الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الثاني عشر

 

١٩٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / كلام فيما نسب إلي ابن عبّاس من الخيانة

من الملاحظات المهمّة فى حياة ابن عبّاس موضوع بيت المال بالبصرة ; فقد جاء فى المصادر التاريخيّة والحديثيّة كتاريخ الطبرى ، والكامل فى التاريخ ، وأنساب الأشراف ، ورجال الكشّى ، ونهج البلاغة (بلا ذكر لاسمه) وأمثالها أنّه أخذ من بيت مال البصرة ويختلف أنظار الباحثين حول هذا الموضوع علي أقوال :

أ ـ أنكره بعض الباحثين وعلماء الرجال نظراً إلي :

ـ ضعف الأسانيد .

ـ جلالة ابن عبّاس وعلمه وفضله .

ـ ارتباطه الوثيق بالإمام علىّ  ¼ وإخلاصه له وحبّه إيّاه .

ـ دور الاُمويّين فى تشويه سمعة أصحاب الإمام  ¼ .

ب ـ اعترف قسم منهم ببعض ما حصل ، لأنّه ورد فى كتب كثيرة ، وتناقله الناس آنذاك ، وانتُقِد ابن عبّاس عليه يومئذ ، فلم يرَ هؤلاء أنّ إنكاره أمر سهل .

ج ـ أقرّ بعضهم بأصل الموضوع وبتذكير الإمام  ¼ إيّاه ، فذهبوا إلي أنّه وقف

 ٢٠٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / كلام فيما نسب إلي ابن عبّاس من الخيانة

علي خطئه ، وأعاد أكثر الأموال أو بعضها . وهذا ما ذكره اليعقوبى فى تاريخه ، ويبدو أنّ اليعقوبى قد تفرّد فى نقله ، غير أنّه يمكن أن يكون مفيداً فى تحليل الموضوع .

النقطة المهمّة التى ينبغى ألاّ ننساها فى مثل هذه الموضوعات هى دور المفتعِلين للحوادث والمُرجِفين . وقد وقف حسن بن زين الدين المشهور بصاحب المعالم علي دور الأمويّين فى اختلاق هذه الحادثة ، وأكّده باحثون مثل السيّد جعفر مرتضي العاملى .

وسيتيسّر علينا فهم هذه النقطة إذا عرفنا أنّ ابن عبّاس ـ نظراً إلي مكانته السامية وسمعته العلميّة التى لا تُنكَر ـ كان المدافع الشجاع عن علىّ وآل علىّ (ع) فى ذلك العهد الأموى الأسود ، كما كان المنتقد الجرىء للأمويّين والكاشف عن فضائحهم . علماً أنّنا لا نقول بعصمته ، ولا ننكر احتمال خطئه ، بَيْدَ أنّا نستبعد قبول جميع ما جاء فى كتب التاريخ حول هذا الموضوع ، ولا نراه لائقاً بشأن ابن عبّاس(١) .

ولذا قال ابن أبى الحديد : قد أشكل علىَّ أمر هذا الكتاب ، فإن أنا كذّبت النقل وقلت : هذا كلام موضوع علي أمير المؤمنين  ¼ ، خالفت الرواة ، فإنّهم قد أطبقوا علي رواية هذا الكلام عنه ، وقد ذكر فى أكثر كتب السِّيَر ، وإن صرفته إلي عبد الله بن عبّاس صدّنى عنه ما أعلمه من ملازمته لطاعة أمير المؤمنين  ¼ فى حياته وبعد وفاته ، وإن صرفته إلي غيره لم أعلم إلي من أصرفه من أهل


(١) ولمزيد الاطّلاع علي هذا الموضوع راجع : أعيان الشيعة : ٨ / ٥٧ وقاموس الرجال : ٦ / ٤٢٣ ومعجم رجال الحديث : ١٠ / ٢٣٣ ـ ٢٣٩ ، ونهج السعادة : ٥ / ٣٢١ ـ ٣٤٩ وكتاب "ابن عبّاس وأموال البصرة" للسيّد جعفر مرتضي العاملى .

 ٢٠١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ كَعْب المُرادِيّ

أمير المؤمنين  ¼ ، والكلام يُشعر بأنّ الرجل المخاطب من أهله وبنى عمّه ، فأنا فى هذا الموضع من المتوقّفين !(١)

٥٩

عَبدُ اللهِ بنُ كَعْب المُرادِى ّ

كان من أعيان أصحاب الإمام علىّ  ¼ (٢) .

٦٥٨٧ ـ وقعة صفّين عن عبد الرحمن بن عبد الله : إنّ عبد الله بن كعب قتل يوم صفّين ، فمرّ به الأسود بن قيس بآخر رمق فقال : عزّ علىَّ والله مصرعك ، أما والله لو شهدتك لآسيتك ولدافعت عنك ، ولو رأيت الذى أشعرك لأحببت ألاّ يزايلنى حتي أقتله أو يُلحِقَنى بك .

ثمّ نزل إليه فقال : رحمك الله يا عبد الله ، والله إن كان جارك ليأمن بوائقك ، وإن كنت لمن الذاكرين الله كثيراً ، أوصنى رحمك الله .

قال : اُوصيك بتقوي الله ، وأن تناصح أمير المؤمنين ، وأن تقاتل معه المحلّين ، حتي يظهر الحقّ أو تلحق بالله . وأبلغه عنّى السلام وقل له : قاتل علي المعركة حتي تجعلها خلف ظهرك ، فإنّه من أصبح والمعركة خلف ظهره كان الغالب .

ثمّ لم يلبث أن مات ، فأقبل الأسود إلي علىّ فأخبره فقال : رحمه الله ، جاهد معنا عدوّنا فى الحياة ، ونصح لنا فى الوفاة(٣) .


(١) شرح نهج البلاغة : ١٦ / ١٧٢ .
(٢) اُسد الغابة : ٣ / ٣٧١ / ٣١٥٣ ، الاستيعاب : ٣ / ١٠٥ / ١٦٦٢ ، الإصابة : ٤ / ١٨٧ / ٤٩٣٦ .
(٣) وقعة صفّين : ٤٥٦ ; تاريخ الطبرى : ٥/٤٦ عن أبى بكر الكندى ، الكامل فى التاريخ: ٢/٣٨٥ نحوه.

 ٢٠٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ اللهِ بنُ هاشِمِ بنِ عُتْبَةَ بنِ أبى وَقّاص

٦٠

عَبدُ اللهِ بنُ هاشِمِ بنِ عُتْبَةَ بنِ أبى وَقّاص

نجل البطل العظيم فى ساحة الوغي ، والعابد ذى القلب السليم فى جيش أمير المؤمنين  ¼ هاشم بن عتبة(١) . رفع الراية بعد أبيه(٢) ، وألقي خطبة حماسيّة أمام جيش معاوية ، وصف فيها أباه ، وذكر منزلة الإمام الرفيعة ، وكشف عن حقيقة معاوية . ثمّ حمل علي العدوّ(٣) .

اُخذ إلي معاوية أسيراً بعد شهادة أمير المؤمنين ، وتحدّث بشجاعة وثبات ، فردّ علي ما نطق به عمرو بن العاص من كلمات بذيئة وأخزاه(٤) . وهذا الحوار دليل علي شهامته ، وقوّته ، وشجاعته العجيبة . أمضي مدّةً فى سجن معاوية .

٦٥٨٨ ـ وقعة صفّين عن عمرو بن شمر : لمّا انقضي أمر صفّين ، وسلّم الأمرَ الحسنُ  ¼ إلي معاوية ووفدت عليه الوفود ، اُشخص عبد الله بن هاشم إليه أسيراً ، فلمّا اُدخل عليه مثل بين يديه وعنده عمرو بن العاص ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا المختال ابن المرقال ، فدونك الضبّ المُضبّ ، المغترّ المفتون ، فإنّ العصا من العُصَيّة ، وإنّما تلد الحيّة حيّة ، وجزاء السيّئة سيّئة مثلها .

فقال له ابن هاشم : ما أنا بأوّل رجل خذله قومه ، وأدركه يومه .

فقال معاوية : تلك ضغائن صفّين وما جني عليك أبوك ، فقال عمرو : أمكنّى


(١) ستأتى ترجمته فى أواخر هذا القسم .
(٢) وقعة صفّين : ٣٥٦ ; تاريخ دمشق : ٣٣ / ٣٤٥ ، الأخبار الطوال : ١٨٣ و١٨٤ .
(٣) وقعة صفّين : ٣٥٦ .
(٤) وقعة صفّين : ٣٤٨ ; تاريخ دمشق : ٣٣ / ٣٤٤ ، الفتوح : ٣ / ١٢٤ .

 ٢٠٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسّانِ بنِ ثابِت

منه فأشخب أوداجه(١) علي أثباجه(٢) .

فقال له ابن هاشم : فهلاّ كانت هذه الشجاعة منك يابن العاص أيّام صفّين حين ندعوك إلي النزال ، وقد ابتلّت أقدام الرجال من نقيع الجريال(٣) ، وقد تضايقت بك المسالك ، وأشرفت فيها علي المهالك . وايم الله لولا مكانك منه لنشبت لك منّى خافية أرميك من خلالها أحدّ من وقع الأشافى(٤) ، فإنّك لا تزال تكثر فى هوسك ، وتخبط فى دهشك ، وتنشب فى مرسك ، تخبّط العشواء فى الليلة الحندس الظلماء .

قال : فأعجب معاوية ما سمع من كلام ابن هاشم ، فأمر به إلي السجن وكفّ عن قتله(٥) .

٦١

عَبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسّانِ بنِ ثابِت

٦٥٨٩ ـ تاريخ الطبرى ـ فى بيان تسمية الذين بُعث بهم إلي معاوية ومنهم عبد الرحمن بن حسّان ، وساق الحديث إلي أن قال ـ : ثمّ أقبل علي عبد الرحمن العَنَزى فقال : إيه يا أخا ربيعة ما قولك فى علىّ ؟

قال : دعنى ولا تسألنى فإنّه خير لك .

قال : والله لا أدعك حتي تخبرنى عنه .


(١) الأوداج: هى ما أحاط بالعُنُق من العُروق التى يقطعها الذابح، واحدها وَدَجٌ بالتحريك (النهاية : ٥/١٦٥).
(٢) الثَّبَج : الوَسَط ، وما بين الكاهل إلي الظهر ، أو ما بين الكتفين والكاهل (النهاية : ١ / ٢٠٦) .
(٣) الجِريال : الحُمْرَة ، أو ما خلص من لون أحمر وغيره (لسان العرب : ١١ / ١٠٨ و١٠٩) .
(٤) الأشفي : المِثقَب ، المِخصَفُ للنعال (لسان العرب : ١٤ / ٤٣٨) .
(٥) وقعة صفّين : ٣٤٨ وراجع تاريخ دمشق : ٣٣ / ٣٤٣ ـ ٣٤٥ والفتوح : ٣ / ١٢٤ .

 ٢٠٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَبدُ الرَّحمنِ بنُ كَلَدَة

قال : أشهد أنّه كان من الذاكرين الله كثيراً ، ومن الآمرين بالحقّ ، والقائمين بالقسط ، والعافين عن الناس .

قال : فما قولك فى عثمان ؟

قال : هو أوّل من فتح باب الظلم ، وأرتج(١) أبواب الحقّ .

قال : قتلتَ نفسك .

قال : بل إيّاك قتلت ولا ربيعة بالوادى ـ يقول حين كلّم شمر الخثعمى فى كريم بن عفيف الخثعمى ، ولم يكن له أحد من قومه يكلّمه فيه ـ فبعث به معاوية إلي زياد ، وكتب إليه : أمّا بعد ، فإنّ هذا العَنَزى شرّ من بعثت ، فعاقبه عقوبته التى هو أهلها ، واقتله شرّ قتله ، فلما قُدم به علي زياد بعث به زياد إلي قُسّ الناطف(٢) ، فدفن به حيّاً(٣) .

٦٢

عَبدُ الرَّحمنِ بنُ كَلَدَة

٦٥٩٠ ـ وقعة صفّين عن عبد الرحمن بن حاطب : خرجت ألتمس أخى فى القتلي بصفّين ، سويداً ، فإذا برجل قد أخذ بثوبى ، صريع فى القتلي ، فالتفتّ فإذا بعبد الرحمن بن كلدة ، فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، هل لك فى الماء ؟

قال : لا حاجة لى فى الماء قد اُنفذ فىَّ السلاح وخرّقنى ، ولست أقدر علي


(١) الإرتجاج : الإغلاق (النهاية : ٢ / ١٩٧) .
(٢) قُسُّ الناطِف : موضع قرب الكوفة ، علي شاطئ الفرات كانت عنده وقعة بين الفرس وبين المسلمين فى خلافة عمر قتل فيه أبو عبيد بن مسعود الثقفى (تاج العروس : ٨ / ٤١٥) .
(٣) تاريخ الطبرى : ٥ / ٢٧٦ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٩٨ ، تاريخ دمشق : ٨ / ٢٦ ، الأغانى : ١٧ / ١٥٦ .

 ٢٠٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُبَيدُ اللهِ بنُ أبى رافِع

الشرب ، هل أنت مبلغ عنّى أمير المؤمنين رسالة فاُرسلك بها ؟

قلت : نعم .

قال : فإذا رأيته فاقرأ عليه منّى السلام ، وقل : يا أمير المؤمنين ، اِحمل جرحاك إلي عسكرك ، حتي تجعلهم من وراء القتلي ، فإنّ الغلبة لمن فعل ذلك .

ثمّ لم أبرح حتي مات ، فخرجت حتي أتيت عليّاً فدخلت عليه فقلت : إنّ عبد الرحمن بن كلدة يقرأ عليك السلام .

قال : وعليه ، أين هو ؟

قلت : قد والله يا أمير المؤمنين أنفذه السلاح وخرّقه فلم أبرح حتي توفّى ، فاسترجع . قلت : قد أرسلنى إليك برسالة .

قال : وما هى ؟

قلت : قال : يا أمير المؤمنين ، اِحمل جرحاك إلي عسكرك ، حتي تجعلهم من وراء القتلي ، فإنّ الغلبة لمن فعل ذلك .

قال : صدق والذى نفسى بيده . فنادي منادى العسكر : أن احملوا جرحاكم إلي عسكركم ، ففعلوا ذلك(١) .

٦٣

عُبَيدُ اللهِ بنُ أبى رافِع

أحد الوجوه المتألّقة فى تاريخ التشيّع ، ومن السبّاقين إلي التأليف وتدوين


(١) وقعة صفّين : ٣٩٤ .

 ٢٠٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُبَيدُ اللهِ بنُ عَبّاس

العلوم . وكان كاتب أمير المؤمنين  ¼ (١) ، ومن خاصّته . وشهد معه الجمل(٢) ، وصفّين(٣) ، والنهروان(٤) .

عدّه مؤلّفو التراجم والرجاليّون من روّاد التأليف فى الثقافة الإسلاميّة ، وذكروا بعض كتبه . منها : كتاب "قضايا أمير المؤمنين" ، و"تسمية من شهد مع أمير المؤمنين  ¼ الجمل وصفّين والنهروان من الصحابة رضى الله عنهم"(٥) .

وهذا الكتاب مَعْلَم علي نباهة عبيد الله ووعيه للوقائع ، ويدلّ علي اهتمامه بضبط الحوادث . وكان أخوه ـ علىّ بن أبى رافع ـ كاتباً للإمام  ¼ أيضاً(٦) .

٦٤

عُبَيدُ اللهِ بنُ عَبّاس

عبيد الله بن عبّاس بن عبد المطلب القرشى الهاشمى أخو عبد الله بن عبّاس ، ابن عمّ النبىّ  ½ والإمام أمير المؤمنين  ¼ . وُلِدَ علي عهد النبىّ  ½ (٧) . قيل : إنّه سمع الحديث عن رسول الله  ½ فى صغره ، وحَفِظَه ، وحدّث به ، وكان مشهوراً بالسخاء(٨) .


(١) رجال الطوسى : ٧١/٦٥٤ ، الاختصاص: ٤ ; الطبقات الكبري : ٤ / ٧٤ ، تهذيب الكمال : ١٩/٣٤/٣٦٣٢، تاريخ خليفة بن خيّاط: ١٥١ ، تاريخ الطبرى: ٣ / ١٧٠، تاريخ بغداد: ١٠ / ٣٠٤ / ٥٤٥٣ .
(٢) الجمل : ٣٩٥ وص ٣٩٩ .
(٣) وقعة صفّين : ٤٧١ .
(٤) تاريخ بغداد : ١٠ / ٣٠٤ / ٥٤٥٣ .
(٥) الفهرست للطوسى : ١٧٤ / ٤٦٧ ، والجدير بالذكر أنّ الاُستاذ محمّد رضا الحسينى الجلالى قام بتصحيح كتاب "تسمية من شهد . . ." راجع : مجلّة "حوزة" العدد : ٣٨ ومجلّة "تراثنا" العدد : ١٥ .
(٦) رجال النجاشى : ١ / ٦٢ وص ٦٥ ، رجال ابن داود : ٢٣٦ / ٩٩١ .
(٧) سير أعلام النبلاء : ٣ / ٥١٣ / ١٢١ .
(٨) ذخائر العقبي : ٣٩٤ ; الدرجات الرفيعة : ١٤٤ .

 ٢٠٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُبَيدُ اللهِ بنُ عَبّاس

ولاّه الإمام  ¼ علي اليمن(١) . وفرّ بعد غارة بُسر بن أرطاة عليها(٢) ، وعثر بُسر علي طفلَيه الصغيرين فذبحهما(٣) . وعاد عبيد الله إليها بعد أن غادرها بُسر(٤) .

جعله الإمام الحسن  ¼ علي مقدّمة الجيش الذى أنفذه إلي معاوية ، ولكنّه خان ، وانخدع بمال معاوية ، ومن ثمّ التحق به(٥) . وتوفّى بالمدينة فى أيام معاوية ويقال : إنّه كفّ بصره(٦) .

٦٥٩١ ـ الغارات عن أبى روق : كان الذى هاج معاوية علي تسريح بسر بن أبى أرطاة إلي الحجاز واليمن ، أنّ قوماً بصنعاء كانوا من شيعة عثمان يعظّمون قتله لم يكن لهم نظام ولا رأس ، فبايعوا لعلىّ  ¼ علي ما فى أنفسهم ، وعامل علىّ  ¼ يومئذ علي صنعاء عبيد الله بن العبّاس ، وعامله علي الجَنَد(٧) سعيد بن نمران ، فلما اختلف الناس علي علىّ  ¼ بالعراق ، وقتل محمّد بن أبى بكر بمصر ، وكثرت غارات أهل الشام تكلّموا ، ودعوا إلي الطلب بدم عثمان ، ومنعوا الصدقات وأظهروا الخلاف ، فبلغ ذلك عبيد الله بن العبّاس فأرسل إلي ناس من وجوههم فقال : ما هذا الذى بلغنى عنكم ؟ قالوا : إنّا لم نزل ننكر قتل عثمان


(١) أنساب الأشراف : ٤ / ٧٩ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ٩٢ وص ١٥٥ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٥١ ; تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٧٩ ، الغارات : ٢ / ٦٢١ .
(٢) الغارات : ٢ / ٦٢١ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ١٣٩ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٥١٣ / ١٢١ ، اُسد الغابة : ٣ / ٥٢٠ / ٣٤٧٠ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٥١ .
(٣) الغارات : ٢ / ٦٢١ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ١٤٠ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٥١٣ / ١٢١ ، اُسد الغابة : ٣ / ٥٢٠ / ٣٤٧٠ .
(٤) اُسد الغابة : ٣ / ٥٢٠ / ٣٤٧٠ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٥١ .
(٥) رجال الكشّى : ١ / ٣٣٠ / ١٧٩ ، مقاتل الطالبيّين : ٧٣ .
(٦) أنساب الأشراف : ٤ / ٧٩ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٥١٤ / ١٢١ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٧١ .
(٧) الجَنَد : شمالى تعز ، وهى عن صنعاء ثمانية وأربعون فرسخاً (تقويم البلدان : ٩١).

 ٢٠٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُبَيدُ اللهِ بنُ عَبّاس

ونري مجاهدة من سعي عليه ، فحبسهم ، فكتبوا إلي من بالجند من أصحابهم فثاروا بسعيد بن نمران فأخرجوه من الجند وأظهروا أمرهم ، وخرج إليهم من كان بصنعاء ، وانضمّ إليهم كلّ من كان علي رأيهم ، ولحق بهم قوم لم يكونوا علي رأيهم إرادة أن يمنعوا الصدقة .

فذكر من حديث أبى روق قال : والتقي عبيد الله وسعيد بن نمران ومعهما شيعة علىّ ، فقال ابن عبّاس لابن نمران : والله لقد اجتمع هؤلاء وإنّهم لنا لمقاربون ولئن قاتلناهم لا نعلم علي من تكون الدائرة ، فهلمّ فلنكتب إلي أمير المؤمنين  ¼ بخبرهم وعددهم وبمنزلهم الذى هم به ، فكتبا إلي علىّ  ¼ :

أمّا بعد ، فإنّا نخبر أمير المؤمنين أنّ شيعة عثمان وثبوا بنا وأظهروا أنّ معاوية قد شيّد أمره ، واتّسق له أكثر الناس ، وإنّا سرنا إليه بشيعة أمير المؤمنين ومن كان علي طاعته ، وإنّ ذلك أحمشهم وألّبهم ، فتعبّوا لنا وتداعوا علينا من كلّ أوب ، ونصرهم علينا من لم يكن له رأى فيهم ، ممّن سعي إلينا إرادة أن يمنع حقّ الله المفروض عليه ، وقد كانوا لا يمنعون حقّاً عليهم ولا يؤخذ منهم إلاّ الحقّ فاستحوذ عليهم الشيطان ، فنحن فى خير ، وهم منك فى قفزة ، وليس يمنعنا من مناجزتهم إلاّ انتظار الأمر من مولانا أمير المؤمنين أدام الله عزّه وأيّده وقضي بالأقدار الصالحة فى جميع اُموره ، والسلام .

فلمّا وصل كتابهما ساء عليّاً  ¼ وأغضبه فكتب إليهما :

من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي عبيد الله بن العبّاس وسعيد بن نمران ، سلام عليكما ، فإنّى أحمد إليكما الله الذى لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد ، فإنّه أتانى كتابكما تذكران فيه خروج هذه الخارجة وتعظّمان من شأنها صغيراً ، وتكثّران من عددها قليلاً ، وقد علمت أنّ نخب أفئدتكما وصغر أنفسكما وشتات رأيكما وسوء

 ٢٠٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُبَيدُ اللهِ بنُ عَبّاس

تدبيركما هو الذى أفسد عليكما من لم يكن عنكما نائماً ، وجرّأ عليكما من كان عن لقائكما جباناً ، فإذا قدم رسولى عليكما فامضيا إلي القوم حتي تقرءا عليهم كتابى إليهم ، وتدعواهم إلي حظّهم وتقوي ربّهم ، فإن أجابوا حمدنا الله وقبلنا منهم ، وإن حاربوا استعنّا عليهم بالله ونبذناهم علي سواء : ³ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائـِنِينَ  ²  (١) والسلام عليكما(٢) .

٦٥٩٢ ـ الغارات عن أبى الودّاك : كنت عند علىّ  ¼ حين قدم عليه سعيد بن نمران الكوفة فعتب عليه وعلي عبيد الله أن لا يكونا قاتلا بسراً ، فقال سعيد : والله قاتلت ، ولكنّ ابن عبّاس خذلنى وأبي أن يقاتل ، ولقد خلوت به حين دنا منّا بسر ، فقلت : إنّ ابن عمّك لا يرضي منّى ولا منك إلاّ بالجدّ فى قتالهم ، وما نعذر ، قال : لا والله ، ما لنا بهم طاقة ولا يدان .

فقمت فى الناس ، وحمدت الله وأثنيت عليه ثمّ قلت : يا أهل اليمن ، من كان فى طاعتنا وعلي بيعة أمير المؤمنين فإلىَّ إلىّ ، فأجابنى منهم عصابة فاستقدمت بهم فقاتلت قتالاً ضعيفاً وتفرّق الناس عنّى ، وانصرفت ووجّهت إلي صاحبى فحذّرته موجدة(٣) صاحبه عليه ، وأمرته أن يتمسّك بالحصن ويبعث إلي صاحبنا ويسأله المدد ، فإنّه أجمل بنا وأعذر لنا ، فقال : لا طاقة لنا بمن جاءنا ، وأخاف تلك(٤) .

٦٥٩٣ ـ رجال الكشّى : كان الحسن  ¼ جعل ابن عمّه عبيد الله بن العبّاس علي


(١) الأنفال : ٥٨ .
(٢) الغارات : ٢ / ٥٩٢ ; شرح نهج البلاغة : ٢ / ٣ .
(٣) وَجَد عليه : غضب (لسان العرب : ٣ / ٤٤٦) .
(٤) الغارات : ٢ / ٦١٩ ; شرح نهج البلاغة : ٢ / ١٥ وفيه إلي "و انصرفت" .

 ٢١٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُبَيْدَةٌ السَّلْمانِيّ

مقدّمته ، فبعث إليه معاوية بمائة ألف درهم ، فمرّ بالراية ولحق بمعاوية وبقى العسكر بلا قائد ولا رئيس(١) .

راجع : القسم السابع / هجمات عمّال معاوية / غارة بسر بن أرطاة .

٦٥

عُبَيْدَةٌ السَّلْمانِىّ

هو عبيدة بن عمرو ، وقيل : ابن قيس ، السلمانى ، وسلمان بطن من مراد يكني أبا مسلم . أحد العلماء والفقهاء ، ومن تلامذة عبد الله بن مسعود . ذكر البلاذرى أنّه كان عامل علىٍّ  ¼ علي منطقة الفرات(٢) .

أسلم عبيدة قبل وفاة النبىّ  ½ بعامين(٣) . كان يسكن اليمن ، وهاجر إلي الكوفة فى عهد عمر(٤) . روي عن علىّ  ¼ وابن مسعود وعمر(٥) .

لم يدخل فى عسكر الإمام  ¼ يوم صفّين ، وأقام له عسكراً مستقلاًّ مع جماعة من القرّاء(٦) ، بعد محاورته للإمام  ¼ . ولم يشترك فى الحرب . وتحدّث هو ومرافقوه مع الإمام  ¼ ومعاوية مراراً كوسطاء فى موضوع الحرب (٧) .


(١) رجال الكشّى : ١ / ٣٣٠ / ١٧٩ .
(٢) أنساب الأشراف : ٢ / ٤٠٢ .
(٣) الطبقات الكبري : ٦ / ٩٣ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٥ / ٤٨٢ / ٢١٤ ، الإصابة : ٥ / ٩٢ / ٦٤٢١ ، الاستيعاب : ٣ / ١٤٣ / ١٧٧٣ ، اُسد الغابة : ٣ / ٥٤٦ / ٣٥٣٢ ، سير أعلام النبلاء : ٤ / ٤٠ / ٩ .
(٤) الإصابة : ٥ / ٩٢ / ٦٤٢١ وراجع الطبقات الكبري : ٦ / ٩٣ .
(٥) الطبقات الكبري : ٦ / ٩٣ ، اُسد الغابة : ٣ / ٥٤٦ / ٣٥٣٢ ، سير أعلام النبلاء : ٤ / ٤٠ / ٩ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٥ / ٤٨٢ / ٢١٤ ، الاستيعاب : ٣ / ١٤٣ / ١٧٧٣ وليس فيهما "عمر" .
(٦) وقعة صفّين : ١١٥ .
(٧) وقعة صفّين : ١٨٨ .


إرجاعات 
١٣٢ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الثامن : هجمات عمّال معاوية / غارة بسر بن أرطاة

 ٢١١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُثْمانُ بنُ حُنَيْف

عدّه علماء الشيعة من أصحاب الإمام(١) ، ومن شرطة الخميس(٢) .

مات سنة ٧٢ هـ (٣) .

٦٥٩٤ ـ أنساب الأشراف : ولّي علىّ بن أبى طالب  ¼ عبيدة السلمانى ـ من مراد ـ الفرات(٤) .

٦٦

عُثْمانُ بنُ حُنَيْف

عثمان بن حنيف بن واهب الأنصارى الأوسى أخو سهل بن حنيف ، من صحابة النبىّ  ½ وأحد الأنصار(٥) . شهد اُحداً وما تلاها من غزوات(٦) . وكان أحد الاثنى عشر الذين اعترضوا علي تغيير الخلافة بعد وفاة النبىّ  ½ (٧) . وتولّي مساحة الأرض(٨) ، وتعيين الخراج(٩) فى أيّام عمر . ولىَ البصرة فى خلافة الإمام علىّ  ¼ . عندما وصل أصحاب الجمل إلي البصرة قاتلهم فى البداية ، وحين أعلنت الهدنة بينهما ، هجموا عليه ليلاً ، وقتلوا حرّاس دار الإمارة وظفروا به ،


(١) رجال الطوسى : ٧١ / ٦٥٢ .
(٢) رجال البرقى : ٤ ، الاختصاص : ٣ .
(٣) الطبقات الكبري : ٦ / ٩٥ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٥ / ٤٨٣ / ٢١٤ ، سير أعلام النبلاء : ٤ / ٤٤ / ٩ .
(٤) أنساب الأشراف : ٢ / ٤٠٢ .
(٥) سير أعلام النبلاء : ٢ / ٣٢٠ / ٦١ ، الاستيعاب : ٣ / ١٥١ / ١٧٨٨ .
(٦) اُسد الغابة : ٣ / ٥٧١ / ٣٥٧٧ .
(٧) الاحتجاج : ١ / ١٩٨ / ١١ .
(٨) تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٠٦ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ١٤٤ ، سير أعلام النبلاء : ٢ / ٣٢٠ / ٦١ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٢٢٣ ، الاستيعاب : ٣ / ١٥١ / ١٧٨٨ .
(٩) سير أعلام النبلاء : ٢ / ٣٢٠ / ٦١ ، الاستيعاب : ٣ / ١٥١ / ١٧٨٨ .

 ٢١٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عُثْمانُ بنُ حُنَيْف

وعذّبوه ، ونَتَفوا شعر لحيته(١) .

وتعدّ رسالة الإمام  ¼ إليه حين دُعىَ إلي وليمة(٢) فى البصرة من الوثائق الدالّة علي عظمة الحكومة العلويّة ، وضرورة اجتناب الولاة والمسؤولين الترف والرفاهيّة ومعاشرة الأثرياء والمفسدين .

توفّى عثمان أيّام حكومة معاوية(٣) .

٦٥٩٥ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كتاب له إلي عثمان بن حنيف الأنصارى ، وكان عامله علي البصرة ، وقد بلغه أنّه دُعىَ إلي وليمة قوم من أهلها ، فمضي إليها ـ : أمّا بعد ، يابن حنيف ، فقد بلغنى أنّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلي مأدبة فأسرعت إليها ، تُستطاب لك الألوان ، وتنقل إليك الجفان(٤) ، وما ظننت أنّك تجيب إلي طعام قوم ، عائلهم مجفوّ ، وغنيّهم مدعوّ . فانظر إلي ما تقضمه من هذا المقضم ، فما اشتبه عليك علمه فالفظه ، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه .

ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً ، يقتدى به ويستضىء بنور علمه ، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه ، ومن طُعمه بقرصيه ، ألا وإنّكم لا تقدرون علي ذلك ، ولكن أعينونى بورع واجتهاد ، وعفّة وسداد(٥) .

راجع : القسم الخامس / السياسة الإدارية .

القسم السادس / وقعة الجمل / احتلال البصرة .

القسم العاشر / الخصائص العمليّة / إمام المستضعفين / طعامه .


(١) سير أعلام النبلاء : ٢ / ٣٢٢ / ٦١ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٦٤ ـ ٤٦٩ ، مروج الذهب : ٢ / ٣٦٧ ; الجمل : ٢٨٠ و٢٨١ ، تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨١ .
(٢) نهج البلاغة : الكتاب ٤٥ .
(٣) سير أعلام النبلاء : ٢ / ٣٢٢ / ٦١ ، الإصابة : ٤ / ٣٧٢ / ٥٤٥١ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٧٢ .
(٤) الجَفْنة : أعظم ما يكون من القِصاع والجمع جِفان وجِفَن (لسان العرب : ١٣ / ٨٩) .
(٥) نهج البلاغة : الكتاب ٤٥ ; ربيع الأبرار : ٢ / ٧١٩ وفيه إلي "بقرصيه" .


إرجاعات 
١٢٧ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام علي / الفصل الثالث : السياسة الإداريّة
١٧١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الاُولى : وقعة الجمل / الفصل السادس : احتلال البصرة
٣٤٨ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الثالث : الخصائص العمليّة / إمام المستضعفين / طعامه

 ٢١٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَدِىُّ بنُ حاتِم

٦٧

عَدِي ُّ بنُ حاتِم

عدىّ بن حاتم بن عبد الله الطائى يكني أبا طريف ، ابن سخىّ العرب المشهور حاتم الطائى(١) ، وأحد الصحابة(٢) .

تولّي عدىّ رئاسة قبيلته ، وحضر عند رسول الله  ½ سنة (٧ هـ ) وأسلم(٣) ، فأكرمه ورعي حرمته(٤) .

ظلّ وفيّاً للولاية العلويّة بعد وفاة النبىّ  ½ ، وذاد عن حريم الحقّ والولاية(٥) .

شهد مع أمير المؤمنين  ¼ مشاهده(٦) . ولمّا لحق أحد أولاده بمعاوية ، برئ منه(٧) . وكلماته أمام مساعير الفتنة دليل علي وعيه العميق للحوادث ، وإدراكه السليم لموقف الإمام أمير المؤمنين  ¼ ، وثباته علي صراط الحقّ ، ومن كلماته :

أيّها الناس ، إنّه واللهِ لو غير علىٍّ دعانا إلي قتال أهل الصلاة ما أجبناه . . .(٨) .


(١) اُسد الغابة : ٤ / ٨ / ٣٦١٠ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ١٦٣ / ٢٦ .
(٢) تهذيب الكمال : ١٩ / ٥٢٥ / ٣٨٨٤ ، تاريخ بغداد : ١ / ١٨٩ / ٢٩ ، تاريخ دمشق : ٤٠ / ٦٦ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ١٦٣ / ٢٦ .
(٣) تهذيب الكمال : ١٩/٥٢٥/٣٨٨٤، سير أعلام النبلاء : ٣/١٦٣/٢٦ ، الاستيعاب : ٣/١٦٨/١٨٠٠، وقيل "سنة عشرة" .
(٤) سير أعلام النبلاء : ٣ / ١٦٣ / ٢٦ .
(٥) رجال الكشّى : ١ / ١٨٦ .
(٦) تاريخ بغداد : ١ / ١٨٩ / ٢٩ ، الطبقات الكبري : ٦ / ٢٢ ، الطبقات لخليفة بن خيّاط : ١٢٧ / ٤٦٣ ، تهذيب الكمال : ١٩/٥٢٩/٣٨٨٤، الاستيعاب : ٣/١٦٩/١٨٠٠ ; الجمل : ٣٦٧ ، وقعة صفّين : ١٩٧ .
(٧) وقعة صفّين : ٥٢٢ و٥٢٣ .
(٨) الإمامة والسياسة : ١ / ١٤١ .

 ٢١٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَدِىُّ بنُ حاتِم

اختاره الإمام  ¼ لمفاوضة العدوّ فى صفّين بسبب منطقه البليغ(١) . قتل أحد أولاده فى إحدي حروب الإمام ، كما فقد إحدي عينيه(٢) . وكان معاوية يعظّمه ويرعي حرمته ، بَيْد أنّه كان يذكر الإمام  ¼ فى مناسبات مختلفة ويُثنى عليه . ولم يتنازل عن موقفه الحقّ أمام معاوية(٣) .

توفى حوالي سنة ٦٨ هـ (٤) ، وله من العمر مائة وعشرون سنة(٥) .

٦٥٩٦ ـ الإمامة والسياسة ـ فى ذكر حرب صفّين واختلاف أصحاب الإمام فى استمرار القتال ـ : ثمّ قام عدىّ بن حاتم فقال : أيّها الناس ، إنّه والله لو غير علىّ دعانا إلي قتال أهل الصلاة ما أجبناه ، ولا وقع بأمر قطّ إلاّ ومعه من الله برهان ، وفى يديه من الله سبب ، وإنّه وقف عن عثمان بشبهة ، وقاتل أهل الجمل علي النكث ، وأهل الشام علي البغى(٦) .

٦٥٩٧ ـ وقعة صفّين : جاء عدىّ بن حاتم يلتمس عليّاً ، ما يطأ إلاّ علي إنسان ميّت أو قدم أو ساعد ، فوجده تحت رايات بكر بن وائل ، قال : يا أمير المؤمنين ، ألا نقوم حتي نموت ؟


(١) وقعة صفّين : ١٩٧ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٦٧ .
(٢) الجمل : ٣٦٧ ، وقعة صفّين : ٣٦٠ ; الطبقات الكبري : ٦ / ٢٢ ، تهذيب الكمال : ١٩ / ٥٣٠ / ٣٨٨٤ ، تاريخ دمشق : ٤٠ / ٦٩ وص ٩٢ و٩٣ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ١٦٤ / ٢٦ .
(٣) مروج الذهب : ٣ / ١٣ ، أنساب الأشراف : ٥ / ١٠٠ ، العقد الفريد : ٣ / ٨٦ ، تاريخ دمشق : ٤٠ / ٩٥ .
(٤) الطبقات الكبري : ٦ / ٢٢ ، تاريخ بغداد : ١ / ١٩٠ / ٢٩ ، تاريخ دمشق : ٤٠ / ٦٩ ، المعارف لابن قتيبة : ٣١٣ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ١٦٥ / ٢٦ .
(٥) الطبقات لخليفة بن خيّاط : ١٢٧ / ٤٦٣ ، تاريخ بغداد : ١ / ١٩٠ / ٢٩ ، تاريخ دمشق : ٤٠ / ٦٩ ، المعارف لابن قتيبة : ٣١٣ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ١٦٥ / ٢٦ .
(٦) الإمامة والسياسة : ١ / ١٤١ .

 ٢١٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَدِىُّ بنُ حاتِم

فقال علىّ : ادنُه ، فدنا حتي وضع اُذنه عند أنفه ، فقال : ويحك ، إنّ عامّة من معى يعصينى ، وإنّ معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه(١) .

٦٥٩٨ ـ الجمل ـ فى ذكر أحداث ما قبل حرب الجمل ـ : أقبل أمير المؤمنين  ¼ علي عدىّ بن حاتم فقال له : يا عدىّ ، أنت شاهد لنا ، وحاضر معنا وما نحن فيه ؟

فقال عدىّ : شهدتك أو غبت عنك فأنا عندما أحببت ، هذه خيولنا معدّة ، ورماحنا محدّدة ، وسيوفنا مجرّدة ، فإن رأيت أن نتقدّم تقدّمنا ، وإن رأيت أن نُحجم أحجمنا ، نحن طوع لأمرك ، فأمر بما شئت ، نسارع إلي امتثال أمرك(٢) .

٦٥٩٩ ـ تاريخ الطبرى عن جعفر بن حُذيفة : إنّ عائذ بن قيس الحِزمرى واثب عدىَّ بن حاتم فى الراية بصفّين ـ وكانت حِزمر أكثر من بنى عدىّ رهط حاتم ـ فَوثب عليهم عبد الله بن خليفة الطائى البَوْلانى عند علىّ ، فقال :

يا بنى حِزمر ، علي عدىّ تتوثّبون ! وهل فيكم مثل عدىّ أو فى آبائكم مثل أبى عدىّ ؟ ! أ ليس بحامى القربة ومانع الماء يوم رَويِّة ؟ أ ليس بابن ذى المِرباع وابن جواد العرب ؟ ! أ ليس بابن المُنهب ماله ومانع جاره ؟ ! أ ليس من لم يغدر ولم يفجُر ، ولم يجهل ولم يبخل ، ولم يمنُن ولم يجبن ؟ ! هاتوا فى آبائكم مثل أبيه ، أو هاتوا فيكم مثله .

أ وَليس أفضلكم فى الإسلام ؟ ! أ وَليس وافدكم إلي رسول الله  ½ ؟ ! أ ليس برأسكم يوم النُّخيلة ويوم القادسيّة ويوم المدائن ويوم جلولاء الوقيعة ويوم نهاوند ويوم تُستَر ؟ ! فما لكم وله ؟ ! والله ما من قومكم أحد يطلب مثل الذى تطلبون .


(١) وقعة صفّين : ٣٧٩ .
(٢) الجمل : ٢٧٠ .

 ٢١٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَدِىُّ بنُ حاتِم

فقال له علىّ بن أبى طالب : حسبك يابن خليفة ، هلُمّ أيّها القوم إلىّ ، وعلىَّ بجماعة طيّئ ، فأتوه جميعاً ، فقال علىّ : من كان رأسكم فى هذه المواطن ؟

قالت له طيّئ : عدىّ .

فقال له ابن خليفة : فسلهم يا أمير المؤمنين ، أ ليسوا راضين مسلّمين لعدىّ الرياسة ؟ ففعل ، فقالوا : نعم ، فقال لهم : عدىّ أحقّكم بالراية ، فسلّموها له .

فقال علىّ ـ وضجّت بنو الحِزْمِر ـ : إنّى أراه رأسكم قبل اليوم ، ولا أري قومه كلّهم إلاّ مسلّمين له غيركم ، فأتّبع فى ذلك الكثرة ، فأخذها عدى(١) .

٦٦٠٠ ـ وقعة صفّين عن المحلّ بن خليفة : لمّا توادع علىّ  ¼ ومعاوية بصفّين ، اختلفت الرسل فيما بينهما رجاء الصلح ، فأرسل علىّ بن أبى طالب إلي معاوية عدىّ بن حاتم ، وشَبثَ بن ربِعى ، ويزيد بن قيس ، وزياد بن خصفة ، فدخلوا علي معاوية ، فحمد الله عدىُّ بن حاتم وأثني عليه ، ثمّ قال :

أمّا بعد ، فإنّا أتيناك لندعوك إلي أمر يجمع الله به كلمتنا واُمّتنا ، ويحقن الله به دماء المسلمين ، وندعوك إلي أفضلها سابقة وأحسنها فى الإسلام آثاراً ، وقد اجتمع له الناس ، وقد أرشدهم الله بالذى رأوا فأتوا ، فلم يبقَ أحد غيرك وغير من معك ، فانتهِ يا معاوية من قبل أن يصيبك الله وأصحابك بمثل يوم الجمل .

فقال له معاوية : كأنّك إنّما جئت متهدّداً ولم تأتِ مصلحاً . هيهات يا عدىّ ، كلاّ والله إنّى لابنُ حرب ، ما يقعقع لى بالشنان(٢) . أما والله إنّك لمن المُجلبين علي ابن عفّان ، وأنت لمن قتلتِه ، وإنّى لأرجو أن تكون ممّن يقتله الله . هيهات يا


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٩ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٦٩ نحوه .
(٢) الشَّنُّ والشَّنَّة : الخَلَقُ من كلِّ آنية صُنِعَت من جلد ، وجمعها شِنَانٌ (لسان العرب : ١٣ / ٢٤١) .

 ٢١٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَدِىُّ بنُ حاتِم

عدىّ ، قد حلبتُ بالساعد الأشدّ(١) .

٦٦٠١ ـ مروج الذهب : ذكر أنّ عدىّ بن حاتم الطائى دخل علي معاوية ، فقال له معاوية : ما فعلت الطرفات ـ يعنى أولادهـ ؟

قال : قُتلوا مع علىّ .

قال : ما أنصفك علىّ ، قتل أولادك وبقّي أولاده .

فقال عدىّ : ما أنصفتُ عليّاً إذ قتل وبقيت بعده .

فقال معاوية : أما إنّه قد بقيت قطرة من دم عثمان ما يمحوها إلاّ دم شريف من أشراف اليمن .

فقال عدىّ : والله إنّ قلوبنا التى أبغضناك بها لفى صدورنا ، وإنّ أسيافنا التى قاتلناك بها لعلي عواتقنا ، ولئن أدنيت إلينا من الغدر فتراً لندنينّ إليك من الشرّ شبراً ، وإنّ حزّ الحلقوم وحشرجة الحيزوم لأهون علينا من أن نسمع المساءة فى علىّ ، فسلّم السيف يا معاوية لباعث السيف .

فقال معاوية : هذه كلمات حكم فاكتبوها . وأقبل علي عدىّ محادثاً له كأنّه ما خاطبه بشىء(٢) .

٦٦٠٢ ـ المحاسن والمساوئ : إنّ عدىّ بن حاتم دخل علي معاوية بن أبى سفيان فقال : يا عدىّ ، أين الطَّرَفات ؟ يعنى بنيه طريفاً وطارفاً وطرفة.


(١) وقعة صفّين : ١٩٧ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٦٧ كلاهما نحوه .
(٢) مروج الذهب : ٣ / ١٣ وراجع تاريخ دمشق : ٤٠ / ٩٥ والعقد الفريد : ٣ / ٨٦ والأمالى للسيّد المرتضي : ١ / ٢١٧ .

 ٢١٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَدِىُّ بنُ حاتِم

قال : قُتلوا يوم صفّين بين يدى علىّ بن أبى طالب   ¢ .

فقال : ما أنصفك ابن أبى طالب إذ قدّم بنيك وأخّر بنيه !

قال : بل ما أنصفت أنا عليّاً إذ قُتل وبقيتُ !

قال : صف لى عليّاً . فقال : إنّ رأيت أن تُعفينى .

قال : لا اُعفيك .

قال : كان والله بعيد المدي وشديد القوي ، يقول عدلاً ويحكم فضلاً ، تتفجّر الحكمة من جوانبه ، والعلم من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحشته ، وكان والله غزير الدمعة طويل الفكرة ، يحاسب نفسه إذا خلا ، ويقلب كفّيه علي ما مضي ، يعجبه من اللباس القصير ، ومن المعاش الخشن ، وكان فينا كأحدنا يُجيبنا إذا سألناه ويُدنينا إذا أتيناه ، ونحن مع تقريبه لنا وقربه منّا لا نكلّمه لهيبته ، ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته ، فإن تبسّم فعن اللؤلؤ المنظوم ، يُعظِّم أهل الدين ، يتحبّب إلي المساكين ، لا يخاف القوىّ ظلمه ، ولا ييأس الضعيف من عدله .

فاُقسم ، لقد رأيته ليلة وقد مثل فى محرابه ، وأرخي الليل سرباله وغارت نجومه ، ودموعه تتحادر علي لحيته وهو يتململ تململ السليم ، ويبكى بكاء الحزين ، فكأنّى الآن أسمعه وهو يقول : يا دنيا أ إلىَّ تعرّضتِ أم إلىَّ أقبلتِ ؟ غرّى غيرى ، لا حان حينك ، قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة لى فيك ، فعيشك حقير وخطرك يسير ، آه من قلّة الزاد وبُعد السفر وقلّة الأنيس !

قال : فوكفت عينا معاوية ينشّفهما بكمّه ، ثمّ قال : يرحم الله أبا الحسن ! كان كذا فكيف صبرك عنه ؟

قال : كصبر من ذبح ولدها فى حجرها ، فهى لا ترقأ دمعتها ولا تسكن عبرتها .

 ٢١٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَدِىُّ بنُ الحارِث

قال : فكيف ذكرك له ؟

قال : وهل يتركنى الدهر أن أنساه !(١)

٦٨

عَدِي ُّ بنُ الحارِث

ذكرت بعض المصادر أنّ الإمام  ¼ ولاّه علي "بُهَرسير(٢)" (٣) ، وأورد العلاّمة المجلسى أنّ اسم الوالى علي تلك المنطقة هو عدىّ بن حاتم(٤) . وعلي أىّ حال لم تثمر الجهود المبذولة لمعرفة عدىّ بن حارث ، وهو شخصيّة مجهولة بناءً علي الوثائق التاريخيّة .

٦٦٠٣ ـ وقعة صفّين : بعث [علىّ  ¼ ] . . . عدىّ بن الحارث علي مدينة بُهَرسير واُستانِها(٥) (٦) .

٦٩

العَكْبَرُ بنُ جَدِير

بطل مقدام ومقاتل لا يكلّ . وكان له لسان بليغ وبيان يأخذ بالقلوب . اشترك فى صفّين ، واستبسل حتي أهدر معاوية دمه غيظاً . وكان ينظم الشعر أيضاً ،


(١) المحاسن والمساوئ : ٤٦ ، وفى أكثر المصادر نقل هذا الكلام عن ضرار بن ضمرة . راجع : ضرار بن ضمرة الضبابى .
(٢) بُهَرسير : من نواحى سواد بغداد قرب المدائن . وهى غربى دجلة (معجم البلدان : ١ / ٥١٥) .
(٣) الأخبار الطوال : ١٥٣ ; وقعة صفّين : ١١ .
(٤) بحار الأنوار : ٣٢ / ٣٥٧ .
(٥) الاُستان : السواد والقري .
(٦) وقعة صفّين : ١١ ; الأخبار الطوال : ١٥٣ .

 ٢٢٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / العَكْبَرُ بنُ جَدِير

ونلحظ فى شعره الفيّاض إعلاءً لملحمة الحقّ ، وإخزاءً لحزب الطلقاء(١) .

٦٦٠٤ ـ وقعة صفّين عن زيد بن وهب ـ فى ذكر وقعة صفّين ـ : كان فارسَ أهل الكوفة الذى لا ينازَع رجلٌ كان يقال له : العَكْبَر بن جدير الأسدى ، وكان فارسَ أهل الشام الذى لا ينازَع عوفُ بن مُجْزَأة الكوفى المرادى المكنّي أبا أحمر ، وهو أبو الذى استنقذ الحجّاج بن يوسف يوم صُرع فى المسجد بمكّة ، وكان العكبر له عبادة ولسان لا يطاق .

فقام إلي علىّ فقال : يا أمير المؤمنين ! إنّ فى أيدينا عهداً من الله لا نحتاج فيه إلي الناس ، وقد ظننّا بأهل الشام الصبر وظنّوه بنا ، فصبرنا وصبروا . وقد عجبت من صبر أهل الدنيا لأهل الآخرة ، وصبر أهل الحقّ علي أهل الباطل ، ورغبة أهل الدنيا ، ثمّ نظرت فإذا أعجب ما يعجبنى جهلى بآية من كتاب الله : ³ الم  ± أَ حَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ  ± وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ  ²  (٢) وأثني عليه علىّ خيراً ، وقال خيراً .

وخرج الناس إلي مصافّهم وخرج عوف بن مجزأة المرادى نادراً(٣) من الناس ، وكذلك كان يصنع ، وقد كان قتل قبل ذلك نفراً من أهل العراق مبارزةً ، فنادي : يا أهل العراق ، هل من رجل عصاه سيفه يبارزنى ، ولا أغرّكم من نفسى ; فأنا فارس زَوْف .

فصاح الناس بالعكبر ، فخرج إليه منقطعاً من أصحابه والناس وقوف ، ووقف


(١) وقعة صفّين : ٤٥٠ ـ ٤٥٢ ، أعيان الشيعة : ٨ / ١٤٨ .
(٢) العنكبوت : ١ ـ ٣ .
(٣) أى شذّ وخرج من الجمهور (لسان العرب : ٥ / ١٩٩) والمراد خرج وحيداً .

 ٢٢١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / العَكْبَرُ بنُ جَدِير

المرادى وهو يقول :

بالشام أمنٌ ليس فيه خوفُبالشام عدل ليس فيه حيفُ
بالشام جود ليس فيه سوفُ(١)أنا المرادىّ ورهطى زَوْفُ
أنا ابن مجزاة واسمي عوفُهل من عراقىِّ عصاه سيفُ

يبرز لى وكيف لى وكيفُ

فبرز إليه العكبر وهو يقول :

الشام محلٌ والعراق تمطرُبها الإمام والإمام معذِرُ
والشام فيها للإمام مُعْوِرُ(٢)أنا العراقىُّ واسمى العكبرُ
ابن جدير وأبوه المنذرُادنُ فإنّى للكمىّ مُصحِرُ

فاطّعنا فصرعه العكبر فقتله ، ومعاوية علي التلّ فى اُناس من قريش ونفر من الناس قليل ، فوجّه العكبر فرسه فملأ فُروجه(٣) ركضاً يضربه بالسوط ، مسرعاً نحو التلّ ، فنظر إليه معاوية فقال : إنّ هذا الرجل مغلوب علي عقله أو مستأمن ، فاسألوه . فأتاه رجل وهو فى حَمْي(٤) فرسه ، فناداه فلم يجبه ، فمضي مبادراً حتي انتهي إلي معاوية وجعل يطعن فى أعراض الخيل ، ورجا العكبر أن يفردوا له معاوية ، فقتل رجالا ، وقام القوم دون معاوية بالسيوف والرماح ، فلمّا لم يصل إلي معاوية نادي : أولي لك(٥) يا بن هند ، أنا الغلام الأسدى . فرجع إلي علىّ فقال


(١) يقال : فلان يقتات السَّوْفَ : أى يعيش بالأمانى (لسان العرب : ٩ / ١٦٤) .
(٢) رجلٌ مُعوِرٌ : قبيح السريرة (لسان العرب : ٤ / ٦١٦) .
(٣) يقال للفرس : ملأ فرجه وفُرُوجه إذا عدا وأسرع (النهاية : ٣ / ٤٢٣) .
(٤) أى شدّة عدوه .
(٥) أوْلَي لك : أى قَرب منك ما تكره ، وهى كلمة تلهّف ، يقولها الرجل إذا أفلت من عظيمة ، وقيل هى كلمة تهدّد ووعيد (النهاية : ٥ / ٢٢٩) .

 ٢٢٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَلقَمةُ بنُ قَيس

له : ماذا دعاك إلي ما صنعت يا عكبر ؟ لا تُلقِ نفسك إلي التهلكة . قال : أردت

غرّة ابن هند . وكان شاعراً فقال :

قتلتُ المرادىّ الذى جاء باغياًينادى وقد ثار العجاجُ : نَزَالِ
يقول أنا عوف بن مجزاةَ والمُنيلقاءُ ابن مجزاة بيوم قتالِ

[إلي آخر الأبيات ]و انكسر أهل الشام لقتل عوف المرادى ، وهدر معاوية دم العكبر . فقال العكبر : يد الله فوق يد معاوية ، فأين دفاع الله عن المؤمنين؟(١)

٧٠

عَلقَمةُ بنُ قَيس

علقمة بن قيس بن عبد الله النخعى الكوفى ، أبو شِبْل ، أحد فقهاء الكوفة ومحدّثيها وقرّائها الكبار ، ويعدّ من رجال مدرسة ابن مسعود فى الفقه والحديث(٢) ، ومن الرواة الذين روي عنهم رجال كُثر(٣) .

شهد معركة صفّين(٤) ، وفقد فيها إحدي رِجليه(٥) . وكان مع الإمام علىّ  ¼ فى


(١) وقعة صفّين : ٤٥٠ .
(٢) تهذيب الكمال : ٢٠ / ٣٠٣ و٣٠٤ / ٤٠١٧ ، تاريخ بغداد : ١٢ / ٢٩٩ / ٦٧٤٣، سير أعلام النبلاء : ٤ / ٥٣ و٥٤ / ١٤ .
(٣) تهذيب الكمال : ٢٠ / ٣٠٢ / ٤٠١٧ ، سير أعلام النبلاء : ٤ / ٥٤ / ١٤ .
(٤) الطبقات الكبري : ٦ / ٨٧ ، تهذيب الكمال : ٢٠ / ٣٠٥ / ٤٠١٧ ، تاريخ بغداد : ١٢ / ٢٩٧ / ٦٧٤٣ ، المعارف لابن قتيبة : ٥٨٣ .
(٥) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٢ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٧٩ ، الطبقات الكبري : ٦ / ٨٨ ; رجال الكشّى : ١ / ٣١٧ / ١٥٩ وفيهما "عرجت رِجله" ، وقعة صفّين : ٢٨٧ .

 ٢٢٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / عَلِىُّ بنُ أبى رافِع

النهروان أيضاً(١) . أمضي سنتين فى خوارزم ، وتوجّه إلي خراسان للقتال .

اختُلِف فى سنة وفاته بين سنة ٦١ و٦٥ هـ (٢) .

استشهد أخوه فى صفّين أيضاً(٣) .

٦٦٠٥ ـ وقعة صفّين : إنّ النخع قاتلت قتالاً شديداً ، فاُصيب منهم يومئذ . . . اُبىّ بن قيس أخو علقمة بن قيس الفقيه ، وقُطعت رجل علقمة بن قيس فكان يقول : ما اُحبّ أنّ رجلى أصحّ ما كانت ; لما أرجو بها من حسن الثواب من ربّى(٤) .

٧١

عَلِىُّ بنُ أبى رافِع

علىّ بن أبى رافع . ولد فى عهد النبىّ وسمّاه عليّاً(٥) ، تابعىّ ، من خيار الشيعة ، كانت له صحبة مع أمير المؤمنين ، وكان كاتباً له ، وحفظ كثيراً ، وجمع كتاباً فى فنون من الفقه : الوضوء ، والصلاة ، وسائر الأبواب(٦) ، وكان علي بيت مال علىّ  ¼ (٧) ، وكان كاتبه(٨) .


(١) تاريخ بغداد : ١٢ / ٢٩٧ / ٦٧٤٣ .
(٢) تهذيب الكمال : ٢٠ / ٣٠٧ / ٤٠١٧ ، سير أعلام النبلاء : ٤ / ٦١ / ١٤ .
(٣) وقعة صفّين : ٢٨٧ ، رجال الكشّى : ١ / ٣١٧ / ١٥٩ ; الطبقات الكبري : ٦ / ٨٨ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٢ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٧٩ .
(٤) وقعة صفّين : ٢٨٧ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٢ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٧٩ .
(٥) الإصابة : ٥ / ٥٣ / ٦٢٧٨ .
(٦) رجال النجاشى : ١ / ٦٥ .
(٧) تهذيب الأحكام : ١٠ / ١٥١ / ٦٠٦ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ١٥٦ وفيه "ابن أبى رافع" .
(٨) تهذيب الأحكام : ١٠ / ١٥١ / ٦٠٦ ، رجال النجاشى : ١ / ٦٢ وص ٦٥ .