الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الثاني

 

 

 ٣٤٧ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

١٠ / ١٦

زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

٨٩٦ ـ تهذيب الأحكام عن أحمد بن محمّد بن أبى نصر : كنّا عند الرضا  ¼ والمجلس غاصّ بأهله ، فتذاكروا يوم الغدير ، فأنكره بعض الناس ، فقال الرضا  ¼ : حدّثنى أبى عن أبيه  ¼ قال :

إنّ يوم الغدير فى السماء أشهر منه فى الأرض ، إنّ لله فى الفردوس الأعلي قصراً لبنة من فضّة ولبنة من ذهب ، فيه مائة ألف قبّة من ياقوتة حمراء ، ومائة ألف خيمة من ياقوت أخضر ، ترابه المسك والعنبر ، فيه أربعة أنهار : نهر من خمر ، ونهر من ماء ، ونهر من لبن ، ونهر من عسل ، وحواليه أشجار جميع الفواكه ، عليه طيور أبدانها من لؤلؤ وأجنحتها من ياقوت تصوّت بألوان الأصوات ، إذا كان يوم الغدير ورد إلي ذلك القصر أهل السماوات يسبّحون الله ويقدّسونه ويهلّلونه ، فتطايرُ تلك الطيور فتقع فى ذلك الماء وتتمرّغ علي ذلك المسك والعنبر ، فإذا اجتمعت الملائكة طارت ، فتنفض ذلك عليهم ، وإنّهم فى ذلك اليوم ليتهادون نثار فاطمة    £ ، فإذا كان آخر ذلك اليوم نودوا : انصرفوا إلي مراتبكم فقد أمنتم من الخطأ والزلل إلي قابل فى مثل هذا اليوم تكرمة لمحمّد  ½ وعلىّ  ¼ .

ثمّ قال : يابن أبى نصر ، أينما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين  ¼ ; فإنّ الله يغفر لكلّ مؤمن ومؤمنة ، ومسلم ومسلمة ذنوب ستّين سنة ، ويعتق من النار ضعف ما أعتق فى شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر ، والدرهم فيه بألف درهم لإخوانك العارفين ، فأفضِل علي إخوانك فى هذا اليوم وسرّ فيه كلّ مؤمن ومؤمنة .

 

 ٣٤٨ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

ثمّ قال : يا أهل الكوفة ! لقد اُعطيتم خيراً كثيراً ، وإنّكم لممّن امتحن الله قلبه للإيمان ، مستقلّون مقهورون ممتحَنون يصبّ عليكم البلاء صبّاً ، ثمّ يكشفه كاشف الكرب العظيم ، والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة فى كلّ يوم عشر مرّات ، ولولا أنّى أكره التطويل لذكرت من فضل هذا اليوم وما أعطي الله فيه من عرفه ما لا يحصي بعدد(١) .

٨٩٧ ـ الإمام الصادق  ¼ : إذا كنت فى يوم الغدير فى مشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه فادنُ من قبره بعد الصلاة والدعاء ، وإن كنت فى بُعد منه فأومِ إليه بعد الصلاة وهذا الدعاء :

اللهمّ صلّ علي وليّك ، وأخى نبيّك ، ووزيره ، وحبيبه ، وخليله ، وموضع سرّه ، وخيرته من اُسرته ، ووصيّه وصفوته وخالصته وأمينه ووليّه وأشرف عترته ; الذين آمنوا به ، وأبى ذريّته ، وباب حكمته ، والناطق بحجّته ، والداعى إلي شريعته ، والماضى علي سنّته ، وخليفته علي اُمّته ، سيّد المسلمين(٢) وأمير المؤمنين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، أفضل ما صلّيت علي أحد من خلقك وأصفيائك وأوصياء أنبيائك .

اللهمّ إنّى أشهد أنّه قد بلّغ عن نبيّك ما حُمّل ، ورعي ما استُحفظ ، وحفظ ما استودع ، وحلّل حلالك ، وحرّم حرامك ، وأقام أحكامك ، ودعا إلي سبيلك ، ووالي أولياءك ، وعادي أعداءك ، وجاهد الناكثين عن سبيلك ، والقاسطين


(١) تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٤ / ٥٢ ، الإقبال : ٢ / ٢٦٨ ، مصباح الزائر : ١٥٣ وفيه من "يابن أبى نصر ، أينما كنت . . ." ، بحار الأنوار : ١٠٠ / ٣٥٨ / ٢ .
(٢) فى المصدر : "المرسلين" ، وما أثبتناه من بحار الأنوار .


 ٣٤٩ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

والمارقين عن أمرك ، صابراً محتسباً ، [ مقبلا](١) غير مدبر ، لا تأخذه فى الله لومة لائم ، حتي بلغ فى ذلك الرضاء[و](٢) وسلّم إليك القضاء ، وعبدك مخلصاً ، ونصح لك مجتهداً ، حتي أتاه اليقين ، فقبضته إليك شهيداً سعيداً ، وليّاً تقيّاً ، رضيّاً زكيّاً ، هادياً مهديّاً ، اللهمّ صلّ علي محمّد وعليه ، أفضل ما صلّيت علي أحد من أنبيائك وأصفيائك ، يا ربّ العالمين(٣) .

٨٩٨ ـ الإمام الهادى  ¼ ـ فى زيارة زار بها فى يوم الغدير فى السنة التى أشخصه المعتصم ـ : تقف عليه صلوات الله عليه وتقول :

السلام علي محمّد رسول الله ، خاتم النبيّين ، وسيّد المرسلين ، وصفوة ربّ العالمين ، أمين الله علي وحيه ، وعزائم أمره ، الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استُقبل ، والمهيمن علي ذلك كلّه ، ورحمة الله وبركاته ، وصلواته وتحيّاته ، السلام علي أنبياء الله ورسله وملائكته المقرّبين وعباده الصالحين ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيّين ، ووارث علم النبيّين ، وولىّ ربّ العالمين ، ومولاى ومولي المؤمنين ، ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، يا أمين الله فى أرضه ، وسفيره فى خلقه ، وحجّته البالغة علي عباده ، السلام عليك يا دين الله القويم ، وصراطه المستقيم . السلام عليك أيّها النبأ العظيم ، الذى هم فيه مختلفون ، وعنه يُسألون . السلام عليك يا أمير المؤمنين ; آمنت بالله وهم مشركون ، وصدّقت بالحقّ وهم مكذّبون ، وجاهدت وهم محجِمون ، وعبدت الله مخلصاً له الدين ، صابراً محتسباً حتي أتاك اليقين ، ألا لعنة الله علي الظالمين .


(١) ما بين المعقوفتين أثبتناه من بحار الأنوار .
(٢) الزيادة من بحار الأنوار .
(٣) الإقبال : ٢ / ٣٠٦ عن محمّد بن أحمد الصفوانى ، بحار الأنوار : ١٠٠ / ٣٧٢ / ٨ .


 ٣٥٠ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

السلام عليك يا سيّد المسلمين ، ويعسوب المؤمنين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ورحمة الله وبركاته ، أشهد أنّك أخو الرسول ووصيّه ، ووارث علمه ، وأمينه علي شرعه ، وخليفته فى اُمّته ، وأوّل من آمن بالله وصدّق بما أنزل علي نبيّه ، وأشهد أنّه قد بلّغ عن الله ما أنزله فيك ، وصدع بأمره ، وأوجب علي اُمّته فرض ولايتك ، وعقد عليهم البيعة لك ، وجعلك أولي بالمؤمنين من أنفسهم كما جعله الله كذلك .

ثمّ أشهد الله تعالي عليهم فقال : أ لستُ قد بلّغت ؟ فقالوا : اللهمّ بلي . فقال : اللهمّ اشهد ، وكفي بك شهيداً وحاكماً بين العباد . فلعن الله جاحد ولايتك بعد الإقرار ، وناكث عهدك بعد الميثاق ، وأشهد أنّك أوفيت بعهد الله تعالي ، وأنّ الله تعالي موف بعهده لك ³ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا  ²  (١) .

وأشهد أنّك أمير المؤمنين ، الحقّ الذى نطق بولايتك التنزيل ، وأخذ لك العهد علي الاُمّة بذلك الرسول ، وأشهد أنّك وعمّك وأخاك الذين تاجرتم الله بنفوسكم ، فأنزل الله فيكم : ³ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِِْْنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰ لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  ± التَّائـِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السّـََائـِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الاَْمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ  ²  (٢) .

أشهد يا أمير المؤمنين أنّ الشاكّ فيك ما آمن بالرسول الأمين ، وأنّ العادل بك


(١) الفتح : ١٠ .
(٢) التوبة : ١١١ و١١٢ .


 ٣٥١ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

غيرك عادل عن الدين القويم الذى ارتضاه لنا ربّ العالمين ، فأكمله بولايتك يوم الغدير ، وأشهد أنّك المعنىّ بقول العزيز الرحيم : ³ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ  ²  (١) ضلّ والله وأضلّ من اتّبع سواك ، وعَنَدَ عن الحقّ من عاداك .

اللهمّ سمعنا لأمرك ، وأطعنا واتّبعنا صراطك المستقيم ، فاهدنا ربّنا ولا تزغ قلوبنا بعد الهدي عن طاعتك ، واجعلنا من الشاكرين لأنعمك ، وأشهد أنّك لم تزل للهوي مخالفاً ، وللتُّقي محالفاً ، وعلي كظم الغيظ قادراً ، وعن الناس عافياً ، وإذا عُصى الله ساخطاً ، وإذا اُطيع الله راضياً ، وبما عهد إليك عاملا ، راعياً لما استحفظت ، حافظاً ما استودعت ، مبلّغاً ما حُمّلت ، منتظراً ما وُعدت ، وأشهد أنّك ما اتّقيت ضارعاً(٢) ، ولا أمسكت عن حقّك جازعاً ، ولا أحجمت عن مجاهدة عاصيك ناكلا ، ولا أظهرت الرضا بخلاف ما يرضي الله مداهناً ، ولا وهنت لما أصابك فى سبيل الله ، ولا ضعفت ولا استكنت(٣) عن طلب حقّك مراقباً(٤) . معاذ الله أن تكون كذلك ، بل إذ ظُلمت فاحتسبت ربّك ، وفوّضت إليه أمرك ، وذكَّرت فما ذكروا ، ووعظت فما اتّعظوا ، وخوّفتهم الله فما تخوّفوا(٥) .

وأشهد أنّك يا أمير المؤمنين جاهدت فى الله حقّ جهاده ، حتي دعاك الله إلي جواره ، وقبضك إليه باختياره ، وألزم أعداءك الحجّة بقتلهم إيّاك ; لتكون لك


(١) الأنعام : ١٥٣ .
(٢) ضارعاً : أى متذلّلاً متضعّفا (بحار الأنوار : ١٠٠ / ٣٦٨) .
(٣) إشارة إلي الآية ١٤٦ من سورة آل عمران .
(٤) مراقباً : أى منتظراً لحصول منفعة دنيويّة (بحار الأنوار : ١٠٠ / ٣٦٨) .
(٥) فى المصدر : "يخافوا" والصحيح ما أثبتناه كما فى بحار الأنوار .


 ٣٥٢ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

الحجّة عليهم ، مع ما لك من الحجج البالغة علي جميع خلقه .

السلام عليك يا أمير المؤمنين ، عبدت الله مخلصاً ، وجاهدت فى الله صابراً ، وجُدت بنفسك محتسباً ، وعملت بكتابه ، واتّبعت سُنّة نبيّه ، وأقمت الصلاة ، وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ما استطعت ، مبتغياً مرضاة ما عند الله ، راغباً فيما وعد الله ، لا تُحفِل(١) بالنوائب ، ولا تَهِنُ عند الشدائد ، ولا تحجم عن محارب ، أفِك من نسب غير ذلك ، وافتري باطلا عليك ، وأولي لمن(٢) عَنَد عنك .

لقد جاهدت فى الله حقّ الجهاد ، وصبرت علي الأذي صبر احتساب ، وأنت أوّل من آمن بالله وصلّي له وجاهد ، وأبدي صفحته فى دار الشرك ، والأرض مشحونة ضلالة ، والشيطان يُعبد جهرة .

وأنت القائل : لا تزيدنى كثرة الناس حولى عزّة ، ولا تفرّقهم عنّى وحشة ، ولو أسلمنى الناس جميعاً لم أكن متضرّعاً ، اعتصمت بالله فعززّت ، وآثرت الآخرة علي الاُولي فزهّدت . وأيّدك الله وهداك ، وأخلصك واجتباك ، فما تناقضت أفعالك ، ولا اختلفت أقوالك ، ولا تقلّبت أحوالك ، ولا ادّعيت ولا افتريت علي الله كذباً ، ولا شرهت إلي الحطام ، ولا دنَّسك الآثام ، ولم تزل علي بيّنة من ربّك ويقين من أمرك ، تهدى إلي الحقّ وإلي صراط مستقيم .

أشهد شهادة حقّ ، واُقسم بالله قسم صدق أنّ محمّداً وآله صلوات الله عليهم سادات الخلق ، وأنّك مولاى ومولي المؤمنين ، وأنّك عبد الله ووليّه ، وأخو


(١) ما أحفِل بفلان أى ما اُبالى به (لسان العرب : ١١ / ١٥٩) .
(٢) أولي لك : كلمة تهديد وتخويف يخاطب بها من أشرف علي هلاك ، فيُحَثّ بها علي التحرّز ( مفردات ألفاظ القرآن:١٠٠ ).


 ٣٥٣ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

الرسول ووصيّه ووارثه ، وأنّه القائل لك : والذى بعثنى بالحقّ ما آمن بى من كفر بك ، ولا أقرّ بالله من جحدك ، وقد ضلّ من صدّ عنك ، ولم يهتدِ إلي الله تعالي ولا إلىّ من لا يُهدي بك ، وهو قول ربّى عزّ وجلّ : ³ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ  ²  (١) إلي ولايتك .

مولاى فضلك لا يخفي ، ونورك لا يُطفي ، وإنّ من جحدك الظلوم الأشقي . مولاى أنت الحجّة علي العباد ، والهادى إلي الرشاد ، والعدّة للمعاد .

مولاى لقد رفع الله فى الاُولي منزلتك ، وأعلي فى الآخرة درجتك ، وبصّرك ما عمى علي من خالفك ، وحال بينك وبين مواهب الله لك ; فلعن الله مستحلّى الحرمة منك ، وذائد الحقّ عنك ، وأشهد أنّهم الأخسرون الذين ³ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ  ²  (٢) ، وأشهد أنّك ما أقدمت ولا أحجمت ولا نطقت ولا أمسكت إلاّ بأمر من الله ورسوله .

قلت : والذى نفسى بيده لقد نظر إلىّ رسول الله  ½ أضرب قدّامه بسيفى . فقال : يا علىّ أنت عندى بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبىّ بعدى ، واُعلمك أنّ موتك وحياتك معى وعلي سنّتى ، فو الله ما كَذِبتُ ولا كُذِّبت ، ولا ضللتُ ولا ضلَّ بى ، ولا نسيت ما عهد إلىّ ربّى ، وإنّى لعلي بيّنة من ربّى بيّنها لنبيّه ، وبيّنها النبىّ لى ، وإنّى لعلي الطريق الواضح ، ألفظه لفظاً .

صدقت والله وقلت الحقّ ; فلعن الله من ساواك بمن ناواك ،(٣) والله جلّ ذِكره


(١) طه : ٨٢ .
(٢) مؤمنون : ١٠٤ .
(٣) ناواه : أى عاداه (لسان العرب : ١٥ / ٣٤٩) .


 ٣٥٤ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

يقول : ³ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ  ²  (١) ولعن الله من عدل بك من فرض الله عليه ولايتك ، وأنت ولىّ الله وأخو رسوله والذابّ عن دينه ، والذى نطق القرآن بتفضيله ، قال الله تعالي : ³ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَي الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا  ± دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا  ²  (٢) وقال الله تعالي : ³ أَ جَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَْخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  ± الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَـٰئـِكَ هُمُ الْفَائـِزُونَ  ± يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ  ± خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ  ²  (٣) .

أشهد أنّك المخصوص بمدحة الله ، المخلص لطاعة الله ، لم تبغ بالهدي بدلا ، ولم تشرك بعبادة ربّك أحداً ، وأنّ الله تعالي استجاب لنبيّه  ½ فيك دعوته .

ثمّ أمره بإظهار ما أولاك لاُمّته ، إعلاءً لشأنك ، وإعلاناً لبرهانك ، ودحضاً للأباطيل ، وقطعاً للمعاذير ، فلمّا أشفق من فتنة الفاسقين ، واتّقي فيك المنافقين ، أوحي الله ربّ العالمين : ³ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ  ²  (٤) فوضع علي نفسه أوزار المسير ، ونهض فى رمضاء الهجير ، فخطب فأسمع ، ونادي فأبلغ ، ثمّ سألهم أجمع فقال : هل بلّغت ؟ فقالوا : اللهمّ بلي . فقال : اللهمّ اشهد . ثمّ قال : أ لست أولي بالمؤمنين


(١) الزمر : ٩ .
(٢) النساء : ٩٥ و٩٦ .
(٣) التوبة : ١٩ ـ ٢٢ .
(٤) المائدة : ٦٧ .


 ٣٥٥ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

من أنفسهم ؟ فقالوا : بلي ، فأخذ بيدك وقال :

"من كنت مولاه فهذا علىّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله" فما آمن بما أنزل الله فيك علي نبيّه إلاّ قليل ، ولا زاد أكثرهم إلاّ تخسيراً ، ولقد أنزل الله تعالي فيك من قبل وهم كارهون : ³ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَي الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئـِمٍ ذَٰ لِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  ± إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ  ± وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ  ²  (١) ³ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ  ²  (٢) ³ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ  ²  (٣)

اللهمّ إنّا نعلم أنّ هذا هو الحقّ من عندك ، فالعن من عارضه واستكبر ، وكذّب به وكفر ³ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَـلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ  ²  (٤)

السلام عليك يا أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيّين ، وأوّل العابدين ، وأزهد الزاهدين ، ورحمة الله وبركاته ، وصلواته وتحيّاته . أنت مطعم الطعام علي حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً لوجه الله ، لا تريد جزاءً ولا شكوراً ، وفيك أنزل الله تعالي : ³ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ


(١) المائدة : ٥٤ ـ ٥٦ .
(٢) آل عمران : ٥٣ .
(٣) آل عمران : ٨ .
(٤) الشعراء : ٢٢٧ .


 ٣٥٦ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

فَأُولَـٰئـِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  ²  (١) وأنت الكاظم للغيظ ، والعافى عن الناس ، والله يحبّ المحسنين(٢) ، وأنت الصابر فى البأْساء والضرّاء وحين البأس(٣) وأنت القاسم بالسويّة ، والعادل فى الرعيّة ، والعالم بحدود الله من جميع البريّة ، والله تعالي أخبر عمّا أولاك من فضله بقوله : ³ أَ فَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ  ± أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلاًَ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  ²  (٤) .

وأنت المخصوص بعلم التنزيل ، وحكم التأويل ، ونصر الرسول ، ولك المواقف المشهودة(٥) ، والمقامات المشهورة ، والأيّام المذكورة ; يوم بدر ويوم الأحزاب ³ إِذْ زَاغَتِ الاَْبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا  ± هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا  ± وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا  ± وَإِذْ قَالَت طَّائـِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَئـْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا  ²  (٦) وقال الله تعالي : ³ وَلَمَّا رَأَي الْمُؤْمِنُونَ الاَْحْزَابَ قَالُوا هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا  ²  (٧) فقتلت عَمرَوهم ، وهزمت جمعهم ³ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَي اللَّهُ


(١) الحشر : ٩ .
(٢) إشارة إلي الآية ١٣٤ من سورة آل عمران .
(٣) إشارة إلي الآية ١٧٧ من سورة البقرة .
(٤) السجدة : ١٨ و١٩ .
(٥) فى المصدر : "المشهورة" والأنسب ما ذكرناه كما فى بحار الأنوار .
(٦) الأحزاب : ١٠ ـ ١٣ .
(٧) الأحزاب : ٢٢ .


 ٣٥٧ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا  ²  (١) .

ويوم اُحد إذ تصعدون ولا تَلوون علي أحد والرسول يدعوهم فى أخراهم(٢) وأنت تذود بهم المشركين عن النبىّ ذات اليمين وذات الشمال ، حتي صرفهما عنكم الخائفين(٣) ، ونصر بك الخاذلين .

ويوم حنين علي ما نطق به التنزيل ³ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئـًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَْرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ  ± ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَي الْمُؤْمِنِينَ  ²  (٤) والمؤمنون أنت ومن يليك ، وعمّك العبّاس ينادى المنهزمين : يا أصحاب سورة البقرة ، يا أهل بيعة الشجرة ! حتي استجاب له قوم قد كفيتَهم المؤونة ، وتكفَّلتَ دونهم المعونة ، فعادوا آيسين من المثوبة ، راجين وعد الله تعالي بالتوبة ، وذلك قوله جلّ ذكره : ³ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَٰ لِكَ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ  ²  (٥) وأنت حائز درجة الصبر ، فائز بعظيم الأجر .

ويوم خيبر إذ أظهر الله خور المنافقين ، وقطع دابر الكافرين ، والحمد لله ربّ العالمين ³ وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الاَْدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئـُولاً  ²  (٦) .

مولاى أنت الحجّة البالغة ، والمحجّة الواضحة ، والنعمة السابغة ، والبرهان


(١) الأحزاب : ٢٥ .
(٢) إشارة إلي الآية ١٥٣ من سورة آل عمران .
(٣) كذا فى المصدر ، وفى المزار للشهيد الأوّل وبحار الأنوار "حتي ردّهم الله تعالي عنكما خائفين" .
(٤) التوبة : ٢٥ و٢٦ .
(٥) التوبة : ٢٧ .
(٦) الأحزاب : ١٥ .

 ٣٥٨ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

المنير ، فهنيئاً لك ما آتاك الله من فضل ، وتبّاً لشانئك ذى الجهل . شهدت مع النبىّ  ½ جميع حروبه ومغازيه ، تحمل الراية أمامه ، وتضرب بالسيف قدّامه ، ثمّ لحزمك المشهور ، وبصيرتك بما فى الأمور ، أمّرك فى المواطن ولم يك عليك أمير ، وكم من أمر صدّك عن إمضاء عزمك فيه التُّقي ، واتَّبع غيرك فى نيله الهوي ، فظنّ الجاهلون أنّك عجزت عمّا إليه انتهي ، ضل والله الظانّ لذلك وما اهتدي ، ولقد أوضحت ما أشكل من ذلك لمن توهّم وامتري ، بقولك صلّي الله عليك : قد يري الحُوَّلُ القُلَّبُ وجه الحيلة ودونها حاجز من تقوي الله ، فيدعها رأى العين ، وينتهز فرصتها من لا جريحة(١) له فى الدين . صدقت وخسر المبطلون .

وإذ ماكرك الناكثان فقالا : نريد العمرة . فقلت لهما : لعمركما ما تريدان(٢) العمرة لكن الغدرة ، وأخذت البيعة عليهما ، وجدّدت الميثاق فجدّا فى النفاق ، فلمّا نبّهتهما علي فعلهما أغفلا وعادا وما انتفعا ، وكان عاقبة أمرهما خسراً .

ثمّ تلاهما أهل الشام فسرت إليهم بعد الإعذار وهم لا يدينون دين الحقّ ولا يتدبّرون القرآن ، هَمَج رَعاع(٣) ضالّون ، وبالذى أُنزل علي محمّد فيك كافرون ، ولأهل الخلاف عليك ناصرون ، وقد أمر الله تعالي باتّباعك وندب المؤمنين إلي نصرك ، قال الله تعالي : ³ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ  ²  (٤) .


(١) قال المجلسى : كذا فيما عندنا من النسخ بتقديم الجيم علي الحاء المهملة ، ويمكن أن يكون تصغير الجرح ; أى لا يري أمراً من الاُمور جارحاً فى دينه . والصواب ما فى نهج البلاغة بتقديم الحاء المهملة علي الجيم . . . أى ليس بذى حرج ، والحريجة التقوي (بحار الأنوار : ١٠٠ / ٣٦٩ و٣٧٠) .
(٢) فى المصدر : "لعمرى لما تريدان" ، وما أثبتناه من المزار للشهيد الأوّل وبحار الأنوار .
(٣) الهَمَج : رذالة الناس . والهمجُ ذبابٌ صغير يسقط علي وجوه الغنم والحمير ، فشبّه به رَعاع الناس ; وهم غوغاءهم وسقّاطهم وأخلاطهم (النهاية : ٥ / ٢٧٣ وج ٢ / ٢٣٥) .
(٤) التوبة : ١١٩ .


 ٣٥٩ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

مولاى بك ظهر الحقّ وقد نبذه الخلق ، وأوضحت السنن بعد الدروس والطمس ، ولك سابقة الجهاد علي تصديق التنزيل ، ولك فضيلة الجهاد علي تحقيق التأويل ، وعدوّك عدوّ الله جاحد لرسول الله ، يدعو باطلا ويحكم جائراً ويتأمّر غاصباً ويدعو حزبه إلي النار ، وعمّار يجاهد وينادى بين الصفّين : الرواح إلي الجنّة ، ولمّا استسقي فسُقى اللبن كبّر وقال : قال لى رسول الله  ½ : آخر شرابك من الدنيا ضياح من لبن ، وتقتلك الفئة الباغية ، فاعترضه أبو العادية الفزارى فقتله ، فعلي أبى العادية لعنة الله ولعنة ملائكته ورسله أجمعين ، وعلي من سلّ سيفه عليك ، وسللت عليه سيفك يا أمير المؤمنين من المشركين والمنافقين إلي يوم الدين ، وعلي من رضى بما ساءك ولم يكرهه ، وأغمض عينه ولم ينكره ، أو أعان عليك بيد أو لسان ، أو قعد عن نصرك ، أو خذل عن الجهاد معك ، أو غمط فضلك ، أو جحد حقّك ، أو عدل بك من جعلك الله أولي به من نفسه ، وصلوات الله عليك ورحمة الله وبركاته وسلامه وتحيّاته ، وعلي الأئمّة من آلك الطاهرين ، إنّه حميد مجيد . . . فأشبهتْ محنتك بهما محن الأنبياء    ¥ عند الوحدة وعدم الأنصار ، وأشبهتَ فى البيات علي الفراش الذبيحَ  ¼ ; إذ أجبت كما أجاب ، وأطعت كما أطاع إسماعيل صابراً محتسباً ; إذ قال له : ³ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ  ²  (١) وكذلك أنت لمّا أباتك النبىّ صلّي الله عليكما وأمرك أن تضطجع فى مرقده واقياً له بنفسك ، أسرعت إلي إجابته مطيعاً ، ولنفسك علي القتل موطّناً ، فشكر الله تعالي طاعتك ، وأبان عن جميل فعلك بقوله جلّ ذكره :


(١) الصافّات : ١٠٢ .


 ٣٦٠ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

³ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ  ²  (١) .

ثمّ محنتك يوم صفّين وقد رفعت المصاحف حيلة ومكراً ، فأعرض الشكّ ، وعُرف الحقّ ، واتّبع الظنّ ، أشبهتْ محنة هارون ; إذ أمّره موسي علي قومه فتفرّقوا عنه ، وهارون يناديهم : ³ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَـٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي  ± قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ  ²  (٢) وكذلك أنت لمّا رُفعت المصاحف قلت : يا قوم إنّما فتنتم بها وخدعتم . فعصوك وخالفوا عليك واستدعوا نصب الحكمين ، فأبيتَ عليهم وتبرّأْت إلي الله من فعلهم وفوّضته إليهم ، فلمّا أسفر الحقّ ، وسفه المنكر ، واعترفوا بالزلل والجور عن القصد ، واختلفوا من بعده ، وألزموك علي سفه التحكيم الذى أبَيته ، وأحبّوه ، وحظرته وأباحوا ذنبهم الذى اقترفوه ، وأنت علي نهج بصيرة وهدي ، وهم علي سنن ضلالة وعمي ، فما زالوا علي النفاق مُصرّين ، وفى الغىّ متردّدين ، حتي أذاقهم الله وبال أمرهم ، فأمات بسيفك من عاندك فشقى وهوي ، وأحيا بحجّتك من سعد فهدي ، صلوات الله عليك غادية ورائحة وعاكفة وذاهبة ، فما يحيط المادح وصفك ، ولا يحبط الطاعن فضلك ، أنت أحسن الخلق عبادة ، وأخلصهم زهادة ، وأذبّهم عن الدين ، أقمت حدود الله بجهدك ، وفللت عساكر المارقين بسيفك ، تخمد لهب الحروب ببنانك ، وتهتك ستور الشبه ببيانك ، وتكشف لبس الباطل عن صريح الحقّ ، لا تأخذك فى الله لومة لائم ، وفى مدح الله تعالي لك غني عن مدح المادحين وتقريظ الواصفين ، قال الله تعالي : ³ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا


(١) البقرة : ٢٠٧ .
(٢) طه : ٩٠ و٩١ .


 ٣٦١ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / زيارة أمير المؤمنين فى عيد الغدير

عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً  ²  (١) ولمّا رأيت أن قتلت الناكثين والقاسطين والمارقين وصدّقك رسول الله  ½ وعده فأوفيت بعهده ، قلت : أ ما آن أن تخضب هذه من هذه ؟ أم متي يُبعث أشقاها ؟ واثقاً بأنّك علي بيّنة من ربّك ، وبصيرة من أمرك ، قادماً علي الله ، مستبشراً ببيعك الذى بايعته به ، وذلك هو الفوز العظيم(٢) .

اللهمّ العن قتلة أنبيائك ، وأوصياء أنبيائك ، بجميع لعناتك ، وأصلهم حرّ نارك . . . .

اللهمّ العن قتلة أمير المؤمنين ومن ظلمه(٣) وأشياعهم وأنصارهم ، اللهمّ العن ظالمى الحسين وقاتليه ، والمتابعين عدوَّه وناصريه ، والراضين بقتله وخاذليه ، لعناً وبيلاً ، اللهمّ العن أوّل ظالم ظلم آل محمّد ومانعيهم حقوقهم ، اللهمّ خصّ أوّل ظالم وغاصب لآل محمّد باللعن ، وكلّ مستنّ بما سنّ إلي يوم الدين .

اللهمّ صلّ علي محمّد خاتم النبيّين وسيّد المرسلين وآله الطاهرين ، واجعلنا بهم متمسّكين ، وبموالاتهم من الفائزين الآمنين ، الذين لا خوفٌ عليهم ولا[هم](٤) يحزنون إنّك حميد مجيد(٥) .


(١) الأحزاب : ٢٣ .
(٢) إشارة إلي الآية ١١١ من سورة التوبة .
(٣) فى المصدر "قتله" ، والصحيح ما أثبتناه كما فى المزار للشهيد الأوّل وبحار الأنوار .
(٤) الزيادة من المزار للشهيد الأوّل وبحار الأنوار.
(٥) المزار الكبير : ٢٦٤ / ١٢ عن أبى القاسم بن روح وعثمان بن سعيد العمرى عن الإمام العسكرى  ¼ ، المزار للشهيد الأوّل : ٦٦ من دون إسناد إليه  ¼ ، بحار الأنوار : ١٠٠ / ٣٥٩ / ٦ نقلا عن المفيد .

 
 ٣٦٢ - المجلد الثانى / القسم الثالث : جهود النبىّ لقيادة الإمام علىّ / الفصل العاشر : حديث الغدير / مسجد الغدير

١٠ / ١٧

مسجد الغدير

٨٩٩ ـ الإمام الباقر  ¼ : أمر رسول الله  ½ ـ عندما جاءته آية العصمة ـ منادياً ينادى فى الناس بالصلاة جامعةً ، ويردّ من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخّر ، وتنحّي عن يمين الطريق إلي جنب مسجد الغدير ، أمره بذلك جبرئيل عن الله عزّ وجلّ ، وكان فى الموضع سَلَمات(١) (٢) .

٩٠٠ ـ الكافى عن حسّان الجمّال : حملت أبا عبد الله  ¼ من المدينة إلي مكّة ، فلمّا انتهينا إلي مسجد الغدير نظر إلي ميسرة المسجد فقال : ذلك موضع قدم رسول الله  ½ حيث قال : من كنت مولاه فعلىّ مولاه(٣) .

٩٠١ ـ الإمام الصادق  ¼ : يستحبّ الصلاة فى مسجد الغدير ; لأنّ النبىّ  ½ أقام فيه أمير المؤمنين  ¼ ، وهو موضع أظهر الله عزّ وجلّ فيه الحقّ(٤) .

٩٠٢ ـ عبد الرحمن بن الحجّاج : سألت أبا إبراهيم  ¼ عن الصلاة فى مسجد غدير خمّ بالنهار وأنا مسافر ، فقال : صلّ فيه ; فإنّ فيه فضلا ، وقد كان أبى يأمر بذلك(٥) .


(١) جمعُ جمعِ سَلَمة ; شجر من العِضاه (النهاية : ٢ / ٣٩٥) .
(٢) الاحتجاج : ١ / ١٣٨ / ٣٢ عن علقمة بن محمّد الحضرمى ، روضة الواعظين : ١٠٢ .
(٣) الكافى : ٤ / ٥٦٦ / ٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٣ / ٧٤٦ .
(٤) الكافى : ٤ / ٥٦٧ / ٣ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ١٩ / ٤٢ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٥٥٩ / ٣١٤٢ كلّها عن أبان .
(٥) الكافى : ٤ / ٥٦٦ / ١ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ١٨ / ٤١ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٥٥٩ / ٣١٤٣ .