١٠٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / خُلَيدُ بنُ قُرَّةَ اليَرْبوعِيّ
٣٣ خُلَيدُ بنُ قُرَّةَ اليَرْبوعِىّ ٦٤٨٣ ـ تاريخ الطبرى ـ فى ذكر خليد بن قرّة ـ : كان والى خراسان(١) . ٦٤٨٤ ـ وقعة صفّين : بعث [الإمام علىّ ¼ ] خُليداً إلي خراسان ، فسار خليدٌ حتي إذا دنا من نيسابور بلغه أنّ أهل خراسان قد كفروا ونزعوا يدهم من الطاعة ، وقدم عليهم عمّال كسري من كابل ، فقاتل أهل نيسابور فهزمهم وحصر أهلها ، وبعث إلي علىّ بالفتح والسبى(٢) . ٣٤ ٦٤٨٥ ـ وقعة صفّين : استعملَ [الإمام علىّ ¼ ] رِبعىّ بن كاس علي سَجِستان(٣)(٤) . ٦٤٨٦ ـ الكامل فى التاريخ : بعد خروج حسكة فى سجستان كتب علىّ ¼ إلي عبد الله بن العبّاس يأمره أن يولّى سجستان رجلاً ويسيّره إليها فى أربعة آلاف ، (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٩٣ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٩ ، الأخبار الطوال : ١٥٣ وفيه "خليد بن كاس" ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٥١ وفيه "خليد بن قرّة التميمى" ، البداية والنهاية : ٧ / ٣١٨ ; وقعة صفّين : ١٢ . ١٠٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الرَّبِيعُ بنُ خُثَيم
فوجّه ربعىّ بن كاس العنبرى ومعه الحُصَين بن أبى الحُرّ العنبرى ، فلمّا ورد سجستان قاتلهم حسكة وقتلوه ، وضبطَ ربعىُّ البلاد(١) . ٣٥ الربيع بن خثيم(٢) الثورى يُكنّي أبا يزيد . وهو من أصحاب عبد الله بن مسعود(٣) . اشتهر بالزهد(٤) ، فعُدَّ أحد الزهّاد الثمانية المعروفين(٥) . جاء إلي أمير المؤمنين ¼ فى وقعة صفّين مع جماعة من القرّاء ، فقال : قد شككنا فى هذا القتال ! ولا غني بك ولا بالمسلمين عمّن يقاتل المشركين ، فولّنا بعض هذه الثغور لنقاتل عن أهله ، فولاّهم ثغر قزوين والرىّ . وولاّه عليهم(٦) . (١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٥١ وراجع تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٥١ . ١٠٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الرَّبِيعُ بنُ خُثَيم
فهو إذاً لم يعرف الحقّ ، وارتاب عند اشتعال نار الفتنة ، مع ادّعائه الزهد والقداسة والإعراض عن الدنيا ، ورغب عن أمير المؤمنين ¼ الذى كان محور الحقّ وفارقه . بيد أنّ بعض الرجاليّين أثنَوا عليه(١) ، ولكن حسبنا فى ذمّه تخلّفه وكلامه الآنف الذكر . ومن هنا إذا لم تقترن العبادة والزهد بالوعى والعمق فهذه هى عاقبتها . توفّى فى الكوفة أيّام عبيد الله بن زياد(٢) . فالظاهر أنّ خواجة ربيع المدفون فى خراسان وفى جوار الإمام الرضا ¼ هو غير ربيع بن خثيم الذى توفّى بالكوفة ، ولعلّه من أصحاب الصادق ¼ . ٦٤٨٧ ـ الأخبار الطوال ـ فى ذكر مجىء الإمام علىّ ¼ إلي صفّين ـ : أجابه جُلّ الناس إلي المسير ، إلاّ أصحاب عبد الله بن مسعود ، وعبيدة السلمانى ، والربيع بن خثيم فى نحو من أربعمائة رجل من القرّاء ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ! قد شككنا فى هذا القتال ، مع معرفتنا فضلك ، ولا غني بك ولا بالمسلمين عمّن يُقاتل المشركين ، فولّنا بعض هذه الثغور لنقاتل عن أهله . فولاّهم ثغر قزوين والرىّ ، وولّي عليهم الربيع بن خثيم ، وعقد له لواء ، وكان أوّل لواء عُقد فى الكوفة(٣) . ٦٤٨٨ ـ حلية الأولياء عن بلال بن المنذر ـ بعد شهادة الإمام الحسين ¼ ـ : قال رجل : إن لم أستخرج اليوم سيّئة من الربيع لأحد لم أستخرجها أبداً! (١) رياض العلماء : ٢ / ٢٨٧ ، مجالس المؤمنين : ١ / ٢٩٧ وراجع مصباح الشريعة : ١٠٦ وص ١٧٥ و ٤٤٥ و٥٠٧ . ١٠٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / رُشَيدٌ الهَجَرِيّ
قال [ الرجل ] : قلت : يا أبا يزيد ، قُتل ابن فاطمة (ع) ، قال : فاسترجع ، ثمّ تلا هذه الآية : ³ قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ² (١) . قال [ الرجل ] : قلت : ما تقول ؟ قال : ما أقول ! إلي الله إيابهم ، وعلي الله حسابهم(٢) . ٣٦ رُشيد الهَجَرى من أصحاب أمير المؤمنين ¼ الواعين الراسخين(٣) . وعدّ من أصحاب الإمام الحسن(٤) والإمام الحسين ¤ أيضاً(٥) ، كان أمير المؤمنين ¼ يعظّمه ويُسمّيه "رشيد البلايا" . واخترقت نظرته الثاقبة النافذة ما وراء عالم الشهادة ، فعُرف بعالِم "البلايا والمنايا"(٦) . قال له الإمام ¼ يوماً : كيف صبرك إذا أرسل إليك دعىُّ بنى اُميّة ، فقطع يديك ورجليك ولسانك ؟ قال : أ يكون آخر ذلك إلي الجنّة ؟(٧) (١) الزمر : ٤٦ . ١١٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / رُشَيدٌ الهَجَرِيّ
وهكذا ترجم عظمة الصبر ، ودلّ علي صلابته فى محبّته أمير المؤمنين صلوات الله عليه . ولمّا آن ذلك الأوان فعل زياد بن أبيه فعلته ، ولم يتنازل رشيد عن الحقّ إلي أن استشهد وصلب(١) . ٦٤٨٩ ـ الأمالى للطوسى عن بنت رُشيد الهَجَرى عن رُشيد الهجَرَى : قال لى حبيبى أمير المؤمنين ¼ : يا رُشيد ، كيف صبرك إذا أرسل إليك دعىُّ بنى اُميّة فقطع يديك ورجليك ولسانك ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ، أ يكون آخر ذلك إلي الجنّة ؟ قال : نعم يا رُشيد ، وأنت معى فى الدنيا والآخرة . قالت : فوَ الله ما ذهبت الأيّام حتي أرسل إليه الدعىّ عبيد الله بن زياد ، فدعاه إلي البراءة من أمير المؤمنين ¼ ، فأبي أن يتبرّأ منه ، فقال له ابن زياد : فبأىّ ميتة قال لك صاحبك تموت ؟ قال : أخبرنى خليلى صلوات الله عليه أنّك تدعونى إلي البراءة منه فلا أتبرّأ ، فتقدّمنى فتقطع يدى ورجلى ولسانى . فقال : والله لاُكذّبنَّ صاحبك ، قدّموه فاقطعوا يده ورجله واتركوا لسانه ، فقطعوه ثمّ حملوه إلي منزلنا . فقلت له : يا أبه جُعلت فداك، هل تجد لما أصابك ألماً؟ قال: والله لا يا بُنية إلاّ كالزحام بين الناس. ثمّ دخل عليه جيرانه ومعارفه يتوجّعون له ، فقال : ايتونى بصحيفة ودواة أذكر لكم ما يكون ممّا أعلمنيه مولاى أمير المؤمنين ¼ . فأتوه بصحيفة ودواة ، فجعل يذكر ويُملى عليهم أخبار الملاحم والكائنات ويسندها إلي أمير المؤمنين ¼ . فبلغ ذلك ابن زياد فأرسل إليه الحجّام حتي قطع لسانه ، فمات من ليلته تلك ١١١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِرُّ بنُ حُبَيش
رحمه الله(١) . ٦٤٩٠ ـ الإرشاد عن زياد بن النضر الحارثى : كنت عند زياد إذ اُتى برُشيد الهجرى ، فقال له زياد : ما قال لك صاحبك ـ يعنى عليّاً ¼ ـ إنّا فاعلون بك ؟قال : تقطعون يدىَّ ورجلىَّ وتصلبونني. فقال زياد: أم والله لاُكذّبنَّ حديثه ، خلّو سبيله. فلمّا أراد أن يخرج قال زياد : والله ما نجد له شيئاً شرّاً ممّا قال صاحبه ، اقطعوا يديه ورجليه واصلبوه . فقال رُشيد : هيهات ، قد بقى لى عندكم شىء أخبرنى به أمير المؤمنين ¼ . قال زياد : اقطعوا لسانه . فقال رُشيد : الآن والله جاء تصديق خبر أمير المؤمنين ¼ (٢) . ٣٧ زرّ بن حُبيش بن حُباشة الأسدى من الفضلاء والعلماء والقرّاء المطّلعين علي معارف القرآن ، وأحد عيون التابعين(٣) ، ومن أصحاب أمير المؤمنين ¼ الأجلاّء(٤) . وقد شهد الإمام ¼ بوثاقته . وبلغ حبّه وودّه للإمام ¼ درجة أنّ أصحاب الرجال عدّوه علويّاً(٥) . (١) الأمالى للطوسى : ١٦٥ / ٢٧٦ ، رجال الكشّى : ١ / ٢٩٠ / ١٣١ ، الاختصاص : ٧٧ . ١١٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
كان بارعاً فى أدب العرب . ووصفته كتب التراجم بأنّه أعرب الناس ، وذكرت أنّ عبد الله بن مسعود كان يسأله عن العربيّة(١) . قرأ زرّ القرآن كلّه علي أمير المؤمنين ¼ (٢) ، وقرأه عاصم عليه(٣) ، وكان عاصم من القرّاء السبعة وكبار علماء الكوفة فى القرن الثانى . عُمِّر زرّ طويلاً ، وتوفّى حوالي سنة ٨٠ هـ (٤) ، وهو ابن مائة وعشرين سنة(٥) . ٦٤٩١ ـ ميزان الاعتدال عن زرّ بن حُبيش : قرأت القرآن كلّه علي علىّ ¼ فلمّا بلغت : ³ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ ² (٦) بكي حتي ارتفع نحيبه(٧) . ٣٨ هو زياد بن سُميَّة ; وهى اُمّه ، وقبل استلحاقه بأبى سفيان يقال له : زياد بن (١) الطبقات الكبري : ٦ / ١٠٥ ، تهذيب الكمال : ٩ / ٣٣٧ / ١٩٧٦ ، سير أعلام النبلاء : ٤ / ١٦٧ / ٦٠ ، المعارف لابن قتيبة : ٤٢٧ ، الإصابة : ٢ / ٥٢٢ / ٢٩٧٨ . ١١٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
عبيد الثقفى ، تحدّثنا عنه مجملاً فى مدخل البحث . كان من الخطباء(١) والساسة . اشتهر بذكائه المفرط ومكره فى ميدان السياسة(٢) . ولدته سميّة ، التى كانت بغيّاً من أهل الطائف(٣) ـ وكانت تحت عبيد الثقفى (٤)ـ فى السنة الاُولي من الهجرة(٥) . أسلم زياد فى خلافة أبى بكر(٦) . ولفت نظر عمر فى عنفوان شبابه بسبب كفاءته ودهائه السياسى(٧) ، فأشخصه فى أيّام خلافته إلي اليمن لتنظيم ما حدث فيها من اضطراب(٨) . كان عمر بن الخطّاب قد استعمله علي بعض صدقات البصرة أو بعض أعمال البصرة(٩) . كان زياد يعيش فى البصرة ، وعمل كاتباً لولاتها : أبى موسي الأشعرى(١٠) ، (١) الاستيعاب : ٢ / ١٠٠ / ٨٢٩ ، اُسد الغابة : ٢ / ٣٣٦ / ١٨٠٠ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٤٩٦ / ١١٢ ، الإصابة : ٢ / ٥٢٨ / ٢٩٩٤ . ١١٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
والمغيرة بن شعبة(١) ، وعبد الله بن عامر(٢) . وكان كاتباً(٣) ومستشاراً(٤) لابن عبّاس فى البصرة أيّام خلافة الإمام أمير المؤمنين ¼ . ولمّا توجّه ابن عبّاس إلي صفّين جعله علي خراج البصرة وديوانها وبيت مالها(٥) . وعندما امتنع أهل فارس وكرمان من دفع الضرائب ، وطردوا واليهم سهل بن حُنيف ، استشار الإمام ¼ أصحابه لإرسال رجل مدبّر وسياسى إليهم ، فاقترح ابن عبّاس زياداً(٦) ، وأكّد جاريةُ بن قدامة هذا الاقتراح(٧) . فتوجّه زياد إلي فارس وكرمان(٨) . وتمكّن بدهائه السياسى من إخماد نار الفتنة . وفى تلك الفترة نفسها ارتكب أعمالاً ذميمة فاعترض عليه الإمام ¼ (٩) . لم يشترك زياد فى حروب الإمام ¼ ، وكان مع الإمام وابنه الحسن المجتبي ¤ (١) تاريخ دمشق : ١٩ / ١٦٩ ، المعارف لابن قتيبة : ٣٤٦ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٤٩٥ / ١١٢ ، أنساب الأشراف : ٥ / ١٩٨ . ١١٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
حتي استشهاد الإمام ¼ ، بل حتي الأيّام الاُولي من حكومة معاوية(١) . ثمّ زلّ بمكيدة معاوية ، ووقع فيما كان الإمام قد حذّره منه(٢) ، وأصبح أداةً طيّعة لمعاوية تماماً ، من خلال مؤامرة الاستلحاق . وسمّاه معاوية أخاه(٣) . وشهد جماعة علي أنّه ابن زنا(٤) . وهكذا أصبح زياد بن أبى سفيان ! ! كانت المفاسد والقبائح متأصّلة فى نفس زياد ، وقد أبرز خبث طينته واسوداد قلبه فى بلاط معاوية . ولاّه البصرة فى بادئ الأمر ، ثمّ صار أميراً علي الكوفة أيضاً(٥) . ولمّا أحكم قبضته عليهما لم يتورّع عن كلّ ضرب من ضروب الفساد والظلم(٦) . وتشدّد كثيراً علي الناس ، خاصّة شيعة الإمام أمير المؤمنين ¼ (٧) ، إذ سجن الكثيرين منهم فى سجون مظلمة ضيّقة أو قتلهم(٨) . وأكره الناس علي (١) العقد الفريد : ٤ / ٥ . ١١٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
البراءة من الإمام ¼ (١) وسبّه(٢) مصرّاً علي ذلك . هلك زياد بالطاعون(٣) سنة ٥٣ هـ (٤) وهو ابن ٥٣(٥) سنة ، بعد عقد من الجور والعدوان والنهب ونشر القبائح وإشاعة الرجس والفحشاء ، وخَلّفَ من هذه الشجرة الخبيثة ثمرة خبيثة تقطر قبحاً ، وهو عبيد الله الذى فاق أباه فى الكشف عن سوء سريرته وظلمه لآل علىّ ¼ وشيعته . كان زياد نموذجاً واضحاً للسياسى الذى له دماغ مفكّر ، ولكن ليس له قلب وعاطفة قطّ ! ! كان الشرَه ، والعَبَث ، والنفاق فى معاملة الناس من صفاته التى أشار إليها الإمام ¼ فى رسالة موقظة منبِّهة(٦) . كان زياد عظيماً عند طلاّب الدنيا الذين يَعظُم فى عيونهم زبرجها وبهرجها ; ولذا مدحوه بالذكاء الحادّ والمكانة السامية(٧) . بَيد أنّ نظرة إلي ما وراء ذلك تدلّنا علي أنّه لم يَرْعَوِ من كلّ رجس ودنس وقبح وخبث ، حتي من تغيير نسبه أيضاً . (١) تاريخ دمشق : ١٩ / ٢٠٣ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٤٩٦ / ١١٢ . ١١٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
٦٤٩٢ ـ سير أعلام النبلاء ـ فى ذكر زياد بن أبيه ـ : هو زياد بن عُبيد الثقفى ، وهو زياد بن سُميّة وهى اُمّه ، وهو زياد بن أبى سفيان الذى استلحقه معاوية بأنّه أخوه . كانت سميّة مولاة للحارث بن كلدة الثقفى طبيب العرب . يُكنّي أبا المغيرة . له إدراك ، ولد عام الهجرة ، وأسلم زمن الصدّيق وهو مراهق ، وهو أخو أبى بكرة الثقفى الصحابى لاُمّه ، ثمّ كان كاتباً لأبى موسي الأشعرى زمن إمرته علي البصرة . . . . وكان كاتباً بليغاً ، كتب أيضاً للمغيرة ولابن عبّاس ، وناب عنه بالبصرة . يقال : إنّ أبا سفيان أتي الطائف ، فسكر ، فطلب بغيّاً ، فواقع سميّة ، وكانت مزوّجة بعبيد ، فولدت من جماعه زياداً ، فلمّا رآه معاوية من أفراد الدهر ، استعطفه وادّعاه ، وقال : نزل من ظهر أبى . ولمّا مات علىّ ¼ ، كان زياد نائباً له علي إقليم فارس(١) . ٦٤٩٣ ـ الاستيعاب ـ فى ذكر زياد بن أبيه ـ : كان رجلاً عاقلاً فى دنياه ، داهية خطيباً ، له قدر وجلالة عند أهل الدنيا(٢) . ٦٤٩٤ ـ اُسد الغابة : كان عظيم السياسة ، ضابطاً لما يتولاّه(٣) . ٦٤٩٥ ـ تاريخ اليعقوبى : كان [المغيرة] يختلف إلي امرأة من بنى هلال يقال لها : (١) سير أعلام النبلاء : ٣ / ٤٩٤ / ١١٢ . ١١٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
اُمّ جميل ، زوجة الحجّاج بن عتيك الثقفى ، فاستراب به جماعة من المسلمين ، فرصده أبو بكرة ونافع بن الحارث وشبل بن معبد وزياد بن عبيد ، حتي دخل إليها فرفعت الريح الستر فإذا به عليها ، فوفد علي عمر ، فسمع عمر صوت أبى بكرة وبينه وبينه حجاب ، فقال : أبو بكرة ! قال : نعم . قال : لقد جئت ببشر ؟ قال : إنّما جاء به المغيرة . ثمّ قصّ عليه القصّة . فبعث عمر أبا موسي الأشعرى عاملاً مكانه ، وأمره أن يُشخص المغيرة ، فلمّا قدم عليه جمع بينه وبين الشهود ، فشهد الثلاثة ، وأقبل زياد ، فلمّا رآه عمر قال : أري وجه رجل لا يخزى الله به رجلاً من أصحاب محمّد ، فلمّا دنا قال : ما عندك يا سلح العقاب ؟ قال : رأيت أمراً قبيحاً ، وسمعت نفَساً عالياً ، ورأيت أرجلاً مختلفة ، ولم أرَ الذى مثل الميل فى المكحلة . فجلد عمر أبا بكرة ، ونافعاً ، وشبل بن معبد ، فقام أبو بكرة وقال : أشهد أنّ المغيرة زان، فأراد عمر أن يجلده ثانية، فقال له : علىَّ إذاً توفّى صاحبك حجارة . وكان عمر إذا رأي المغيرة قال : يا مغيرة ، ما رأيتك قطّ إلاّ خشيت أن يرجمنى الله بالحجارة(١) . ٦٤٩٦ ـ الاستيعاب : بعث عمر بن الخطّاب زياداً فى إصلاح فساد وقع باليمن ، ١١٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
فرجع من وجهه وخطب خطبة لم يسمع الناسُ مثلَها ، فقال عمرو بن العاص : أما والله لو كان هذا الغلام قرشيّاً لساق العرب بعصاه . فقال أبو سفيان بن حرب : والله إنّى لأعرف الذى وضعه فى رحم اُمّه . فقال له علىّ بن أبى طالب : ومن هو يا أبا سفيان ؟ قال : أنا . قال : مهلاً يا أبا سفيان . فقال أبو سفيان :
٦٤٩٧ ـ تاريخ دمشق عن الشعبى : أقام علىّ ¼ بعد وقعة الجمل بالبصرة خمسين ليلة ، ثمّ أقبل إلي الكوفة واستخلف عبد الله بن عبّاس علي البصرة ، قال : فلم يزل ابن عبّاس علي البصرة حتي سار إلي صفّين . ثمّ استخلف أبا الأسود الديلى علي الصلاة بالبصرة ، واستخلف زياداً علي الخراج وبيت المال والديوان ، وقد كان استكتبه قبل ذلك ، فلم يزالا علي البصرة حتي قدم من صفّين(٢) . ٦٤٩٨ ـ شرح نهج البلاغة : فأمّا أوّل ما ارتفع به زياد فهو استخلاف ابن عبّاس له علي البصرة فى خلافة علىّ ¼ ، وبلغت عليّاً عنه هنات ، فكتب إليه يلومه ويؤنّبه ; فمنها الكتاب الذى ذكر الرضى بعضه وقد شرحنا فيما تقدّم ما ذكر (١) الاستيعاب : ٢ / ١٠١ / ٨٢٩ ، اُسد الغابة : ٢ / ٣٣٦ / ١٨٠٠ نحوه وليس فيه الأبيات ، الوافى بالوفيات : ١٥ / ١٠ / ١٠ وراجع تاريخ دمشق : ١٩ / ١٧٤ والعقد الفريد : ٤ / ٤ . ١٢٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
الرضى منه . وكان علىّ ¼ أخرج إليه سعداً مولاه يحّثه علي حمل مال البصرة إلي الكوفة ، وكان بين سعد وزياد مُلاحاة ومنازعة ، وعاد سعد وشكاه إلي علىّ ¼ وعابه ، فكتب علىّ ¼ إليه : أمّا بعد ، فإنّ سعداً ذكر أنّك شتمته ظُلماً ، وهدّدته وجبهته تجبّراً وتكبّراً ، فما دعاك إلي التكبّر وقد قال رسول الله ½ : "الكبر رداء الله ، فمن نازع الله رداءه قصمه" . وقد أخبرنى أنّك تُكثّر من الألوان المختلفة فى الطعام فى اليوم الواحد ، وتدّهن كلّ يوم ، فما عليك لو صمت لله أيّاماً ، وتصدّقت ببعض ما عندك محتسباً ، وأكلت طعامك مراراً قفاراً ، فإنّ ذلك شعار الصالحين ! أ فتطمع وأنت متمرّغ فى النعيم ؟ ! تستأثر به علي الجار والمسكين والضعيف والفقير والأرملة واليتيم ، أن يُحسب لك أجر المتصدّقين ! وأخبرنى أنّك تتكلّم بكلام الأبرار ، وتعمل عمل الخاطئين ، فإن كنت تفعل ذلك فنفسك ظلمت ، وعملك أحبطت ، فتب إلي ربّك يصلح لك عملك ، واقتصد فى أمرك ، وقدّم إلي ربّك الفضل ليوم حاجتك ، وادّهن غبّاً(١) ، فإنّى سمعت رسول الله ½ يقول : "ادّهنوا غبّاً ولا تدّهنوا رفهاً(٢)"(٣) . ٦٤٩٩ ـ تاريخ اليعقوبى : وجّه [علىّ ¼ ] رجلاً من أصحابه إلي بعض عمّاله (١) الغبّ : الإتيان فى اليومين ، وقال الحسن : فى كلّ اُسبوع (لسان العرب : ١ / ٦٣٥ و٦٣٦) . ١٢١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
مستحثّاً ، فاستخفّ به فكتب إليه : أمّا بعد ،فإنّك شتمت رسولى وزجرته ، وبلغنى أنّك تبخّر وتكثر الأدهان وألوان الطعام ، وتتكلّم علي المنبر بكلام الصدّيقين ، وتفعل إذا نزلت أفعال المحلّين ، فإن يكن ذلك كذلك فنفسك ضررت وأدبى تعرّضت . ويحك أن تقول العظمة والكبرياء ردائى ، فمن نازعنيهما سخطت عليه ! بل ما عليك أن تدّهن رفيهاً ، فقد أمر رسول الله ½ بذلك ؟ ! وما حملك أن تشهد الناس عليك بخلاف ما تقول ، ثمّ علي المنبر حيث يكثر عليك الشاهد ، ويعظم مقت الله لك ، بل كيف ترجو وأنت متهوّع فى النعيم جمعته من الأرملة واليتيم ، أن يوجب الله لك أجر الصالحين ؟ ! بل ما عليك ، ثكلتك اُمّك ، لو صمت لله أيّاماً ، وتصدّقت بطائفة من طعامك ، فإنّها سيرة الأنبياء وأدب الصالحين ، أصلح نفسك وتب من ذنبك وأدِّ حقّ الله عليك ، والسلام(١) . ٦٥٠٠ ـ تاريخ الطبرى عن الشعبى : لمّا انتقض أهل الجبال وطمع أهل الخراج فى كسره ، وأخرجوا سهل بن حنيف من فارس ـ وكان عاملاً عليها لعلىّ ¼ ـ قال ابن عبّاس لعلىّ : أكفيك فارس . فقدم ابن عبّاس البصرة ، ووجّه زياداً إلي فارس فى جمع كثير ، فوطئ بهم أهل فارس ، فأدّوا الخراج(٢) . ٦٥٠١ ـ تاريخ الطبرى عن علىّ بن كثير : إنّ عليّاً استشار الناس فى رجل يولّيه فارس حين امتنعوا من أداء الخراج ، فقال له جارية بن قدامة : ألا أدلّك يا (١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٢٠٢ . ١٢٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
أمير المؤمنين علي رجل صليب الرأى ، عالم بالسياسة ، كاف لما ولى ؟ قال : من هو ؟ قال : زياد . قال : هو لها . فولاّه فارس وكرمان ، ووجّهه فى أربعة آلاف ، فدوّخ تلك البلاد حتي استقاموا(١) . ٦٥٠٢ ـ شرح نهج البلاغة عن علىّ بن محمّد المدائنى : لمّا كان زمن علىّ ¼ ولّي زياداً فارس أو بعض أعمال فارس ، فضبطها ضبطاً صالحاً ، وجبي خراجها وحماها ، وعرف ذلك معاوية ، فكتب إليه : أمّا بعد ، فإنّه غرّتك قلاع تأوى إليها ليلاً ، كما تأوى الطير إلي وكرها ، وايم الله ، لولا انتظارى بك ما الله أعلم به لكان لك منّى ما قاله العبد الصالح : ³ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ² (٢) . وكتب فى أسفل الكتاب شعراً من جملته :
فلمّا ورد الكتاب علي زياد قام فخطب الناس ، وقال : العجب من ابن آكلة الأكباد ، ورأس النفاق ! يهدّدنى وبينى وبينه ابن عمّ رسول الله ½ وزوج سيّدة نساء العالمين ، وأبو السبطين ، وصاحب الولاية والمنزلة والإخاء فى مائة ألف من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ! أما والله لو تخطّي هؤلاء (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ١٣٧ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٢٩ ، البداية والنهاية : ٧ / ٣٢١ كلاهما نحوه . ١٢٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
أجمعين إلىّ لوجدنى أحمر مخشّاً ضرّاباً بالسيف . ثمّ كتب إلي علىّ ¼ ، وبعث بكتاب معاوية فى كتابه . فكتب إليه علىّ ¼ ، وبعث بكتابه : أمّا بعد ، فإنّى قد ولّيتك ما ولّيتك وأنا أراك لذلك أهلاً ، وإنّه قد كانت من أبى سفيان فلتة فى أيّام عمر من أمانىّ التيه وكذب النفس ، لم تستوجب بها ميراثاً ، ولم تستحقّ بها نسباً ، وإنّ معاوية كالشيطان الرجيم يأتى المرء من بين يديه وعن خلفه وعن يمينه وعن شماله ، فاحذره ، ثمّ احذره ، ثمّ احذره ، والسلام(١) . ٦٥٠٣ ـ أنساب الأشراف : كتب معاوية إلي زياد يتوعّده ويتهدّده ، فخطب الناس فقال : أيّها الناس ، كتب إلىّ ابن آكلة الأكباد ، وكهف النفاق ، وبقيّة الأحزاب ، يتوعّدنى ، وبينى وبينه ابن عمّ رسول الله فى سبعين ألفاً ، قبائع سيوفهم عند أذقانهم ، لا يلتفت أحد منهم حتي يموت ، أما والله لئن وصل هذا الأمر إليه ليجدنّى ضرّاباً بالسيف(٢) . ٦٥٠٤ ـ اُسد الغابة : لمّا ولى زياد بلاد فارس لعلىّ ، كتب إليه معاوية يعرض له بذلك ويتهدّده إن لم يطعه ، فأرسل زياد الكتاب إلي علىّ ، وخطب الناس وقال : عجبت لابن آكلة الأكباد ، يتهدّدنى ، وبينى وبينه ابن عمّ رسول الله فى المهاجرين والأنصار . (١) شرح نهج البلاغة : ١٦ / ١٨١ ، اُسد الغابة : ٢ / ٣٣٧ / ١٨٠٠ ، تاريخ دمشق : ١٩ / ١٧٥ و١٧٦ كلاهما نحوه وراجع الاستيعاب : ٢ / ١٠١ / ٨٢٩ . ١٢٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
فلمّا وقف علي كتابه علىّ ¼ كتب إليه : إنّما ولّيتك ما ولّيتك وأنت عندى أهل لذلك ، ولن تدرك ما تريد إلاّ بالصبر واليقين ، وإنّما كانت من أبى سفيان فلتة زمن عمر لا تستحقّ بها نسباً ولا ميراثاً ، وإنّ معاوية يأتى المرء من بي ن يديه ومن خلفه ، فاحذره ، والسلام(١) . ٦٥٠٥ ـ نهج البلاغة : من كتاب له ¼ إلي زياد بن أبيه ، وقد بلغه أنّ معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه : وقد عرفت أنّ معاوية كتب إليك يستزلّ لبّك ، ويستفلّ غربك(٢) ، فاحذره فإنّما هو الشيطان ، يأتى المرء من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، ليقتحم غفلته ، ويستلب غرّته . وقد كان من أبى سفيان فى زمن عمر بن الخطّاب فلتة من حديث النفس ، ونزغة من نزغات الشيطان : لا يثبت بها نسب ، ولا يستحقّ بها إرث ، والمتعلّق بها كالواغل المدفّع(٣) ، والنوط المذبذب(٤) . فلمّا قرأ زياد الكتاب قال : شهد بها وربّ الكعبة ، ولم تزل فى نفسه حتي ادّعاه معاوية(٥) . ٦٥٠٦ ـ تاريخ الخلفاء : وفى سنة ثلاث وأربعين . . . استلحق(٦) معاوية زياد بن (١) اُسد الغابة : ٢/٣٣٧/١٨٠٠ وراجع تاريخ دمشق : ١٩/١٧٥ و١٧٦ والاستيعاب : ٢/١٠١/٨٢٩ . ١٢٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
أبيه ، وهى أوّل قضيّة غيّر فيها حكم النبىّ عليه الصلاة والسلام فى الإسلام(١) . ٦٥٠٧ ـ تاريخ دمشق عن سعيد بن المسيّب : أوّل من ردّ قضاء رسول الله ½ ، دعوة معاوية(٢) . ٦٥٠٨ ـ تاريخ دمشق عن ابن أبى نجيع : أوّل حكم رُدّ من حكم رسول الله ½ الحكم فى زياد(٣) . ٦٥٠٩ ـ تاريخ دمشق عن عمرو بن نعجة : أوّل ذلّ دخل علي العرب قتل الحسين وادّعاء زياد(٤) . ٦٥١٠ ـ مروج الذهب : لمّا همّ معاوية بإلحاق زياد بأبى سفيان أبيه ـ وذلك فى سنة أربع وأربعين ـ شهد عنده زياد بن أسماء الحرمازى ومالك بن ربيعة السلولى والمنذر بن الزبير بن العوّام : أنّ أبا سفيان أخبر أنّه ابنه . . . ثمّ زاده يقيناً إلي ذلك شهادة أبى مريم السلولى ، وكان أخبر الناس ببدء الأمر ، وذلك أنّه جمع بين أبى سفيان وسميّة اُمّ زياد فى الجاهليّة علي زني . وكانت سميّة من ذوات الرايات بالطائف تؤدّى الضريبة إلي الحارث بن كلدة ، وكانت تنزل بالموضع الذى تنزل فيه البغايا بالطائف خارجاً عن الحضر فى محلّة يقال لها : حارة البغايا(٥) . ٦٥١١ ـ تاريخ اليعقوبى : كان زياد بن عبيد عامل علىّ بن أبى طالب علي (١) تاريخ الخلفاء : ٢٣٥ . ١٢٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
فارس ، فلمّا صار الأمر إلي معاوية كتب إليه يتوعّده ويتهدّده ، فقام زياد خطيباً ، فقال : إنّ ابن آكلة الأكباد ، وكهف النفاق ، وبقيّة الأحزاب ، كتب يتوعّدنى ويتهدّدنى ، وبينى وبينه ابنا بنت رسول الله فى تسعين ألفاً ، واضعى قبائع سيوفهم تحت أذقانهم ، لا يلتفت أحدهم حتي يموت ، أما والله لئن وصل إلىّ ليجدنّى أحمز ، ضرّاباً بالسيف . فوجّه معاوية إليه المغيرة بن شعبة ، فأقدمه ثمّ ادّعاه ، وألحقه بأبى سفيان ، وولاّه البصرة ، وأحضر زياد شهوداً أربعة ، فشهد أحدهم أنّ علىّ بن أبى طالب أعلمه أنّهم كانوا جلوساً عند عمر بن الخطّاب حين أتاه زياد برسالة أبى موسي الأشعرى ، فتكلّم زياد بكلام أعجبه ، فقال : أكنت قائلاً للناس هذا علي المنبر ؟ قال : هم أهون علىَّ منك يا أمير المؤمنين ، فقال أبو سفيان : والله لهو ابنى ، ولأنا وضعته فى رحم اُمّه . قلت : فما يمنعك من ادّعائه ؟ قال : مخافة هذا العير(١) الناهق . وتقدّم آخر فشهد علي هذه الشهادة . قال زياد الهمدانى : لمّا سأله زياد كيف قولك فى علىّ ؟ قال : مثل قولك حين ولاّك فارس ، وشهد لك أنّك ابن أبى سفيان . وتقدّم أبو مريم السلولى فقال : ما أدرى ما شهادة علىّ ، ولكنّى كنت خمّاراً بالطائف ، فمرّ بى أبو سفيان منصرفاً من سفر له ، فطعم وشرب ، ثمّ قال : يا أبا مريم طالت الغربة ، فهل من بغىّ ؟ فقلت : ما أجد لك إلاّ أمة بنى عجلان . قال : ١٢٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
فأتنى بها علي ما كان من طول ثدييها ونتن رفغها(١) ، فأتيته بها ، فوقع عليها ، ثمّ رجع إلىّ فقال لى : يا أبا مريم ، لاستلّت ماء ظهرى استلالاً تثيب ابن الحبل فى عينها . فقال له زياد : إنّما أتينا بك شاهداً ، ولم نأت بك شاتماً . قال : أقول الحقّ علي ما كان ، فأنفذ معاوية . . .(٢) قال : ما قد بلغكم وشهد بما سمعتم ، فإن كان ما قالوا حقّاً ، فالحمد لله الذى حفظ منّى ما ضيّع الناس ، ورفع منّى ما وضعوا ، وإن كان باطلاً ، فمعاوية والشهود أعلم ، وما كان عبيد إلاّ والداً مبروراً مشكوراً(٣) . ٦٥١٢ ـ تاريخ دمشق عن هشام بن محمّد عن أبيه : كان سعيد بن سرح مولي حبيب بن عبد شمس شيعة لعلىّ بن أبى طالب ، فلمّا قدم زياد الكوفة والياً عليها أخافه ، وطلبه زياد ، فأتي الحسن بن علىّ ، فوثب زياد علي أخيه وولده وامرأته فحبسهم ، وأخذ ماله ، وهدم داره . فكتب الحسن إلي زياد : من الحسن بن علىّ إلي زياد ، أمّا بعد ، فإنّك عمدت إلي رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، فهدّمت داره ، وأخذت ماله وعياله فحبستهم ، فإذا أتاك كتابى هذا فابنِ له داره ، واردد عليه عياله وماله ، فإنّى قد أجرته ، فشفّعنى فيه . فكتب إليه زياد : من زياد بن أبى سفيان إلي الحسن بن فاطمة ، أمّا بعد ، فقد أتانى كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلى ، وأنت طالب حاجة ، وأنا سلطان وأنت سوقة ، (١) الرُّفْغ بالضم والفتح : واحدُ الأرفاغ ، وهى اُصولُ المَغابن كالآباط والحَوالب ، وغيرها من مَطاوى الأعضاء ، وما يَجتمع فيه من الوَسَخ والعَرَق (النهاية : ٢ / ٢٤٤) . ١٢٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
كتبت إلىّ فى فاسق لا يؤويه إلاّ مثله ، وشرّ من ذلك تولّيه أباك وإيّاك ، وقد علمت أنّك قد أويته إقامة منك علي سوء الرأى ، ورضاً منك بذلك ، وايم الله لا تسبقنى به ولو كان بين جلدك ولحمك . وإن نلت بعضك غير رفيق بك ولا مُرع عليك ، فإنّ أحبّ لحم إلىّ آكله للحم الذى أنت منه ، فأسلمه بجريرته إلي من هو أولي به منك ، فإن عفوت عنه لم أكن شفّعتك فيه ، وإن قتلته لم أقتله إلاّ بحبّه إيّاك . فلمّا قرأ الحسن ¼ الكتاب تبسّم ، وكتب إلي معاوية يذكر له حال ابن سرح ، وكتابه إلي زياد فيه ، وإجابة زياد إيّاه ، ولفّ كتابه فى كتابه ، وبعث به إلي معاوية . وكتب الحسن إلي زياد : من الحسن بن فاطمة إلي زياد بن سُميّة : "الولد للفراش وللعاهر الحجر" فلمّا وصل كتاب الحسن إلي معاوية ، وقرأ معاوية الكتاب ضاقت به الشام ، وكتب إلي زياد : أمّا بعد ، فإنّ الحسن بن علىّ بعث بكتابك إلىّ جواب كتابه إليك فى ابن سرح ، فأكثرت التعجّب منك ، وعلمت أنّ لك رأيين : أحدهما من أبى سفيان ، والآخر من سميّة ، فأمّا الذى من أبى سفيان فحلم وحزم ، وأمّا رأيك من سميّة فما يكون رأى مثلها ؟ ومن ذلك كتابك إلي الحسن تشتم أباه ، وتعرض له بالفسق ، ولعمرى لأنت أولي بالفسق من الحسن ، ولأبوك إذ كنت تنسب إلي عُبيد أولي بالفسق من أبيه . وإنّ الحسن بدأ بنفسه ارتفاعاً عليك ، وإنّ ذلك لم يضعك ، وأمّا تركك تشفيعه فيما شفع فيه إليك فحظّ دفعته عن نفسك إلي من هو أولي به منك . فإذا قدم عليك كتابى فخلّ ما فى يديك لسعيد بن سرح ، وابنِ له داره ، ولا تعرض له ، واردد عليه ماله ، فقد كتبت إلي الحسن أن يخبر صاحبه إن شاء أقام عنده ، وإن شاء رجع إلي بلده ، ليس لك عليه سلطان بيد ولا لسان ، وأمّا كتابك إلي الحسن باسمه ولا تنسبه إلي أبيه فإنّ الحسن ويلك من لا يرمي به ١٢٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / زِيادُ بنُ أبيه
الرَّجَوان(١) ! أ فإلي اُمّه وكلته ! لا اُمّ لك ؟ ! هى فاطمة بنت رسول الله ½ ! وتلك أفخر له ، إن كنت تعقل . وكتب فى أسفل الكتاب :
٦٥١٣ ـ تاريخ الطبرى عن مسلمة والهذلى وغيرهما : إنّ معاوية استعمل زياداً علي البصرة وخراسان وسجستان ، ثمّ جمع له الهند والبحرين وعُمان ، وقدم البصرة فى آخر شهر ربيع الآخر ـ أو غرّة جمادي الاُولي ـ سنة خمس ، والفسق بالبصرة ظاهر فاش ، فخطب خطبة بتراء ، لم يحمد الله فيها : إنّى رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلاّ بما صلح به أوّله ، لين فى غير ضعف ، وشدّة فى غير جبريّة وعنف ، وإنّى اُقسم بالله لآخذن الولىّ بالولىّ ، والمقيم بالظاعن ، والمقبل بالمدبر ، والصحيح منكم بالسقيم ، حتي يلقي الرجل منكم أخاه فيقول : انجُ سعد فقد هلك سعيد ، أو تستقيم لى قناتكم . إنّ كذبة المنبر تبقي مشهورة ، فإذا تعلّقتم علىَّ بكذبة فقد حلّت لكم معصيتى ، وإذا سمعتموها منّى فاغتمزوها فىَّ ، واعلموا أنّ عندى أمثالها من بُيِّت منكم فأنا ضامن لما ذهب له . إيّاى ودلج الليل ، فإنّى لا اُوتى بمدلج إلاّ سفكت دمه ، وقد أجّلتكم فى ذلك بقدر (١) مثل يضرب لمن لا يُخدع فيُزال عن وجه إلي وجه ، وأصله الدلو يُرمي بها رَجَو البئر (أساس البلاغة : ١٥٧) . |
||||||||||||||||