١٩٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / كلام فيما نسب إلي ابن عبّاس من الخيانة
من الملاحظات المهمّة فى حياة ابن عبّاس موضوع بيت المال بالبصرة ; فقد جاء فى المصادر التاريخيّة والحديثيّة كتاريخ الطبرى ، والكامل فى التاريخ ، وأنساب الأشراف ، ورجال الكشّى ، ونهج البلاغة (بلا ذكر لاسمه) وأمثالها أنّه أخذ من بيت مال البصرة ويختلف أنظار الباحثين حول هذا الموضوع علي أقوال : أ ـ أنكره بعض الباحثين وعلماء الرجال نظراً إلي : ـ ضعف الأسانيد . ـ جلالة ابن عبّاس وعلمه وفضله . ـ ارتباطه الوثيق بالإمام علىّ ¼ وإخلاصه له وحبّه إيّاه . ـ دور الاُمويّين فى تشويه سمعة أصحاب الإمام ¼ . ب ـ اعترف قسم منهم ببعض ما حصل ، لأنّه ورد فى كتب كثيرة ، وتناقله الناس آنذاك ، وانتُقِد ابن عبّاس عليه يومئذ ، فلم يرَ هؤلاء أنّ إنكاره أمر سهل . ج ـ أقرّ بعضهم بأصل الموضوع وبتذكير الإمام ¼ إيّاه ، فذهبوا إلي أنّه وقف ٢٠٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / كلام فيما نسب إلي ابن عبّاس من الخيانة
علي خطئه ، وأعاد أكثر الأموال أو بعضها . وهذا ما ذكره اليعقوبى فى تاريخه ، ويبدو أنّ اليعقوبى قد تفرّد فى نقله ، غير أنّه يمكن أن يكون مفيداً فى تحليل الموضوع . النقطة المهمّة التى ينبغى ألاّ ننساها فى مثل هذه الموضوعات هى دور المفتعِلين للحوادث والمُرجِفين . وقد وقف حسن بن زين الدين المشهور بصاحب المعالم علي دور الأمويّين فى اختلاق هذه الحادثة ، وأكّده باحثون مثل السيّد جعفر مرتضي العاملى . وسيتيسّر علينا فهم هذه النقطة إذا عرفنا أنّ ابن عبّاس ـ نظراً إلي مكانته السامية وسمعته العلميّة التى لا تُنكَر ـ كان المدافع الشجاع عن علىّ وآل علىّ (ع) فى ذلك العهد الأموى الأسود ، كما كان المنتقد الجرىء للأمويّين والكاشف عن فضائحهم . علماً أنّنا لا نقول بعصمته ، ولا ننكر احتمال خطئه ، بَيْدَ أنّا نستبعد قبول جميع ما جاء فى كتب التاريخ حول هذا الموضوع ، ولا نراه لائقاً بشأن ابن عبّاس(١) . ولذا قال ابن أبى الحديد : قد أشكل علىَّ أمر هذا الكتاب ، فإن أنا كذّبت النقل وقلت : هذا كلام موضوع علي أمير المؤمنين ¼ ، خالفت الرواة ، فإنّهم قد أطبقوا علي رواية هذا الكلام عنه ، وقد ذكر فى أكثر كتب السِّيَر ، وإن صرفته إلي عبد الله بن عبّاس صدّنى عنه ما أعلمه من ملازمته لطاعة أمير المؤمنين ¼ فى حياته وبعد وفاته ، وإن صرفته إلي غيره لم أعلم إلي من أصرفه من أهل ٢٠١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ كَعْب المُرادِيّ
أمير المؤمنين ¼ ، والكلام يُشعر بأنّ الرجل المخاطب من أهله وبنى عمّه ، فأنا فى هذا الموضع من المتوقّفين !(١) ٥٩ عَبدُ اللهِ بنُ كَعْب المُرادِى ّ كان من أعيان أصحاب الإمام علىّ ¼ (٢) . ٦٥٨٧ ـ وقعة صفّين عن عبد الرحمن بن عبد الله : إنّ عبد الله بن كعب قتل يوم صفّين ، فمرّ به الأسود بن قيس بآخر رمق فقال : عزّ علىَّ والله مصرعك ، أما والله لو شهدتك لآسيتك ولدافعت عنك ، ولو رأيت الذى أشعرك لأحببت ألاّ يزايلنى حتي أقتله أو يُلحِقَنى بك . ثمّ نزل إليه فقال : رحمك الله يا عبد الله ، والله إن كان جارك ليأمن بوائقك ، وإن كنت لمن الذاكرين الله كثيراً ، أوصنى رحمك الله . قال : اُوصيك بتقوي الله ، وأن تناصح أمير المؤمنين ، وأن تقاتل معه المحلّين ، حتي يظهر الحقّ أو تلحق بالله . وأبلغه عنّى السلام وقل له : قاتل علي المعركة حتي تجعلها خلف ظهرك ، فإنّه من أصبح والمعركة خلف ظهره كان الغالب . ثمّ لم يلبث أن مات ، فأقبل الأسود إلي علىّ فأخبره فقال : رحمه الله ، جاهد معنا عدوّنا فى الحياة ، ونصح لنا فى الوفاة(٣) . (١) شرح نهج البلاغة : ١٦ / ١٧٢ . ٢٠٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ هاشِمِ بنِ عُتْبَةَ بنِ أبى وَقّاص
٦٠ عَبدُ اللهِ بنُ هاشِمِ بنِ عُتْبَةَ بنِ أبى وَقّاص نجل البطل العظيم فى ساحة الوغي ، والعابد ذى القلب السليم فى جيش أمير المؤمنين ¼ هاشم بن عتبة(١) . رفع الراية بعد أبيه(٢) ، وألقي خطبة حماسيّة أمام جيش معاوية ، وصف فيها أباه ، وذكر منزلة الإمام الرفيعة ، وكشف عن حقيقة معاوية . ثمّ حمل علي العدوّ(٣) . اُخذ إلي معاوية أسيراً بعد شهادة أمير المؤمنين ، وتحدّث بشجاعة وثبات ، فردّ علي ما نطق به عمرو بن العاص من كلمات بذيئة وأخزاه(٤) . وهذا الحوار دليل علي شهامته ، وقوّته ، وشجاعته العجيبة . أمضي مدّةً فى سجن معاوية . ٦٥٨٨ ـ وقعة صفّين عن عمرو بن شمر : لمّا انقضي أمر صفّين ، وسلّم الأمرَ الحسنُ ¼ إلي معاوية ووفدت عليه الوفود ، اُشخص عبد الله بن هاشم إليه أسيراً ، فلمّا اُدخل عليه مثل بين يديه وعنده عمرو بن العاص ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا المختال ابن المرقال ، فدونك الضبّ المُضبّ ، المغترّ المفتون ، فإنّ العصا من العُصَيّة ، وإنّما تلد الحيّة حيّة ، وجزاء السيّئة سيّئة مثلها . فقال له ابن هاشم : ما أنا بأوّل رجل خذله قومه ، وأدركه يومه . فقال معاوية : تلك ضغائن صفّين وما جني عليك أبوك ، فقال عمرو : أمكنّى (١) ستأتى ترجمته فى أواخر هذا القسم . ٢٠٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسّانِ بنِ ثابِت
منه فأشخب أوداجه(١) علي أثباجه(٢) . فقال له ابن هاشم : فهلاّ كانت هذه الشجاعة منك يابن العاص أيّام صفّين حين ندعوك إلي النزال ، وقد ابتلّت أقدام الرجال من نقيع الجريال(٣) ، وقد تضايقت بك المسالك ، وأشرفت فيها علي المهالك . وايم الله لولا مكانك منه لنشبت لك منّى خافية أرميك من خلالها أحدّ من وقع الأشافى(٤) ، فإنّك لا تزال تكثر فى هوسك ، وتخبط فى دهشك ، وتنشب فى مرسك ، تخبّط العشواء فى الليلة الحندس الظلماء . قال : فأعجب معاوية ما سمع من كلام ابن هاشم ، فأمر به إلي السجن وكفّ عن قتله(٥) . ٦١ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسّانِ بنِ ثابِت ٦٥٨٩ ـ تاريخ الطبرى ـ فى بيان تسمية الذين بُعث بهم إلي معاوية ومنهم عبد الرحمن بن حسّان ، وساق الحديث إلي أن قال ـ : ثمّ أقبل علي عبد الرحمن العَنَزى فقال : إيه يا أخا ربيعة ما قولك فى علىّ ؟ قال : دعنى ولا تسألنى فإنّه خير لك . قال : والله لا أدعك حتي تخبرنى عنه . (١) الأوداج: هى ما أحاط بالعُنُق من العُروق التى يقطعها الذابح، واحدها وَدَجٌ بالتحريك (النهاية : ٥/١٦٥). ٢٠٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ الرَّحمنِ بنُ كَلَدَة
قال : أشهد أنّه كان من الذاكرين الله كثيراً ، ومن الآمرين بالحقّ ، والقائمين بالقسط ، والعافين عن الناس . قال : فما قولك فى عثمان ؟ قال : هو أوّل من فتح باب الظلم ، وأرتج(١) أبواب الحقّ . قال : قتلتَ نفسك . قال : بل إيّاك قتلت ولا ربيعة بالوادى ـ يقول حين كلّم شمر الخثعمى فى كريم بن عفيف الخثعمى ، ولم يكن له أحد من قومه يكلّمه فيه ـ فبعث به معاوية إلي زياد ، وكتب إليه : أمّا بعد ، فإنّ هذا العَنَزى شرّ من بعثت ، فعاقبه عقوبته التى هو أهلها ، واقتله شرّ قتله ، فلما قُدم به علي زياد بعث به زياد إلي قُسّ الناطف(٢) ، فدفن به حيّاً(٣) . ٦٢ ٦٥٩٠ ـ وقعة صفّين عن عبد الرحمن بن حاطب : خرجت ألتمس أخى فى القتلي بصفّين ، سويداً ، فإذا برجل قد أخذ بثوبى ، صريع فى القتلي ، فالتفتّ فإذا بعبد الرحمن بن كلدة ، فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، هل لك فى الماء ؟ قال : لا حاجة لى فى الماء قد اُنفذ فىَّ السلاح وخرّقنى ، ولست أقدر علي (١) الإرتجاج : الإغلاق (النهاية : ٢ / ١٩٧) . ٢٠٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُبَيدُ اللهِ بنُ أبى رافِع
الشرب ، هل أنت مبلغ عنّى أمير المؤمنين رسالة فاُرسلك بها ؟ قلت : نعم . قال : فإذا رأيته فاقرأ عليه منّى السلام ، وقل : يا أمير المؤمنين ، اِحمل جرحاك إلي عسكرك ، حتي تجعلهم من وراء القتلي ، فإنّ الغلبة لمن فعل ذلك . ثمّ لم أبرح حتي مات ، فخرجت حتي أتيت عليّاً فدخلت عليه فقلت : إنّ عبد الرحمن بن كلدة يقرأ عليك السلام . قال : وعليه ، أين هو ؟ قلت : قد والله يا أمير المؤمنين أنفذه السلاح وخرّقه فلم أبرح حتي توفّى ، فاسترجع . قلت : قد أرسلنى إليك برسالة . قال : وما هى ؟ قلت : قال : يا أمير المؤمنين ، اِحمل جرحاك إلي عسكرك ، حتي تجعلهم من وراء القتلي ، فإنّ الغلبة لمن فعل ذلك . قال : صدق والذى نفسى بيده . فنادي منادى العسكر : أن احملوا جرحاكم إلي عسكركم ، ففعلوا ذلك(١) . ٦٣ أحد الوجوه المتألّقة فى تاريخ التشيّع ، ومن السبّاقين إلي التأليف وتدوين ٢٠٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُبَيدُ اللهِ بنُ عَبّاس
العلوم . وكان كاتب أمير المؤمنين ¼ (١) ، ومن خاصّته . وشهد معه الجمل(٢) ، وصفّين(٣) ، والنهروان(٤) . عدّه مؤلّفو التراجم والرجاليّون من روّاد التأليف فى الثقافة الإسلاميّة ، وذكروا بعض كتبه . منها : كتاب "قضايا أمير المؤمنين" ، و"تسمية من شهد مع أمير المؤمنين ¼ الجمل وصفّين والنهروان من الصحابة رضى الله عنهم"(٥) . وهذا الكتاب مَعْلَم علي نباهة عبيد الله ووعيه للوقائع ، ويدلّ علي اهتمامه بضبط الحوادث . وكان أخوه ـ علىّ بن أبى رافع ـ كاتباً للإمام ¼ أيضاً(٦) . ٦٤ عبيد الله بن عبّاس بن عبد المطلب القرشى الهاشمى أخو عبد الله بن عبّاس ، ابن عمّ النبىّ ½ والإمام أمير المؤمنين ¼ . وُلِدَ علي عهد النبىّ ½ (٧) . قيل : إنّه سمع الحديث عن رسول الله ½ فى صغره ، وحَفِظَه ، وحدّث به ، وكان مشهوراً بالسخاء(٨) . (١) رجال الطوسى : ٧١/٦٥٤ ، الاختصاص: ٤ ; الطبقات الكبري : ٤ / ٧٤ ، تهذيب الكمال : ١٩/٣٤/٣٦٣٢، تاريخ خليفة بن خيّاط: ١٥١ ، تاريخ الطبرى: ٣ / ١٧٠، تاريخ بغداد: ١٠ / ٣٠٤ / ٥٤٥٣ . ٢٠٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُبَيدُ اللهِ بنُ عَبّاس
ولاّه الإمام ¼ علي اليمن(١) . وفرّ بعد غارة بُسر بن أرطاة عليها(٢) ، وعثر بُسر علي طفلَيه الصغيرين فذبحهما(٣) . وعاد عبيد الله إليها بعد أن غادرها بُسر(٤) . جعله الإمام الحسن ¼ علي مقدّمة الجيش الذى أنفذه إلي معاوية ، ولكنّه خان ، وانخدع بمال معاوية ، ومن ثمّ التحق به(٥) . وتوفّى بالمدينة فى أيام معاوية ويقال : إنّه كفّ بصره(٦) . ٦٥٩١ ـ الغارات عن أبى روق : كان الذى هاج معاوية علي تسريح بسر بن أبى أرطاة إلي الحجاز واليمن ، أنّ قوماً بصنعاء كانوا من شيعة عثمان يعظّمون قتله لم يكن لهم نظام ولا رأس ، فبايعوا لعلىّ ¼ علي ما فى أنفسهم ، وعامل علىّ ¼ يومئذ علي صنعاء عبيد الله بن العبّاس ، وعامله علي الجَنَد(٧) سعيد بن نمران ، فلما اختلف الناس علي علىّ ¼ بالعراق ، وقتل محمّد بن أبى بكر بمصر ، وكثرت غارات أهل الشام تكلّموا ، ودعوا إلي الطلب بدم عثمان ، ومنعوا الصدقات وأظهروا الخلاف ، فبلغ ذلك عبيد الله بن العبّاس فأرسل إلي ناس من وجوههم فقال : ما هذا الذى بلغنى عنكم ؟ قالوا : إنّا لم نزل ننكر قتل عثمان (١) أنساب الأشراف : ٤ / ٧٩ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ٩٢ وص ١٥٥ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٥١ ; تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٧٩ ، الغارات : ٢ / ٦٢١ . ٢٠٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُبَيدُ اللهِ بنُ عَبّاس
ونري مجاهدة من سعي عليه ، فحبسهم ، فكتبوا إلي من بالجند من أصحابهم فثاروا بسعيد بن نمران فأخرجوه من الجند وأظهروا أمرهم ، وخرج إليهم من كان بصنعاء ، وانضمّ إليهم كلّ من كان علي رأيهم ، ولحق بهم قوم لم يكونوا علي رأيهم إرادة أن يمنعوا الصدقة . فذكر من حديث أبى روق قال : والتقي عبيد الله وسعيد بن نمران ومعهما شيعة علىّ ، فقال ابن عبّاس لابن نمران : والله لقد اجتمع هؤلاء وإنّهم لنا لمقاربون ولئن قاتلناهم لا نعلم علي من تكون الدائرة ، فهلمّ فلنكتب إلي أمير المؤمنين ¼ بخبرهم وعددهم وبمنزلهم الذى هم به ، فكتبا إلي علىّ ¼ : أمّا بعد ، فإنّا نخبر أمير المؤمنين أنّ شيعة عثمان وثبوا بنا وأظهروا أنّ معاوية قد شيّد أمره ، واتّسق له أكثر الناس ، وإنّا سرنا إليه بشيعة أمير المؤمنين ومن كان علي طاعته ، وإنّ ذلك أحمشهم وألّبهم ، فتعبّوا لنا وتداعوا علينا من كلّ أوب ، ونصرهم علينا من لم يكن له رأى فيهم ، ممّن سعي إلينا إرادة أن يمنع حقّ الله المفروض عليه ، وقد كانوا لا يمنعون حقّاً عليهم ولا يؤخذ منهم إلاّ الحقّ فاستحوذ عليهم الشيطان ، فنحن فى خير ، وهم منك فى قفزة ، وليس يمنعنا من مناجزتهم إلاّ انتظار الأمر من مولانا أمير المؤمنين أدام الله عزّه وأيّده وقضي بالأقدار الصالحة فى جميع اُموره ، والسلام . فلمّا وصل كتابهما ساء عليّاً ¼ وأغضبه فكتب إليهما : من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي عبيد الله بن العبّاس وسعيد بن نمران ، سلام عليكما ، فإنّى أحمد إليكما الله الذى لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد ، فإنّه أتانى كتابكما تذكران فيه خروج هذه الخارجة وتعظّمان من شأنها صغيراً ، وتكثّران من عددها قليلاً ، وقد علمت أنّ نخب أفئدتكما وصغر أنفسكما وشتات رأيكما وسوء ٢٠٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُبَيدُ اللهِ بنُ عَبّاس
تدبيركما هو الذى أفسد عليكما من لم يكن عنكما نائماً ، وجرّأ عليكما من كان عن لقائكما جباناً ، فإذا قدم رسولى عليكما فامضيا إلي القوم حتي تقرءا عليهم كتابى إليهم ، وتدعواهم إلي حظّهم وتقوي ربّهم ، فإن أجابوا حمدنا الله وقبلنا منهم ، وإن حاربوا استعنّا عليهم بالله ونبذناهم علي سواء : ³ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائـِنِينَ ² (١) والسلام عليكما(٢) . ٦٥٩٢ ـ الغارات عن أبى الودّاك : كنت عند علىّ ¼ حين قدم عليه سعيد بن نمران الكوفة فعتب عليه وعلي عبيد الله أن لا يكونا قاتلا بسراً ، فقال سعيد : والله قاتلت ، ولكنّ ابن عبّاس خذلنى وأبي أن يقاتل ، ولقد خلوت به حين دنا منّا بسر ، فقلت : إنّ ابن عمّك لا يرضي منّى ولا منك إلاّ بالجدّ فى قتالهم ، وما نعذر ، قال : لا والله ، ما لنا بهم طاقة ولا يدان . فقمت فى الناس ، وحمدت الله وأثنيت عليه ثمّ قلت : يا أهل اليمن ، من كان فى طاعتنا وعلي بيعة أمير المؤمنين فإلىَّ إلىّ ، فأجابنى منهم عصابة فاستقدمت بهم فقاتلت قتالاً ضعيفاً وتفرّق الناس عنّى ، وانصرفت ووجّهت إلي صاحبى فحذّرته موجدة(٣) صاحبه عليه ، وأمرته أن يتمسّك بالحصن ويبعث إلي صاحبنا ويسأله المدد ، فإنّه أجمل بنا وأعذر لنا ، فقال : لا طاقة لنا بمن جاءنا ، وأخاف تلك(٤) . ٦٥٩٣ ـ رجال الكشّى : كان الحسن ¼ جعل ابن عمّه عبيد الله بن العبّاس علي (١) الأنفال : ٥٨ . ٢١٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُبَيْدَةٌ السَّلْمانِيّ
مقدّمته ، فبعث إليه معاوية بمائة ألف درهم ، فمرّ بالراية ولحق بمعاوية وبقى العسكر بلا قائد ولا رئيس(١) . ٦٥ هو عبيدة بن عمرو ، وقيل : ابن قيس ، السلمانى ، وسلمان بطن من مراد يكني أبا مسلم . أحد العلماء والفقهاء ، ومن تلامذة عبد الله بن مسعود . ذكر البلاذرى أنّه كان عامل علىٍّ ¼ علي منطقة الفرات(٢) . أسلم عبيدة قبل وفاة النبىّ ½ بعامين(٣) . كان يسكن اليمن ، وهاجر إلي الكوفة فى عهد عمر(٤) . روي عن علىّ ¼ وابن مسعود وعمر(٥) . لم يدخل فى عسكر الإمام ¼ يوم صفّين ، وأقام له عسكراً مستقلاًّ مع جماعة من القرّاء(٦) ، بعد محاورته للإمام ¼ . ولم يشترك فى الحرب . وتحدّث هو ومرافقوه مع الإمام ¼ ومعاوية مراراً كوسطاء فى موضوع الحرب (٧) . (١) رجال الكشّى : ١ / ٣٣٠ / ١٧٩ . إرجاعات
١٣٢ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة بسر بن أرطاة
٢١١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُثْمانُ بنُ حُنَيْف
عدّه علماء الشيعة من أصحاب الإمام(١) ، ومن شرطة الخميس(٢) . مات سنة ٧٢ هـ (٣) . ٦٥٩٤ ـ أنساب الأشراف : ولّي علىّ بن أبى طالب ¼ عبيدة السلمانى ـ من مراد ـ الفرات(٤) . ٦٦ عثمان بن حنيف بن واهب الأنصارى الأوسى أخو سهل بن حنيف ، من صحابة النبىّ ½ وأحد الأنصار(٥) . شهد اُحداً وما تلاها من غزوات(٦) . وكان أحد الاثنى عشر الذين اعترضوا علي تغيير الخلافة بعد وفاة النبىّ ½ (٧) . وتولّي مساحة الأرض(٨) ، وتعيين الخراج(٩) فى أيّام عمر . ولىَ البصرة فى خلافة الإمام علىّ ¼ . عندما وصل أصحاب الجمل إلي البصرة قاتلهم فى البداية ، وحين أعلنت الهدنة بينهما ، هجموا عليه ليلاً ، وقتلوا حرّاس دار الإمارة وظفروا به ، (١) رجال الطوسى : ٧١ / ٦٥٢ . ٢١٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُثْمانُ بنُ حُنَيْف
وعذّبوه ، ونَتَفوا شعر لحيته(١) . وتعدّ رسالة الإمام ¼ إليه حين دُعىَ إلي وليمة(٢) فى البصرة من الوثائق الدالّة علي عظمة الحكومة العلويّة ، وضرورة اجتناب الولاة والمسؤولين الترف والرفاهيّة ومعاشرة الأثرياء والمفسدين . توفّى عثمان أيّام حكومة معاوية(٣) . ٦٥٩٥ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي عثمان بن حنيف الأنصارى ، وكان عامله علي البصرة ، وقد بلغه أنّه دُعىَ إلي وليمة قوم من أهلها ، فمضي إليها ـ : أمّا بعد ، يابن حنيف ، فقد بلغنى أنّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلي مأدبة فأسرعت إليها ، تُستطاب لك الألوان ، وتنقل إليك الجفان(٤) ، وما ظننت أنّك تجيب إلي طعام قوم ، عائلهم مجفوّ ، وغنيّهم مدعوّ . فانظر إلي ما تقضمه من هذا المقضم ، فما اشتبه عليك علمه فالفظه ، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه . ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً ، يقتدى به ويستضىء بنور علمه ، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه ، ومن طُعمه بقرصيه ، ألا وإنّكم لا تقدرون علي ذلك ، ولكن أعينونى بورع واجتهاد ، وعفّة وسداد(٥) . (١) سير أعلام النبلاء : ٢ / ٣٢٢ / ٦١ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٦٤ ـ ٤٦٩ ، مروج الذهب : ٢ / ٣٦٧ ; الجمل : ٢٨٠ و٢٨١ ، تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨١ . إرجاعات
١٢٧ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام علي / الفصل الثالث : السياسة الإداريّة
١٧١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الاُولى : وقعة الجمل / الفصل السادس : احتلال البصرة
٣٤٨ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الثالث : الخصائص العمليّة / إمام المستضعفين / طعامه
٢١٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَدِىُّ بنُ حاتِم
٦٧ عدىّ بن حاتم بن عبد الله الطائى يكني أبا طريف ، ابن سخىّ العرب المشهور حاتم الطائى(١) ، وأحد الصحابة(٢) . تولّي عدىّ رئاسة قبيلته ، وحضر عند رسول الله ½ سنة (٧ هـ ) وأسلم(٣) ، فأكرمه ورعي حرمته(٤) . ظلّ وفيّاً للولاية العلويّة بعد وفاة النبىّ ½ ، وذاد عن حريم الحقّ والولاية(٥) . شهد مع أمير المؤمنين ¼ مشاهده(٦) . ولمّا لحق أحد أولاده بمعاوية ، برئ منه(٧) . وكلماته أمام مساعير الفتنة دليل علي وعيه العميق للحوادث ، وإدراكه السليم لموقف الإمام أمير المؤمنين ¼ ، وثباته علي صراط الحقّ ، ومن كلماته : أيّها الناس ، إنّه واللهِ لو غير علىٍّ دعانا إلي قتال أهل الصلاة ما أجبناه . . .(٨) . (١) اُسد الغابة : ٤ / ٨ / ٣٦١٠ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ١٦٣ / ٢٦ . ٢١٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَدِىُّ بنُ حاتِم
اختاره الإمام ¼ لمفاوضة العدوّ فى صفّين بسبب منطقه البليغ(١) . قتل أحد أولاده فى إحدي حروب الإمام ، كما فقد إحدي عينيه(٢) . وكان معاوية يعظّمه ويرعي حرمته ، بَيْد أنّه كان يذكر الإمام ¼ فى مناسبات مختلفة ويُثنى عليه . ولم يتنازل عن موقفه الحقّ أمام معاوية(٣) . توفى حوالي سنة ٦٨ هـ (٤) ، وله من العمر مائة وعشرون سنة(٥) . ٦٥٩٦ ـ الإمامة والسياسة ـ فى ذكر حرب صفّين واختلاف أصحاب الإمام فى استمرار القتال ـ : ثمّ قام عدىّ بن حاتم فقال : أيّها الناس ، إنّه والله لو غير علىّ دعانا إلي قتال أهل الصلاة ما أجبناه ، ولا وقع بأمر قطّ إلاّ ومعه من الله برهان ، وفى يديه من الله سبب ، وإنّه وقف عن عثمان بشبهة ، وقاتل أهل الجمل علي النكث ، وأهل الشام علي البغى(٦) . ٦٥٩٧ ـ وقعة صفّين : جاء عدىّ بن حاتم يلتمس عليّاً ، ما يطأ إلاّ علي إنسان ميّت أو قدم أو ساعد ، فوجده تحت رايات بكر بن وائل ، قال : يا أمير المؤمنين ، ألا نقوم حتي نموت ؟ (١) وقعة صفّين : ١٩٧ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٦٧ . ٢١٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَدِىُّ بنُ حاتِم
فقال علىّ : ادنُه ، فدنا حتي وضع اُذنه عند أنفه ، فقال : ويحك ، إنّ عامّة من معى يعصينى ، وإنّ معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه(١) . ٦٥٩٨ ـ الجمل ـ فى ذكر أحداث ما قبل حرب الجمل ـ : أقبل أمير المؤمنين ¼ علي عدىّ بن حاتم فقال له : يا عدىّ ، أنت شاهد لنا ، وحاضر معنا وما نحن فيه ؟ فقال عدىّ : شهدتك أو غبت عنك فأنا عندما أحببت ، هذه خيولنا معدّة ، ورماحنا محدّدة ، وسيوفنا مجرّدة ، فإن رأيت أن نتقدّم تقدّمنا ، وإن رأيت أن نُحجم أحجمنا ، نحن طوع لأمرك ، فأمر بما شئت ، نسارع إلي امتثال أمرك(٢) . ٦٥٩٩ ـ تاريخ الطبرى عن جعفر بن حُذيفة : إنّ عائذ بن قيس الحِزمرى واثب عدىَّ بن حاتم فى الراية بصفّين ـ وكانت حِزمر أكثر من بنى عدىّ رهط حاتم ـ فَوثب عليهم عبد الله بن خليفة الطائى البَوْلانى عند علىّ ، فقال : يا بنى حِزمر ، علي عدىّ تتوثّبون ! وهل فيكم مثل عدىّ أو فى آبائكم مثل أبى عدىّ ؟ ! أ ليس بحامى القربة ومانع الماء يوم رَويِّة ؟ أ ليس بابن ذى المِرباع وابن جواد العرب ؟ ! أ ليس بابن المُنهب ماله ومانع جاره ؟ ! أ ليس من لم يغدر ولم يفجُر ، ولم يجهل ولم يبخل ، ولم يمنُن ولم يجبن ؟ ! هاتوا فى آبائكم مثل أبيه ، أو هاتوا فيكم مثله . أ وَليس أفضلكم فى الإسلام ؟ ! أ وَليس وافدكم إلي رسول الله ½ ؟ ! أ ليس برأسكم يوم النُّخيلة ويوم القادسيّة ويوم المدائن ويوم جلولاء الوقيعة ويوم نهاوند ويوم تُستَر ؟ ! فما لكم وله ؟ ! والله ما من قومكم أحد يطلب مثل الذى تطلبون . (١) وقعة صفّين : ٣٧٩ . ٢١٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَدِىُّ بنُ حاتِم
فقال له علىّ بن أبى طالب : حسبك يابن خليفة ، هلُمّ أيّها القوم إلىّ ، وعلىَّ بجماعة طيّئ ، فأتوه جميعاً ، فقال علىّ : من كان رأسكم فى هذه المواطن ؟ قالت له طيّئ : عدىّ . فقال له ابن خليفة : فسلهم يا أمير المؤمنين ، أ ليسوا راضين مسلّمين لعدىّ الرياسة ؟ ففعل ، فقالوا : نعم ، فقال لهم : عدىّ أحقّكم بالراية ، فسلّموها له . فقال علىّ ـ وضجّت بنو الحِزْمِر ـ : إنّى أراه رأسكم قبل اليوم ، ولا أري قومه كلّهم إلاّ مسلّمين له غيركم ، فأتّبع فى ذلك الكثرة ، فأخذها عدى(١) . ٦٦٠٠ ـ وقعة صفّين عن المحلّ بن خليفة : لمّا توادع علىّ ¼ ومعاوية بصفّين ، اختلفت الرسل فيما بينهما رجاء الصلح ، فأرسل علىّ بن أبى طالب إلي معاوية عدىّ بن حاتم ، وشَبثَ بن ربِعى ، ويزيد بن قيس ، وزياد بن خصفة ، فدخلوا علي معاوية ، فحمد الله عدىُّ بن حاتم وأثني عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّا أتيناك لندعوك إلي أمر يجمع الله به كلمتنا واُمّتنا ، ويحقن الله به دماء المسلمين ، وندعوك إلي أفضلها سابقة وأحسنها فى الإسلام آثاراً ، وقد اجتمع له الناس ، وقد أرشدهم الله بالذى رأوا فأتوا ، فلم يبقَ أحد غيرك وغير من معك ، فانتهِ يا معاوية من قبل أن يصيبك الله وأصحابك بمثل يوم الجمل . فقال له معاوية : كأنّك إنّما جئت متهدّداً ولم تأتِ مصلحاً . هيهات يا عدىّ ، كلاّ والله إنّى لابنُ حرب ، ما يقعقع لى بالشنان(٢) . أما والله إنّك لمن المُجلبين علي ابن عفّان ، وأنت لمن قتلتِه ، وإنّى لأرجو أن تكون ممّن يقتله الله . هيهات يا (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٩ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٦٩ نحوه . ٢١٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَدِىُّ بنُ حاتِم
عدىّ ، قد حلبتُ بالساعد الأشدّ(١) . ٦٦٠١ ـ مروج الذهب : ذكر أنّ عدىّ بن حاتم الطائى دخل علي معاوية ، فقال له معاوية : ما فعلت الطرفات ـ يعنى أولادهـ ؟ قال : قُتلوا مع علىّ . قال : ما أنصفك علىّ ، قتل أولادك وبقّي أولاده . فقال عدىّ : ما أنصفتُ عليّاً إذ قتل وبقيت بعده . فقال معاوية : أما إنّه قد بقيت قطرة من دم عثمان ما يمحوها إلاّ دم شريف من أشراف اليمن . فقال عدىّ : والله إنّ قلوبنا التى أبغضناك بها لفى صدورنا ، وإنّ أسيافنا التى قاتلناك بها لعلي عواتقنا ، ولئن أدنيت إلينا من الغدر فتراً لندنينّ إليك من الشرّ شبراً ، وإنّ حزّ الحلقوم وحشرجة الحيزوم لأهون علينا من أن نسمع المساءة فى علىّ ، فسلّم السيف يا معاوية لباعث السيف . فقال معاوية : هذه كلمات حكم فاكتبوها . وأقبل علي عدىّ محادثاً له كأنّه ما خاطبه بشىء(٢) . ٦٦٠٢ ـ المحاسن والمساوئ : إنّ عدىّ بن حاتم دخل علي معاوية بن أبى سفيان فقال : يا عدىّ ، أين الطَّرَفات ؟ يعنى بنيه طريفاً وطارفاً وطرفة. (١) وقعة صفّين : ١٩٧ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٦٧ كلاهما نحوه . ٢١٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَدِىُّ بنُ حاتِم
قال : قُتلوا يوم صفّين بين يدى علىّ بن أبى طالب ¢ . فقال : ما أنصفك ابن أبى طالب إذ قدّم بنيك وأخّر بنيه ! قال : بل ما أنصفت أنا عليّاً إذ قُتل وبقيتُ ! قال : صف لى عليّاً . فقال : إنّ رأيت أن تُعفينى . قال : لا اُعفيك . قال : كان والله بعيد المدي وشديد القوي ، يقول عدلاً ويحكم فضلاً ، تتفجّر الحكمة من جوانبه ، والعلم من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحشته ، وكان والله غزير الدمعة طويل الفكرة ، يحاسب نفسه إذا خلا ، ويقلب كفّيه علي ما مضي ، يعجبه من اللباس القصير ، ومن المعاش الخشن ، وكان فينا كأحدنا يُجيبنا إذا سألناه ويُدنينا إذا أتيناه ، ونحن مع تقريبه لنا وقربه منّا لا نكلّمه لهيبته ، ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته ، فإن تبسّم فعن اللؤلؤ المنظوم ، يُعظِّم أهل الدين ، يتحبّب إلي المساكين ، لا يخاف القوىّ ظلمه ، ولا ييأس الضعيف من عدله . فاُقسم ، لقد رأيته ليلة وقد مثل فى محرابه ، وأرخي الليل سرباله وغارت نجومه ، ودموعه تتحادر علي لحيته وهو يتململ تململ السليم ، ويبكى بكاء الحزين ، فكأنّى الآن أسمعه وهو يقول : يا دنيا أ إلىَّ تعرّضتِ أم إلىَّ أقبلتِ ؟ غرّى غيرى ، لا حان حينك ، قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة لى فيك ، فعيشك حقير وخطرك يسير ، آه من قلّة الزاد وبُعد السفر وقلّة الأنيس ! قال : فوكفت عينا معاوية ينشّفهما بكمّه ، ثمّ قال : يرحم الله أبا الحسن ! كان كذا فكيف صبرك عنه ؟ قال : كصبر من ذبح ولدها فى حجرها ، فهى لا ترقأ دمعتها ولا تسكن عبرتها . ٢١٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَدِىُّ بنُ الحارِث
قال : فكيف ذكرك له ؟ قال : وهل يتركنى الدهر أن أنساه !(١) ٦٨ ذكرت بعض المصادر أنّ الإمام ¼ ولاّه علي "بُهَرسير(٢)" (٣) ، وأورد العلاّمة المجلسى أنّ اسم الوالى علي تلك المنطقة هو عدىّ بن حاتم(٤) . وعلي أىّ حال لم تثمر الجهود المبذولة لمعرفة عدىّ بن حارث ، وهو شخصيّة مجهولة بناءً علي الوثائق التاريخيّة . ٦٦٠٣ ـ وقعة صفّين : بعث [علىّ ¼ ] . . . عدىّ بن الحارث علي مدينة بُهَرسير واُستانِها(٥) (٦) . ٦٩ بطل مقدام ومقاتل لا يكلّ . وكان له لسان بليغ وبيان يأخذ بالقلوب . اشترك فى صفّين ، واستبسل حتي أهدر معاوية دمه غيظاً . وكان ينظم الشعر أيضاً ، (١) المحاسن والمساوئ : ٤٦ ، وفى أكثر المصادر نقل هذا الكلام عن ضرار بن ضمرة . راجع : ضرار بن ضمرة الضبابى . ٢٢٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / العَكْبَرُ بنُ جَدِير
ونلحظ فى شعره الفيّاض إعلاءً لملحمة الحقّ ، وإخزاءً لحزب الطلقاء(١) . ٦٦٠٤ ـ وقعة صفّين عن زيد بن وهب ـ فى ذكر وقعة صفّين ـ : كان فارسَ أهل الكوفة الذى لا ينازَع رجلٌ كان يقال له : العَكْبَر بن جدير الأسدى ، وكان فارسَ أهل الشام الذى لا ينازَع عوفُ بن مُجْزَأة الكوفى المرادى المكنّي أبا أحمر ، وهو أبو الذى استنقذ الحجّاج بن يوسف يوم صُرع فى المسجد بمكّة ، وكان العكبر له عبادة ولسان لا يطاق . فقام إلي علىّ فقال : يا أمير المؤمنين ! إنّ فى أيدينا عهداً من الله لا نحتاج فيه إلي الناس ، وقد ظننّا بأهل الشام الصبر وظنّوه بنا ، فصبرنا وصبروا . وقد عجبت من صبر أهل الدنيا لأهل الآخرة ، وصبر أهل الحقّ علي أهل الباطل ، ورغبة أهل الدنيا ، ثمّ نظرت فإذا أعجب ما يعجبنى جهلى بآية من كتاب الله : ³ الم ± أَ حَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ± وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ² (٢) وأثني عليه علىّ خيراً ، وقال خيراً . وخرج الناس إلي مصافّهم وخرج عوف بن مجزأة المرادى نادراً(٣) من الناس ، وكذلك كان يصنع ، وقد كان قتل قبل ذلك نفراً من أهل العراق مبارزةً ، فنادي : يا أهل العراق ، هل من رجل عصاه سيفه يبارزنى ، ولا أغرّكم من نفسى ; فأنا فارس زَوْف . فصاح الناس بالعكبر ، فخرج إليه منقطعاً من أصحابه والناس وقوف ، ووقف (١) وقعة صفّين : ٤٥٠ ـ ٤٥٢ ، أعيان الشيعة : ٨ / ١٤٨ . ٢٢١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / العَكْبَرُ بنُ جَدِير
المرادى وهو يقول :
يبرز لى وكيف لى وكيفُ فبرز إليه العكبر وهو يقول :
فاطّعنا فصرعه العكبر فقتله ، ومعاوية علي التلّ فى اُناس من قريش ونفر من الناس قليل ، فوجّه العكبر فرسه فملأ فُروجه(٣) ركضاً يضربه بالسوط ، مسرعاً نحو التلّ ، فنظر إليه معاوية فقال : إنّ هذا الرجل مغلوب علي عقله أو مستأمن ، فاسألوه . فأتاه رجل وهو فى حَمْي(٤) فرسه ، فناداه فلم يجبه ، فمضي مبادراً حتي انتهي إلي معاوية وجعل يطعن فى أعراض الخيل ، ورجا العكبر أن يفردوا له معاوية ، فقتل رجالا ، وقام القوم دون معاوية بالسيوف والرماح ، فلمّا لم يصل إلي معاوية نادي : أولي لك(٥) يا بن هند ، أنا الغلام الأسدى . فرجع إلي علىّ فقال (١) يقال : فلان يقتات السَّوْفَ : أى يعيش بالأمانى (لسان العرب : ٩ / ١٦٤) . ٢٢٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَلقَمةُ بنُ قَيس
له : ماذا دعاك إلي ما صنعت يا عكبر ؟ لا تُلقِ نفسك إلي التهلكة . قال : أردت غرّة ابن هند . وكان شاعراً فقال :
[إلي آخر الأبيات ]و انكسر أهل الشام لقتل عوف المرادى ، وهدر معاوية دم العكبر . فقال العكبر : يد الله فوق يد معاوية ، فأين دفاع الله عن المؤمنين؟(١) ٧٠ علقمة بن قيس بن عبد الله النخعى الكوفى ، أبو شِبْل ، أحد فقهاء الكوفة ومحدّثيها وقرّائها الكبار ، ويعدّ من رجال مدرسة ابن مسعود فى الفقه والحديث(٢) ، ومن الرواة الذين روي عنهم رجال كُثر(٣) . شهد معركة صفّين(٤) ، وفقد فيها إحدي رِجليه(٥) . وكان مع الإمام علىّ ¼ فى (١) وقعة صفّين : ٤٥٠ . ٢٢٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَلِىُّ بنُ أبى رافِع
النهروان أيضاً(١) . أمضي سنتين فى خوارزم ، وتوجّه إلي خراسان للقتال . اختُلِف فى سنة وفاته بين سنة ٦١ و٦٥ هـ (٢) . استشهد أخوه فى صفّين أيضاً(٣) . ٦٦٠٥ ـ وقعة صفّين : إنّ النخع قاتلت قتالاً شديداً ، فاُصيب منهم يومئذ . . . اُبىّ بن قيس أخو علقمة بن قيس الفقيه ، وقُطعت رجل علقمة بن قيس فكان يقول : ما اُحبّ أنّ رجلى أصحّ ما كانت ; لما أرجو بها من حسن الثواب من ربّى(٤) . ٧١ علىّ بن أبى رافع . ولد فى عهد النبىّ وسمّاه عليّاً(٥) ، تابعىّ ، من خيار الشيعة ، كانت له صحبة مع أمير المؤمنين ، وكان كاتباً له ، وحفظ كثيراً ، وجمع كتاباً فى فنون من الفقه : الوضوء ، والصلاة ، وسائر الأبواب(٦) ، وكان علي بيت مال علىّ ¼ (٧) ، وكان كاتبه(٨) . (١) تاريخ بغداد : ١٢ / ٢٩٧ / ٦٧٤٣ . |
||||||||||||||||