الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الثاني


 ٢٥١ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير

 

١٠ / ١

واقعة الغدير

³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ  ²  (١) .

٧٦٥ ـ الغدير : أجمع رسول الله  ½ الخروج إلي الحجّ فى سنة عشر من مهاجره ، وأذّن فى الناس بذلك ، فقدِم المدينة خلق كثير ; يأتمّون به فى حجّته تلك التى يقال عليها : حجّة الوداع ، وحجّة الإسلام ، وحجّة البلاغ ، وحجّة الكمال ، وحجّة التمام ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلي أن توفّاه الله .

فخرج  ½ من المدينة مغتسلاً متدهّناً مترجّلاً(٢) متجرّدا فى ثوبين


(١) المائدة : ٦٧ .
(٢) الترجيل : تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه (لسان العرب : ١١ / ٢٧٠) .

 ٢٥٢ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / واقعة الغدير

صُحاريّين(١) ; إزار ورداء ، وذلك يوم السبت لخمس ليال أو ستّ بقين من ذى القعدة ، وأخرج معه نساءه كلّهنّ فى الهوادج ، وسار معه أهل بيته ، وعامّة المهاجرين والأنصار ، ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء الناس .

وعند خروجه  ½ أصاب الناس بالمدينة جُدَرى ـ بضم الجيم وفتح الدال ، وبفتحهما ـ أو حصبة(٢) منعت كثيراً من الناس من الحجّ معه  ½ ، ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلاّ الله تعالي ، وقد يقال : خرج معه تسعون ألفاً ، ويقال : مائة ألف وأربعةَ عشرَ ألفاً ، وقيل : مائة ألف وعشرون ألفاً ، وقيل : مائة ألف وأربعةٌ وعشرون ألفاً ، ويقال : أكثر من ذلك ، وهذه عدّة من خرج معه .

وأمّا الذين حجّوا معه فأكثر من ذلك ; كالمقيمين بمكّة ، والذين أتوا من اليمن مع علىّ أمير المؤمنين وأبى موسي .

أصبح  ½ يوم الأحد بمَلَل(٣) ، ثمّ راح فتعشّي بشَرَف السيَالة(٤) ، وصلّي هناك المغرب والعشاء ، ثمّ صلّي الصبح بعِرْق الظُّبْية ، ثمّ نزل الرَّوْحاء(٥) ، ثمّ سار من


(١) صُحار : قرية باليمن نسب الثوب إليها ، وقيل : هو من الصُّحرة ; وهى حمرة خفيّة كالغُبرة ; يقال : ثوب أصحر وصُحارى (النهاية : ٣ / ١٢) .
(٢) الجُدَرى والحصْبة : هما بَثر يظهر فى الجلد (النهاية : ١ / ٣٩٤) .
(٣) فى المصدر : "بيَلمْلَم" وهو خطأ ، ونقل عن عائشة : أصبح رسول الله  ½ يوم الأحد بملل علي ليلة من المدينة ، ثمّ راح فتعشّي بشَرَف السيّالة وصلّي الصبح بعرق الظبية (معجم البلدان : ٣ / ٣٣٦ ، تاج العروس : ١١ / ٦٣٢) .
(٤) شَرَف السَيّالة : موضع بين ملل والروحاء (معجم البلدان : ٣ / ٣٣٦) .
(٥) الروحاء : موضع بين مكّة والمدينة علي ثلاثين أو أربعين ميلاً عن المدينة. وسمّيت الروحاء لانفتاحها ورواحها (راجع معجم البلدان : ٣ / ٧٦) .

 ٢٥٣ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / واقعة الغدير

الرَّوْحاء فصلّي العصر بالمُنْصَرَف(١) ، وصلّي المغرب والعشاء بالمتعشّي ، وتعشّي به ، وصلّي الصبح بالأثاية ، وأصبح يوم الثلاثاء بالعَرْج(٢) ، واحتجم بلَحْى جمل ; وهو عقبة الجحفة ، ونزل السُّقيا(٣) يوم الأربعاء ، وأصبح بالأبواء(٤) ، وصلّي هناك ، ثمّ راح من الأبواء ونزل يوم الجمعة الجحفة(٥) ، ومنها إلي قُدَيد(٦) ، وسَبَتَ فيه ، وكان يوم الأحد بعُسفان(٧) ، ثمّ سار ، فلمّا كان بالغَميم(٨) اعترض المشاة فصفّوا صفوفاً فشكوا إليه المشى ، فقال : استعينوا بالنسلان ; مشى سريع دون العَدْو ، ففعلوا ، فوجدوا لذلك راحة .

وكان يوم الاثنين بمرّ الظهران(٩) ، فلم يبرح حتي أمسي ، وغربت له الشمس بسَرف(١٠) ، فلم يُصلِّ المغرب حتي دخل مكّة . ولمّا انتهي إلي الثنيّتين بات بينهما ،


(١) المُنْصَرَف : موضع بين مكّة وبدر بينهما أربعة برد (معجم البلدان : ٥ / ٢١١) .
(٢) العَرْج : عقبة بين مكّة والمدينة علي جادّة الطريق (تقويم البلدان : ٧٩) .
(٣) فى المصدر : "السقياء" والتصحيح من معجم البلدان . وهى قرية جامعة من عمل الفُرع بينهما ممّا يلى الجحفة تسعة عشر ميلاً (معجم البلدان : ٣ / ٢٢٨) .
(٤) الأَبْواء : قرية قرب المدينة فى الشمال، عن الجحفة علي ثمان فراسخ ، وقيل إنّ بها توفّى عبد الله والد رسول الله  ½ (راجع تقويم البلدان : ٨١) .
(٥) الجُحْفة : وهى ميقات المصريّين والشاميّين بالقرب من رابغ (تقويم البلدان : ٨٠) .
(٦) راجع : أحاديث الوصاية / وصايته من الله .
(٧) عُسْفان : هى منزلة للحجّاج علي مرحلة من خليص فى الجنوب (تقويم البلدان : ٨٢)
(٨) وهو كُرَاع الغميم : واد أمام عُسفان بثمانية أميال (معجم البلدان : ٤ / ٤٤٣) .
(٩) الظَّهْران : واد قرب مكّة ، وعنده قرية يقال لها مرّ ، تضاف إلي هذا الوادى فيقال : مرّ الظهران (معجم البلدان : ٤ / ٦٣) .
(١٠) سَرِف : موضع علي ستّة اميال من مكّة ، تزوّج به الرسول  ½ ميمونة بنت الحارث ، وهناك توفّيت (معجم البلدان : ٣ / ٢١٢) .

 ٢٥٤ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / واقعة الغدير

فدخل مكّة نهار الثلاثاء .

فلمّا قضي مناسكه ، وانصرف راجعاً إلي المدينة ـ ومعه من كان من الجموع المذكورات ـ ووصل إلي غدير خمّ(١) من الجحفة التى تتشعّب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين ، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذى الحجّة ـ ، نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله : ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ  ²  الآية ، وأمره أن يقيم عليّاً عَلماً للناس ، ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة علي كلّ أحد .

وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة ، فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخّر عنهم فى ذلك المكان ، ونهي عن سَمُرات(٢) خمس متقاربات دوحات عِظام أن لا ينزل تحتهنّ أحد ، حتي إذا أخذ القوم منازلهم فقُمّ(٣) ما تحتهنّ ، حتي إذا نودى بالصلاة ـ صلاة الظهر ـ عمد إليهنّ ، فصلّي بالناس تحتهنّ ، وكان يوماً هاجراً(٤) ; يضع الرجل بعض ردائه علي رأسه ، وبعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء .

وظُلّل لرسول الله بثوب علي شجرة سَمُرة من الشمس . فلمّا انصرف  ½ من صلاته قام خطيباً وسط القوم ، علي أقتاب الإبل ، وأسمع الجميع ، رافعاً عقيرته ،


(١) غَدير خُمّ : خُمّ واد بين مكّة والمدينة عند الجحفة به غدير ، عنده خطب رسول الله  ½ (معجم البلدان : ٢ / ٣٨٩) .
(٢) السَّمُرة : من شجر الطلح ، والجمع سَمُرٌ وسَمُرات (لسان العرب : ٤ / ٣٧٩) .
(٣) قَمَّ الشىء قمّاً : كنَسَه (لسان العرب : ١٢ / ٤٩٣) .
(٤) الهَجير والهَجيرة والهَجْر والهاجرة : نصف النهار عند زوال الشمس إلي العصر ، وقيل فى كلّ ذلك : إنّه شدّة الحرّ (لسان العرب : ٥ / ٢٥٤) .

 ٢٥٥ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / واقعة الغدير

فقال : الحمد لله ، ونستعينه ونؤمن به ، ونتوكّل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيّئات أعمالنا ، الذى لا هادى لمن ضلّ ، ولا مضلّ لمن هدي ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله .

أمّا بعد : أيّها الناس قد نبّأنى اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبى إلاّ مثل نصف عمر الذى قبله ، وإنّى اُوشك أن اُدعي فأجيب(١) ، وإنّى مسؤول وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت ، فجزاك الله خيراً . قال : أ لستُم تشهدون أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ جنّته حقّ ، وناره حقّ ، وأنّ الموت حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من فى القبور ! ! قالوا : بلي نشهد بذلك . قال : اللهمّ اشهد .

ثمّ قال : أيّها الناس أ لا تسمعون ! قالوا : نعم . قال : فإنّى فَرَط(٢) علي الحوض ، وأنتم واردون علَىّ الحوض ، وإنّ عرضه ما بين صنعاء(٣) وبُصري(٤) ، فيه أقداح عدد النجوم من فضّة ، فانظروا كيف تخلفونى فى الثَّقَلين ! ! فنادي مناد : وما الثَّقَلان يا رسول الله ؟ قال : الثَّقَل الأكبر : كتاب الله ، طرف بيد الله عزّ وجلّ ، وطرف بأيديكم ; فتمسّكوا به لا تضلّوا . والآخر الأصغر : عترتى . وإنّ اللطيف الخبير نبّأنى أنّهما لن يتفرّقا حتي يردا علَىّ الحوض ، فسألت ذلك لهما ربّى ، فلا تَقدَّموهما ; فتَهلكوا ، ولا تُقصّروا عنهما ; فتَهلكوا .


(١) فى الطبعة المعتمدة "فأجبت" والصحيح ما أثبتناه كما فى طبعة مركز الغدير .
(٢) أنا فَرَطكم علي الحوض : أى متقدّمكم إليه (النهاية : ٣ / ٤٣٤) .
(٣) صنعاء : عاصمة اليمن، وتقع جنوب الحجاز، وشمال مدينة عدن . وكانت من أهمّ مدن اليمن والحجاز آنذاك .
(٤) بُصري : مدينة تبعد عن دمشق تسعين كيلو متراً من الجنوب الشرقى . وكان لها أهمّية عظمي أيّام الروم . فتحت علي يد خالد بن الوليد فى السنه (١٣ هـ ) .

 ٢٥٦ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / واقعة الغدير

ثمّ أخذ بيد علىّ فرفعها ـ حتي رؤى بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون ـ فقال : أيّها الناس ، من أولي الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ! قال : إنّ الله مولاى ، وأنا مولي المؤمنين ، وأنا أولي بهم من أنفسهم ; فمن كنت مولاه فعلىّ مولاه ـ يقولها ثلاث مرّات ، وفى لفظ أحمد إمام الحنابلة : أربع مرّات ـ ثمّ قال : اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدِر الحقّ معه حيث دار . ألا فليُبلِّغ الشاهد الغايب .

ثمّ لم يتفرّقوا حتي نزل أمين وحى الله بقوله : ³ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي  ²  (١) الآية ، فقال رسول الله  ½ : الله أكبر علي إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضا الربّ برسالتى والولاية لعلىّ من بعدى . ثمّ طفِق القوم يهنّئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وممّن هنّأه فى مقدّم الصحابة : الشيخان أبو بكر وعمر ، كلٌّ يقول : بَخ بَخ لك يابن أبى طالب ، أصبحتَ وأمسيتَ مولاى ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة . وقال ابن عبّاس : وجبت والله فى أعناق القوم .

فقال حسّان : إيذن لى يا رسول الله أن أقول فى علىّ أبياتاً تسمعهنّ . فقال : قل علي بركة الله . فقام حسّان فقال : يا معشر مَشيخة قريش ! أتبعها قولى بشهادة من رسول الله فى الولاية ماضية ، ثمّ قال :

يُناديهمُ يومَ الغدير نبيُّهمبِخُمٍّ فأسمِعْ بالرسولِ مُناديا

هذا مجمل القول فى واقعة الغدير ، وسيوافيك تفصيل ألفاظها ، وقد أصفقت الاُمّة علي هذا ، وليست فى العالم كلّه ـ وعلي مستوي البسيط ـ واقعة إسلاميّة


(١) المائدة : ٣ .

 ٢٥٧ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / واقعة الغدير

غديرية غيرها ، ولو اُطلق يومه فلا ينصرف إلاّ إليه ، وإن قيل محلّه ، فهو هذا المحلّ المعروف علي أمَم(١) من الجحفة ، ولم يعرف أحد من البحّاثة والمنقّبين سواه(٢) .

٧٦٦ ـ تاريخ دمشق عن أبى سعيد الخدرى : نزلت هذه الآية : ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ  ²  علي رسول الله  ½ يوم غدير خُمّ فى علىّ بن أبى طالب(٣) .

٧٦٧ ـ الإمام الحسين  ¼ : لمّا انصرف رسول الله  ½ من حجّة الوداع ، نزل أرضاً يقال لها : ضوجان(٤) ، فنزلت هذه الآية : ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ  ²  .

فلمّا نزلت عصمته من الناس نادي : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس إليه ، وقال  ¼ : من أولي منكم بأنفسكم ؟ فضجّوا بأجمعهم وقالوا : الله ورسوله . فأخذ بيد علىّ بن أبى طالب  ¼ وقال : من كنت مولاه فعلىّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ،


(١) الأمَمُ : القرب (لسان العرب : ١٢ / ٢٨) .
(٢) الغدير : ١ / ٩ .
(٣) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٢٣٧ ، أسباب نزول القرآن : ٢٠٤ / ٤٠٣ وليس فيه "علي رسول الله  ½ " ، النور المشتعل : ٨٦ / ١٦ وليس فيه "يوم غدير خمّ" ، شواهد التنزيل : ١ / ٢٥٠ / ٢٤٤ وليس فيه "علي رسول الله  ½ يوم غدير خمّ" ، الدرّ المنثور : ٣ / ١١٧ نقلاً عن ابن مردويه عن ابن مسعود وفيه : "كنّا نقرأ علي عهد رسول الله  ½ : ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ  ²  أنّ عليّاً مولي المؤمنين ، ³ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ  ²  " ; المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٢١ عن ابن عبّاس وليس فيه "علي رسول الله  ½ " .
(٤) الظاهر تصحيف : "الضَّجَنان" أو "الضَّجْنان" . قال الواقدى : بين ضجنان ومكّة خمسة وعشرون ميلاً . وعن البكرى : بينه وبين قُدَيد ليلة (راجع معجم البلدان : ٣ / ٤٥٣ ومعجم ما استعجم : ٣ / ٨٥٦) .

 ٢٥٨ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / واقعة الغدير

وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ; فإنّه منّى ، وأنا منه ، وهو منّى بمنزلة هارون من موسي ، إلاّ أنّه لا نبىّ بعدى .

وكانت آخر فريضة فرضها الله تعالي علي اُمّة محمّد  ½ ، ثمّ أنزل الله تعالي علي نبيّه : ³ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِِْْسْلامَ دِينًا  ²  (١) .

٧٦٨ ـ الإمام الباقر  ¼ ـ فى قوله تعالي : ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ  ²  ـ : هى الولاية(٢) .

٧٦٩ ـ عنه  ¼ : حجّ رسول الله  ½ من المدينة ـ وقد بلّغ جميعَ الشرائع قومَه ، غير الحجّ والولاية ـ فأتاه جبرئيل  ¼ ، فقال له : يا محمّد ، إنّ الله جلّ اسمه يُقرئُك السلام ، ويقول لك : إنّى لم أقبض نبيّاً من أنبيائى ولا رسولاً من رسلى إلاّ بعد إكمال دينى ، وتأكيد حجّتى ، وقد بقى عليك من ذاك فريضتان ممّا تحتاج أن تبلّغهما قومك : فريضة الحجّ ، وفريضة الولاية والخلافة من بعدك ; فإنّى لم اُخلِ أرضى من حجّة ، ولن اُخليها أبداً . فإنّ الله ـ جلّ ثناؤه ـ يأمرك أن تبلّغ قومك الحجّ ، وتحجّ ، ويحجّ معك من استطاع إليه سبيلاً من أهل الحضر والأطراف والأعراب ، وتعلّمهم من معالم حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم ، وتوقفهم من ذلك علي مثال الذى أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشرائع .

فنادي منادى رسول الله  ½ فى الناس : ألا إنّ رسول الله  ½ يريد الحجّ ، وأن


(١) البرهان فى تفسير القرآن : ٢ / ٢٢٦ / ٢٩٠٩ عن محمّد بن إسحاق عن الإمام الباقر عن أبيه    ¤ وراجع تفسير القمّى : ١ / ١٧٣ .
(٢) مختصر بصائر الدرجات : ٦٤ ، بصائر الدرجات : ٥١٦ / ٤٠ كلاهما عن الفضيل بن يسار .

 ٢٥٩ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / واقعة الغدير

يعلّمكم من ذلك مثل الذى علّمكم من شرائع دينكم ، ويوقفكم من ذلك علي ما أوقفكم عليه من غيره .

فخرج  ½ ، وخرج معه الناس ، وأصغوا إليه ; لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله . فحجّ بهم ، وبلغ مَن حجّ مع رسول الله  ½ ـ من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب ـ سبعين ألف إنسان ، أو يزيدون ، علي نحو عدد أصحاب موسي السبعين ألفاً . . .

فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيل  ¼ عن الله عزّ وجلّ ، فقال : يا محمّد ، إنّ الله عزّ وجلّ يُقرئُك السلام ويقول لك : إنّه قد دنا أجلُك ومدّتك ، وأنا مستقدمك علي ما لابدّ منه ولا عنه محيص ، فاعهد عهدك ، وقدّم وصيّتك ، واعمد إلي ما عندك ; من العلم ، وميراث علوم الأنبياء من قبلك ، والسلاح ، والتابوت ، وجميع ما عندك من آيات الأنبياء ، فسلِّمه إلي وصيّك وخليفتك من بعدك ; حجّتى البالغة علي خلقى ; علىّ بن أبى طالب ، فأقمه للناس علماً ، وجدّد عهده وميثاقه وبيعته ، وذكِّرهم ما أخذتَ عليهم من بيعتى وميثاقى الذى واثقتَهم به ، وعهدى الذى عهدتَ إليهم ; من ولاية وليّى ومولاهم ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة علىّ بن أبى طالب ; فإنّى لم أقبض نبيّاً من الأنبياء إلاّ من بعد إكمال دينى وحجّتى ، وإتمام نعمتى ; بولاية أوليائى ، ومعاداة أعدائى ، وذلك كمال توحيدى ودينى .

وإتمام نعمتى علي خلقى باتّباع وليّى وطاعته ; وذلك أنّى لا أترك أرضى بغير ولىّ ولا قيّم ; ليكون حجّةً لى علي خلقى فـ ³ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِِْْسْلامَ دِينًا  ²  بولاية وليّى ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة ; علىّ عبدى ، ووصىّ نبيّى ، والخليفة من بعده ، وحجّتى البالغة علي خلقى ، مقرونةٌ طاعته بطاعة محمّد نبيّى ، ومقرونة طاعته مع طاعة محمّد بطاعتى ، من

 ٢٦٠ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / واقعة الغدير

أطاعه فقد أطاعنى ، ومن عصاه فقد عصانى ، جعلته علماً بينى وبين خلقى . . . .

فلمّا بلغ غدير خمّ ـ قبل الجحفة بثلاثة أميال ـ أتاه جبرئيل  ¼ ـ علي خمس ساعات مضت من النهار ـ بالزجر والانتهار ، والعصمة من الناس ! فقال : يا محمّد ، إنّ الله عزّ وجلّ يُقرئُك السلام ، ويقول لك : ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ  ²  فى علىّ ، ³ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ  ²  . وكان أوائلهم قريباً من الجحفة ، فأمره بأن يردّ من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخّر عنهم ، فى ذلك المكان ; ليقيم عليّاً للناس علماً ، ويبلّغهم ما أنزل الله تعالي فى علىّ  ¼ ، وأخبره بأنّ الله عزّ وجلّ قد عصمه من الناس(١) .

٧٧٠ ـ عنه  ¼ : لمّا أنزل الله علي نبيّه : ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ  ²  ، ـ قال ـ : فأخذ رسول الله  ½ بيد علىّ فقال : يا أيّها الناس ، إنّه لم يكن نبىّ من الأنبياء ممّن كان قبلى إلاّ وقد عُمّر ثمّ دعاه الله فأجابه ، واُوشك أن اُدعي فاُجيب ، وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون ، فما أنتم قائلون ؟

قالوا : نشهد أنّك قد بلّغت ، ونصحت ، وأدّيت ما عليك ; فجزاك الله أفضل ما جزي المرسلين . فقال : اللهمّ اشهد .

ثمّ قال : يا معشر المسلمين ، ليبلغ الشاهد الغايب : اُوصى من آمن بى وصدّقنى بولاية علىّ ، ألا إنّ ولاية علىّ ولايتى وولايتى ، ولاية ربّى ، ولا


(١) الاحتجاج : ١ / ١٣٣ / ٣٢ ، اليقين : ٣٤٣ / ١٢٧ كلاهما عن علقمة بن محمّد الحضرمى ، روضة الواعظين : ١٠٠ ، بحار الأنوار : ٣٧ / ٢٠١ / ٨٦ وراجع الكافى : ١ / ٢٩٣ / ٣ وجامع الأخبار : ٤٧ / ٥٢ .

 ٢٦١ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / واقعة الغدير

يدرى(١) عهداً عهده إلىّ ربّى وأمرنى أن اُبلّغكموه .

ثمّ قال : هل سمعتم ـ ثلاث مرّات يقولها ـ ؟ فقال قائل : قد سمعنا يا رسول الله(٢) .

٧٧١ ـ شواهد التنزيل عن زياد بن المنذر : كنت عند أبى جعفر محمّد بن علىّ وهو يحدّث الناس ، إذ قام إليه رجل من أهل البصرة يقال له : عثمان الأعشي ـ كان يروى عن الحسن البصرى ـ فقال له : يابن رسول الله ، جعلنى الله فداك ، إنّ الحسن يخبرنا أنّ هذه الآية نزلت بسبب رجل ، ولا يخبرنا من الرجل : ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ  ²  ! !

فقال : لو أراد أن يخبر به لأخبر به ، ولكنّه يخاف . إنّ جبرئيل هبط علي النبىّ  ½ فقال له : إنّ الله يأمرك أن تدلّ اُمّتك علي صلاتهم ، فدلّهم عليها . ثمّ هبط فقال : إنّ الله يأمرك أن تدلّ اُمّتك علي زكاتهم ، فدلّهم عليها . ثمّ هبط فقال : إنّ الله يأمرك أن تدلّ اُمّتك علي صيامهم ، فدلّهم . ثمّ هبط فقال : إنّ الله يأمرك أن تدلّ اُمّتك علي حجّهم ، ففعل .

ثمّ هبط فقال : إنّ الله يأمرك أن تدلّ اُمّتك علي وليّهم ـ علي مثل ما دللتَهم عليه ; من صلاتهم ، وزكاتهم ، وصيامهم ، وحجّهم ـ ليُلزمهم الحجّة فى جميع ذلك . فقال رسول الله : يا ربّ ، إنّ قومى قريبو عهد بالجاهليّة ، وفيهم تنافس وفخر ، وما منهم رجل إلاّ وقد وتره وليّهم ، وإنّى أخاف ! ! فأنزل الله تعالي : ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ  ²  ; يريد فما بلّغتها


(١) كذا فى المصدر ، والظاهر زيادة "و لا يدرى" كما فى بحار الأنوار .
(٢) تفسير العيّاشى : ١ / ٣٣٤ / ١٥٥ عن أبى الجارود ، بحار الأنوار : ٣٧ / ١٤١ / ٣٥ .

 ٢٦٢ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / واقعة الغدير

تامّة ، ³ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ  ²  .

فلمّا ضمن الله له بالعصمة(١) وخوّفه أخذ بيد علىّ بن أبى طالب ، ثمّ قال : يا أيّها الناس ، من كنت مولاه فعلىّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه .

قال زياد : فقال عثمان : ما انصرفت إلي بلدى بشىء أحبّ إلىَّ من هذا الحديث(٢) .

٧٧٢ ـ الإمام الباقر  ¼ : لمّا نزل جبرئيل  ¼ علي رسول الله  ½ فى حجّة الوداع بإعلان أمر علىّ بن أبى طالب  ¼ : ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ  ²  إلي آخر الآية ـ قال : ـ فمكث النبىّ  ½ ثلاثاً حتي أتي الجحفة ، فلم يأخذ بيده ; فرَقاً(٣) من الناس .

فلمّا نزل الجحفة يوم الغدير فى مكان يقال له : مَهْيَعة ، فنادي(٤) : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس . فقال النبىّ  ½ : من أولي بكم من أنفسكم ؟ قال : فجهروا فقالوا : الله ورسوله . ثمّ قال لهم الثانية ، فقالوا : الله ورسوله . ثمّ قال لهم الثالثة ، فقالوا : الله ورسوله .

فأخذ بيد علىّ  ¼ ، فقال : من كنت مولاه فعلىّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ; فإنّه منّى ، وأنا منه ، وهو


(١) كذا ، وفى نسخة اُخري : "ضمن الله له العصمة" .
(٢) شواهد التنزيل : ١ / ٢٥٤ / ٢٤٨ ; تفسير العيّاشى : ١ / ٣٣٣ / ١٥٤ نحوه .
(٣) الفَرَق : الخوف (لسان العرب : ١٠ / ٣٠٤) .
(٤) كذا ، والظاهر أنّها "نادي" .

 ٢٦٣ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / واقعة الغدير

منّى بمنزلة هارون من موسي ، إلاّ أنّه لا نبىّ بعدى(١) .

٧٧٣ ـ مشكل الآثار عن عمر بن علىّ عن الإمام علىّ  ¼ : إنّ النبىّ  ½ حضر الشجرة بخمّ ، فخرج آخذاً بيد علىّ ، فقال : يا أيّها الناس ، أ لستم تشهدون أنّ الله ربّكم ؟ ! قالوا : بلي . قال : أ لستم تشهدون أنّ الله ورسوله أولي بكم من أنفسكم ، وأنّ الله ورسوله مولاكم ؟ ! ! قالوا : بلي . قال : من كنت مولاه فعلىّ مولاه . إنّى قد تركت فيكم ما إن أخذتم لن تضلّوا بعدى ; كتاب الله بأيديكم ، وأهل بيتى(٢) .

٧٧٤ ـ إثبات الوصيّة : لمّا صار [  ½ ] بوادى خُمّ نزل عليه الوحى فى أمير المؤمنين  ¼ آية العصمة من الناس ، وقد كان الأمر قبل ذلك يأتيه فيتوقّف ; انتظاراً لقول الله عزّ وجلّ : ³ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ  ²  .

فلمّا نزلت قام خطيباً ، فحمد الله وأثني عليه كثيراً ، ثمّ نصب أمير المؤمنين  ¼ علماً وقيّماً مقامه بعده . وكان من حديث غدير خُمّ ما رواه الناس ، ثمّ انصرف فى آخر ذى الحجّة(٣) .

٧٧٥ ـ بشارة المصطفي عن ابن عبّاس ـ فى قوله عزّ وجلّ : ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ  ²  ـ : نزلت فى علىّ  ¼ ; اُمر رسول الله  ½ أن يبلّغ فيه ، فأخذ النبىّ  ½ بيد علىّ  ¼ ، فقال : من كنت مولاه فعلىّ مولاه ، اللهمّ والِ من


(١) تفسير العيّاشى : ١ / ٣٣٢ / ١٥٣ عن سدير ، بحار الأنوار : ٣٧ / ١٣٩ / ٣٢ .
(٢) مشكل الآثار : ٢ / ٣٠٧ ، السنّة لابن أبى عاصم : ٥٩١ / ١٣٦١ وفيه إلي "فعلىّ مولاه " ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٢١٣ / ٨٦٩٣ نحوه ، كنز العمّال : ١٣ / ١٤٠ / ٣٦٤٤١ .
(٣) إثبات الوصيّة : ١٣٢ .

 ٢٦٤ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / واقعة الغدير

والاه ، وعادِ من عاداه(١) .

٧٧٦ ـ تفسير العيّاشى عن ابن عبّاس وجابر بن عبد الله : أمر الله تعالي نبيّه محمّداً  ½ أن ينصب عليّاً  ¼ علماً للناس ; ليخبرهم بولايته . فتخوّف رسول الله  ½ أن يقولوا : حامي ابن عمّه ، وأن يطغوا فى ذلك عليه . فأوحي الله إليه : ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ  ²  ، فقام رسول الله  ½ بولايته يوم غدير خمّ(٢) .

٧٧٧ ـ تفسير الفخر الرازى ـ فى ذيل قوله تعالي : ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ . . .  ²  ـ : ذكر المفسّرون فى سبب نزل الآية وجوهاً : . . . العاشر : نزلت الآية فى فضل علىّ بن أبى طالب  ¼ ، ولمّا نزلت هذه الآية أخذ [  ½ ] بيده وقال : من كنت مولاه فعلىّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه . فلقيه عمر فقال : هنيئاً لك يابن أبى طالب ; أصبحتَ مولاى ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة . وهو قول ابن عبّاس ، والبراء بن عازب ، ومحمّد بن علىّ(٣) .


(١) بشارة المصطفي : ٢٤٣ ، الأمالى للشجرى : ١ / ١٤٥ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٢١ ; شواهد التنزيل : ١ / ٢٥١ / ٢٤٥ .
(٢) تفسير العيّاشى : ١ / ٣٣١ / ١٥٢ .
(٣) تفسير الفخر الرازى : ١٢ / ٥٢ .

 ٢٦٥ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول آية التبليغ

³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ  ²  (١)

قصد رسول الله  ½ الحجّ فى العام العاشر من الهجرة . وقبل أن ينطلق تلقاء "الحرم الإلهى" أمر النبىّ  ½ أن يُخبروا الجميعَ بعزمه علي الحجّ ، فتطلّع المسلمون إلي البيت العتيق واجتمعوا للحجّ من كلّ فجّ عميق ، فاحتشد منهم جمع عظيم .

خطب النبىّ الأقدس  ½ الناس مرّات فى ذلك الموسم المهيب ، ثمّ راح فى خطبته الطويلة يوم "عرفة" يهاجم آخر بقايا الثقافة الجاهليّة ، وَيَلقى بما تبقّي من معاييرها فى قاع سحيق ، وهو يدعو الناس إلي الثبات علي الحقّ ، وبناء حياتهم وفق المعايير الإلهيّة وقِيَم السماء . كما أهاب بهم التمسّك بكتاب الله وسنّة العترة النبويّة المطهّرة .


(١) المائدة : ٦٧ .

 ٢٦٦ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول آية التبليغ

فى ذلك السفر عاد النبىّ  ½ يؤكّد ما سبق أن أعلنه للاُمّة فى ذلك العام بالكناية والتلميح تارة ، وبصراحة ووضوح تارة اُخري ، من أنّ هذه السنة التى يُمضيها بينهم هى آخر سنىّ عمره الشريف .

لهب متأجّج راح يسكن النفوس ، ولوعة متفجّعة راحت تتدافع فى الصدور لهذا النبأ المرتقب ، حملت المسلمين علي موج من التطلّع والشوق لنبيّهم ، والي أن يستفيدوا ويتعلّموا ويزدادوا من معلّمهم العظيم ما واتتهم الفرصة المتبقّية لذلك .

والنبىّ أيضاً هاجت به أشواقه ، وفاضَ به حماسه الطهور لهذا الحضور المتألّق بين أفواج المسلمين فى هذا الموكب المهيب ، وبانتظار تبليغ كلمة هى آخر كلمات السماء وأهمّها علي الإطلاق ، وإيصال رسالة هى الأكمل والأخطر .

حماس عارم من الاُمّة ، وترقّب نبوىّ يشوبه التوجّس لنبأ عظيم حانت لحظته أو كادت . هذا هو المشهد الذى انتهت إليه حجّة الوداع .

المسلمون يعودون بعد انتهاء الموسم ، يسلك كلّ فريق السبيل الذى يؤدّى به إلي أهله وسكناه ، لكن فى وادى غدير خمّ ، وقبل أن تفترق بهم الطريق إذا صوت السماء يقرع فؤاد النبىّ ، وإذا الوحى يأتيه من فوره ، ملقياً عليه الأمر بحزم : ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ  ²  .

التأمّل فى سياق الآية وما فيها من شدّة وتصميم علي الإبلاغ ، وما تنطوى عليه من تحذير جادّ ، كلّ ذلك لا يدع مجالاً للشكّ بأنّ الرسالة هى من الخطورة بمكان ، وإنّ عمليّة الإبلاغ تقترن بالتوجّس نظراً لمحتوي الرسالة وملابسات الموقف .

 ٢٦٧ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول آية التبليغ

فيا تُري ، ما هو الأمر الذى يتحتّم علي النبىّ  ½ أن يبادر إلي إبلاغه ؟ وما هى الرسالة التى يبعث إبلاغها فى نفس النبىّ  ½ كلّ هذه الخشية والتوجّس ، وهو الصلب الذى تحمّل ما تحمّل فى سبيل تبليغ كلمات الله ورسالاته ولم يبالِ ، وذو العزم الراسخ فى سبيل إعلان الحقّ وتوسيع مداه ، وهو الطود الشامخ الذى واجه الشرك وحده ؟

أطبقت كلمة أعلام الشيعة محدّثين ومفسّرين ومؤرّخين ومتكلّمين ـ ودون أدني شائبة تردّد ـ أنّ الآية مرتبطة بواقعة يوم "الغدير" ، وأنّ محتوي الرسالة وفحواها هو "الولاية" و"الإمامة العلويّة" .

ومن ثَمّ ذهبوا إلي أنّ الآية المباركة نزلت فى الثامن عشر من ذى الحجّة عام ١٠ هـ لتؤكّد ـ والمسلمون محتشدون من كلّ حدب وصوب ـ علي "الولاية العلويّه" للمرّة الأخيرة ، فى ظلّ أجواء أخّاذه مؤثّره تستعصى علي النسيان .

أمّا علماء أهل السنّة فقد تفرّقت بهم السبل ، فلم تتّفق كلمتهم بشأن زمن نزول الآية ، كما لم يتوحّدهم رأى بشأْن محتوي الأمر الذى يتحتّم علي النبىّ إبلاغه .

لقد رصد فخر الدين الرازى أغلب هذه الآراء ، وأنهاها إلي عشرة أقوال ، يتّفق القول الأخير منها مع رؤية الشيعة . لكن من اليسير أن نلحظ عدم استقامة ما ذكره ، وإن يبدو وجود مؤيّدات أحياناً فى كلمات الصحابة أو التابعين ذكرها غير الفخر الرازى فى كتبهم .

وقبل أن نطلّ علي بعض الرؤي التى اكتنفت الآية ، من الجدير أن نتناول مفهومها بشىء من البحث والتحليل ، عبر النقاط الآتية :

١ ـ قوله سبحانه : ³ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ  ²  .

 ٢٦٨ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول آية التبليغ

تنصّ الجملة إلي أنّ المعنىّ بالخطاب هو رسول الله  ½ ، وفيها دلالة علي أنّ محتوي الرسالة يرتبط به أكثر ، وقد اُمر بالإبلاغ ، لكن ثَمّ حالة من التوجّس والخيفة تمنعه من الإجهار . ولقد ذكر هذه الحقيقة جميع رواة الشيعة ، وأيّدتها بعض روايات العامّة(١) .

٢ ـ قوله : ³ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ  ²  .

تحتشد فى هذا الجزء من الآية دِلالات تفيد أنّ رسول الله  ½ كان عند نزول الآية قد انتهي من تبليغ الرسالة ، ووفي بحقّ هذا الدين ، وأنّ هذا النبىّ حمل إلي الناس كلمات الله وهدى السماء وتعاليمها ، ثم هو الآن فى مواجهة "أمر" بلغ من عظيم شأنه وجلال خطره ، أنّه إذا لم يُعلنه تصير "الرسالة" بأتمّها عرضة للضياع ، حتي لكأنّه ما بلّغ من "الرسالة" شيئاً .

هذا بدوره يُثبت صحّة الروايات التى ذهبت إلي أنّ نزول الآية جاءَ فى سياق سورة "المائدة" ، ومن جملة آخر الآيات المدنيّة ، لا أنّها مستثناة منها ، وأنّها نزلت فى مكّة !

٣ ـ قوله : ³ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ  ²  .

ما الذى يخشاه النبىّ ؟ القتل ؟ ! الأذي والتعذيب ؟ ! أم اهتياج المشركين واليهود وتفجّر سخطهم ؟ !

هذه سيرة رسول الله  ½ تفصح بأنّ هذا العظيم لم يعرف الخوف إلي قلبه طريقاً قط عندما يتعلّق الأمر به .

ثمّ اسمعوا وحى السماء ; لتروا كيف تصف صلابة رُسُل الله ، وشموخ حمله


(١) شواهد التنزيل : ١ / ٢٥٤ / ٢٤٨ . وانظر أيضاً : القرآن والغدير .

 ٢٦٩ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول آية التبليغ

الرسالات وثباتهم : ³ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا  ²  (١) ! أ وَبعد هذا ، يجوز أن يُنعت رسول الله  ½ بالخوف من البطش والأذي ، أو الرهبة مِن القتل والتعذيب ، وهو أفضل الرسل الكرام ، وخاتم النبيّين ، والحلقة الأخيرة فى موكب حملة الحقّ ورسالات السماء !

هى إذاً خشيةٌ ، بيد أنّها من "لون" آخر ، فما كان يخشاه النبىّ هو أن لا يؤتى "البلاغ" ثماره المرجوّة ، وما كان يبعث علي توجّسه هو طبيعة الجوّ الذى يمنع من نفاذ كلمة الحقّ ، ويردع عن أن يؤتى "البلاغ" آثاره المطلوبة . هذا ما كان يخشاه النبىّ ويبعث فى نفسه التوجّس لا غير .

٤ ـ قوله : ³ مِنَ النَّاسِ  ² 

"الناس" هو لفظ مطلق بلا شكّ ، والنصّ يتضمّن حفظ الله سبحانه وحراسته للنبىّ  ½ ; حفظه من أحابيل اُولئك الذين ستنطلق جهودهم وهى تهدف الحؤول دون وصول "البلاغ" الي الناس ، ومِن ثمَّ إفشال مهمّته .

فعلي هذا يتّضح أنّ المراد من "الكفر" فى قوله : ³ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ  ²  هو الكفر ببعض الآيات الربّانيّة ، والمقصود من "عدم الهداية" فى قوله سبحانه : ³ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي  ²  هو عدم نجاح خديعة هؤلاء ، وفشل ما أبرموه للنَّيل من رسول الله  ½ فى إبلاغ "ما اُنزل" .

وإلاّ لو كان المراد من "عدم الهداية" عدم الهداية إلي الإيمان ، لتعارض ذلك مع أصل التبليغ ومهمّة الإبلاغ ، ولم يتّسق مع فلسفة الدعوة والهداية بالأساس ، حتي لكأنّ الله سبحانه يقول : ادعو هؤلاء الي حكم الله ، بيد أنّنى لن أهديهم !


(١) الأحزاب : ٣٩ .

 ٢٧٠ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول آية التبليغ

وهكذا يتّضح ـ بلا أدني شائبة ـ أنّ المراد فى مدلول هذا الجزء من الآية أنّ جهود هؤلاء فى إطفاء هذا النور ستصاب بالخيبة ، وستبوء جهودهم للطعن بالنبىّ بالضلالة والخسران ، وتذهب مساعيهم لإفشال هذا "البلاغ" أدراجَ الرياح ، ولن يحصدوا من رمى النبىّ  ½ بتهمة الانحياز إلي بيته وقرابته القريبة إلاّ الذلّة والصغار .

فالمقصود إذاً : ستسقط كلّ اُمنيات هؤلاء للحؤول دون الإجهار بهذا البلاغ ، وتصير كهشيم تذروه ريح عاتية .

تحوى هذه الآية من النقاط والعظات المضيئة أكثر بكثير ممّا سطّرته هذه الكلمات . لكن مع ذلك فإنّ ما أوردناه فى نقل الرؤي يهدف إلي تشييد معالم المشهد التاريخى للواقعة ، وتجسيد أجواء النزول ، أكثر ممّا يهدف إلي تبيين معني الآية .

أمّا الآن فنمرّ علي بعض الأقوال فى الآية من خلال المحورين التاليين :

١ ـ نزول الآية أوّل البعثة ، والخشية من إبلاغ الدين !

يبدو أنّ أوّل من ذهب الي ذلك ـ وان لم يقطع به ـ هو محمّد بن إدريس الشافعى ، فعلي أساس ما ذكره ، أنّ النبىّ  ½ بعد أن أتاه الوحى ونزلت عليه :

³ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ  ²  ، كبر ذلك عليه ، وخاف التكذيب وأن يُتناول من قبل المشركين ، فنزل عليه ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ  ²  ، وقد كان ذلك عصمة له من قِبَل الله سبحانه كى يمضى علي تبليغ ما اُمر به بثبات ودون خوف(١) .

علي أساس هذه الرؤية روى عن الحسن البصرى قوله : إنّ رسول الله  ½ قال :


(١) الاُمّ : ٤ / ١٦٨ ، والنصّ طويل وقد أخذنا منه مورد الحاجة .

 ٢٧١ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول آية التبليغ

"لمّا بعثنى الله تعالي برسالته ضِقتُ بها ذرعاً ، وعرفت أنّ من الناس من يكذّبنى"(١) فأمسك عن الدعوة حتي نزلت عليه الآية .

ذكرنا فيما سلف أنّ سورة المائدة هى من بين آخر السور التى نزلت علي النبىّ  ½ إن لم تكن آخرها(٢) . فما الذى كان يريده الله سبحانه من قوله : ³ بَلِّغَْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ  ²  ، ولم ينزل علي النبىّ  ½ شىء بعدُ ؟ وما الذى كان يخشاه رسول الله  ½ ويمنعه عن الإبلاغ ولمّا يواجهِ المشركون بعدُ آيةً أو آيات من تلك التى تقضّ مضاجعهم ، وتبعث فيهم النقمة والاهتياج !

إنّ هذا الذى يزعمونه لا يليق بمُبلِّغ عادىّ ، وهو ليس خليق بإنسان متوسّط الحال لا يزال فى أوّل الطريق ، أ فيجوز علي رسول الله  ½ وذلك القلب المجدول إلي السماء ، الموصول بالله أبداً ؟ وهل يتّسق مع خطاه الراسخة وتلك الارادة الصلبة التى لا تعرف الوهن !

أمّا ما ذكروه من أنّ الباعث علي نزول الآية هو ما كان من حراسة أبى طالب عمّ النبىّ لرسول الله  ½ ; إذ بنزول الآية طلب النبىّ إليه أن يكفّ عن الحراسة بعد أن وعد الله سبحانه بعصمته وحمايته(٣) ; فإنّ فيه بالإضافة إلي ما تمّت الإشارة إليه فى نقد الرؤية الاُولي ، أنّه يتعارض مع الواقع التاريخى الصادق . فهذا الواقع خير دليل علي أنّ رسول الله  ½ ظلّ يحظي بالحراسة سنوات خاصّةً فى المدينة ، وليس ثمة شاهد أقوي علي ذلك من وجود "اُسطوانة الحرس" .

٢ ـ إخفاء بعض القرآن خوفاً من المشركين !


(١) اسباب النزول للواحدى : ٢٠٤ / ٤٠٢ ; الدرّ المنثور : ٣ / ١١٦ نحوه .
(٢) تفسير ابن كثير : ٣ / ٣ ; التحرير والتنوير : ٤ / ٢٥٥ .
(٣) الدرّ المنثور : ٣ / ١١٨ ; المعجم الكبير : ١١ / ٢٠٥ / ١١٦٦٣ .

 ٢٧٢ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول آية التبليغ

ذكروا أنّ رسول الله  ½ كان أيّام اقامته بمكّة يجاهر ببعض القرآن ، ويُخفى بعضه إشفاقاً علي نفسه من أذي المشركين أو اليهود ، وخوفاً ممّا يمكن أن يوقعوه به !

وممّا يبعث علي الأسف أن يلتزم بعض الناس أحياناً بأقوال واهية وبآراء لا تليق كهذه . أ فيجوز مثل هذا الظنّ علي رسول الله  ½ ؟ ثمّ هذه حياته التى تتفجّر بالحيويّة والحركة ، وهذه سيرته كلّها مضاء وحزم وصِدام مع مظاهر الشرك والجاهليّة ، فهل تجتمع هى وهذا الظنّ الواهى ؟ وهل تستحقّ حياة نبىّ الله هذه الكلمات ؟ !

إنّ ما تضمّه تفاسير أهل السنّة ومجاميعها الروائيّة من أقوال ورؤي حيال الآية ، لا يتعدّي ذلك الرصد الذى قدّمه الفخر الرازى للأقوال فى المسألة ، وَحين نتفحّص بقيّة الأقوال التى أحصاها الرازى فهى أضعف وأكثر وهناً من الرأى الذي عرضناه قبل قليل .

أمّا آخر الأقوال فقد ذكره الفخر الرازى علي النحو الآتى : "نزلت الآية فى فضل علىّ بن أبى طالب  ¼ ، ولمّا نزلت هذه الآية أخذه بيده ، وقال : من كنت مولاه فعلىّ مولاه ، اللهمّ والِ من ولاه ، وعادِ من عاداه فلقيه عمر فقال : هنيئاً يا بن أبى طالب ! أصبحت مولاى ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة ، وهو قول ابن عبّاس والبراء بن عازب ومحمّد بن علىّ"(١) .

ثم انعطف الفخر الرازى ليقول : "و اعلم أنّ هذه الروايات وإن كثرت إلاّ أنّ الأولي حمله علي أنّه تعالي آمنه من مكر اليهود والنصاري ، وأمَره بإظهار التبليغ


(١) تفسير الفخر الرازى : ١٢ / ٥٣ .

 ٢٧٣ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول آية التبليغ

من غير مبالاة منه بهم"(١) .

إنّ ما صرّح به الفخر الرازى من أنّ الروايات فى هذا القول ـ الأخير ـ كثيرة ، لهو أمر ثابت وصحيح . بَيد أنّ الذى يبعث علي الدهشة هو حال اُولئك المفسّرين والمحدّثين والمتكلّمين الذين لا ينصاعون إلي كلّ هذا الحشد من الروايات ، ولا يُذعنون إليه ، بل يجنحون إلي معاذير وتفسيرات لا تلتئم والواقع التاريخى ، ولا تنسجم مع شخصيّة رسول الله  ½ ، أو تتواءم مع سيرته الوضيئة ، وتتوافق مع خطاه الراسخة فى إبلاغ الحقّ .

نزول الآية فى واقعة الغدير لإبلاغ الولاية

يتّضح ممّا سلف ; واستناداً إلي الروايات والأخبار الكثيرة التى أوردنا نصوصها ، أنّ آية الإبلاغ نزلت فى غدير خمّ للثامن عشر من ذى الحجّة عام ١٠ هـ ، عطفاً علي ما كان قد صرّح به النبىّ وذكره مرّات ، وتأكيداً لما كان نزل علي رسول الله  ½ من الوحى القرآنى والبيانى أكثر من مرّة .

علي أنّ من الحرىّ أن نؤكّد أنّ قوله سبحانه : ³ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ  ²  يشمل كلّ ما هبط علي النبىّ  ½ فى هذا المجال ، علي امتداد سنىّ الرسالة ، سواء أ كان وحياً قرآنيّاً أم وحياً بيانيّاً ، وذلك فى مختلف المواضع والمناسبات ، وعلي صعيد كافّة التجمّعات ممّا قلّ منها أو كثُر .

والآن هذا هو النبىّ أمام صفوف متراصّة من المسلمين تبلغ عشرات الاُلوف قد قصدوا مكّة حجّاجاً من حواضر العالم الإسلامى وبواديه ، وأمّوا البيت العتيق من كلّ فجٍّ عميق . وإذا صوت الوحى يأتى النبىّ من فوره ، يأمره وهو فى السنة


(١) تفسير الفخر الرازى : ١٢ / ٥٣ .

 ٢٧٤ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول آية التبليغ

الأخيرة من عمره الشريف وفى حجّة الوداع ، أن يصدع بالولاية العلويّة ، ويُعلن علي الجميع إمامة علىّ بن أبى طالب ، بصراحة تامّة ، ودقّة متناهية لا تحتمل أدني شائبة من تأويل ، ولا تُطيق أىّ عذر أو تسويغ مهما كان .

يتوجّس النبىّ من الأمر ويخشاه ، بيد أنّ خشيته لا علي نفسه وهو الذى حمل روحه علي كفّه وبذلها فى سبيل الحقّ منذ أيّام الدعوة الاُولي ، فقهر الصعاب وجعل المستحيل ذلولاً .

يتوجّس ، لكن لا من المشركين وقد كسر شوكتهم ، وصاروا علي يديه فلولاً يائسة منهوكة .

يخاف ، لكن أيضاً لامن اليهود والنصاري وقد لاذوا أمام عظمة المسلمين وجلال إهابهم ، بصمت ذليل .

إنّما الذى يخشاه رسول الله  ½ ويتوجّس منه لهو "داخل اُمّته" وما يريبه هو هذا "النفاق" الكامن الذى أخذ موقعه بين بعض المسلمين ، وما يخشاه هو هذه الشكوك التى يبثّها النفر الذين تظاهروا بالإسلام ، وهم فى ريب من أصل الرسالة ، وما يخاف منه هو هذه التُّهَم التى تهجم علي الكلام النبوى ، لترمى رسول الله  ½ بالفئويّة الاُسريّة الضيّقة ، ومحاباة قرابته القريبة ، وتتّهمه بتحميل أهله علي الناس !

ممّا تكشف عنه لغة الآية والروايات ـ التى مرّت نصوصها فيما مضي ـ أيضاً أنّ أمين الوحى جبرائيل  ¼ كان قد حمل فى الأيّام الأخيرة عن الله سبحانه ، إلي أمين الرسالة  ½ أهميّة هذا الإبلاغ ، وأكّد علي ضرورته مرّات ، وأنّ رسول الله  ½ تحدّث عن توجّسه وخيفته ; وها هو الآن البلاغ الأخير يقرع فؤاده : ³ يَا أَيُّهَا

 ٢٧٥ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول آية التبليغ

الرَّسُولُ بَلِّغْ  ²  (١) .

يذهب العلاّمة الجليل الشيخ عبد الحسين الأمينى ـ استناداً إلي ثلاثين مصدراً يذكرها من مصادر أهل السنّة ـ إلي أنّ هذه الآية الكريمة نزلت فى يوم الغدير تأكيداً لوجوب الإجهار بولاية الإمام علىّ بن أبى طالب  ¼ . كما يذكر أنّ المراد من قوله : ³ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ  ²  هو ليس كّل "ما اُنزل إليك" كما ظنّ بعضٌ ذلك أو سعي لإقناع الآخرين به ، بل المقصود هو بعض "ما اُنزل إليك" ، وهذا البعض ليس سوي ولاية علىّ بن أبى طالب .

وإلاّ هل يمكن إبلاغ جميع ما اُنزل فى تلك البرهة ؟ ثمّ أىّ مصداق آخر يُثير كلّ هذه الخيفة والتوجّس غير ولاية الإمام أمير المؤمنين ؟ إنّ هذا هو الواقع الذى يكشف عنه المشهد التاريخى الحقيقى ولا غير .

فيا ليت العيون تُبصر المشهد علي حقيقته ، ويا ليت الآذان تُصغى إلي النداء كما ينبغى !

³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ  ²  .

مخاطبة رسول الله  ½ بعنوان الرسالة هو الخطاب الخليق بصفة التبليغ .

إيه يا نبىّ الله ! هل تتوجّس ؟ تُساورك الخشية ، وتنتابك الخِيفة ؟ لكن أىّ شىء هو شأنك غير البلاغ والدعوة ؟ وهل لك مسؤوليّة اُخري غير أن تصدع


(١) نظراً لما كان يحظي به هذا البلاغ من أهمّية خطيرة ، وما كان له من دور مصيرى عظيم ، فقد اُطلق علي هذه الحجّة "حجّة البلاغ" . ما أروعه من اسم يستوطن النفس ويحفّز الذاكرة ، لكن وا أسفاه للمؤرّخين الذين مالوا إلي محو هذا الاسم المعبّر الأخّاذ عن الذاكرة ! يكتب ابن إسحاق فى هذا السياق : "فكانت حجّة البلاغ ، وحجّة الوداع ، وذلك أنّ رسول الله  ½ لم يحجّ بعدها" (سيرة ابن هشام : ٤ / ٢٥٣) .

 ٢٧٦ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول آية التبليغ

بكلمات الله وتجهر بها ؟ فادعُ ـ إذاً ـ واصدع وبلّغ ، إنّما بدقّة متناهية ، وبصيغة مؤثّرة وثابتة ³ وَمَا عَلَي الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ  ²  .

³ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ  ²  .

تُري ما الذى ³ أُنزِلَ إِلَيْكَ  ²  ؟ ولماذا لم يُصرّح به ؟ إنّما كان ذلك كى يكشف عن الموقع الرفيع الذى يحظي به الأمر . وجاء بهذه الصيغة إجلالاً وتعظيماً لذلك الأمر ، ولكى يُشير إلي أنّه ليس لرسول الله  ½ من الأمر شىء ، ولا له فيه إرادة واختيار ، بل مهمّته الإبلاغ وحسب .

من جهة اُخري تنمّ هذه الصيغة عن صحّة فراسة النبىّ لما كان يرتقبه من ردود فعل متوجّسة تصدر عن القوم ، ممّا جعل الله سبحانه يدع الأمر فى هالة من الغموض والإبهام ، ما برحت تُلقى ظلالها علي الموقف حتي تحين لحظة البلاغ ، وينطق النبىّ بكلمة السماء .

³ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ  ²  .

يُحار الإنسان لاُولئك الذين جنحوا فى تفسير الآية إلي كلام آخر ، وحين راموا الصدود عن "الحقيقة" سلكوا طريقاً واهياً لا يأوى إلي قرار !

تُري كيف يفسّرون هذه الجزء من الآية ؟ وما هو المعني الذى يسوقونه إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما تُصرّح به بعض التعاليم الإلهيّة من النهى عن الكتمان ؟

تُري ما الذى يؤدّى كتمانه وعدم إظهاره والتأكيد عليه ، ممّا نزل علي رسول الله  ½ ، إلي بلوغ حالة يصير فيها بنيان الرسالة فى مهبّ الريح وكأنّها لم تُبلّغ !

وأىّ أمر هذا الذى إذا غاب عن الأذهان ، واستطاع أعداء الرسالة وأْده والقضاء عليه فى واقع المجتمع ; يتقوّض أساس هذا الدين ، وكأنّه لم يكن !

 ٢٧٧ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / بحث حول آية التبليغ

إنّ هذه الكلمة العجيبة المدهشة لتومئ من جهة إلي ما يحظي به هذا البلاغ من شأْو عظيم ، كما تؤشّر من جهة اُخري إلي حقيقة تُفيد أنّه ليس ثمّة خيار أمام رسول الله  ½ إلاّ تبليغ هذه الرسالة ، حيث أنذره ربّه ـ إن هو لم يبلّغ ـ بتلاشى جميع الجهود ، وضياع كلّ تلك الآلام والمشاقّ التى طوتها الأعوام الثلاث والعشرون من عمر الرسالة ، واضمحلال ما أنفق فيها من جهد وجهاد .

³ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ  ²  .

فى عين الله حراستك ، وأنت فى حفظه وحماه . كأنّك ـ يا رسول الله ـ تتوجّس خيفة من الأمر ، وتخشي ردود فعل تلك النفوس المظلمة ، وتتهيّب هياجها وما تُثيره من شحناء . لكن اعلم أنّ الله علي كلّ شىء قدير .

سيزول مكرهم جميعاً ، ويغدو كهشيم تذروه الرياح ، ويتلاشي كيد الناس ، جميع ³ النَّاسِ  ²  !

إنّ الله سبحانه ليؤكّد فى هذا الجزء مجدّداً علي عظمة البلاغ ، كما يُشير اُخري إلي ذوى الريبة والنفوس المدلهمّة . لكن مَن هم هؤلاء ؟

لم يُفصح النصّ عن شىء ، بل مضي يوعِد بزوال جميع ضروب المكر ، وسقوط كلّ أحابيل الشيطان ، وتلاشى المكائد جميعاً ، من أىّ إنسان كان !

إنّ كلّ كلمة فى الآية لتُسفِر عن عظمة هذا البلاغ وسموّه ، وهى تُومئ أيضاً إلي مخاوف وهواجس ، وإلي نفوس اُناس موبوءة بالإحن والشحناء ، مملوءة بالضغينة والغضب !

فيا ليت اُولئك المفسّرين والباحثين القرآنيّين الذين جنحوا إلي أقوال اُخَر يبصرون بتأمّل : أىّ شىء من ³ مَا أُنزِلَ  ²  يثير إبلاغه كلّ هذه الخشية

 ٢٧٨ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / إكمال الدين

والهواجس ؟ حتي إذا ما ظهر إلي الناس أثار الحنق والغضب ، وجرّ اُناساً إلي مواجهات ومواقف ؟

ثمّ لهم أن يتأمّلوا فى حقيقة التاريخ الإسلامى وواقعه الصادق ، ليُبصروا ما الذى أثار الإحَن والفتن ؟ وأىّ شىء أحدث كلّ هذا الهياج ؟ !

١٠ / ٢

إكمال الدين

³ الْيَوْمَ يَـئـِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِِْْسْلامَ دِينًا  ²  (١) .

٧٧٨ ـ تاريخ دمشق عن أبى سعيد الخدرى : لمّا نصب رسول الله  ½ عليّاً بغدير خمّ فنادي له بالولاية ، هبط جبريل  ¼ عليه بهذه الآية : ³ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِِْْسْلامَ دِينًا  ²  (٢) .

٧٧٩ ـ الدرّ المنثور عن أبى هريرة : لمّا كان يوم غدير خُمّ ـ وهو يوم ثمانية(٣) عشر من ذى الحجّة ـ قال النبىّ  ½ : من كنت مولاه فعلىّ مولاه . فأنزل الله : ³ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ  ²  (٤) .

٧٨٠ ـ تاريخ بغداد عن أبى هريرة : من صام يوم ثمانية(٥) عشر من ذى الحجّة


(١) المائدة : ٣ .
(٢) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٢٣٧ ، الدرّ المنثور : ٣ / ١٩ .
(٣) فى المصدر : "ثمانى" والصحيح ما أثبتناه .
(٤) الدرّ المنثور : ٣ / ١٩ نقلاً عن ابن مردويه والخطيب وابن عساكر ، تذكرة الخواصّ : ٣٠ وفيه من "من كنت مولاه . . ." .
(٥) فى المصدر : "ثمان عشرة" ، والصحيح ما أثبتناه كما فى تاريخ دمشق .

 ٢٧٩ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / إكمال الدين

كتب له صيام ستّين شهراً ، وهو يوم غدير خمّ ; لمّا أخذ النبىّ  ½ بيد علىّ بن أبى طالب فقال : أ لست ولىّ المؤمنين ؟ ! قالوا : بلي يا رسول الله ! قال : من كنت مولاه فعلىّ مولاه . فقال عمر بن الخطّاب : بخ بخ لك يابن أبى طالب ; أصبحتَ مولاى ومولي كلّ مسلم ، فأنزل الله : ³ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ  ²  (١) .

٧٨١ ـ الإمام علىّ  ¼ : إنّ بولايتى أكمل الله لهذه الاُمّة دينهم ، وأتمّ عليهم النَّعَم ، ورضى إسلامهم ; إذ يقول يوم الولاية لمحمّد  ½ : يا محمّد ، أخبرهم أنّى أكملتُ لهم اليوم دينَهم ، ورضيتُ لهم الإسلام ديناً ، وأتممتُ عليهم نعمتى ، كلّ ذلك مَنّ مِن الله علىَّ ; فله الحمد(٢) .

٧٨٢ ـ عنه  ¼ : سمعت رسول الله  ½ يقول : بُنى الإسلام علي خمس خصال : علي الشهادتين ، والقرينتين ـ قيل له : أمّا الشهادتان فقد عرفناهما ، فما القرينتان ؟ ! قال : الصلاة والزكاة ; فإنّه لا يقبل إحداهما(٣) إلاّ بالاُخري ـ والصيام ، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ، وختم ذلك بالولاية ، فأنزل الله


(١) تاريخ بغداد : ٨ / ٢٩٠ / ٤٣٩٢ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٢٣٣ وص ٢٣٤ / ٨٧٣٩ وفيه "مولي" بدل "ولى" ، البداية والنهاية : ٧ / ٣٥٠ ، المناقب لابن المغازلى : ١٩ / ٢٤ وفيه "أ لست أولي بالمؤمنين من أنفسهم"بدل "أ لست ولىّ المؤمنين" ، شواهد التنزيل : ١ / ٢٠٠ / ٢١٠ نحوه إلي "يا بن أبى طالب" ، فرائد السمطين : ١ / ٧٧ / ٤٤ ، المناقب للخوارزمى : ١٥٦ / ١٨٤ كلاهما نحوه وفيهما إلي "مولي سحلّ مسلم" ; الأمالى للصدوق : ٥٠ / ٢ ، روضة الواعظين : ٣٨٤ وفيهما "أولي بالمؤمنين" بدل "ولىّ المؤمنين" ، الأمالى للشجرى : ١ / ٤٢ وص ٢٥٩ .
(٢) الخصال : ٤١٥ / ٤ عن يزداد بن إبراهيم عمّن حدّثه من أصحابنا ، الأمالى للطوسى : ٢٠٥ / ٣٥١ عن المفضّل بن عمر ، بصائر الدرجات : ٢٠١ / ٤ عن يزدان بن إبراهيم عمّن حدّثه من أصحابه وكلّها عن الإمام الصادق  ¼ .
(٣) فى المصدر : "أحدهما" وهو تصحيف .

 ٢٨٠ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / إكمال الدين

عزّ وجلّ : ³ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِِْْسْلامَ دِينًا  ²  (١) .

٧٨٣ ـ عنه  ¼ : إنّ الله تبارك اسمه امتحن بى عباده ، وقتل بيدى أضداده ، وأفني بسيفى جحّاده ، وجعلنى زلفةً للمؤمنين ، وحياض موت علي الجبّارين ، وسيفه علي المجرمين ، وشدّ بى أزر رسوله ، وأكرمنى بنصره ، وشرّفنى بعلمه ، وحبانى بأحكامه ، واختصّنى بوصيّته ، واصطفانى بخلافته فى اُمّته .

فقال  ½ وقد حشده المهاجرون والأنصار وانغصّت بهم المحافل : أيّها الناس! إنّ عليّاً منّى كهارون من موسي إلاّ أنّه لا نبىّ بعدى . فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول إذ عرفونى أنّى لست بأخيه لأبيه واُمّه كما كان هارون أخا موسي لأبيه واُمّه ، ولا كنت نبيّاً فاقتضي نبوّة ، ولكن كان ذلك منه استخلافاً لى كما استخلف موسي هارون    ¤ حيث يقول : ³ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ  ²  (٢).

وقوله  ½ حين تكلّمت طائفة فقالت : نحن موالى رسول الله  ½ ، فخرج رسول الله  ½ إلي حجّة الوداع ثمّ صار إلي غدير خمّ ، فأمر فأصلح له شبه المنبر ، ثمّ علاه وأخذ بعضدى حتي رُئى بياض إبطيه ، رافعاً صوته قائلاً فى محفله : من كنتُ مولاه فعلىّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه . فكانت علي ولايتى ولاية الله وعلي عداوتى عداوة الله .

وأنزل الله عزّ وجلّ فى ذلك اليوم ³ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ


(١) الأمالى للطوسى : ٥١٨ / ١١٣٤ عن المجاشعى عن الإمام الرضا عن آبائه (ع) وعن محمّد بن جعفر عن أبيه الإمام الصادق عن آبائه (ع) ، بحار الأنوار : ٦٨ / ٣٧٩ / ٢٩ .
(٢) الأعراف : ١٤٢ .

 ٢٨١ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / إكمال الدين

نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِِْْسْلامَ دِينًا  ²  (١) فكانت ولايتى كمال الدين ورضا الربّ جلّ ذكره ، وأنزل الله تبارك وتعالي اختصاصا لى وتكرّماً(٢).

٧٨٤ ـ الإمام الباقر  ¼ ـ فى قوله : ³ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ  ²  ـ : نزلت فى علىّ بن أبى طالب  ¼ خاصّة ، دون الناس(٣) .

٧٨٥ ـ علل الشرائع عن إسحاق بن إسماعيل النيسابورى : أنّ العالم ـ يعنى الحسن بن علىّ    ¤ ـ كتب إليه : إنّ الله تعالي ـ بمنّه ورحمته ـ لمّا فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه ، بل رحمةً منه إليكم ، لا إله إلاّ هو ; ليميز الخبيث من الطيّب ، وليبتلى ما فى صدوركم ، وليمحّص ما فى قلوبكم ، ولتتسابقوا إلي رحمته ، ولتتفاضل منازلكم فى جنّته . ففرض(٤) عليكم الحجّ والعمرة ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والصوم ، والولاية .

وجعل لكم باباً لتفتحوا به أبواب الفرائض ، ومفتاحاً إلي سبيله . ولولا محمّد  ½ والأوصياء من ولده كنتم حياري كالبهائم ; لا تعرفون فرضاً من الفرائض ، وهل تدخل قرية إلاّ من بابها ! !

فلمّا منّ الله عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّكم  ½ ، قال الله عزّ وجلّ : ³ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِِْْسْلامَ دِينًا  ²  وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً ، فأمركم بأدائها إليهم(٥) .


(١) المائدة : ٣ .
(٢) الكافى : ٨ / ٢٦ / ٤ عن جابر بن يزيد عن الإمام الباقر  ¼ .
(٣) تفسير فرات : ١١٩ / ١٢٤ عن يقطين الجواليقى عن الإمام الصادق  ¼ .
(٤) فى المصدر : "ففوض" وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه كما فى بقيّة المصادر .
(٥) علل الشرائع : ٢٤٩ / ٦ ، تحف العقول : ٤٨٥ ، الأمالى للطوسى : ٦٥٥ / ١٣٥٥ ، رجال الكشّى : ٢ / ٨٤٥ / ١٠٨٨ .

 ٢٨٢ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / إكمال الدين

٧٨٦ ـ تاريخ اليعقوبى : قد قيل إنّ آخر ما نزل عليه [النبىّ  ½ ] : ³ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِِْْسْلامَ دِينًا  ²  ، وهى الرواية الصحيحة الثابتة الصريحة . وكان نزولها يوم النصّ علي أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب صلوات الله عليه بغدير خُمّ(١) .


(١) تاريخ اليعقوبى (طبعة النجف الأشرف ـ مطبعة الغري) : ٢ / ٣٢ ، وفى الطبعة المعتمدة (٢ / ٤٣) ما لفظه "و كان نزولها يوم النفر علي أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب صلوات الله عليه ، بعد ترحّم" وهو تحريف .