الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد العاشر

 

١٨١ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الخامس : خلق الحيوانات

٥ / ١

الطيور

٥٣٧٨ ـ الإمام علىّ  ¼ : ابتدعهم خلقاً عجيباً من حيوان وموات ، وساكن وذى حركات . وأقام من شواهد البينات علي لطيف صنعته وعظيم قدرته ما انقادت له العقول معترفةً به ومسلّمةً له ، ونعقت فى أسماعنا دلائله علي وحدانيّته ، وما ذرأ من مختلف صور الأطيار التى أسكنها أخاديد الأرض وخُروق فجاجها ، ورواسى أعلامها ، من ذات أجنحة مختلفة ، وهيئات متباينة ، مصرّفة فى زمام التسخير ، ومرفرفة بأجنحتها فى مخارق الجوِّ المنفسح ، والفضاء المُنفرج .

كوّنها بعد إذ لم تكن فى عجائب صور ظاهرة ، وركّبها فى حِقاق مفاصل محتجبة ، ومنع بعضها بعَبالة(١) خلقه أن يسمو فى الهواء خُفوفاً ، وجعله يدفّ


(١) العَبْلُ : الضخم من كلّ شىء (لسان العرب : ١١ / ٤٢٠) .

 ١٨٢ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الخامس : خلق الحيوانات / الطاووس

دفيفاً . ونسَقها علي اختلافها فى الأصابيغ بلطيف قدرته ودقيق صنعته . فمنها مغموس فى قالب لون لا يشوبه غير لون ما غُمس فيه ، ومنها مغموس فى لون صبغ قد طوّق بخلاف ما صُبغ به(١) .

٥٣٧٩ ـ عنه  ¼ : فتبارك الله الذى يسجد له من فى السموات والأرض طوعاً وكرهاً ، ويُعفّر له خدّاً ووجهاً ، ويُلقى إليه بالطاعة سِلماً وضعفاً ، ويُعطى له القياد رهبةً وخوفاً ! فالطير مسخّرة لأمره . أحصي عدد الريش منها والنفس ، وأرسي قوائمها علي الندي واليبس . وقدّر أقواتها ، وأحصي أجناسها . فهذا غُراب وهذا عُقاب . وهذا حمام وهذا نَعام . دعا كلّ طائر باسمه ، وكفل له برزقه(٢) .

٥ / ٢

الطاووس

٥٣٨٠ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى بيان عجائب خلقة الطاووس ـ : ومن أعجبها خلقاً الطاووس الذى أقامه فى أحكم تعديل ، ونضّد ألوانه فى أحسن تنضيد ، بجناح أشرج قصَبه(٣) ، وذنب أطال مسحبه . إذا درج إلي الاُنثي نَشرَه من طيّه ، وسما به مطلاًّ علي رأسه كأنّه قِلعُ دارىٍّ(٤) عَنَجَه نُوتيّه(٥) . يختال بألوانه ، ويميس(٦) بِزَيفانه ، يُفضى كإفضاء الديكة ، ويؤرُّ بملاقحه أرَّ(٧) الفحول


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٦٥ ، بحار الأنوار : ٦٥ / ٣٠ / ١ .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ١٨٥ ، الاحتجاج : ١ / ٤٨٣ / ١١٧ ، بحار الأنوار : ٣ / ٢٧ / ١ .
(٣) القصَب : كلّ عظم مستدير أجوف (لسان العرب : ١ / ٦٧٥) .
(٤) القِلع : شراع السفينة . والدارىّ : البَحَّار والمَلاَّح (النهاية : ٤ / ١٠٢) .
(٥) عَنَجَه : أى عَطفه . ونُوتيُّه : مَلاّحُه (النهاية : ٣ / ٣٠٧) .
(٦) يميس : إذا تَبَختَر فى مَشيِه وتَثنّي (النهاية : ٤ / ٣٨٠) .
(٧) الأرّ : الجماع (النهاية : ١ / ٣٧) .

 ١٨٣ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الخامس : خلق الحيوانات / الطاووس

المُغتلمة(١) للضراب . اُحيلك من ذلك علي معاينة ، لا كمن يُحيل علي ضعيف إسنادُه . ولو كان كزعم من يزعم أنّه يُلقح بدمعة تسفُحها مدامعه ، فتقف فى ضَفّتى جفونه ، وأنّ اُنثاه تطعم ذلك ، ثمّ تبيض لا من لقاح فحل سوي الدمع المنبجس ، لما كان ذلك بأعجب من مُطاعمة الغُراب ! تخالُ قصبَه مدارى من فضّة ، وما اُنبت عليها من عجيب داراته وشُموسه خالص العقيان(٢) وفلذ الزبرجد .

فإن شبّهته بما أنبتت الأرض قلتَ : جنًي جُنى من زهرة كلّ ربيع . وإن ضاهيته بالملابس فهو كمَوشىِّ الحُلل ، أو كمُونق عصب اليمن . وإن شاكلته بالحُلىِّ فهو كفصوص ذات ألوان ، قد نُطّقت باللُّجين(٣) المكلّل .

يمشى مشى المرح المُختال ، ويتصفّح ذنبه وجناحيه ، فيقهقه ضاحكاً لجمال سرباله وأصابيغ وشاحه ، فإذا رمي ببصره إلي قوائمه زقا(٤) مُعوِلاً بصوت يكاد يُبين عن استغاثته ، ويشهد بصادق توجّعه ; لأنّ قوائمه حُمش(٥) كقوائم الديكة الخِلاسيّة(٦) ، وقد نجمت من ظُنبوب(٧) ساقه صِيصيةٌ خفيّة ، وله فى موضع العُرف قُنزُعَةٌ(٨) خضراء موشّاة . ومخرج عنقه كالإبريق ، ومغرزها إلي حيث بطنه


(١) الغُلْمة : هَيَجان شَهوة النكاح من المرأة والرجل وغَيرهما (النهاية : ٣ / ٣٨٢) .
(٢) العِقْيَان : هو الذهَب الخالِص (النهاية : ٣ / ٢٨٣) .
(٣) اللُّجَين : هو الفِضّة (النهاية : ٤ / ٢٣٥) .
(٤) زقا يَزْقو إذا صاحَ (النهاية : ٢ / ٣٠٧) .
(٥) حَمَشت قوائمه وحَمُشت : دَقَّت (لسان العرب : ٦ / ٢٨٨) .
(٦) الخِلاسىُّ من الدِّيكَةِ : بين الدّجاج الهِنْدِية والفارسية (لسان العرب : ٦ / ٦٦) .
(٧) الظُّنوب : حرف العظم اليابس من الساق (النهاية : ٣ / ١٦٢) .
(٨) القَنازعِ : خُصَل الشعر ، واحدتها قُتُرعة (النهاية : ٤ / ١١٢) .

 ١٨٤ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الخامس : خلق الحيوانات / الطاووس

كصبغ الوسِمة اليمانيّة ، أو كحريرة مُلبسة مرآة ذات صِقال ، وكأنه متلفّع بمِعجر(١) أسحم(٢) ، إلاّ أنّه يُخيّل لكثرة مائه وشدّة بريقه أنّ الخضرة الناضرة ممتزجة به . ومع فتق سمعه خطّ كمُستدقّ القلم فى لون الاُقحوان أبيض يققٌ(٣) ، فهو ببياضه فى سواد ما هنالك يأتلق(٤) .

وقلّ صبغ إلاّ وقد أخذ منه بقسط ، وعلاه بكثرة صقاله وبريقه وبصيص ديباجه ورونقه ، فهو كالأزاهير المبثوثة لم تُربِّها أمطار ربيع ولا شُموس قيظ . وقد ينحسر من ريشه ، ويَعري من لباسه ، فيسقط تتري ، وينبت تباعاً ، فينحتّ من قصبه انحتات أوراق الأغصان ، ثمّ يتلاحق نامياً حتي يعود كهيئته قبل سقوطه ، لا يخالف سالف ألوانه ، ولا يقع لون فى غير مكانه ! وإذا تصفّحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة ورديّة ، وتارةً خُضرة زَبرجديّة ، وأحياناً صفرة عسجديّة(٥) . فكيف تصل إلي صفة هذا عمائق الفِطن ، أو تبلغه قرائح العقول ، أو تستنظم وصفه أقوالُ الواصفين ؟ ! وأقلّ أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه ، والألسنة أن تصفه ! فسبحان الذى بهر العقول عن وصف خلق جلاّه للعيون فأدركته محدوداً مُكوّناً ، ومؤلّفاً مُلوّناً ، وأعجز الألسن عن تلخيص صفته ، وقعد بها عن تأدية نعته !(٦)


(١) المِعْجَر : ثوب تَعتَجِر به المرأة أصغَر من الرداء وأكبر منَ المِقنَعة (لسان العرب : ٤ / ٥٤٤) .
(٢) الأسحَم : الأسود (النهاية : ٢ / ٣٤٨) .
(٣) يقق : أبيض يَقَق ويَقِق ، بكسر القاف الأولي : شديد البياض ناصعه (لسان العرب : ١ / ٣٨٧) .
(٤) تألَّق البرق : التَمَع (تاج العروس : ١٣ / ١٠) .
(٥) العَسجَدُ : الذهب (لسان العرب : ٣ / ٢٩٠) .
(٦) نهج البلاغة : الخطبة ١٦٥ ، بحار الأنوار : ٦٥ / ٣٠ / ١ .

 ١٨٥ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الخامس : خلق الحيوانات / الجرادة

٥ / ٣

الجرادة

٥٣٨١ ـ الإمام علىّ  ¼ : وإن شئت قلت فى الجرادة ، إذ خلق لها عينين حمراوين ، وأسرج لها حدقتين قمراوين ، وجعل لها السمع الخفىَّ ، وفتح لها الفم السوىَّ ، وجعل لها الحسّ القوىَّ ، ونابين بهما تَقرِضُ ، ومنجلين بهما تقبض . يرهبها الزرّاع فى زرعهم ، ولا يستطيعون ذبَّها ، ولو أجلبوا بجمعهم ، حتي تَرِد الحرثَ فى نزواتها ، وتقضى منه شهواتها . وخَلقُها كلّه لا يكوِّن إصبعاً مُستدقَّةً(١) .

٥ / ٤

الخفّاش

٥٣٨٢ ـ الإمام علىّ  ¼ : ومن لطائف صَنعته وعجائب خلقته ما أرانا من غوامض الحكمة فى هذه الخفافيش التى يقبضها الضياء الباسط لكلّ شىء ، ويبسطها الظلام القابض لكلّ حىّ ، وكيف عَشيت أعينُها عن أن تستمدّ من الشمس المضيئة نوراً تهتدى به فى مذاهبها ، وتتّصل بعلانية برهان الشمس إلي معارفها . وردعها بتلألؤ ضيائها عن المضىّ فى سُبحات إشراقها . وأكنّها فى مكامنها عن الذهاب فى بُلج ائتلاقها ، فهى مسدلة الجفون بالنهار علي حِداقها . وجاعلة الليل سراجاً تستدلّ به فى التماس أرزاقها . فلا يردّ أبصارَها إسدافُ ظلمته ، ولا تمتنع من المضىّ فيه لغسق دُجُنّته . فإذا ألقت الشمس قناعها ، وبدت أوضاح نهارها ،


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٨٥ ، الاحتجاج : ١ / ٤٨٣ / ١١٧ ، بحار الأنوار : ٣ / ٢٧ / ١ ; ربيع الأبرار : ٤ / ٤٥٩ .

 ١٨٦ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الخامس : خلق الحيوانات / النملة

ودخل من إشراق نورها علي الضِّباب فى وجارها(١) ، أطبقت الأجفان علي مآقيها ، وتبلّغت بما اكتسبته من المعاش فى ظلم لياليها .

فسبحان من جعل الليل لها نهاراً ومعاشاً ، والنهار سكناً وقراراً ! وجعل لها أجنحة من لحمها تعرج بها عند الحاجة إلي الطيران ، كأنّها شظايا الآذان ، غير ذوات ريش ولا قصب . إلاّ أنّك تري مواضع العروق بيّنة أعلاماً . لها جناحان لمّا يرقّا فينشقّا ، ولم يغلُظا فيثقُلا . تطير وولدها لاصق بها لاجئ إليها يقع إذا وقعت ويرتفع إذا ارتفعت . لا يفارقها حتي تشتدّ أركانه ، ويحمله للنهوض جناحه ، ويعرف مذاهب عيشه ومصالح نفسه . فسبحان البارئ لكلّ شىء علي غير مثال خلا من غيره !(٢)

٥ / ٥

النملة

٥٣٨٣ ـ الإمام علىّ  ¼ : أ لا ينظرون إلي صغير ما خلق كيف أحكم خلقه ، وأتقن تركيبه ، وفلق له السمع والبصر ، وسوّي له العظم والبشر ! انظروا إلي النملة فى صِغر جُثّتها ولطافة هيئتها ، لا تكاد تُنال بلحظ البصر ، ولا بمُستدرك الفكر ، كيف دبّت علي أرضها ، وصبّت علي رزقها ، تنقل الحبّة إلي جُحرها ، وتُعِدُّها فى مُستقرّها . تجمع فى حرِّها لبردها ، وفى وردها لصدرها ، مكفول برزقها مرزوقة بِوفقها ، لا يُغفلها المنّان ، ولا يحرمها الديّان ولو فى الصَّفا اليابس والحجر


(١) حُجْرُها الذى تَأوى إليه (النهاية : ٥ / ١٥٦) .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ١٥٥ ، بحار الأنوار : ٦٤ / ٣٢٣ / ٢ .

 ١٨٧ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الخامس : خلق الحيوانات / الوحوش والحيتان

الجامس(١) ! ولو فكّرت فى مجارى أكلها فى علوها وسفلها ، وما فى الجوف من شراسيف(٢) بطنها ، وما فى الرأس من عينها واُذنها لقضيتَ من خلقها عجباً ، ولقيتَ من وصفها تعباً !

فتعالي الذى أقامها علي قوائمها ، وبناها علي دعائمها ! لم يشركه فى فطرتها فاطر ، ولم يُعِنهُ علي خلقها قادر . ولو ضربتَ فى مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ، ما دلّتك الدلالة إلاّ علي أن فاطر النملة هو فاطر النخلة ، لدقيق تفصيل كلّ شىء ، وغامض اختلاف كلّ حىّ . وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف والقوىّ والضعيف فى خلقه إلاّ سواء(٣) .

٥ / ٦

الوحوش والحيتان

٥٣٨٤ ـ الإمام علىّ  ¼ : وسبحان من أدمج قوائم الذرّة(٤) والهَمَجة(٥) إلي ما فوقهما من خلق الحيتان والفيلة !(٦)

٥٣٨٥ ـ عنه  ¼ : يعلم عجيج الوحوش فى الفلوات ، ومعاصى العباد فى


(١) الجَمْسُ بالفتح : الجامِدُ (النهاية : ١ / ٢٩٤) .
(٢) الشُّرسُوف واحد الشَّراسيف ، وهى أطراف الأضلاع المشرِفة علي البطن ، وقيل : هو غُضروف مُعلّق بكلّ بَطن (النهاية : ٢ / ٤٥٩) .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ١٨٥ ، الاحتجاج : ١ / ٤٨١ / ١١٧ ، بحار الأنوار : ٣ / ٢٦ / ١ ; ربيع الأبرار : ٤ / ٤٨١ وفيه إلي "قادر" .
(٤) الذَّرُّ : النَّملُ الأحمرُ الصَّغير ، واحدِتُها ذَرَّةٌ (النهاية : ٢ / ١٥٧) .
(٥) الهَمَجُ : ذُبَابٌ صَغِيرٌ يَسقُطُ علي وُجُوه الَغنَمِ والحَمير (النهاية : ٥ / ٢٧٣) .
(٦) نهج البلاغة : الخطبة ١٦٥ ، بحار الأنوار : ٦٥ / ٣٢ / ١ .

 ١٨٨ - المجلد العاشر / القسم الحادى عشر : علوم الإمام علي‏ / الفصل الرابع : قبسات من علمه / القبس الثانى : معرفة خلق الله / الباب الخامس : خلق الحيوانات / الوحوش والحيتان

الخلوات ، واختلاف النينان(١) فى البحار الغامرات ، وتلاطم الماء بالرياح العاصفات(٢) .


(١) النُّونُ : الحوت ، والجمع أنوانٌ ونِينانٌ ، وأصله نُونانٌ فقلبت الواو ياء لكسرة النون (لسان العرب : ١٣ / ٤٢٧) .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ١٩٨ ، بحار الأنوار : ٧٧ / ٣١٥ / ١٦ .