الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الحادي عشر

 

١٢٦ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / ملك معاوية

٣ / ٧

ملك معاوية

٥٨٧٥ ـ الإمام الحسن  ¼ : إنّ أمير المؤمنين  ¼ قال لى ذات يوم وقد رآنى فرحاً : يا حسن أ تفرح ؟ ! كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا ؟ ! أم كيف بك إذا ولى هذا الأمر بنو اُميّة ، وأميرها الرحب البلعوم ، الواسع الأعفاج(١) ، يأكل ولا يشبع ، يموت وليس له فى السماء ناصر ولا فى الأرض عاذر ، ثمّ يستولى علي غربها وشرقها ، يدين له العباد ويطول ملكه ، يستنّ بسنن البدع والضلال ، ويميت الحقّ وسُنّة رسول الله  ½ ، يقسم المال فى أهل ولايته ، ويمنعه من هو أحقّ به ، ويُذلّ فى ملكه المؤمن ، ويقوي فى سلطانه الفاسق ، ويجعل المال بين أنصاره دولا ، ويتّخذ عباد الله خولا ، يدرس فى سلطانه الحقّ ، ويظهر الباطل ، ويُلعن الصالحون ، ويقتل من ناواه علي الحقّ ، ويدين من والاه علي الباطل(٢) .

٥٨٧٦ ـ الإمام علىّ  ¼ : أما إنّه سيظهر عليكم بعدى رجل رحب البُلعوم ، مُندحق البطن(٣) ، يأكل ما يجد ، ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ، ولن تقتلوه ! ألا وإنّه سيأمركم بسبّى والبراءة منّى ، فأمّا السبّ فسبّونى ، فإنّه لى زكاة ، ولكم نجاة ، وأمّا البراءة فلا تتبرّأوا منّى ; فإنّى ولدت علي الفطرة ، وسبقت إلي الإيمان


(١) العَفَج : المِعَي ; مفرد أمعاء (تاج العروس : ٣ / ٤٣٤) .
(٢) الاحتجاج : ٢ / ٧٠ / ١٥٨ عن زيد بن وهب الجهنى ، بحار الأنوار : ٤٤ / ٢٠ / ٤ وراجع المناقب للكوفى : ٢ / ١٢٨ / ٦١٤ وص ٣١٥ / ٧٨٧ .
(٣) مُندَحِق البطن : أى واسِعُها ، كأنّ جوانبها قد بَعُد بعضها من بعض فاتَّسَعَت (النهاية : ٢ / ١٠٥) .

 ١٢٧ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / ملك معاوية

والهجرة(١) .

٥٨٧٧ ـ الإيضاح عن مِيْنا مولي عبد الرحمن بن عوف : سمع علىّ بن أبى طالب صلوات الله عليه ضوضاةً فى عسكره ، فقال : ما هذا ؟

فقيل : قُتل معاوية .

فقال : كلاّ وربّ الكعبة ، لا يقتل حتي تجتمع الاُمّة عليه .

فقيل له : يا أمير المؤمنين فبم تقاتله ؟

قال : ألتمس العذر فيما بينى وبين الله(٢) .

٥٨٧٨ ـ الخرائج والجرائح عن عوف بن مروان : إنّ راكباً قدم من الشام ، فأفشي فى الكوفة أنّ معاوية مات ، فجىء بالرجل إلي علىّ  ¼ فقال : أنت شهدت موت معاوية ؟

قال : نعم ، كنت فيمن دفنه .

فقال له علىّ : إنّك كاذب .

فقال القوم : أ هو يكذب ؟

قال : نعم ; لأنّ معاوية لا يموت حتي يملك هذه الاُمّة ، ويفعل كذا ، ويفعل كذا بعدما ملك .


(١) نهج البلاغة : الخطبة ٥٧ ، إعلام الوري : ١ / ٣٤٠ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٧٢ .
(٢) الإيضاح : ٤٥٥ ، الخرائج والجرائح : ١ / ١٩٨ / ٣٧ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٥٩ ، بحار الأنوار : ٤١ / ٢٩٨ / ٢٧ .

 ١٢٨ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / ملك معاوية

فقال القوم : فَلِمَ تقاتله وأنت تعلم أنّه سيبلغ هذا ؟

قال : للحجّة(١) .

٥٨٧٩ ـ مروج الذهب : قد كان معاوية دسّ اُناساً من أصحابه إلي الكوفة يشيعون موته ، وأكثر الناس القول فى ذلك حتي بلغ عليّاً ، فقال فى مجلسه :

قد أكثرتم من نعى معاوية ، والله ما مات ولا يموت حتي يملك ما تحت قدمى ، وإنّما أراد ابن آكلة الأكباد أن يعلم ذلك منّى ، فبعث من يشيع ذلك فيكم ليعلم ويتيقّن ما عندى فيه ، وما يكون من أمره فى المستقبل من الزمان .

ومرّ فى كلام كثير يذكر فيه أيّام معاوية ومن تلاه من يزيد ومروان وبنيه ، وذكر الحجّاج وما يسومهم من العذاب ، فارتفع الضجيج ، وكثر البكاء والشهيق ، فقام قائم من الناس فقال : يا أمير المؤمنين ، ولقد وصفت اُموراً عظيمة ، آلله إن ذلك كائن ؟

قال علىّ : والله إنّ ذلك لكائن ، ما كَذِبت ولا كُذِبت .

فقال آخرون : متي يكون ذلك يا أمير المؤمنين ؟

قال : إذا خُضبت هذه من هذه ، ووضع إحدي يديه علي لحيته والاُخري علي رأسه ، فأكثر الناس من البكاء .

فقال : لا تبكوا فى وقتكم هذا فستبكون بعدى طويلا .


(١) الخرائج والجرائح : ١ / ١٩٨ / ٣٧ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٥٩ عن عوف عن مروان الأصفر نحوه ، بحار الأنوار : ٤١ / ٣٠٤ / ٣٧ .

 ١٢٩ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / عاقبة خالد بن عُرْفُطة

فكاتب أكثر أهل الكوفة معاوية سرّاً فى اُمورهم ، واتّخذوا عنده الأيادى ، فو الله ما مضت إلاّ أيّام قلائل حتي كان ذلك(١) .

٣ / ٨

عاقبة خالد بن عُرْفُطة

٥٨٨٠ ـ مقاتل الطالبيّين عن السائب : بينما علىّ  ¼ علي المنبر إذ دخل رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، مات خالد بن عرفطة .

فقال : لا والله ما مات .

إذ دخل رجل آخر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، مات خالد بن عرفطة .

فقال : لا والله ما مات .

إذ دخل رجل آخر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، مات خالد بن عرفطة .

فقال : لا والله ما مات ولا يموت حتي يدخل من باب هذا المسجد ـ يعنى باب الفيل ـ براية ضلالة يحملها له حبيب بن عمّار .

قال : فوثب رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا حبيب بن عمّار ، وأنا لك شيعة .

قال : فإنّه كما أقول .

فقدم خالد بن عرفطة علي مقدّمة معاوية يحمل رايته حبيب بن عمّار(٢) .


(١) مروج الذهب : ٢ / ٤٢٩ .
(٢) مقاتل الطالبيّين : ٧٨ .

 ١٣٠ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / عاقبة خالد بن عُرْفُطة

٥٨٨١ ـ الإرشاد عن سويد بن غفلة : إنّ رجلا جاء إلي أمير المؤمنين  ¼ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّى مررت بوادى القري(١) ، فرأيت خالد بن عرفطة قد مات بها ، فاستغفِرْ له .

فقال أمير المؤمنين  ¼ : مَهْ ، إنّه لم يمت ولا يموت حتي يقود جيش ضلالة ، صاحب لوائه حبيب بن حِماز .

فقام رجل من تحت المنبر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، والله ، إنّى لك شيعة ، وإنّى لك محبّ .

قال : ومن أنت ؟

قال : أنا حبيب بن حِماز .

قال : إيّاك أن تحملها ، ولتحملنّها فتدخل بها من هذا الباب ـ وأومأ بيده إلي باب الفيل ـ .

فلمّا مضي أمير المؤمنين  ¼ ، وقضي الحسن بن علىّ من بعده ، وكان من أمر الحسين بن علىّ    ¤ ومن ظهوره ما كان ، بعث ابن زياد بعمر بن سعد إلي الحسين بن علىّ    ¤ ، وجعل خالد بن عرفطة علي مقدّمته ، وحبيب بن حماز صاحب رايته ، فسار بها حتي دخل المسجد من باب الفيل .

[قال المفيد :] وهذا ـ أيضاً ـ خبر مستفيض ، لا يتناكره أهل العلم الرواةُ للآثار ، وهو منتشر فى أهل الكوفة ، ظاهر فى جماعتهم ، لا يتناكره منهم اثنان ،


(١) وادى القُري : واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة ، كثير القري (معجم البلدان : ٥ / ٣٤٥) .

 ١٣١ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / ملك بنى مروان

وهو من المعجز الذى بيّناه(١) .

٥٨٨٢ ـ خصائص الأئمّة (ع) عن اُمّ حكيم بنت عمرو : خرجت وأنا أشتهى أن أسمع كلام علىّ بن أبى طالب  ¼ ، فدنوت منه وفى الناس رقّة ، وهو يخطب علي المنبر ، حتي سمعت كلامه ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، استغفر لخالد بن عرفطة ، فإنّه قد مات بأرض تيماء(٢) ، فلم يردّ عليه ، فقال الثانية فلم يردّ عليه ، ثمّ قال الثالثة .

فالتفت إليه فقال : أيّها الناعى خالد بن عرفطة كذبت ، والله ما مات ، ولا يموت حتي يدخل من هذا الباب ، يحمل راية ضلالة .

قالت : فرأيت خالد بن عرفطة يحمل راية معاوية حتي نزل نخيلة(٣) وأدخلها من باب الفيل(٤) .

٣ / ٩

ملك بنى مروان

٥٨٨٣ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى وصف مروان بن الحكم ـ : أما إنّ له إمرةً كلعقة الكلب


(١) الإرشاد : ١ / ٣٢٩ ، إعلام الوري : ١ / ٣٤٥ ، إرشاد القلوب : ٢٢٥ ، الاختصاص : ٢٨٠ ، بصائر الدرجات : ٢٩٨ / ١١ وفيها "جماز" بدل "حِماز" ; الإصابة : ٢ / ٢٠٩ / ٢١٨٧ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٨٦ وفيهما "حمار" بدل "حِماز" والأربعة الأخيرة نحوه .
(٢) تَيْماء: بليدة فى أطراف الشام، بين الشام ووادى القري علي طريق حاجّ الشام (معجم البلدان : ٢/٦٧) .
(٣) النُّخَيلَة : موضع قرب الكوفة علي سمت الشام (معجم البلدان : ٥ / ٢٧٨) .
(٤) خصائص الأئمّة (ع) : ٥٢ ، الملاحم والفتن : ٢٣٤ / ٣٤١ نحوه .

 ١٣٢ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / ملك بنى مروان

أنفه(١) ، وهو أبو الأكْبُش الأربعة(٢) ، وستلقي الاُمّة منه ومن ولده يوماً أحمر(٣) .

٥٨٨٤ ـ عنه  ¼ ـ لمروان بن الحكم يوم الجمل وقد بايعه ـ : يابن الحكم ، فلقد كنت تخاف أن يقع رأسك فى هذه البقعة ؟ ! كلاّ أبي الله أن يكون ذلك حتي يخرج من صلبك طواغيت يملكون هذه الرعيّة(٤) .

٥٨٨٥ ـ عنه  ¼ ـ فى مروان بن الحكم ـ : ليحملنّ راية ضلالة بعدما يشيب صدغاه ، وله إمرة كَلحْسَة الكلب أنفَه(٥) .

٥٨٨٦ ـ تاريخ دمشق عن أبى سليمان : بينا علىّ واضعاً يده علي بعض يمشى فى سكك المدينة ، إذ جاء مروان بن الحكم فى حلّة ; فتي شاب ناصع اللون وقاذ ، فقال له : يا كذا وكذا ، يا أبا الحسن ؟ وجعل علىّ يخبره . فلمّا فرغ ولّي من عنده ، فنظر فى قفاه ، ثمّ قال : ويلٌ لاُمّتك منك ومن بنيك إذا شابت ذراعاك(٦) .

٥٨٨٧ ـ الإمام علىّ  ¼ : لكأنّى أنظر إلي ضِلّيل قد نعق بالشام ، وفحص براياته فى ضواحى كوفان . فإذا فغرت فاغرته ، واشتدّت شكيمته ، وثقُلت فى الأرض وطأته ، عضّت الفتنة أبناءها بأنيابها ، وماجت الحرب بأمواجها ، وبدا من الأيّام


(١) يريد قصر المدّة ، وكذلك كانت مدّة خلافة مروان ; فإنّه ولِىَ تسعة أشهر .
(٢) الأكْبُش الأربعة بنو عبد الملك ; الوليد ، وسليمان ، ويزيد ، وهشام ، ولم يلِ الخلافة من بنى اُميّة ولا من غيرهم أربعة إخوة إلاّ هؤلاء (شرح نهج البلاغة : ٦ / ١٤٧) .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٧٣ ; ربيع الأبرار : ٤ / ٢٤٢ ، تذكرة الخواصّ : ٧٨ وليس فيه "و هو أبو الأكْبُش الأربعة" .
(٤) إرشاد القلوب : ٢٧٧ عن رباب بن رياح ، مشارق أنوار اليقين : ٧٦ وراجع الخرائج والجرائح : ١ / ١٩٧ / ٣٥ .
(٥) الطبقات الكبري : ٥ / ٤٣ ، تاريخ دمشق : ٥٧ / ٢٦٣ .
(٦) تاريخ دمشق : ٥٧ / ٢٦٥ ، كنز العمّال : ١١ / ٣٦١ / ٣١٧٤٤ .

 ١٣٣ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / سلطة الحجّاج

كلوحُها(١) ، ومن الليالى كدوحُها(٢) . فإذا أينع زرعه ، وقام علي ينعه ، وهدرت شقاشقه ، وبرقت بوارقه ، عُقدت رايات الفتن المعضلة ، وأقبلن كالليل المظلم ، والبحر الملتطم . هذا ، وكم يخرق الكوفة من قاصف . ويمرّ عليها من عاصف ! وعن قليل تلتفّ القرون بالقرون ، ويحصد القائم ، ويحطم المحصود !(٣) (٤)

٣ / ١٠

سلطة الحجّاج

٥٨٨٨ ـ الإمام علىّ  ¼ : أما والله ، ليُسلّطنّ عليكم غلام ثقيف ، الذيّال الميّال ،


(١) الكُلُوح : العُبُوس (النهاية : ٤ / ١٩٦) .
(٢) الكدوح : الخُدُوش (النهاية : ٤ / ١٥٥) .
(٣) قال ابن أبى الحديد : هذا كناية عن عبد الملك بن مروان ; لأنّ هذه الصفات والأمارات فيه أتمّ منها فى غيره ، لأنّه قام بالشام حين دعا إلي نفسه وهو معني نعيقه ، وفحصت راياته بالكوفة ، تارةً حين شخص بنفسه إلي العراق وقتل مُصعباً ، وتارةً لمّا استخلف الاُمراء علي الكوفة كبشر بن مروان أخيه وغيره ، حتي انتهي الأمر إلي الحجّاج وهو زمان اشتداد شكيمة عبد الملك وثِقَل وطأته وحينئذ صَعُب الأمر جدّاً ، وتفاقمت الفتن مع الخوارج وعبد الرحمن بن الأشعث . فلمّا كمل أمر عبد الملك وهو معني "أينع زرعه" هلك ، وعقدت رايات الفتن المعضلة من بعده ، كحروب أولاده مع بنى المهلّب وكحروبهم مع زيد بن علىّ  ¼ ، وكالفتن الكائنة بالكوفة أيّام يوسف بن عمر ، وخالد القسرى ، وعمر بن هُبيرة وغيرهم ، وما جري فيها من الظلم واستئصال الأموال وذهاب النفوس . وقد قيل : إنّه كني عن معاوية وما حدث فى أيّامه من الفتن ، وما حدث بعده من فتنة يزيد وعبيد الله بن زياد ، وواقعة الحسين  ¼ . والأوّل أرجح ; لأنّ معاوية فى أيّام أمير المؤمنين  ¼ كان قد نعق بالشام ، ودعاهم إلي نفسه . والكلام يدلّ علي إنسان ينعق فيما بعد ، ألا تراه يقول : لكأنّى أنظر إلي ضِلّيل قد نَعَق بالشام ؟ ( شرح نهج البلاغة : ٧ / ٩٩ ) .
(٤) نهج البلاغة : الخطبة ١٠١ .

 ١٣٤ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / سلطة الحجّاج

يأكل خَضِرتكم ويُذيبُ شحمتكم ، إيه أبا وذَحة !(١)

٥٨٨٩ ـ دلائل النبوّة عن حبيب بن أبى ثابت : قال علىّ (ع) لرجل : لا مُتَّ حتي تدرك فتي ثقيف .

قيل له : يا أمير المؤمنين ، ما فتي ثقيف ؟

قال : ليُقالَنّ له يوم القيامة : أكفنا زاوية من زوايا جهنّم ; رجل يملك عشرين أو بضعاً وعشرين سنةً ، لا يدعُ لله معصية إلاّ ارتكبها حتي لو لم تبقَ إلاّ معصية واحدة وكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتي يرتكبها ، يقتل بمن أطاعه من عصاه(٢) .

٥٨٩٠ ـ مقاتل الطالبيّين عن موسي بن أبى النعمان : جاء الأشعث إلي علىّ يستأذن عليه ، فردّه قنبر ، فأدمي الأشعث أنفه ، فخرج علىّ وهو يقول : ما لى ولك يا أشعث ؟ ! أما والله لو بعبد ثقيف تمرّست لاقشعرّت شعيراتك .

قيل : يا أمير المؤمنين ، ومن غلام ثقيف ؟

قال : غلام يليهم لا يُبقى أهل بيت من العرب إلاّ أدخلهم ذلاًّ .

قيل : يا أمير المؤمنين ، كم يلى ؟ وكم يمكث ؟

قال : عشرين إن بلغها(٣) .


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١١٦ . قال الشريف الرضى الوذَحة : الخنفساء ، وهذا القول يومئ به إلي الحجّاج ، وله مع الوذَحة حديث ليس هذا موضع ذكره .
(٢) دلائل النبوّة للبيهقى : ٦ / ٤٨٩ ، البداية والنهاية : ٦ / ٢٣٨ وفيه "يفتن" بدل "يقتل" .
(٣) مقاتل الطالبيّين : ٤٧ ، البداية والنهاية : ٩ / ١٣٢ عن اُمّ حكيم بنت عمر بن سنان نحوه .

 ١٣٥ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / ملك بنى العبّاس وزواله

٥٨٩١ ـ دلائل النبوّة عن مالك بن دينار عن الحسن : قال علىّ (ع) لأهل الكوفة :

اللهمّ كما ائتمنتُهم فخانونى ، ونصحتُ لهم فغشّونى ، فسلّط عليهم فتي ثقيف ، الذبّال الميّال ، يأكل خضرتها ، ويلبس فروتها ، ويحكم فيها بحكم الجاهليّة !

قال : وتوفّى الحسن(١) وما خلق الحجّاج يومئذ(٢) .

٣ / ١١

ملك بنى العبّاس وزواله

٥٨٩٢ ـ الكامل للمبرّد ـ فى ذكر ولادة علىّ بن عبد الله بن عبّاس ـ : أنّ الإمام أخذه فحنّكه ودعا له ، ثمّ ردّه إليه ، وقال : خذه إليك أبا الأملاك ، قد سمّيته عليّاً ، وكنّيته أبا الحسن (٣) .

٥٨٩٣ ـ الإمام علىّ  ¼ : يابن عبّاس ، إنّ ملك بنى اُميّة إذا زال فأوّل ما يملك من بنى هاشم ولدك ، فيفعلون الأفاعيل(٤) .

٥٨٩٤ ـ الفتن عن ابن عبّاس : قلت لعلىّ بن أبى طالب (ع) : متي دولتنا يا أبا حسن ؟

قال : إذا رأيت فتيان أهلِ خراسان أصبتُم أنتم إثمها ، وأصبنا نحن بِرّها(٥) .

٥٨٩٥ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى خطبته ـ : ويل هذه الاُمّة من رجالهم الشجرة


(١) هكذا فى المصدر ، ولكنّ الصحيح "الإمام علىّ  ¼ " بدل "الحسن" ; لأنّ الحسن البصرى كان حيّاً حتي بعد موت الحجّاج .
(٢) دلائل النبوّة للبيهقى : ٦ / ٤٨٨ ، البداية والنهاية : ٦ / ٢٣٧ وفيه "الذيّال" بدل "الذبّال" .
(٣) الكامل للمبرّد : ٢ / ٧٥٦ .
(٤) الفضائل لابن شاذان : ١٢٠ ، كتاب سليم بن قيس : ٢ / ٩١٦ / ٦٦ .
(٥) الفتن : ١ / ٢٠١ / ٥٤٧ .

 ١٣٦ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / ملك بنى العبّاس وزواله

الملعونة ، التى ذكرها ربّكم تعالي ! أوّلهم خضراء ، وآخرهم هزماء ، ثمّ يلى بعدهم أمر اُمّة محمّد رجال ، أوّلهم أرأفهم ، وثانيهم أفتكهم ، وخامسهم كبشهم ، وسابعهم أعلمهم ، وعاشرهم أكفرهم ، يقتله أخصّهم به ، وخامس عشرهم كثير العناء قليل الغناء ، سادس عشرهم أقضاهم للذمم وأوصلهم للرحم ، كأنّى أري ثامن عشرهم تفحص رجلاه فى دمه بعد أن يأخذ جنده بكظمه ، من ولده ثلاثة رجال سيرتهم سيرة الضلال ، والثانى والعشرون منهم الشيخ الهرم ، تطول أعوامه ، وتوافق الرعيّة أيّامه ، والسادس والعشرون(١) منهم يشرد الملك منه شرود المنفتق ، ويعضده الهزرة(٢) المتفيهق(٣) ، لكأنّى أراه علي جسر الزوراء


(١) فى هامش المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٧٦ ، ملخّص ما ذكره العلاّمة المجلسى : إنّ بنى العبّاس أوّلهم : السفّاح وهو أرأفهم ، وثانيهم : المنصور وهو أفتكهم أى أكثرهم قتلا للناس خدعةً ومكراً ، وخامسهم : الرشيد وهو كبشهم حيث استقرّ ملكه ، وسابعهم : المأمون وهو أعلمهم ، وعاشرهم : المتوكّل وهو أكفرهم لشدّة نصبه وقَتله أخصّ غلمانه ، وخامس عشرهم : المعتمد ; وكثرة عنائه كان من جهة اشتغاله فى أكثر أيّامه بمحاربة صاحب الزنج ، وسادس عشرهم : المعتضد ; قضي عهده فى صِلة العلوّيين بعدما رأي فى منامه أمير المؤمنين  ¼ ، وثامن عشرهم : المقتدر ; خرج عليه مونس الخادم وحاربه وقتل فى المعركة ببغداد ثمّ استولي الخلافة ثلاثة من ولده : الراضى ، والمتّقى ، والمطيع . وأمّا الثانى والعشرون منهم : فهو المكتفى بالله ، لكن لمّا كان أيّام ملكه قليلة احتمل العلاّمة المجلسى الخطأ للناسخ أو السهو للراوى ، وكون المذكور إمّا القادر بالله أو القائم بأمر الله ، والأوّل عمّر ستّاً وثمانين سنة ، ومدّة خلافته إحدي وأربعون ، والثانى عمّر ستّاً وسبعين سنة ، ومدّة خلافته أربع وأربعون ، واستظهر كون السادس والعشرين : المستعصم مع كونه السابع والثلاثين من ملوكهم ، ووجه المراد بأنّهم بهذه العدّة من عظمائهم أو فى هذه الطبقات من أولاد العبّاس (راجع تمام الكلام فى بحار الأنوار : ٤١ / ٣٢٣) .
(٢) رجلٌ هِزْر : مغبون أحمق يطمع به (لسان العرب : ٥ / ٢٦٣) .
(٣) المُتفيهق : الذى يتوسّع فى كلامه ويفهق به فمه (لسان العرب : ١٠ / ٣١٤) .

 ١٣٧ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / فتنة القرامطة

قتيلا ³ ذَٰ لِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَـلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ  ²  (١) (٢) .

٥٨٩٦ ـ عنه  ¼ : كأنّى أري رجلا من بنى عبّاس يُنحر كما ينحر الإبل ، ولا يقدر أن يدفع عن نفسه ، ويلٌ له ثمّ ويلٌ له ! ما أذلّه لمّا ولّي عن أمر ربّه ، وأقبل إلي الدنيا الدنيّة ! ـ إلي أن قال ـ : لو شئت عن أسمائهم وكنيهم ومواضع قتلهم لأخبرت(٣) .

٥٨٩٧ ـ عنه  ¼ : إنّ ملك ولد بنى العبّاس من خراسان يقبل ، ومن خراسان يذهب(٤) .

٣ / ١٢

فتنة القرامطة (٥)

قال ابن أبى الحديد فى شرح الخطبة ١٧٦ من نهج البلاغة : " . . . والله لو شئت أن اُخبر كلّ رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت . . ." تحت عنوان : "جملة من إخبار علىّ بالاُمور الغيبيّة" :


(١) الحجّ : ١٠ .
(٢) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٧٦ ، بحار الأنوار : ٤١ / ٣٢٢ / ٤٥ .
(٣) إحقاق الحقّ : ٨ / ١٦٨ .
(٤) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٧٥ ، بحار الأنوار : ٤١ / ٣٢٠ / ٤٤ .
(٥) يرجع مذهب القرامطة إلي كبيرهم الحسن بن بهرام الجنابى ، أبو سعيد ، كان دقّاقاً من أهل جنابة بفارس ، ونفى فيها فأقام فى البحرين تاجراً ، وجعل يدعو العرب إلي نحلتهم فعظم أمره ; فحاربه الخليفة مظفّر الحسن وصافاه المقتدر العبّاسى ; وكان أصحابه يسمّونه السيّد . استولي علي هجر والأحساء والقطيف وسائر بلاد البحرين ; وكان شجاعاً ; داهية ، قتله خادم له صقلبى فى الحمّام بهجر ، سنة (٣٠١ هـ) (شرح نهج البلاغة : ١٠ / ١٣ الهامش) .

 ١٣٨ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / فتنة المغول

وقد ذكرنا فيما تقدّم من إخباره  ¼ عن الغيوب طرفاً صالحاً ، ومن عجيب ما وقفت عليه من ذلك قوله فى الخطبة التى يذكر فيها الملاحم ، وهو يشير إلي القرامطة : "ينتحلون لنا الحبّ والهوي ، ويضمرون لنا البغض والقلي ، وآية ذلك قتلهم ورّاثنا ، وهجرهم أحداثنا"(١) .

وصحّ ما أخبر به ; لأنّ القرامطة قتلت من آل أبى طالب  ¼ خلقاً كثيراً ، وأسماؤهم مذكورة فى كتاب "مقاتل الطالبيّين" لأبى الفرج الأصفهانى .

ومرّ أبو طاهر سليمان بن الحسن الجنابى فى جيشه بالغرى(٢) وبالحاير(٣) ، فلم يعرّج علي واحد منهما ولا دخل ولا وقف .

وفى هذه الخطبة قال ـ وهو يشير إلي السارية التى كان يستند إليها فى مسجد الكوفةـ : "كأنّى بالحجر الأسود منصوباً هاهنا . ويحهم ! إنّ فضيلته ليست فى نفسه ، بل فى موضعه واُسسه ، يمكث هاهنا برهة ، ثمّ هاهنا برهة ـ وأشار إلي البحرين ـ ثمّ يعود إلي مأواه واُمّ مثواه" .

ووقع الأمر فى الحجر الأسود . بموجب ما أخبر به  ¼ (٤) .

٣ / ١٣

فتنة المغول

٥٨٩٨ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى وصف الأتراك ـ : كأنّى أراهم قوماً كأنّ وجوههم


(١) الكتب التى أوردت هذا الحديث نقَلَته من شرح نهج البلاغة ، ولم نعثر علي مصدر آخر لهذا الحديث .
(٢) الغرى : بظاهر الكوفة قرب قبر علىّ بن أبى طالب (ع) (معجم البلدان : ٤ / ١٩٦) .
(٣) الحائر : قبر الحسين بن علىّ (ع) (معجم البلدان : ٢ / ٢٠٨) .
(٤) شرح نهج البلاغة : ١٠ / ١٣ .

 ١٣٩ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / فتنة المغول

المجانّ المطرّقة ، يلبسون السرق(١) والديباج ، ويعتقبون الخيل العتاق ، ويكون هناك استحرار قتل حتي يمشى المجروح علي المقتول ، ويكون المُفلت أقلّ من المأسور !(٢)

٥٨٩٩ ـ كشف اليقين : قال الحلّى ـ فى بيان إخبار علىّ  ¼ بالمغيّبات ـ : ومن ذلك : إخباره بعمارة بغداد ، وملك بنى العبّاس ، وذكر أحوالهم ، وأخذ المغول الملك منهم .

رواه والدى  § وكان ذلك سبب سلامة أهل الحلّة والكوفة والمشهدين الشريفين من القتل ; لأنّه لمّا وصل السلطان هولاكو إلي بغداد قبل أن يفتحها هرب أكثر أهل الحلّة إلي البطائح(٣) إلاّ القليل ، وكان من جملة القليل والدى  § والسيّد مجدالدين ابن طاووس والفقيه ابن أبى العزّ ، فأجمع رأيهم علي مكاتبة السلطان بأنّهم مطيعون داخلون تحت الإيلية(٤) ، وأنفذوا به شخصاً أعجمياً .

فأنفذ السلطان إليهم فرماناً مع شخصين أحدهما يقال له : تُكلم ، والآخر يقال له : علاء الدين ، وقال لهما : إن كانت قلوبهم كما وردت به كتبهم فيحضرون إلينا ، فجاء الأميران ، فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهى الحال إليه ، فقال والدى  § : إن جئت وحدى كفي ، فقالا : نعم ، فأصعد معهما .

فلمّا حضر بين يديه ، وكان ذلك قبل فتح بغداد وقبل قتل الخليفة ، قال له :


(١) سَرَقَة : قِطعة من جَيّد الحرير ، وجمعها سَرَق (النهاية : ٢ / ٣٦٢) .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ١٢٨ .
(٣) البَطَائح : جمع بطيحة وهى أرض واسعة فى جنوب العراق بين واسط والبصرة ، كانت قديماً قري متّصلة (راجع معجم البلدان : ١ / ٤٥٠) .
(٤) الإيالة : السياسة ، يقال : فلان حَسن الإيَالة وسَيئ الإيالة : (النهاية : ١ / ٨٥) .

 ١٤٠ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / فتنة المغول

كيف أقدمتم علي مكاتبتى والحضور عندى قبل أن تعلموا ما ينتهى إليه أمرى وأمر صاحبكم ؟ وكيف تأمنون إن صالحنى ورحلتُ نقمتَه ؟ .

فقال له والدى : إنّما أقدمنا علي ذلك ; لأنّا روينا عن إمامنا علىّ بن أبى طالب  ¼ أنّه قال فى بعض خطبه : الزوراء وما أدراك ما الزوراء ؟ ! أرض ذات أثل(١) يشيّد فيها البنيان ، ويكثر فيها السكّان ، ويكون فيها مهارم وخزّان ، يتّخذها ولد العبّاس موطناً ، ولزخرفهم مسكناً ، تكون لهم دار لهو ولعب ، يكون بها الجور الجائر ، والحيف المحيف ، والأئمّة الفجرة ، والقرّاء الفسقة ، والوزراء الخونة ، تخدمهم أبناء فارس والروم .

لا يأتمرون بينهم بمعروف إذا عرفوه ، ولا ينتهون عن منكر إذا أنكروه ، تكتفى الرجال منهم بالرجال ، والنساء بالنساء ، فعند ذلك الغمّ الغميم ، والبكاء الطويل ، والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك ، وما هم الترك ؟ قوم صغار الحدق ، وجوههم كالمجان المطرّقة ، لباسهم الحديد ، جردٌ مردٌ ، يقدمهم ملك يأتى من حيث بدا ، ملكهم جهورى الصوت ، قوىّ الصولة ، عالى الهمّة ، لا يمرّ بمدينة إلاّ فتحها ، ولا ترفع له راية إلاّ نكسها ، الويل الويل لمن ناواه ! فلا يزال كذلك حتي يظفر .

فلمّا وصف لنا ذلك ، ووجدنا الصفات فيكم ، رجوناك فقصدناك . فطيّب قلوبهم ، وكتب لهم فرماناً باسم والدى  § يطيّب فيه قلوب أهل الحلّة وأعمالها . والأخبار الواردة فى ذلك كثيرة(٢) .


(١) الأثل : شَجَرٌ شبيه بالطَّرْفَاء إلاّ أنّه أعظم منه (النهاية : ١ / ٢٣) .
(٢) كشف اليقين : ١٠٠ / ٩٣ .

 ١٤١ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / ما يأتى علي مدينة البصرة

٣ / ١٤

ما يأتى علي مدينة البصرة

٥٩٠٠ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى خطبة ذكر فيها أحوال الناس المقبلة ـ : فتن كقطع الليل المظلم ، لا تقوم لها قائمة ، ولا تُردّ لها راية ، تأتيكم مزمومة مرحولة : يحفزها قائدها ، ويجهدها راكبها ، أهلها قوم شديد كَلَبُهم(١) ، قليل سلبهم ، يجاهدهم فى سبيل الله قوم أذلّة عند المتكبّرين ، فى الأرض مجهولون ، وفى السماء معرفون . فويل لك يا بصرة عند ذلك ، من جيش من نقم الله ! لا رهج(٢) له ولا حسّ ، وسيُبتلي أهلك بالموت الأحمر ، والجوع الأغبر(٣) .

٥٩٠١ ـ عنه  ¼ ـ فى وصف مدينة البصرة ـ : وايم الله ، ليأتينّ عليها زمان لا يري منها إلاّ شرفات مسجدها فى البحر مثل جؤجؤ السفينة(٤) .

٥٩٠٢ ـ نهج البلاغة ـ من كلام له  ¼ فى ذمّ أهل البصرة بعد وقعة الجمل ـ : كأنّى بمسجدكم كجؤجؤ(٥) سفينة ، قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها ، وغرق من فى ضمنها .

وفى رواية : وايم الله ، لتغرقنّ بلدتكم حتي كأنّى أنظر إلي مسجدها كجؤجؤ سفينة ، أو نعامة جاثمة .


(١) الكَلَب : الشرّ والأذي (انظر لسان العرب : ١ / ٧٢٣) .
(٢) الرهج : الغُبَار (النهاية : ٢ / ٢٨١) .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ١٠٢ .
(٤) الأخبار الطوال : ١٥٢ .
(٥) الجؤجؤ : الصَّدر (النهاية : ١ / ٢٣٢) .

 ١٤٢ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / ما يأتى علي مدينة البصرة

وفى رواية : كجؤجؤ طير فى لُجّة بحر .

وفى رواية اُخري : كأنّى أنظر إلي قريتكم هذه قد طبّقها الماءُ حتي ما يُري منها إلاّ شرف المسجد ، كأنّه جؤجؤ طير فى لُجّة بحر(١) .

قال ابن أبى الحديد : والصحيح أنّ المخبر به قد وقع ، فإنّ البصرة غرقت مرّتين : مرّة فى أيّام القادر بالله ، ومرّة فى أيّام القائم بأمر الله ، غرقت بأجمعها ولم يبق منها إلاّ مسجدها الجامع بارزاً بعضه كجؤجؤ الطائر ، حسب ما أخبر به أمير المؤمنين  ¼ ، جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس ، ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام ، وخربت دورها ، وغرق كلّ ما فى ضمنها ، وهلك كثير من أهلها .

وأخبار هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة ، يتناقلها خلفهم عن سلفهم(٢) .

٥٩٠٣ ـ عنه  ¼ ـ فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة ـ : يا أحنف ، كأنّى به وقد سار بالجيش الذى لا يكون له غبار ولا لَجَب(٣) ، ولا قَعْقَعَة(٤) لجم ، ولا حَمْحَمة خيل ، يثيرون الأرض بأقدامهم كأنّها أقدام النعام(٥) .

ـ ثمّ قال  ¼ : ـ ويل لسَكَكِكُم العامرة ، والدور المزخرفة التى لها أجنحة


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٣ .
(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٥٣ .
(٣) اللَّجَب : الصوت والصياح والجَلَبة (لسان العرب : ١ / ٧٣٥) .
(٤) تَقَعْقَعَ الشىء : اضطرب وتحرّك (لسان العرب : ٨ / ٢٨٦) .
(٥) قال الشريف الرضى : يومئ بذلك إلي صاحب الزنج .

 ١٤٣ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / غلبة الحقّ علي الباطل فى آخر الزمان

كأجنحة النسور ، وخراطيم كخراطيم الفيَلة ! من اُولئك الذين لا يُندب قتيلُهم ، ولا يُفقد غائبهم . أنا كابُّ الدنيا لوجهها ، وقادرها بقدرها ، وناظرها بعينها(١) .

٣ / ١٥

غلبة الحقّ علي الباطل فى آخر الزمان

٥٩٠٤ ـ الإمام علىّ  ¼ : لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها(٢) عطف الضروس(٣) علي ولدها ـ وتلا عقيب ذلك ـ : ³ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئـِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ  ²  (٤) (٥) .

٥٩٠٥ ـ عنه  ¼ : ليخرجنّ رجل من ولدى عند اقتراب الساعة حين تموت قلوب المؤمنين كما تموت الأبدان ، لما لحقهم من الضرّ والشدّة والجوع والقتل ، وتواتر الفتن والملاحم العظام ، وإماتة السنن وإحياء البدع ، وترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فيُحى الله بالمهدى محمّد بن عبد الله السنن التى قد اُميتت ، ويسرّ بعدله وبركته قلوب المؤمنين ، وتتألّف إليه عصب من العجم وقبائل من العرب ، فيبقي علي ذلك سنين(٦) .

٥٩٠٦ ـ عنه  ¼ ـ فى خطبة له ذكر فيها رسول الله  ½ ـ : وخلّف فينا راية


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٢٨ .
(٢) شُمس : جمع شَمُوس ، وهو النَّفُور من الدَّوابّ الذى لا يَستقِرّ لشَغَبه وحدّته (النهاية : ٢ / ٥٠١) .
(٣) الضَّرُوس : الناقة العضوض لتذبّ عن ولدها (تاج العروس : ٨ / ٣٣٤) .
(٤) القصص : ٥ .
(٥) نهج البلاغة : الحكمة ٢٠٩ ، خصائص الأئمّة (ع) : ٧٠ عن الإمام الصادق  ¼ ، عيون الحكم والمواعظ : ٤٠٥ / ٦٨٥٥ وليس فيه الآية ; ينابيع المودّة : ٣ / ٢٧٢ / ٧ .
(٦) كنز العمّال : ١٤ / ٥٩٢ / ٣٩٦٧٨ نقلا عن ابن المنادى فى الملاحم .

 ١٤٤ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / غلبة الحقّ علي الباطل فى آخر الزمان

الحقّ ، مَن تقدّمها مَرَق ، ومن تخلّف عنها زَهَق ، ومن لَزِمها لَحِق ، دليلها مَكِيث(١) الكلام ، بطىء القيام ، سريعٌ إذا قام . فإذا أنتم ألنتم له رقابكم ، وأشرتم إليه بأصابعكم ، جاءه الموت فذهب به ، فلَبِثتم بعده ما شاء الله ، حتي يُطلِع الله لكم من يجمعكم ويَضُمّ نشْرَكم . فلا تطمعوا فى غير مُقبِل ، ولا تيأسوا من مُدبِر . فإنّ المُدبِر عسي أن تزلّ إحدي قائمتيه ، وتثبت الاُخري ، فترجعا حتي تثبتا جميعاً .

ألا إنّ مَثَلَ آل محمّد  ½ كمثل نجوم السماء ; إذا خوي نجم طلع نجم ، فكأنّكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع ، وأراكم ما كنتم تأملون(٢) .

٥٩٠٧ ـ الغيبة للنعمانى عن أبى وائل : نظر أمير المؤمنين علىّ  ¼ إلي الحسين  ¼ فقال : إن ابنى هذا سيّد كما سمّاه رسول الله  ½ سيّداً ، وسيُخرج الله من صلبه رجلا باسم نبيّكم ، يشبهه فى الخَلق والخُلق ، يخرج علي حين غفلة من الناس ، وإماتة للحقّ وإظهار للجور ، والله لو لم يخرج لضربت عنقه ، يفرح بخروجه أهل السماوات وسكّانها ، وهو رجل أجْلَي الجَبين(٣) ، أقْنَي الأنف(٤) ، ضَخْم البطن ، أزْيَل الفخذين(٥) ، بفخذه اليمني شامة ، أفلج(٦) الثنايا ، ويملأ الأرض عدلا كما


(١) المَكِيث : الرَّزين الذى لا يعجل فى أمره (لسان العرب : ٢ / ١٩١) .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ١٠٠ .
(٣) الأجْلَي : الخفيف شعر ما بين النزعَتَين من الصُّدغَين ، والذى الخَسَر الشعر عن جبهته (النهاية : ١ / ٢٩٠) .
(٤) القَنا فى الأنف : طوله ورِقّة أرنَبَتِه مع حَدَب فى وسطه (النهاية : ٤ / ١١٦) .
(٥) أى منفرجُهما (النهاية : ٢ / ٣٢٥) .
(٦) الفَلَج : فُرجَة ما بين الثَّنايا والرَّباعيات (النهاية : ٣ / ٤٦٨) .

 ١٤٥ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / غلبة الحقّ علي الباطل فى آخر الزمان

مُلئت ظلماً وجوراً(١) .

٥٩٠٨ ـ كمال الدين عن الحسين بن خالد عن الإمام الرضا عن آبائه عن الإمام علىّ (ع) ـ للحسين  ¼ ـ : التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ ، المُظهر للدِّين ، والباسط للعدل .

قال الحسين : فقلت له : يا أمير المؤمنين ، وإنّ ذلك لكائن ؟

فقال  ¼ : إى والذى بعث محمّداً  ½ بالنبوّة ، واصطفاه علي جميع البريّة ، ولكن بعد غيبة وحيرة ، فلا يثبت فيها علي دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين ، الذين أخذ الله عزّ وجلّ ميثاقهم بولايتنا ، وكتب فى قلوبهم الإيمان ، وأيّدهم بروح منه(٢) .

٥٩٠٩ ـ الإمام الصادق عن آبائه (ع) : زاد الفرات علي عهد أمير المؤمنين  ¼ ، فركب هو وابناه الحسن والحسين (ع) فمرّ بثقيف ، فقالوا : قد جاء علىٌّ يردّ الماء .

فقال علىّ  ¼ : أما والله لاُقتلنّ أنا وابناى هذان ، وليبعثنّ الله رجلا من ولدى فى آخر الزمان يطالب بدمائنا ، وليغيبنّ عنهم ، تمييزاً لأهل الضلالة ، حتي يقول الجاهل : ما لله فى آل محمّد من حاجة(٣) .

٥٩١٠ ـ نهج البلاغة ـ من خطبة له  ¼ يومئ فيها إلي ذكر الملاحم ـ : يعطف الهوي علي الهدي إذا عطفوا الهدي علي الهوي ، ويعطف الرأى علي القرآن إذا


(١) الغيبة للنعمانى : ٢١٤ / ٢ ، الغيبة للطوسى : ١٩٠ / ١٥٢ ، الصراط المستقيم : ٢ / ٢٢٤ نحوه .
(٢) كمال الدين : ٣٠٤ / ١٦ ، إعلام الوري : ٢ / ٢٢٩ كلاهما عن الحسين بن خالد عن الإمام الرضا عن آبائه (ع) .
(٣) الغيبة للنعمانى : ١٤١ / ١ عن فرات بن أحنف ، بحار الأنوار : ٥١ / ١١٢ / ٧ .

 ١٤٦ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / غلبة الحقّ علي الباطل فى آخر الزمان

عطفوا القرآن علي الرأى .

ومنها : حتي تقوم الحرب بكم علي ساق بادياً نواجذها ، مملوءةً أخلافها ، حُلواً رضاعها ، علقماً عاقبتها . ألا وفى غد ـ وسيأتى غدٌ بما لا تعرفون ـ يأخذ الوالى من غيرها عُمّالها علي مساوئ أعمالها ، وتُخرج له الأرض أفاليذ كبدها ، وتُلقى إليه سِلماً مقاليدها . فيُريكم كيف عدل السيرة ، ويُحيى ميّت الكتاب والسنّة(١) .

٥٩١١ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من خطبة له يومئ فيها إلي الملاحم ـ : فلا تستعجلوا ما هو كائنٌ مُرصَد ، ولا تستبطئوا ما يجىء به الغد ; فكم من مستعجل بما إن أدركه ودّ أنّه لم يدركه ، وما أقرب اليوم من تباشيرِ غد ! يا قوم ، هذا إبّان ورود كلّ موعود ، ودُنوٍّ من طَلعة ما لا تعرفون . ألا وإنّ من أدركها منّا(٢) يسرى فيها بسراج منير ، ويَحذو فيها علي مثال الصالحين ، ليحُلّ فيها رِبْقاً(٣) ، ويُعتق فيها رِقّاً ، ويَصدع شَعْباً ، ويشعَب صَدْعاً(٤) ، فى سُترة عن الناس لا يُبصر القائف أثره ولو تابع نظره . ثمّ ليُشحذنّ فيها قوم شحذ القَيْن(٥) النصلَ . تُجلي بالتنزيل


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٣٨ ، عيون الحكم والمواعظ : ٥٥٤ / ١٠٢١٠ وفيه صدره ; ينابيع المودّة : ١ / ٢٠٧ / ٦ وليس فيه من "حتي تقوم" إلي "أعمالها" .
(٢) قال ابن أبى الحديد : عني بقوله : "و إنّ من أدركها منّا" ; المهدىّ عجل الله فرجه (شرح نهج البلاغة : ٩ / ١٢٨) .
(٣) الرِّبقَة فى الأصل : عُروة فى حَبل تجعل فى عُنق البهيمة أو يَدِها تُمسِكها (النهاية : ٢ / ١٩٠) .
(٤) يصدَع شَعْباً : أى يفرّق جماعة من جماعات الضلال . ويَشعَب صَدْعاً : يجمع ما تفرّق من كلمة أهل الهدي والإيمان (شرح نهج البلاغة : ٩ / ١٢٨) .
(٥) يقال : شحذتُ السيف : إذا حدَّدته بالمِسنّ وغيره ممّا يخرجه عن حدّه . والقَين : هو الحدّاد (النهاية : ٢ / ٤٤٩ وج ٤ / ١٣٥) .

 ١٤٧ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / غلبة الحقّ علي الباطل فى آخر الزمان

أبصارهم ، ويُرمي بالتفسير فى مسامعهم ، ويُغبقون كأس الحكمة بعد الصَّبوح(١) .

٥٩١٢ ـ الإمام الصادق  ¼ : خطب أمير المؤمنين  ¼ بالمدينة ، فحمد الله وأثني عليه وصلّي علي النبىّ وآله ، ثمّ قال :

أمّا بعد ، فإنّ الله تبارك وتعالي لم يقصم جبّارى دهر إلاّ من بعد تمهيل ورخاء ، ولم يجبر كسر عظم من الاُمم إلاّ بعد أزل(٢) وبلاء . أيّها الناس فى دون ما استقبلتم من عطب واستدبرتم من خطب معتبر ، وما كلُّ ذى قلب بلبيب ، ولا كلُّ ذى سمع بسميع ، ولا كلُّ ذى ناظر عين ببصير .

عباد الله ! أحسنوا فيما يعنيكم النظر فيه ، ثمّ انظروا إلي عرصات من قد أقاده الله بعلمه ، كانوا علي سنّة من آل فرعون أهل جنّات وعيون وزروع ومقام كريم ، ثمّ انظروا بما ختم الله لهم بعد النضرة والسرور والأمر والنهى ، ولمن صبر منكم العاقبة فى الجنان والله مخلّدون ولله عاقبة الاُمور .

فيا عجباً وما لى لا أعجب من خطأ هذه الفرق علي اختلاف حججها فى دينها ! لا يقتصّون أثر نبىّ ، ولا يقتدون بعمل وصى ، ولا يؤمنون بغيب ، ولا يعفون عن عيب ، المعروف فيهم ما عرفوا ، والمنكر عندهم ما أنكروا ، وكلُّ امرئ منهم إمام نفسه ، آخذ منها فيما يري بِعُريً وثيقات ، وأسباب محكمات .

فلا يزالون بِجَور ، ولن يزدادوا إلاّ خطأ ، لا ينالون تقرُّباً ولن يزدادوا إلاّ بعداً من الله عزّ وجلّ ، اُنس بعضهم ببعض وتصديق بعضهم لبعض ، كلّ ذلك وحشةً ممّا ورّث النبىُّ الاُمّى  ½ ، ونفوراً ممّا أدّي إليهم من أخبار فاطر السماوات


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٥٠ .
(٢) الأزْل : الشدّة والضيق (النهاية : ١ / ٤٦) .

 ١٤٨ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / غلبة الحقّ علي الباطل فى آخر الزمان

والأرض ، أهل حسرات ، وكهوف شبهات ، وأهل عشوات وضلالة وريبة ، من وكله الله إلي نفسه ورأيه فهو مأمون عند من يجهله ، غير المتّهم عند من لا يعرفه ، فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها .

ووا أسفا من فعلات شيعتى ! من بعد قرب مودّتها اليوم ، كيف يستذلُّ بعدى بعضها بعضاً ؟ وكيف يقتل بعضها بعضاً ؟ المتشتّتة غداً عن الأصل النازلة بالفرع ، المؤمّلة الفتح من غير جهته ، كلُّ حزب منهم آخذ منه بغصن ، أينما مال الغصن مال معه ، مع أنّ الله ـ وله الحمد ـ سيجمع هؤلاء لشرّ يوم لبنى اُميّة كما يجمع قَزع الخريف يؤلّف الله بينهم ، ثمّ يجعلهم ركاماً كركام السحاب ، ثمّ يفتح لهم أبواباً يسيلون من مستثارهم كسيل الجنّتين ، سيل العرم حيث بعث عليه فارة ، فلم يثبت عليه أكمة ، ولم يردَّ سننه رضّ طود ، يذعذعهم الله فى بطون أودية ، ثمّ يسلكهم ينابيع فى الأرض ، يأخذ بهم من قوم حقوق قوم ، ويُمكّن بهم قوماً فى ديار قوم ، تشريداً لبنى اُميّة ، ولكيلا يغتصبوا ما غصبوا ، يضعضع الله بهم ركناً ، وينقض بهم طىَّ الجنادل من إرم ، ويملأ منهم بطنان الزيتون .

فو الذى فلق الحبّة وبرأ النسمة ! ليكوننّ ذلك وكأنّى أسمع صهيل خيلهم وطمطمة رجالهم . وايم الله ليذوبنَّ ما فى أيديهم بعد العلوِّ والتمكين فى البلاد كما تذوب الألية علي النار ، من مات منهم مات ضالاًّ ، وإلي الله عزّ وجلّ يفضى منهم من درج ، ويتوب الله عزّ وجلَّ علي من تاب . ولعلّ الله يجمع شيعتى بعد التشتّت لشرّ يوم لهؤلاء ! وليس لأحد علي الله عزّ ذكره الخيرة بل لله الخيرة والأمر جميعاً(١) .


(١) الكافى : ٨ / ٦٣ / ٢٢ ، الإرشاد : ١ / ٢٩١ نحوه وكلاهما عن مسعدة بن صدقة وراجع نهج البلاغة : الخطبة ٨٨ .

 ١٤٩ - المجلد الحادى عشر / القسم الثالث عشر : آيات الإمام علىّ / الفصل الثالث : إخباره بالاُمور الغيبيّة / علم الإمام بما يكون إلي يوم القيامة

٣ / ١٦

علم الإمام بما يكون إلي يوم القيامة

٥٩١٣ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى خطبة له ينبّه علي فضله وعلمه ، ويبيّن فتنة بنى اُميّة ـ : أمّا بعد . . . أيّها الناس ! فإنّى فقأت عين الفتنة ، ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيرى بعد أن ماج غَيْهَبها واشتد كلَبُها . فاسألونى قبل أن تفقدونى ; فو الذى نفسى بيده لا تسألونى عن شىء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تهدى مائة وتُضلّ مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ، ومُناخ ركابها ومحطّ رحالها ، ومن يُقتل من أهلها قتلا ، ومَن يموت منهم موتاً(١) .


(١) نهج البلاغة : الخطبة ٩٣ .