الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد العاشر

 

 ١٥٥ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله

وفيه أبواب :

الباب الأوّل :بدء الخلق وخلق السموات

الباب الثانى :خلق الملائكة

الباب الثالث :خلق الأرض وتأهيلها للمعيشة

الباب الرابع :خلق الإنسان

الباب الخامس :خلق الحيوانات

 

 ١٥٦ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله

 ١٥٧ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الأوّل : بدء الخلق والخلق السماوات

(١)

(١)

٥٣٤٧ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من خطبة له يصف فيها خلق العالم ـ : ثمّ أنشأ ـ سبحانه ـ فتق الأجواء وشقّ الأرجاء وسكائك(٢) الهواء . فأجري فيها


(١) (١) تكلّم الإمام علىّ  ¼ عن خلق الكون فى عدّة مواضع من نهج البلاغة . وملخّص نظريّته حول خلق الكون : إنّ أوّل الخلق كان للفضاء الذى فتقه الله من العدم ، وشقّ فيه النواحى والأرجاء وطرق الهواء . ثمّ خلق سبحانه فى هذا الفضاء سائلا كثيفاً متلاطماً ، حمله علي متن ريح قويّة عاصفة ، تلُمّه إلي بعضه ، وتحجزه عن الانتشار والاندثار . ثمّ خلق سبحانه ريحاً عقيمة من نوع آخر ، سلّطها علي ذلك السائل من جهة واحدة ، فبدأت بتصفيقه وإثارته ، حتي مخضته مخضَ السقاء ، وبعثرته فى أنحاء الفضاء كالدخان . ومن الغاز الناتج (و هو الهدروجين علي ما يظنّ) خلق الله السماوات والنجوم والكواكب ، ولا زالت الفراغات بين عناصر المجرّات مليئة بهذا الغاز . وقد تمّ تشكّل النجوم من هذا الغاز بتجمّع دقائقه فى مراكز معيّنة مشكّلة أجراماً ، وذلك عن طريق دورانها حول هذه المراكز . وبتبرّد هذا الغاز وتحوّله إلي عناصر أكثر تعقيداً تحوّلت الغازات إلي سوائل كما فى الشمس ، ثمّ تحوّلت السوائل إلي جسم صلب كما فى الأرض والكواكب السيّارة . . . (راجع تصنيف نهج البلاغة : ٧٧٧ ـ ٧٨٨) .
(٢) السُّكاك : الجوُّ ، وهو ما بين السماء والأرض (النهاية : ٢ / ٣٨٥) .

 ١٥٨ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الأوّل : بدء الخلق والخلق السماوات

ماءً متلاطماً تيّاره ، متراكماً زخّاره(١) . حمله علي متن الريح العاصفة ، والزعزع(٢) القاصفة ، فأمرها بردّه ، وسلّطها علي شدّه ، وقرنها إلي حدّه . الهواء من تحتها فتيق ، والماء من فوقها دفيق(٣) . ثمّ أنشأ سبحانه ريحاً اعتقم مهبَّها وأدام مُربَّها(٤) . وأعصف مجراها وأبعد منشاها . فأمرها بتصفيق الماء الزخّار ، وإثارة موج البحار . فمخضته(٥) مخض السقاء ، وعصفت به عصفها بالفضاء . تَردّ أولّه إلي آخره ، وساجيه(٦) إلي مائره(٧) . حتي عبَّ عبابه ، ورمي بالزَّبد رُكامه ، فرفعه فى هواء مُنفتق ، وجوّ منفهق(٨) . فسوّي منه سبع سماوات جعل سفلاهنّ موجاً مكفوفاً وعلياهنّ سقفاً محفوظاً . وسَمكاً مرفوعاً ، بغير عمد يدعمُها ، ولا دسار(٩) ينظمها . ثمّ زينها بزينة الكواكب ، وضياء الثواقب ، وأجري فيها سراجاً مُستطيراً ، وقمراً منيراً : فى فلك دائر ، وسقف سائر ، ورقيم مائر(١٠) (١١) .

٥٣٤٨ ـ عنه  ¼ ـ من خطبة له فى صفة السماء ـ : ونظَم بلا تعليق رهوات(١٢)


(١) زخر : أى مدّ وكثُر ماؤه وارتفعت أمواجه (النهاية : ٢ / ٢٩٩) .
(٢) ريحٌ زَعْزَعٌ : شديدة (لسان العرب : ٨ / ١٤٢) .
(٣) الدُّفاق : المطهر الواسع الكثير (النهاية : ٢ / ١٢٥) .
(٤) أرب الدهر : اشتدّ (لسان العرب : ١ / ٢٠٨) .
(٥) المَخْضُ : تحريك السِّقاء الذى فيه اللبن ; ليخرُج زُبْدُه (النهاية : ٤ / ٣٠٧) .
(٦) الساجى : أى الساكن (النهاية : ٢ / ٣٤٥) .
(٧) مار الشىء يمور موراً إذا جاء وذهب (النهاية : ٤ / ٣٧١) .
(٨) الفَهق هو الامتِلاء والاتّساع (النهاية : ٣ / ٤٨٢) .
(٩) الدِسار : المِسْمار وجمعه دُسُر (النهاية : ٢ / ١١٦) .
(١٠) يريد به وشى السماء بالنجوم (النهاية : ٢ / ٢٥٤) .
(١١) نهج البلاغة : الخطبة ١ ، بحار الأنوار : ٥٧ / ١٧٧ / ١٣٦ وج ٧٧ / ٣٠١ / ٧ .
(١٢) الرهوات : أى المواضع المتفتحة منها ، وهى جمع رهوة (النهاية : ٢ / ٢٨٥) .

 ١٥٩ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الأوّل : بدء الخلق والخلق السماوات

فُرجها ، ولاحم صدوع انفراجها ، ووشّج بينها وبين أزواجها ، وذلّل للهابطين بأمره والصاعدين بأعمال خلقه حُزونة(١) مِعراجها ، وناداها بعد إذ هى دُخان(٢) ، فالتحمت عُري أشراجها(٣) ، وفتق بعد الارتتاق صوامت أبوابها ، وأقام رصداً من الشهُب الثواقب علي نقابها ، وأمسكها من أن تمور فى خَرق الهواء بأيده(٤) ، وأمرها أن تقف مستسلمة لأمره ، وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها ، وقمرها آية ممحُوَّة من ليلها ، وأجراهما فى مناقل مجراهما . وقدّر سيرهما فى مدارج درجهما ; ليميّز بين الليل والنهار بهما ، وليُعلم عددُ السنين والحسابُ بمقاديرهما . ثمّ علّق فى جوّها فلكها ، وناط بها زينتها من خفيّات دراريِّها ومصابيح كواكبها ، ورمي مُسترقِى السمع بثواقب شُهبها وأجراها علي أذلال(٥) تسخيرها من ثبات ثابتها ومسير سائرها وهبوطها وصعودها ونحوسها وسعودها(٦) .


(١) الحُزُونة : الخُشونة (النهاية : ١ / ٣٨٠) .
(٢) يتصوّر علماء الفلك اليوم أنّ أوّل نشوء الكون كان نتيجة انفجار كبير شاع منه دخان مؤلّف من دقائق ناعمة ، وساد عندها فى الكون سكون وظلام دامس ، ثمّ بدأت الذرّات تتجمّع فى مناطق معيّنة مشكّلة أجراماً ، ما لبثت أن بدأت فيها التفاعلات النوويّة ، التى جعلت هذا الأجرام نجوماً مضيئة . وفى قول الإمام : "فالتحمت عري أشراجها" تشبيه لنجوم المجرّة بالحلقات المرتبطة ببعضها بوشاج الجاذبيّة والتأثير المتبادل . وبعد نشوء النجوم الملتهبة الدائرة بدأت تقذف بالحمم التى شكّلت الكواكب السيّارة كالأرض وغيرها ، وهو ما عبّر عنه الإمام  ¼ بـ "و فتق بعد الارتتاق" (تصنيف نهج البلاغة : ٧٧٩) .
(٣) أسَرَجْتُ العَيبةَ وشرَجْتُها إذا شَددْتُها بالشَّرَجِ وهى العُرَي (النهاية : ٢ / ٤٥٦) .
(٤) الأيدُ : القُوّة (النهاية : ١ / ٨٤) .
(٥) أذلال : علي وجوهِه وطرُقه ، وهو جمع ذِلٍّ (النهاية : ٢ / ١٦٦) .
(٦) نهج البلاغة : الخطبة ٩١ عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق  ¼ ، بحار الأنوار : ٥٧ / ١٠٨ / ٩٠ .

 ١٦٠ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الأوّل : بدء الخلق والخلق السماوات

٥٣٤٩ ـ عنه  ¼ ـ من خطبة له فى التوحيد ويذكر فيها خلق السماوات ـ : فمن شواهد خلقه خلق السماوات موطّدات بلا عمد ، قائمات بلا سند . دعاهنَّ فأجبن طائعات مذعنات ، غير متلكئات ولا مبطئات . ولولا إقرارهنّ له بالربوبيّة وإذعانهنّ بالطواعية لما جعلهنّ موضعاً لعرشه ، ولا مسكناً لملائكته ، ولا مَصعداً للكلم الطيّب والعمل الصالح من خلقه . جعل نجومها أعلاماً يَستدلّ بها الحيران فى مختلف فجاج الأقطار . لم يمنع ضوءَ نورها ادلهمامُ سُجف الليل المظلم ، ولا استطاعت جلابيب سواد الحنادس(١) أن تُردّ ما شاع فى السماوات من تلألُؤ نور القمر(٢) .

٥٣٥٠ ـ عنه  ¼ ـ مخاطباً الله عزّ وجلّ ـ فمن فرّغ قلبه وأعمل فكره ; ليعلم كيف أقمتَ عرشَك ، وكيف ذرأت خلقك ، وكيف علّقت فى الهواء سماواتك ، وكيف مددت علي مَور الماء أرضك ، رجع طرفه حسيراً ، وعقله مبهوراً ، وسمعه والِهاً ، وفكره حائراً(٣) .

٥٣٥١ ـ عنه  ¼ : الحمد لله الذى . . . خلق الخلق علي غير أصل ، وابتدأهم علي غير مثال ، وقهر العباد بغير أعوان ، ورفع السماء بغير عمد ، وبسط الأرض علي الهواء بغير أركان(٤) .

٥٣٥٢ ـ الإمام الرضا عن آبائه (ع) : كان علىّ بن أبى طالب  ¼ بالكوفة فى الجامع ، إذ قام إليه رجل من أهل الشام فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّى أسألك . عن


(١) حِنْدس : أى شَدِيدة الظُّلْمة (النهاية : ١ / ٤٥٠) .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ١٨٢ عن نوف البكالى ، بحار الأنوار : ٧٧ / ٣٠٨ / ١٣ .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ١٦٠ وراجع المعيار والموازنة : ٢٥٧ وجواهر المطالب : ١ / ٣٣٣ وص ٣٥١ .
(٤) الدروع الواقية : ١٨٢ .

 ١٦١ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الأوّل : بدء الخلق والخلق السماوات

أشياء .

فقال سلّ تفقّهاً ولا تسأل تعنّتاً . فأحدق الناس بأبصارهم فقال : أخبرنى عن أوّل ما خلق الله تعالي ؟ فقال  ¼ : خلق النور .

قال : فمّم خلقت السموات ؟ قال  ¼ : من بخار الماء .

قال : فمّم خلقت الأرض ؟ قال  ¼ : من زبد الماء .

قال : فمّم خلقت الجبال ؟ قال : من الأمواج(١) .

٥٣٥٣ ـ كنز العمّال عن حبّة العرنى : سمعت عليّاً  ¼ يحلف ذات يوم : والذى خلق السماء من دخان وماء(٢) .

٥٣٥٤ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى جواب رجل من أهل الشام فيما سأله عن السماء الدنيا ممّا هى ؟ قال ـ : من موج مكفوف(٣) .


(١) عيون أخبار الرضا : ١ / ٢٤١ / ١ عن أحمد بن عامر الطائى ، علل الشرائع : ٥٩٣ / ٤٤ عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائى .
(٢) كنز العمّال : ٦ / ١٧٠ / ١٥٢٣٥ نقلاً عن ابن أبى حاتم ، الدرّ المنثور : ١ / ١١٠ عن حبّة العوفى ; بحار الأنوار : ٥٨ / ١٠٤ / ٣٥ .
(٣) علل الشرائع : ٥٩٣ / ٤٤ عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائى ، عيون أخبار الرضا : ١ / ٢٤١ / ١ عن أحمد بن عامر الطائى وكلاهما عن الإمام الرضا عن آبائه (ع) ، بحار الأنوار : ١٠ / ٧٦ / ١ .

 ١٦٢ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الأوّل : بدء الخلق والخلق السماوات

 ١٦٣ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الثانى : خلق الملائكة

٥٣٥٥ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى صفة الملائكة (ع) ـ : ثمّ خلق سبحانه لإسكان سماواته ، وعمارة الصفيح الأعلي من ملكوته خلقاً بديعاً من ملائكته ، وملأ بهم فُروج فِجاجها ، وحشي بهم فتوق أجوائها . وبين فجوات تلك الفروج زَجَلُ(١) المسبحين منهم فى حظائر القدس وستُرات الحجب وسُرادقات(٢) المجد . ووراء ذلك الرجيج(٣) الذى تستكّ منه الأسماع سبحاتُ نور تردع الأبصار عن بلوغها ، فتقف خاسئة علي حدودها ، وأنشأهم علي صور مختلفات وأقدار متفاوتات . ³ أُولِي أَجْنِحَةٍ  ²  (٤) تُسبّح جلالَ عزّته لا ينتحلون ما ظهر فى الخلق من صُنعه ، ولا يدّعون أنّهم يخلقون شيئاً معه ممّا انفرد به . ³ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ  ± لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ


(١) زَجَلُ : صوت رفيع عال (النهاية : ٢/٢٩٧) .
(٢) السُّرادِق : وهو كلّ ما أحاطَ بشىء من حائط أو مضرَب أو خِبَاء (النهاية : ٢ / ٣٥٩) .
(٣) الرَّجّ : الحركةُ الشَّديدَةُ (النهاية : ٢ / ١٩٧) .
(٤) فاطر : ١ .

 ١٦٤ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الثانى : خلق الملائكة

وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ  ²  (١) .

جعلهم الله فيما هنالك أهل الأمانة علي وحيه ، وحملهم إلي المرسلين ودائع أمره ونهيه ، وعصمهم من ريب الشبهات ، فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته . وأمدّهم بفوائد المعونة ، وأشعر قلوبهم تواضع إخبات السكينة ، وفتح لهم أبواباً ذُللاً إلي تماجيده . ونصب لهم مناراً واضحة علي أعلام توحيده . لم تُثقلهم موصِراتُ(٢) الآثام ، ولم ترتحلهم عُقب الليالى والأيّام ، ولم ترمِ الشكوك بنوازعها عزيمةَ إيمانهم ، ولم تعترك الظنون علي معاقد يقينهم ، ولا قدحت قادحة الإحن(٣) فيما بينهم ، ولا سلبتهم الحَيرة ما لاق من معرفته بضمائرهم ، وما سكن من عظمته وهيبة جلالته فى أثناء صدورهم ، ولم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها علي فكرهم ، ومنهم من هو فى خلق الغمام الدُّلَّح(٤) ، وفى عظم الجبال الشمَّخ ، وفى قترة(٥) الظلام الأيهم(٦) ، ومنهم من قد خرقت أقدامهم تخوم الأرض السفلي ، فهى كرايات بيض قد نفذت فى مخارق الهواء ، وتحتها ريح هفافة(٧) تحبسها علي حيث انتهت من الحدود المتناهيّة ، قد استفرغتهم أشغال عبادته ، ووصلت حقائق الإيمان بينهم وبين معرفته ، وقطعهم الإيقان به إلي الوَلَه


(١) الأنبياء : ٢٦ و٢٧ .
(٢) يقال للثقلِ إصر ; لأنّه يَأصِرُ صاحِبه من الحرَكة لثقله (مجمع البحرين : ١/٥٠٠) .
(٣) الإحْنَةُ : الحقد ، وجمعها إحَن إحَنَاتٌ (النهاية : ١ / ٢٧) .
(٤) الدَّلح : أن يَمشى بالحمل وقد أثقلَه (النهاية : ٢ / ١٢٩) .
(٥) القترة : غَبرَة يعلوها سواد كالدخان (لسان العرب : ٥ / ٧١) .
(٦) الأيهم : البلد الذى لا عَلَمَ به . واليهمَاء : الفَلاةُ التى لا يُهتَدي لِطُرقِها ، ولا ماء فيها ولا عَلَمَ بِها (النهاية : ٥ / ٣٠٤) .
(٧) هفّافة : سريعة المرور فى هُبُوبها (النهاية : ٥ / ٢٦٦) .

 ١٦٥ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الثانى : خلق الملائكة

إليه ، ولم تُجاوز رغباتهم ما عنده إلي ما عند غيره .

قد ذاقوا حلاوة معرفته ، وشربوا بالكأس الرويّة من محبته ، وتمكنت من سُويداء قلوبهم وشيجة خيفته ، فحَنوا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم ، ولم يُنفد طول الرغبة إليه مادّة تضرعهم ، ولا أطلق عنهم عظيم الزلفة رِبَق(١) خشوعهم ، ولم يتولّهم الإعجاب فيستكثروا ما سلف منهم ، ولا تركت لهم استكانة الإجلال نصيباً فى تعظيم حسناتهم . ولم تجرِ الفترات فيهم علي طول دُؤوبهم ، ولم تغض(٢) رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربّهم ، ولم تجفَّ لطول المناجاة أسلات(٣) ألسنتهم ، ولا ملكتهم الأشغال فتنقطع بهمس الجُؤار(٤) إليه أصواتهم ، ولم تختلف فى مَقاوم الطاعة مناكبهم ، ولم يثنوا إلي راحة التقصير فى أمره رقابهم ، ولا تعدُو علي عزيمة جدّهم بلادة الغفلات ، ولا تنتضِلُ(٥) فى هممهم خدائع الشهوات .

قد اتخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم ، ويمَّموه عند انقطاع الخلق إلي المخلوقين برغبتهم ، لا يقطعون أمد غاية عبادته ، ولا يرجع بهم الاستهتار(٦) بلزوم طاعته ، إلاّ إلي موادّ من قلوبهم غير منقطعة من رجائه ومخافته ، لم تنقطع أسباب الشفقة منهم ، فينوا(٧) فى جدّهم ، ولم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك


(١) الربقة : عروة فى حَبل تجعل فى عنق البهيمة أو يَدِها تُمسِكها ، وتجمع الرِّبقة علي رِبَق (النهاية : ٢ / ١٩٠) .
(٢) غاضَ الماء يَغيض : نقَص أو غارَ فنهبَ (لسان العرب : ٧ / ٢٠١) .
(٣) جمع أسَلَة وهى طرف اللسان (النهاية : ١ / ٤٩) .
(٤) الجؤار : رَفْع الصَّوت والاستِغاثة ، جأر : يَجْأر (النهاية : ١ / ٢٣٢) .
(٥) نَضِلَ البصير والرجُل نَضلاً : هزُل وأعيي وأنضلَه هو (لسان العرب : ١١ / ٦٦٦) .
(٦) مُستهتَر : أى مُولَع به لا يَتَحدث بغيره ، ولا يَفعل غَيره (النهاية : ٥ / ٢٤٣) .
(٧) أى يَفتُروا فى عَزمِهم واجتهادِهِم (النهاية : ٥ / ٢٣١) .

 ١٦٦ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الثانى : خلق الملائكة

السعى علي اجتهادهم . لم يستعظموا ما مضي من أعمالهم ، ولو استعظموا ذلك لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم ، ولم يختلفوا فى ربّهم باستحواذ الشيطان عليهم . ولم يفرّقهم سوء التقاطع ، ولا تولاّهم غِلّ التحاسد ، ولا تشعّبتهم مصارف الريب ، ولا اقتسمتهم أخياف الهمم ، فهم اُسراء إيمان لم يُفكّهم من ربقته زَيغ ولا عدول ولا ونًي ولا فتور . وليس فى أطباق السماء موضع إهاب إلاّ وعليه ملك ساجد ، أو ساع حافد(١) ، يزدادون علي طول الطاعة بربّهم علماً ، وتزداد عزّة ربّهم فى قلوبهم عِظماً(٢) .

٥٣٥٦ ـ عنه  ¼ ـ فى خَلق الملائكة ـ : ثمّ فتق ما بين السماوات العُلا ، فملأهنّ أطواراً من ملائكته ، منهم سجود لا يركعون ، وركوع لا ينتصبون ، وصافّون لا يتزايلون ، ومسبِّحون لا يسأمون ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، ولا غفلة النسيان . ومنهم اُمناء علي وحيه ، وألسنة إلي رسله ، ومختلفون بقضائه وأمره ، ومنهم الحفظة لعباده ، والسدنة لأبواب جنانه . ومنهم الثابتة فى الأرضين السفلي أقدامهم ، والمارقة من السماء العليا أعناقهم ، والخارجة من الأقطار أركانهم ، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم . ناكسةٌ دونه أبصارهم ، مُتلفّعون تحته بأجنحتهم ، مضروبة بينهم وبين مَن دونهم حجب العزّة ، وأستار القدرة . لا يتوهّمون ربّهم بالتصوير ، ولا يُجرون عليه صفات المصنوعين ، ولا يَحدّونه بالأماكن ، ولا يشيرون إليه بالنظائر(٣) .

٥٣٥٧ ـ عنه  ¼ ـ أيضاً ، مخاطباً الله عزّ وجلّ ـ : وملائكة خلقتهم وأسكنتهم


(١) نَحفِد : أى نُسرع فى العمل والخِدمة (النهاية : ١ / ٤٠٦) .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٩١ عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق  ¼ ، بحار الأنوار : ٥٧ / ١٠٩ / ٩٠ .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ١ ، بحار الأنوار : ٥٧ / ١٧٧ / ١٣٦ .

 ١٦٧ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الثانى : خلق الملائكة

سماواتك فليس فيهم فترة ولا عندهم غفلة ولا فيهم معصية ، هم أعلم خلقك بك ، وأخوف خلقك منك ، وأقرب خلقك إليك وأعلمهم بطاعتك ، ولا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول ولا فترة الأبدان ، لم يسكنوا الأصلاب ولم تتضمّنهم الأرحام ولم تخلقهم من ماء مهين ، انشأتهم إنشاءً فأسكنتهم سماواتك وأكرمتهم بجوارك وائتمنتهم علي وحيك ، وجنّبتهم الآفات ووقيتهم البليّات وطهّرتهم من الذنوب ، ولولا قوّتك لم يقووا ، ولولا تثبيتك لم يثبتوا ، ولولا رحمتك لم يطيعوا(١) .

٥٣٥٨ ـ عنه  ¼ ـ أيضاً ـ : من ملائكة أسكنتَهم سماواتِك ، ورفعتهم عن أرضك ، هم أعلم خلقك بك ، وأخوفهم لك ، وأقربهم منك . لم يسكنوا الأصلاب ، ولم يُضمَّنوا الأرحام ، ولم يُخلقوا من ³ مَّاءٍ مَّهِينٍ  ²  ، ولم يتشعّبهم ³ رَيْبَ الْمَنُونِ  ²  . وإنّهم علي مكانهم منك ، ومنزلتهم عندك ، واستجماع أهوائهم فيك ، وكثرة طاعتهم لك ، وقلّة غفلتهم عن أمرك ، لو عاينوا كُنه ما خفى عليهم منك لحقّروا أعمالهم ، ولَزَرَوا(٢) علي أنفسهم ، ولعرفوا أنّهم لم يعبدوك حقّ عبادتك ، ولم يُطيعوك حقّ طاعتك . سبحانك خالقاً ومعبوداً !(٣)


(١) تفسير القمّى : ٢ / ٢٠٧ ، بحار الأنوار : ٥٩ / ١٧٥ / ٦ .
(٢) الازدِرَاء : الاحتِقارُ والانتِقاصُ والعيبُ (النهاية : ٢ / ٣٠٢) .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ١٠٩ .

 ١٦٨ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الثانى : خلق الملائكة

 ١٦٩ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الثالث : خلق الأرض وتأهيلها للمعيشة

٥٣٥٩ ـ الإمام علىّ  ¼ : أنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال . وأرساها علي غير قرار ، وأقامها بغير قوائم ، ورفعها بغير دعائم ، وحصَّنها من الأود(١) والاعوجاج ، ومنعها من التهافت والانفراج . أرسي أوتادها ، وضرب أسدادها(٢) ، واستفاض عيونها ، وخدَّ أوديتها ، فلم يهن ما بناه ، ولا ضعف ما قوّاه . هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته ، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته ، والعالى علي كلّ شىء منها بجلاله وعزّته . لا يُعجزه شىء منها طلبه ، ولا يمتنع عليه فيغلبه ، ولا يفوته السريع منها فيسبقه ، ولا يحتاج إلي ذى مال فيرزقه . خضعت الأشياء له ، وذلّت مستكينة لعظمته ، لا تستطيع الهرب من سلطانه إلي غيره فتمتنع من نفعه وضرّه ، ولا كُفءَ له فيكافئه ، ولا نظير له فيساويه . هو المفنى لها


(١) الأوَدُ : العِوَج (النهاية : ١ / ٧٩) .
(٢) السُّد بالفتح والضم : الجبل والرَّدم (النهاية : ٢ / ٣٥٣) .

 ١٧٠ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الثالث : خلق الأرض وتأهيلها للمعيشة

بعد وجودها ، حتي يصير موجودها كمفقودها . وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها(١) .

٥٣٦٠ ـ عنه  ¼ ـ فى صفة الأرض ودحوها علي الماء ـ : كبس الأرض علي مور أمواج مستفحلة . ولُجج بحار زاخرة . تلتطم أواذىُّ أمواجها وتصطفق متقاذفات أثباجها(٢) ، وترغو زبداً كالفحول عند هياجها ، فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها ، وسكن هَيج ارتمائه إذ وطِئته بكلكلها ، وذلّ مُستخذياً إذ تمعّكت(٣) عليه بكواهلها ، فأصبح بعد اصطخاب أمواجه ساجياً مقهوراً ، وفى حكمة الذلِّ منقاداً أسيراً ، وسكنت الأرض مدحُوّة فى لُجّة تيّاره ، وردّت من نخوة بَأوِهِ(٤) واعتلائه ، وشموخ أنفه وسمّو غُلوائه ، وكعمته(٥) علي كظّة جريته ، فهمد بعد نزقاته ، ولبد(٦) بعد زيفان(٧) وثباته .

فلمّا سكن هَيجُ الماء من تحت أكنافها ، وحمل شواهق الجبال الشمّخ البذَّخ علي أكتافها ، فجّر ينابيع العيون من عرانين(٨) اُنوفها ، وفرّقها فى سهوب(٩) بِيدها


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٨٦ ، الاحتجاج : ١ / ٤٧٧ / ١١٦ ، بحار الأنوار : ٤ / ٢٥٥ / ٨ .
(٢) الثَّبَج : ما بين الكاهل إلي الظهر (النهاية : ١ / ٢٠٦) .
(٣) تمعَّك : أى تَمرّغ فى ترابِه (النهاية : ٤ / ٣٤٣) .
(٤) البأو : الكِبر والتعظيم (النهاية : ١ / ٩١) .
(٥) كَعم : أن يَلثَم الرجلُ صاحِبه ، ويَضع فَمه علي فَمِه كالتقبيل ، اُخِذ من كَعم البعير ; وهو أن يُشَدّ فَمُه إذا هاج (النهاية : ٤ / ١٨٠) .
(٦) لبَد بالمكان : أقام به ولَزِق فهو مُلبِدٌ به (لسان العرب : ٣ / ٣٨٥) .
(٧) الزَّيَفان : التَّبختُر فى المَشى ، من زافَ البعير يَزيف إذا تَبَختر (النهاية : ٢ / ٣٢٥) .
(٨) العِرنين : الأنف . وقيل : رَأسه ، وجمعه عَرانَين (النهاية : ٣ / ٢٢٣) .
(٩) السَّهْب : وهى الأرضُ الواسعةُ (النهاية : ٢ / ٤٢٨) .

 ١٧١ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الثالث : خلق الأرض وتأهيلها للمعيشة

وأخاديدها ، وعدّل حركاتها بالراسيات من جلاميدها وذوات الشناخيب(١) الشمّ من صياخيدها(٢) ، فسكنت من الميدان لرسوب الجبال فى قطع أديمها ، وتغلغلها متسرّبة فى جَوبات(٣) خياشيمها ، وركوبها أعناق سهول الأرضين وجراثيمها(٤) ، وفسح بين الجوِّ وبينها ، وأعدّ الهواء متنسَّماً لساكنها ، وأخرج إليها أهلها علي تمام مرافقها ، ثمّ لم يدع جُرُز الأرض التى تقصر مياه العيون عن روابيها ، ولا تجد جداول الأنهار ذريعة إلي بلوغها ، حتي أنشأ لها ناشئة سحاب تحيى مواتها وتستخرج نباتها .

ألّف غمامها بعد افتراق لُمعه وتباين قَزَعِه(٥) ، حتي إذا تمخّضت لُجّة المزن فيه ، والتمع برقه فى كُفَفه ، ولم ينم وميضه فى كنهور(٦) ربابه(٧) ومتراكم سحابه ، أرسله سحّاً مُتداركاً ، قد أسفّ هيدبُه(٨) ، تمريه(٩) الجنوب درر أهاضيبه ودفع شآبيبه . فلمّا ألقت السحاب بَركَ بوانيها(١٠) ، وبعاع(١١) ما استقلّت به من العبء


(١) رُؤوس الجِبال العاليةِ ، واحدها شُنخوب (النهاية : ٢ / ٥٠٤) .
(٢) جمع صَيخود ، وهى الصخرة الشديدة (النهاية : ٣ / ١٤) .
(٣) الجَوْبَة : هى الحفرة المستَديرة الواسعة (النهاية : ١ / ٣١٠) .
(٤) الجراثيم : أماكن مرتفِعة عن الأرض مجتَمِعة من تراب أو طين (النهاية : ١ / ٢٥٤) .
(٥) قزع : أى قِطعة من الغَيم وجَمعها : قَزَعٌ (النهاية : ٤ / ٥٩) .
(٦) الكَنهور : العَظيم من السحاب (النهاية : ٤ / ٢٠٦) .
(٧) الرَّباب : الأبيض منه (النهاية : ٤ / ٢٠٦) أى من السحاب .
(٨) الهَيدَب : سَحابٌ يَقْرُبُ من الأرض ، كأنّه مُتَدَلٍّ (لسان العرب : ١ / ٧٨٠) .
(٩) تمريه : من مَرَى الضرعَ يَمرِيه (النهاية : ٤ / ٣٢٢) .
(١٠) بواينها : ما فيها من المطر (النهاية : ١ / ١٦٤) .
(١١) البَعاع : شِدّة المطَر (النهاية : ١ / ١٤٠) .

 ١٧٢ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الثالث : خلق الأرض وتأهيلها للمعيشة

المحمول عليها ، أخرج به من هوامد الأرض النبات ، ومن زُعر(١) الجبال الأعشاب ، فهى تبهج بزينة رياضها ، وتزدهى بما اُلبسته من رَيط(٢) أزاهيرها ، وحلية ما سُمطت به من ناضر أنوارها ، وجعل ذلك بلاغاً للأنام ورزقاً للأنعام وخرق الفجاج فى آفاقها ، وأقام المنار للسالكين علي جوادِّ طرقها .

فلمّا مهّد أرضه وأنفذ أمره ، اختار آدم  ¼ خِيرةً من خلقه ، وجعله أوّل جبلّته ، وأسكنه جنّته وأرغد فيها أكله ، وأوعز إليه فيما نهاه عنه ، وأعلمه أنّ فى الإقدام عليه التعرّض لمعصيته والمخاطرة بمنزلته ، فأقدم علي ما نهاه عنه ـ موافاةً لسابق علمه ـ فأهبطه بعد التوبة ليعمُر أرضه بنسله ، وليُقيم الحجّة به علي عباده ، ولم يخُلهم بعد أن قبضه ، ممّا يؤكّد عليهم حجّة رُبوبيّته ، ويصل بينهم وبين معرفته ، بل تعاهدهم بالحُجج علي ألسُن الخِيرة من أنبيائه ، ومتحمِّلى ودائع رسالاته ، قر ناً فقرناً حتي تمّت بنبيّنا محمّد  ½ حجّته ، وبلغ المقطعَ عُذرُه ونذرُه .

وقدّر الأرزاق فكثّرها وقلّلها . وقسّمها علي الضيق والسعة فعدل فيها ليبتلِىَ من أراد بميسورها ومعسورها ، وليختبر بذلك الشكر والصبر من غنيّها وفقيرها . ثمّ قرن بسعتها عقابيل(٣) فاقتها ، وبسلامتها طوارق آفاتها ، وبفُرج أفراحها غُصص أتراحها .

وخلق الآجال فأطالها وقصّرها ، وقدّمها وأخّرها ، ووصل بالموت أسبابها ،


(١) الزعر : قليلة النبات (النهاية : ٢ / ٣٠٣) .
(٢) رَيط : جمع رَيطة : كلّ ثوب رقيق لَيّن (النهاية : ٢ / ٢٨٩) .
(٣) العقابيل : بقايا المرض وغيره ، واحدها عُقبُول (النهاية : ٣ / ٢٦٩) .

 ١٧٣ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الثالث : خلق الأرض وتأهيلها للمعيشة

وجعله خالجاً(١) لأشطانها(٢) وقاطعاً لمرائر أقرانها . عالم السرِّ من ضمائر المضمرين ، ونجوي المتخافتين ، وخواطر رجم الظنون ، وعُقد عزيمات اليقين ، ومسارق إيماض الجفون ، وما ضمنته أكنان القلوب وغيابات الغيوب ، وما أصغت لاستراقه مصائخ الأسماع ، ومصائف الذرِّ ومشاتى الهوامِّ ، ورجع الحنين من المولهات وهَمس الأقدام ، ومُنفسح الثمرة من ولائج غُلف الأكمام ، ومُنقمع الوحوش من غيران الجبال وأوديتها . ومُختبإ البعوض بين سوق الأشجار وألحيتها ، ومغرز الأوراق من الأفنان ، ومحطّ الأمشاج من مسارب الأصلاب ، وناشئة الغيوم ومتلاحمها . ودُرور قطر السحاب فى متراكمها ، وما تسفى الأعاصير بذُيولها ، وتعفو الأمطار بسيولها ، وعوم بنات الأرض فى كُثبان الرمال ، ومستقرّ ذوات الأجنحة بذرا شناخيب الجبال ، وتغريد ذوات المنطق فى دياجير الأوكار ، وما أوعبته الأصداف ، وحضنت عليه أمواج البحار ، وما غشيته سُدفة(٣) ليل أو ذرّ عليه شارق نهار ، وما اعتقبت عليه أطباق الدياجير وسبحات النور ، وأثر كلّ خطوة ، وحسّ كلّ حركة ، ورجع كلّ كلمة ، وتحريك كلّ شَفة ، ومستقرّ كلّ نَسمة ، ومثقال كلّ ذرّة ، وهماهم كلّ نفس هامّة ، وما عليها من ثمر شجرة ، أو ساقط ورقة ، أو قرارة نُطفة ، أو نُقاعة دم ومضغة ، أو ناشئة خلق وسُلالة ، لم يلحقه فى ذلك كُلفة ، ولا اعترضته فى حفظ ما ابتدع من خلقه عارضة ، ولا اعتورته فى تنفيذ الاُمور وتدابير المخلوقين ملالة ولا فترة ، بل


(١) الخالجُ : المُسرِع فى الأخذِ (النهاية : ٢ / ٤٧٥) .
(٢) الشَّطن : الحبل وقيل : هو الطَّويلُ منه ، وإنما شدَّه بشطنين لقُوّته وشدَّته . فاستعار الأشطان للحياة لامتِدادِها وطولِها (النهاية : ٢ / ٤٧٥) .
(٣) السُّدْفة : من الأضداد تقع علي الضياء والظلمة ، ومنهم من يجعلها اختِلاط الضوء والظلمة معاً ، لوقت ما بين طلوع الفجر والإسفارِ (النهاية : ٢ / ٣٥٤) .

 ١٧٤ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الثالث : خلق الأرض وتأهيلها للمعيشة

نفذهم علمه ، وأحصاهم عدده ، ووسعهم عدله ، وغمرهم فضله مع تقصيرهم عن كُنه ما هو أهله .

اللهمّ أنت أهل الوصف الجميل والتعداد الكثير ، إن تؤمّل فخير مأمول وإن تُرجَ فخير مرجوٍّ . اللهمّ وقد بسطتَ لى فيما لا أمدح به غيرك ، ولا اُثنى به علي أحد سواك ، ولا اُوجِّهه إلي معادن الخيبة ومواضع الريبة ، وعدلت بلسانى عن مدائح الآدميين ، والثناء علي المربوبين المخلوقين .

اللهمّ ولكلّ مُثن علي من أثني عليه مثوبة من جزاء أو عارفة من عطاء ، وقد رجوتك دليلاً علي ذخائر الرحمة وكنوز المغفرة . اللهمّ وهذا مقام من أفردك بالتوحيد الذى هو لك ، ولم يرَ مستحقّاً لهذه المحامد والممادح غيرك ، وبى فاقة إليك لا يجبر مَسكنتها إلاّ فضلك ، ولا ينعش من خلّتها إلاّ مَنُّك وجودك ، فهب لنا فى هذا المقام رضاك، وأغننا عن مدّ الأيدى إلي سواك، إنّك علي كلّ شىء قدير(١).

٥٣٦١ ـ عنه  ¼ : ألا وإنّ الأرض التى تُقلّكم والسماء التى تُظلكم مطيعتان لربّكم ، وما أصبحتا تجودان لكم ببركتهما توجّعاً لكم ولا زُلفة إليكم ، ولا لخير ترجوانه منكم ، ولكن اُمرتا بمنافعكم فأطاعتا ، واُقيمتا علي حدود مصالحكم فقامتا(٢) .

٥٣٦٢ ـ عنه  ¼ : وكان من اقتدار جبروته ، وبديع لطائف صنعته أن جعل من ماء البحر الزاخر المتراكم المتقاصف يَبساً جامداً ، ثمّ فطر منه أطباقاً ففتقها سبع سماوات بعد ارتتاقها ، فاستمسكت بأمره ، وقامت علي حدّه . وأرسي أرضاً يحملها الأخضر المُثعنجر(٣) والقَمقام المسخّر ، قد ذلّ لأمره ، وأذعن لهيبته ،


(١) نهج البلاغة : الخطبة ٩١ عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق  ¼ ، بحار الأنوار : ٥٧ / ١١١ / ٩٠ .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ١٤٣ ، بحار الأنوار : ٩١ / ٣١٢ / ٣ .
(٣) ثعجرَ : هو أكثر موضع فى البحر ماءً . والميم والنون زائدتان (النهاية : ١ / ٢١٢) .

 ١٧٥ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الثالث : خلق الأرض وتأهيلها للمعيشة

ووقف الجارى منه لخشيته . وجبل جلاميدها ونُشوز متونها وأطوادها ، فأرساها فى مراسيها ، وألزمها قراراتها فمضت رؤوسها فى الهواء ، ورست اُصولها فى الماء ، فأنهد جبالها عن سهولها ، وأساخ قواعدها فى مُتون أقطارها ومواضع أنصابها ، فأشهق قلالها ، وأطال أنشازها ، وجعلها للأرض عماداً ، وأرَّزها فيها أوتاداً ، فسكنت علي حركتها من أن تميد بأهلها أو تسيخ بحملها أو تزول عن مواضعها . فسبحان من أمسكها بعد موجان مياهها ، وأجمدها بعد رطوبة أكنافها ! فجعلها لخلقه مهاداً ، وبسطها لهم فراشاً فوق بحر لُجّىٍّ راكد لا يجرى ، وقائم لا يسرى ، تُكركره الرياح العواصف ، وتمخضه الغمام الذوارف ³ إِنَّ فِي ذَٰ لِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ  ²  (١) (٢) .

٥٣٦٣ ـ عنه  ¼ : الحمد لله الذى سدّ الهواء بالسماء ، ودحا الأرض علي الماء(٣) .

٥٣٦٤ ـ عنه  ¼ : فطر الخلائق بقدرته ، ونشر الرياح برحمته ، ووتّد بالصخور ميدان أرضه(٤) .

٥٣٦٥ ـ عنه  ¼ ـ مخاطباً الله عزّ وجلّ ـ : أنت الذى فى السماء عظمتك ، وفى الأرض قدرتك وعجائبك(٥) .

٥٣٦٦ ـ عنه  ¼ ـ فى الدعاء ـ : سبحانك ما أعظم شأنك ، وأعلي مكانك ، وأنطق بالصدق برهانك ، وأنفذ أمرك ، وأحسن تقديرك ! سمكت السماء فرفعتها ،


(١) النازعات : ٢٦ .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٢١١ ، بحار الأنوار : ٥٧ / ٣٨ / ١٥ .
(٣) الدروع الواقية : ١٨٧ ، بحار الأنوار : ٩٧ / ١٩٤ .
(٤) نهج البلاغة : الخطبة ١ ، الاحتجاج : ١ / ٤٧٣ / ١١٣ ، بحار الأنوار : ٤ / ٢٤٧ / ٥ .
(٥) الدروع الواقية : ٢٠٢ ، بحار الأنوار : ٩٧ / ٢٠٢ .

 ١٧٦ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الثالث : خلق الأرض وتأهيلها للمعيشة

ومهّدت الأرض ففرشتها ، وأخرجت منها ماءً ثجّاجاً ، ونباتاً رجراجاً(١) ، فسبّحك نباتها ، وجرت بأمرك مياهها ، وقاما علي مستقرّ المشيّة كما أمرتهما(٢) .

٥٣٦٧ ـ عنه  ¼ : الحمد لله الذى لا مقنوط من رحمته ، ولا مخلوّ من نعمته ، ولا مؤيس من روحه ، ولا مستنكف عن عبادته الذى بكلمته قامت السماوات السبع ، واستقرّت الأرض المهاد ، وثبتت الجبال الرواسى ، وجرت الرياح اللواقح ، وسار فى جوّ السماء السحاب ، وقامت علي حدودها البحار(٣) .

٥٣٦٨ ـ عنه  ¼ : السحاب غربال المطر ، لولا ذلك لأفسد كلّ شىء وقع عليه(٤) .

٥٣٦٩ ـ تفسير القمّى : نظر أمير المؤمنين  ¼ فى رجوعه من صفّين إلي المقابر فقال : هذه كفات الأموات ; أى مساكنهم ، ثمّ نظر إلي بيوت الكوفة فقال : هذه كفات الأحياء ، ثمّ تلا قوله : ³ أَ لَمْ نَجْعَلِ الاَْرْضَ كِفَاتًا  ± أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا  ²  (٥) (٦) .

٥٣٧٠ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى دعائه ـ : اللهمّ ربّ السقف المرفوع . . . وربّ هذه الأرض التى جعلتها قراراً للأنام ، ومدرجاً للهوامّ والأنعام ، وما لا يحصي ممّا يري وما لا يري(٧) .


(١) الرجرَجَة : الاضطراب ، ورجَّه : حرَّكه (لسان العرب : ٢ / ٢٨١) .
(٢) البلد الأمين : ٩٤ ، بحار الأنوار : ٩٠ / ١٤١ / ٧ .
(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥١٤ / ١٤٨٢ ، مصباح المتهجّد : ٦٥٩ / ٧٢٨ عن عبد الله الأزدى وفيه "و قرّت الأرضون السبع" بدل "و استقرّت الأرض المهاد" .
(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥٢٥ / ١٤٩٥ ، قرب الإسناد : ١٣٦ / ٤٧٩ عن أبى البخترى عن الإمام الصادق عن أبيه عنه (ع) ، بحار الأنوار : ٥٩ / ٣٧٣ / ٥ .
(٥) المرسلات : ٢٥ و٢٦ .
(٦) تفسير القمّى : ٢ / ٤٠٠ ، بحار الأنوار : ٨٢ / ٣٤ / ٢٢ .
(٧) نهج البلاغة : الخطبة ١٧١ ، وقعة صفّين : ٢٣٢ عن زيد بن وهب وليس فيه "و مدرجاً" ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٤٦٢ / ٤٠٢ .

 ١٧٧ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الرابع : خلق الانسان

٤ / ١

آدم أبو البشر

٥٣٧١ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى صفة خلق آدم  ¼ ـ : ثمّ جمع سبحانه من حَزن الأرض وسهلها ، وعذبها وسبخها ، تربةً سنّها بالماء حتي خَلصت ، ولاطها بالبلّة حتي لزبت(١) ، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول وأعضاء وفصول ، أجمدها حتي استمسكت ، وأصلدها حتي صلصلت ، لوقت معدود وأمد معلوم ; ثمّ نفخ فيها من روحه فمثُلت إنساناً ذا أذهان يُجيلها ، وفكر يتصرّف بها ، وجوارح يختدمها ، وأدوات يُقلّبها ، ومعرفة يَفرق بها بين الحقّ والباطل والأذواق والمشامّ والألوان والأجناس ، معجوناً بطينة الألوان المختلفة ، والأشباه المؤتلفة ،


(١) أى لَصِقت ولَزِمَت (النهاية : ٤ / ٢٤٨) .

 ١٧٨ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الرابع : خلق الانسان / آدم أبو البشر

والأضداد المتعادية ، والأخلاط المتباينة من الحرّ والبرد والبلّة والجمود .

واستأدي اللهُ سبحانه الملائكةَ وديعته لديهم ، وعهد وصيّته إليهم فى الاذعان بالسجود له والخنوع لتكرمته ، فقال سبحانه : ³ اسْجُدُوا لأَِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ  ²  (١) اعترته الحميّة وغلبت عليه الشِّقوة وتعزّز بخلقة النار واستهون خلق الصلصال ، فأعطاه الله النظرة استحقاقاً للسخطة واستتماماً للبليّة وإنجازاً للعدّة ، فقال : ³ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ  ± إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ  ²  (٢) ثمّ أسكن سبحانه آدم داراً أرغد فيها عيشه ، وآمن فيها محلّته ، وحذّره إبليس وعداوته . فاغترّه عدوُّه نفاسةً عليه بدار المُقام ومرافقة الأبرار ، فباع اليقين بشكّه والعزيمة بوهنه ، واستبدل بالجذل وجَلاً وبالاغترار ندماً . ثمّ بسط الله سبحانه له فى توبته ولقّاه كلمة رحمته ، ووعده المردّ إلي جنّته . وأهبطه إلي دار البليّة ، وتناسل الذريّة(٣) .

٥٣٧٢ ـ عنه  ¼ : فلمّا مهّد أرضه وأنفذ أمره ، اختار آدم  ¼ خِيَرة من خلقه ، وجعله أوّل جبلّته وأسكنه جنّته وأرغد فيها أكله ، وأوعز إليه فيما نهاه عنه . وأعلمه أنّ فى الإقدام عليه التعرّض لمعصيته والمخاطرة بمنزلته ، فأقدم علي ما نهاه عنه ـ موافاةً لسابق علمه ـ فأهبطه بعد التوبة ; ليعمُر أرضه بنسله وليقيم الحجّة به علي عباده(٤) .

٥٣٧٣ ـ عنه  ¼ ـ فى صفة خلق آدم من طين ـ : ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور


(١) البقرة : ٣٤.
(٢) الحِجر : ٣٧ و٣٨ .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ١ ، بحار الأنوار : ١١ / ١٢٢ / ٥٦ ; جواهر المطالب : ٢ / ١٦١ / ١٣٧ وفيه إلي "الجمود" .
(٤) نهج البلاغة : الخطبة ٩١ عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق  ¼ ، بحار الأنوار : ٥٧ / ١١٢ / ٩٠ .

 ١٧٩ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الرابع : خلق الانسان / ذرّية آدم

يخطف الأبصار ضياؤه ، ويبهر العقول رُواؤه ، وطيب يأخذ الأنفاس عَرفُه لفعل . ولو فعل لظلّت له الأعناق خاضعة ، ولخفّت البلوي فيه علي الملائكة . ولكنّ الله سبحانه يبتلى خلقه ببعض ما يجهلون أصله تمييزاً بالاختبار لهم ونفياً للاستكبار عنهم ، وإبعاداً للخيلاء منهم(١) .

٤ / ٢

ذرّية آدم

٥٣٧٤ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من خطبة يصف فيها خلقة الإنسان ـ : أم هذا الذى أنشأه فى ظلمات الأرحام ، وشغف الأستار نطفةً دهاقاً . . . ثمّ منحه قلباً حافظاً ، ولساناً لافظاً ، وبصراً لاحظاً ; ليفهم معتبراً ، ويُقصّر مزدجراً ، حتي إذا قام اعتداله ، واستوي مثاله ، نفر مستكبراً(٢) .

٥٣٧٥ ـ عنه  ¼ : أيّها المخلوق السوىّ ، والمُنشأ المرعىّ فى ظلمات الأرحام ، ومضاعفات الأستار ، بُدئت من سُلالة من طين ، ووضعت فى قرار مكين إلي قدر معلوم ، وأجل مقسوم ، تَمور فى بطن اُمّك جنيناً لا تُحير دعاءً ، ولا تسمع نداءً .

ثمّ اُخرجت من مقرّك إلي دار لم تشهدها ، ولم تعرف سبل منافعها ، فمَن هداك لاجترار الغذاء من ثدى اُمّك ، وعرّفك عند الحاجة مواضع طلبك وإرادتك ؟(٣)

٥٣٧٦ ـ عنه  ¼ : عالم السرّ من ضمائر المضمرين . . . ومحطّ الأمشاج من


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٩٢ ، بحار الأنوار : ١٤ / ٤٦٥ / ٣٧ .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٨٣ ، بحار الأنوار : ٦٠ / ٣٤٩ / ٣٥ .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ١٦٣ ، بحار الأنوار : ٦٠ / ٣٤٧ / ٣٤ .

 ١٨٠ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الرابع : خلق الانسان / ذرّية آدم

مسارب(١) الأصلاب(٢) .

٥٣٧٧ ـ عنه  ¼ ـ فى قوله تعالي : ³ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَ فَلاَ تُبْصِرُونَ  ²  (٣) قال ـ : سبيل الغائط والبول(٤) .


(١) وفى نسخة : "مشارب" .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٩١ عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق  ¼ ، بحار الأنوار : ٥٧ / ١١٣ / ٩٠ ; النهاية فى غريب الحديث : ٤ / ٣٣٣ وفيه ذيله .
(٣) الذاريات : ٢١ .
(٤) فضيلة الشكر للخرائطى : ٤٠ / ٢٢ عن الأصبغ بن نباتة ، الدرّ المنثور : ٧ / ٦١٩ نقلا عن مساوئ الأخلاق للخرائطى .