٢٧٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكٌ الأشْتَر
٨٣ هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعى الكوفى ، المعروف بالأشتر ; الوجه المشرق ، والبطل الذى لا يُقهَر ، واللّيث الباسل فى الحروب ، وأصلب صحابة الإمام أمير المؤمنين ¼ وأثبتهم . وكان الإمام ¼ يثق به ويعتمد عليه ، وطالما كان يُثنى علي وعيه ، وخبرته ، وبطولته ، وبصيرته ، وعظمته ، ويفتخر بذلك . وليس بأيدينا معلومات تُذكر حول بدايات وعيه . وكان أوّل حضوره الجادّ فى فتح دمشق وحرب اليرموك(١) ، وفيها اُصيبت عينه(٢) فاشتهر بالأشْتَر(٣) . وكان مالك يعيش فى الكوفة . وكان طويل القامة ، عريض الصدر ، طلق اللّسان(٤) ، عديم المثيل فى الفروسيّة(٥) . وكان لمزاياه الأخلاقيّة ومروءته ومَنعته وهيبته واُبّهته وحيائه ، تأثيرٌ عجيب فى نفوس الكوفيّين ; من هنا كانوا يسمعون كلامه ، ويحترمون آراءه . ونُفى مع عدد من أصحابه إلي حِمْص(٦) فى أيّام عثمان بسبب اصطدامه (١) تاريخ دمشق : ٥٦ / ٣٧٩ . ٢٧٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكٌ الأشْتَر
بسعيد بن العاص والى عثمان(١) . ولمّا اشتدّت نبرة المعارضة لعثمان عاد إلي الكوفة ، ومنع واليه ـ الذى كان قد ذهب إلي المدينة آنذاك ـ من دخولها(٢) . واشترك فى ثورة المسلمين علي عثمان(٣) ، وتولّي قيادة الكوفيّين الذين كانوا قد توجّهوا إلي المدينة ، وكان له دور حاسم فى القضاء علي حكومة عثمان(٤) . وكان يصرّ علي خلافة الإمام علىّ ¼ بفضل ما كان يتمتّع به من وعى عميق ، ومعرفة دقيقة برجال زمانه ، وبالتيّارات والحوادث الجارية يومذاك(٥) . من هنا كان نصير الإمام ¼ وعضده المقتدر عند خلافته . وقد امتزجت طاعته وإخلاصه له ¼ بروحه ودمه ، وكان الإمام ¼ أيضاً يحترمه احتراماً ، خاصّاً ويقيم وزناً لآرائه فى الاُمور . وكان له رأى فى بقاء أبى موسي الأشعرى والياً علي الكوفة ، ارتضاه الإمام ¼ وأيّده(٦) ، مع أنّه ¼ كان يعلم بمكنون فكر أبى موسي ، ولم يكن له رأى فى بقائه(٧) . (١) أنساب الأشراف : ٦ / ١٥٥ و١٥٦ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٣١٨ ـ ٣٢٦ ، مروج الذهب : ٢ / ٣٤٦ و ٣٤٧ . ٢٧٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكٌ الأشْتَر
وعندما كان أبو موسي يثبّط الناس عن المسير مع الإمام ¼ فى حرب الجمل ، ذهب مالك إلي الكوفة ، وأخرج أبا موسي ـ الذى كان قد عزله الإمام ¼ ـ منها ، وعبّأ الناس من أجل دعم الإمام ¼ والمسير معه فى الحرب ضدّ أصحاب الجمل(١) . وكان له دور حاسم وعجيب فى الحرب . وكان علي الميمنة فيها(٢) . واصطراعه مع عبد الله بن الزبير مشهور فى هذه المعركة(٣) . ولى مالك الجزيرة(٤) ـ وهى تشمل مناطق بين دجلة والفرات ـ بعد حرب الجمل . وكانت هذه المنطقة قريبة من الشام التى كان يحكمها معاوية(٥) . واستدعاه الإمام ¼ قبل حرب صفّين . وكان علي مقدّمة الجيش فى البداية ، وقد هَزم مقدّمة جيش معاوية . ولمّا استولي جيش معاوية علي الماء وأغلق منافذه بوجه جيش الإمام ¼ ، كان لمالك دور فاعل فى فتح تلك المنافذ والسيطرة علي الماء(٦) . وكان فى الحرب مقاتلاً باسلاً مقداماً ، رابط الجأش مجدّاً مستبسلاً ، وقد قاتل بقلب فتىّ وشجاعة منقطعة النظير(٧) . وتولّي قيادة الجيش مع الأشعث(٨) ، وكان علي خيّالة (١) الجمل : ٢٥٣ ; تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٨٧ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٢٩ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٣٧ . ٢٧٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكٌ الأشْتَر
الكوفة طول الحرب(١) ، وأحياناً كان يقود أقساماً اُخري من الجيش(٢) . وفى معارك ذى الحجّة الاُولي كانت المسؤوليّة الأصليّة والدور الأساس للقتال علي عاتقه(٣) . وفى المرحلة الثانية ـ شهر صفر ـ كان يقود القتال أيضاً يومين فى كلّ ثمانية أيّام(٤) . وكان له مظهر عجيب فى المنازلات الفرديّة للقتال ، وفى حلّ عُقَد الحرب ، وعلاج مشاكل الجيش ، والنهوض بعبء الحرب ، والسير بها قُدماً بأمر الإمام ¼ . بَيد أنّ مظهره الباهر الخالد قد تجلّي فى الأيّام الأخيرة منها ، بخاصّة "يوم الخميس" و"ليلة الهَرير" . وكان يوم الخميس وليلة الجمعة "ليلة الهرير" مسرحاً لعرض عجيب تجلّت فيه شجاعته ، وشهامته ، واستبساله ، وقتاله بلا هوادة ، إذ خلخل نظم الجيش الشامى ، وتقدّم صباح الجمعة حتي أشرف علي خيمة القيادة(٥) . وصار هلاك العدوّ أمراً محتوماً ، وبينا كان الظلم يلفظ أنفاسه الأخيرة ، والنصر يلتمع فى عيون مالك ، تآمر عمرو بن العاص ونشر فخّ مكيدته ، فأسرعت جموع من جيش الإمام ـ وهم الذين سيشكّلون تيّار الخوارج ـ ومعهم الأشعث إلي مؤازرته ، فازداد الطين بلّةً بحماقتهم . وهكذا جعلوا الإمام ¼ (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ١١ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٧١ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٦١ . ٢٧٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكٌ الأشْتَر
فى وضع حَرِج ليقبل الصلح ، ويُرجعَ مالكاً عن موقعه المتقدّم فى ميدان الحرب . وكان طبيعيّاً فى تلك اللّحظة المصيريّة الحاسمة العجيبة أن يرفض مالك ، ويرفض معه الإمام ¼ أيضاً ، لكن لمّا بلغه أنّ حياة الإمام فى خطر ، عاد بروح ملؤها الحزن والألم ، فأغمد سيفه ، ونجا معاوية الذى أوشك أن يطلب الأمان من موت محقَّق ، وخرج من مأزق ضاق به ! !(١) وشاجر مالك الخوارجَ والأشعثَ ، وكلّمهم فى حقيقة ما حصل ، وأنبأهم ، بما يملك من بصيرة وبُعد نظر ، أنّ جذر تقدّسهم يكمن فى تملّصهم من المسؤوليّة ، وشغفهم بالدنيا(٢) . وحين اقترح الإمام ¼ عبدَ الله بن عبّاس للتحكيم ورفَضه الخوارج والأشعث ، اقترح مالكاً ، فرفضوه أيضاً مصرِّين علي يمانيّة الحَكَم ، فى حين كان مالك يمانىّ المحتد ، وهذا من عجائب الاُمور !(٣) وعاد مالك بعد صفّين إلي مهمّته(٤) . ولمّا اضطربت مصر علي محمّد بن أبى بكر وصعب عليه أمرها وتمرّد أهلها ، انتدب الإمام ¼ مالكاً وولاّه عليها(٥) . وكان قد خَبَر كفاءته ، ورفعته ، واستماتته ، ودأبه ، ووعيه ، وخبرته فى العمل ، (١) وقعة صفّين : ٤٨٩ و٤٩٠ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٨ ـ ٥٠ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٨٦ ، الفتوح : ٣ / ١٨٥ ـ ١٨٨ . ٢٨٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكٌ الأشْتَر
فكتب إلي أهل مصر كتاباً يعرّفهم به ، قال فيه : " . . . بعثتُ إليكم عبداً من عباد الله ، لا ينام أيّام الخوف ، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الرَّوع ، أشدَّ علي الفجّار من حريق النار ، وهو مالك بن الحارث أخو مَذْحِج ، فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحقّ ; فإنّه سيف من سيوف الله ، لا كَلِيل الظُّبَة(١) ولا نابِى(٢) الضَّرِيبة ; فإن أمَركم أن تنفروا فانفروا ، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا ; فإنّه لا يُقْدِم ولا يُحْجِم ولا يؤخِّر ولا يقدِّم إلاّ عن أمرى ، وقد آثرتُكم به علي نفسى لنصيحته لكم ، وشدّة شكيمته علي عدوّكم"(٣) . وكانت تعليماته ¼ الحكوميّة ـ المشهورة بــ "عهد مالك الأشتر" ـ أعظم وأرفع وثيقة للحكومة وإقامة القسط ، وهى خالدة علي مرّ التاريخ(٤) . وكان معاوية قد عقد الأمل علي مصر ، وحين شعر أنّ جميع خططه ستخيب بذهاب مالك إليها ، قضي عليه قبل وصوله إليها . وهكذا استُشهد ليث الوغي ، والمقاتل الفذّ ، والناصر الفريد لمولاه ، بطريقة غادرة بعدما تناول من العسل المسموم بسمّ فتّاك ، وعرجت روحه المشرقة الطاهرة إلي الملكوت الأعلي(٥) . (١) كلَّ السَّيفُ ، فهو كَلِيل : إذا لم يَقْطَع . وظُبَةُ السَّيفِ : طَرَفُه (النهاية : ٤ / ١٩٨ وج ٣ / ١٥٥) . ٢٨١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكٌ الأشْتَر
وحزن الإمام ¼ لمقتله ، حتي عَدّ موته من مصائب الدهر(١) . وأبّنه فكان تأبينه إيّاه فريداً ; كما أنّ وجود مالك كان فريداً له فى حياته ¼ (٢) . ولمّا نُعى إليه مالك وبلغه خبر استشهاده المؤلم ، صعد المنبر وقال : "ألا إنّ مالك بن الحارث قد قضي نحبه ، وأوفي بعهده ، ولقى ربّه ، فرحم الله مالكاً ! لو كان جبلاً لكان فِنْداً(٣) ، ولو كان حَجَراً لكان صَلْداً . لِلّه مالك ! وما مالك ! وهل قامت النساء عن مِثل مالك ! وهل موجودٌ كمالِك !"(٤) . ومعاوية الذى كان فريداً أيضاً فى خبث طويّته ورذالته وضَعَته وقتله للفضيلة ، طار فرحاً باستشهاد مالك ، ولم يستطع أن يخفى سروره ، فقال من فرط فرحه : كان لعلىّ بن أبى طالب يدان يمينان ، فقُطعت إحداهما يوم صفّين ـ يعنى عمّار بن ياسر ـ وقُطعت الاُخري اليوم ، وهو مالك الأشتر(٥) . وكلّما كان يذكره الإمام ¼ ، يثقل عليه الغمّ والحزن ، ويتحسّر علي فقده . وحين ضاق ذرعاً من التحرّكات الجائرة لأهل الشام ، وتألّم لعدم سماع جُنده كلامه ، وتأوّه علي قعودهم وخذلانهم له فى اجتثاث جذور الفتنة ، قال رجل : استبانَ فقدُ الأشتر علي أهل العراقِ . لو كان حيّاً لقلّ اللغط ، ولعلم كلّ امرئ (١) الأمالى للمفيد : ٨٣ / ٤ ، الغارات : ١ / ٢٦٤ . ٢٨٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكٌ الأشْتَر
ما يقول(١) . نطق هذا الرجل حقّاً ، فلم يكن أحد فى جيش الإمام ¼ مثل مالك . ٦٦٨٣ ـ تنبيه الخواطر : حكى أنّ مالكاً الأشتر كان مجتازاً بسوق الكوفة وعليه قميص خام وعمامة منه ، فرآه بعض السُّوْقة(٢) فازدري(٣) بزيّه ; فرماه ببندقة تهاوناً به ، فمضي ولم يلتفت ، فقيل له : ويلك ! أ تدرى بمن رميت ؟ فقال : لا ، فقيل له : هذا مالك صاحب أمير المؤمنين ¼ ، فارتعد الرجل ومضي إليه ليعتذر منه ، فرآه وقد دخل مسجداً وهو قائم يصلّى ، فلمّا انفتل أكبّ الرجل علي قدميه يقبّلهما ، فقال : ما هذا الأمر ؟ ! فقال : أعتذر إليك ممّا صنعت ، فقال : لا بأس عليك ، فو الله ما دخلت المسجد إلاّ لأستغفرنّ لك(٤) . ٦٦٨٤ ـ المناقب للخوارزمى عن أبى هانى بن معمر السدوسى ـ فى ذكر غلبة جند معاوية علي الماء فى حرب صفّين ـ : كنت حينئذ مع الأشتر وقد تبيّن فيه العطش ، فقلت لرجل من بنى عمّى : إنّ الأمير عطشان ، فقال الرجل : كلّ هؤلاء عِطاش ، وعندى إداوة(٥) ماء أمنعه لنفسى ، ولكنّى اُوثره علي نفسى ، فتقدّم إلي الأشتر فعرض عليه الماء ، فقال : لا أشرب حتي يشرب الناس(٦) . ٦٦٨٥ ـ تاريخ دمشق عن أبى حذيفة إسحاق بن بشر ـ فى ذكر وقعة اليرموك ـ : (١) الأمالى للطوسى : ١٧٤ / ٢٩٣ ، الغارات :٢ / ٤٨١ . ٢٨٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكٌ الأشْتَر
ومضي خالد يطلب عظْمَ(١) الناس حتي أدركهم بثنية العقاب(٢) ، وهى تهبط الهابط المُغَرِّب منها إلي غوطة دمشق يدرك عظْم الناس حتي أدركهم بغوطة دمشق ، فلمّا انتهوا إلي تلك الجماعة من الروم ، وأقبلوا يرمونهم بالحجارة من فوقهم ، فتقدّم إليهم الأشتر وهو فى رجال من المسلمين ، فإذا أمامهم رجل من الروم جسيم عظيم ، فمضي إليه حتي وقف عليه ، فاستوي هو والرومى علي صخرة مستوية ، فاضطربا بسيفيهما ، فأطرّ الأشتر كفّ الرومى ، وضرب الرومى الأشتر بسيفه فلم يضرّه ، واعتنق كلّ واحد منهما صاحبه ، فوقعا علي الصخرة ، ثمّ انحدرا ، وأخذ الأشتر يقول ـ وهو فى ذلك ملازم العلج لا يتركه ـ : ³ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ± لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ اُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ² (٣) . قال : فلم يزل يقول ذلك حتي انتهي إلي مستوي الخيل وقرار ، فلمّا استقرّ وثب علي الرومى فقتله ، وصاح فى الناس : أنْ جُوزوا . قال : فلمّا رأت الروم أنّ صاحبهم قد قُتل ، خلّوا الثنية وانهزموا . قالوا : وكان الأشتر الأحسن فى اليرموك ، قالوا : لقد قتل ثلاثة عشر(٤) . ٦٦٨٦ ـ وقعة صفّين عن سنان بن مالك ـ فى مواجهة مقدّمة الجيش قبل حرب صفّين ـ : قلت له [لأبى الأعور] : إنّ الأشتر يدعوك إلي مبارزته ، فسكت عنّى (١) عُظْمُ الأمرِ وعَظْمُه : مُعْظَمُه (لسان العرب : ١٢ / ٤١٠) . ٢٨٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكٌ الأشْتَر
طويلاً ثمّ قال : إنّ خفّة الأشتر وسوء رأيه هو الذى دعاه إلي إجلاء عمّال عثمان من العراق ، وافتراءه عليه يقبّح محاسنه ، ويجهل حقّه ، ويُظهر عداوته . ومن خفّة الأشتر وسوء رأيه أنّه سار إلي عثمان فى داره وقراره ، فقتله فيمن قتله ، فأصبح مبتغيً بدمه ; لا حاجة لى فى مبارزته . قال : قلت له : قد تكلّمت فاستمع منّى حتي اُخبرك ، قال : فقال : لا حاجة لى فى جوابك ، ولا الاستماع منك ، اذهب عنّى ، وصاح بى أصحابه ، فانصرفت عنه(١) . ٦٦٨٧ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى وصف الأشتر ـ : كان شديد البأس ، جواداً رئيساً حليماً فصيحاً شاعراً ، وكان يجمع بين اللين والعنف ، فيسطو فى موضع السطوة ، ويرفق فى موضع الرِّفق(٢) . ٦٦٨٨ ـ سير أعلام النبلاء : ملك العرب ، مالك بن الحارث النخعى ، أحد الأشراف والأبطال المذكورين . حدَّث عن عمر ، وخالد بن الوليد ، وفُقِئت عينه يوم اليرموك . وكان شهماً مُطاعاً زَعِراً(٣) ، ألّب علي عثمان وقاتله ، وكان ذا فصاحة وبلاغة . شهد صفّين مع علىّ ¼ ، وتميّز يومئذ ، وكاد أن يهزم معاوية ، فحمل عليه أصحاب علىّ لمّا رأوا مصاحف جند الشام علي الأسنّة يدعون إلي كتاب الله ، وما أمكنه مخالفة علىّ ، فكفّ(٤) . (١) وقعة صفّين : ١٥٥ . ٢٨٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكٌ الأشْتَر
٦٦٨٩ ـ شرح نهج البلاغة : قد روي المحدّثون حديثاً يدلّ علي فضيلة عظيمة للأشتر § ، وهى شهادة قاطعة من النبىّ ½ بأنّه مؤمن ، روي هذا الحديث أبو عمر بن عبد البرّ فى كتاب الاستيعاب فى حرف الجيم ، فى باب "جُندب" ، قال أبو عمر : لمّا حضرت أبا ذرّ الوفاة وهو بالرَّبذة بكت زوجته اُمّ ذرّ ، فقال لها : ما يُبكيك ؟ فقالت : ما لى لا أبكى وأنت تموت بفَلاة من الأرض ، وليس عندى ثوب يسعك كفناً ، ولابدّ لى من القيام بجهازك ؟ ! فقال : أبشرى ولا تبكى ، فإنّى سمعت رسول الله ½ يقول : "لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة ، فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبداً" ; وقد مات لنا ثلاثة من الولد . وسمعتُ أيضاً رسول الله ½ يقول لنفر أنا فيهم : "لَيموتنّ أحدكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين" ، وليس من اُولئك النفر أحد إلاّ وقد مات فى قرية وجماعة . فأنا ـ لا أشكّ ـ ذلك الرجل ، والله ما كَذبت ولا كُذِّبت ، فانظرى الطريق . قالت اُمّ ذرّ : فقلت : أنّى وقد ذهب الحاجّ وتقطّعت الطُّرق ؟ ! فقال : اذهبى فتبصّرى . قالت : فكنت أشتدّ إلي الكثيب ، فأصعد فأنظر ، ثمّ أرجع إليه فاُمرِّضه ، فبينا أنا وهو علي هذه الحال إذ أنا برجال علي ركابهم ، كأنّهم الرَّخم(١) ، تَخُبّ بهم (١) الرَّخَم : نوعٌ من الطَّير معروفٌ ، واحدتُه رَخمة (النهاية ، ٢ / ٢١٢) . ٢٨٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكٌ الأشْتَر
رواحلهم ، فأسرعوا إلىَّ حتي وقفوا علىَّ ، وقالوا : يا أمةَ الله ، ما لك ؟ فقلت : امرُؤ من المسلمين يموت ، تكفّنونه ؟ قالوا : ومن هو ؟ قلت : أبو ذرّ . قالوا : صاحب رسول الله ¼ ؟ قلت : نعم ، ففدّوه بآبائهم واُمّهاتهم ، وأسرعوا إليه حتي دخلوا عليه ، فقال لهم : أبشروا فإنّى سمعت رسول الله ½ يقول لنفر أنا فيهم : "ليموتنّ رجل منكم بفَلاة من الأرض تشهده عِصابة من المؤمنين" ، وليس من اُولئك النفر إلاّ وقد هلك فى قرية وجماعة ، والله ما كَذبت ولا كذِّبت ، ولو كان عندى ثوب يسعنى كفناً لى أو لامرأتى لم اُكفَّن إلاّ فى ثوب لى أو لها ; وإنّى أنشدكم الله ألاّ يكفّننى رجل منكم كان أميراً أو عَريفاً(١) أو بريداً أو نقيباً(٢) ! قالت : وليس فى اُولئك النفر أحد إلاّ وقد قارف بعض ما قال ، إلاّ فتيً من الأنصار قال له : أنا اُكفّنك يا عمّ فى ردائى هذا ، وفى ثوبين معى فى عَيْبتى من غزل اُمّى . فقال أبو ذرّ : أنت تكفِّننى ، فمات فكفّنه الأنصارى وغسّله النفر الذين حضروه وقاموا عليه ودفنوه ; فى نفر كلّهم يمان . روي أبو عمر بن عبد البرِّ قبل أن يروى هذا الحديث فى أوّل باب جُندب : كان النفر الذين حضروا موتَ أبى ذرّ بالربذة مصادفة جماعة ; منهم حُجْر بن (١) عَرِيف وهو القَيّم باُمور القبيلة أو الجَماعة من الناسِ يَلِى اُمورَهُم ويتعرّف الأمير منه أحوالهم (النهاية : ٣ / ٢١٨) . ٢٨٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكُ بنُ حَبيب
الأدْبَر ، ومالك بن الحارث الأشتر . قلت : حُجر بن الأدبَر هو حُجر بن عدىّ الذى قتله معاوية ، وهو من أعلام الشيعة وعظمائها ، وأمّا الأشتر فهو أشهر فى الشيعة من أبى الهُذَيل فى المعتزلة(١) . ٨٤ مالك بن حبيب اليربوعى من أصحاب الإمام أمير المؤمنين ¼ البررة ، وعندما تحرّك الإمام ¼ تلقاء صفّين ، تركه فى الكوفة ليعبّئ الناس لنصرته . وكان قد ساءه عدم حضوره المعركة معه ، لكنّ الإمام ¼ وعده بالأجر العظيم ، وكان مالك علي شرطة الإمام ¼ فى الكوفة(٢) . ٦٦٩٠ ـ وقعة صفّين : أخذ مالك بن حبيب رجلاً وقد تخلّف عن علىّ فضرب عنقه ، فبلغ ذلك قومه ، فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلي مالك ، فنتسقّطه لعلّه أن يقرّ لنا بقتله ، فإنّه رجل أهوج . فجاؤوا فقالوا : يا مالك ، قتلتَ الرجل ؟ قال : اُخبركم أنّ الناقة ترأم(٣) ولدها . اخرجوا عنّى قبحكم الله ، أخبرتكم أنّى قتلته(٤) . (١) شرح نهج البلاغة : ١٥ / ٩٩ و١٠٠ . إرجاعات
١٣٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين
٥١ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر
٢٨٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكُ بنُ كَعْب
٨٥ مالك بن كعب الأرحبى من أصحاب الإمام علىّ ¼ ومن أركان حكومته كان والياً علي عين التمر(١) ، وبهقباذات(٢) ، مضافاً إلي إشرافه علي عمل سائر المسؤولين فى الكوفة والجزيرة . وممّا يُثني عليه شجاعته التى أبداها قبال هجوم النعمان بن بشير علي عين التمر ; فإنّه واجه جيش النعمان الذى قوامه ألفى فارس بسريّة قوامها مائة مقاتل فقط ، حتي وصل الإسناد العسكرى إليه ، واضطرّ النعمان إلي الفرار(٣) . كما استدعى لمواجهة جيش مسلم بن عقبة المرى فى دومة الجندل ، فكان موفّقاً فى هذه المهمّة أيضاً . وممّا يدلّ علي حسن معرفته ; إظهار استعداده لإعانة محمّد بن أبى بكر فى الوقت الذى لم يلبِّ دعوة الإمام أحد . ٦٦٩١ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتابه إلي مالك بن كعب الأرحبى ـ : إنّى ولّيتك معونة البهقُباذات ، فآثِر طاعة الله ، واعلم أنّ الدنيا فانية والآخرة آتية ، واعمل صالحاً تُجزَ خيراً ، فإنّ عمل ابن آدم محفوظ عليه وإنّه مجزىّ به ، فعل الله بنا وبك خيراً ، والسلام(٤) . (١) الغارات : ٢ / ٤٤٧ . ٢٨٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكُ بنُ كَعْب
٦٦٩٢ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى كتابه إلي كعب بن مالك(١) ـ : أمّا بعد ، فاستخلف علي عملك ، واخرج فى طائفة من أصحابك حتي تمرّ بأرض كورة السواد(٢) ، فتسأل عن عمّالى وتنظر فى سيرتهم فيما بين دجلة والعذيب(٣) ، ثمّ ارجع إلي البهقُباذات فتولّ معونتها ، واعمل بطاعة الله فيما ولاّك منها ، واعلم أنّ كلّ عمل ابن آدم محفوظ عليه مجزىّ به ، فاصنع خيراً صنع الله بنا وبك خيراً وأعلمنى الصدق فيما صنعت والسلام(٤) . ٦٦٩٣ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى كتابه إلي كعب بن مالك ـ : أمّا بعد ، فاستخلف علي عملك ، واخرج فى طائفة من أصحابك حتي تمرّ بأرض السواد كورة كورة ، فتسألهم عن عمّالهم ، وتنظر فى سيرتهم ، حتي تمرّ بمن كان منهم فيما بين دجلة والفرات ، ثمّ ارجع إلي البهقباذات فتولَّ معونتها ، واعمل بطاعة الله فيما ولاّك منها . واعلم أنّ الدنيا فانية وأنّ الآخرة آتية ، وأنّ عمل ابن آدم محفوظ عليه ، وأنّك مجزىّ بما أسلفت ، وقادم علي ما قدَّمت من خير ، فاصنع خيراً تجد خيراً(٥) . ٦٦٩٤ ـ الغارات عن عبد الله بن حوزة الأزدى : كنت مع مالك بن كعب حين نزل (١) كذا فى المصدر ، والصحيح : "مالك بن كعب" لأنّه لم يوجد فى عمّال الإمام ¼ شخص مسمّي بـ "كعب بن مالك". ٢٩٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكُ بنُ كَعْب
بنا النعمان بن بشير وهو فى ألفين ، وما نحن إلاّ مائة ، فقال لنا : قاتلوهم فى القرية واجعلوا الجدر فى ظهوركم ، ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة ، واعلموا أنّ الله تعالي ينصر العشرة علي المائة ، والمائة علي الألف ، والقليل علي الكثير ممّا يفعل الله ذلك . ثمّ قال : إنّ أقرب من هاهنا إلينا من شيعة علىّ ¼ وأنصاره وعمّاله قرظة بن كعب ومخنف بن سليم ، فاركض إليهما وأعلمهما حالنا ، وقل لهما : فلينصرانا بما استطاعا . فأقبلت أركض وقد تركته وأصحابه ، وإنّهم ليترامون بالنَّبل ، فمررت بقرظة بن كعب فاستغثته ، فقال : إنّما أنا صاحب خراج وما معى أحدٌ اُغيثه به ، فمضيت حتي أتيت مخنف بن سليم فأخبرته الخبر ، فسرّح معى عبد الرحمن بن مخنف فى خمسين رجلاً ، وقاتلهم مالك بن كعب وأصحابه إلي العصر ، فأتيناه وقد كسر هو وأصحابه جفون(١) سيوفهم واستسلموا للموت ، فلو أبطأنا عنهم هلكوا ، فما هو إلاّ أن رآنا أهل الشام قد أقبلنا عليهم أخذوا ينكصون عنهم ويرتفعون ، ورآنا مالك وأصحابه فشدّوا عليهم حتي دفعوهم عن القرية واستعرضناهم ، فصرعنا منهم رجالاً ثلاثة وارتفع القوم عنّا ، وظنّوا أنّ وراءنا مدداً ، ولو ظنّوا أنّه ليس غيرنا لأقبلوا علينا وأهلكونا ، وحال بيننا وبينهم الليل فانصرفوا إلي أرضهم . وكتب مالك بن كعب إلي علىّ ¼ : أمّا بعد ، فقد نزل بنا النعمان بن بشير فى جمع من أهل الشام كالظاهر علينا ، وكان عظم أصحابى متفرّقين ، وكنّا للذى كان منهم آمنين ، فخرجنا إليهم رجالاً مصلتين(٢) فقاتلناهم حتي المساء ، (١) جفون السُّيُوف : أغمادُها ، واحِدُها جفن (النهاية : ١ / ٢٨٠) . ٢٩١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مالِكُ بنُ كَعْب
واستصرخنا مخنف بن سليم ، فبعث إلينا رجالاً من شيعة أمير المؤمنين علىّ ¼ وولده عند المساء ، فنِعم الفتي ونِعم الأنصار كانوا ، فحملنا علي عدوّنا وشددنا عليهم ، فأنزل الله علينا نصره وهزم عدوّه وأعزّ جنده ، والحمد لله ربّ العالمين ، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته . قال : لمّا ورد الكتاب علي علىّ ¼ قرأه علي أهل الكوفة فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ نظر إلي جلسائه فقال : الحمد لله ، وندم أكثرهم(١) . ٦٦٩٥ ـ أنساب الأشراف : بعث معاوية [مسلم] بن عقبة المرى إلي أهل دومة الجندل(٢) ـ وكانوا قد توقّفوا عن البيعة لعلىّ ومعاوية جميعاً ـ فدعاهم إلي طاعة معاوية وبيعته ، وبلغ ذلك عليّاً فبعث إلي مالك بن كعب الهمدانى أن خلّف علي عملك من تثق به وأقبل إلىَّ . ففعل واستخلف عبد الرحمن بن عبد الله الكندى ، فبعثه علىٌّ إلي دومة الجندل فى ألف فارس ، فلم يشعر مسلم إلاّ وقد وافاه ، فاقتتلوا يوماً ثمّ انصرف مسلم منهزماً ، وأقام مالك أيّاماً يدعو أهل دومة الجندل إلي البيعة لعلىّ ، فلم يفعلوا وقالوا : لا نبايع حتي يجتمع الناس علي إمام . فانصرف(٣) . ٦٦٩٦ ـ تاريخ الطبرى ـ بعد أن ذكر خطبة الإمام ¼ يستنفر الناس لإغاثة محمّد بن أبى بكر وأصحابه ، وعدم استجابة الناس له ¼ ـ : فقام إليه مالك بن (١) الغارات : ٢ / ٤٥٦ وراجع تاريخ الطبرى : ٥ / ١٣٣ . ٢٩٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مُحَمّدُ بنُ أبى بَكر
كعب الهمدانى ثمّ الأرحبى ، فقال : يا أمير المؤمنين ، اندب الناس فإنّه لا عطر بعد عروس(١) ، لمثل هذا اليوم كنت أدّخر نفسى ، والأجر لا يأتى إلاّ بالكرّة ، اتّقوا الله وأجيبوا إمامكم ، وانصروا دعوته ، وقاتلوا عدوّه ، أنا أسير إليها يا أمير المؤمنين ، قال : فأمر علىّ مناديه سعداً ، فنادي فى الناس : ألا انتدبوا إلي مصر مع مالك بن كعب(٢) . ٨٦ هو محمّد بن عبد الله بن عثمان وهو محمّد بن أبى بكر بن أبى قُحافة ، واُمّه أسماء بنت عُمَيس ، وُلد فى حجّة الوداع [ سنة ١٠ هـ ] بذى الحُلَيفة(٣) ، فى وقت كان رسول الله ½ قد تهيّأ مع جميع أصحابه لأداء حجّة الوداع . اُمّه أسماء بنت عُمَيس . كانت فى البداية زوجة جعفر بن أبى طالب(٤) وهاجرت معه إلي الحبشة(٥) . وبعد استشهاد جعفر تزوّجها أبو بكر(٦) ، وبعد موته (١) لا مَخبَأ لِعِطر بَعدَ عَرُوس ، ويُروي : لا عِطرَ بعد عَرُوس : أول من قال ذلك امرأةٌ من عُذرَة يُقال لها أسماء بنت عبد الله ، وكان لها زوجٌ من بنى عمِّها يُقال له عروس ، فمات عنها . . . ، فقالت : لا عِطرَ بعد عَرُوس ، فذهبت مثلاً يضرب لمن لا يُدَّخَرُ عنه نَفيسٌ (مجمع الأمثال : ٣ / ١٥١ / ٣٤٩١) . ٢٩٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مُحَمّدُ بنُ أبى بَكر
تزوّجها أمير المؤمنين ¼ . فانتقلت إلي بيته مع أولادها وفيهم محمّد الذى كان يومئذ ابن ثلاث سنين(١) . نشأ فى حِجر الإمام ¼ (٢) إلي جانب الحسن والحسين ¤ ، وامتزجت روحه بمعرفة وحبّ أهل البيت (ع) وكان الإمام ¼ يقول أحياناً ملاطفاً : محمّد ابنى من صُلب أبى بكر(٣) . وكان محمّد فى مصر أيّام حكومة عثمان ، وبدأ فيها تعنيفه وانتقاده له(٤) ، واشترك فى الثورة عليه(٥) . وكان إلي جانب الإمام ¼ بعد تصدّيه للخلافة . وهو الذى حمل كتابه إلي أهل الكوفة قبل نشوب حرب الجمل(٦) ، وكان علي الرجّالة فيها(٧) . وبعد غلبة الإمام ¼ تولّي متابعة الشؤون المتعلّقة بعائشة بأمر الإمام ¼ (٨) ، وأعادها إلي المدينة(٩) . (١) مروج الذهب : ٢ / ٣٠٧ ، الاستيعاب : ٣ / ٤٢٢ / ٢٣٤٨ ، اُسد الغابة : ٥ / ٩٧ / ٤٧٥١ ، أنساب الأشراف : ٣ / ١٧٣ . ٢٩٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مُحَمّدُ بنُ أبى بَكر
كان محمّد مجدّاً فى الجهاد والعبادة ، ولجدّه فى عبادته سُمّى عابد قريش(١) . وهو جدّ الإمام الصادق ¼ من الاُمّهات(٢) . ولاّه الإمام ¼ علي مصر سنة ٣٦ هـ بعد عزل قيس بن سعد عنها(٣) . ولمّا تخاذل أصحاب الإمام عن نصرته ¼ وتركوه وحيداً ، اغتنم معاوية هذه الفرصة واستطاع أن يغتال هذا النصير المخلص باُسلوب غادر خبيث ، واستطاع حينئذ أن يسخّر مصر تحت قدرته(٤) . كان الإمام ¼ يُثنى عليه ويذكره بخير فى مناسبات مختلفة ويقول : لقد كان إلىّ حبيباً وكان لى ربيباً(٥) ، فعند الله نحتسبه ولداً ناصحاً وعاملاً كادحاً وسيفاً قاطعاً وركناً دافعاً(٦) . ٦٦٩٧ ـ صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصارى ـ فى ذكر حجّة الوداع ـ : حتي أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمّد بن أبى بكر(٧) . (١) مروج الذهب : ٢ / ٣٠٧ ، المعارف لابن قتيبة : ١٧٥ ، شرح نهج البلاغة : ٦ / ٥٤ وفيهما "كان محمّد من نسّاك قريش" . إرجاعات
٩٠ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / استشهاد محمّد بن أبي بكر
٢٩٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مُحَمّدُ بنُ أبى حُذَيفَة
٦٦٩٨ ـ اُسد الغابة ـ فى ذكر محمّد بن أبى بكر ـ : كان له فضل وعبادة ، وكان علىّ يُثنى عليه ، وهو أخو عبد الله بن جعفر لاُمّه ، وأخو يحيي بن علىّ لاُمّه(١) . ٦٦٩٩ ـ اُسد الغابة ـ فى ذكر محمّد بن أبى بكر ـ : تزوّج علىّ باُمّه أسماء بنت عميس بعد وفاة أبى بكر ، وكان أبو بكر تزوّجها بعد قتل جعفر بن أبى طالب ، وكان ربيبه فى حِجْره . وشهد مع علىّ الجمل ، وكان علي الرجّالة ، وشهد معه صفّين ، ثمّ ولاّه مصر فقتل بها(٢) . ٦٧٠٠ ـ شرح نهج البلاغة : كان محمّد ربيبه وخرّيجه ، وجارياً عنده مجري أولاده ، رضع الولاء والتشيّع مُذ زمن الصبا ، فنشأ عليه ، فلم يكن يعرف له أباً غير علىّ ، ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره ، حتي قال علىّ ¼ : محمّد ابنى من صلب أبى بكر(٣) . ٦٧٠١ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى ذكر محمّد بن أبى بكر والتفجّع عليه ـ : إنّه كان لى ولداً ، ولولدى وولد أخى أخاً(٤) . ٨٧ هو محمّد بن أبى حذيفة بن عتبة العبشمى أبو القاسم ، حفيد عتبة بن (١) اُسد الغابة : ٥ / ٩٨ / ٤٧٥١ وراجع الطبقات الكبري : ٤ / ٣٤ . إرجاعات
٩٠ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / استشهاد محمّد بن أبي بكر
٢٩٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مُحَمّدُ بنُ أبى حُذَيفَة
ربيعة(١) ـ أحد أقطاب المشركين(٢) ـ وابن خال معاوية(٣) . ولد فى الحبشة حين هاجر أبوه إليها(٤) ، ولمّا استشهد أبوه نشأ فى أحضان عثمان بن عفّان(٥) . والعجيب أنّه كان أحد المعارضين المحادّين لعثمان حين ثارت الاُمّة ضدّه(٦) ، وهو الذى حرّض المصريّين علي الثورة ضدّ عثمان(٧) ، واشترك فى محاصرة داره(٨) . كان من أصحاب الإمام علىّ ¼ (٩) . ولمّا عزل والى مصر تولّي حكومتها حتي نصب الإمام ¼ قيس بن سعد(١٠) . (١) الطبقات الكبري : ٣ / ٨٤ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٤٨٠ / ١٠٣ ، الاستيعاب : ٣ / ٤٢٥ / ٢٣٥٤ ، اُسد الغابة : ٥ / ٨٢ / ٤٧٢٠ . ٢٩٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مُحَمّدُ بنُ أبى حُذَيفَة
ولمّا تسلّط معاوية علي مصر اُلقى عليه القبض وسجن ، بيد أنّه تمكّن من الفرار ، ثمّ قتل بأمر معاوية(١) . ٦٧٠٢ ـ رجال الكشّى عن أمير بن علىّ عن الإمام الرضا ¼ : كان أمير المؤمنين ¼ يقول : إنّ المحامدة تأبي أن يُعصي الله عزّ وجلّ . قلت : ومَن المحامدة ؟ قال : محمّد بن جعفر ، ومحمّد بن أبى بكر ، ومحمّد بن أبى حذيفة ، ومحمّد بن أمير المؤمنين ¼ . أمّا محمّد بن أبى حذيفة هو ابن عتبة بن ربيعة ، وهو ابن خال معاوية(٢) . ٦٧٠٣ ـ تاريخ الطبرى عن الزهرى : خرج محمّد بن أبى حذيفة ومحمّد بن أبى بكر عام خرج عبد الله بن سعد ، فأظهرا عيب عثمان ، وما غيّر ، وما خالف به أبا بكر وعمر ، وأنّ دم عثمان حلال . ويقولان : استعمل عبد الله بن سعد رجلاً كان رسول الله ½ أباح دمه ونزل القرآن بكفره ، وأخرج رسولُ الله ½ قوماً وأدخلهم ، ونزع أصحابَ رسول الله ½ واستعمل سعيد بن العاص وعبد الله بن عامر . فبلغ ذلك عبد الله بن سعد ، فقال : لا تركبا معنا ، فركبا فى مركب ما فيه أحد من المسلمين ، ولقوا العدوّ ، وكانا أكلَّ المسلمين قتالاً ، فقيل لهما فى ذلك ، فقالا : كيف نقاتل مع رجل لا ينبغى لنا أن نحكّمه ! عبد الله بن سعد استعمله عثمان ، (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ١٠٦ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٥٣ ، اُسد الغابة : ٥ / ٨٣ / ٤٧٢٠ ; الغارات : ١ / ٣٢٨ و٣٢٩ ، رجال الكشّى : ١ / ٢٨٨ / ١٢٦ وفيه "مات فى السجن" . ٢٩٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مُحَمّدُ بنُ أبى حُذَيفَة
وعثمان فعل وفعل ، فأفسدا أهل تلك الغزاة ، وعابا عثمان أشدّ العيب(١) . ٦٧٠٤ ـ الغارات عن علىّ بن محمّد بن أبى سيف : إنّ محمّد بن أبى حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس اُصيب لمّا فتح عمرو بن العاص مصر ، فبعث به إلي معاوية بن أبى سفيان وهو يومئذ بفلسطين ، فحبسه معاوية فى سجن له فمكث فيه غير كثير ، ثمّ إنّه هرب ـ وكان ابن خال معاوية ـ فأري معاوية الناس أنّه كره انفلاته من السجن ، فقال لأهل الشام : من يطلبه ؟ وقد كان معاوية فيما يرون يحبّ أن ينجو ، فقال رجل من خثعم يقال له : عبيد الله بن عمرو بن ظلام ، وكان شجاعاً وكان عثمانيّاً : أنا أطلبه ، فخرج فى خيله فلحقه بحوّارين(٢) وقد دخل فى غار هناك ، فجاءت حمر تدخله وقد أصابها المطر ، فلمّا رأت الرجل فى الغار فزعت منه فنفرت . فقال حمّارون ـ كانوا قريباً من الغار ـ : والله إنّ لنفر هذه الحمر من الغار لشأناً ، ما نفّرها من هذا الغار إلاّ أمر ، فذهبوا ينظرون ، فإذا هم به فخرجوا ، فوافاهم عبيد الله بن عمرو بن ظلام فسألهم عنه ووصفه لهم ، فقالوا له : ها هو ذا فى الغار ، فجاء حتي استخرجه ، وكره أن يحمله إلي معاوية فيخلّى سبيله ، فضرب عنقه ، رحمه الله تعالي(٣) . ٦٧٠٥ ـ رجال الكشّى : كان محمّد بن أبى حذيفة بن عتبة بن ربيعة مع علىّ بن (١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٩٢ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٥٤ نحوه . ٢٩٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مُحَمّدُ بنُ أبى حُذَيفَة
أبى طالب ¼ ومن أنصاره وأشياعه ، وكان ابن خال معاوية ، وكان رجلاً من خيار المسلمين ، فلمّا توفّى علىّ ¼ أخذه معاوية وأراد قتله ، فحبسه فى السجن دهراً ، ثمّ قال معاوية ذات يوم : ألا نرسل إلي هذا السفيه محمّد بن أبى حذيفة فنُبكِته(١) ، ونخبره بضلاله ، ونأمره أن يقوم فيسبّ عليّاً ؟ قالوا : نعم . فبعث إليه معاوية فأخرجه من السجن ، فقال له معاوية : يا محمّد بن أبى حذيفة ألم يأن لك أن تبصر ما كنت عليه من الضلالة بنصرتك علىّ بن أبى طالب . . . قال : والله إنّى لأشهد إنّك منذ عرفتك فى الجاهليّة والإسلام لعلي خلق واحد ما زاد الإسلام فيك قليلا ولا كثيراً ، وإنّ علامة ذلك فيك لبيّنة تلومنى علي حبّى عليّاً ، كما خرج مع علىّ كلّ صوّام قوّام مهاجرى وأنصارى ، وخرج معك أبناء المنافقين والطلقاء والعتقاء ، خدعتهم عن دينهم ، وخدعوك عن دنياك ، والله يا معاوية ما خفى عليك ما صنعت ، وما خفى عليهم ما صنعوا ، إذ أحلّوا أنفسهم بسخط الله فى طاعتك ، والله لا أزال اُحبّ عليّاً لله ، واُبغضك فى الله وفى رسوله أبداً ما بقيت . قال معاوية : وإنّى أراك علي ضلالك بعد ، ردّوه ، فردّوه وهو يقرأُ فى السجن : ³ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ² (٢) ، فمات فى السجن(٣) . (١) التَّبْكيت : التَّقريع والتَّوبيخ (النهاية : ١ / ١٤٨) . |