الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الثاني

 

(١)

إنّ موضع غدير خُمّ من المواضع الإسلاميّة التى شهدت أكثر من موقف من مواقف النبىّ  ½ ، والتى يمكننا تلخيصها بالتالى :

١ ـ وقوعه فى طريق الهجرة النبويّة .

٢ ـ وقوعه فى طريق عودة النبىّ  ½ من حجّة الوداع .

٣ ـ وقوع بيعة الغدير فيه .

وكلّ واحد من هذه المواقف الثلاثة يشكّل بُعداً مهمّاً فى مسيرة التاريخ الإسلامى ، فالهجرة كانت البدء لانتشار الدعوة الإسلاميّة وانطلاقها خارج ربوع مكّة ، ومن ثمّ إلي العالم كلّه .

وحجّة الوداع والعودة منها إلي المدينة المنوّرة كانت ختم الرسالة ; حيث كمل


(١) هذه مقتطفات من مقالة الدكتور الشيخ عبد الهادى الفضلى بمناسبة مرور ١٤ قرناً علي وقعة الغدير والمطبوع فى العدد ٢٥ من مجلة تراثنا .

 ٣٦٤ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

الدين فتمّت النعمة .

وبيعة الغدير هى التمهيد لعهد الإمامة والإمام حيث ينتهى عهد الرسالة والرسول .

ومن هنا اكتسب موضع "غدير خُمّ" أهمّيته الجغرافيّة فى التراث الإسلامى ، ومنزلته التكريميّة كمَعْلَمة خطيرة من معالم التاريخ الإسلامى .

واشتهر الموقع بحادثة الولاية للإمام أمير المؤمنين  ¼ أكثر من شهرته موقعاً أو منزلاً من معالم طريق الهجرة النبويّة أو من طريق العودة من حجّة الوداع . . . .

وسيكون الحديث عن هذا الموضع الشريف فى حدود النقاط التالية :

ـ اسم الموقع .

ـ سبب التسمية .

ـ تحديد الموقع جغرافيّاً .

ـ وصف الموقع تاريخيّاً .

ـ وصف مشهد النصّ بالولاية .

ـ الأعمال المندوب إليها شرعاً فى هذا الموقع .

ـ وصف الموقع الراهن .

ـ الطرق المؤدّية إليه .

ـ صور(١) .


(١) سنعرض بعض هذه الصور فى آخر هذا الجزء .

 ٣٦٥ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

اسم الموقع :

١ ـ اشتهر الموضع باسم "غدير خُمّ" ; ففى حديث السيرة لابن كثير : "قال المطّلب بن زياد ، عن عبد الله بن محمّد بن عقيل : سمع جابر بن عبد الله يقول : كنّا بالجحفة بغدير خُمّ ، فخرج علينا رسول الله  ½ من خباء أو فسطاط . . ."(١) .

وفى حديث زيد بن أرقم ، قال : "خطب رسول الله  ½ بغدير خُمّ تحت شجرات"(٢) .

وكذلك فى حديثه الآخر ، قال : "لمّا رجع رسول الله  ½ من حجّة الوداع ونزل غدير خُمّ ، أمر بدوحات فقُمِمْن . . ."(٣) .

وفى شعر نُصيب :

وقالت بالغدير غدير خُمّ :اُخَىَّ إلي متي هذا الركوبُ
أ لم تَرَ أنّنى ما دمتَ فيناأنامُ ولا أنامُ إذا تغيبُ(٤)

وفى قول الكميت الأسدى :

ويوم الدوحِ دوح غدير خُمّأبان له الولاية لو اُطيعا(٥)

وضُبط لفظ "خُمّ" فى لسان العرب بفتح الخاء ، ونقل عن ابن دريد أنّه قال : "إنّما هو خُمّ ، بضمّ الخاء"(٦) .


(١) السيرة النبويّة لابن كثير : ٤ / ٤٢٤ .
(٢) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١١٨ / ٤٥٧٦ .
(٣) الصواعق المحرقة : ٤٣ وفيه "إنّ رسول الله  ½ خطب" .
(٤) معجم ما استعجم ٢ / ٥١٠ .
(٥) راجع القسم التاسع / على عن لسان الشعراء / الكميت بن زيد الأسدى .
(٦) لسان العرب : ١٢ / ١٩١ .


إرجاعات 
١٥ - المجلد التاسع / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل العاشر : عليّ عن لسان الشعراء / القرن الثاني

 ٣٦٦ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

٢ ـ كما أنّه يسمّي بـ "وادى خُمّ" ، أخذاً من واقع الموضع ، قال الحازمى : "خُمّ : واد بين مكّة والمدينة عند الجحفة ، به غدير ، عنده خطب رسول الله  ½ ، وهذا الوادى موصوف بكثرة الوخامة"(١) .

وقد ورد هذا الاسم فى حديث السيرة لابن كثير ونصّه : "قال الإمام أحمد : حدّثنا عفّان ، حدّثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن أبى عبيد ، عن ميمون أبى عبد الله ، قال : قال زيد بن أرقم ـ وأنا أسمع ـ : نزلنا مع رسول الله منزلاً يقال له : وادى خُمّ . . ."(٢) .

وفى نصّ المراجعات : "و أخرج الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم : قال : نزلنا مع رسول الله  ½ بواد يقال له : وادى خُمّ ، فأمر بالصلاة ، فصلاّها بهجير . . ."(٣) .

٣ ـ وقد يطلق عليه "خُمّ" اختصاراً كما فى كتاب صفة جزيرة العرب فقد قال مؤلّفه الهمدانى ـ وهو يعدّد بلدان تهامة اليمن ـ : "و مكّة : أحوازها لقريش وخزاعة ، ومنها : مرّ الظهران ، والتنعيم ، والجعرانة ، وسَرِف ، وفخّ ، والعصم ، وعسفان ، وقديد ـ وهو لخزاعة ـ والجحفة ، وخُمّ ، إلي ما يتّصل بذلك من بلد جهينة ومحالّ بنى حرب"(٤) .

وكما فى شعر معن بن أوس المزنى :

عفا وخلا مِمّن عهدت به خُمُّ وشاقك بالمسحاء من سَرِف رسمُ

(١) معجم البلدان : ٢ / ٣٨٩ ، معجم معالم الحجاز : ٣ / ١٥٧ .
(٢) السيرة النبويّة لابن كثير : ٤ / ٤٢٢ .
(٣) المراجعات : ٣٠٩ .
(٤) صفة جزيرة العرب : ٢٥٩ (كما فى المصدر) .

 ٣٦٧ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

وفى قول المجالد بن ذى مرّان الهمدانى من قصيدة قالها لمعاوية بن أبى سفيان وقد رأي تمويهه وتمويه عمرو بن العاص علي الناس فى دم عثمان :

وَلَهُ حرمةُ الولاءِ علي الناسِ بِخُمّ وكان ذا القول جَهْرا(١)

٤ ـ واُطلق عليه فى بعض الحديث اسم الجحفة من باب تسمية الجزء باسم الكلّ ; لأنّ خُمّاً جزء من وادى الجحفة الكبير ـ كما سيأتى ـ .

وقد جاء هذا فى حديث عائشة بنت سعد الذى أخرجه النسائى فى "الخصائص"(٢) ـ كما فى المراجعات(٣) ـ ونصّه : "عن عائشة بنت سعد قالت : سمعت أبى يقول : سمعت رسول الله  ½ يوم الجحفة . . ." .

ورواه ابن كثير فى السيرة عن ابن جرير بسنده بالنصّ التالى : "عن عائشة بنت سعد ، سمعت أباها يقول : سمعت رسول الله  ½ يقول يوم الجحفة ، وأخذ بيد علىّ . . ."(٤) .

٥ ـ ويقال له : "الخرّار" ، قال السكونى : "موضع الغدير غدير خُمّ يقال له : الخرّار"(٥) .

ويلتقى هذا مع تعريف البكرى فى معجم ما استعجم للخرّار حيث قال : "قال الزبير : هو وادى الحجاز(٦) يصبّ علي الجحفة"(٧) .


(١) شعر همدان وأخبارها ، حسن عيسي أبو ياسين : ٣٧٢ (كما فى المصدر) .
(٢) خصائص أمير المؤمنين للنسائى : ٤٢ / ٨ .
(٣) المراجعات : ٣١١ .
(٤) السيرة النبويّة لابن كثير ، ٤ / ٤٢٣ .
(٥) معجم ما استعجم : ٢ / ٥١٠ .
(٦) هكذا بالأصل ، وصوابه : واد بالحجاز .
(٧) معجم ما استعجم : ٢ / ٤٩٢ .

 ٣٦٨ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

٦ ـ ويختصر ناسُنا اليوم الاسم فيُطلقون عليه : "الغدير" .

٧ ـ الغُرَبَة ، بضمّ الغين المعجمة وفتح الراء المهملة والباء الموحّدة ، هكذا ضبطه البلادى فى معجم معالم الحجاز(١) ، وهو الاسم الراهن الذى يسمّيه به أبناء المنطقة فى أيّامنا هذه ، قال البلادى : "و يعرف غدير خُمّ اليوم باسم "الغُرَبَة" ، وهو غدير عليه نخل قليل لاُناس من البلاديّة من حرب ، وهو فى ديارهم يقع شرق الجحفة على(٨) أكيال ، وواديهما واحد ، وهو وادى الخرّار" .

ويقيّد لفظ "الغدير" بإضافته إلي "خُمّ" تمييزاً بينه وبين غدران اُخري ، قُيّدت ـ هى الاُخري ـ بالإضافة ، أمثال :

ـ غدير الأشطاط : موضع قرب عسفان .

ـ غدير البركة : بركة زبيدة .

ـ غدير البنات : فى أسفل وادى خماس .

ـ غدير سلمان : فى وادى الأغراف .

ـ غدير العروس : فى وادى الأغراف أيضاً(٢) .

وقد يُطلق علي غديرنا : "غدير الجحفة" ، كما فى حديث زيد بن أرقم : "أقبل النبىّ  ½ فى حجّة الوداع حتي نزل بغدير الجحفة بين مكّة والمدينة . . ."(٣) .


(١) معجم معالم الحجاز :٣ / ١٥٩ .
(٢) راجع معجم معالم الحجاز : ٦ / ٢٢٣ .
(٣) الغدير : ١ / ٣٦ ، كشف الغمه : ١ / ٤٨ ، التحصين لابن طاووس : ٥٧٨ / ٢٩ .

 ٣٦٩ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

سبب التسمية :

نستطيع أن نستخلص من مجموع التعريفات التى ذكرتها المعجمات العربيّة للغدير التعريف التالى :

الغدير : هو المنخفض الطبيعى من الأرض يجتمع فيه ماء المطر أو ماء السيل ، ولا يبقي إلي القيظ(١) .

ويجمع علي : غُدُر ـ بضمّ أوّلَيْه ـ وغُدْر ـ بضمّ أوّله وسكون ثانيه ـ وأَغْدُرة ، وغُدْران .

وعلّلوا تسمية المنخفض الذى يجتمع فيه الماء غديراً بــ :

١ ـ أنّه اسم مفعول لمغادرة السيل له ; أى أنّ السيل عندما يملأ المنخفض بالماء يغادره ; بمعني يتركه بمائه .

٢ ـ أنّه اسم فاعل من الغَدْر ; لأنّه يخون ورّاده ; فينضب عنهم ، ويغدر بأهله ; فينقطع عند شدّة الحاجة إليه .

وقوّاه الزبيدى فى معجمه "تاج العروس" بقول الكميت :

ومن غدره نبز الأوّلونَبأنْ لقّبوه الغديرَ الغديرا(٢)

وشرح معني البيت : بأنّ الشاعر أراد أنّ من غدره نبز الأوّلون الغديرَ بأن لقّبوه الغديرَ ، فالغدير الأول مفعول نبز ، والثانى مفعول لقّبوه .

وسبب تسمية الموقع بالغدير لأنّه منخفض الوادى أمّا "خُمّ" فنقل ياقوت فى


(١) راجع لسان العرب : ٥ / ٩ ، تاج العروس : ٧ / ٢٩٥ .
(٢) تاج العروس ، ٧ / ٢٩٥ .

 ٣٧٠ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

موقع غدير خم 

معجم البلدان عن الزمخشرى أنّه قال : "خُمّ : اسم رجل صبّاغ ، اُضيف إليه الغدير الذى بين مكّة والمدينة بالجحفة"(١) .

ثمّ نقل عن صاحب "المشارق" أنّه قال : "إنّ خُمّاً اسم غيضة هناك ، وبها غدير نُسب إليها" .

والتعليل نفسه نجده عند البكرى فى معجم ما استعجم قال : "و غدير خُمّ علي ثلاثة أميال من الجحفة ، يسرةً عن الطريق ، وهذا الغدير تصبّ فيه عين ، وحوله شجر كثير ملتفّ ، وهو الغيضة التى تسمّي خُمّاً"(٢) .

تحديد الموقع جغرافياً :

نصَّ غير واحد من اللغويّين والجغرافيّين والمؤرّخين علي أنّ موقع غدير خُمّ بين مكّة والمدينة .

ففى لسان العرب ـ مادّة خمم : "و خُمّ : غدير معروف بين مكّة والمدينة"(٣) .

وفى النهاية ، لابن الأثير ـ مادّة : خمم : "غدير خُمّ : موضع بين مكّة والمدينة"(٤) .

وفى معجم البلدان : "و قال الحازمى : خُمّ : واد بين مكّة والمدينة"(٥) .

وفى المصدر نفسه : "قال الزمخشرى : خُمّ : اسم رجل صبّاغ ، اُضيف إليه


(١) معجم البلدان : ٢ / ٣٨٩ .
(٢) معجم ما استعجم : ٢ / ٣٦٨ .
(٣) لسان العرب : ١٢ / ١٩١ .
(٤) النهاية : ٢ / ٨١ .
(٥) معجم البلدان : ٢ / ٣٨٩ .

 ٣٧١ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

الغدير الذى هو بين مكّة والمدينة" .

ويبدو أنّه لا خلاف بينهم فى أنّ موضع غدير خُمّ بين مكّة والمدينة ، وإنّما وقع شىء قليل من الخلاف بينهم فى تعيين مكانه بين مكّة والمدينة ، فذهب الأكثر إلي أنّه فى "الجحفة" ، ويعنون بقولهم : "فى الجحفة" أو "بالجحفة" وادى الجحفة ـ كما سيأتى ـ .

من هؤلاء :

ابن منظور فى لسان العرب ـ مادّة : خمم ، قال : "و خَمّ : غدير معروف بين مكّة والمدينة بالجحفة ، وهو غدير خَمّ"(١) .

والغير منآبادى فى القاموس المحيط ـ مادّة : خَمَّ ، قال : "و غدير خُمّ : موضع علي ثلاثة أميال بالجحفة بين الحرمين"(٢) .

والزمخشرى فى نصّه المتقدّم الذى نقله عنه الحموى فى معجم البلدان . القائل فيه : "خُمّ : اسم رجل صبّاغ ، اُضيف إليه الغدير الذى بين مكّة والمدينة بالجحفة" .

وفى حديث السيرة لابن كثير ـ المتقدّم ـ : "قال المطّلب بن زياد ، عن عبد الله بن محمّد بن عقيل ، سمع جابر بن عبد الله يقول : كنّا بالجحفة بغدير خُمّ . . ." .

وكما قلتُ ، يريدون من "الجحفة" فى هذا السياق : الوادى لا القرية التى هى الميقات ، وذلك بقرينة ما يأتى من ذكرهم تحديد المسافة بين غدير خُمّ والجحفة ، الذى يعنى أنّ غدير خُمّ غير الجحفة (القرية) ، ولأنّ وادى الجحفة يبدأ


(١) لسان العرب : ١٢ / ١٩١ .
(٢) القاموس المحيط : ٤ / ١٠٩ .

 ٣٧٢ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

من الغدير وينتهى عند البحر الأحمر ، فيكون الغدير جزءاً منه ، وعليه لا معني لتحديد المسافة بينه وبين الوادى الذى هو جزء منه .

وتفرّد الحميرى فى الروض المعطار فحدّد موضعه بين الجحفة وعسفان ، قال : "و بين الجحفة وعسفان غدير خُمّ"(١) .

وهو ـ من غير ريب ـ وَهْمٌ منه ، وبخاصّة أنّه حدّد الموضع بأنّه علي ثلاثة أميال من الجحفة يسرة الطريق ، حيث لا يوجد عند هذه المسافة بين الجحفة وعسفان موضع يُعرف بهذا الاسم .

والظاهر أنّه نقل العبارة التى تحدّد المسافة بثلاثة أميال من الجحفة يسرة الطريق من "معجم ما استعجم" ، ولم يلتفت إلي أنّ البكرى يريد بيسرة الطريق الميسرة للقادم من المدينة إلي مكّة ، وليس العكس ، فوقع فى هذا التوهّم .

قال البكرى فى معجمه : "و غدير خُمّ علي ثلاثة أميال من الجحفة يسرة عن الطريق"(٢) ـ وكما قلت ـ يريد بالميسرة جهة اليسار بالنسبة إلي القادم من المدينة إلي مكّة بقرينة ما ذكره فى بيان مراحل الطريق بين الحرمين ومسافاتها عند حديثه عن العقيق حيث بدأ بالمدينة ، قال : "و الطريق إلي مكّة من المدينة علي العقيق : من المدينة إلي ذى الحليفة . . ."(٣) .

ونخلص من هذا إلي أنّ غدير خُمّ يقع فى وادى الجحفة علي يسرة طريق الحاجّ من المدينة إلي مكّة ، عند مبتدأ وادى الجحفة حيث منتهي وادى الخرّار .


(١) الروض المعطار : ١٥٦ .
(٢) معجم ما استعجم : ٢ / ٣٦٨ .
(٣) معجم ما استعجم : ٣ / ٩٥٤ .

 ٣٧٣ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

ومن هنا كان أنْ أسماه بعضهم بالخرّار ـ كما تقدّم ـ .

ولعلّ علّة ما استظهره السمهودى فى كتابه وفاء الوفا ، من أنّ الخرّار بالجحفة(١) ; هو ما أوضحته من أنّ غدير خُمّ مبتدأ وادى الجحفة ، وعنده منتهي وادى الخرّار .

ويؤيّد هذا الذى ذكرته قول الزبير ـ الذى نقلته آنفاً عن معجم ما استعجم من أنّ الخرّار واد بالحجاز يصبّ علي الجحفة .

وقد يشير إلي هذا قول الحموى فى معجم البلدان : "الخرّار . . . وهو موضع بالحجاز ، يقال : هو قرب الجحفة"(٢) .

وعبارة عرّام التالية تؤكّد لنا أنّ الغدير من الجحفة ، قال ـ كما نقله عنه الحموى فى معجم البلدان ـ : "و دون الجحفة علي ميل غدير خُمّ ، وواديه يصبّ فى البحر"(٣) ، حيث يعنى بواديه وادى الجحفة ; لأنّه هو الذى يصبّ فى البحر حيث ينتهى عنده .

أمّا المسافة بين موضع غدير خُمّ والجحفة (القرية = الميقات) فَحُدّدت ـ فيما لدىَّ من مراجع ـ بالتالى :

ـ حدّدها البكرى فى معجم ما استعجم بثلاثة أميال ، ونقل عن الزمخشرى أنّ المسافة بينهما ميلان ناسباً ذلك إلي (القيل) إشعاراً بضعفه(٤) .


(١) وفاء الوفا : ٤ / ١٢٠٠ .
(٢) معجم البلدان : ٢ / ٣٥٠ .
(٣) معجم البلدان : ٢ / ٣٨٩ .
(٤) معجم ما استعجم : ٢ / ٣٦٨ .

 ٣٧٤ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

وإلي القول بأنّ المسافة بينهما ميلان ذهب الحموى فى معجمه قال : "و غدير خُمّ بين مكّة والمدينة ، بينه وبين الجحفة ميلان"(١) .

وقدّر الفيروزآبادى المسافة بثلاثة أميال ، قال فى القاموس ـ مادّة : خَمَّ : "و غدير خُمّ : موضع علي ثلاثة أميال بالجحفة(٢) بين الحرمين"(٣) .

وقدّرها بميل كلّ من نصر وعرّام(٤) ، ففى تاج العروس(٥) ـ مادّة : خَمّ : "و قال نصر : دون الجحفة علي ميل بين الحرمين الشريفين" .

وفى معجم البلدان : "و قال عرّام : ودون الجحفة علي ميل غديرُ خُمّ . . ."(٦) .

وهذا التفاوت فى المسافة من الميل إلي الاثنين إلي الثلاثة أمر طبيعى ; لأنّه يأتى ـ عادة ـ من اختلاف الطريق التى تسلك ، وبخاصّة أنّ وادى الجحفة يتّسع بعد الغدير ، ويأخذ بالاتّساع أكثر حتي قرية الجحفة ومن بعدها أكثر حتي البحر ، فربّما سلك أحدهم حافّة الجبال فتكون المسافة ميلاً ، وقد يسلك أحدهم وسط الوادى فتكون المسافة ميلين ، ويسلك الآخر حافة الوادى من جهة السهل فتكون المسافة ثلاثة أميال .


(١) معجم البلدان : ٤ / ١٨٨ .
(٢) هكذا فى المصدر والصواب : "دون الجحفة" .
(٣) القاموس المحيط : ٤ / ١٠٩ .
(٤) هما : نصر بن عبد الرحمن الإسكندرى ، المتوّفي (٥٦١ هـ ) له كتاب : "الأمكنة والمياه والجبال والآثار ونحوها" . وعرّام بن الأصبغ السلمى ، المتوفّي نحو (٢٧٥ هـ) ، صاحب كتاب "أسماء جبال تهامة وسكّانها وما فيها من القري وما ينبت عليها من الأشجار وما فيها من المياه" . (الأعلام للزركلى : ٨ / ٢٤ وج٤ / ٢٢٣) .
(٥) تاج العروس : ١٦ / ٢٢٦ .
(٦) معجم البلدان : ٢ / ٣٨٩ .

 ٣٧٥ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

وصف الموضع تاريخياً :

احتفظ لنا التاريخ بصورة تكاد تكون كاملة المعالم متكاملة الأبعاد لموضع غدير خُمّ ، فذكر أنّه يضمّ المعالم التالية :

١ ـ العين :

ففى لسان العرب مادّة خمم : "قال ابن الأثير : هو موضع بين مكّة والمدينة تصبّ فيه عين هناك(١)"(٢) .

وفى معجم ما استعجم والروض المعطار : "و هذا الغدير تصبّ فيه عين"(٣) .

وفى معجم البلدان : "و خمّ : موضع تصّب فيه عين"(٤) وتقع هذه العين فى الشمال الغربى للموقع ـ كما سيتّضح لنا هذا من ذكر المعالم الاُخري ـ .

٢ ـ الغدير :

وهو الذى تصبّ فيه العين المذكورة كما هو واضح من النصوص المنقولة المتقدّمة .

٣ ـ الشجر :

ففى حديث الطبرانى : "إنّ رسول الله  ½ خطب بغدير خُمّ تحت شجرات"(٥) .

وفى حديث الحاكم : "لَمّا رجع رسول الله  ½ من حجّة الوداع ، ونزل غدير


(١) النهاية : ٢ / ٨١ .
(٢) لسان العرب : ١٢ / ١٩١ .
(٣) معجم ما استعجم : ٢ / ٣٦٨ ، الروض المطار : ١٥٦ .
(٤) معجم البلدان : ٢ / ٣٨٩ .
(٥) الصواعق المحرقة : ٤٣ .

 ٣٧٦ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

خُمّ أمر بدوحات فقُمِمن"(١) .

وفى حديث الإمام أحمد : "و ظُلّل لرسول الله  ½ بثوب علي شجرة سَمُرَة من الشمس"(٢) .

وفى حديثه الآخر : "و كُسح لرسول الله  ½ تحت شجرتين فصلّي الظهر"(٣) .

والشجر المشار إليه هنا من نوع "السَّمُر" ، واحده "سَمُرَة" بفتح السين المهملة وضمّ الميم وفتح الراء المهملة ، وهو من شجر الطَلَح ; وهو شجر عظيم ، ولذا عبّر عنه بـ"الدوح" كما فى الأحاديث والأشعار التى مرّ شىء منها ، واحده "دوحة" ; وهى الشجرة العظيمة المتشعّبة ذات الفروع الممتدّة .

وهو غير "الغيضة" الآتى ذكرها ; لأنّه متفرّق فى الوادى هنا وهناك .

٤ ـ الغَيْضة :

وهى الموضع الذى يكثر فيه الشجر ويلتفّ ، وتُجمع علي غياض وأغياض .

وموقعها حول الغدير ، كما ذكر البكرى فى معجم ما استعجم ، قال : "و هذا الغدير تصبّ فيه عين ، وحوله شجر كثير ملتفّ ، وهى الغيضة"(٤) .

ومرّ بنا أنّ صاحب المشارق ذكر "أنّ خُمّاً اسم غيضة هناك ، وبها غدير نُسب إليها" .

٥ ـ النبت البَرّى :

ونقل ياقوت الحموى فى معجمه البلدانى عن عرّام أنّه قال : "لا نبت فيه غير


(١) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١١٨ / ٤٥٧٦ .
(٢) مسند ابن حنبل : ٧ / ٨٦ / ١٩٣٤٤ .
(٣) مسند ابن حنبل : ٦ / ٤٠١ / ١٨٥٠٦ .
(٤) معجم ما استجم : ٢ / ٣٦٨ .

 ٣٧٧ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

المرخ والثمام والأراك والعشر"(١) .

٦ ـ المسجد :

وذكروا أنّ فيه مسجداً شُيِّد علي المكان الذى وقف فيه رسول الله  ½ ، وصلّي وخطب ونصب عليّاً للمسلمين خليفة ووليّاً .

وعَيّنوا موقعه بين الغدير والعين ، قال البكرى فى معجمه : "و بين الغدير والعين مسجد النبىّ  ½ "(٢) .

وفى معجم البلدان أنّ صاحب المشارق قال : "و خُمّ : موضع تصبّ فيه عين ، بين الغدير والعين وبينهما مسجد رسول الله  ½ "(٣) .

ويبدو أنّ هذا المسجد قد تداعي ولم يبقَ منه فى زمن الشهيد الأول ـ المتوفّي سنة ٧٨٦ هـ ـ إلاّ جدرانه ، كما أشار إلي هذا الشيخ صاحب الجواهر فى الجواهر نقلاً عن كتاب "الدروس فى فقه الإماميّة(٤)" للشهيد الأوّل ، قال : "و فى الدروس : والمسجد باق إلي الآن جدرانُه ، والله العالم"(٥) .

أمّا الآن فلم نجد له أثراً . . . كما ساُشير إلي هذا فيما يعقبه .

٧ ـ ونقل ياقوت فى معجم البلدان عن الحازمى أنّ "هذا الوادى موصوف بكثرة الوخامة"(٦) .


(١) معجم البلدان : ٢ / ٣٨٩ .
(٢) معجم ما استعجم : ٢ / ٣٦٨ .
(٣) معجم البلدان : ٢ / ٣٨٩ .
(٤) الدروس : ١٥٦ .
(٥) جواهر الكلام : ٢٠ / ٧٥ .
(٦) معجم البلدان : ٢ / ٣٨٩ .

 ٣٧٨ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

يقال : وخم المكان وخامة : إذا كان غير ملائم للسكني فيه .

٨ ـ ومع وخامته ذكر عرّام ـ فيما نقله ياقوت عنه ـ أنّ به اُناساً من خزاعة وكنانة ، ولكنّهم قليلون ، قال : "و به اُناس من خزاعة وكنانة غير كثير"(١) .

وصف مشهد النصّ بالولاية :

ويُنسق علي ما تقدّم من وصف الموضع تاريخياً وصف حادثة الولاية بخطواتها المتسلسلة والمترتّب بعضها علي بعض لتكتمل أمام القارئ الكريم الصورة للحادثة التى أعطت هذا الموضع الشريف أهمّيّته كمَعْلَم مهمّ من معالم السيرة النبويّة المقدّسة ، وتتلخّص بالتالى :

١ ـ وصول الركب النبوى بعد منصرفه من حجّة الوداع إلي موضع غدير خُمّ ضحي نهار الثامن عشر من شهر ذى الحجّة الحرام من السنة الحادية عشرة للهجرة .

فعن زيد بن أرقم : "لَمّا حجّ رسول الله  ¾ حجّة الوداع ، وعاد قاصداً المدينة قام بغدير خُمّ ـ وهو ماء بين مكّة والمدينة ـ وذلك فى اليوم الثامن عشر من ذى الحجّة الحرام"(٢) .

٢ ـ ولأنّ هذا الموضع كان مفترق الطرق المؤدّية إلي المدينة المنوّرة ، والعراق ، والشام ، ومصر ، تفرّق الناس عن رسول الله  ¾ متّجهين وجهة أوطانهم ، فأمر  ¾ عليّاً  ¼ أن يجمعهم بردّ المتقدّم وانتظار المتأخّر .

ففى حديث جابر بن عبد الله الأنصارى : "إنّ رسول الله  ½ نزل بخُمّ فتنحّي


(١) معجم البلدان : ٢ / ٣٨٩ .
(٢) الفصول المهمّة : ٣٩ .

 ٣٧٩ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

الناس عنه . . . فأمر عليّاً فجمعهم"(١) .

وفى حديث سعد : "كنّا مع رسول الله فلمّا بلغ غدير خُمّ وقف للناس ، ثم ردّ من تقدّم ، ولحق من تخلّف"(٢) .

٣ ـ ونزل الرسول قريباً من خمس سَمُرات دوحات متقاربات ، ونهي أن يُجلَس تحتهنّ .

يقول زيد بن أرقم : "نزل رسول الله  ¾ بين مكّة والمدينة عند سَمُرات خمس دوحات عظام"(٣) .

وفى حديث عامر بن ضمرة وحذيفة بن اُسيد ، قالا : "لَمّا صدر رسول الله  ¾ من حجّة الوداع ، ولم يحجّ غيرها ، أقبل حتي إذا كان بالجحفة نهي عن شجرات بالبطحاء متقاربات لا ينزلوا تحتهنّ"(٤) .

٤ ـ ثم أمر  ¾ أن يُقمّ ما تحت تلكم السمرات من شوك ، وأن تشذّب فروعهنّ المتدلّية ، وأن ترشّ الأرض تحتهنّ .

ففى حديث زيد بن أرقم : "قام بالدوحات فقمَّ ما تحتهنّ من شوك"(٥) .

وفى حديثه الآخر : "أمر رسول الله  ¾ بالشجرات فقُمَّ ما تحتها ، ورُشّ"(٦) .


(١) المناقب لابن المغازلى : ٢٥ / ٣٧ .
(٢) خصائص أمير المؤمنين للنسائى : ١٧٧ / ٩٦ وفيه "كنّا مع رسول الله  ½ . . . فلمّا بلغ غدير خمّ وقف الناس ثمّ ردّ من مضي ولحقه من تخلّف" .
(٣) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١١٨ / ٤٥٧٧ وفيه "شجرات" بدل "سمرات" .
(٤) الغدير : ١ / ٤٦ ، جواهر العقدين : ٢٣٧ .
(٥) كشف الغمة : ١ / ٤٨ ، الغدير : ١ / ٣٦ .
(٦) المعجم الكبير : ٥ / ٢١٢ / ٥١٢٨ .

 ٣٨٠ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

وفى حديث عامر بن ضمرة وحذيفة بن اُسيد : "فقُمَّ ما تحتهنّ وشُذِّبْنَ عن رؤوس القوم"(١) .

٥ ـ وبعد أن نزلت الجموع منازلها وأخذت أماكنها ، أمر  ¾ مناديه أن ينادى : "الصلاةَ جامعةً" .

يقول حبّة بن جوين العرنى البجلى : "لَمّا كان يوم غدير خُمّ دعا النبىّ  ¾ : (الصلاة جامعة) نصف النهار . . ."(٢) .

وفى حديث زيد المتقدّم : "فأمر بالدوحات فقُمَّ ما تحتهنّ من شوك ثم نادي : الصلاة جامعةً" .

٦ ـ وبعد أن تكاملت الصفوف للصلاة جماعة ، قام  ¾ إماماً بين شجرتين من تلكم السمرات الخمس .

يقول عامر وحذيفة فى حديثهما المتقدّم : "حتي إذا نودى للصلاة غدا إليهنّ فصلّي تحتهنّ" .

وفى رواية الإمام أحمد عن البراء بن عازب : قال : "كنّا مع رسول الله  ½ فى سفر ، فنزلنا بغدير خُمّ ، فنودى فينا : الصلاة جامعة ، وكُسح لرسول الله  ¾ تحت شجرتين ، فصلّي الظهر"(٣) .

٧ ـ وظُلِّلَ لرسول الله  ¾ عن الشمس أثناء صلاته بثوب ، عُلّق علي إحدي الشجرتين .

ففى رواية الإمام أحمد حديث زيد من أرقم : "و ظُلِّل لرسول الله  ¾ بثوب


(١) الغدير : ١ / ٤٦ ، جواهر العقدين : ٢٣٧ .
(٢) اسد الغابة : ١ / ٦٦٩ / ١٠٣١ .
(٣) مسند ابن حنبل : ٦ / ٤٠١ / ١٨٥٠٦ .

 ٣٨١ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

علي شجرة سمرة من الشمس"(١) .

٨ ـ وكان ذلك اليوم هاجراً شديد الحرّ .

يقول زيد بن أرقم : "فخرجنا إلي رسول الله  ¾ فى يوم شديد الحرّ ، وإنّ منّا من يضع بعض ردائه علي رأسه ، وبعضه علي قدمه من شدّة الرمضاء"(٢) .

٩ ـ وبعد أن انصرف  ¾ من صلاته ، أمر أن يصنع له منبر من أقتاب الإبل(٣) .

١٠ ـ ثم صعد  ¾ المنبر متوسّداً يد علىّ  ¼ .

يقول جابر فى حديثه المتقدّم : "فأمر عليّاً فجمعهم ، فلمّا اجتمعوا قام فيهم وهو متوسّد يد علىّ بن أبى طالب" .

١١ ـ وخطب  ¾ خطبته . . .

١٢ ـ "ثم طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وممّن هنّأه فى مقدّم الصحابة : الشيخان أبو بكر وعمر ، كلٌّ يقول : بخ بخ لك يابن أبى طالب ! أصبحتَ وأمسيتَ مولاى ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة"(٤) .

١٣ ـ وقال ابن عبّاس : "وَجَبَتْ ـ والله ـ فى أعناق القوم"(٥) ; يعنى بذلك البيعة بالولاية والإمرة والخلافة .

١٤ ـ ثم استأذن الرسولَ شاعرُه حسّانُ بن ثابت فى أن يقول شعراً فى


(١) مسند ابن حنبل : ٧ / ٨٦ / ١٩٣٤٤ .
(٢) الغدير : ١ / ٣٦ وراجع كشف الغمة : ١ / ٤٨ ; المناقب لابن المغازلى : ١٦ / ٢٣ .
(٣) جامع الأخبار : ٤٨ ; الغدير : ١ / ١٠ .
(٤) راجع : التهنئة القياديّة .
(٥) الطرائف : ١٢١ / ١٨٤ ، بحار الأنوار : ٣٧ / ١٨٠ / ٦٧ .

 ٣٨٢ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

المناسبة . . . .(١)

الأعمال المندوب إليها شرعاً فى هذا الموقع :

الأعمال المندوب إليها شرعاً فى هذا الموضع ، هى :

١ ـ استحباب الصلاة فى مسجده المعروف ـ تاريخياً ـ بمسجد رسول الله ، ومسجد النبىّ ، ومسجد غدير خُمّ .

٢ ـ الإكثار فيه من الدعاء والابتهال إلي الله تعالي .

قال الشيخ صاحب الجواهر فى كتابه جواهر الكلام : "و كذلك يستحبّ للراجع علي طريق المدينة الصلاة فى مسجد غدير خُمّ ، والإكثار فيه من الدعاء ، وهو موضع النصّ من رسول الله  ¾ علي أمير المؤمنين  ¼ "(٢) .

ومن الحديث الذى يدلّ علي ذلك . . . .(٣)

وقال الشيخ يوسف البحرانى فى الحدائق الناضرة(٤) : يستحبّ لقاصدى المدينة المشرّفة المرور بمسجد الغدير ودخوله والصلاة فيه ، والإكثار من الدعاء .

وهو الموضع الذى نصّ فيه رسول الله  ¾ علي إمامة أمير المؤمنين وخلافته بعده ، ووقع التكليف بها ، وإنْ كانت النصوص قد تكاثرت بها عنه  ¾ قبل ذلك اليوم ، إلاّ أنّ التكليف الشرعى والإيجاب الحتمى إنّما وقع فى ذلك اليوم ، وكانت تلك النصوص المتقدّمة من قبيل التوطئة لتوطّن النفوس عليها ، وقبولها بعد


(١) راجع : أبيات حسّان بن ثابت .
(٢) جواهر الكلام : ٢٠ / ٧٥ .
(٣) راجع : مسجد الغدير .
(٤) الحدائق الناضرة : ١٧ / ٤٠٦ .

 ٣٨٣ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

التكليف بها .

فروي ثقة الإسلام فى الكافى(١) والصدوق فى الفقيه(٢) عن أبان عن أبى عبد الله  ¼ : قال : "يستحبّ الصلاة فى مسجد الغدير ; لأنّ النبىّ  ¾ أقام فيه أمير المؤمنين  ¼ ، وهو موضع أظهر الله عزّ وجلّ فيه الحقّ" .

وروي المشايخ الثلاثة(٣) ـ نوّر الله تعالي مضاجعهم ـ فى الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج : قال : "سألت أبا إبراهيم  ¼ عن الصلاة فى مسجد غدير خُمّ بالنهار وأنا مسافر ، فقال : "صَلِّ فيه ; فإنّ فيه فضلاً ، وقد كان أبى يأمر بذلك" .

وقد ذكر استحباب الصلاة فى مسجد الغدير غير واحد من فقهائنا الإماميّة ، مضافاً إلي مَن ذكرتهم ، منهم :

ـ الشيخ الطوسى فى النهاية ، قال : "و إذا انتهي [يعنى الحاجّ] إلي مسجد الغدير ، فليدخله ، وليصلِّ فيه ركعتين"(٤) .

ـ القاضى ابن البرّاج فى المهذّب ، قال : "فمن توجّه إلي زيارته  ¾ من مكّة بعد حجّه فينبغى له إذا أتي مسجد الغدير . . . فليدخله ، ويصلّى من ميسرته ما تيسّر له ، ثم يمضى إلي المدينة"(٥) .

ـ الشيخ ابن إدريس فى السرائر ، قال : "و إذا انتهي [الحاجّ] إلي مسجد الغدير


(١) الكافى : ٤ / ٥٦٧ / ٣ .
(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٥٥٩ / ٣١٤٢ .
(٣) الكافى : ٤ / ٥٦٦ / ١ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥٥٩ / ٣١٤٣ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ١٨ / ٤١ .
(٤) النهاية : ٢٨٦ ، الينابيع الفقهيّة ـ الحجّ : ٢٢٠ .
(٥) المهذّب : ١ / ٢٧٤ ، الينابيع الفقهيّة ـ الحج : ٣٢٥ .

 ٣٨٤ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

دخله وصلّي فيه ركعتين"(١) .

ـ الشيخ ابن حمزة فى الوسيلة ، قال : "و صلّي [يعنى الحاجّ] أيضاً فى مسجد الغدير ركعتين إذا بلغه"(٢) .

ـ الشيخ يحيي بن سعيد فى الجامع ، قال : "فإذا أتي [الحاجّ] مسجد الغدير دخله وصلّي ركعتين"(٣) .

ـ السيّد الحكيم فى منهاج الناسكين ، قال : "و كذا يستحبّ الصلاة فى مسجد غدير خُمّ ، والإكثار من الابتهال والدعاء فيه . وهو الموضع الذى نصّ فيه النبىّ  ½ بالولاية لأمير المؤمنين  ¼ ، وعقد البيعة له ، صلّي الله عليهما وعلي آلهما الطاهرين"(٤) .

وصف الموقع الراهن :

وصَفَه المقدّم عاتق بن غيث البلادى ـ المؤرّخ الحجازى المعاصر ـ فى كتابه معجم معالم الحجاز ، قال : "و يعرف غدير خُمّ اليوم باسم "الغُرَبَة" ; وهو غدير عليه نخل قليل لاُناس من البلاديّة من حرب ، وهو فى ديارهم يقع شرق الجحفة علي (٨) أكيال ، وواديهما واحد ، وهو وادى الخرّار(٥) .

وكانت عين الجحفة تنبع من قرب الغدير ، ولا زالت فقرها ماثلة للعيان .


(١) السرائر : ١ / ٦٥١ ، الينابيع الفقهيّة ـ الحج : ٥٩٢ .
(٢) الوسيلة : ٢٢٠ ، الينابيع الفقهيّة ـ الحج : ٤٥٢ .
(٣) الجامع للشرايع : ٢٣١ ، الينابيع الفقهيّة ـ الحج : ٧٢٩ .
(٤) منهاج الناسكين : ١٢١ .
(٥) تقدّم ـ استناداً علي ما ذكره بعض المؤرّخين الجغرافيّين القدامىـ : أنّ الغدير مبتدأ وادى الجحفة ، وعنده ينتهى وادى الخرّار .

 ٣٨٥ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

وتركبُ الغديرَ من الغرب والشمال الغربى آثار بلدة كان لها سور حجرىّ لا زال ظاهراً ، وأنقاض الآثار تدلّ علي أنّ بعضها كان قصوراً أو قلاعاً ، وربّما كان هذا حيّاً من أحياء مدينة الجحفة ، فالآثار هنا تتشابه"(١) .

وقد استطلعتُ ـ ميدانياً ـ الموضع من خلال رحلتين :

ـ كانت اُولاهما : يوم الثلاثاء ٧ / ٥ / ١٤٠٢ هــ = ٢ / ٣ / ١٩٨٢ م .

ـ والثانية : يوم الأربعاء ١٨ / ٦ / ١٤٠٩ هــ = ٢٥ / ١ / ١٩٨٩ م . . .

الطرق المودّية إلي الموقع

. . . أنّ هناك طريقين تؤدّيان إلي موقع غدير خُمّ ; إحداهما من الجحفة ، والاُخري من رابغ .

ـ طريق الجحفة :

تبدأ من مفرق الجحفة عند مطار رابغ سالكاً تسعة كيلوات مزفّتة إلي أوّل قرية الجحفة القديمة ، حيث شيّدت الحكومة السعوديّة ـ بعد أن هدمت المسجد السابق الذى رأيناه فى الرحلة الاُولي ـ مسجداً كبيراً فى موضعه ، وحمّامات للاغتسال ، ومرافق صحّية ، ومواقف سيّارت .

ثم تنعطف الطريق شمالاً وسط حجارة ورمال كالسدود بمقدار خمسة كيلوات إلي قصر علياء ، حيث نهاية قرية الميقات .

ثم تنعطف الطريق إلي جهة اليمين ، قاطعاً بمقدار كيلوين أكواماً من الحجارة وتلولاً من الرمال ، وحرّة قصيرة المسافة .

ثم تهبط من الحرّة يمنة الطريق حيث وادى الغدير .


(١) معجم معالم الحجاز : ٣ / ١٥٩ .

 ٣٨٦ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول موضع الغدير

٢ ـ طريق رابغ :

وتبدأ من مفرق طريق مكّة ـ المدينة العامّ ، الداخل إلي مدينة رابغ عند إشارة المرور ، يمنة الطريق للقادم من مكّة ، مارّةً ببيوتات من الصفيح ، واُخري من الطين يسكنها بعض بدو المنطقة .

ثم يصعد علي طريق قديمة مزفَّتة تنعطف به إلي اليسار ـ وهى الطريق العامّ القديمة التى تبدأ بقاياها من وراء مطار رابغ ـ .

وبعد مسافة عشر كيلوات ، وعلي اليمين ، يتفرّع منه الفرع المؤدّى إلي الغدير ، ومسافته من رابغ إلي الغدير ٢٦ كيلواً تقريباً .

وفى ضوء ما تقدّم :

يقع غدير خُمّ من ميقات الجحفة مطلع الشمس بحوالى ٨ كيلوات ، وجنوب شرقى رابغ بما يقرب من ٢٦ كم .