقرٌ ; لأنّه لا قوام للبعض إلاّ بما يتّصل به" (بحار الأنوار : ٩ / ٢٦٢ / ١) .

وفى هذا السياق أيضاً يقول الإمام الرضا  ¼ : "و لم يخلق شيئاً فرداً قائماً بنفسه دون غيره للّذى أراد من الدلالة علي نفسه وإثبات وجوده ، فاللّه تبارك وتعالي فردٌ واحد لا ثانى معه يُقيمه ولا يعضده ولا يكنّه ، والخلق يمسك بعضه بعضاً بإذن الله تعالي ومشيّته" (عيون أخبار الرضا : ١ / ١٧٦ / ١ ، بحار الأنوار : ١٠ / ٣١٦ / ١) .


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١ ، الاحتجاج : ١ / ٤٧٤ / ١١٣ .
(٢) الأوَد : العوج (لسان العرب : ٣ / ٧٥) .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٩١ ، التوحيد : ٥٤ / ١٣ وفيه "و نَهّي معالم" بدل "و نهج" وكلاهما عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق  ¼ ، بحار الأنوار : ٧٧ / ٣١٩ / ١٧ .

 ٢٩٧ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب السابع : علم الحساب

٥٦٥٨ ـ تصنيف نهج البلاغة : سُئل  ¼ عن أصغر عدد يقسّم علي الأعداد الطبيعيّة من واحد إلي تسعة بدون باق ، فقال علي الفور : اضرب أيّام اُسبوعك فى أيّام سنتك(١) (٢) .

٥٦٥٩ ـ بحار الأنوار ـ فى تفسير قوله تعالي : ³ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا  ²  (٣) ـ : وروي الطبرسى  § وغيره أنّ يهوديّاً سأل عليّاً  ¼ عن مدّة لبثهم ، فأخبر  ¼ بما فى القرآن ، فقال : إنّا نجد فى كتابنا ثلاثمائة !


(١) المقصود بالسنة هنا : السنة القمريّة (٣٦٠) يوماً ، فإذا ضربنا ٣٦٠ × ٧ وهو عدد أيّام الاُسبوع حصلنا علي (٢٥٢٠) وهو العدد الذى يقسّم علي الأعداد الطبيعيّة من ١ إلي ٩ بدون باقى .
(٢) تصنيـف نهـج البلاغـة : ٧٨٠ و٧٨١ وراجـع بحـار الأنـوار : ٤٠ / ١٨٧ وينابيـع المـودّة : ١ / ٢٢٧ / ٥٩ .
(٣) الكهف : ٢٥ .

 ٢٩٨ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب السابع : علم الحساب

فقال  ¼ : ذلك بسنىّ الشمس ، وهذا بسنىّ القمر(١) (٢) .

٥٦٦٠ ـ تهذيب الأحكام عن عبيدة السلمانى عن أمير المؤمنين  ¼ ـ حيث سئل عن رجل مات وخلّف زوجة وأبوين وابنتيه ، فقال ـ : صار ثُمنها تسعاً(٣) .

٥٦٦١ ـ المصنّف عن سفيان عن رجل لم يسمّه : ما رأيت رجلا كان أحسب من علىّ ، سئل عن ابنتين وأبوين وامرأة ، فقال : صار ثُمنها تسعاً(٤) .

٥٦٦٢ ـ الاستيعاب عن زرّ بن حبيش : جلس رجلان يتغدّيان ، مع أحدهما خمسة أرغفة ، ومع الآخر ثلاثة أرغفة ، فلما وضعا الغداء بين أيديهما مرّ بهما رجل فسلّم ، فقالا : اجلس للغداء ، فجلس ، وأكل معهما ، واستوفوا فى أكلهم


(١) يعنى أنّ السنين التى اعتمدها القرآن الكريم هى السنين القمريّة ; ولذا كان عدد السنين التى نام فيها أصحاب الكهف هو ثلاثمائة وتسع سنين ، وأمّا السنين المذكورة فى كتابكم فهى علي أساس السنين الشمسيّة ; وتكون حينئذ ثلاثمائة سنة .
(٢) بحار الأنوار : ٥٨ / ٣٥٢ .
(٣) تهذيب الأحكام : ٩ / ٢٥٧ ، الصراط المستقيم : ١ / ٢٢٠ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٤٤ وفيهما "سُئل وهو علي المنبر" ، كشف الغمّة : ١ / ١٣٢ وفيهما "فلقّبت بالمسألة المنبريّة" ; سنن الدارقطنى : ٤ / ٦٩ / ٥ ، السنن الكبري : ٦ / ٤١٤ / ١٢٤٥٥ كلاهما عن الحارث ، المصنّف لعبد الرزّاق : ١٠ / ٢٥٨ / ١٩٠٣٣ عن ابن عبّاس ، شرح نهج البلاغة : ٢٠ / ٢٨٤ / ٢٥٠ وفيه "هذا من العجائب" . شرح ذلك المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٤٥ فقال : للأبوين السدسان وللبنتين الثلثان وللمرأة الثمن عالت الفريضة ; فكان لها ثلاث من أربعة وعشرين ثمنها ، فلمّا صارت إلي سبعة وعشرين صار ثمنها تسعاً ، فإنّ ثلاثة من سبعة وعشرين تسعها ، ويبقي أربعة وعشرون للابنتين ستّة عشر وثمانية للأبوين سواء ، قال : هذا علي الاستفهام ، أو علي قولهم : صار ثمنها تسعاً ، أو علي مذهب نفسه ، أو بين كيف يجىء الحكم علي مذهب من يقول بالعول ، فبين الجواب والحساب والقسمة والنسبة .
(٤) المصنّف لابن أبى شيبة : ٧ / ٣٤٩ / ١ .

 ٢٩٩ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب السابع : علم الحساب

الأرغفة الثمانية ، فقام الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم ، وقال : خذا هذا عوضاً ممّا أكلت لكما ، ونلته من طعامكما ، فتنازعا ، وقال صاحب الخمسة الأرغفة : لى خمسة دراهم ، ولك ثلاثة ، فقال صاحب الثلاثة الأرغفة : لا أرضي إلاّ أن تكون الدراهم بيننا نصفين . وارتفعا إلي أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب (ع) ، فقصّا عليه قصّتهما ، فقال لصاحب الثلاثة الأرغفة : قد عرض عليك صاحبُك ما عرض ، وخبزه أكثر من خبزك ، فارضَ بثلاثة . فقال : لا والله ، لا رضيت منه إلاّ بمرّ الحقّ . فقال علىّ (ع) : ليس لك فى مُرّ الحقّ إلاّ درهم واحد وله سبعة .

فقال الرجل : سبحان الله يا أمير المؤمنين ! وهو يعرض عَلَىَّ ثلاثة فلم أرضَ ، وأشرتَ علىَّ بأخذها فلم أرضَ ، وتقول لى الآن : إنّه لا يجب فى مُرّ الحقّ إلاّ درهم واحد . فقال له علىّ : عرض عليك صاحبك أن تأخذ الثلاثة صُلحاً ، فقلتَ : لم أرضَ إلاّ بمُرّ الحقّ ، ولا يجب لك بمُرّ الحقّ إلاّ واحد . فقال له الرجل : فعرّفنى بالوجه فى مرّ الحقّ حتي أقبله .

فقال علىّ (ع) :أ ليس للثمانية الأرغفة أربعة وعشرون ثلثاً أكلتموها وأنتم ثلاثة أنفس ، ولا يعلم الأكثر منكم أكلا ، ولا الأقل ، فتحملون فى أكلكم علي السواء ؟ قال : بلي . قال : فأكلت أنت ثمانية أثلاث ، وإنّما لك تسعة أثلاث ، وأكل صاحبك ثمانية أثلاث ، وله خمسة عشر ثلثاً ، أكل منها ثمانية ويبقي له سبعة ، وأكل لك واحداً من تسعة ، فلك واحد بواحدك ، وله سبعة بسبعته . فقال له الرجل : رضيت الآن(١) .


(١) الاستيعاب : ٣ / ٢٠٧ / ١٨٧٥ ، جواهر المطالب : ١ / ٢٠٥ ، كنز العمّال : ٥ / ٨٣٥ / ١٤٥١٢ ; تهذيب الأحكام : ٨ / ٣١٩ / ١١٨٤ ، كنز الفوائد : ٢ / ٦٩ كلاهما نحوه .

 ٣٠٠ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب السابع : علم الحساب

 ٣٠١ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب الثامن : علم الفيزياء

٥٦٦٣ ـ الإمام علىّ  ¼ : كلّ سميع غيره يصمّ عن لطيف الأصوات ، ويصمّه كبيرها(١) (٢) .

٥٦٦٤ ـ عنه  ¼ : كلّ بصير غيره يعمي عن خفىّ الألوان ، ولطيف الأجسام(٣) (٤) .


(١) أثبت العلم الحديث باستخدام الهزازات الصوتيّة ، أنّ الاُذن البشريّة تتحسّس فقط بمجال معيّن من الاهتزازات ، هى التى يقع تواترها بين ١٥ هزّة فى الثانية و١٥٠٠٠ هزّة ، فإذا كان تواتر الصوت أقل من ١٥ هزّة فى الثانية لا تسمعه الاُذن ، وكذلك إذا كان تواتر الصوت أعلي من ١٥٠٠٠ هزّة فى الثانية . ولعلّ هذا هو المقصود بـ (لطيف الأصوات) و(كبير الأصوات) (تصنيف نهج البلاغة : ٧٨٢) . والجدير ذكره إنّ أحدث ما توصّلت إليه النظريات الفيزيائيّة أنّ عدد الذبذبات الصوتيّة القابلة للسماع تتراوح ما بين ٢٠ـ ٢٠٠٠٠ ذبذبة/ثانية علي عكس ما أثبتته النظريّات السابقة من أنّها تتراوح بين١٥ـ ١٥٠٠٠ذبذبة / ثانية ( راجع : كتاب " الفيزياء " تأليف هاليديورزنيك، ترجمة گلستانيان وبهار:٢ / ٩٥).
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٦٥ ، بحار الأنوار : ٤ / ٣٠٩ / ٣٧ .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٦٥ ، بحار الأنوار : ٤ / ٣٠٩ / ٣٧ .
(٤) كثير من الحيوانات لا تري الألوان ، بل تري الصورة سوداء بيضاء فقط . أمّا الإنسان فإنّه يري الألوان السبعة التى هى ألوان الطيف المرئى والتى تنحصر أطوال موجاتها بين ٤ / ٠ مكرون (البنفسجي) و٨ / ٠ مكرون (الأحمر) . أمّا الأضواء التى تقع أطوال موجاتها خارج هذا المجال فإنّ الانسان لا يراها ، ومنها الأشعّة فوق البنفسجيّة والأشعّة تحت الحمراء . إذن فقدرة الإنسان البصريّة محدودة ، أمّا الله تعالي فهو يري كلّ جسم وكلّ لون مهما كان نوعه أو لطافته . وقد وجد بقدرة الله أنّ النحلة تستطيع أن تميّز بين سبعة ألوان مختلفة من اللون الأبيض ، يراها الإنسان لوناً واحداً . بهذه الدقّة الكبيرة تستطيع أن تميّز بين أنواع الزهور وهى تطير فى أعلي السماء (تصنيف نهج البلاغة : ٧٨٢) .

 ٣٠٢ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب الثامن : علم الفيزياء

٥٦٦٥ ـ عنه  ¼ ـ حيث كان جالساً علي نهر الفرات وبيده قضيب ، فضرب به علي صفحة الماء وقالـ : لو شئت لجعلت لكم من الماء نوراً وناراً(١) (٢) .


(١) لم يفصح الإمام  ¼ عن مضمون كلامه بل أجراه مجري الرموز ، وذلك لأنّ عقول الناس فى ذلك الزمان لا تتحمّل أكثر من هذا . وفى قوله : "لجعلت لكم من الماء نوراً وناراً" دلالة خفيّة إلي ما فى الماء من طاقة يمكن أن تولّد النور (و هو الكهرباء) والنار (و هو الطاقة الحراريّة) . وإذا تعمّقنا فى النظرة وجدنا أنّ الماء يتركّب من عنصرين هما الهيدروجين والاُكسجين . الأوّل قابل للاحتراق وإعطاء النور ، والثانى يساعد علي الاحتراق ويعطى الحرارة . وأبعد من ذلك فإنّ وجود الماء الثقيل O٢D فى الماء الطبيعى بنسبة ٢ إلي ٠٠٠ / ١٠ يجعله أفضل مصدر طبيعى للهيدروجين الثقيل الذى نسمّيه (الدوتريوم) ونرمز له بالرمز D . وهذا النظير هو حجر الأساس فى تركيب القنبلة الهيدروجينية ، القائمة علي اندماج ذرّتين من الدوتيريوم لتشكيل الهليوم . علماً بأنّ الطاقة الناتجة عن هذا الاندماج والتى ـ هى منشأ طاقة الشمس ـ تفوق آلاف المرّات الطاقة الناتجة عن القنبلة الذرّية التى تقوم علي انشطار اليورانيوم ، ولأخذ فكرة فإنّ اصطناع غرام من الهليوم نتيجة اندماج الدوتيريوم يعطى طاقة = ٦٧٥ مليون بليون ارغة = ٢٠٠ ألف كيلو واط ساعى (تصنيف نهج البلاغة : ٧٨٣) .
(٢) تصنيف نهج البلاغة : ٧٨٢ .

 ٣٠٣ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب التاسع : علم طبقات الأرض وحركة الجوّ

٩ / ١

وظيفة الجبال فى الأرض

٥٦٦٦ ـ الإمام علىّ  ¼ : عدّل حركاتها بالراسيات من جلاميدها ، وذوات الشناخيب الشمّ من صياخيدها(١) . فسكنت من الميدان لرسوب الجبال فى قطع أديمها ، وتغلغلها متسرّبة فى جوبات خياشيمها ، وركوبها أعناق سهول الأرضين وجراثيهما(٢) .

٥٦٦٧ ـ عنه  ¼ : أنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال ، وأرساها علي غير قرار ، وأقامها بغير قوائم ، ورفعها بغير دعائم وحصّنها من الأود والاعوجاج ، ومنعها من التهافت والانفراج ، أرسي أوتادها ، وضرب


(١) الصَيخُود : الصخرة الملساء الصُّلْبة لاتحرّك من مكانها ولا يعمل فيها الحديد (لسان العرب : ٣ / ٢٤٥) .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٩١ عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق  ¼ ، بحار الأنوار : ٥٧ / ١١٢ / ٩٠ .

 ٣٠٤ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب التاسع : علم طبقات الأرض وحركة الجوّ / وظيفة الجبال فى الأرض

أسدادها(١) .

٥٦٦٨ ـ عنه  ¼ ـ فى عجيب صنعة الكون ـ : جبل جلاميدها ونشوز متونها وأطوادها ، فأرساها فى مراسيها ، وألزمها قرارتها فمضت رؤوسها فى الهواء ، ورست أصولها فى الماء ، فأنهد جبالها عن سهولها ، وأساخ قواعدها فى متون أقطارها ومواضع أنصابها ، فأشهق قلالها ، وأطال أنشازها ، وجعلها للأرض عماداً ، وأرّزها فيها أوتاداً ، فسكنت علي حركتها من أن تميد بأهلها أو تسيخ بحملها أو تزول عن مواضعها(٢) .

٥٦٦٩ ـ عنه  ¼ : فطر الخلائق بقدرته ، ونشر الرياح برحمته ، ووتّد بالصخور مَيَدان أرضه(٣) (٤) .


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٨٦ ، الاحتجاج : ١ / ٤٧٧ / ١١٦ ، بحار الأنوار : ٤ / ٢٥٥ / ٨ .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٢١١ ، بحار الأنوار : ٥٧ / ٣٨ / ١٥ .
(٣) يؤكّد الإمام  ¼ علي أنّ الله سبحانه حين خلق الجبال فى الأرض ، جعل لكلّ جبل منها جذراً فى الأرض هو الوتد ، ولهذا الوتد وظيفتان : الاُولي : أنّه يحفظ الجبل من التهافت والانزلاق ، كما حدث لجبل السلط قرب عمان ، الذى انزلق من مكانه وسار والثانية : أنّ الوتد المغروس فى أديم الأرض يمسك طبقات الأرض نفسها ، بعضها ببعض ، فيمنعها من الاضطراب والمَيَدان ، تماماً كما نفعل عندما نمسك الصفائح المعدنيّة ببعضها عن طريق غرس مسامير قويّة فيها . هذه وظيفة الجبال بالنسبة لاستقرار الأرض ، أمّا وظيفتها بالنسبة لاستقرار حياة الإنسان فوجود الجبال علي الأرض يحافظ علي التربة والصخور الموجودة علي سطح الأرض من الزوال والانتقال ، ويحفظها من تأثير الرياح العاصفة بها ، فيتسنّي بذلك إقامة حياة إنسانيّة رتيبة فى الجبال والسهول والوديان ولو كان سطح الأرض مستوياً بدون جبال لكان عرضة للتغيّر (تصنيف نهج البلاغة : ٧٨٣) .
(٤) نهج البلاغة : الخطبة ١ ، الاحتجاج : ١ / ٤٧٣ / ١١٣ ، بحار الأنوار : ٧٧ / ٣٠٠ / ٧ وج ٤/٢٤٧/٥ .

 ٣٠٥ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب التاسع : علم طبقات الأرض وحركة الجوّ / تسيير سحب الأمطار إلي أعالى الجبال

٩ / ٢

تسيير سحب الأمطار إلي أعالى الجبال (١)

٥٦٧٠ ـ الإمام علىّ  ¼ : وفسح بين الجوّ وبينها ، وأعدّ الهواء متنسّماً لساكنها ، وأخرج إليها أهلها علي تمام مرافقها ، ثمّ لم يدع جرز(٢) الأرض التى تقصر مياه العيون عن روابيها ، ولا تجد جداول الأنهار ذريعة إلي بلوغها ، حتي أنشأ لها ناشئة سحاب تحيى مواتها وتستخرج نباتها . ألّف غمامها بعد افتراق لمعه وتباين قزعه ، حتي إذا تمخّضت لجّة المزن فيه ، والتمع برقه فى كففه(٣) ، ولم ينم وميضه فى كنهور ربابه ومتراكم سحابه ، أرسله سحّاً متداركاً ، قد أسفّ هيدبه ، تمريه الجنوب درر أهاضيبه ودفع شآبيبه ، فلمّا ألقت السحاب برك بوانيها ، وبعاع ما استقلّت به من العبء المحمول عليها أخرج به من هوامد الأرض النبات ، ومن زعر الجبال الأعشاب ، فهى تبهج بزينة رياضها ، وتزدهى بما ألبسته من ريط


(١) يبيّن الإمام علىّ  ¼ فى الخطبة ٩١ نعمة من نِعَم الله علي عباده ، تتّصل بتحريك الجوّ وما فيه من هواء ورياح وغيوم . ففى تقدير الله تعالي أنّه أجري فى السهول أنهاراً ليشرب منها الناس والدوابّ والنبات ، أمّا المناطق العالية فى الجبال فلم يتركها بدون ماء وحياة ، بل سيّر لها نصيبها من الماء عن طريق حركة الرياح التى تنشأ عن اختلاف الحرارة بين سطح البحر وسطح الجبل ، فإذا تبخّر ماء البحر علا فى الجوّ لخفّته ، وانحدر من الجبل هواء بارد يملأ فراغه ، فتحدث بذلك دورة للرياح ، تحمل بموجبها سحب الأمطار إلي أعالى الجبال ، فإذا وصلت إلي هنالك فوجئت ببرودة جوّ الجبال ، فتكاثفت وانعقدت أمطاراً ، تجرى علي رؤوس الجبال ، مشيعة الحياة والخصب والنضارة والرزق للنبات والأنعام والأنام(تصنيف نهج البلاغة : ٧٨٥) .
(٢) الجرز : الأرض التى لا نبات بها ولا ماء (النهاية : ١ / ٢٦٠) .
(٣) كُفَّة كلِّ شىء بالضم : طُرّته وحاشيَتُه (النهاية : ٤ / ١٩١) .

 ٣٠٦ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب التاسع : علم طبقات الأرض وحركة الجوّ / الجبال مخازن مياه الأنهار

أزاهيرها ، وحلية ما سمطت به من ناضر أنوارها ، وجعل ذلك بلاغاً للأنام ورزقاً للأنعام ، وخرق الفجاج فى آفاقها وأقام المنار للسالكين علي جواد طرقها(١) .

٩ / ٣

الجبال مخازن مياه الأنهار (٢)

٥٦٧١ ـ الإمام علىّ  ¼ : فلمّا سكن هَيجُ الماء من تحت أكنافها ، وحمل شواهق الجبال الشمّخ البذّخ علي أكتافها ، فجّر ينابيع العيون من عرانين اُنوفها ، وفرّقها فى سهوب بِيدها وأخاديدها(٣) .

٥٦٧٢ ـ عنه  ¼ : أرسي أوتادها ، وضرب أسدادها ، واستفاض عيونها ، وخدّ أوديتها ، فلم يهن ما بناه ، ولا ضعف ما قوّاه(٤) .


(١) نهج البلاغة : الخطبة ٩١ عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق  ¼ ، بحار الأنوار : ٥٧ / ١١٢ / ٩٠ .
(٢) عندما تسقط الأمطار علي الجبال ترتوى تربتها فتنمو فيها الأشجار والزروع ، وتزدهر حياة الانسان والحيوان . أمّا المياه الفائضة فتمتصّها الجبال لتخزنها فى جيوب كبيرة نقيّة باردة . حتي إذا جاء الصيف وقلّت مياه الأنهار ، تفجّرت تلك المياه من الينابيع معيناً عذباً سلسبيلاً ، وقد أشار القرآن إلي هذه الحقيقة العلميّة التى تفيد أنّ الجبال مخازن مياه الينابيع ، والأنهار ، كما أشار اليها الإمام علىّ  ¼ فى عدّة مواضع (تصنيف نهج البلاغة : ٧٨٧) .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٩١ عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق  ¼ ، بحار الأنوار : ٥٧ / ١١١ / ٩٠ .
(٤) نهج البلاغة : الخطبة ١٨٦ ، الاحتجاج : ١ / ٤٧٨ / ١١٦ ، بحار الأنوار : ٥٧ / ٣٠ / ٦ .

 ٣٠٧ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب العاشر : سلونى قبل أن تفقدوني

٥٦٧٣ ـ الإمام علىّ  ¼ : سلونى قبل أن تفقدونى(١) .

٥٦٧٤ ـ تاريخ دمشق عن عمير بن عبد الله : خطبنا علىّ علي منبر الكوفة ، فقال : أيّها الناس ، سلونى قبل أن تفقدونى ، فبين الجبلين(٢) منّى علمٌ جمّ(٣) .

٥٦٧٥ ـ الإمام علىّ  ¼ : سلُونى قبل أن تفقدونى ، فَلأنا بطرق السماء أعلم منّى


(١) التوحيد : ٣٠٥ / ١ ، الاحتجاج : ١ / ٦١٠ / ١٣٨ كلاهما عن الأصبغ بن نباتة ، تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٩٣ ، تفسير العيّاشى : ٢ / ٢٨٢ / ٢٢ عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عن آبائه عنه (ع) ، الملاحم والفتن : ٢٢١ / ٣١٩ عن زرّ بن حبيش ، غرر الحكم : ٥٦٣٧ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٣٨ وفيه "روي ابن البخترى من ستّة طرق وابن القصل من عشر طرق ، وإبراهيم الثقفى من أربعة عشر طريقاً" ; المناقب للخوارزمى : ٩١ / ٨٥ عن أبى البخترى .
(٢) وفى نسخة : "الجنبين" .
(٣) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٠٠ ; التوحيد : ٩٢ / ٦ عن وهب بن وهب القرشى عن الإمام الصادق عن أبيه عنه (ع) ، تفسير العيّاشى : ٢ / ٢٨٢ / ٢٢ عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عن أبيه عن جدّه عنه (ع) وفيهما "فإنّ بين جوانحى علماً جمّاً" بدل "فبين الجبلين . . ." .

 ٣٠٨ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب العاشر : سلونى قبل أن تفقدوني

بطرق الأرض ، قبل أن تَشغَر(١) برجلها فتنةٌ تَطأُ فى خِطامها(٢) وتذهب بأحلام قومها(٣) .

٥٦٧٦ ـ عنه  ¼ : سلونى عن طرق السماء ، فإنّى أعلم بها من طرق الأرض ، سلونى قبل أن تفقدونى ، فإنّ بين جنبىَّ علوماً كثيرة كالبحار الزواخر(٤) .

٥٦٧٧ ـ عنه  ¼ : سلونى قبل أن تفقدونى ، فإنّى لا اُسأل عن شىء دون العرش إلاّ أخبرت عنه(٥) .

٥٦٧٨ ـ عنه  ¼ : سلونى عمّا فوق العرش ، سلونى عمّا تحت العرش ، سلونى قبل أن تفقدونى(٦) .

٥٦٧٩ ـ عنه  ¼ : سلونى قبل أن تفقدونى ، فو الله لا تسألونى عن شىء مضي ولا عن شىء يكون إلاّ أنبأتكم به(٧) .

٥٦٨٠ ـ عنه  ¼ : سلونى ، فو الله لا تسألونى عن شىء يكون إلي يوم القيامة إلاّ حدّثتكم به ، وسلونى عن كتاب الله ، فو الله ما منه آية إلاّ أنا أعلم بليل نزلت أم


(١) الشَّغرُ : الرفع (لسان العرب : ٤ / ٤١٧) .
(٢) الخطم من كلّ طائر : منقارُهُ . والحظم من كلّ دابة : مُقَدَّمُ أنفها وفمها نحو الكلب والبعير (لسان العرب : ١٢ / ١٨٦) .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ١٨٩ ، غرر الحكم : ٥٦٣٥ ، عيون الحكم والمواعظ : ٢٨٥ / ٥١٤٥ كلاهما إلي "بطرق الأرض" وفيهما "أخبر" بدل "أعلم" .
(٤) ينابيع المودّة : ٣ / ٢٠٨ وص ٢٢٣ وفيه من "سلونى قبل أن تفقدونى . . ." .
(٥) كنز العمّال : ١٣ / ١٦٥ / ٣٦٥٠٢ نقلاً عن ابن النجّار عن أبى المعتمر مسلم بن أوس وجارية بن قدامة السعدى وراجع إرشاد القلوب : ٣٧٧ .
(٦) الفضائل لابن شاذان : ١١٧ ، بحار الأنوار : ٤٦ / ١٣٥ / ٢٥ .
(٧) الأمالى للصدوق : ١٩٦ / ٢٠٧ عن الأصبغ بن نباتة ، كامل الزيارات : ١٥٥ / ١٩١ .

 ٣٠٩ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب العاشر : سلونى قبل أن تفقدوني

بنهار ، أم بسهل نزلت أم بجبل(١) .

٥٦٨١ ـ تفسير الطبرى عن أبى الطفيل : سمعت عليّاً (ع) يقول : لا تسألونى عن كتاب ناطق ولا سنّة ماضية إلاّ حدّثتكم ، فسأله ابن الكوّاء عن الذاريات . فقال : هى الرياح(٢) .

٥٦٨٢ ـ المستدرك علي الصحيحين عن أبى الطفيل : رأيت أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب (ع) قام علي المنبر فقال : سلونى قبل أن لا تسألونى ، ولن تسألوا بعدى مثلى .

قال : فقام ابن الكوّاء فقال : يا أمير المؤمنين ، ما ³ الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا  ²  (٣) ؟ قال : الرياح .

قال : فما ³ الْحَامِلاتِ وِقْرًا  ²  (٤) ؟ قال : السحاب .

قال : فما ³ الْجَارِيَاتِ يُسْرًا  ²  (٥) ؟ قال : السفن .

قال : فما ³ الْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا  ²  (٦) ؟ قال : الملائكة .

قال : فمن ³ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ  ± جَهَنَّمَ  ²  (٧) ؟ قال : منافقو قريش(٨) .


(١) جامع بيان العلم : ١ / ١١٤ ، الاستيعاب : ٣ / ٢٠٨ / ١٨٧٥ ، كنز العمّال : ٢ / ٥٦٥ / ٤٧٤٠ ، ذخائر العقبي : ١٥١ ، شواهد التنزيل : ١ / ٤٢ / ٣١ ; سعد السعود : ١٠٩ كلّها عن أبى الطفيل ، غرر الحكم : ٥٦٣٧ كلاهما نحوه .
(٢) تفسير الطبرى : ١٣ / الجزء ٢٦ / ١٨٦ ، تفسير ابن كثير : ٧ / ٣٩٠ عن أبى الطفيل نحوه .
(٣)
(٤)
(٥)
(٦) (٣ ـ ) الذاريات : ١ ـ ٤ .
(٧) إبراهيم : ٢٨ و٢٩ .
(٨) المستدرك علي الصحيحين : ٢ / ٥٠٦ / ٣٧٣٦ ; الاحتجاج : ١ / ٦١٢ / ١٣٩ عن الأصبغ بن نباتة نحوه ، وراجع المستدرك علي الصحيحين : ٢ / ٣٨٣ / ٣٣٤٢ والمعيار والموازنة : ٢٩٨ .

 ٣١٠ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب العاشر : سلونى قبل أن تفقدوني

٥٦٨٣ ـ الإمام علىّ  ¼ : والله لو شئت أن اُخبر كلّ رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلتُ ، ولكن أخاف أن تكفروا فىّ برسول الله  ½ .

ألا وإنّى مُفضيه إلي الخاصّة ممّن يُؤمَن ذلك منه ، والذى بعثه بالحقّ واصطفاه علي الخلق ، ما أنطِقُ إلاّ صادقاً ، وقد عهد إلىّ بذلك كلّه ، وبِمَهلك من يَهلِكُ ، ومَنجي من ينجو ، ومآل هذا الأمر ، وما أبقي شيئاً يمرّ علي رأسى إلاّ أفرغه فى اُذنىّ وأفضي به إلىّ(١) .

٥٦٨٤ ـ عنه  ¼ ـ من خطبة له ذكر فيها الفتنة ، ثمّ قال ـ : فاسألونى قبل أن تفقدونى ، فو الذى نفسى بيده لا تسألونى عن شىء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تهدى مائة وتضلّ مائة ، إلاّ أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ، ومُناخ ركابها ، ومحطّ رحالها ، ومن يُقتل من أهلها قتلا ومن يموت منهم موتاً .

ولو قد فقدتمونى ونزلت بكم كرائهُ الاُمور ، وحوازب الخطوب(٢) ، لأطرق كثير من السائلين ، وفشل كثير من المسؤولين ، وذلك إذا قلّصت(٣) حربكم وشمّرت عن ساق ، وضاقت الدنيا عليكم ضيقاً ، تستطيلون معه أيّام البلاء عليكم ، حتي يفتح الله لبقيّة الأبرار منكم(٤) .

٥٦٨٥ ـ عنه  ¼ : سلونى قبل أن تفقدونى ، فإنّى عن قليل مقتول ، فما يحبس


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٧٥ ، غرر الحكم : ٧٦٠٦ ، عيون الحكم والمواعظ : ٤١٦ / ٧٠٧١ وليس فيهما "و مآل هذا الأمر" ; ينابيع المودّة : ١ / ٢٠٧ / ٨ .
(٢) حوازب الخطوب : الأمر الشديد (لسان العرب : ١ / ٣٠٩) .
(٣) قلّصت الإبل : استمرّت فى مضيّها (لسان العرب : ٧ / ٨١) .
(٤) نهج البلاغة : الخطبة ٩٣ ، الغارات : ١ / ٧ عن ابن أبى ليلي ، شرح الأخبار : ٢ / ٣٩ / ٤١٠ كلاهما نحوه ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٣٩ وفيه إلي "موتاً" وراجع عوالى اللآلى : ٤ / ١٢٩ / ٢٢١ .

 ٣١١ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب العاشر : سلونى قبل أن تفقدوني

أشقاها أن يخضبها بدم أعلاها ، فو الذى فلق البحر وبرأ النسمة ، لا تسألونى عن شىء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فتنة تُضلّ مائة أو تهدى مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها إلي يوم القيامة .

إنّ القرآن لا يعلم علمه إلاّ من ذاق طعمه ، وعلم بالعلم جهله ، وأبصر عمله ، واستمع صممه ، وأدرك به مأواه ، وحىّ به إن مات ، فأدرك به الرضي من الله ، فاطلبوا ذلك عند أهله . فإنّهم فى بيت الحياة ، ومستقرّ القرآن ، ومنزل الملائكة ، وأهل العلم الذين يخبركم عملهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم . هم الذين لا يخالفون الحقّ ، ولا يختلفون فيه ، قد مضي فيهم من الله حكمٌ صادق ، وفى ذلك ذكري للذاكرين(١) .

٥٦٨٦ ـ الأمالى للطوسى عن عباية بن ربعى : كان علىّ أمير المؤمنين  ¼ كثيراً ما يقول : سلونى قبل أن تفقدونى ، فوَ الله ما من أرض مخصبة(٢) ولا مجدبة(٣) ، ولا فئة تُضلّ مائة أو تهدى مائة إلاّ وأنا أعلم قائدها وسائقها وناعقها إلي يوم القيامة(٤) .

٥٦٨٧ ـ بصائر الدرجات عن سلام : قلت لأبى عبد الله  ¼ : إنّا نروى أحاديث لم نجد عند أحد من أهل بيتك فيها شيئاً .


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٩٣ ، الملاحم والفتن : ٢٢١ / ٣١٩ عن زرّ بن حُبَيش ، شرح الأخبار : ٢ / ٢٨٦ / ٦٠١ كلاهما نحوه إلي "و سائقها" .
(٢) المُخصِبة : الأرض المُكلِئَةُ (لسان العرب : ١ / ٣٥٦) .
(٣) الجَدْبة : الأرضُ التى ليس بها قليلٌ ولا كثيرٌ ولا مَرْتَفعٌ ولا كلأٌ (لسان العرب : ١ / ٢٥٦) .
(٤) الأمالى للطوسى : ٥٨ / ٨٥ ، الإرشاد : ١ / ٣٣٠ عن أبى الحكم نحوه ، الاختصاص : ٢٧٩ عن الأصبغ بن نباتة ، بصائر الدرجات : ٢٩٩ / ١٣ عن سعد بن الأصبغ وليس فيهما "و ناعقها إلي يوم القيامة" ; ينابيع المودّة : ١ / ٢٢٢ / ٤٥ .

 ٣١٢ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب العاشر : سلونى قبل أن تفقدوني

فقال : ما هى ؟

قلت : يروون أنّ عليّاً  ¼ كان يقول وهو يخطب الناس : يا أيّها الناس ، سلونى فإنّكم لن تسألونى عن شىء فيما بينى وبين الساعة ، لا عن أرض مجدبة ولا عن أرض مخصبة ، ولا فرقة تُضلّ مائة وتهدى مائة إلاّ أن لو شئت اُنبئكم بناعقها وقائدها وسائقها .

قال : وإنّه حقّ(١) .

٥٦٨٨ ـ الكافى عن زرارة : كنت عند أبى جعفر  ¼ ، فقال له رجل من أهل الكوفة يسأله عن قول أمير المؤمنين  ¼ : سلونى عمّا شئتم ، فلا تسألونى عن شىء إلاّ أنبأتكم به .

قال : إنّه ليس أحد عنده علم شىء إلاّ خرج من عند أمير المؤمنين  ¼ ، فليذهب الناس حيث شاؤوا ، فو الله ليس الأمر إلاّ من هاهنا . وأشار بيده إلي بيته(٢) .

٥٦٨٩ ـ الاستيعاب عن سعيد بن المسيّب : ما كان أحد من الناس يقول : "سلونى" ، غير علىّ بن أبى طالب (ع) (٣) .

٥٦٩٠ ـ التوحيد عن الأصبغ بن نباته : لمّا جلس علىّ  ¼ فى الخلافة وبايعه الناس ، خرج إلي المسجد متعمّماً بعمامة رسول الله  ½ لابساً بردة رسول الله  ½


(١) بصائر الدرجات : ٢٩٦ / ٢ وص ٢٩٧ / ٨ .
(٢) الكافى : ١ / ٣٩٩ / ٢ ، بصائر الدرجات : ١٢ / ١ وفيه "المدينة" بدل "بيته" .
(٣) الاستيعاب : ٣ / ٢٠٦ / ١٨٧٥ ، اُسد الغابة : ٤ / ٩٥ / ٣٧٨٩ ، جامع بيان العلم : ١ / ١١٤ ; المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٣٩ .

 ٣١٣ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب العاشر : سلونى قبل أن تفقدوني

متنعّلاً نعل رسول الله  ½ متقلّداً سيف رسول الله  ½ فصعد المنبر فجلس  ¼ عليه متمكّناً ، ثمّ شبّك بين أصابعه فوضعها أسفل بَطنه ثمّ قال :

يا معشرَ الناس سلونى قبل أن تفقدونى ، هذا سفط(١) العلم ، هذا لعاب رسول الله  ½ هذا ما زقّنى رسول الله  ½ زقّاً زقّاً . سلونى فإنّ عندى علم الأوّلين والآخرين ، أما والله لو ثُنيت لى الوِسادة فجلست عليها ; لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتي تنطق التوراة فتقول : صدق علىّ ما كذَب لقد أفتاكم بما أنزل الله فىّ ، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتي ينطق الإنجيل فيقول : صدق عليّ ما كذَب لقد أفتاكم بما أنزل الله فىّ ، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتي ينطق القرآن فيقول : صدَق عليّ ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله فىّ . وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه ؟ ولولا آية فى كتاب الله لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلي يوم القيامة ، وهى هذه الآية ³ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ  ²  (٢) .

ثمّ قال : سلونى قبل أن تفقدونى ، فو الله الذى فلق الحبّة وبرأ النسَمة لو سألتمونى عن آية آية فى ليل اُنزلت أو فى نهار اُنزلت ، مكّيها ومدنيّها ، سفريّها وحضريّها ، ناسخها ومنسوخها ، محكمها ومتشابهها ، وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم .

فقام إليه رجل يقال له ذعلب وكان ذرِبَ اللسان بليغاً فى الخطب شجاع القلب فقال : لقد ارتقي ابن أبى طالب مِرقاة صعبة لاُخجلنّه اليوم لكم فى مسألتى إيّاه فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربّك ؟


(١) السَّفَطْ ، الذى يُعَبَّي فيه الطِّيب ونحوه (مجمع الحرين : ٢ / ٨٥٠) .
(٢) الرعد : ٣٩ .

 ٣١٤ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب العاشر : سلونى قبل أن تفقدوني

قال : ويلك يا ذعلب ! لم أكن بالذى أعبد ربّاً لم أره .

قال : فكيف رأيته ؟ صفه لنا .

قال : ويلك ! لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ! ويلك يا ذعلب ! إنّ ربّى لا يُوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب ، لطيف اللطافة لا يُوصف باللطف ، عظيم العظمة لا يُوصف بالعِظم ، كبير الكبرياء لا يُوصف بالكبر ، جليل الجلالة لا يُوصف بالغِلَظ . رؤوف الرحمة لا يُوصف بالرقّة . مؤمن لا بعبادة ، مدرك لا بمِجسّة ، قائل لا باللفظ ، هو فى الأشياء علي غير ممازجة ، خارج منها علي غير مباينة ، فوق كلّ شىء فلا يقال : شىء فوقه ، أمام كلّ شىء فلا يقال : له أمام ، داخل فى الأشياء لا كشىء فى شىء داخل ، وخارج منها لا كشىء من شىء خارج .

فخرّ ذعلب مغشيّاً عليه ، ثمّ قال : تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب ، والله لا عُدت إلي مثلها .

ثمّ قال : سلونى قبل أن تفقدونى ، فقام إليه الأشعث بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين ، كيف يؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبىّ ؟

قال : بلي يا أشعث قد أنزل الله عليهم كتاباً وبعث إليهم رسولاً ، حتي كان لهم ملك سَكر ذات ليلة فدعا بابنته إلي فراشه فارتكبها ، فلمّا أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلي بابه فقالوا : أيّها الملك دنّست علينا دِيننا وأهلكته فاخرج نطهّرك ونُقم عليك الحدّ .

فقال لهم : اجتمعوا واسمعوا كلامى فإن يكن لى مخرج ممّا ارتكبت وإلاّ

 ٣١٥ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب العاشر : سلونى قبل أن تفقدوني

فشأنكم . فاجتمعوا فقال لهم : هل علمتم أنّ الله لم يخلق خلقاً أكرم عليه من أبينا آدم واُمّنا حوّاء ؟

قالوا : صدقت أيّها الملك . قال : أ فليس قد زوّج بنيه من بناته وبناتَه من بنيه ؟

قالوا : صدقت هذا هو الدِّين . فتعاقدوا علي ذلك ، فمحا الله ما فى صدورهم من العلم ، ورفع عنهم الكتاب ، فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب . والمنافقون أشدّ حالاً منهم .

قال الأشعث : والله ما سمعت بمثل هذا الجواب ، والله لا عدت إلي مثلها أبداً .

ثمّ قال : سلونى قبل أن تفقدونى ، فقام إليه رجل من أقصي المسجد متوكّئاً علي عصاه ، فلم يزل يتخطّي الناس حتي دنا منه فقال : يا أمير المومنين دُلّنى علي عمل أنا إذا عملته نجّانى الله من النار .

قال له : اِسمع يا هذا ثمّ افهم ثمّ استيقن ، قامت الدنيا بثلاثة : بعالِم ناطق مستعمل لعلمه ، وبغنىّ لا يبخل بماله علي أهل دين الله ، وبفقير صابر . فإذا كتم العالم علمه وبخل الغنىّ ولم يصبر الفقير فعندها الويل والثبور ! وعندها يعرف العارفون بالله أنّ الدار قد رجعت إلي بَدئها أى الكفر بعد الإيمان . أيّها السائل فلا تغترّنَّ بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتّي . أيّها السائل ، إنّما الناس ثلاثة : زاهد وراغب وصابر ، فأمّا الزاهد فلا يفرح بشىء من الدنيا أتاه ولا يحزن علي شىء منها فاته ، وأمّا الصابر فيتمنّاها بقلبه فإن أدرك منها شيئاً صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها ، وأمّا الراغب فلا يُبالى من حِلٍّ أصابها أم من حرام .

قال له : يا أمير المؤمنين فما علامة المؤمن فى ذلك الزمان ؟

قال : ينظر إلي ما أوجب الله عليه من حقٍّ فيتولاّه ، وينظر إلي ما خالفه فيتبرّأ

 ٣١٦ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثالث : الفروع المختلفة من العلوم / الباب العاشر : سلونى قبل أن تفقدوني

منه وإن كان حميماً قريباً . قال : صدقت والله يا أمير المومنين . ثمّ غاب الرجل فلم نره فطلبه الناس فلم يجدوه . فتبسّم علىّ  ¼ علي المنبر ثمّ قال : ما لكم هذا أخى الخضر  ¼ .

ثمّ قال : سلونى قبل أن تفقدونى ، فلم يقم إليه أحد ، فحمد الله وأثني عليه وصلّي علي نبيّه  ½ ، ثمّ قال للحسن  ¼ : يا حسن قُم فاصعد المنبر فتكلّم بكلام لا تجهلك قريش من بعدى ، فيقولون : إنّ الحسن بن علىّ لا يُحسن شيئاً .

قال الحسن :  ¼ يا أبتِ كيف أصعد وأتكلّم وأنت فى الناس تسمع وتري ؟

قال له : بأبى واُمّى اُوارى نفسى عنك وأسمع وأري وأنت لا ترانى .

فصعد الحسن  ¼ المنبر فحمد الله بمحامد بليغة شريفة ، وصلّي علي النبىّ وآله صلاة موجزة ، ثمّ قال : أيّها الناس سمعت جدّى رسول الله  ½ يقول : أنا مدينة العلم وعلىّ بابها وهل تُدخل المدينةُ إلاّ من بابها ثمّ نزل .

فوثب إليه علىّ  ¼ فحمله وضمّه إلي صدره ، ثمّ قال للحسين : يا بنىّ قم فاصعد المنبر وتكلّم بكلام لا تجهلك قريش من بعدى ، فيقولون : إنّ الحسين بن علىّ لا يُبصر شيئاً ، وليكن كلامك تبعاً لكلام أخيك .

فصعد الحسين  ¼ المنبر فحمد الله وأثني عليه وصلّي علي نبيّه  ½ صلاة موجزة ، ثمّ قال : معاشر الناس سمعت جدّى رسول الله  ½ وهو يقول : إنّ عليّاً هو مدينة هدي فمَن دخلها نجا ومن تخلّف عنها هلك .

فوثب إليه علىّ فضمّه إلي صدره وقبّله ثمّ قال : معاشر الناس اشهدوا أنّهما فرخا رسول الله  ½ وديعته التى استودعنيها وأنا أستودعُكموها ، معاشر الناس ورسولُ الله  ½ سائلكم عنهما(١).


(١) التوحيد : ٣٠٥/١ ، الأمالى للصدوق : ٤٢٣ / ٥٦٠ ، الاختصاص : ٢٣٥ ، الاحتجاج : ١/٦٠٩/١٣٨ وفيه إلي "هذا أخى الخضر  ¼ " ; ينابيع المودّة : ٢ / ٣٣٧ / ٩٨٢ نحوه إلي "نهاراً" .