٤٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / أبو مُوسَي الأشْعَرِيّ
٩ هو عبد الله بن قيس بن سليم ، المشهور بأبى موسي الأشعرى . من أهل اليمن(١) ، وأحد صحابة النبىّ ½ (٢) . أسلم فى مكّة(٣) . وكان حَسَنَ الصوت ، واشتهر بالقراءة(٤) . ولاّه النبىّ ½ علي مناطق من اليمن(٥). ولى البصرة(٦) فى عهد عمر بعد عزل المغيرة(٧). (١) تاريخ الإسلام للذهبى: ٣/٥٤٨ ، الفتوح: ٤/١٩٨، الإمامة والسياسة : ١/١٥١ ; وقعة صفّين : ٥٠٠ . ٤١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / أبو مُوسَي الأشْعَرِيّ
عندما كان والياً علي البصرة ، فتح كثيراً من مناطق إيران ، منها الأهواز(١) ، وتُستَر(٢) ، وقمّ(٣) ، وأصفهان(٤) ، وجُنديسابور(٥) . وظلّ والياً علي البصرة فى أوّل خلافة عثمان(٦) ، ثمّ عزله عثمان ونصب مكانه عبد الله بن عامر بن كريز(٧) الذى كان ابن خمس وعشرين سنة(٨) . ولمّا ثار أهل الكوفة علي عثمان وواليه سعيد بن العاص وطلبوا أبا موسي ، وافق عثمان علي ذلك ، وولى أبو موسي الكوفة(٩) . وعندما تسلّم أمير المؤمنين ¼ مقاليد الخلافة أبقاه فى منصبه باقتراح مالك الأشتر(١٠) . وهو الوالى الوحيد الذى ظلّ فى منصبه من ولاة عثمان(١١) . (١) تاريخ خليفة بن خيّاط : ٩٤ وص ٩٧ ، سير أعلام النبلاء : ٢ / ٣٩٠ / ٨٢ ، اُسد الغابة : ٣ / ٣٦٥ / ٣١٣٧ ، الإصابة : ٤ / ١٨١ / ٤٩١٦ ، معجم البلدان : ١ / ٢٨٥ . ٤٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / أبو مُوسَي الأشْعَرِيّ
وكان أبو موسي يثبّط الناس عن نصرة الإمام ¼ فى فتنة أصحاب الجمل ، فعزله الإمام(١) ، وأخرجه مالك الأشتر من الكوفة(٢) . اعتزل أبو موسي القتال فى صفّين(٣) وانضمّ إلي القاعدين . ولكن عندما فُرِضَ التحكيم علي الإمام ¼ ، فُرِضَ أبو موسي عليه أيضاً حَكَماً بإصرار الأشعث بن قيس والخزرج وبلبلتهم(٤) . وكان الإمام ¼ يعلم أنّ أبا موسي سيُضيع الحقّ بمكيدة عمرو بن العاص ، وكذلك كان يعتقد أصحابه الأجلاّء كمالك الأشتر ، وابن عبّاس ، والأحنف بن قيس(٥) . وفى آخر المطاف انخدع أبو موسي بمكيدة ابن العاص ، وعجز عن استخلاف عبد الله بن عمر ، الذى كان صهره(٦) ، وكان يطمع فيها(٧) . لقد وَهِم أبو موسي أنّه عزل عليّاً ¼ ومعاوية . واستغلّ ابن العاص الفرصة ، وكادَ فأبقي معاوية . وعبّر أبو موسي بحماقته هذه عن دوره المخزى فى التاريخ (١) نهج البلاغة : الكتاب ٦٣ ، الجمل : ٢٤٢ ; المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٢٦ / ٤٦٠٢ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٩٩ ، مروج الذهب : ٢ / ٣٦٧ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٤٩ ، الفتوح : ٢ / ٤٥٩ . ٤٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / أبو مُوسَي الأشْعَرِيّ
مرّة اُخري ، وساق المجتمع الإسلامى إلي هاوية الدمار(١) . ويا عجباً ! فإنّ التدقيق فى حوار الرجلين يدلّ علي أنّ أبا موسي كان غير مطّلع علي موضوع التحكيم ، ولم يعلم فى الحقيقة كُنه ما يريد أن يُحكّم فيه . لجأ أبو موسي بعد ذلك إلي مكّة(٢) . وعندما مَلَكَ معاوية كان يتردّد عليه ، وكان معاوية يحتفى به(٣) . وكان أمير المؤمنين علىّ ¼ يدعو فى صلاته علي أبى موسي ، ومعاوية ، وابن العاص(٤) . ويدلّ التدبّر فى حياة أبى موسي الأشعرى وإنعام النظر فيما ذكرناه أنّه كان ذا "جمود فكرى" من جهة ، و"خمود سلوكى" من جهة اُخري . فلا هو من اُولى الفكر الحركى الفعّال ، ولا هو من أصحاب السعى اللائق المحمود . لقد كان رجلاً ظاهر التنسّك دون الاهتداء بما عليه العقل . مات أبو موسي سنة ٤٢ هـ(٥) وهو ابن ثلاث وستّين سنةً(٦) . (١) وقعة صفّين : ٥٤٦ ; مروج الذهب : ٢ / ٤١٠ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ٧١ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٩٦ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٥٤٩ . راجع : القسم السادس / وقعة صفّين / خيمة التحكيم . ٤٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / أبو مُوسَي الأشْعَرِيّ
٦٤٠٣ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى وصف أبى موسي الأشعرى ـ : والله ما كان عندى مؤتمناً ولا ناصحاً ، ولقد كان الذين تقدّمونى استولوا علي مودّته ، وولّوه وسلّطوه بالإمرة علي الناس ، ولقد أردت عزله فسألنى الأشتر فيه أن اُقرّه ، فأقررته علي كُره منّى له ، وتحمّلت علي صرْفه من بعدُ(١) . ٦٤٠٤ ـ مروج الذهب ـ فى ذكر حرب الجمل ـ : كاتب علىّ من الربذة أبا موسي الأشعرى ليستنفر الناس ، فثبّطهم أبو موسي وقال : إنّما هى فتنة ، فنُمى(٢) ذلك إلي علىّ ، فولّي علي الكوفة قَرظَة بن كعب الأنصارى ، وكتب إلي أبى موسي : اعتزل عملنا يابن الحائك مذموماً مدحوراً ، فما هذا أوّل يومنا منك ، وإنّ لك فينا لهنات وهُنيّات(٣) . ٦٤٠٥ ـ سير أعلام النبلاء عن شقيق : كنّا مع حذيفة جلوساً ، فدخل عبد الله وأبو موسي المسجد ، فقال : أحدهما منافق ثمّ قال : إنّ أشبه الناس هَدْياً ودَلاًّ وسَمتاً برسول الله ½ عبد الله(٤) . ٦٤٠٦ ـ شرح نهج البلاغة : روى أنّ عمّاراً سُئل عن أبى موسي ، فقال : لقد سمعت فيه من حذيفة قولاً عظيماً ، سمعته يقول : صاحب البُرْنُس(٥) الأسود ، ثمّ كلح كلوحاً(٦) ، علمت منه أنّه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط(٧) . (١) الأمالى للمفيد : ٢٩٥ / ٦ . ٤٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / أبو مُوسَي الأشْعَرِيّ
٦٤٠٧ ـ تاريخ دمشق عن أبى تِحيَي حُكَيّم : كنت جالساً مع عمّار ، فجاء أبو موسي فقال : ما لى ولك ؟ قال : أ لست أخاك ؟ قال : ما أدرى إلاّ أنّى سمعت رسول الله ½ يلعنك ليلة الجمل . قال : إنّه قد استغفر لى . قال عمّار : قد شهدتُ اللعنَ ، ولم أشهد الاستغفار(١) . ٦٤٠٨ ـ تاريخ الطبرى عن جويرية بن أسماء : قدم أبو موسي علي معاوية ، فدخل عليه فى بُرنُس أسود ، فقال : السلام عليك يا أمين الله ! قال : وعليك السلام ، فلمّا خرج قال معاوية : قدم الشيخُ لاُوَلّيه ، ولا والله لا اُولّيه(٢) . ٦٤٠٩ ـ الغارات عن محمّد بن عبد الله بن قارب : إنّى عند معاوية لجالس ، إذ جاء أبو موسي فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ! قال : وعليك السلام ، فلمّا تولّي قال : والله لا يلى هذا علي اثنين حتي يموت(٣) . ٦٤١٠ ـ الطبقات الكبري عن أبى بُردة [ بن أبى موسي ] : دخلت علي معاوية بن أبى سفيان حين أصابته قرحته ، فقال : هلمّ يابن أخى تحوّل فانظر . قال : فتحوّلت ، فنظرت ، فإذا هو قد سبرت(٤) ـ يعنى : قرحته ـ فقلت : ليس عليك بأس . . . إذ دخل يزيد بن معاوية ، فقال له معاوية : إن وليتَ من أمر الناس شيئاً ، فاستوصِ بهذا ; فإنّ أباه كان أخاً لى ـ أو خليلاً أو نحو هذا من القول ـ غير أنّى قد رأيت فى القتال ما لم يَرَ(٥) . (١) تاريخ دمشق : ٣٢ / ٩٣ ، كنز العمّال : ١٣ / ٦٠٨ / ٣٧٥٥٤ . ٤٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / أبو الهَيْثَم
١٠ هو مالك بنُ التَّيِّهانِ بن مالك أبو الهيثم الأنصارى ، وهو مشهور بكنيته . من أوائل الأنصار الذين أسلموا فى مكّة قبل هجرة النبىّ ½ (١) . وكان قبل الإسلام موحّداً أيضاً ولم يعبد الأصنام(٢) . وشهد مشاهد النبىّ ½ جميعها(٣) ، وهو ممّن روي حديث الغدير(٤) . وكان من السابقين فى معرفة الحقّ بعد رسول الله ½ ; إذ سبق إلي معرفة خلافة الحقّ(٥) ، ولم يتنازل عنها إلي غيرها(٦) ، وهو أحد الإثنى عشر الذين احتجّوا فى مسجد النبىّ مدافعين عن الإمام ¼ ، ومعارِضين لتغيير مسار الخلافة(٧) . وهكذا كان ; فقد رافق الإمام ¼ منذ بداية تبلور خلافته ، وتصدّي مع عمّار بن ياسر لأخذ البيعة من الناس(٨) . (١) الطبقات الكبري : ٣ / ٤٤٨ ، سير أعلام النبلاء : ١ / ١٩٠ / ٢٢ ، الاستيعاب : ٣ / ٤٠٤ / ٢٢٨٦ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٩ . ٤٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الأحْنَفُ بنُ قَيْس
جعله الإمام ¼ وعمّارَ بن ياسر علي بيت المال . وهو آية علي نزاهته(١) . وعندما ذكر الإمامُ ¼ بلَوعة وألم ـ وهو فى وحدته ومحنة نُكول أصحابه وضعفهم ـ أحِبَّته الماضين الذين ثبتوا علي الطريق ، ذكر فيهم مالك بن التَّيِّهان ، وتأسّف علي فقده(٢) . واختلف المؤرّخون فى وقت وفاته ، لكن يستبين من خطبة الإمام ¼ ، التى ذكر فيها اسمه وتأوَّة علي فقده وفقد عمّار بن ياسر ، وخزيمة بن ثابت ذى الشهادتين ، قائلاً : "أين إخوانى الذين ركبوا الطريق ومضَوا علي الحقّ ؟ أين عمّار ؟ وأين ابنُ التَّيِّهان ؟ وأين ذو الشهادتين وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا علي المنيّة ، واُبرد برؤوسهم إلي الفجرة ؟" يستبين أنّه استُشهد فى صفّين(٣) . وبه صرّح ابن أبى الحديد(٤) ، والعلاّمة التسترى(٥) . ١١ الأحنف بن قيس بن معاوية ، أبو بحر التميمى السعدى ، والأحنف لقب له لحَنَف(٦) كان برجله ، واسمه الضحّاك وقيل : صخر ، من كبار تميم(٧) . أسلم علي (١) الاختصاص : ١٥٢ . ٤٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الأحْنَفُ بنُ قَيْس
عهد النبىّ ½ (١) ، لكنّه لم يَرَهُ(٢) . حُمِدَ بالحلم والسيادة ، وربّما أفرط مترجموه فى نقل بعض الأمثلة من حلمه وسيادته(٣) . وكان الأحنف من اُمراء الجيش فى فتح خراسان أيّام عمر(٤) . وفتح مَرْو فى عصر عثمان(٥) . واعتزل الإمامَ أمير المؤمنين عليّاً ¼ فى حرب الجمل(٦) ، فتبعه أربعة آلاف من قبيلته تاركين عائشة(٧) ، ودَعته عائشة إلي اللحاق بها ، فلم يُجِب ودحض موقفها بكلام بصير واع(٨) . وكان من قادة جيش الإمام ¼ فى معركة صفّين(٩) ، واقترح أن يمثّل الإمام ¼ فى التحكيم بدل أبى موسي(١٠) . واعتزل فى فتنة ابن الحضرمى ولم يدافع عن الإمام ¼ . وكانت سياسته ترتكز علي المسامحة والموادعة ، ومسايرة قومه وقبيلته ، والابتعاد عن (١) سير أعلام النبلاء: ٤/٨٧/٢٩، تاريخ الإسلام للذهبى: ٥/٣٤٦/١٣٦ ، الاستيعاب: ١/٢٣٠/١٦١. ٤٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الأحْنَفُ بنُ قَيْس
التوتّر(١) . وكانت له منزلة حسنة عند معاوية(٢) ، لكنّه لم يتنازل عن مدح الإمام أمير المؤمنين ¼ والثناء عليه وتعظيمه يومئذ(٣) . وكاتَبه الإمام الحسين ¼ قبل ثورته فلم يُجِبه(٤) . وإن صحّ هذا (أى عدم استجابته لدعاء الإمام ¼ ) ; فهو دليل علي ركونه إلي الدنيا ، وتزعزع عقيدته . وكانت تربطه بمصعب بن الزبير صداقة ، من هنا رافقه فى مسيره إلي الكوفة(٥) . مات الأحنف سنة ٦٧ هـ (٦) . ٦٤١١ ـ تاريخ دمشق عن عبد الله بن المبارك : قيل للأحنف بن قيس : بأىّ شىء سوّدك قومك ؟ قال : لو عاب الناس الماءَ لم أشربه(٧) . ٦٤١٢ ـ الجمل ـ فى ذكر حرب الجمل ـ : بعث إليه [علىٍّ ¼ ] الأحنفُ بن قيس رسولاً يقول له : إنّى مقيم علي طاعتك فى قومى ; فإن شئتَ أتيتك فى مائتين من أهل بيتى فعلتُ ، وإن(٨) شئتَ حبست عنك أربعة آلاف سيف من بنى سعد . فبعث إليه أمير المؤمنين ¼ : بل احبس وكفّ . فجمع الأحنف قومه ، فقال : يا بنى سعد ! كُفّوا عن هذه الفتنة ، واقعدوا فى بيوتكم ; فإن ظهر أهل البصرة فهم (١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤١٥ . ٥٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الأحْنَفُ بنُ قَيْس
إخوانكم لم يُهيّجوكم ، وإن ظهر علىٌّ سلمتم . فكَفّوا وتركوا القتال(١) . ٦٤١٣ ـ الجمل : لمّا جاء رسول الأحنف وقد قدم علي علىّ ¼ بما بذل له من كفّ قومه عنه ، قال رجل : يا أمير المؤمنين ، من هذا ؟ قال : هذا أدهي العرب وخيرُهم لقومه . فقال علىّ ¼ : كذلك هو ، وإنّى لأمثَلُ بينه وبين المغيرة بن شعبة ; لزِمَ الطائفَ ، فأقام بها ينتظر علي من تستقيم الاُمّة ! فقال الرجل : إنّى لأحسب أنّ الأحنف لأسرع إلي ما تحبّ من المغيرة(٢) . ٦٤١٤ ـ وقعه صفّين ـ فى ذكر إعزام الحكمين فى آخر حرب صفّين ـ : قام الأحنف بن قيس إلي علىّ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّى خيّرتك يوم الجمل أن آتيك فيمن أطاعنى وأكفّ عنك بنى سعد ، فقلت : كفّ قومك فكفي بكفّك نصيراً ، فأقمت بأمرك . وإنّ عبد الله بن قيس رجل قد حلبت أشطره فوجدته قريب القعر كليل المُدية ، وهو رجل يمان ، وقومه مع معاوية . وقد رُمِيتَ بحجر الأرض وبمن حارب الله ورسوله ، وإنّ صاحب القوم من ينأي حتي يكون مع النجم ، ويدنو حتي يكون فى أكفّهم . فابعثنى وو الله لا يحلّ عقدة إلاّ عقدتُ لك أشدّ منها . فإن قلت : إنّى لست من أصحاب رسول الله ½ ; فابعث رجلاً من أصحاب رسول الله ½ ، غير عبد الله بن قيس ، وابعثنى معه . فقال علىّ : إنّ القوم أتَونى بعبد الله بن قيس مُبَرْنَساً ، فقالوا : ابعث هذا ; فقد رضينا به . والله بالغُ أمره(٣) . (١) الجمل : ٢٩٥ . ٥١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الأحْنَفُ بنُ قَيْس
٦٤١٥ ـ وقعة صفّين ـ بعد ذكر دعوة الإمام ¼ أهل البصرة لقتال معاوية ، وقراءة ابن عبّاس كتابه ¼ عليهم ـ : فقام الأحنف بن قيس فقال : نعم ، والله لنجيبنّك ، ولنخرجنّ معك علي العسر واليسر ، والرضا والكره ، نحتسب فى ذلك الخير ، ونأمل من الله العظيم من الأجر(١) . ٦٤١٦ ـ تاريخ دمشق : إنّ الأحنف بن قيس دخل علي معاوية ، فقال : أنت الشاهر علينا سيفك يوم صفّين ، والمخذِّل عن أمّ المؤمنين ؟ ! فقال : يا معاوية ! لا تردّ الاُمور علي أدبارها ; فإنّ السيوف التى قاتلناك بها علي عواتقنا ، والقلوب التى أبغضناك بها بين جوانحنا ، والله لا تمدّ إلينا شبراً من غدر إلاّ مددنا إليك ذراعاً من خَتْر(٢) ، وإن شئت لتستصفينّ كدر قلوبنا بصفو من عفوك . قال : فإنّى أفعل(٣) . ٦٤١٧ ـ العقد الفريد عن أبى الحباب الكندى عن أبيه : إنّ معاوية بن أبى سفيان بينما هو جالس وعنده وجوه الناس ، إذ دخل رجل من أهل الشام ، فقام خطيباً ، فكان آخر كلامه أن لعن عليّاً ، فأطرق الناس وتكلّم الأحنف ، فقال : يا أمير المؤمنين ! إنّ هذا القائل ما قال آنفاً ، لو يعلم أنّ رضاك فى لعن المرسلين للعنهم ! فاتّقِ الله ودعْ عنك عليّاً ; فقد لقى ربّه ، واُفرد فى قبره ، وخلا بعمله ، وكان والله ـ ما علمنا ـ المُبرِّز بسبقه ، الطاهر خُلقه ، الميمون نقيبته(٤) ، (١) وقعة صفّين : ١١٦ . ٥٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الأحْنَفُ بنُ قَيْس
العظيم مصيبته . فقال له معاوية : يا أحنف ! لقد أغضيت العين علي القذي ، وقلت بغير ما تري ، وايم الله لتصعدنّ المنبر فلتلعنّه طوعاً أو كرهاً ، فقال له الأحنف : يا أمير المؤمنين ! إن تُعفِنى فهو خير لك ، وإن تجبرنى علي ذلك فو الله لا تجرى به شفتاى أبداً ، قال : قم فاصعد المنبر . قال الأحنف : أما والله مع ذلك لاُنصفنّك فى القول والفعل . قال : وما أنت قائل يا أحنف إن أنصفتنى ؟ قال : أصعد المنبر ، فأحمد الله بما هو أهله ، واُصلّى علي نبيّه ½ ، ثمّ أقول : أيّها الناس ، إنّ أمير المؤمنين معاوية أمرنى أن ألعن عليّاً ، وإنّ عليّاً ومعاوية اختلفا فاقتتلا ، وادّعي كلّ واحد منهما أنّه بُغى عليه وعلي فئته ; فإذا دعوت فأمِّنوا رحمكم الله . ثمّ أقول : اللهمّ العن أنت وملائكتك وأنبياؤك وجميع خلقك الباغى منهما علي صاحبه ، والعن الفئة الباغية ، اللهمّ العنهم لعناً كثيراً . أمِّنوا رحمكم الله ! يا معاوية ! لا أزيد علي هذا ولا أنقص منه حرفاً ولو كان فيه ذهاب نفسى . فقال معاوية : إذن نُعفيك يا أبا بحر(١) . ٦٤١٨ ـ عيون الأخبار عن السكن : كتب الحسين بن علىّ رضى الله عنهما إلي الأحنف يدعوه إلي نفسه فلم يردّ الجواب ، وقال : قد جرّبنا آل أبى الحسن ، فلم نجد عندهم إيالة(٢) للملك ، ولا جمعاً للمال ، ولا مكيدة فى الحرب(٣) . (١) العقد الفريد : ٣ / ٨٧ ، وفيات الأعيان : ٢ / ٥٠٤ ، نهاية الأرب : ٧ / ٢٣٧ . ٥٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الأشْعَثُ بنُ قَيْس
١٢ الأشعث بن قيس بن معديكَرِب الكِندى ، يُكنّي أبا محمّد ، واسمه معديكَرِب(١) . من كبار اليمن ، وأحد الصحابة(٢) . عَوِرت عينه فى حرب اليرموك(٣) . وهو وجه مشبوه مُريب متلوّن ، ردىء الطبع ، سيّئ العمل فى التاريخ الإسلامى . ارتدّ بعد رسول الله ½ عن الدِّين واُسِر ، فعفا عنه أبو بكر ، وزوّجه اُخته(٤) . وكان أبو بكر يُعرب عن ندمه ، ويتأسّف لعفوه(٥) . زوّج بنته لابن عثمان فى أيّام خلافته(٦) . ونصبه عثمان والياً علي آذربايجان(٧) . وكان يهبه مئة ألف درهم من خراجها سنويّاً(٨) . عزل الإمام علىّ ¼ الأشعث عن آذربايجان ، ودعاه إلي المدينة(٩) ، فهمّ (١) سير أعلام النبلاء : ٢ / ٣٨ / ٨ ، اُسد الغابة : ١ / ٢٤٩ / ١٨٥ . ٥٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الأشْعَثُ بنُ قَيْس
بالفرار فى البداية ، ثمّ قدم المدينة بتوصية أصحابه ، ووافي الإمامَ ¼ (١) . تولّي رئاسة قبيلته "كِندة" فى حرب صفّين(٢) ، وكان علي ميمنة الجيش(٣) . وتزعّم الأشعث التيّار الذى فرض التحكيمَ(٤) وفرض أبا موسي الأشعرى علي الإمام ¼ . وعارض اختيارَ ابن عبّاس ومالك الأشتر حكَمَين عن الإمام ¼ بصراحة(٥) ، ونادي بيمانيّة أحد الحكمين(٦) . وله يدٌ فى نشوء الخوارج ، كما كان له دور كبير فى إيقاد حرب النهروان مع أنّه كان فى جيش الإمام ¼ (٧) . وهو ممّن كان يعارض الإمام ¼ وأعماله داخل الجيش بكلّ ما يستطيع(٨) ، حتي عُدَّت مواقفه أصل كلّ فساد واضطراب(٩) . وكان شرساً إلي درجة أنّه هدّد الإمامَ ¼ مرّةً بالقتل(١٠) . وسمّاه الإمام ¼ منافقاً ، ولعنه(١١) . (١) وقعة صفّين : ٢١ ; الإمامة والسياسة : ١ / ١١٢ . ٥٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الأشْعَثُ بنُ قَيْس
وكان ابن ملجم يتردّد علي داره(١) ، وهو الذى أشار علي المذكور بالإسراع يوم عزمه علي قتل الإمام ¼ (٢) . ونحن وإن لم نمتلك دليلاً تاريخيّاً قطعيّاً علي صلته السرّيّة بمعاوية ، لكن لا بدّ من الالتفات إلي أنّ الأيادى الخفيّة تعمل بحذر تامّ وكتمان شديد ، ولذا لم تنكشف إلاّ نادراً . لكن ملفّ جنايات هذا البيت المشؤوم يمكن عدّه وثيقة معتبرة علي علقته بل وعلقة اُسرته بأعداء أهل البيت ، وممّا يعزّز ذلك تعبير الإمام عنه بالمنافق . قامت بنته جعدة بسمّ الإمام الحسن ¼ (٣) . وتولّي ابنه محمّد إلقاء القبض علي مسلم بن عقيل بالكوفة ، بعد أن آمنه زوراً ، ثمّ غدر به(٤) "و كلُّ إناء بالذى فيه ينضحُ" . وكان ابنه الآخر قيس(٥) من اُمراء جيش عمر بن سعد فى كربلاء ، ولم يقلّ عن أبيه ضعَةً ونذالةً ; إذ سلب قطيفة الإمام الحسين ¼ فاشتهر بــ "قيس القطيفة"(٦) . هلك الأشعث سنة ٤٠ هـ (٧) ، فخُتم ملفّ حياته الدَّنِس الملوَّث بالعار . ٦٤١٩ ـ شرح نهج البلاغة عن الأعمش : إنّ جريراً والأشعث خرجا إلي جبّان(٨) (١) الإرشاد : ١ / ١٩ وفيه "و كانوا قبل ذلك ألقوا إلي الأشعث بن قيس ما فى نفوسهم من العزيمة علي قتل أمير المؤمنين ¼ وواطأهم عليه" . ٥٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الأشْعَثُ بنُ قَيْس
الكوفة ، فمرّ بهما ضبٌّ يعدو ، وهما فى ذمّ علىّ ¼ ، فنادياه : يا أبا حِسْل ، هلمّ يدك نبايعك بالخلافة ، فبلغ عليّاً ¼ قولهما ، فقال : أما إنّهما يُحشران يوم القيامة وإمامُهما ضبّ(١) . ٦٤٢٠ ـ الإمام الصادق ¼ : إنّ الأشعث بن قيس شرك فى دم أمير المؤمنين ¼ ، وابنته جعدة سمّت الحسن ¼ ، ومحمّد ابنه شرك فى دم الحسين ¼ (٢) . ٦٤٢١ ـ تاريخ دمشق عن إبراهيم : ارتدّ الأشعث بن قيس وناس من العرب لمّا مات نبىّ الله ½ فقالوا : نُصلّى ولا نُؤدّى الزكاة ، فأبي عليهم أبو بكر ذلك ، قال : لا أحلّ عقدة عقدها(٣) رسول الله ½ ، ولا أعقد عقدة حلّها رسول الله ½ ، ولا أنقصُكم شيئاً ممّا أخذ منكم رسول الله ½ ، ولاُجاهدنّكم ، ولو منعتمونى(٤) عقالاً ممّا أخذ منكم نبىّ الله ½ ، لجاهدتكم عليه ، ثمّ قرأ : ³ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ² (٥) الآية . فتحصّن الأشعث بن قيس هو وناس من قومه فى حصن ، فقال الأشعث : اجعلوا لسبعين منّا أماناً فجعل لهم ، فنزل بعد سبعين ، ولم يُدخل نفسه فيهم ، فقال أبو بكر : إنّه لا أمان لك ، إنّا قاتلوك ، قال : أ فلا أدلّك علي خير من ذلك ؟ تستعين بى علي عدوّك ، وتزوّجنى اُختك ، ففعل(٦) . (١) شرح نهج البلاغة : ٤ / ٧٥ . ٥٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الأشْعَثُ بنُ قَيْس
٦٤٢٢ ـ الأخبار الطوال : كان [الأشعث] مقيماً بأذْرَبيجان طول ولاية عثمان بن عفّان ، وكانت ولايته ممّا عتب الناس فيه علي عثمان ; لأنّه ولاّه عند مصاهرته إيّاه ، وتزويج ابنة الأشعث من ابنه(١) . ٦٤٢٣ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتابه إلي الأشعث بن قيس عامل أذربيجان ـ : وإنّ عملك ليس لك بطُعْمة ، ولكنّه فى عنقك أمانة ، وأنت مسترعيً لمن فوقك ، ليس لك أن تَفتَات(٢) فى رعيّة ، ولا تُخاطر إلاّ بوثيقة ، وفى يديك مالٌ من مال الله عزّ وجلّ ، وأنت من خُزّانه حتي تسلّمه إلىَّ ، ولَعلِّى ألاّ أكون شرّ وُلاتك لك ، والسلام(٣) . ٦٤٢٤ ـ وقعة صفّين عن الأشعث بن قيس ـ من خطبته فى أذربيجان بعد بيعة الناس مع علىّ ¼ ـ : أيّها الناس ! إنّ أمير المؤمنين عثمان ولاّنى أذربيجان ، فهلك وهى فى يدى ، وقد بايع الناس عليّاً ، وطاعتنا له كطاعة من كان قبله ، وقد كان من أمره وأمر طلحة والزبير ما قد بلغكم ، وعلىٌّ المأمون علي ما غاب عنّا وعنكم من ذلك الأمر . فلمّا أتي منزله دعا أصحابه فقال : إنّ كتاب علىّ قد أوحشنى ، وهو آخذ بمال أذربيجان ، وأنا لاحق بمعاوية . فقال القوم : الموت خير لك من ذلك ، أ تدع مِصرَك وجماعة قومك وتكون (١) الأخبار الطوال : ١٥٦ وراجع وقعة صفّين : ٢٠ . ٥٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الأشْعَثُ بنُ قَيْس
ذنباً لأهل الشام ؟ ! فاستحيي فسار حتي قدم علي علىّ(١) . ٦٤٢٥ ـ تاريخ اليعقوبى ـ فى كتابة وثيقة التحكيم واختلافهم فى تقديم الإمام وتسميته بإمرة المؤمنين ـ : فقال أبو الأعور السلمى : لا نُقدّم عليّاً ، وقال أصحاب علىّ : ولا نُغيّر اسمه ولا نكتب إلاّ بإمرة المؤمنين ، فتنازعوا علي ذلك منازعة شديدة حتي تضاربوا بالأيدى ، فقال الأشعث : امحوا هذا الاسم ، فقال له الأشتر : والله ـ يا أعور ! ـ لهممتُ أن أملأ سيفى منك ، فلقد قتلتُ قوماً ما هم شرّ منك ، وإنّى أعلم أنّك ما تحاول إلاّ الفتنة ، وما تدور إلاّ علي الدنيا وإيثارها علي الآخرة !(٢) ٦٤٢٦ ـ الإمام علىّ ¼ : أمّا هذا الأعور ـ يعنى الأشعث ـ فإنّ الله لم يرفع شرفاً إلاّ حسده ، ولا أظهر فضلاً إلاّ عابه ، وهو يُمنّى نفسه ويخدعها ، يخاف ويرجو ، فهو بينهما لا يثقُ بواحد منهما ، وقد منّ الله عليه بأن جعله جباناً ، ولو كان شجاعاً لقتله الحقّ(٣) . ٦٤٢٧ ـ الإمام الصادق ¼ : حدّثتنى امرأة منّا ، قالت : رأيت الأشعث بن قيس دخل علي علىّ ¼ فأغلظ له علىّ ، فعرض له الأشعث بأن يفتك به . فقال له علىّ ¼ : أ بالموت تهدّدنى ؟ ! فو الله ما اُبالى وقعت علي الموت ، أو وقع الموتُ علَىَّ(٤) . (١) وقعة صفّين : ٢١ ; الإمامة والسياسة : ١ / ١١٢ نحوه . ٥٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الأشْعَثُ بنُ قَيْس
٦٤٢٨ ـ تاريخ دمشق عن قيس بن أبى حازم : دخل الأشعث بن قيس علي علىّ فى شىء ، فتهدّده بالموت ، فقال علىّ : بالموت فتهدّدنى ! ما اُبالى سقط علىَّ أو سقطتُ عليه . هاتوا له جامعة وقيداً ، ثمّ أومأ إلي أصحابه فطلبوا إليه فيه ، قال : فترَكَه(١) . ٦٤٢٩ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كلام قاله للأشعث بن قيس وهو علي منبر الكوفة يخطب ، فمضي فى بعض كلامه شىء اعترضه الأشعث فيه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذه عليك لا لك ، فخفض ¼ إليه بصره ثمّ قال ـ : ما يُدريك ما علىَّ ممّا لى ؟ عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين ! حائك ابن حائك ! منافق ابن كافر ! والله لقد أسرك الكفرُ مرّة والإسلامُ اُخري ! فما فداك من واحدة منهما مالُك ولا حسَبك ! وإنّ امْرَأً دلّ علي قومه السيفَ ، وساق إليهم الحتفَ ، لحرىٌّ أن يمقته الأقرب ، ولا يأمنه الأبعد !(٢) ٦٤٣٠ ـ شرح نهج البلاغة : كلّ فساد كان فى خلافة علىّ ¼ ، وكلّ اضطراب (١) تاريخ دمشق : ٩ / ١٣٩ ، سير أعلام النبلاء : ٢ / ٤٠ / ٨ وليس فيه "ما اُبالى سقط علىَّ أو سقطتُ عليه" . ٦٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الأشْعَثُ بنُ قَيْس
حدث فأصله الأشعث ، ولولا محاقّته(١) أمير المؤمنين ¼ فى معني الحكومة فى هذه المرّة لم تكن حرب النهروان ، ولكان أمير المؤمنين ¼ ينهض بهم إلي معاوية ، ويملك الشام ; فإنّه صلوات الله عليه حاول أن يسلك معهم مسلك التعريض والمواربة(٢) . وفى المثل النبوىّ صلوات الله علي قائله : "الحرب خدعة" ، وذاك أنّهم قالوا له : تُبْ إلي الله ممّا فعلت كما تُبنا ننهضْ معك إلي حرب أهل الشام ، فقال لهم كلمة مجملة مرسلة يقولها الأنبياء والمعصومون ، وهى قوله : "أستغفر الله من كلّ ذنب" ، فرضوا بها ، وعدّوها إجابة لهم إلي سؤلهم ، وصفَتْ له ¼ نيّاتهم ، واستخلص بها ضمائرهم ، من غير أن تتضمّن تلك الكلمة اعترافاً بكفر أو ذنب . فلم يتركه الأشعث ، وجاء إليه مستفسراً وكاشفاً عن الحال ، وهاتكاً ستر التورية والكناية ، ومخرجاً لها من ظلمة الإجمال وستر الحيلة إلي تفسيرها بما يُفسد التدبير ، ويُوغِر الصدور ، ويُعيد الفتنة ، ولم يستفسره ¼ عنها إلاّ بحضور من لا يمكنه أن يجعلها معه هُدْنة علي دَخَن(٣) ، ولا ترقيقاً عن صَبوح(٤) ، وألجأه بتضييق الخناق عليه إلي أن يكشف ما فى نفسه ، ولا يترك الكلمة علي احتمالها ، (١) احتَقّ القوم : قال كلّ واحد منهم : الحقّ فى يدي(لسان العرب : ١٠ / ٤٩) والمراد هنا : المحاجّة والمجادلة . ٦١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / أصْبَغُ بنُ نُباتَة
ولا يطويها علي غَرّها(١) ، فخطب بما صدع به عن صورة ما عنده مجاهرة ، فانتقض ما دبّره ، وعادت الخوارج إلي شبهتها الاُولي ، وراجعوا التحكيم والمُروق . وهكذا الدول التى تظهر فيها أمارات الانقضاء والزوال ، يُتاح لها أمثال الأشعث من اُولى الفساد فى الأرض ³ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ² (٢)(٣) . ١٣ أصبغ بن نباتة التَّمِيمى الحنظلى المُجاشِعى . كان من خاصّة الإمام أمير المؤمنين علىّ ¼ ، ومن الوجوه البارزة بين أصحابه(٤) ، وأحد ثقاته ¼ (٥) ، وهو مشهور بثباته واستقامته علي حبّه ¼ . وصفته النصوص التاريخيّة القديمة بأنّه شيعىّ(٦) ، وأنّه مشهور بحبّ علىّ ¼ . وكان من "شرطة الخميس"(٧) ، ومن (١) أصل المثل : "طَوَيتُه علي غَرَّهِ" غَرُّ الثوب : أثَر تكسُّره ، يُضرَب لمن يؤكَل إلي رأيه (مجمع الأمثال : ٢ / ٢٩٠ / ٢٢٩٨) . ٦٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / أصْبَغُ بنُ نُباتَة
اُمرائهم(١) . عاهد الإمام ¼ علي التضحية والفداء والاستشهاد(٢) . وشهد معه الجمل ، وصفّين(٣) . وكان معدوداً فى أنصاره الأوفياء المخلصين . وهو الذى روي عهده إلي مالك الأشتر ;(٤) ذلك العهد العظيم الخالد ! وكان من القلائل الذين اُذن لهم بالحضور عند الإمام ¼ بعد ضربته(٥) . وعُدّ الأصبغ فى أصحاب الإمام الحسن ¼ أيضاً(٦) . ٦٤٣١ ـ وقعة صفّين عن عمر بن سعد الأسدى ـ فى ذكر وقعة صفّين ـ : حرّض علىّ بن أبى طالب أصحابه ، فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال : يا أمير المؤمنين ! قدِّمنى فى البقيّة من الناس ; فإنّك لا تفقد لى اليوم صبراً ولا نصراً . أمّا أهل الشام فقد أصبنا منهم ، وأمّا نحن ففينا بعض البقيّة ، ايذن لى فأتقدّم ؟ فقال علىّ : تقدّم باسم الله والبركة ، فتقدّم وأخذ رايته ، فمضي وهو يقول :
فرجع الأصبغ وقد خضَبَ سيفه دماً ورمحه ، وكان شيخاً ناسكاً عابداً ، وكان إذا لقى القوم بعضهم بعضاً يغمد سيفه ، وكان من ذخائر علىّ ممّن قد بايعه علي (١) وقعة صفّين : ٤٠٦ . ٦٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / اُمُّ الفَضْلِ بنْتُ الحارِث
الموت ، وكان من فرسان أهل العراق ، وكان علىّ ¼ يضنّ به علي الحرب والقتال(١) . ١٤ هى لبابة بنت الحارث بن حَزْن الهلاليّة ، أمّ الفضل ، وهى زوجة العبّاس بن عبد المطّلب ، واُمّ أكثر بنيه ، وهى اُخت ميمونة زوج النبىّ ½ . يقال : إنّها أوّل امرأة أسلمت بعد خديجة ، روي ابن عبّاس عن رسول الله ½ قال : "الأخوات المؤمنات : ميمونة بنت الحارث وأمّ الفضل [و] سلمي وأسماء(٢)" . ٦٤٣٢ ـ الفتوح : كتبت أمّ الفضل بنت الحارث إلي علىّ ¢ : بسم الله الرحمن الرحيم ، لعبد الله علىّ أمير المؤمنين من أمّ الفضل بنت الحارث ، أمّا بعد ; فإنّ طلحة والزبير وعائشة قد خرجوا من مكّة يريدون البصرة ، وقد استنفروا الناس إلي حربك ، ولم يخفّ معهم إلي ذلك إلاّ من كان فى قلبه مرض ، ويد الله فوق أيديهم ، والسلام . قال : ثمّ دفعت أمّ الفضل هذا الكتاب إلي رجل من جُهينة له عقل ولسان ، يقال له : ظفْر ، فقالت : خذ هذا الكتاب ، وانظر أن تقتل فى كلّ مرحلة بعيراً وعلىَّ ثمنه ، وهذه مائة دينار قد جعلتها لك ، فجُدّ السيرَ حتي تلقي علىّ بن أبى طالب ¢ ، فتدفع إليه كتابى هذا . (١) وقعة صفّين : ٤٤٢ . ٦٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / اُوَيْسٌ القَرَنِيّ
قال : فسار الجهنى سيراً عنيفاً حتي لحق أصحاب علىّ ¢ وهم علي ظهر المسير(١) ، فلمّا نظروا إليه نادوه من كلّ جانب : أيّها الراكب ما عندك ؟ فنادي الجهنى بأعلي صوته شعراً يخبر فيه قدوم عائشة وطلحة والزبير(٢) . ١٥ هو اُويس بن عامر بن جَزْء المرادى القرنى . كان طاهر الفطرة ، سليم الفكرة ، ووجهاً متألّقاً فى التاريخ الإسلامى . أسلم علي عهد النبىّ ½ ، لكنّه ما رآه(٣) . لذا عُدَّ فى التابعين . وصفه رسول الله ½ بأنّه أفضل التابعين وأعلاهم شأناً(٤) ، وصرّح بأنّه يشفع لخلق كثيرين يوم القيامة(٥) . وكان فى عداد الزهّاد المشهورين(٦) ، وأحد ثمانيتهم المعروفين(٧) . لم يكن له حضور مشهور فى القضايا الاجتماعيّة ، وكان نَصِباً(٨) (١) أى يتهيّؤوا للخروج إلي الشام . ٦٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / اُوَيْسٌ القَرَنِيّ
فى العبادة ، ونُقل أنّه ربما أمضي الليل كلّه ساجداً . شهد مع الإمام أمير المؤمنين ¼ الجمل ، وصفّين(١) ، وعاهده علي الشهادة فى صفّين . وفيها نال ذلك الوسام بوجه مُدمي(٢) ، ودُفن هناك(٣) . وقد وصف الإمام موسي بن جعفر ¼ اُويساً وصفاً يبيّن منزلته الرفيعة ، حين قال : "إذا كان يوم القيامة نادي مناد . . . أين حواريّو علىّ بن أبى طالب . . . فيقوم عمرو بن الحمق . . . واُويس القرنى(٤) . ٦٤٣٣ ـ رسول الله ½ : خليلى من هذه الاُمّة اُويس القرنى(٥) . ٦٤٣٤ ـ صحيح مسلم عن اُسير بن جابر : كان عمر بن الخطّاب إذا أتي عليه أمداد أهل اليمن ، سألهم : أ فيكم اُويس بن عامر ؟ حتي أتي علي اُويس ، فقال : أنت اُويس بن عامر ؟ قال : نعم ، قال : من مُراد ، ثمّ من قَرَن ؟ قال : نعم ، قال : فكان بك برص فبرأت منه إلاّ موضع درهم ؟ قال : نعم .قال : لك والدة ؟ قال : نعم . قال : سمعت رسول الله ½ يقول : "يأتى عليكم اُويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مُراد ، ثمّ من قَرَن ، كان به برص فبرأ منه إلاّ موضع درهم ، له والدة هو بها برّ ، لو أقسم علي الله لأبرّه; فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" فاستغفرْ لى ، فاستغفرَ له . فقال له عمر : أين تريد ؟ قال : الكوفة ، قال : أ لا أكتب لك إلي عاملها ؟ قال : (١) راجع: القسم السادس / وقعة الجمل / وصول قوّات الكوفة إلي الإمام ، ووقعة صفّين / أكابر أصحاب الإمام . إرجاعات
١٦٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الاُولى : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / وصول قوّات الكوفة إلى الإمام
٢٨٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الأوّل : مواصفات الحرب / أكابر أصحاب الإمام
١٢٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد اُويس بن عامر القرني
٦٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / اُوَيْسٌ القَرَنِيّ
أكون فى غبراء(١) الناس أحبّ إلىَّ . قال : فلمّا كان من العام المقبل حجّ رجل من أشرافهم ، فوافق عمر ، فسأله عن اُويس ، قال : تركته رثّ البيت ، قليل المتاع(٢) . ٦٤٣٥ ـ المستدرك علي الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبى ليلي : لمّا كان يوم صفّين نادي مناد من أصحاب معاوية أصحابَ علىّ : أفيكم اُويس القرنى ؟ قالوا : نعم ، فضرب دابّته حتي دخل معهم ، ثمّ قال : سمعت رسول الله ½ يقول : "خير التابعين اُويس القرنى"(٣) . ٦٤٣٦ ـ حلية الأولياء عن أصبغ بن زيد : إنّما منعَ اُويساً أن يقدم علي رسول الله ½ برُّه باُمّه(٤) . ٦٤٣٧ ـ خصائص الأئمّة (ع) عن الأصبغ بن نباتة : كنت مع أمير المؤمنين ¼ بصفّين فبايعه تسعة وتسعون رجلاً ، ثمّ قال : أين تمام المائة ؟ فقد عهد إلىَّ رسول الله ½ أنّه يبايعنى فى هذا اليوم مائة رجل . فقال : فجاء رجل عليه قباء صوف متقلّد سيفين ، فقال : هلمّ يدك اُبايعك ، فقال علي ما تبايعنى ؟ قال : علي (١) غَبْراء الناس : أى فقراؤهم ، ومنه قيل للمحاويج : بنو غبراء ، كأنّهم نُسبوا إلي الأرض والتراب (النهاية : ٣ / ٣٣٨) . ٦٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / اُوَيْسٌ القَرَنِيّ
بذل مهجة نفسى دونك . قال : ومن أنت ، قال : اُويس القرنى ، فبايعه فلم يزل يُقاتل بين يديه حتي قُتل ، فوُجد فى الرجّالة مقتولاً(١) . ٦٤٣٨ ـ الإمام الكاظم ¼ : إذا كان يوم القيامة . . . ينادى مناد : أين حوارى علىّ بن أبى طالب ¼ وصىّ محمّد بن عبد الله رسول الله ½ ؟ فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعى ، ومحمّد بن أبى بكر ، وميثم بن يحيي التمّار مولي بنى أسد ، واُويس القرنى(٢) . ٦٤٣٩ ـ الأمالى للطوسى : قيل لاُويس بن عامر القرنى : كيف أصبحت يا أبا عامر ؟ قال : ما ظنّكم بمن يرحل إلي الآخرة كلّ يوم مرحلة لا يدرى إذا انقضي سفره أعَلَي جنّة يرد أم علي نار ؟(٣) ٦٤٤٠ ـ حلية الأولياء عن أصبغ بن زيد : كان اُويس القرنى إذا أمسي يقول : هذه ليلة الركوع ، فيركع حتي يُصبِح . وكان يقول إذا أمسي : هذه ليلة السجود ، فيسجد حتي يُصبح . وكان إذا أمسي تصدّق بما فى بيته من الفضل من الطعام والثياب ، ثمّ يقول : اللهمّ من مات جوعاً فلا تؤاخذنى به ، ومن مات عرياناً فلا تؤاخذنى به(٤) . (١) خصائص الأئمّة
(ع) : ٥٣ ، رجال الكشّى :١ / ٣١٥ / ١٥٦ وراجع الإرشاد : ١ / ٣١٥ وإعلام الوري : ١ / ٣٣٧ والمستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٤٥٥ / ٥٧١٨ . إرجاعات
١٦٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الاُولى : وقعة الجمل / الفصل الخامس : استنصار الإمام من أهل الكوفة / وصول قوّات الكوفة إلى الإمام
١٢٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد اُويس بن عامر القرني |
||||||