الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الحادي عشر

 

٨٤ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / ردّ الشمس أيّام إمارة الإمام

٢ / ٤

ردّ الشمس أيّام إمارة الإمام

٥٨٢٠ ـ من لا يحضره الفقيه عن جويرية بن مسهر : أقبلنا مع أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب  ¼ من قتل الخوارج حتي إذا قطعنا فى أرض بابل حضرت صلاة العصر ، فنزل أمير المؤمنين  ¼ ونزل الناس ، فقال علىّ  ¼ :

أيّها الناس ، إنّ هذه أرض ملعونة قد عذّبت فى الدهر ثلاث مرّات ـ وفى خبر آخر مرّتين ـ وهى تتوقّع الثالثة وهى إحدي المؤتفكات(١) ، وهى أوّل أرض عُبِدَ فيها وثن ، وإنّه لا يحلّ لنبىّ ولا لوصىّ نبىّ أن يصلّى فيها ، فمن أراد منكم أن يصلّى فليصلِّ .

فمال الناس عن جنبى الطريق يصلّون ، وركب هو  ¼ بغلة رسول الله  ½ ومضي .

قال جويرية : فقلت : والله لأتبعنّ أمير المؤمنين  ¼ ولاُقلّدنه صلاتى اليوم . فمضيت خلفه ، فو الله ما جزنا جسر سُوراء(٢) حتي غابت الشمس فشككت ، فالتفت إلىّ وقال :

يا جويرية أ شككت ؟

فقلت : نعم يا أمير المؤمنين .

فنزل  ¼ عن ناحية فتوضّأ ثمّ قام فنطق بكلام لا أحسنه إلاّ كأنّه بالعبرانى ، ثمّ نادي الصلاة فنظرت والله إلي الشمس قد خرجت من بين جبلين لها صرير فصلّي


(١) ائتفكتِ البَلدة بأهلها : أى انقلَبت ; فهى مُؤتَفكة (النهاية : ١ / ٥٦) .
(٢) سُوراء: موضع بالعراق من أرض بابل، وهى قريبة من الوقف والحِلّة المزيديّة (معجم البلدان: ٣/٢٧٨).

 ٨٥ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / ردّ الشمس أيّام إمارة الإمام

العصر وصلّيت معه ، فلمّا فرغنا من صلاتنا عاد الليل كما كان فالتفت إلى وقال : يا جويرية بن مسهر ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ³ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ  ²  (١) وإنّى سألت الله عزّ وجلّ باسمه العظيم فردّ علىّ الشمس .

وروى أنّ جويرية لما رأي ذلك قال : أنت وصىّ نبىّ وربّ الكعبة(٢) .

٥٨٢١ ـ بصائر الدرجات عن أبى الجارود : سمعت جويرية يقول : أسري علىّ  ¼ بنا من كربلا إلي الفرات فلمّا صرنا ببابل قال لى : أىّ موضع يسمّي هذا يا جويرية ؟

قلت : هذه بابل يا أمير المؤمنين .

قال : أما إنّه لا يحلّ لنبىّ ولا وصىّ نبىّ أن يصلّى بأرض قد عذّبت مرّتين .

قال : قلت : هذه العصر يا أمير المؤمنين فقد وجبت الصلاة يا أمير المؤمنين .

قال : قد أخبرتك أنّه لا يحلّ لنبىّ ولا وصىّ نبىّ أن يصلّى بأرض قد عذّبت مرّتين وهى تتوقّع الثالثة إذا طلع كوكب الذنب وعقد جسر بابل قتلوا عليه مائة ألف تخوضه الخيل إلي السنابك .

قال جويرية : قلت : والله لاُقلّدنّ صلاتى اليوم أمير المؤمنين .

وعطف علىّ  ¼ برأس بغلة رسول الله  ½ الدلدل حتي جاز سُورا .

قال لى : أذّن بالعصر يا جويرية .


(١) الواقعة : ٧٤ .
(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٣ / ٦١١ ، بصائر الدرجات : ٢١٧ / ١ وص ٢١٨ / ٣ ، الخرائج والجرائح : ١ / ٢٢٤ / ٦٩ ، تأويل الآيات الظاهرة : ٢ / ٧٢١ / ١٧ ، بحار الأنوار : ٤١ / ١٦٨ / ٣ وص ١٧٨ / ١٣ .

 ٨٦ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / ردّ الشمس أيّام إمارة الإمام

فأذّنت . وخلا علي ناحية فتكلّم بكلام له سريانى أو عبرانى فرأيت للشمس صريراً وانقضاضاً حتي عادت بيضاء نقيّة .

قال : ثمّ قال : أقم .

فأقمت ثمّ صلّي بنا فصلّينا معه فلمّا سلّم اشتبكت النجوم .

فقلت : وصىّ نبىّ وربّ الكعبة(١) .

٥٨٢٢ ـ وقعة صفّين عن عبد خير : كنت مع علىّ  ¼ أسير فى أرض بابل قال : وحضرت الصلاة صلاة العصر ، قال : فجعلنا لا نأتى مكاناً إلاّ رأيناه أقبح من الآخر ، قال : حتي أتينا علي مكان أحسن ما رأينا ، وقد كادت الشمس أن تغيب ، فنزل علىّ ونزلت معه ، قال : فدعا الله فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر ، قال : فصلّينا العصر ثمّ غابت الشمس(٢) .

٥٨٢٣ ـ الإرشاد : وكان رجوعها [أى الشمس] عليه بعد النبىّ  ½ : إنّه لمّا أراد أن يعبر الفرات ببابل ، اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابّهم ورحالهم ، وصلّي  ¼ بنفسه فى طائفة معه العصر ، فلم يفرغ الناس من عبورهم حتي غربت الشمس ، ففاتت الصلاة كثيراً منهم ، وفات الجمهور فضل الاجتماع معه ، فتكلّموا فى ذلك ، فلما سمع كلامهم فيه سأل الله تعالي ردَّ الشمس عليه ليجتمع كافّة أصحابه علي صلاة العصر فى وقتها ، فأجابه الله تعالي فى ردّها عليه ، فكانت فى الاُفق علي الحال التى تكون عليها وقت العصر ، فلمّا سلّم بالقوم غابت ، فسمع لها


(١) بصائر الدرجات : ٢١٨ / ٣ وص ٢١٩ / ٤ نحوه .
(٢) وقعة صفّين : ١٣٦ ، بحار الأنوار : ٤١ / ١٨٤ / ٢١ .

 ٨٧ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / أبيات فى شأن هذه الآية العظيمة

وَجيبٌ(١) شديد هال الناس ذلك ، وأكثروا من التسبيح والتهليل والاستغفار والحمد لله علي نعمته التى ظهرت فيهم ، وسار خبر ذلك فى الآفاق وانتشر ذكره فى الناس(٢) .

٢ / ٥

أبيات فى شأن هذه الآية العظيمة

٥٨٢٤ ـ بشارة المصطفي عن عبد الله بن عباس : رأيت حسّان واقفاً بمني والنبىّ مجتمعين فقال النبىّ  ½ :

معاشر الناس هذا علىّ بن أبى طالب  ¼ سيّد العرب والوصىّ الأكبر منزلته منّى منزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبىّ بعدى ، لا تقبل التوبة من تائب إلاّ بحبّه ، يا حسّان قل فينا شيئاً ، فأنشأ يقول :

لا تقبل التوبة من تائبإلاّ بحبّ ابن أبى طالبِ
أخو رسول الله بل صهره والصهر لا يعدل بالصاحبِ
ومن يكن مثل علىّ وقد ردّت له الشمس من المغربِ
ردّت عليه الشمس فى ضوئها بيضا كأنّ الشمس لم تغربِ(٣)

(١) الوَجْبَة: صوت الساقط يسقُط فتُسمع له هَدّةٌ (تاج العروس :٢ / ٤٦٦) .
(٢) الإرشاد : ١ / ٣٤٦ ، روضة الواعظين : ١٤٥ ، إعلام الوري : ١ / ٣٥١ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٣١٨ عن جويرية بن مسهر وأبى رافع والحسين بن على    ¤ .
(٣) بشارة المصطفي : ١٤٧ ، تفسير أبى الفتوح الرازى : ٦ / ٣٢٩ عن جابر بن عبد الله الأنصارى ، بحار الأنوار : ٣٧ / ٢٦٠ / ١٩ وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٣١٧ والخرائج والجرائح : ٢ / ٤٩٩ . راجع : القسم التاسع / علىّ عن لسان الشعراء / حسّان بن ثابت .

 ٨٨ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / أبيات فى شأن هذه الآية العظيمة

٥٨٢٥ ـ الإرشاد عن السيّد الحميرى :

رُدّت عليه الشمس لمّا فاتهُ وقت الصلاة وقد دنت للمغربِ
حتي تبلّج نورُها فى وقتهاللعصر ثمّ هوت هوىَّ الكوكبِ
وعليه قد رُدّت ببابل مرّةًاُخري وما ردّت لخلق مُعربِ
إلاّ ليُوشع أو لَه من بعدهِ ولردّها تأويلُ أمر مُعجبِ(١)

٥٨٢٦ ـ المناقب لابن شهر آشوب عن قدامة السعدى :

ردّ الوصى لنا الشمس التى غربتْحتي قضينا صلاة العصر فى مهلِ
لا أنسَهُ حين يدعوها فتتبعهُطَوعاً بتلبية هاها علي عجلِ
فتلك آيَتُه فينا وحجّتهُفهل له فى جميع الناس من مثلِ ؟
أقسمت لا أبتغى يوماً به بدلاً وهل يكون لنور الله من بدلِ ؟
حسبى أبو حسن مولي أدين بهِ ومَن به دان رسل الله فى الاُولِ(٢)

٥٨٢٧ ـ المناقب لابن شهر آشوب عن العونى :

ولا تنسَ يوم الشمس إذ رجعت لهُبمنتشر وادى من النور ممتعِ
فذلك بالصهبا وقد رجعت لهُببابل أيضاً رجعة المتطوّعِ(٣)

٥٨٢٨ ـ المناقب لابن شهر آشوب عن ابن حماد :

ورُدّتْ لكَ الشمس فى بابلفسامَيت يوشع لمّا سمي

(١) الإرشاد : ١ / ٣٤٧ ، خصائص الأئمّة (ع) : ٥٢ وفيه "أحمد" بدل "ليوشع" ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٣١٧ ; البداية والنهاية : ٦ / ٨٦ وليس فيه البيت الأخير . راجع : القسم التاسع / علىّ عن لسان الشعراء / السيّد الحميرى .
(٢) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٣١٩ ، تفسير أبى الفتوح الرازى : ٦ / ٣٣١ .
(٣) المناقب لابن شهر آشوب: ٢/٣١٩. راجع: القسم التاسع/علىّ عن لسان الشعراء/أبو محمّد العوني.

 ٨٩ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / أبيات فى شأن هذه الآية العظيمة

ويعقوب ما كان أسباطهُكنَجْلَيك سِبطى نبىّ الهدي(١)

٥٨٢٩ ـ المناقب لابن شهر آشوب عن السروجى :

والشمس لم تعدل بيومِ بابلِ ولا تعدّت أمره حين أمَرْ
جاءت صلاة العصر والحرب عليساق فأومي نحوها ردّ النَّظرْ
فلم تزل واقفة حتي قضيصلاته ثمّ هوت نحو المَقرّْ(٢)

٥٨٣٠ ـ البداية والنهاية عن حبيب بن أوس (٣) :

فرُدّت علينا الشمس والليل راغمٌبشمس لهم من جانب الخِدر تطلعُ
نضا ضوءُها صبغَ الدِجنة وانطويلبهجتها نور السماء المرجعُ
فو الله ما أدرى علىٌّ بدا لنا فردّتله أم كان فى القوم يُوشعُ(٤)

٥٨٣١ ـ الروضة المختارة عن ابن أبى الحديد :

يا من له ردّت ذكاء(٥) ولم يفزْبنظيرها من قبل إلاّ يوشعُ(٦)

(١) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٣١٩ . راجع : القسم التاسع / علىّ عن لسان الشعراء / بكر بن حمّاد .
(٢) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٣١٩ .
(٣) أبو تمّام حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس الطائى : ولد أيّام الرشيد . أسلم وكان نصرانيّاً ، كان واحد عصره فى ديباجة لفظه وفصاحة شعره ، وفى تاريخ وفاته خلاف بين سنة ٢٢٨ و٢٣١ و٢٣٢ هـ (راجع سير أعلام النبلاء : ١١ / ٦٣ / ٢٦) .
(٤) البداية والنهاية : ٦ / ٨٧ .
(٥) ذُكاء ـ بالضمّ ـ : اسم الشمس (لسان العرب : ١٤ / ٢٨٧) .
(٦) الروضة المختارة : ١٤٠ ، إثبات الهداة : ٢ / ٥٣٣ . راجع : القسم التاسع / علىّ عن لسان الشعراء / ابن أبى الحديد .

 ٩٠ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / مسجد ردّ الشمس

٢ / ٦

مسجد ردّ الشمس

٥٨٣٢ ـ الكافى عن عمّار بن موسي : دخلت أنا وأبو عبد الله  ¼ مسجد الفضيخ فقال : يا عمّار تري هذه الوهدة ؟ قلت : نعم . قال : كانت امرأة جعفر التى خلف عليها أمير المؤمنين  ¼ قاعدة فى هذا الموضع ومعها ابناها من جعفر فبكت ، فقال لها ابناها : ما يبكيك يا اُمّه ؟ قالت : بكيت لأمير المؤمنين  ¼ . فقالا لها : تبكين لأمير المؤمنين ولا تبكين لأبينا ؟ قالت : ليس هذا هكذا ، ولكن ذكرت حديثاً حدّثنى به أمير المؤمنين  ¼ فى هذا الموضع فأبكانى . قالا : وما هو ؟ قالت :

كنت أنا وأمير المؤمنين فى هذا المسجد فقال لى : ترين هذه الوهدة ؟ قلت : نعم .

قال : كنت أنا ورسول الله  ½ قاعدين فيها إذ وضع رأسه فى حجرى ثمّ خفق حتي غطّ ، وحضرت صلاة العصر فكرهت أن اُحرّك رأسه عن فخذى فأكون قد آذيت رسول الله  ½ حتي ذهب الوقت وفاتت فانتبه رسول الله  ½ فقال : يا علىّ صلّيت ؟ قلت : لا . قال : ولِمَ ذلك ؟ قلت : كرهت أن اُوذيك .

قال : فقام واستقبل القبلة ومدّ يديه كلتيهما وقال :

اللهمّ ردّ الشمس إلي وقتها حتي يصلّى علىٌّ فرجعت الشمس إلي وقت الصلاة حتي صلّيت العصر ثمّ انقضّت انقضاض الكوكب(١) .


(١) الكافى : ٤ / ٥٦٢ / ٧ ، قصص الأنبياء : ٢٩١ / ٣٥٩ نحوه .

 ٩١ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

ذلك الذى مضي سجّل للإمام أمير المؤمنين  ¼ فضيلة عظيمة ومنقبة متألّقة . والحقّ أنّ فهم تلك المنقبة الكريمة والإيمان بها صعب شاقّ إلاّ لذوى البصيرة الذين تفيءُ نفوسهم إلي جلال الحقيقة ، والقلوب المغموسة بنور الحقّ الوضّاء .

وعلي العكس اُولئك الذين انكفأت بهم البصيرة ، فاختاروا فى حياتهم مناهضة الفضيلة ، وصدّوا عن كلّ ما يكون عنوانه منقبةً لعلىّ  ¼ ، فراحوا يخفضون من شأنه ، وينالون منه بأقاويل واهية .

لمواجهة موقف كهذا مجانب للحقّ والصواب ، سجّل التاريخ جهود عدد من المحدِّثين والمؤرِّخين والباحثين المتمرّسين (من الشيعة والسنّة) همّهم تحرّى الحقيقة ، ورائدهم الإخلاص للحقّ ; توفّروا علي دراسة الواقعة ، وتتبّع أنبائها ، وضبط طرقها المختلفة علي أدقّ وجه ; دفاعاً عن حياض الحقّ وصوناً لحرمته .

وما نصبو إلي تقديمه فى هذا المجال الضيّق هو أن نبيّن من جهة الشهرة التى تحظي بها طرق الواقعة ورواياتها ، وأن نتعرّض من جهة اُخري لبعض الإيرادات والإشكالات ونُجيب عليها .

 ٩٢ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

لكن قبل ذلك يحسن التذكير بالملاحظتين التاليتين :

الاُولي : لمّا كانت دائرة النقد والردود ترتبط بواقعة "ردّ الشمس" علي عهد رسول الله  ½ ، ولمّا كانت النقطة الأكثر أهمّية علي هذا الصعيد هى إثبات أصل "ردّ الشمس" ، فسنجعل محور البحث فى هذه السطور مركّزاً علي واقعة "ردّ الشمس" فى عهد رسول الله  ½ ، رغم أنّ الإشكالات لها غالباً صلة بالواقعتين معاً .

الثانية : تتحلّي بعض الحوادث والظواهر بموقع يتخطّي العقل الإنسانى العادى والفهم البشرى المحدود ، سواء من حيث الوقوع أو من حيث الطبيعة والكيفيّة . وعمليّة إثبات مثل هذه الوقائع ينبغى أن تستند إلي النصوص الثابتة والأخبار الصحيحة المتقنة ، كما ينبغى التأكيد فى عمليّة نقل خبر الواقعة إلي الأجيال اللاحقة علي الطرق التى تبعث علي الاطمئنان .

كما من البديهى أن يُلحظ فى الواقعة ألاّ تكون مستحيلة عقلاً .

أمّا لو سعي البعض إلي تحليل أمثال هذه الحوادث التى مرّ ذكرها من خلال محدّدات العقل العادى ، وتفسيرها علي ضوء اُطر الفهم الإنسانى المألوف ; فلن يُفضى ذلك إلي نتيجة .

بعد هاتين الملاحظتين ، نمرّ علي البحث من خلال المحورين التاليين :

أ ـ سعة النقل وشهرته

لحديث "ردّ الشمس" شهرة ملأت الآفاق ; فمنذ اللحظة التى انبلجت فيها الواقعة اتّسعت الأخبار والنقولات ، وعني كثيرون بتتبّع أنبائها وضبط طرقها والتوثيق لها . وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار طبيعة الواقعة والمناخ الصعب الذى

 ٩٣ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

واجهته فى ظلّ أجواء محمّلة بالخوف ، مثقلة بالإرهاب وبمناوأة كلّ ما يمتّ إلي الفضائل العلويّة بصلة ، لَتبيّن أنّ حجم هذه الأخبار يُلفت النظر ، وهو حرىّ بالتأمّل والتقدير .

للتدليل علي ذلك كلّه تكفى ملاحظة النقاط التالية :

١ ـ الصحابة وحديث ردّ الشمس

لقد روي عدد من الصحابة واقعة "ردّ الشمس" ، نذكر فيما يلى عشرة منهم : الإمام علىّ  ¼ ، الإمام الحسين  ¼ ، أسماء بنت عميس ، عبد الله بن عبّاس ، أنس بن مالك ، أبو رافع ، أبو سعيد الخدرى ، جابر بن عبد الله الأنصارى ، أبو هريرة ، وامّ المؤمنين امّ سلمة .

٢ ـ المؤلِّفون وحديث ردّ الشمس

أفرد عدد كبير من الباحثين والمؤلِّفين تصانيف مستقلّة عن الواقعة ، حتي تكوّنت من بين الآثار المكتوبة مجموعة فخمة ، خليقة بالقراءة حيال واحدة من أعظم مآثر الإمام أمير المؤمنين  ¼ وأسمي مناقبه . وإليك أسماء نزر منهم :

١ ـ أبو بكر الورّاق ٢ ـ أبو الحسن شاذان الفضيلى ٣ ـ الحافظ أبو الفتح محمّد بن الحسين الأزدى الموصلى ٤ ـ أبو القاسم الحاكم ابن الحذّاءِ الحسكانى النيسابورى الحنفى ٥ ـ أبو عبد الله الحسين بن علىّ البصرى ثمّ البغدادى ٦ ـ أخطب خوارزم أبو المؤيّد موفّق بن أحمد ٧ ـ أبو علىّ الشريف محمّد بن أسعد بن علىّ بن المعمّر الحسنى النقيب النسّابة ٨ ـ الحافظ جلال الدين السيوطى ٩ ـ أبو عبد الله محمّد بن يوسف الدمشقى الصالحى(١) ١٠ ـ الحافظ


(١) الغدير : ٣ / ١٢٧ .

 ٩٤ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

الشهير ابن مردويه(١) .

٣ ـ رواة حديث ردّ الشمس

لقد أخرج حديث "ردّ الشمس" عدد كبير من محدِّثى أهل السنّة وعلمائهم ، وعلاوة علي روايته فقد صحّح طرقه وأسانيده جمع من هؤلاء . كتب العلاّمة المحقّق الشيخ عبد الحسين الأمينى بهذا الشأن : "لا يسعنا ذكر تلكم المتون ، وتلكم الطرق والأسانيد ; إذ يحتاج إلي تأليف ضخم يُخصّ به ، غير أنّا نذكر نماذج ممّن أخرجه من الحفّاظ والأعلام بين مَن ذكره مِن غير غمز فيه ، وبين مَنْ تكلّم حوله وصحّحه ، وفيها مقنع وكفاية"(٢) .

لا شكّ أنّ ما جاء فى موسوعة "الغدير" لم يرصد جميع من روي الحديث وجاء علي ذكره فى مصنّفاته ، كما أشار لذلك المؤلِّف نفسه ، فالعلاّمة الأمينى لم يأتِ ـ مثلاً ـ علي ذكر أعلام مشهورين كالفخر الرازى فى تفسيره(٣) ، والرافعى فى "التدوين" ، والدياربكرى فى "تأريخ الخميس" وغيرهم(٤) .

وإليك أسماء بعض مَنْ ذكرهم العلاّمة الأمينى ممّن أخرج الحديث من الحفّاظ والأعلام دون غمز فيه : الحافظ أبو بشر الدولابى ، الحافظ أبو جعفر الطحاوى ، الحافظ أبو جعفر العقيلى ، الحافظ أبو القاسم الطبرانى ، الحاكم أبو عبد الله الن يسابورى ، الحافظ ابن مردويه الإصفهانى ، أبو إسحاق الثعلبى ،


(١) كشف الرمس عن حديث ردّ الشمس : ١٨ .
(٢) الغدير : ٣ / ١٢٨ .
(٣) تفسير الفخر الرازى : ٣٢ / ١٢٦ .
(٤) لمزيد الاطّلاع علي رواة الحديث وطرقه وأسانيده ، راجع : إحقاق الحقّ ، ٥ / ٥٢١ ـ ٥٣٩ وج ١٦ / ٣١٥ ـ ٣٣١ وج ٢٠ / ٦١٧ ـ ٦٢٠ وج ٢١ / ٢٦١ ـ ٢٧١ .

 ٩٥ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

الفقيه أبو الحسن الماوردى ، الحافظ أبو بكر البيهقى ، الحافظ الخطيب البغدادى ، الحافظ أبو زكريا بن مندة ، الحافظ ابن حجر الهيثمى ، نور الدين الحلبى ، الحافظ أبو الحسن عثمان بن أبى شيبة والحافظ القاضى عياض .

٤ ـ تصحيح الحديث وتأييده

أشرنا آنفاً إلي أنّ جمعاً غفيراً من أعلام أهل السنّة ومحدّثيهم عمدوا ـ إضافة إلي نقل الواقعة ـ إلي تصحيح الحديث وتصويبه . وفى المقابل انتهي بعضهم إلي الطعن بها من خلال التشكيك بالحديث .

والآن نذكر آراء بعض المحدِّثين فى تصحيح حديث "ردّ الشمس" :

أ : أبو جعفر أحمد بن صالح الطبرى المصرى(١) : من محدّثى القرن الثالث الهجرى ، ومن مشايخ البخارى . قال ـ بعد أن نقل حديث أسماء بطريقين صحيحين ـ ما نصّه : "لا ينبغى لمن كان سبيله العلم التخلّف عن حفظ حديث أسماء الذى روى لنا عنه  ½ ; لأنّه من أجلّ علامات النبوّة"(٢)

ب : أبو جعفر أحمد بن محمّد الطحاوى : أخرج حديث أسماء بطريقين ، ثم راح يدافع عن الحديث ، حيث أورد شبهة تعارضه مع رواية : "لم تُحبس الشمس علي أحد إلاّ ليوشع" وأجاب عنها ، لينتهى فى آخر المطاف إلي القول : "و كلّ هذه الأحاديث من علامات النبوّة"(٣) .


(١) قال الذهبى فى ميزان الاعتدال : "أحمد بن صالح ، أبو صالح المصرى الحافظ الثبت ، أحد الأعلام . . . قال البخارى : أحمد بن صالح ثقة ، ما رأيت أحداً يتلكّم فيه بحجّة" (ميزان الاعتدال : ١٠٣ / ٤٠٦ ، وراجع التاريخ الكبير : ٢ / ٦ / ١٥١٠ والوافى بالوفيات : ٦ / ٤٢٤ / ٢٩٤٢) .
(٢) مشكل الآثار : ٢ / ١١ .
(٣) مشكل الآثار : ٢ / ١١ .

 ٩٦ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

ج : الحافظ ابن حجر العسقلانى : كتب فى مصنّفه المهمّ والمشهور "فتح البارى بشرح صحيح البخارى" : "و روي الطحاوى والطبرانى فى "الكبير" ، والحاكم ، والبيهقى فى "الدلائل" ، عن أسماء بنت عميس : أنّه  ½ دعا لمّا نام علي ركبة علىّ ففاتته صلاة العصر ، فرُدّت الشمس حتي صلّي علىّ ثمّ غربت . وهذا أبلغ فى المعجزة ، وقد أخطأ ابن الجوزى بإيراده له فى الموضوعات ، وهكذا ابن تيميّة فى كتاب الردّ علي الروافض ، فى زعم وضعه"(١) .

د : الحافظ السيوطى : وقد روي الحديث فى عدد من كتبه المختلفة ، ثمّ بادر إلي تصحيحه(٢) . كما ذكره أيضاً فى كتابه "الدرر المنتثرة فى الأحاديث المشتهرة" الذى روي فيه الأحاديث المشهورة ، ثمّ انتهي للقول : "أخرجه ابن مندة وابن شاهين من حديث أسماء بنت عميس ، وابن مردويه من حديث أبى هريرة ، وإسنادهما حسن ، وممّن صحّحه الطحاوى والقاضى عيّاض . وقد ادّعي ابن الجوزى أنّه موضوع ، فأخطأ كما بيّنته فى مختصر الموضوعات وفى التعقبات"(٣) .

لقد ذكرنا فيما سلف أنّ الجلال السيوطى صنّف رسالة مستقلّة فى بيان طرق الحديث وتصحيحها والدفاع عنه ، بعنوان "كشف اللبس عن حديث ردّ الشمس" كتب فى مقدّمة هذه الرسالة : "و بعد ; فإنّ حديث ردّ الشمس معجزة لنبيّنا  ½ ، صحّحه الإمام أبو جعفر الطحاوى وغيره ، وأفرط الحافظ أبو الفرج ابن الجوزى فأورده فى كتاب "الموضوعات" . وهذا جزء فى تتبّع طرقه وبيان حاله سميته :


(١) فتح البارى : ٦ / ٢٢١ .
(٢) راجع الغدير : ٣ / ١٣٣ / ٢٧ .
(٣) الدرر المنتثرة فى الأحاديث المشتهرة : ٢٦٦ / ٤٨٨ .

 ٩٧ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

كشف اللبس عن حديث ردّ الشمس"(١) .

ثمّ عاد ليقول آخر الرسالة : "و ممّا يشهد لصحّة ذلك قول الإمام الشافعى وغيره : ما اُوتى نبىّ معجزة إلاّ اُوتى نبيّنا  ½ نظيرها أو أبلغ منها ، وقد صحّ أنّ الشمس حُبست علي يوشع ليالى قاتل الجبّارين ، فلابدّ أن يكون لنبيّنا  ½ نظير ذلك ، فكانت هذه القصّة نظير ذلك ، والله أعلم بالصواب"(٢) .

هـ : الحافظ ابن حجر الهيثمى : كتب ابن حجر فى كتاب "الصواعق المحرقة" ضمن تعداده لكرامات المولي أمير المؤمنين ، ما نصّه : "و من كراماته الباهرة أنّ الشمس رُدّت عليه لمّا كان رأس النبىّ فى حجره . . . وحديث ردّها صحّحه الطحاوى والقاضى فى الشفاء ، وحسّنه شيخ الإسلام أبو زرعة وتبعه غيره ، وردّوا علي جمع قالوا : إنّه موضوع"(٣) .

٥ ـ رؤية الشيعة

منذ أقدم العصور وإلي القرون الأخيرة تحتفى مصادر الشيعة بهذه الواقعة المدهشة العظيمة ، وتُعِني برصدها والتوثيق لها بمختلف كتبها . فها هم اُولاء أئمّة أهل البيت (ع) يتعاطَونها فضيلةً متألّقة لأمير المؤمنين  ¼ ، ويُركّزون عليها بوصفها معجزةً شامخة لرسول الله  ½ .

وها هو ذا الإمام أمير المؤمنين  ¼ يجهر بحقيقتها مرّات ، ويستشهد بها علي الملأ حينما يري ذلك ضرورياً ، وقد ناشدهم بها مراراً ، كما رأينا النصوص تفصح


(١) كشف اللبس عن حديث ردّ الشمس المطبوع فى ضمن كشف الرمس عن حديث ردّ الشمس : ٨٩ .
(٢) كشف اللبس عن حديث ردّ الشمس المطبوع فى ضمن كشف الرمس عن حديث ردّ الشمس : ١٠٨ .
(٣) الصواعق المحرقة : ١٢٨ .

 ٩٨ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

عن ذلك(١) .

وهاهُم علماء الشيعة حماة الفكر المنافحون عن ثغور العقيدة ، يزيدون علي توثيق الواقعة ورصدها بمختلف طرقها ، الدفاعَ عمّا يحوم حولها من شبهات ، ويرصدون ما يُثيره الآخرون ضدّها من مواضع ، بمنطق سليم وجواب محكم قويم(٢) ، علي ما ستمرّ الإشارة إليه .

٦ ـ شعر الشعراء

الشعراء علي مسار التاريخ أصوات تندّ بالقيم ، وتؤبّد الوقائع . والشعر فى طليعة الوسائل التى تسهم فى حركة القيم والعواطف والأفكار نقلاً وانتقالاً .

وما دام للشعر هذا الدور الفاعل الكبير فى تثبيت الحوادث وترسيخها ، فقد انبري الشعراء لهذه المأثرة ، ولم يروا السكوت عنها سائغاً . فأحاطوا جلالها بكلماتهم ، وعكفوا علي بثّ معانيها المتألّقة فى قوالب شعرهم الزخّار بالفكر ، الفائض بالعاطفة ، فحفظوا هذه المنقبة العليّة حيّة نابضة فى أروقة التاريخ علي مرّ الزمان(٣) .

إنّ لواقعة "ردّ الشمس" فى حديث الشعر والشعراء ، خلفيّة متوغّلة فى الزمان تتمادي حتي تتّصل بعصر رسول الله  ½ وأيّامه الزاهية الرحيبة ; فها هو ذا حسّان بن ثابت يطوف فى قصيدة علي فضائل علىّ التى تنأي عن العدّ ، وتعظم علي الإحصاء ، فيلبث مع الواقعة منشداً :


(١) كشف الرمس عن حديث ردّ الشمس : ١٩٧ ـ ٢٣١ .
(٢) راجع : دلائل الصدق : ٢ / ٢٩٥ ـ ٣٠١ .
(٣) راجع : كشف الرمس عن حديث ردّ الشمس : ٢٣١ ـ ٢٧٦ .

 ٩٩ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

يا قوم مَن مثل علىّ وقدرُدّت له الشمس من المغربِ

أجل ، لقد كان للشعر حظّه العظيم ، ولقصيد الشعراء دوره النافذ العميق فى تخليد هذه الواقعة ، وصونها فى منعطفات التاريخ(١) .

ب ـ إشكالات وأجوبة

طالما كرّرنا أنّ أعداء الفضيلة لم يدّخروا وسعاً فى سبيل أن يُطفئوا وهج هذا الفضل العلوى ، أو ينالوا من تألّقه شيئاً ; فقد راحوا يفرضون حول الواقعة طوقاً ، ويحاصرونها بإشكالات عديدة ; فمن حيث السند راموا مثلاً أن "يجرحوا" بعض رجاله ، كما رَموا البعض الآخر بالضعف مع أنّهم من رجال الصحيحَين !

مفارقة كبيرة ولا ريب ! فمن جهة حكم هؤلاء بصحّة أخبار الصحيحَين أجمع ، ومن جهة ثانية راحوا يخرّبون البناء الذى أسّسوه من القواعد ، عندما ضاقت عليهم الأمور ، فكيف يجتمع هذا إلي ذاك !(٢)

لم يذر العلماء أمر هذه الإشكالات هملاً ، بل أجابوا عليها . وإليك جولة مع أبرز هذه الإشكالات وجواب العلماء عليها ، نوردها مع بعض الإضافات :

١ ـ ضعف السند

هذا إشكال لا يُفضى إلي شىء ; فمن جهة "صحّح" جمّ كثير من علماء أهل السنّة ومحدِّثيهم ـ كما سلفت الإشارة ـ طرقَ الحديث ، ولم يعبأ هؤلاء بمن ذهب إلي تضعيف الحديث وتوهين طرقه ، بل زادوا أحياناً علي ذلك بأن شدّدوا النكير علي مَنْ ضعّف حديثاً صحيحاً مثل هذا .


(١) كشف الرمس عن حديث ردّ الشمس : ٢٣٣ .
(٢) دلائل الصدق : ٢ / ٢٩٧ .

 ١٠٠ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

ومن جهة اُخري ، وعلي فرض التسليم بضعف تمام طرق الحديث وأسانيده ، فإنّ نُقوله بلغت من الاستفاضة ما يكفى لحصول الاطمئنان بوقوع أصل الحادثة حتي مع فرض ضعف السند . وهذا القدر يكفى لإثبات المطلوب وإن كان قاصراً عن إثبات التفاصيل .

٢ ـ تعارضه مع حديث "لم تُحبس الشمس علي أحد إلاّ ليوشع"

لهذا الإشكال جوابات عدّة ; منها : أنّ الحديث يُفيد أنّ هذه الواقعة لم تحصل فى الاُمم السابقة إلاّ ليوشع ، لكن ليس له دلالة قطّ علي عدم وقوع ذلك فى المستقبل .

٣ ـ فضيلة نبويّة وليست علويّة

يبدو أنّ اُولئك الذين يلوكون هذه الكلمات أو يسطرونها بأقلامهم لم يتأمّلوا لا بالواقعة ولا بنصوص النقول والروايات ! فالنبىّ  ½ يذكر فى دعائه عليّاً  ¼ ، ويطلب أن تعود له الشمس كى يؤدّى صلاته ، فهى إذاً فضيلة نبويّة ، لأنّها تمّت بطلبه ودعائه ، وهى علويّة ; لأنّ "ردّ الشمس" تحقّق للإمام أمير المؤمنين  ¼ .

٤ ـ فقدان فائدة "ردّ الشمس"

قالوا : إنّ الصلاة صارت قضاءً عند غروب الشمس وفوات وقتها ، فما الفائدة من ردّها والصلاة لن تصير أداءً عندئذ ؟

ذكر ابن حجر الهيثمى هذا الإشكال ، ثمّ أوضح فى جوابه : كما أنّ "ردّ الشمس" خصوصيّة لعلىّ  ¼ ، كذلك إدراك العصر الآن ـ أى بعد ردّ الشمس ـ أداءً خصوصيّة له وكرامة(١) .


(١) راجع : الصواعق المحرقة : ١٢٨ . وقد أجاب الملاّ على القارئ علي الإشكال بالجواب ذاته فى "المرقاة" شرح "المشكاة" كما فى الغدير : ٣ / ١٣٥ / ٣٣ نقلاً عن المرقاة : ٤ / ٢٨٧ .

 ١٠١ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

والمحصّل أنّه لمّا كان أصل الواقعة ثابتاً بنقول صحيحة ، فلا يعدّ ثمَّ مجال لمثل هذه الإشكالات . ولا ريب أنّ الحادثة بأساسها غير عاديّة ولها خصوصيّة ; ومن ثمّ كذا تكون ملابساتها ومعطياتها . يُضاف إلي ذلك أنّه يمكن النظر إلي مثل هذه الأحكام والإيرادات علي أنّها اجتهاد فى مقابل النصّ ; فعندما يريد رسول الله  ½ أن يُجرى الأمر علي هذا المنوال ، فمعني ذلك أنّ هناك فائدة تُرجي ، وعندئذ كيف يجوز مواجهة هذا النصّ والاستنباط بأن ليس هناك فائدة تُتوخّي منه !

٥ ـ التغيّر فى نظام الوجود

طروء التغيّر علي نظام الأفلاك هو لازمة الإيمان بهذه الواقعة ، وهذا ممّا لا يمكن القبول به . هذا هو الإشكال الخامس .

ذكرنا فى بداية التحليل أنّ الحادثة قد تكون أحياناً فوق أن تنتظمها الاُطر التحليليّة العقلانيّة العاديّة ، ومن ثمّ يكفى فى إثبات هذه الحوادث عدم استحالتها وتعارضها مع النصوص الثابتة .

وممّا لا ريب فيه أنّ وقوع مثل هذه الحادثة ـ التى كان لها مثال قطعى فى التاريخ ـ هو ليس محالاً عقلاً حتي تعدّ خارج دائرة القدرة الإلهيّة . علي هذا الأساس لا يمنع من الإيمان بها كأمر "علي خلاف العادة" بيدَ أنّه يتوائم مع العلل والعوامل الموجودة فى الوجود ، وينسجم مع القدرة الإلهيّة ، علاوة علي أنّه قد وقع فعلاً علي عهد يوشع كما سلفت الإشارة إليه .

٦ ـ تعارض النقول وتنافيها

لقد رأينا كثرة النصوص التى تتوفّر علي نقل الواقعة . ولمّا كانت النقول

 ١٠٢ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

الكثيرة تقترن غالباً مع ظاهرة النقل بالمعني ، وتتخلّلها أغراض متعدّدة للرواة والناقلين ، وأساليب مختلفة فى كيفية ضبط الواقعة ، فسيطرأ التغيّر علي النصوص والنقول من حيث المحتوي .

فمن الرواة من ينقل الواقعة بأبعادها كافّة ، ومنهم من يكتفى بأصل الواقعة وهكذا ، ممّا لا ينفى النسيان ولا يُسقِط إمكان الخطأ .

علي هذا الضوء يبدو أنّ تعدّد الأخبار حول الحادثة الواحدة واختلافها هو أمر طبيعى ، قد يُفضى أحياناً إلي تهافت بعض أجزائها وسقوطها عن الاعتبار . بيدَ أنّ هذا التنافى لا يوجب نفى أصل الواقعة ; لأنّ لذلك معايير وملاكات خاصّة .

لذلك يُعدّ خطأً كبيراً ما ذهب إليه نقّاد الواقعة من أنّ تنافى بعض خصوصيّاتها وتهافته يُفضى إلي كذب أصل الواقعة ونفيه .

لقد تناول العلاّمة الشيخ محمّد حسن المظفر أبعاد هذا الإشكال والجواب عليه . وقد رأينا من الجدير ذكر النصّ كاملاً ، كما يلى :

"الأمر الثالث : إنّ خصوصيّات الروايات متنافية من وجوه ; وهو يكشف عن كذب الواقعة :

الأوّل : دلالة بعضها علي طلوع الشمس حتي وقعت علي الجبال وعلي الأرض ، وبعضها حتي توسّطت السماء ، وبعضها حتي بلغت نصف المسجد ، وهذا دالّ علي أنّ ذلك بالمدينة ; لأنّ المقصود مسجدها ، وكثير من الأخبار يدلّ علي أنّه بالصهباء فى غزوة خيبر .

الثانى : أنّ بعضها يدلّ علي أنّ النبىّ  ½ كان يُوحَي إليه ، وبعضها كان نائماً ثمّ

 ١٠٣ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

استيقظ .

الثالث : دلالة بعضها علي أنّ عليّاً كان مشغولاً بالنبىّ  ½ ، وبعضها علي أنّه كان مشغولاً بقسم الغنائم ; إلي غير ذلك من الخصوصيّات المتنافية .

والجواب : أنّ تنافى الخصوصيّات لا يوجب كذب أصل الواقعة ، وإنّما يقتضى الخطأ فى الخصوصيّات ; إذ لا تري واقعة تكثر طرقها إلاّ واختلف النقل فى خصوصيّاتها ، حتي أنّ قصّة انشقاق القمر قد وردت فى الرواية التى تقدّمت عن الترمذى ، بأنّ القمر صار فرقتين علي جبلين ، وفى رواية اُخري للترمذى انشقّ فلقتين : فلقة من وراء الجبل وفلقة دونه ، وفى "صحيح البخارى" فرقة فوق الجبل وفرقة دونه .

علي أنّه لا تنافى بين تلك الخصوصيّات ; لأنّ المراد بجميع الخصوصيّات فى الوجه الأوّل هو رجوع الشمس إلي وقت صلاة العصر ، كما صرّح به بعض الأخبار ، لكن وقعت المبالغة فى بعضها بأنّها توسّطت السماء ، والمبالغة غير عزيزة فى الكلام ، كما أنّ وقوع ردّ الشمس فى غزوة خيبر لا ينافى بلوغها نصف المسجد .

وأمّا الخصوصيّات فى الوجه الثانى ، فلا تنافى بينها أيضاً ; لصحّة حمل نوم النبىّ  ½ علي غشية الوحى ، والاستيقاظ علي تسرّيه ، ولذا عبّر بعض الأخبار بالاستيقاظ بعد ذكر نزول جبرئيل وتغشّى الوحى للنبىّ  ½ .

وأمّا الخصوصيّات فى الوجه الثالث فهى أظهر بعدم التنافى بينها ; إذ لا يبعد أنّ قسم الغنائم هو الحاجة التى وقعت قبل شغل علىّ  ¼ بالنبىّ  ½ لا فى عرضه .

 ١٠٤ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

وعلي هذا القياس فى سائر الخصوصيّات التى يتوهّم تنافيها"(١) .

٨ ـ طبيعة النقل وقلّته

ممّا ذكروه فى عداد الإشكالات أنّه لو كان لواقعة "ردّ الشمس" أصلٌ ; لكان من الطبيعى أن يراها عدد كبير من الناس ، كما كان حريّاً أن تُسجَّل بوصفها واقعة تاريخيّة من أعظم عجائب العالم التى تتوفّر الدواعى إلي نقلها ، ومن ثَمّ لَتناقلها مختلف الأقوام والملل ، ولم يُقصر نقلها علي عدّة قليلة .

ربما ظنّ بعضهم أنّ هذا الإشكال هو أهمّ ما يواجه الواقعة من إشكالات . بيدَ أنّه بدوره يحظي بجوابين : نقضىّ وحلّىّ معاً :

أمّا نقضاً : فقد شهد التاريخ الإسلامى علي عهد رسول الله  ½ حدوث واقعة عظيمة حقّاً هى "شقّ القمر" التى تُعدّ أدعي للعجب وإثارة الدهشة من مسألة "ردّ الشمس" ; فقد انشقّ القمر وصار شطرين بإشارة إعجازيّة من النبىّ  ½ ،بعد أن طلب المشركون ذلك ، بحيث صار كلّ شقّ علي جانب .

وقد رأي المسافرون الذين كانوا يتّجهون تلقاء مكّة هذه الظاهرة الإعجازيّة ، وأخبروا قريشاً برؤيتهم . ثمّ إنّ جميع المفسِّرين بلا استثناء أذعنوا للواقعة ، وقد جاءت تؤكّدها الآيات الاُولي من سورة "القمر" وتوثّقها فى قوله سبحانه(٢) : ³ اقْتَرَبَتِ السَّـاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ  ± وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ  ²  (٣) ، ومن ثمّ لم تتوفّر الدواعى لإخفائها ، لكن مع ذلك كلّه لم يزِد رواتها


(١) دلائل الصدق : ٢ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩ .
(٢) راجع : كتب التفسير فى ظلال سورة القمر .
(٣) القمر : ١ و٢ .

 ١٠٥ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

علي رواة "ردّ الشمس" ; كما لم تطبق شهرتها الآفاق أيضاً بحيث يعرف خبرها جميع الأقوام والملل .

أكثر من ذلك ، لو لم تُوثّق الآيات الكريمة للواقعة وتؤبّدها علي مدار الزمان من خلال الوحى الإلهى ، فلربّما لم تبلغ نصوصها حتي هذا القدر الموجود الآن ، ولاختفت النصوص ، وصارت واقعة "شقّ القمر" فى مطاوى النسيان .

أمّا الجواب حلاًّ : فما يبعث علي الأسف أنّ ثقافة ضبط الحديث وتدوينه وكتابته كانت ضعيفة بين عامّة المسلمين خلال القرن الهجرى الأوّل ; لأسباب ليس هذا محلّ تفصيلها . وبذلك اندثرت آثار ومآثر كثيرة ، وضاع مثلها من الأحاديث والروايات ، ومن ثَمّ لم تحظَ معاجز رسول الله  ½ بنقول مكثّفة تغطّيها باستفاضة من كلّ جانب .

من زاوية اُخري يُلحظ أنّ الفضاء الذى كان يُهيمن علي أجواء الحياة الإسلاميّة كان يميل إلي مواجهة الفضائل العلويّة ، ويسعي إلي طمس مناقب آل الله (ع) ، ليس خلال القرن الأوّل وحده وإنّما علي مدار قرون . وبذلك كان ضبط هذه الأخبار وإذاعتها يستتبع تبعات مكلّفة ، ويترتّب عليه ثمن باهض .

إنّ هذا الجوّ الذى يعرفه الباحثون فى تاريخ الإسلام ، يمكن أن يفسِّر لنا قلّة النصوص بإزاء هذه الوقائع ، وأكثر من ذلك أنّه يكشف أنّ هذا القدر الذى بلغنا كان رهين اللطف الإلهى ، وما تحظي به تلك الوقائع من عظمة وجلال .

من جهة ثالثة يُلحظ أنّ الأرضيّة لم تكن واضحة بما فيه الكفاية لرؤية الواقعة من قبل عدد كبير من الناس ; فمن ناحية كانت المدّة التى عادت بها الشمس قصيرة ، ومن ناحية اُخري تقضى طبيعة الحادثة وخصوصيّاتها ألاّ تكون الشمس قد ارتفعت كثيراً فى كبد السماء ، وبذلك لم تكن رؤيتها ممكنة إلاّ فى

 ١٠٦ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثانى : ردّ الشمس له / بحث حول حديث ردّ الشمس

المناطق القريبة من الاُفق ، وبشرط عدم وجود المانع كالغمام والغبار(١) .

مع ذلك كلّه ، لا تبدو نصوص الواقعة قليلة إذا ما قيست بنصوص وأخبار ما سواها من الوقائع . فعلي رغم عدم عناية المعاصرين للواقعة وعدم اهتمامهم بتوثيقها بحكم كونهم فى صلب الحادثة وصميمها ، إلاّ أنّ الذين وثّقوا لها فى الأجيال اللاحقة ، وعنَوا بضبطها وتدوينها لم يكونوا قلّة قط .

ومهما يكن ; فإنّ وقوع "ردّ الشمس" هو أمر قطعىّ ، وأخبار الواقعة ثابتة مستفيضة .


(١) ثَمَّ نصّ بهذا الشأن ربّما كان عن المعصوم ، جاء فيه : "قال العالم : علّة ردّ الشمس علي أمير المؤمنين  ¼ وما طلعت علي أهل الأرض كلّهم ، أنّه جلّل الله السماء بالغمام إلاّ الموضع الذى كان فيه أمير المؤمنين  ¼ وأصحابه ; فإنّه جلاه حتي طلعت عليهم" (بحار الأنوار : ٥٨ / ١٦٦ / ٢٦ ، نقلاً عن العلل لمحمّد بن علىّ بن إبراهيم) .