١٧٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / الضَّحّاكُ بنُ قَيْس الهِلالِيّ
٥١ الضَّحّاكُ بنُ قَيْس الهِلالِىّ ٦٥٦٤ ـ الكامل فى التاريخ : فى هذه السنة [ ٣٨ هـ ] بعد مقتل محمّد بن أبى بكر واستيلاء عمرو بن العاص علي مصر ، سيّر معاوية عبد الله بن عمرو الحضرمى إلي البصرة . . . فسار ابن الحضرمى حتي قدم البصرة . . . فخطبهم وقال : إنّ عثمان إمامكم إمام الهدي ، قتل مظلوماً ، قتله علىّ ، فطلبتم بدمه فجزاكم الله خيراً . فقام الضحّاك بن قيس الهلالى ، وكان علي شُرطة ابن عبّاس ، فقال : قبّح الله ما جئتنا به وما تدعونا إليه ، أتيتنا والله بمثل ما أتانا به طلحة والزبير ، أتيانا وقد بايعنا عليّاً واستقامت اُمورنا ، فحملانا علي الفرقة حتي ضرب بعضنا بعضاً ، ونحن الآن مجتمعون علي بيعته ، وقد أقال العثرة ، وعفا عن المسىء ، أ فتأمرنا أن ننتضى أسيافنا ويضرب بعضنا بعضاً ليكون معاوية أميراً ؟ والله ليوم من أيّام علىٍّ خير من معاوية وآل معاوية . . . (١) . ٥٢ ضِرارُ بنُ ضَمْرَة الضِّبابِىّ ٦٥٦٥ ـ خصائص الأئمّة (ع) : ذكروا أنّ ضرار بن ضمرة الضبابى دخل علي معاوية بن أبى سفيان وهو بالموسم فقال له : صف عليّاً . قال : أ وَتعفنى ؟ قال : لا بدّ أن تصفه لى . ١٧٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / ضِرارُ بنُ ضَمْرَة الضِّبابِيّ
قال : كان والله أمير المؤمنين ¼ ، طويل المدي ، شديد القوي ، كثير الفكرة ، غزير العبرة ، يقول فصلاً ويحكم عدلاً ، يتفجّر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويأنس بالليل ووحشته ، وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا دعوناه ويعطينا إذا سألناه ، ونحن والله مع قربه لا نكلّمه لهيبته ، ولا ندنو منه تعظيماً له ، فإن تبسّم فعن غير أشر(١) ولا اختيال ، وإن نطق فعن الحكمة وفصل الخطاب ، يعظّم أهل الدِّين ، ويُحبّ المساكين ، ولا يطمع الغنىّ فى باطله ، ولا يوئس الضعيف من حقّه ، فأشهد لقد رأيته فى بعض مواقفه وقد أرخي الليل سدوله وهو قائم فى محرابه ، قابض علي لحيته يتململ تململ السليم ويبكى بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا يا دنيا ، إليك عنّى أ بى تعرّضت أم لى تشوّقت ؟ لا حان حينك ، هيهات غرّى غيرى لا حاجة لى فيك ، قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة فيها ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير ، آه من قلّة الزاد ، وطول المجاز ، وبُعد السفر ، وعظيم المورد ! قال : فوكفت(٢) دموع معاوية ما يملكها ، ويقول : هكذا كان علىّ ¼ ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزنى عليه والله حزن من ذُبح واحدُها فى حجرها فلا ترقأ دمعتها ولا تسكن حرارتها(٣) . (١) الأشَرُ : البَطَر . وقيل : أشدُّ البَطر (النهاية : ١ / ٥١) . إرجاعات
٣٦٨ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل السابع : عليّ عن لسان أصحابه / ضِرَارُ بن ضَمْرَة
١٧٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عامِرُ بنُ واثِلَة
٥٣ عامر بن واثلة بن عبد الله الكنانى الليثى ، أبو الطُّفَيل وهو بكنيته أشهر . ولد فى السنة التى كانت فيها غزوة اُحد . أدرك ثمانى سنين من حياة النبىّ ½ (١) ، ورآه(٢) ، وهو آخر من مات من الصحابة(٣) . وكان يقول : أنا آخر من بقى ممّن كان رأي رسول الله ½ (٤) . توفّى سنة ١٠٠ هـ (٥) . (١) مسند ابن حنبل : ٩ / ٢٠٩ / ٢٣٨٦٠ ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٧١٦ / ٦٥٩٢ ، التاريخ الكبير : ٦ / ٤٤٦ / ٢٩٤٧ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٤٦٩ / ٩٧ ; رجال الطوسى : ٧٠ / ٦٤٦ . ١٧٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عامِرُ بنُ واثِلَة
كان من أصحاب علىّ ¼ (١) وثقاته(٢) ومحبّيه(٣) وشيعته(٤) وشهد معه جميع حروبه(٥) . كان له حظّ وافر من الخطابة ، وكان ينشد الشعر الجميل . كما كان مقاتلاً باسلاً فى الحروب . خطب فى صفّين كثيراً ، وذهب إلي العسكر ومدح عليّاً ¼ بشعره النابع من شعوره الفيّاض . وافتخر بصمود أصحاب الإمام ، وقدح فى أصحاب الفضائح من الاُمويّين وأخزاهم(٦) . وذكره نصر بن مزاحم بأنّه من "مخلصى الشيعة" ، وأخبر عن مواقفه الرائعة(٧) . كان عامر بن واثلة حامل لواء المختار ، عندما نهض للثأر بدم الإمام الحسين ¼ (٨) . وقيل : إنّه كان كيسانيّاً(٩) ، واختلف فيه(١٠) . والصحيح أنّه رجع إن كان كيسانيّاً(١١) . ساعدته مهارته فى الكلام واستيعابه لمعارف الحقّ وإلمامه (١) رجال الطوسى : ٧٠ / ٦٤٦ ، تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٣٠٧ ; سير أعلام النبلاء : ٣ / ٤٦٨ / ٩٧ . ١٨٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عامِرُ بنُ واثِلَة
بكتاب الله علي أن يتحدّث بصلابة ، دفاعاً عن الحقّ ، وتقريعاً لغير الكفوئين(١) . لقد كان شخصيّة عظيمة ، ذكره أصحاب الرجال بإجلال وإكبار . وقال الذهبى فى حقّه : كان ثقةً فيما ينقله ، صادقاً ، عالماً ، شاعراً ، فارساً ، عُمِّر دهراً طويلاً(٢) . ٦٥٦٦ ـ وقعة صفّين عن جابر الجعفى : سمعت تميم بن حذيم الناجى يقول : لمّا استقام لمعاوية أمره ، لم يكن شىء أحبّ إليه من لقاء عامر بن واثلة ، فلم يزل يكاتبه ويلطف حتي أتاه ، فلمّا قدم سأله عن عرب الجاهليّة . قال : ودخل عليه عمرو بن العاص ونفرٌ معه ، فقال لهم معاوية : تعرفون هذا ؟ هذا فارس صفّين وشاعرها ، هذا خليل أبا الحسن . ثمّ قال : يا أبا الطفيل ، ما بلغ من حبّك عليّاً ؟ قال : حبّ اُمّ موسي لموسي . قال : فما بلغ من بكائك عليه ؟ قال : بكاء العجوز المِقْلاتِ ، والشيخ الرقوب(٣) إلي الله أشكو تقصيرى . فقال معاوية : ولكنّ أصحابى هؤلاء لو كانوا سُئلوا عنّى ما قالوا فىَّ ما قلت فى صاحبك . قال : إنّا والله لا نقول الباطل . فقال لهم معاوية : لا والله ولا الحقّ(٤) . ٦٥٦٧ ـ سير أعلام النبلاء عن عبد الرحمن الهمدانى : دخل أبو الطفيل علي (١) تنقيح المقال : ٢ / ١١٩ / ٦٠٦٤ نقلاً عن المناقب لابن شهر آشوب ، قاموس الرجال : ٥ / ٦٢٩ و٦٣٠ / ٣٨٣٧ . ١٨١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عامِرُ بنُ واثِلَة
معاوية ، فقال : ما أبقي لك الدهر من ثُكلك عليّاً ؟ قال : ثُكل العجوز المِقْلات والشيخ الرقوب . قال : فكيف حبّك له ؟ قال : حبّ اُمّ موسي لموسي ، وإلي الله أشكو التقصير(١) . ٦٥٦٨ ـ الاستيعاب : قدم أبو الطفيل يوماً علي معاوية فقال له : كيف وجدك علي خليلك أبى الحسن ؟ قال : كوجد اُمّ موسي علي موسي ، وأشكو إلي الله التقصير(٢) . ٦٥٦٩ ـ تاريخ اليعقوبى : أتاه [عمرَ بن عبد العزيز] أبو الطفيل عامر بن واثلة وكان من أصحاب علىّ ، فقال له : يا أمير المؤمنين ! لِمَ منعتنى عطائى ؟ فقال له : بلغنى أنّك صقلت سيفك ، وشحذت سنانك ، ونصّلت سهمك ، وغلّفت قوسك ، تنتظر الإمام القائم حتي يخرج ، فإذا خرج وفّاك عطاءك . فقال : إنّ الله سائلك عن هذا . فاستحيي عمر من هذا وأعطاه(٣) . ٦٥٧٠ ـ تاريخ دمشق عن أبى عبد الله الحافظ : سمعت أبا عبد الله ـ يعنى محمّد بن يعقوب الأخرم ـ يقول وسُئل لِمَ ترك البخارى حديث أبى الطفيل عامر بن واثلة ؟ قال : لأنّه كان يفرط فى التشيّع(٤) . (١) سير أعلام النبلاء : ٣ / ٤٦٩ / ٩٧ ، أنساب الأشراف : ٥ / ١٠١ ، تاريخ دمشق : ٢٦ / ١١٦ . ١٨٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ الأَهْتَمِّ
٥٤ ذكره البلاذرى فى أنساب الأشراف من ولاة الإمام علىّ ¼ ، فقد قال : وولى عبد الله بن الأهتمّ كرمان(١) . وكان عبد الله بالبصرة حين دخلها زياد بن أبيه ، وأيّد خطبته الاُولي ومدحه(٢) . وتعاون مع الحجّاج بن يوسف أيضاً(٣) . عاقبته مدعاة إلي العظة والاعتبار والتذكير(٤) . ٥٥ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعى ، أسلم قبل فتح مكّة(٥) ، وشهد حنيناً ، والطائف ، وتبوك(٦) ، أشخصه النبىّ ½ إلي اليمن مع أخيه عبد الرحمن(٧) . عدّه المؤرّخون من عظماء أصحاب الإمام أمير المؤمنين ¼ وأعيانهم(٨) . (١) أنساب الأشراف : ٢ / ٤٠٢ . ١٨٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ بُدَيْل
اشترك عبد الله فى الثورة علي عثمان(١) . ثمّ كان إلي جانب الإمام أمير المؤمنين ¼ عضداً صلباً وصاحباً مُضحّياً . وشهد معه الجمل ، وصفّين . وكان فى صفّين قائد الرجّالة(٢) أو قائد الميمنة ، وتولّي رئاسة قُرّاء الكوفة أيضاً(٣) . تدلّ خُطبه وأقواله علي أنّه كان يتمتّع بوعى عظيم فى معرفة أوضاع عصره ، واُناس زمانه ، ودوافع أعداء الإمام أمير المؤمنين ¼ (٤) . وقف عند قيام الحرب بكلّ ثبات ، وقال : "إنّ معاوية ادّعي ما ليس له ، ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله ، وجادل بالباطل ليدحض به الحقّ ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب ، وزيّن لهم الضلالة . . . وأنتم والله علي نور من ربّكم ، وبرهان مبين"(٥) . دنا من معاوية بشجاعة محمودة وصولة لا هوادة فيها . فلمّا رأي معاوية أنّ الأرض قد ضاقت عليه بما رحُبت ، أمر أن يرضخ بالصخر والحجارة ويُقضي عليه . فاستشهد عبد الله(٦) ، وسمّاه معاوية "كبش القوم" ، وذكر شجاعته واستبساله متعجّباً(٧) ، وذهب إلي أنّه فذّ لا نظير له فى القتال . وعُدّ عبد الله أحد (١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٨٢ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٥٦٧ . ١٨٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ بُدَيْل
دُهاة العرب الخمسة(١) . واستشهد أخوه عبد الرحمن فى صفّين أيضاً(٢) . ودافع عبد الله عن إمامه حتي آخر لحظة من حياته بكلّ ما اُوتى من جُهد . وعندما طلب منه رفيق دربه وصاحبه الأسود بن طهمان الخزاعى أن يوصيه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، قال : "اُوصيك بتقوي الله ، وأن تناصح أمير المؤمنين ، وأن تقاتل معه المحلّين حتي يظهر الحقّ أو تلحق بالله ، وأبلغه عنّى السلام . . . " . وعندما بلغ الإمام صلوات الله عليه سلامه قال : "رحمه الله ! جاهد معنا عدوّنا فى الحياة ، ونصح لنا فى الوفاة"(٣) . ٦٥٧١ ـ وقعة صفّين عن زيد بن وهب : إنّ عبد الله بن بديل قام فى أصحابه فقال : إنّ معاوية ادّعي ما ليس له ، ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله ، وجادل بالباطل ليدحض به الحقّ ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب ، وزيّن لهم الضلالة ، وزرع فى قلوبهم حبّ الفتنة ، ولبّس عليهم الأمر ، وزادهم رجساً إلي رجسهم ، وأنتم والله علي نور من ربّكم وبرهان مبين . قاتلوا الطغام الجفاة ولا تخشَوهم ، وكيف تخشونهم وفى أيديكم كتاب من ربّكم ظاهر مبروز ؟ ! ³ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ± قَاتِلُوهُمْ (١) التاريخ الصغير : ١ / ١٣٨ ، تهذيب الكمال : ٢٤ / ٤٥ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ١٦٤ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٤٨ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ١٠٨ . ١٨٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ أبى طالِب
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ² (١) وقد قاتلتهم مع النبىّ ½ والله ما هم فى هذه بأزكي ولا أتقي ولا أبرّ ، قوموا إلي عدوّ الله وعدوّكم(٢) .٥٦ عَبدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ أبى طالِب عبد الله بن جعفر بن أبى طالب القرشى الهاشمى يُكني أبا جعفر من صحابة النبىّ ½ (٣) . وعندما هاجرت أوّل مجموعة من المسلمين إلي الحبشة ، كان جعفر بن أبى طالب المشهور بذى الجناحين(٤) ، وزوجته أسماء بنت عميس معهم(٥) ، وولد عبد الله هناك(٦) . كان له من العمر سبع سنين عندما جاء إلي المدينة مع أبيه . ولمّا نظر إليه رسول الله ½ تبسّم وبسط يده ، فبايعه عبد الله(٧) . (١) التوبة : ١٣ و١٤ . إرجاعات
١٢١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل التاسع : اشتداد القتال / استشهاد عبد الله بن بديل
١٨٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ أبى طالِب
استشهد والده جعفر فى مؤتة ، فتكفّل النبىّ ½ تربيته(١) . كان أخاً لمحمّد بن أبى بكر ، ويحيي بن علىّ بن أبى طالب من جهة الاُمّ(٢) . وكانت تربطه بآل الرسول ½ وشيجة قويّة . وهو زوج زينب بنت علىّ ¼ . شهد صفّين مع عمّه أمير المؤمنين ¼ (٣) . ولم يأذن له بالقتال . وعندما عاد إلي الكوفة قال ¼ : . . . لئلاّ ينقطع به نسل بنى هاشم(٤) . وكان عبد الله طويل الباع ، فصيح اللسان ، ثابتاً علي الحقّ . عدّه المؤرّخون وأصحاب التراجم من أجواد العرب المشهورين(٥) ، بل من أسخاهم(٦) . وذكروا قصصاً فى ذلك(٧) ، من هنا سُمّى "بحر الجود"(٨) . كان يُصحر بالحقّ فى مواطن كثيرة ، ويرعي المنزلة الرفيعة لأمير المؤمنين ¼ وآل الرسول ½ . ولم يسكت عن الطعن فى "الشجرة الملعونة" الاُمويّين علي مرأي ومسمع منهم(٩) ، مع هذا كلّه كان معاوية يكرمه(١٠) . (١) الطبقات الكبري : ٤ / ٣٧ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٤٥٦ وص ٤٥٨ / ٩٣ ، تاريخ دمشق : ٢٧ / ٢٥٥ . ١٨٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ شُبَيْل الأحْمَسِيّ
وكان مع الحسنين ¤ بعد استشهاد أبيهما ، وتبعهما بصدق . وكان يتأسّف علي عدم حضوره فى كربلاء ، لكنّه كان يفتخر ويعتز باستشهاد أولاده مع الحسين ¼ (١) . توفّى عبد الله بالمدينة سنة ٨٠ هـ عام الجُحاف(٢) (٣) وهو ابن ثمانين سنة(٤) . ٥٧ عَبدُ اللهِ بنُ شُبَيْل الأحْمَسِىّ كان والياً علي آذربايجان مدّةً(٥) . وعندما فُتحت ثانيةً سنة ٢٤ هـ أو ٢٥ هـ توجّه إليها أميراً علي مقدّمة الجيش(٦) . أثني عليه الإمام علىّ ¼ بالتواضع وحسن السيرة والهدي(٧) . ٦٥٧٢ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى كتابه إلي قيس بن سعد عامله علي أذربيجان ـ : قد سألنى عبد الله بن شبيل الأحمسى الكتاب إليك فى أمره ، فاُوصيك به خيراً ، (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٦٦ . ١٨٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاس
فإنّى رأيته وادعاً متواضعاً ، حسن السمت والهدى(١) . ٦٥٧٣ ـ تاريخ اليعقوبى عن غياث : لمّا أجمع علىّ القتال لمعاوية كتب أيضاً إلي قيس : أمّا بعد ، فاستعمل عبد الله بن شبيل الأحمسى خليفة لك ، وأقبل إلىّ ، فإنّ المسلمين قد أجمع ملؤهم وانقادت جماعتهم ، فعجّل الإقبال ، فأنا سأحضرنّ إلي المحلّين عند غرّة الهلال ، إن شاء الله ، وما تأخّرى إلاّ لك ، قضي الله لنا ولك بالإحسان فى أمرنا كلّه(٢) . ٥٨ عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب أبو العبّاس القرشى الهاشمى ، من المفسّرين والمحدّثين المشهورين فى التاريخ الإسلامى(٣) وُلِدَ بمكّة فى الشِّعب قبل الهجرة بثلاث سنين(٤) . وذهب إلي المدينة سنة ٨ هـ ، عام الفتح(٥) . كان عمر يستشيره فى أيّام خلافته(٦) . وعندما ثار الناس علي عثمان ، كان مندوبه فى الحجّ(٧) . ولمّا آلت الخلافة إلي الإمام أمير المؤمنين علىّ ¼ كان صاحبه ، ونصيره ، ومستشاره ، وأحد ولاته واُمرائه العسكريّين . (١) أنساب الأشراف : ٢ / ٣٨٩ ; تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٢٠٢ نحوه . ١٨٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاس
كان علي مقدّمة الجيش فى معركة الجمل(١) ، ثمّ ولى البصرة(٢) بعدها . وقبل أن تبدأ حرب صفّين ، استخلف أبا الأسود الدؤلى علي البصرة وتوجّه مع الإمام ¼ لحرب معاوية(٣) . كان أحد اُمراء الجيش فى الأيّام السبعة الاُولي من الحرب(٤) . ولازم الإمام ¼ بثبات علي طول الحرب . اختاره الإمام ¼ ممثّلاً عنه فى التحكيم ، بَيْدَ أنّ الخوارج والأشعث عارضوا ذلك قائلين : لا فرق بينه وبين علىّ ¼ (٥) . حاورَ الخوارج مندوباً عن الإمام ¼ فى النهروان مراراً . وأظهر فى مناظراته الواعية عدمَ استقامتهم ، وتزعزع موقفهم ، كما أبان منزلة الإمام الرفيعة السامية(٦) . كان والياً علي البصرة عند استشهاد الإمام ¼ (٧) . بايع الإمام الحسن المجتبي ¼ (٨) ، وتوجّه إلي البصرة من قِبَله(٩) . ولم يشترك (١) الجمل : ٣١٩ ; العقد الفريد : ٣ / ٣١٤ ، الإمامة والسياسة : ١ / ٩٠ . ١٩٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاس
مع الإمام الحسين ¼ فى كربلاء . وعلّل البعض ذلك بعماه . لم يبايع عبدَ الله بن الزبير حين استولي علي الحجاز ، والبصرة ، والعراق . ومحمّد ابن الحنفيّة لم يبايعه أيضاً ، فكَبُرَ ذلك علي ابن الزبير حتي همّ بإحراقهما(١) . كان ابن عبّاس عالماً له منزلته الرفيعة العالية فى التفسير ، والحديث ، والفقه . وكان تلميذ الإمام ¼ فى العلم(٢) مفتخراً بذلك أعظم افتخار . توفّى ابن عبّاس فى منفاه بالطائف سنة ٦٨ هـ وهو ابن إحدي وسبعين(٣) ، وهو يكثر من قوله : "اللهمّ إنّى أتقرّب إليك بمحمّد وآله ، اللهمّ إنّى أتقرّب إليك بولاية الشيخ علىّ بن أبى طالب"(٤) وفى رواية : لمّا حضرت عبد الله بن عبّاس الوفاة قال : "اللهمّ إنّى أتقرّب إليك بولاية علىّ بن أبى طالب"(٥) . خلفاء بنى العبّاس من ذرّيّته وأخبر الإمام ¼ بهذا فى خطابه لابن عبّاس "أبا الأملاك "(٦) . (١) الطبقات الكبري : ٥ / ١٠٠ و١٠١ ، تاريخ دمشق : ٥٤ / ٣٣٨ و٣٣٩ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٣٥٦ / ٥١ ، البداية والنهاية : ٨ / ٣٠٦ . ١٩١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاس
٦٥٧٤ ـ المستدرك علي الصحيحين عن الزهرى : قال المهاجرون لعمر بن الخطّاب : ادع أبناءنا كما تدعو ابن عبّاس . قال : ذاكم فتي الكهول ، إنّ له لساناً سؤولاً وقلباً عقولاً(١) . ٦٥٧٥ ـ أنساب الأشراف : إنّ ابن عبّاس خلا بعلىٍّ حين أراد أن يبعث أبا موسي فقال : إنّى أخاف أن يخدع معاوية وعمرو أبا موسي فابعثنى حكماً ولا تبعثه ولا تلتفت إلي قول الأشعث وغيره ممّن اختاره فأبي ، فلمّا كان من أمر أبى موسي وخديعة عمرو له ما كان ، قال علىّ : لله درّ ابن عبّاس إن كان لينظر إلي الغيب من ستر رقيق(٢) . ٦٥٧٦ ـ مختصر تاريخ دمشق عن المدائنى : قال علىّ بن أبى طالب فى عبد الله بن عبّاس : إنّه ينظر إلي الغيب من ستر رقيق لعقله وفطنته بالاُمور(٣) . ٦٥٧٧ ـ الجمل عن أبى مخنف لوط بن يحيي : لمّا استعمل أمير المؤمنين ¼ عبد الله بن العبّاس علي البصرة ، خطب الناس فحمد الله وأثني عليه وصلّي علي رسوله ، ثمّ قال : يا معاشر الناس ! قد استخلفت عليكم عبد الله بن العبّاس ، فاسمعوا له وأطيعوا أمره ما أطاع الله ورسوله ، فإن أحدث فيكم أو زاغ عن الحقّ فأعلمونى أعزله عنكم ، فإنّى أرجو أن أجده عفيفاً تقيّاً ورعاً ، وإنّى لم اُولّه عليكم إلاّ وأنا أظنّ (١) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٦٢١ / ٦٢٩٨ ، مختصر تاريخ دمشق : ١٢ / ٣٠٤ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٣٤٥ / ٥١ . ١٩٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاس
ذلك به ، غفر الله لنا ولكم(١) . ٦٥٧٨ ـ وقعة صفّين : كان علىّ قد استخلف ابن عبّاس علي البصرة ، فكتب عبد الله بن عبّاس إلي علىّ يذكر له اختلاف أهل البصرة ، فكتب إليه علىّ : من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي عبد الله بن عبّاس . أمّا بعد ، فالحمد لله ربّ العالمين وصلّي الله علي سيّدنا محمّد عبده ورسوله . أمّا بعد ، فقد قدم علىَّ رسولك وذكرت ما رأيت وبلغك عن أهل البصرة بعد انصرافى ، وساُخبرك عن القوم : هم بين مقيم لرغبة يرجوها ، أو عقوبة يخشاها . فأرغب راغبهم بالعدل عليه ، والإنصاف له والإحسان إليه ، وحُلّ عقدة الخوف عن قلوبهم ، فإنّه ليس لاُمراء أهل البصرة فى قلوبهم عظم إلاّ قليل منهم . وانتهِ إلي أمرى ولا تعده ، وأحسن إلي هذا الحىّ من ربيعة ، وكلّ مَن قِبَلك فأحسن إليهم ما استطعت إن شاء الله ، والسلام(٢) . ٦٥٧٩ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي عبد الله بن عبّاس وهو عامله علي البصرة ـ : واعلم أنّ البصرة مهبط إبليس ، ومغرس الفتن ، فحادث أهلها بالإحسان إليهم ، واحلل عقدة الخوف عن قلوبهم ، وقد بلغنى تنمّرك لبنى تميم ، وغلظتك عليهم ، وإنّ بنى تميم لم يغب لهم نجم إلاّ طلع لهم آخر ، وإنّهم لم يسبقوا بوغم(٣) فى جاهليّة ولا إسلام ، وإنّ لهم بنا رحماً ماسّة ، وقرابة خاصّة ، نحن (١) الجمل : ٤٢٠ . ١٩٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاس
مأجورون علي صلتها ومأزورون علي قطيعتها . فاربع أبا العبّاس ـ رحمك الله ـ فيما جري علي لسانك ويدك من خير وشرّ ! فإنّا شريكان فى ذلك ، وكن عند صالح ظنّى بك ، ولا يفيلنّ(١) رأيى فيك ، والسلام(٢) . ٦٥٨٠ ـ مختصر تاريخ دمشق عن سفيان بن عيينة : ورد صعصعة بن صوحان علي علىّ بن أبى طالب من البصرة ، فسأله عن عبد الله بن عبّاس ، وكان علي خلافته بها ، فقال صعصعة : يا أمير المؤمنين ، إنّه آخذ بثلاث وتارك لثلاث : آخذ بقلوب الرجال إذا حدّث ، ويحسن الاستماع إذا حُدّث ، وبأيسر الأمرين إذا خولف . تارك للمراء ، وتارك لمقاربة اللئيم ، وتارك لما يُعتذر منه(٣) . ٦٥٨١ ـ رجال الكشّى عن الحارث : استعمل علىّ ¼ علي البصرة عبد الله بن عبّاس ، فحمل كلّ مال فى بيت المال بالبصرة ، ولحق بمكّة وترك عليّاً ¼ ، وكان مبلغه ألفى ألف درهم . فصعد علىّ ¼ المنبر حين بلغه ذلك فبكي ، فقال : هذا ابن عمّ رسول الله ½ فى علمه وقدره يفعل مثل هذا ، فكيف يؤمن من كان دونه ؟ اللهمّ إنّى قد مللتهم فأرحنى منهم ، واقبضنى إليك غير عاجز ولا ملول(٤) . ٦٥٨٢ ـ رجال الكشّى عن الشعبى : لمّا احتمل عبد الله بن عبّاس بيت مال البصرة وذهب به إلي الحجاز ، كتب إليه علىّ بن أبى طالب : من عبد الله علىّ بن أبى طالب إلي عبد الله بن عبّاس ، أمّا بعد ، فإنّى قد كنت أشركتك فى أمانتى ، ولم (١) فيل رأيه : قبّحه وخطّأه (لسان العرب : ١١/٥٣٤) . ١٩٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاس
يكن أحد من أهل بيتى فى نفسى أوثق منك لمواساتى وموازرتى وأداء الأمانة إلىَّ ، فلمّا رأيت الزمان علي ابن عمّك قد كلب ، والعدوّ عليه قد حرب ، وأمانة الناس قد خربت ، وهذه الاُمور قد قست ، قلبت لابن عمّك ظهر المجن(١) ، وفارقته مع المفارقين ، وخذلته أسوأ خذلان الخاذلين . فكأنّك لم تكن تريد الله بجهادك ، وكأنّك لم تكن علي بيّنة من ربّك ، وكأنّك إنّما كنت تكيد اُمّة محمّد ½ علي دنياهم ، وتنوى غرّتهم(٢) ، فلمّا أمكنتك الشدّة فى خيانة اُمّة محمّد أسرعت الوثبة وعجّلت العدوة ، فاختطفت ما قدرت عليه اختطاف الذئب الأزلّ(٣) رمية المعزي الكسير . كأنّك ـ لا أبا لك ـ إنّما جررت إلي أهلك تراثك من أبيك واُمّك ، سبحان الله ! أ ما تؤمن بالمعاد ؟ ! أ وَما تخاف من سوء الحساب ؟ ! أ وَما يكبر عليك أن تشترى الإماء ، وتنكح النساء بأموال الأرامل والمهاجرين الذين أفاء الله عليهم هذه البلاد ؟ ! اردد إلي القوم أموالهم ، فوَ الله لئن لم تفعل ثمّ أمكننى الله منك لأعذرنّ الله فيك ، فوَ الله لو أنّ حسناً وحسيناً فعلا مثل ما فعلت ، لما كان لهما عندى فى ذلك هوادة ، ولا لواحد منهما عندى فيه رخصة ، حتي آخذ الحقّ ، واُزيح الجور عن مظلومها ، والسلام . قال : فكتب إليه عبد الله بن عبّاس : أمّا بعد ، فقد أتانى كتابك ، تعظّم علىَّ (١) ظَهر المِجَنّ : هذه كلمة تُضرب مَثلاً لمن كان لصاحبه علي مَودّة أو رعاية ثمّ حالَ عن ذلك (النهاية : ١ / ٣٠٨) . ١٩٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاس
إصابة المال الذى أخذته من بيت مال البصرة ، ولعمرى إنّ لى فى بيت مال الله أكثر ممّا أخذت ، والسلام . قال : فكتب إليه علىّ بن أبى طالب ¼ : أمّا بعد ، فالعجب كلّ العجب من تزيين نفسك ، أنّ لك فى بيت مال الله أكثر ممّا أخذت ، وأكثر ممّا لرجل من المسلمين ، فقد أفلحت إن كان تمنّيك الباطل ، وادّعاؤك ما لا يكون ينجيك من الإثم ، ويحلّ لك ما حرّم الله عليك ، عمّرك الله أنّك لأنت العبد المهتدى إذاً . فقد بلغنى أنّك اتّخذت مكّة وطناً وضربت بها عطناً(١) ، تشترى مولّدات مكّة والطائف ، تختارهنّ علي عينك ، وتعطى فيهنّ مال غيرك ، وإنّى لأقسم بالله ربّى وربّك ربّ العزّة ، ما يسرّنى أنّ ما أخذت من أموالهم لى حلال أدعه لعقبى ميراثاً ، فلا غرو ، وأشدّ باغتباطك تأكله رويداً رويداً ، فكأن قد بلغتَ المدي ، وعُرضت علي ربّك ، والمحلّ الذى يتمنّي الرجعة ، والمُضيّع للتوبة كذلك وما ذلك ، ولات حين مناص ! والسلام . قال : فكتب إليه عبد الله بن عبّاس : أمّا بعد ، فقد أكثرت علىَّ ، فوَ الله لأن ألقي الله بجميع ما فى الأرض من ذهبها وعقيانها أحبّ إلىّ أن ألقي الله بدم رجل مسلم(٢) . ٦٥٨٣ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي بعض عمّاله ـ : أمّا بعد ، فإنّى كنت أشركتك فى أمانتى ، وجعلتك شعارى وبطانتى ، ولم يكن رجل من أهلى أوثق منك فى نفسى لمواساتى وموازرتى ، وأداء الأمانة إلىّ ، فلمّا رأيت الزمان علي (١) العطن : مبرك الإبل ، المراح (النهاية : ٣ / ٢٥٨) . ١٩٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاس
ابن عمّك قد كلب ، والعدوّ قد حرب ، وأمانة الناس قد خَزيت ، وهذه الاُمّة قد فنكت(١) وشغرت(٢) ، قلبتَ لابن عمّك ظهر المجنّ ، ففارقته مع المفارقين ، وخذلته مع الخاذلين ، وخُنته مع الخائنين ، فلا ابن عمّك آسيت ، ولا الأمانة أدّيت . وكأنّك لم تكن اللهَ تريد بجهادك ، وكأنّك لم تكن علي بيّنة من ربّك ، وكأنّك إنّما كنت تكيد هذه الاُمّة عن دنياهم ، وتنوى غرّتهم عن فيئهم ، فلمّا أمكنتك الشدّة فى خيانة الاُمّة أسرعت الكرّة ، وعاجلت الوثبة ، واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم اختطاف الذئب الأزلّ دامية المعزي الكسيرة ، فحملته إلي الحجاز رحيب الصدر بحمله ، غير متأثّم من أخذه ، كأنّك ـ لا أبا لغيرك ـ حدرت إلي أهلك تراثك من أبيك واُمّك ، فسبحان الله ! أ ما تؤمن بالمعاد ؟ أ وَما تخاف نقاش الحساب ؟ أيّها المعدود ـ كانَ ـ عندنا من اُولى الألباب ، كيف تسيغ شراباً وطعاماً ، وأنت تعلم أنّك تأكل حراماً ، وتشرب حراماً ، وتبتاع الإماء وتنكح النساء من أموال اليتامي والمساكين والمؤمنين والمجاهدين ، الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال ، وأحرز بهم هذه البلاد ! فاتّقِ الله واردد إلي هؤلاء القوم أموالهم ، فإنّك إن لم تفعل ثمّ أمكننى الله منك لاُعذرنّ إلي الله فيك ، ولأضربنّك بسيفى الذى ما ضربت به أحداً إلاّ دخل النار ! وو الله لو أنّ الحسن والحسين فعلا مثل الذى فعلت ، ما كانت لهما عندى هوادة ، ولا ظفرا منّى بإرادة ، حتي آخذ الحقّ منهما ، واُزيح الباطل عن (١) الفَنْك : الكذب ، والتعدّى ، واللَّجاج (لسان العرب : ١ / ٤٧٩) . ١٩٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاس
مظلمتهما ، واُقسم بالله ربّ العالمين ما يسرّنى أنّ ما أخذته من أموالهم حلال لى ، أتركه ميراثاً لمن بعدى ، فضحِّ رُويداً ، فكأنّك قد بلغت المدي ، ودُفنت تحت الثري ، وعُرضت عليك أعمالك بالمحلّ الذى ينادى الظالم فيه بالحسرة ، ويتمنّي المضيّع فيه الرجعة ، ولات حين مناص !(١) ٦٥٨٤ ـ عيون الأخبار : وجدت فى كتاب لعلىّ بن أبى طالب كرّم الله وجهه إلي ابن عبّاس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ : إنّى أشركتك فى أمانتى ولم يكن رجل من أهلى أوثق منك فى نفسى ، فلمّا رأيت الزمان علي ابن عمّك قد كلب ، والعدوّ قد حرب ، قلبت لابن عمّك ظهر المجنّ بفراقه مع المفارقين ، وخذلانه مع الخاذلين ، واختطفت ما قدرت عليه من أموال الاُمّة اختطاف الذئب الأزلّ دامية المعزي . وفى الكتاب : ضحِّ رويداً فكأن قد بلغت المدي ، وعرضت عليك أعمالك بالمحلّ الذى به ينادى المغترّ بالحسرة ، ويتمنّي المضيّع التوبة ، والظالم الرجعة(٢) . ٦٥٨٥ ـ تاريخ الطبرى : خرج عبد الله بن العبّاس من البصرة ولحق مكّة فى قول عامّة أهل السِّيَر ، وقد أنكر ذلك بعضهم ، وزعم أنّه لم يزل بالبصرة عاملاً عليها من قِبَل أمير المؤمنين علىّ ¼ حتي قُتل ، وبعد مقتل علىّ حتي صالح الحسن معاوية ، ثمّ خرج حينئذ إلي مكّة(٣) . (١) نهج البلاغة : الكتاب ٤١ وراجع ربيع الأبرار : ٣ / ٣٧٥ . ١٩٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ عَبّاس
٦٥٨٦ ـ تاريخ اليعقوبى : كتب أبو الأسود الدؤلى ـ وكان خليفة عبد الله بن عبّاس بالبصرة ـ إلي علىّ يعلمه أنّ عبد الله أخذ من بيت المال عشرة آلاف درهم ، فكتب إليه يأمره بردّها ، فامتنع ، فكتب يقسم له بالله لتردّنّها . فلمّا ردّها عبد الله بن عبّاس ، أو ردّ أكثرها ، كتب إليه علىّ : أمّا بعد ، فإنّ المرء يسرّه درك ما لم يكن ليفوته ، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه ، فما أتاك من الدنيا فلا تكثر به فرحاً ، وما فاتك منها فلا تكثر عليه جزعاً ، واجعل همّك لما بعد الموت ، والسلام . فكان ابن عبّاس يقول : ما اتّعظت بكلام قطّ اتّعاظى بكلام أمير المؤمنين(١) . |