الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الحادي عشر

 

٣٤٣ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره

٧ / ١

منع ذكر مناقبه

٧ / ١ ـ ١

خطاب دورى فى منع ذكر مناقبه

٦٣٠٠ ـ شرح نهج البلاغة عن علىّ بن محمّد المدائنى : كتب معاوية نسخة واحدة إلي عمّاله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمّة ممّن روي شيئاً من فضل أبى تراب وأهل بيته .

فقامت الخطباء فى كلّ كورة وعلي كلّ منبر يلعنون عليّاً ، ويبرؤون منه ، ويقَعون فيه وفى أهل بيته(١) .


(١) شرح نهج البلاغة : ١١ / ٤٤ ; الدرجات الرفيعة : ٦ .

 ٣٤٤ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / منع ذكر مناقبه / خطاب دورى فى منع ذكر مناقبه

٦٣٠١ ـ الاحتجاج : نادي منادى معاوية : أن قد برئت الذمّة ممّن يروى حديثاً من مناقب علىّ وفضل أهل بيته . وكان أشدّ الناس بليّةً أهل الكوفة ; لكثرة مَن بها من الشيعة(١) .

٦٣٠٢ ـ المناقب لابن شهر آشوب : نادي معاوية : أن برئت الذمّة ممّن روي حديثاً من مناقب علىّ  ¼ . حتي قال عبد الله بن شدّاد الليثى : وددت أنّى اُترك أن اُحدّث بفضائل علىّ بن أبى طالب يوماً إلي الليل ، وأنّ عنقى ضُربت !

فكان المحدّث يحدّث بحديث فى الفقه ، أو يأتى بحديث المبارزة ، فيقول : قال رجل من قريش . وكان عبد الرحمن بن أبى ليلي يقول : حدّثنى رجل من أصحاب رسول الله  ½ . وكان الحسن البصرى يقول : قال أبو زينب .

وسُئل ابن جبير عن حامل اللواء ، فقال : كأنّك رخىّ البال(٢) !(٣)

٦٣٠٣ ـ أنساب الأشراف عن عبد الله بن فائد وسحيم بن حفص : كتب معاوية إلي المغيرة بن شعبة : أظهِر شتم علىّ وتنقّصه(٤) .

٦٣٠٤ ـ تاريخ الطبرى عن المغيرة بن شعبة ـ لصعصعة ـ : إيّاك أن يبلغنى عنك أنّك تَعيب عثمان عند أحد من الناس ، وإيّاك أن يبلغنى عنك أنّك تُظهر شيئاً من فضل علىّ علانية ، فإنّك لست بذاكر من فضل علىّ شيئاً أجهله ، بل أنا أعلم بذلك ، ولكنّ هذا السلطان قد ظهر ، وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس ، فنحن نَدَع كثيراً ممّا أمرنا به ، ونذكر الشىء الذى لا نجد منه بدّاً ; ندفع به هولاء القوم عن


(١) الاحتجاج : ٢ / ٨٣ / ١٦٢ وراجع كتاب سليم بن قيس : ٢ / ٧٨١ / ٢٦ .
(٢) هو رَخىّ البال : إذا كان ناعم الحال (تاج العروس : ١٩ / ٤٥٣) .
(٣) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٣٥١ ، بحار الأنوار : ٤٢ / ٣٨ / ١٢ .
(٤) أنساب الأشراف : ٥ / ٣٠ .

 ٣٤٥ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / منع ذكر مناقبه / منع الرواية عنه

أنفسنا تقيّة ، فإن كنتَ ذاكراً فضله فاذكره بينك وبين أصحابك وفى منازلكم سرّاً ، وأمّا علانية فى المسجد فإنّ هذا لا يحتمله الخليفة لنا ، ولا يعذرنا به(١) .

٦٣٠٥ ـ أنساب الأشراف عن النضر بن إسحاق الهذلى : إنّ الحجّاج سأل الحسن [البصري] عن علىّ  ¼ ، فذكر فضله . فقال : لا تُحدّثنّ فى مسجدنا ، فخرج فتواري(٢) .

٦٣٠٦ ـ المستدرك علي الصحيحين عن مالك بن دينار : سألت سعيد بن جبير ، فقلت : يا أبا عبد الله ، من كان حامل راية رسول الله  ½ ؟ قال : فنظر إلىَّ وقال : كأنّك رخىّ البال ! فغضبتُ ، وشكوتُه إلي إخوانه من القرّاء ، فقلت : أ لا تعجبون من سعيد ، إنّى سألته : من كان حامل راية رسول الله  ½ ، فنظر إلىَّ وقال : إنّك لَرخىّ البال ! قالوا : إنّك سألته وهو خائف من الحجّاج ، وقد لاذ بالبيت ، فسَله الآن . فسألته ، فقال : كان حاملها علىّ (ع) (٣) .

٧ / ١ ـ ٢

منع الرواية عنه

٦٣٠٧ ـ تهذيب الكمال عن يونس بن عبيد : سألت الحسن [البصري] ، قلت : يا أبا سعيد ، إنّك تقول : "قال رسول الله  ½ " وإنّك لم تدركه ؟ قال : يابن أخى ، لقد سألتَنى عن شىء ما سألنى عنه أحد قبلك ، ولولا منزلتك منّى ما أخبرتك ، إنّى فى زمان كما تري ـ وكان فى عمل الحجّاج ـ كلّ شىء سمعتنى أقول : "قال


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ١٨٩ عن مرّة بن منقذ بن النعمان ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٦١ .
(٢) أنساب الأشراف : ٢ / ٣٨٠ .
(٣) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٤٧ / ٤٦٦٥ ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٦٨٠ / ١١٦٣ ، المناقب للخوارزمى : ٣٥٨ / ٣٧٠ وليس فيه من "ألا تعجبون" إلي "لرخىّ البال" .

 ٣٤٦ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / منع ذكر مناقبه / منع ذكره بخير

رسول الله  ½ " فهو عن علىّ بن أبى طالب ، غير أنّى فى زمان لا أستطيع أن أذكر عليّاً(١) .

٦٣٠٨ ـ الإرشاد : فيما انتهي إليه الأمر فى دفن فضائل أمير المؤمنين  ¼ والحيلولة بين العلماء ونشرها ما لا شبهة فيه علي عاقل ، حتي كان الرجل إذا أراد أن يروى عن أمير المؤمنين رواية لم يستطِع أن يضيفها إليه بذكر اسمه ونسبه ، وتدعوه الضرورة إلي أن يقول : حدّثنى رجل من أصحاب رسول الله  ½ ، أو يقول : حدّثنى رجل من قريش ، ومنهم من يقول : حدّثنى أبو زينب(٢) .

٧ / ١ ـ ٣

منع ذكره بخير

٦٣٠٩ ـ الاحتجاج عن معاوية ـ لابن عبّاس ـ : إنّا قد كتبنا فى الآفاق ننهي عن ذكر مناقب علىّ وأهل بيته ، فكفّ لسانك .

فقال : يا معاوية أ تنهانا عن قراءة القرآن ؟ ! قال : لا . قال : أ فتهانا عن تأويله ؟ ! قال : نعم . قال : فنقرؤه ولا نسأل عمّا عني الله به !

ثمّ قال : فأيّهما أوجب علينا ; قراءته ، أو العمل به ؟ قال : العمل به . قال : فكيف نعمل به ولا نعلم ما عني الله به ؟ ! قال : سَل عن ذلك من يتأوّله علي غير ما تتأوّله أنت وأهل بيتك . قال : إنّما أنزل الله القرآن علي أهل بيتى ، أ فأسأل عنه آل أبى سفيان ؟ !

يا معاوية أ تنهانا أن نعبد الله بالقرآن بما فيه من حلال وحرام ! فإن لم تسأل


(١) تهذيب الكمال : ٦ / ١٢٤ / ١٢١٦ .
(٢) الإرشاد : ١ / ٣١٠ .

 ٣٤٧ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / منع ذكر مناقبه / منع التسمية باسمه

الاُمّة عن ذلك حتي تعلم تهلك وتختلف .

قال : اقرؤوا القرآن وتأوّلوه ، ولا ترووا شيئاً ممّا أنزل الله فيكم ، وارووا ما سوي ذلك . قال : فإنّ الله يقول فى القرآن : ³ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئـُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَي اللَّهُ إِلآَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ  ²  (١) (٢) .

٦٣١٠ ـ الإرشاد ـ فى بيان مظلوميّة أمير المؤمنين  ¼ ـ : وكانت الولاة الجَوَرة تضرب بالسياط من ذكره بخير ، بل تضرب الرقاب علي ذلك ، وتعترض الناس بالبراءة منه .

والعادة جارية فيمن اتّفق له ذلك أن لا يذكر علي وجه بخير ، فضلاً عن أن تذكر له فضائل ، أو تروي له مناقب ، أو تثبت له حجّة بحقّ(٣) .

٦٣١١ ـ الأغانى عن ابن شهاب بن عبد الله : قال لى خالد بن عبد الله القسرى ـ أحد ولاة بنى اُميّة ـ : . . . اُكتب لى السيرة . فقلت له : فإنّه يمرّ بى الشىء من سير علىّ بن أبى طالب صلوات الله عليه فأذكره . فقال : لا ، إلاّ أن تراه فى قعر الجحيم(٤) .

٧ / ١ ـ ٤

منع التسمية باسمه

٦٣١٢ ـ الكامل عن أبى العبّاس : يروي عن علىّ بن أبى طالب رحمة الله عليه أنّه


(١) التوبة : ٣٢ .
(٢) الاحتجاج : ٢ / ٨٢ / ١٦٢ وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٣٥١ .
(٣) الإرشاد : ١ / ٣١١ .
(٤) الأغانى : ٢٢ / ٢١ .

 ٣٤٨ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / وضع الأحاديث فى ذمّه

افتقد عبد الله بن العباس فى وقت صلاة الظهر ، فقال لأصحابه : ما بال أبى العباس لم يحضر ؟ فقالوا : ولد له مولود .

فلمّا صلّي علىّ  § قال : امضوا بنا إليه ، فأتاه فهنّأه ، فقال : شكرتُ الواهبَ ، وبورِك لك فى الموهوب ، ما سمّيته ؟

قال : أ وَيجوز لى أن اُسمّيه حتي تسمّيه ؟ !

فأمر به ، فاُخرج اليه ، فأخذه ، فحنّكه ، ودعا له ، ثمّ ردّه إليه ، وقال : خذه إليك أبا الأملاك ، قد سمّيتُه عليّاً ، وكنّيتُه أبا الحسن .

فلمّا قام معاوية ، قال لابن عبّاس : ليس لكم اسمه وكنيته ، وقد كنّيتُه : أبا محمّد ، فجَرَت عليه(١) .

٦٣١٣ ـ لسان الميزان : أمّا علىّ بن الجهم بن بدر بن محمّد بن مسعود بن أسد بن ادينة الساجى الشاعر فى أيّام المتوكّل فكان مشهوراً بالنصب ، كثير الحطّ علي علىّ وأهل البيت (ع) . وقيل : إنّه كان يلعن أباه لِمَ سمّاه عليّاً(٢) .

٧ / ٢

وضع الأحاديث فى ذمّه

٦٣١٤ ـ شرح نهج البلاغة : ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافى رحمه الله تعالي ـ وكان من المتحقّقين بموالاة علىّ  ¼ ، والمبالغين فى تفضيله وإن كان القول


(١) الكامل للمبرّد : ٢ / ٧٥٦ ، وفى حلية الأولياء : ٣ / ٢٠٧ عن جعفر بن سليمان قال : كان علىّ بن عبد الله بن العبّاس يُكنّي أبا الحسن ، فلمّا قدم علي عبد الملك قال له : غيّر اسمك وكنيتك ، فلا صبر لى علي اسمك وكنيتك ، فقال : أمّا الاسم فلا ، وأمّا الكنية فأكتنى بأبى محمّد ، فغيّر كنيته .
(٢) لسان الميزان : ٤ / ٢١٠ / ٥٥٨ .

 ٣٤٩ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / وضع الأحاديث فى ذمّه

بالتفضيل عامّاً شائعاً فى البغداديّين من أصحابنا كافّة إلاّ أنّ أبا جعفر أشدّهم فى ذلك قولاً ، وأخلصهم فيه اعتقاداً ـ أنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة ، وقوماً من التابعين علي رواية أخبار قبيحة فى علىّ  ¼ ، تقتضى الطعن فيه ، والبراءة منه ، وجعل لهم علي ذلك جعلاً يُرغَب فى مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم : أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين : عروة بن الزبير .

روي الزهرى أنّ عروة بن الزبير حدّثه ، قال : حدّثتنى عائشة ، قالت : كنت عند رسول الله ، إذ أقبل العبّاس وعلىّ ، فقال : يا عائشة ، إنّ هذين يموتان علي غير ملّتى !! أو قال دينى . . . .

وأمّا عمرو بن العاص ، فروي عنه الحديث الذى أخرجه البخارى ومسلم فى صحيحيهما مسنداً متّصلاً بعمرو بن العاص ، قال : سمعت رسول الله  ½ يقول : إنّ آل أبى طالب ليسوا لى بأولياء ، إنّما وليّى الله ، وصالح المؤمنين .

وأمّا أبو هريرة فروي عنه الحديث الذى معناه أنّ عليّاً  ¼ خطب ابنة أبى جهل فى حياة رسول الله  ½ ، فأسخطه ، فخطب علي المنبر وقال : لاهَا اللهِ ! لا تجتمع ابنة ولىّ الله وابنة عدوّ الله أبى جهل ، إنّ فاطمة بضعة منّى ; يؤذينى ما يؤذيها ، فإن كان علىّ يريد ابنة أبى جهل فليُفارق ابنتى ، وليفعل ما يريد . أو كلاماً هذا معناه ، والحديث مشهور من رواية الكرابيسى . . . .

وروي الأعمش قال : لمّا قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلي مسجد الكوفة ، فلمّا رأي كثرة من استقبله من الناس جثا علي ركبتيه ، ثمّ ضرب صلعته مراراً وقال : يا أهل العراق أ تزعمون أنّى أكذب علي الله وعلي رسوله ، واُحرق نفسى بالنار ! والله لقد سمعتُ رسول الله  ½ يقول : إنّ لكلّ نبىّ

 ٣٥٠ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / وضع الأحاديث فى ذمّه

حرماً ، وإنّ حرمى بالمدينة ما بين عير إلي ثور(١) ، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . وأشهد بالله أنّ عليّاً أحدث فيها .

فلما بلغ معاوية قولَه ، أجازه ، وأكرمه ، وولاّه إمارة المدينة . . . .

قال أبو جعفر : وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا ، غير مرضىّ الرواية ، ضربه عمر بالدِّرَّة وقال : قد أكثرتَ من الرواية وأحرِ(٢) بك أن تكون كاذباً علي رسول الله  ½ .

وروي سفيان الثورى عن منصور عن إبراهيم التيمى ، قال : كانوا لا يأخذون عن أبى هريرة إلاّ ما كان من ذكر جنّة أو نار .

وروي أبو اُسامة عن الأعمش ، قال : كان إبراهيم صحيح الحديث ، فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه . فأتيته يوماً بأحاديث من حديث أبى صالح عن أبى هريرة ، فقال : دعنى من أبى هريرة ; إنّهم كانوا يتركون كثيراً من حديثه .

وقد روي عن علىّ  ¼ أنه قال : ألا إنّ أكذب الناس ـ أو قال أكذب الأحياء ـ علي رسول الله  ½ أبو هريرة الدوسى .

وروي أبو يوسف قال : قلت لأبى حنيفة : الخبر يجىء عن رسول الله  ½ يخالف قياسنا ، ما تصنع به ؟ قال : إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به ، وتركنا الرأى . فقلت : ما تقول فى رواية أبى بكر وعمر ؟ فقال : ناهيك بهما . فقلت : علىّ وعثمان ؟ قال : كذلك . فلما رآنى أعدّ الصحابة قال : والصحابة كلّهم عدول ، ما


(١) عَيْر وثَوْر : هما جبلان ; عَير بالمدينة وثَور بمكة (معجم البلدان : ٤ / ١٧٢) .
(٢) حرىّ بكذا : أى جدير وخليق ، ويُحدّث الرجلُ الرجل فيقول : ما أحراه ، وأحرِ به (لسان العرب : ١٤ / ١٧٣) .

 ٣٥١ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / وضع الأحاديث فى ذمّه

عدا رجالاً ، ثمّ عدّ منهم أبا هريرة ، وأنس بن مالك .

وروي سفيان الثورى عن عبد الرحمن بن القاسم عن عمر بن عبد الغفّار أنّ أبا هريرة لمّا قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيّات بباب كندة ، ويجلس الناس إليه ، فجاء شابّ من الكوفة فجلس إليه ، فقال : يا أبا هريرة ، اُنشدك الله ! أ سمعتَ رسولَ الله  ½ يقول لعلىّ بن أبى طالب : اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ؟ ! فقال : اللهمّ نعم . قال : فأشهدُ بالله لقد واليت عدوّه ، وعاديتَ وليّه . ثمّ قام عنه .

وروت الرواة أنّ أبا هريرة كان يؤاكل الصبيان فى الطريق ، ويلعب معهم ، وكان يخطب وهو أمير المدينة ، فيقول : الحمد لله الذى جعل الدين قياماً ، وأبا هريرة إماماً ; يضحك الناس بذلك . وكان يمشى ـ وهو أمير المدينة ـ فى السوق ، فإذا انتهي إلي رجل يمشى أمامه ضرب برجليه الأرض ، ويقول : الطريق ، الطريق ، قد جاء الأمير ; يعنى نفسه .

قلت : قد ذكر ابن قتيبة هذا كلّه فى كتاب المعارف فى ترجمة أبى هريرة ، وقوله فيه حجّة ; لأنّه غير متّهم عليه .

قال أبو جعفر : وكان المغيرة بن شعبة يلعن عليّاً  ¼ لعناً صريحاً علي منبر الكوفة ، وكان بلغه عن علىّ  ¼ فى أيّام عمر أنّه قال : "لئن رأيت المغيرة لأرجمنّه بأحجاره" ; يعنى واقعة الزنا بالمرأة التى شهد عليه فيها أبو بكرة ، ونكل زياد عن الشهادة ، فكان يبغضه لذاك ولغيره من أحوال اجتمعت فى نفسه .

قال : وقد تظاهرت الرواية عن عروة بن الزبير أنّه كان يأخذه الزَّمَع(١) عند ذكر علىّ  ¼ ، فيسبّه ، ويضرب بإحدي يديه علي الاُخري ، ويقول : وما يُغنى أنّه


(١) الزَّمَع : رِعدَة تعترى الإنسان إذا همّ بأمر ، والزَّمَع: القَلَق (لسان العرب : ٨ / ١٤٤) .

 ٣٥٢ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / وضع الأحاديث فى ذمّه

لم يخالف إلي ما نهى عنه ، وقد أراق من دماء المسلمين ما أراق !

قال : وقد كان فى المحدّثين من يبغضه  ¼ ، ويروى فيه الأحاديث المنكرة ، منهم : حريز بن عثمان ، كان يبغضه ، وينتقصه ، ويروى فيه أخباراً مكذوبة . . . .

قال أبو بكر : وحدّثنى أبو جعفر ، قال : حدّثنى إبراهيم ، قال : حدثنى محمّد بن عاصم صاحب الخانات ، قال : قال لنا حريز بن عثمان : أنتم يا أهل العراق تحبّون علىّ بن أبى طالب ، ونحن نُبغضه . قالوا : لِمَ ؟ قال : لأنّه قتل أجدادى .

وروي الواقدى أنّ معاوية لمّا عاد من العراق إلي الشام ـ بعد بيعة الحسن  ¼ واجتماع الناس إليه ـ خطب ، فقال : أيّها الناس ! إنّ رسول الله  ½ قال لى : إنّك سَتَلى الخلافة من بعدى ، فاختَر الأرض المقدّسة ; فإنّ فيها الأبدال . وقد اخترتُكم ، فالعنوا أبا تراب ! فلعنوه .

فلما كان من الغد كتب كتاباً ، ثمّ جمعهم فقرأه عليهم ، وفيه : هذا كتابٌ كتبه أمير المؤمنين معاوية صاحب وحى الله الذى بعث محمّداً نبيّاً وكان اُمّيّاً لا يقرأ ولا يكتب ، فاصطفي له من أهله وزيراً كاتباً أميناً ، فكان الوحى ينزل علي محمّد وأنا أكتبه ، وهو لا يعلم ما أكتب ، فلم يكُن بينى وبين الله أحد من خلقه .

فقال له الحاضرون كلّهم : صدقتَ يا أمير المؤمنين .

قال أبو جعفر : وقد روى أنّ معاوية بذل لسَمرة بن جندب مائة ألف درهم حتي يروى أنّ هذه الآية نزلت فى علىّ بن أبى طالب : ³ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ  ± وَإِذَا تَوَلَّىٰ

 ٣٥٣ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / إشاعة سبّه

سَعَىٰ فِي الاَْرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ  ²  (١) ، وأنّ الآية الثانية نزلت فى ابن ملجم ; وهى قوله تعالي : ³ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ  ²  (٢) ، فلم يقبل ، فبذل له مائتى ألف درهم ، فلم يقبل ، فبذل له ثلاثمائة ألف ، فلم يقبل ، فبذل له أربعمائة ألف ، فقبل ، وروي ذلك(٣) .

راجع : كتاب "الغدير" : ٥ / ٢٠٩ .

٧ / ٣

إشاعة سبّه

٧ / ٣ ـ ١

إخبار الإمام عن سبّه والبراءة منه

٦٣١٥ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى وصف معاوية ـ : أما إنّه سيظهر عليكم بعدى رجل رَحْبُ(٤) البلعوم ، مُندَحِق(٥) البطن ، يأكل ما يجد ، ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ، ولن تقتلوه ! ألا وإنّه سيأمركم بسبّى ، والبراءة منّى ! فأمّا السبّ فسبّونى ; فإنّه لى زكاة ، ولكم نجاة ، وأمّا البراءة فلا تتبرّؤوا منّى ; فإنّى وُلدت علي الفطرة ، وسبقت إلي الإيمان والهجرة(٦) .


(١) البقرة : ٢٠٤ و٢٠٥ .
(٢) البقرة : ٢٠٧ .
(٣) شرح نهج البلاغة : ٤ / ٦٣ .
(٤) الرَّحْب : الشىء الواسع (لسان العرب : ١ / ٤١٤).
(٥) مُنْدَحِقُ البطن : أى واسعها ، كأنّ جوانبها قد بَعُدَ بعضها من بعض فاتّسعت (النهاية : ٢ / ١٠٥) .
(٦) نهج البلاغة : الخطبة ٥٧ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٧٢ وراجع تاريخ دمشق : ٤٢ / ٥٨٨ وعيون أخبار الرضا : ٢/٦٤/٢٧٤ وعوالى اللآلى : ٢ / ١٠٥ / ٢٨٩ والمناقب للكوفى : ٢/٦٤/٥٤٧ وشرح الأخبار : ١ / ١٦٨ / ١٢٩ .

 ٣٥٤ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / إشاعة سبّه / إخبار الإمام عن سبّه والبراءة منه

٦٣١٦ ـ عنه  ¼ : إنّكم ستُعرضون من بعدى علي سبّى ، فسبّونى ، فإن عُرض عليكم البراءة منّى فلا تبرّؤوا منّى ; فإنّى علي الإسلام ، فمن عُرض عليه البراءة منّى فليمدد عنقه ، فإن تبرّأ منّى فلا دنيا له ولا آخرة(١) .

٦٣١٧ ـ عنه  ¼ : إنّكم ستُعرضون علي سبّى ، فسبّونى ، فإن عُرضت عليكم البراءة منّى فلا تبرّؤوا منّى ، فإنّى علي الإسلام ، فليمدد أحدكم عنقه ـ ثكلته اُمّه ـ ; فإنّه لا دنيا له ولا آخرة بعد الإسلام ، ثمّ تلا : ³ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَـئـِنٌّ بِالإِْيمَانِ  ²  (٢) (٣) .

٦٣١٨ ـ خصائص الأئمة (ع) عن ميثم التمّار : دعانى أمير المؤمنين  ¼ يوماً ، فقال لى : يا ميثم ، كيف أنت إذا دعاك دَعىّ(٤) بنى اُميّة عبيد الله بن زياد إلي البراءة منّى ؟ قلت : إذاً والله أصبر ، وذاك فى الله قليل . قال : يا ميثم ، إذاً تكون معى فى درجتى(٥) .


(١) الإرشاد : ١ / ٣٢٢ ، الخرائج والجرائح : ١ / ٢٠٢ / ٤٣ وفيه إلي "فلا تبرّؤوا منّى" وراجع الأمالى للطوسى : ٢١٠ / ٣٦٢ والمناقب للكوفى : ٢ / ٥٦٥ / ١٠٧٧ .
(٢) النحل : ١٠٦ .
(٣) المستدرك علي الصحيحين : ٢ / ٣٩٠ / ٣٣٦٥ عن أبى صادق وراجع الأمالى للطوسى : ٣٦٤ / ٧٦٥ ، والغارات : ٢ / ٦٣٧ والمناقب للكوفى : ٢ / ٤١٧ / ٩٠٠ وص ٤١٩ / ٩٠٢ وغرر الحكم : ٣٨٥٨ وبحار الأنوار : ٣٩ / ٣١٦ / ١٣ .
(٤) الدَّعِىّ : المنسوب إلي غير أبيه (لسان العرب : ١٤ / ٢٦١) .
(٥) خصائص الأئمّة (ع) : ٥٤ .

 ٣٥٥ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / إشاعة سبّه / إخبار الإمام عن سبّه والبراءة منه

٦٣١٩ ـ الإمام الباقر  ¼ : خطب علىّ  ¼ علي منبر الكوفة ، فقال : سيعرض عليكم سبّى ، وستذبحون عليه ; فإن عُرض عليكم سبّى فسبّونى ، وإن عُرض عليكم البراءة منّى فإنّى علي دين محمّد  ½ . ولم يقُل : فلا تبرّؤوا منّى(١) .

٦٣٢٠ ـ الإمام الصادق  ¼ : قال علىّ  ¼ : والله لتُذبحنّ علي سبّى ـ وأشار بيده إلي حلقه ـ ثمّ قال : فإن أمروكم بسبّى ، فسبّونى ، وإن أمروكم أن تبرؤوا منّى فإنّى علي دين محمّد  ½ . ولم ينَههم عن إظهار البراءة(٢) .

٦٣٢١ ـ الكافى عن مسعدة بن صدقة : قيل لأبى عبد الله  ¼ : إنّ الناس يروون أنّ عليّاً  ¼ قال علي منبر الكوفة : أيّها الناس ، إنّكم ستُدعون إلي سبّى ، فسبّونى ، ثمّ تُدعون إلي البراءة منّى ، فلا تبرؤوا منّى .

فقال : ما أكثر ما يكذب الناس علي علىّ  ¼ ! ثمّ قال : إنّما قال : إنّكم ستُدعون إلي سبّى ، فسبّونى ، ثمّ ستُدعون إلي البراءة منّى وإنّى لعلي دين محمّد . ولم يقُل : لا تبرؤوا منّى .

فقال له السائل : أرأيت إن اختار القتل دون البراءة ؟ فقال : والله ما ذلك عليه ، وما له إلاّ ما مضي عليه عمّار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكّة وقلبه مطمئنّ بالإيمان ، فأنزل الله عزّ وجلّ فيه : ³ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَـئـِنٌّ بِالإِْيمَانِ  ²  ، فقال له النبىّ  ½ عندها : يا عمّار ، إن عادوا فعُد ; فقد أنزل الله عزّ وجلّ عذرك ، وأمرك أن تعود إن عادوا(٣) .


(١) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٠٦ عن أبى مريم الأنصارى .
(٢) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٠٦ عن الحسن بن صالح ; بحار الأنوار : ٣٩ / ٣٢٦ .
(٣) الكافى : ٢ / ٢١٩ / ١٠ ، قرب الإسناد : ١٢ / ٣٨ ، تفسير العيّاشى : ٢ / ٢٧١ / ٧٣ عن معمّر بن يحيي بن سالم عن الإمام الباقر  ¼ وليس فيه من "فقال له النبىّ  ½ ..." وكلاهما نحوه .

 ٣٥٦ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / إشاعة سبّه / الأمر بسبّه والبراءة منه

٦٣٢٢ ـ الإمام علىّ  ¼ : ألا إنّكم معرضون علي لعنى ودعاى كذّاباً ، فمن لعننى كارهاً مُكرَهاً ـ يعلم الله أنّه كان مُكرَهاً ـ وردتُ أنا وهو علي محمّد  ½ معاً . ومن أمسك لسانه فلم يلعنّى سبقنى ; كرَميةِ سهم ، أو لَمحة بالبصر . ومن لعننى منشرحاً صدره بلَعنى فلا حجاب بينه وبين الله ، ولا حجّة له عند محمّد  ½ .

ألا إنّ محمّداً  ½ أخذ بيدى يوماً فقال : من بايع هؤلاء الخمس ثمّ مات وهو يحبّك فقد قضي نحبه ، ومن مات وهو يبغضك مات ميتة جاهليّة ، يحاسب بما عمل فى الإسلام(١) .

راجع : مرآة العقول : ٩ / ١٧٤ ـ ١٧٩ .

٧ / ٣ ـ ٢

الأمر بسبّه والبراءة منه

٦٣٢٣ ـ المناقب لابن شهر آشوب : والأصل فى سبّه [علىّ  ¼ ] ما صحّ عند أهل العلم أنّ معاوية أمر بلعنه علي المنابر ، فتكلّم فيه ابن عبّاس ، فقال : هيهات ، هذا أمر دِين ، ليس إلي تركه سبيل ، أ ليس الغاشّ لرسول الله ، الشتّام لأبى بكر ، المعيّر عمر ، الخاذل عثمان !

قال : أ تسبّه علي المنابر ، وهو بَناها بسيفه !

قال : لا أدَع ذلك حتي يموت فيه الكبير ، ويشبّ عليه الصغير(٢) .

٦٣٢٤ ـ الكامل فى التاريخ : إنّ معاوية استعمل المغيرة بن شعبة علي الكوفة سنة


(١) الأمالى للمفيد : ١٢٠ / ٤ ، شرح الأخبار : ١ / ١٦٤ / ١١٩ نحوه وليس فيه من "و من أمسك" إلي "عند محمّد  ½ " وكلاهما عن مالك بن ضمرة .
(٢) المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٢٢٢ ، بحار الأنوار : ٣٩ / ٣٢٣ / ٢٢ .

 ٣٥٧ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / إشاعة سبّه / الأمر بسبّه والبراءة منه

إحدي وأربعين ، فلمّا أمّره عليها دعاه وقال له : أمّا بعد ، فإنّ لذى الحلم قبل اليوم ما تُقرَع العصا(١) ، وقد يجزى عنك الحكيم بغير التعليم . وقد أردتُ إيصاءك بأشياء كثيرة ، أنا تاركها اعتماداً علي بصرك ، ولستُ تاركاً إيصاءك بخصلة : لا تترك شتم علىّ وذمّه ، والترحّم علي عثمان والاستغفار له ، والعيب لأصحاب علىّ والإقصاء لهم ، والإطراء بشيعة عثمان والإدناء لهم(٢) .

٦٣٢٥ ـ المستدرك علي الصحيحين عن عبد الله بن ظالم : كان المغيرة بن شعبة ينال فى خطبته من علىّ ، وأقام خطباء ينالون منه(٣) .

٦٣٢٦ ـ أنساب الأشراف : ولّي معاوية المغيرةَ بن شعبة الكوفة ، فأقام بها تسع سنين ، وهو أحسن رجل سيرةً ! ! وأشدّه حبّاً للعافية ، غير أنّه لا يَدع ذمّ علىّ والوقيعة فيه ! ! والعيب لقَتَلة عثمان واللعن لهم(٤) .

٦٣٢٧ ـ أنساب الأشراف : كان للوليد بن عثمان بن عفّان ابن يُظهر التألُّه يقال له : عبد الله بن الوليد ، وكان يلعن عليّاً ويقول : قتل جدّىّ عثمانَ والزبيرَ ـ وكانت اُمّه ابنة الزبير بن العوّام ـ .

وقام إلي هشام بن عبد الملك وهو علي المنبر عشيّةَ عرفة فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّ هذا يوم كانت الخلفاء تستحبّ فيه لعن أبى تراب ! فقال له : يا


(١) هذا شطر بيت للمتلمّس ، وقد ذكره الطبرى فى تاريخه بتمامه ، وهو :
لذى الحلم قبل اليوم ما تُقرَع العصا وما عُلِّم الإنسان إلاّ ليعلَما
 

(٢) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٨٨ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ٢٥٣ ، أنساب الأشراف : ٥ / ٢٥٢ نحوه .
(٣) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٥٠٩ / ٥٨٩٨ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٣١ / ٧ .
(٤) أنساب الأشراف : ٥ / ٢٥٢ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ٢٥٤ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٨٨ نحوه .

 ٣٥٨ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / إشاعة سبّه / سبّه علي المنابر

عبد الله ، إنّا لم نأتِ هاهنا لسبّ الناس ولعنهِم !(١)

٧ / ٣ ـ ٣

سبّه علي المنابر

٦٣٢٨ ـ المناقب لابن المغازلى عن أبى معاوية هشيم بن بشير الواسطى : أدركت خطباء أهل الشام بواسط(٢) فى زمن بنى اُمية ، كان إذا مات لهم ميّت قام خطيبهم فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ ذكر علىّ بن أبى طالب فسبّه . فحضرتُهم يوماً وقد مات لهم ميّت ، فقام خطيبهم ، فحمد الله وأثني عليه ، وذكر عليّاً  ¼ فسبّه ، فجاء ثور فوضع قرنيه فى ثدييه وألزقه بالحائط ، فعصره حتي قتله ، ثمّ رجع يشقّ الناس يميناً وشمالا لا يهيج أحداً ولا يؤذيه(٣) .

٦٣٢٩ ـ مروج الذهب : ذكر بعض الأخباريّين أنّه قال لرجل من أهل الشام من زعمائهم وأهل الرأى والعقل منهم : مَن أبو تراب هذا الذى يلعنه الإمام علي المنبر ؟ قال : أراه لصّاً من لصوص الفتن(٤) .

٦٣٣٠ ـ الغارات عن الواقدى : إنّ عمر بن ثابت . . . كان يركب ويدور فى القري بالشام ، فإذا دخل قريةً جمع أهلها ، ثمّ يقول : أيّها الناس ! إنّ علىّ بن أبى طالب كان رجلا منافقاً ، أراد أن ينخس برسول الله  ½ ليلة العقبة ، فالعنوه .


(١) أنساب الأشراف : ٦ / ٢٤٥ ، شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٢١ وج ٤ / ٥٧ وج ١٥ / ٢٥٦ كلّها نحوه من "قام . . ." .
(٢) واسط : مدينة بناها الحجّاج ، وهى متوسّطة بين البصرة والكوفة عن كلٍّ منهما خمسون فرسخاً (معجم البلدان : ٥ / ٣٤٧) .
(٣) المناقب لابن المغازلى : ٣٩١ / ٤٤٥ .
(٤) مروج الذهب : ٣ / ٤٢ .

 ٣٥٩ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / إشاعة سبّه / سبّه علي المنابر

قال : فيلعنه أهل تلك القرية ، ثمّ يسير إلي القرية الاُخري ، فيأمرهم بمثل ذلك(١) .

قال العلاّمة الأمينى  § : لم يزَل معاوية وعمّاله دائبين علي ذلك [لعن الإمام  ¼ ]حتي تمرَّن عليه الصغير ، وهرم الشيخ الكبير ، ولعلّ فى أوليات الأمر كان يوجد هناك من يمتنع عن القيام بتلك السبّة المخزية ، وكان يسَع لبعض النفوس الشريفة أن يتخلّف عنها ، غير أنّ شدّة معاوية ـ الحليم فى إجراء اُحدوثته ـ وسطوة عمّاله ـ الخصماء الألدّاء علي أهل بيت الوحى ، وتهالكهم دون تدعيم تلك الإمرة الغاشمة ، وتنفيذ تلك البدعة الملعونة ـ حكمت فى البلاء ، حتي عمّت البلوي ، وخضعت إليها الرقاب ، وغلّلتها أيدى الجور تحت نِير(٢) الذلّ والهوان .

فكانت العادة مستمرّة منذ شهادة أمير المؤمنين  ¼ إلي نهى عمر بن عبد العزيز ، طيلة أربعين سنة(٣) ، علي صهوات المنابر ، وفى الحواضر الإسلاميّة كلّها ; من الشام إلي الرى إلي الكوفة إلي البصرة إلي عاصمة الإسلام المدينة المشرّفة إلي حرم أمن الله مكّة المعظّمة إلي شرق العالم الإسلامى وغربه ، وعند مجتمعات المسلمين جمعاء . . . .

واتّخذوا ذلك كعقيدة راسخة ، أو فريضة ثابتة ، أو سنّة متّبعة ، يرغب فيها بكلّ شوق وتوق(٤) حتي أنّ عمر بن عبد العزيز لمّا منع عنها ـ لحكمة عمليّة ـ أو


(١) الغارات : ٢ / ٥٨١ ; شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٠٣ وفيه "عمرو بن ثابت" بدل "عمر بن ثابت" .
(٢) النِّير : الخشبة التى تكون علي عنق الثور بأداتها (لسان العرب : ٥ / ٢٤٧) .
(٣) كذا فى المصدر والصحيح :"ستّين سنة" ; لأنّ خلافة عمر بن عبد العزيز كانت سنة ٩٩ هـ .
(٤) التوق : وهو الشوق إلي الشىء والنزوع إليه (لسان العرب : ١٠ / ٣٣) .

 ٣٦٠ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / إشاعة سبّه / خطبة الإمام لمّا بلغه خبر سبّه

لسياسة وقتيّة ـ حسبوه كأنّه جاء بطامّة كبري ، أو اقترف إثماً عظيماً(١) .

راجع : كتاب "الغدير" : ١٠ / ٢٥٧ ـ ٢٧١ .

٧ / ٣ ـ ٤

خطبة الإمام لمّا بلغه خبر سبّه

٦٣٣١ ـ الإمام الباقر  ¼ : خطب أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب صلوات الله عليه بالكوفة بعد منصرفه من النهروان وبلغه أنّ معاوية يسبّه ويلعنه ويقتل أصحابه ، فقام خطيباً ، فحمد الله ، وأثني عليه ، وصلّي علي رسول الله  ½ ، وذكر ما أنعم الله علي نبيّه وعليه ، ثمّ قال : لولا آية فى كتاب الله ما ذكرتُ ما أنا ذاكره فى مقامى هذا ، يقول الله عزّ وجلّ : ³ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ  ²  (٢) .

اللهمّ لك الحمد علي نِعمك التى لا تُحصي ، وفضلك الذى لا يُنسي . يا أيّها الناس ! إنّه بلغنى ما بلغنى ، وإنّى أرانى قد اقترب أجلى ، وكأنّى بكم وقد جهلتم أمرى ، وإنّى تارك فيكم ما تركه رسول الله  ½ ; كتابَ الله وعترتى ; وهى عترة الهادى إلي النجاة ، خاتم الأنبياء ، وسيّد النجباء ، والنبىّ المصطفي . . . .

ببُغضى يُعرف المنافقون ، وبمحبّتى امتحن الله المؤمنين ، هذا عهد النبىّ الاُمّى إلىَّ أنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق . وأنا صاحب لواء رسول الله  ½ فى الدنيا والآخرة ، ورسول الله فَرَطى(٣) ، وأنا فَرَط شيعتى . والله لا عطش محبّى ، ولا خاف وليّى ، وأنا ولىّ المؤمنين ، واللهُ وليّى ، حَسبُ محبّىَّ أن يحبّوا ما


(١) الغدير : ١٠ / ٢٦٥ .
(٢) الضحي : ١١ .
(٣) فَرَطَ فهو فَرَطٌ : إذا تقدّم وسبق القوم (النهاية : ٣ / ٤٣٤) .

 ٣٦١ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / تعذيب محبّيه وتشريدهم وقتلهم

أحبّ الله ، وحَسبُ مبغضىَّ أن يبغضوا ما أحبّ الله .

ألا وإنّه بلغنى أنّ معاوية سبّنى ولعننى ، اللهمّ اشدُد وطأتك عليه ، وأنزل اللعنة علي المستحقّ ، آمين يا ربّ العالمين ، ربّ إسماعيل ، وباعث إبراهيم ، إنّك حميد مجيد .

ثمّ نزل  ¼ عن أعواده ، فما عاد إليها حتي قتله ابن ملجم ـ لعنه الله ـ(١) .

٧ / ٤

تعذيب محبّيه وتشريدهم وقتلهم

٦٣٣٢ ـ شرح نهج البلاغة : روى أنّ أبا جعفر محمّد بن علىّ الباقر  ¼ قال لبعض أصحابه : يا فلان ، ما لقينا من ظلم قريش إيّانا وتظاهرهم علينا ، وما لقى شيعتنا ومحبونا من الناس ! إنّ رسول الله  ½ قُبض وقد أخبر أنّا أولي الناس بالناس ، فتمالاَتْ علينا قريش حتي أخرجت الأمر عن معدنه ، واحتجّت علي الأنصار بحقّنا وحجّتنا ، ثمّ تداولتها قريش واحد بعد واحد ، حتي رجعت الينا ، فنكثَت بيعتَنا ونصبت الحرب لنا ، ولم يزَل صاحب الأمر فى صعود كؤود(٢) حتي قتل .

فبُويع الحسن ابنه ، وعوهد ، ثمّ غُدر به ، واُسلم ، ووثب عليه أهل العراق حتي طُعن بخنجر فى جنبه ، ونُهبت عسكره ، وعولجت(٣) خلاليل اُمّهات أولاده ، فوادع معاوية ، وحقن دمه ودماء أهل بيته وهم قليل حقّ قليل .


(١) معانى الأخبار : ٥٨ / ٩ ، بشارة المصطفي : ١٢ كلاهما عن جابر الجعفى .
(٢) عَقَبة كَؤود : شاقّة المصعد ، صعبة المرتقي (لسان العرب : ٣ / ٣٧٤) .
(٣) المعالَجة : المزاولة والممارسة ، وعالجتُ بنى اسرائيل : أى مارستُهم فلقيتُ منهم شدّة (مجمع البحرين : ٢ / ١٢٥٤) .

 ٣٦٢ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / تعذيب محبّيه وتشريدهم وقتلهم

ثمّ بايع الحسينَ  ¼ من أهل العراق عشرون ألفاً ، ثمّ غدروا به ، وخرجوا عليه وبيعتُه فى أعناقهم ، وقتلوه ، ثمّ لم نزَل ـ أهلَ البيت ـ نُستذلّ ونُستضام ونُقصي ونُمتهن ونُحرم ونُقتل ونُخاف ولا نأمن علي دمائنا ودماء أوليائنا . ووجد الكاذبون الجاحدون ; ـ لكذبهم وجحودهم ـ موضعاً يتقرّبون به إلي أوليائهم وقضاة السوء وعمّال السوء فى كل بلدة ، فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ، ورووا عنّا ما لم نقُله وما لم نفعله ; ليُبغّضونا إلي الناس . وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن  ¼ ; فقُتلت شيعتنا بكل بلدة ، وقطعت الأيدى والأرجل علي الظِّنّة ، وكان من يُذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن ، أو نُهب ماله ، أو هُدمت داره ، ثمّ لم يزَل البلاء يشتدّ ويزداد إلي زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين  ¼ .

ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم كلّ قتلة ، وأخذهم بكلّ ظِنّة وتهمة ، حتي أنّ الرجل ليُقال له : "زنديق" أو "كافر" أحبّ إليه من أن يُقال : "شيعة علىّ" ، وحتي صار الرجل الذى يُذكر بالخير ـ ولعلّه يكون ورعاً صدوقاً ـ يُحدّث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ولم يخلق الله تعالي شيئاً منها ، ولا كانت ، ولا وقعت ، وهو يحسب أنّها حقّ ; لكثرة من قد رواها ممّن لم يُعرف بكذب ولا بقلّة ورع .

وروي أبو الحسن علىّ بن محمّد بن أبى سيف المداينى فى كتاب الأحداث قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلي عمّاله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمّة ممّن روي شيئاً من فضل أبى تراب وأهل بيته . فقامت الخطباء فى كلّ كورة وعلي كل منبر يلعنون عليّاً ، ويبرؤون منه ، ويقَعون فيه وفى أهل بيته . وكان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة ; لكثرة من بها من شيعة علىّ  ¼ ، فاستعمل عليهم زياد بن

 ٣٦٣ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / تعذيب محبّيه وتشريدهم وقتلهم

سميّة ، وضمّ إليه البصرة ، فكان يتتبّع الشيعة ـ وهو بهم عارف ; لأنّه كان منهم أيّام علىّ  ¼ ـ فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر ، وأخافهم ، وقطع الأيدى والأرجل ، وسَملَ(١) العيون ، وصلبهم علي جذوع النخل ، وطردهم ، وشرّدهم عن العراق ، فلم يبقَ بها معروف منهم .

وكتب معاوية إلي عمّاله فى جميع الآفاق ألاّ يجيزوا لأحد من شيعة علىّ وأهل بيته شهادة ، وكتب إليهم : أن انظروا مَن قِبَلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم ، وقرّبوهم ، وأكرموهم ، واكتبوا لى بكلّ ما يروى كلّ رجل منهم ، واسمه ، واسم أبيه وعشيرته . ففعلوا ذلك ، حتي أكثروا فى فضائل عثمان ، ومناقبه ; لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصِّلات والكساء والحباء والقطائع ، ويفيضه فى العرب منهم والموالى ، فكثر ذلك فى كلّ مصر ، وتنافسوا فى المنازل والدنيا ، فليس يجىء أحد مردود من الناس عاملاً من عمّال معاوية فيروى فى عثمان فضيلة أو منقبة إلاّ كتب اسمه ، وقرّبه ، وشفّعه ، فلبثوا بذلك حيناً .

ثمّ كتب إلي عمّاله : إنّ الحديث فى عثمان قد كثر وفشا فى كلّ مصر ، وفى كل وجه وناحية ، فإذا جاءكم كتابى هذا فادعوا الناس إلي الرواية فى فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين فى أبى تراب إلاّ وتأتونى بمناقض له فى الصحابة ; فإنّ هذا أحبّ إلىّ ، وأقرّ لعينى ، وأدحض لحجّة أبى تراب وشيعته ، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله .

فقرئت كتبه علي الناس ، فرويت أخبار كثيرة ـ فى مناقب الصحابة ـ مفتعلة


(١) سملُ العين : فقؤها ; يقال : سُملت عينُه ; إذا فُقئت بحديدة محماة (لسان العرب : ١١ / ٣٤٧) .

 ٣٦٤ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / تعذيب محبّيه وتشريدهم وقتلهم

لا حقيقة لها . وجدّ الناس فى رواية ما يجرى هذا المجري ، حتي أشادوا بذِكر ذلك علي المنابر ، واُلقي إلي معلّمى الكتاتيب فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع ، حتي رووه وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن ، وحتي علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله .

ثمّ كتب إلي عمّاله نسخة واحدة إلي جميع البلدان : انظروا مَن قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه .

وشفع ذلك بنسخة اُخري : من اتّهمتُموه بموالاة هؤلاء القوم فنكِّلوا به ، واهدموا داره . فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق ، ولا سيما بالكوفة ، حتي أنّ الرجل من شيعة علىّ  ¼ ليَأتيه من يثِق به فيدخل بيته فيُلقى إليه سرّه ، ويخاف من خادمه ومملوكه ، ولا يُحدّثه حتي يأخذ عليه الأيمان الغليظة لَيكتمنّ عليه . فظهر حديث كثير موضوع ، وبهتان منتشر ، ومضي علي ذلك الفقهاء والقضاة والولاة .

وكان أعظم الناس فى ذلك بليّة القرّاء المراؤون ، والمستضعفون الذين يُظهرون الخشوع والنسك ، فيفتعلون الأحاديث ; ليَحظُوا بذلك عند وُلاتِهم ، ويقربوا مجالسهم ، ويُصيبوا به الأموال والضياع والمنازل . حتي انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلي أيدى الديّانين الذين لا يستحلّون الكذب والبهتان ، فقبلوها ، ورووها وهم يظنّون أنّها حقّ ، ولو علموا أنّها باطلة لما رووها ، ولا تديّنوا بها .

فلم يزَل الأمر كذلك حتي مات الحسن بن علىّ  ¼ ، فازداد البلاء والفتنة ، فلم يبقَ أحد من هذا القبيل إلاّ وهو خائف علي دمه ، أو طريد فى الأرض .

ثمّ تفاقم الأمر بعد قتل الحسين  ¼ ، وولى عبد الملك بن مروان فاشتدّ علي

 ٣٦٥ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / الدافع السياسى فى كيد أعدائه

الشيعة ، وولّي عليهم الحجّاج بن يوسف ، فتقرّب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علىّ وموالاة أعدائه ، وموالاة من يدّعى من الناس أنهم أيضاً أعداؤه ، فأكثروا فى الرواية فى فضلهم وسوابقهم ومناقبهم ، وأكثروا من الغضّ(١) من علىّ  ¼ ، وعيبه ، والطعن فيه ، والشنآن له ، حتي أنّ إنساناً وقف للحجّاج ـ ويقال : إنّه جدّ الأصمعىّ عبد الملك بن قريب ـ فصاح به : أيّها الأمير إنّ أهلى عقّونى فسمّونى عليّاً ، وإنّى فقير بائس ، وأنا إلي صلة الأمير محتاج . فتضاحك له الحجاج ، وقال : للُطف ما توسّلت به قد ولّيتك موضع كذا .

وقد روي ابن عرفة ـ المعروف بنفطويه ، وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم ـ فى تاريخه ما يناسب هذا الخبر ، وقال : إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة فى فضائل الصحابة افتُعلت فى أيّام بنى اُميّة ; تقرّباً إليهم بما يظنّون أنّهم يُرغمون به اُنوف بنى هاشم(٢) .

٧ / ٥

الدافع السياسى فى كيد أعدائه

٦٣٣٣ ـ الإمام زين العابدين  ¼ : قال مروان بن الحكم : ما كان فى القوم أحد أدفع عن صاحبنا من صاحبكم ـ يعنى عليّاً عن عثمان ـ قال : قلت : فما لكم تسبّونه علي المنبر ؟ ! قال : لا يستقيم الأمر إلاّ بذلك(٣) .

٦٣٣٤ ـ أنساب الاشراف عن عمر بن علىّ : قال مروان لعلىّ بن الحسين : ما كان


(١) غَضَّ : وَضَع ونقصَ (لسان العرب : ٧ / ١٩٧) .
(٢) شرح نهج البلاغة : ١١ / ٤٣ ; بحار الأنوار : ٤٤ / ٦٨ وفيه إلي "بقلّة ورع" .
(٣) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٣٨ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٤٦٠ ، شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٢٠ كلّها عن عمر بن علىّ بن الحسين .

 ٣٦٦ - المجلد الحادى عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام علىّ / الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره / الدافع السياسى فى كيد أعدائه

أحد أكفّ عن صاحبنا من صاحبكم . قال : فلِمَ تشتمونه علي المنابر ؟ ! قال : لا يستقيم لنا هذا إلاّ بهذا(١) .

راجع : كلام فى خيبة أعدائه .


(١) أنساب الأشراف : ٢ / ٤٠٧ .


إرجاعات 
٣٨٧ - المجلد الحادي عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام عليّ / الفصل الثامن : خيبة آمال أعدائه / كلام في خيبة أعدائه