٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبيّ
٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة
١ / ١ ٩٢٤ ـ سنن الدارمى عن عكرمة : توفّى رسول الله ½ يوم الإثنين ، فحُبس بقيّة يومه وليلته والغد حتي دفن ليلة الأربعاء ، وقالوا : إنّ رسول الله ½ لم يمُت ، ولكن عُرج بروحه كما عُرج بروح موسي ، فقام عمر فقال : إنّ رسول الله ½ لم يمُت ، ولكن عُرج بروحه كما عُرج بروح موسي ، واللهِ لا يموت رسول الله ½ حتي يقطع أيدى أقوام وألسنتهم ، فلم يزل عمر يتكلّم حتي اُزبد شدقاه ممّا يوعد ويقول . فقام العبّاس فقال : إنّ رسول الله ½ قد مات ، وإنّه لبشر ، وإنّه يأسُنُ(١) كما يأسن البشر . أى قومِ فادفنوا صاحبكم ; فإنّه أكرم علي الله من أن يُميته إماتتين ، ٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ
أ يُميت أحدَكم إماتة ويميته إماتتين وهو أكرم علي الله من ذلك ؟ ! أى قوم فادفنوا صاحبكم ; فإن يك كما تقولون فليس بعزيز علي الله أن يبحث عنه التراب . إنّ رسول الله ½ واللهِ ما مات حتي ترك السبيل نهجاً واضحاً ، فأحلّ الحلال وحرّم الحرام ، ونكح وطلّق ، وحارب وسالم . ما كان راعى غنم يتبع بها صاحبها رؤوس الجبال يخبط عليها العضاة بمخبطه ، ويمدُر(١) حوضها بيده بأنصبَ ولا أدأب من رسول الله ½ كان فيكم أى قومِ ، فادفنوا صاحبكم(٢) . ٩٢٥ ـ الطبقات الكبري عن عائشة : لمّا توفّى رسول الله ½ ، استأذن عمر والمغيرة بن شعبة ، فدخلا عليه فكشفا الثوب عن وجهه فقال عمر : واغشيا ! ما أشدّ غشىَ رسول الله ½ . ثمّ قاما ، فلمّا انتهيا إلي الباب قال المغيرة : يا عمر مات والله رسول الله ½ ! فقال عمر : كذبت ! ما مات رسول الله ½ ، ولكنّك رجل تحوشك فتنة ، ولن يموت رسول الله ½ حتي يُفنى المنافقين . ثمّ جاء أبو بكر وعمر يخطب الناس فقال له أبو بكر : اسكت ! فسكت ، فصعد أبو بكر ، فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قرأ : ³ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ² (٣) ، ثمّ قرأ : ³ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ² (٤) ، حتي فرغ من الآية ، ثمّ قال : من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات ، ومن كان (١) مدَرَهُ : أى طيّنه وأصلحه بالمَدَر ; وهو الطين المتماسك ; لئلاّ يخرج منه الماء (النهاية : ٤ / ٣٠٩) . ٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ
يعبد الله فإنّ الله حىٌّ لا يموت ! قال : فقال عمر : هذا فى كتاب الله ؟ قال : نعم ! فقال : أيّها الناس ! هذا أبو بكر وذو شيبة المسلمين فبايِعوه ! فبايعه الناس(١) . ٩٢٦ ـ تاريخ اليعقوبى ـ فى ذكر وفاة رسول الله ½ ـ : خرج عمر فقال : والله ما مات رسول الله ولا يموت ، وإنّما تغيّب كما غاب موسي بن عمران أربعين ليلة ثمّ يعود ، والله ليقطعنّ أيدى قوم وأرجلهم . وقال أبو بكر : بل قد نعاه الله إلينا فقال : ³ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ² . فقال عمر : والله لكأنّى ما قرأتها قطّ ! ثمّ قال :
٩٢٧ ـ صحيح البخارى عن عائشة : إنّ رسول الله ½ مات وأبو بكر بالسُّنْح(٣) ـ يعنى بالعالية ـ فقام عمر يقول : والله ما مات رسول الله ½ ! قالت : وقال عمر : والله ما كان يقع فى نفسى إلاّ ذاك ، وليبعثنّه الله ، فليقطعنّ أيدى رجال وأرجلهم . فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله ½ فقبّله ، قال : بأبى أنت واُمّى ، طبتَ حيّاً وميّتاً ، والذى نفسى بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً . ثمّ خرج فقال : أيّها الحالف علي رِسْلِكَ ، فلمّا تكلّم أبو بكر جلس عمر ، فحمد الله أبو بكر وأثني عليه ، (١) الطبقات الكبري : ٢ / ٢٦٧ ، مسند ابن حنبل : ١٠ / ٤٤ / ٢٥٨٩٩ ، البداية والنهاية : ٥ / ٢٤١ كلاهما نحوه ، كنز العمّال : ٧ / ٢٣٢ / ١٨٧٥٥ . ١٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ
وقال : ألا من كان يعبد محمّداً ½ فإنّ محمّداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حىٌّ لا يموت . وقال : ³ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ² . وقال : ³ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئـًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ² . فنشجَ الناس يبكون(١) . ٩٢٨ ـ دلائل النبوّة عن عروة ـ فى ذكر وفاة رسول الله ½ ـ : قام عمر بن الخطّاب يخطب الناس ويوعِد من قال : "قد مات" بالقتل والقطع ويقول : إنّ رسول الله ½ فى غَشيته لو قد قام قطع وقتل ، وعمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن اُمّ مكتوم قائم فى مؤخّر المسجد يقرأ ³ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ² إلي قوله ³ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ² والناس فى المسجد قد ملؤوه ويبكون ويموجون لا يسمعون ، فخرج عبّاس بن عبد المطّلب علي الناس فقال : يا أيّها الناس ، هل عند أحد منكم مِن عهد من رسول الله ½ فى وفاته فليحدّثنا ؟ قالوا : لا . قال : هل عندك يا عمر من علم ؟ قال : لا . قال العبّاس : أشهد أيّها الناس أنّ أحداً لا يشهد علي النبىّ ½ لعهد عهده إليه فى وفاته ، والله الذى لا إله إلاّ هو ، لقد ذاق رسول الله ½ الموت . وأقبل أبو بكر من السُّنْح علي دابّته حتي نزل بباب المسجد ، ثمّ أقبل مكروباً حزيناً ، فاستأذن فى بيت ابنته عائشة ، فأذنت له ، فدخل ورسول الله ½ قد توفّى علي الفراش والنسوة حوله ، فخمّرن وجوههنّ واستترن من أبى بكر إلاّ ما كان ١١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ
من عائشة ، فكشف عن رسول الله ½ ، فحنا عليه يقبّله ويبكى ويقول : ليس ما يقول ابن الخطّاب شىء ، توفّى رسول الله ½ والذى نفسى بيده ، رحمةُ الله عليك يا رسول الله ! ما أطيبك حيّاً وما أطيبك ميّتاً ! ثمّ غشّاه بالثوب ، ثمّ خرج سريعاً إلي المسجد يتوطّأ رقاب الناس ، حتي أتي المنبر ، وجلس عمر حين رأي أبا بكر مقبلا إليه ، فقام أبو بكر إلي جانب المنبر ثمّ نادي الناس فجلسوا وأنصتوا ، فتشهّد أبو بكر بما علمه من التشهّد وقال : إنّ الله تبارك وتعالي نعي نبيّكم إلي نفسه وهو حىّ بين أظهركم ، ونعاكم إلي أنفسكم ; فهو الموت حتي لا يبقي أحد إلاّ الله عزّ وجلّ ، قال الله تبارك وتعالي : ³ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ² إلي قوله ³ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ² فقال عمر : هذه الآية فى القرآن ؟ ! والله ما علمت أنّ هذه الآية اُنزلت قبل اليوم ! !(١) ٩٢٩ ـ صحيح البخارى عن أنس بن مالك : انّه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس علي المنبر ، وذلك الغدُ من يومِ توفّى النبىّ ½ ، فتشهّد وأبو بكر صامت لا يتكلّم ، قال : كنت أرجو أن يعيش رسول الله ½ حتي يدبُرنا ـ يريد بذلك أن يكون آخرهم ـ فإن يك محمّد ½ قد مات فإنّ الله تعالي قد جعل بين أظهركم نوراً تهتدون به بما هدي الله محمّداً ½ ، وإنّ أبا بكر صاحب رسول الله ½ ثانى اثنين ; فإنّه أولي المسلمين باُموركم ، فقوموا فبايعوه ، وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك فى سقيفة بنى ساعدة ، وكانت بيعة العامّة علي المنبر(٢) . (١) دلائل النبوّة للبيهقى : ٧ / ٢١٧ ، البداية والنهاية : ٥ / ٢٤٢ و٢٤٣ ، كنز العمّال: ٧ / ٢٤٥ / ١٨٧٧٥ . ١٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ
٩٣٠ ـ صحيح ابن حبّان عن أنس بن مالك : أنّه سمع عمر بن الخطّاب من الغد حين بويع أبو بكر فى مسجد رسول الله ½ ، واستوي أبو بكر علي منبر رسول الله ½ ، قام عمر فتشهّد قبل أبى بكر ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّى قلت لكم أمسِ مقالةً لم تكن كما قلت ، وإنّى والله ما وجدتها فى كتاب أنزله الله ، ولا فى عهد عهِدهُ إلىّ رسول الله ½ ، ولكنّى كنت أرجو أن يعيش رسول الله ½ حتي يَدبُرنا ـ يقول : حتي يكون آخرنا ـ فاختار الله جلّ وعلا لرسوله ½ ، الذى عنده علي الذى عندكم ، وهذا كتاب الله هدي اللهُ به رسوله ½ ، فخذوا به تهتدوا بما هدي الله به رسوله ½ (١) . نظرة تحليليّة فى سبب إنكار موت النبىّ ١٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ
ودّع النبىّ ½ الحياة إلي الرفيق الأعلي . واهتزّت المدينة ، وعلاها هياج وضجيج ، وانتشر خبر وفاته بسرعة ، فأقضّ المضاجع ، وملأ القلوب غمّاً وهمّاً وحزناً . والجميع كانوا يبكون وينحبون ، ويُعوِلون علي فقد نبيّهم وسيّدهم وكان الشخص الوحيد الذى كذّب خبر الوفاة بشدّة كما أسلفنا ، وهدّد علي نشره ، وحاول أن يحول دون ذلك هو عمر بن الخطّاب . وتكلّم معه العبّاس عمّ النبىّ فلم يقتنع . وحين نظر المغيرة بن شعبة إلي وجه النبىّ ½ أقسم أنّه ميّت ، لكنّ عمر قذفه بالكذب واتّهمه بإثارة الفتنة . وكان أبو بكر فى "السُّنْح" خارج المدينة ، فأخبروه بوفاة النبىّ ½ ، فجاء إلي المدينة ورأي عمر يتحدّث إلي الناس ويهدّدهم بألاّ يصدّقوا ذلك ولا ينشروه . وعندما رأي عمر أبا بكر جلس(١) . وذهب أبو بكر إلي الجنازة ، وكشف عن ١٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ
الوجه الشريف ، وخطب خطبةً قصيرةً ضمّنها قوله تعالي : ³ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ² (١) فهدأ عمر وسكن ، وصدّق بالوفاة وقال بعد سماعه الآية : "أيقنتُ بوفاته ; وكأنّى لم أسمع هذه الآية"(٢) ! أ تري أن عمر كان لا يعلم حقّاً أنّ النبىّ ½ قد مات ؟ ! ذهب البعض إلي ذلك وقال : كان لا يعلم حقّاً . بعبارة اُخري : كان يعتقد أنّه لا يموت ، بل هو خالد(٣) . ويتبيّن من هذا أنّ القائلين به غير واعين لِلُّعَب السياسيّة وتهيئة الأجواء ! وذهب البعض الآخر إلي أنّه كان يعلم جيّداً أنّ النبىّ ½ فارق الحياة ، ولن يكون بعدها بين ظهرانى المسلمين ، لكنّ التفكير بالمصلحة ، والتخطيط للمستقبل جعلاه يتّخذ هذا الموقف ليمهّد الأرضيّة من أجل التحرّك لإزالة منافسيه السياسيّين من الساحة . وتبنّي ابنُ أبى الحديد هذا الرأى ، وذهب إلي أنّه فعل ذلك منعاً لفتنة قد يثيرها الأنصار أو غيرهم حول الإمامة . كتب ابن أبى الحديد قائلاً : "و نحن نقول : إنّ عمر أجلّ قدراً من أن يعتقد ما ظهر عنه فى هذه الواقعة ، ولكنّه لمّا علم أنّ رسول الله ½ قد مات ، خاف من وقوع فتنة في الإمامة وتقلّب أقوام عليها ، إمّا من الأنصار أو غيرهم . . . فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس بأن أظهر ما أظهره من كون رسول الله ½ لم يمت . . . إلي أن جاء أبو بكر ـ وكان (١) آل عمران : ١٤٤ . ١٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ
غائباً بالسُّنْح ، وهو منزل بعيد عن المدينة ـ فلمّا اجتمع بأبى بكر قوى به جأشه ، واشتدّ به أزره ، وعظم طاعة الناس له وميلهم إليه ، فسكت حينئذ عن تلك الدعوي التى كان ادّعاها"(١) . نظراً إلي القرائن التاريخيّة ، ومواقف هذين الرجلين ، وسكوت عمر المطلق بعد وصول أبى بكر وكان قد أثار ما أثار من الضجيج واللغط ، كلّ اولئك لا يَدَع مجالاً للشّك فى أنّ موقف عمر كان تحرّكاً سياسيّاً للتمهيد من أجل الشىء الذى امتنع بسببه من الذهاب مع جيش اُسامة ، مخالفاً لنصّ نبوى صريح وأمر رسالى أكيد . وكان النبىّ ½ نفسه يتحدّث عن نهاية حياته ، وأبلغ الجميع بذلك . وكان عمر قبل هذا الوقت وحين منع من كتابة الوصيّة يردّد شعار "حسبنا كتاب الله" ، أى: إنّ كلمة "حسبنا . . ." تتحقّق بعد وفاة النبىّ ½ ويمكن القول مبدئيّاً إنّ نصّ القرآن الكريم علي وفاته وعدم خلوده ½ يدلّ علي أنّ نفى وفاته لم يكن عقيدةً راسخةً يتبنّاها المؤمنون قطّ ، وأوضح من ذلك كلّه كلام عمر نفسه عندما نصب أبا بكر فى الخلافة وأجلسه علي عرشها ، فقد صرّح بخطأ مقاله ووهنه قائلاً: "أمّا بعد ، فإنّى قلتُ لكم أمس مقالةً لم تكن كما قلت . وإنّى والله ما وجدتها فى كتاب أنزله الله ولا فى عهد عهده إلىّ رسول الله ½ ، ولكنّى كنتُ أرجو أن يعيش رسول الله ½ ـ فقال كلمة يريد ـ حتي يكون آخرنا ، فاختار الله لرسوله الذى عنده علي الذى عندكم ، وهذا الكتاب الذى هدي الله به رسولكم ، فخذوا به تهتدوا لما هدي له رسول الله"(٢) . إنّ هذا كلّه يدلّ علي أنّه كان يمهّد الأرضيّة للقبض علي السلطة ، ويهيّئ (١) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٤٢ . ١٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة
الاُمور لخلافة أبى بكر حتي يتسنّي له أن يحكم بعده . وما أبلغ كلام الإمام أمير المؤمنين ¼ حين قال له: "أحلب حَلْباً لك شَطْره(١)" . ١ / ٢ ٩٣١ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى عمرة الأنصارى : إنّ النبىّ ½ لمّا قُبض اجتمعت الأنصار فى سقيفة بنى ساعدة(٢) ، فقالوا : نولّى هذا الأمر بعد محمّد ½ سعد بن عبادة ، وأخرَجوا سعداً إليهم وهو مريض . فلمّا اجتمعوا قال لابنه أو بعض بنى عمّه : إنّى لا أقدر لشكواى أن اُسمِع القوم كلّهم كلامى ، ولكن تَلَقَّ منّى قولى فأسمِعهموه . فكان يتكلّم ويحفظ الرجل قوله ، فيرفع صوته فيُسمِع أصحابه ، فقال ـ بعد أن حمد الله وأثني عليه ـ : يا معشر الأنصار ! لكم سابقة فى الدِّين ، وفضيلة فى الإسلام ليست لقبيلة من العرب ; إن محمّداً ½ لبث بضع عشرة سنة فى قومه يدعوهم إلي عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان ، فما آمن به من قومه إلاّ رجال قليل ، وكان ما كانوا يقدرون علي أن يمنعوا رسول الله ولا أن يُعِزّوا دينه ، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيماً عُمُّوا به ، حتي إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة وخصّكم بالنعمة ، فرزقكم الله الإيمان به وبرسوله ، والمنع له ولأصحابه ، والإعزاز له ولدينه ، (١) راجع : الهجوم علي بيت فاطمة بنت رسول الله . ١٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة
والجهاد لأعدائه ، فكنتم أشدّ الناس علي عدوّه منكم ، وأثقله علي عدوّه من غيركم ، حتي استقامت العرب لأمر الله طوعاً وكرهاً ، وأعطي البعيدُ المقادةَ صاغراً داخراً حتي أثخن الله عزّ وجلّ لرسوله بكم الأرض ، ودانت بأسيافكم له العرب ، وتوفّاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير عين ، استبِدّوا بهذا الأمر ; فإنّه لكم دون الناس . فأجابوه بأجمعهم : أن قد وُفِّقت فى الرأى ، وأصبت فى القول ، ولن نعدو ما رأيت ، ونولِّيك هذا الأمر ; فإنّك فينا مَقْنَعٌ ولصالح المؤمنين رضي . ثمّ إنّهم ترادّوا الكلام بينهم ، فقالوا : فإن أبت مهاجرة قريش ، فقالوا : نحن المهاجرون وصحابة رسول الله الأوّلون ، ونحن عشيرته وأولياؤه ، فعلامَ تنازعوننا هذا الأمر بعده ؟ فقالت طائفة منهم : فإنّا نقول إذاً : منّا أمير ومنكم أمير ، ولن نرضي بدون هذا الأمر أبداً . فقال سعد بن عبادة حين سمعها : هذا أوّل الوهن ! وأتي عمرَ الخبرُ ، فأقبل إلي منزل النبىّ ½ ، فأرسل إلي أبى بكر ، وأبو بكر فى الدار وعلىّ بن أبى طالب ¼ دائب فى جهاز رسول الله ½ ، فأرسل إلي أبى بكر أن اخرج إلىّ ، فأرسل إليه : إنّى مشتغل ، فأرسل إليه أنّه قد حدث أمر لابدّ لك من حضوره ، فخرج إليه فقال : أ ما علمت أنّ الأنصار قد اجتمعت فى سقيفة بنى ساعدة يريدون أن يولّوا هذا الأمر سعد بن عبادة ، وأحسنهم مقالة من يقول : منّا أمير ومن قريش أمير ؟ فمضيا مسرعَين نحوهم ، فلقيا أبا عبيدة بن الجرّاح ، فتماشوا إليهم ثلاثتهم ، فلقيهم عاصم بن عدىّ وعويم بن ساعدة ، فقالا لهم : ارجعوا ; فإنّه لا يكون ما تريدون ، فقالوا : لا نفعل . فجاؤوا وهم مجتمعون . ١٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة
فقال عمر بن الخطاب : أتيناهم ـ وقد كنت زوّرت كلاماً أردت أن أقوم به فيهم ـ فلمّا أن دفعتُ إليهم ذهبتُ لابتدئ المنطق ، فقال لى أبو بكر : رُوَيداً حتي أتكلّم ، ثمّ انطق بعد بما أحببت . فنطق ، فقال عمر : فما شىء كنت أردت أن أقوله إلاّ وقد أتي به أو زاد عليه . فقال عبد الله بن عبد الرحمن : فبدأ أبو بكر فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال : إنّ الله بعث محمّداً رسولا إلي خلقه ، وشهيداً علي اُمّته ; ليعبدوا الله ويوحّدوه ، وهم يعبدون من دونه آلهة شتّي ، ويزعمون أنّها لهم عنده شافعة ، ولهم نافعة ، وإنّما هى من حجر منحوت ، وخشب منجور ، ثمّ قرأ : ³ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ² (١) وقالوا : ³ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَي اللَّهِ زُلْفَىٰ ² (٢) فعظم علي العرب أن يتركوا دين آبائهم ، فخصّ الله المهاجرين الأوّلين من قومه بتصديقه والإيمان به والمؤاساة له ، والصبر معه علي شدّة أذي قومهم لهم وتكذيبهم إيّاهم ، وكلّ الناس لهم مخالف زار عليهم ، فلم يستوحشوا لقلّة عددهم وشنف(٣) الناس لهم ، وإجماع قومهم عليهم ، فهم أوّل من عبَد الله فى الأرض ، وآمن بالله وبالرسول ، وهم أولياؤه وعشيرته وأحقّ الناس بهذا الأمر من بعده ، ولا ينازعهم ذلك إلاّ ظالم . وأنتم يا معشر الأنصار ! مَن لا يُنكَر فضلهم فى الدين ، ولا سابقتهم العظيمة فى الإسلام ، رضيكم الله أنصاراً لدينه ورسوله ، وجعل إليكم هجرته ، وفيكم جلّة أزواجه وأصحابه ، فليس بعد المهاجرين الأوّلين عندنا أحد بمنزلتكم ، فنحن (١) يونس : ١٨ . ١٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة
الاُمراء وأنتم الوزراء ، لا تفتاتون بمشورة ولا نقضى دونكم الاُمور . فقام الحُباب بن المنذر بن الجموح فقال : يا معشر الأنصار ! أملكوا عليكم أمركم ; فإنّ الناس فى فيئكم وفى ظلّكم ، ولن يجترئ مجترئ علي خلافكم ، ولن يصدر الناس إلاّ عن رأيكم ، أنتم أهل العزّ والثروة ، وأولو العدد والمنعة والتجربة [ و](١) ذوو البأس والنجدة ، وإنّما ينظر الناس إلي ما تصنعون ، ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم ، وينتقض عليكم أمركم ، فإن أبي هؤلاء إلاّ ما سمعتم ، فمنّا أمير ومنهم أمير . فقال عمر : هيهات لا يجتمع اثنان فى قرن ! والله لا ترضي العرب أن يؤمّروكم ونبيّها من غيركم ، ولكنّ العرب لا تمتنع أن تولّى أمرها من كانت النبوّة فيهم ووَلىّ اُمورهم منهم ، ولنا بذلك علي من أبي من العرب الحجّة الظاهرة والسلطان المبين . من ذا ينازعنا سلطان محمّد وإمارته ـ ونحن أولياؤه وعشيرته ـ إلاّ مُدل بباطل ، أو متجانف لإثم ، ومتورِّط فى هلكة . . . . فقال أبو بكر : هذا عمر وهذا أبو عبيدة ، فأيّهما شئتم فبايعوا . فقالا : لا والله لا نتولّي هذا الأمر عليك ; فإنّك أفضل المهاجرين ، وثانى اثنين إذ هما فى الغار ، وخليفة رسول الله علي الصلاة ، والصلاة أفضل دين المسلمين ، فمن ذا ينبغى له أن يتقدّمك أو يتولّي هذا الأمر عليك ، اُبسُط يدك نبايعك . فلمّا ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه ، فناداه الحُباب بن المنذر : يا بشير بن سعد ! عَقّتك عَقاقِ ، ما أحوجك إلي ما صنعت ، أ نَفِسْتَ علي ابن عمّك الإمارة ؟ ! فقال : لا والله ، ولكنّى كرهتُ أن اُنازع قوماً حقّاً جعله الله لهم . ٢٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة
ولمّا رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد ، وما تدعو إليه قريش ، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض ـ وفيهم اُسيد بن حُضير وكان أحد النقباء(١) ـ : والله لئن وليَتْها الخزرج عليكم مرّة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيباً أبداً ، فقوموا فبايعوا أبا بكر . فقاموا إليه فبايعوه ، فانكسر علي سعد بن عبادة وعلي الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم(٢) . ٩٣٢ ـ صحيح البخارى عن عائشة : اجتمعت الأنصار إلي سعد بن عبادة فى سقيفة بنى ساعدة ، فقالوا : منّا أمير ومنكم أمير ، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطّاب وأبو عبيدة بن الجرّاح ، فذهب عمر يتكلّم فأسكته أبو بكر ، وكان عمر يقول : والله ما أردت بذلك إلاّ أنّى قد هيّأت كلاماً قد أعجبنى ، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر . ثمّ تكلّم أبو بكر فتكلّم أبلغَ الناس ، فقال فى كلامه : نحن الاُمراء وأنتم الوزراء ، فقال حُباب بن المنذر : لا والله لا نفعل ، منّا أمير ، ومنكم أمير ، فقال أبو بكر : لا ، ولكنّا الاُمراء وأنتم الوزراء ، هم أوسط العرب داراً ، وأعربهم أحساباً ، فبايِعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجرّاح ، فقال عمر : بل نبايعك أنت ; فأنت (١) النقباء : جمع نقيب ; وهو كالعريف علي القوم المقدّم عليهم ، الذى يتعرّف أخبارهم ، وينقّب عن أحوالهم ; أى يفتَّش . وكان النبىّ ½ قد جعل ليلةَ العقبة كلَّ واحد من الجماعة الذين بايعوه بها نقيباً علي قومه وجماعته ، ليأخذوا عليهم الإسلام ، ويعرّفونهم شرائطه . وكانوا أثني عشر نقيباً كلّهم من الأنصار (النهاية : ٥ / ١٠١) . ٢١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة
سيّدنا وخيرنا وأحبّنا إلي رسول الله ½ ، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس ، فقال قائل : قتلتم سعداً ، فقال عمر : قتله الله !(١) ٩٣٣ ـ تاريخ الطبرى عن الضحّاك بن خليفة : لمّا قام الحُباب بن المنذر انتضي سيفه ; وقال أنا جُذَيلها المحكّك(٢) ، وعُذيقها المرجّب(٣) ، أنا أبو شبل فى عِرّيسة(٤) الأسد ، يعزي إلىّ الأُسْد . فحامله عمر فضرب يده ، فندر(٥) السيف فأخذه ، ثمّ وثب علي سعد ووثبوا علي سعد ، وتتابع القوم علي البيعة ، وبايع سعد ، وكانت فلتةً كفلتات الجاهليّة ، قام أبو بكر دونها(٦) . ٩٣٤ ـ صحيح البخارى عن ابن عبّاس عن عمر ـ من خطبته فى أواخر عمره ـ : بلغنى أنّ قائلاً منكم يقول : والله لو قد مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترنّ امرؤ أن يقول : إنّما كانت بيعة أبى بكر فلتة وتمّت . ألا وإنّها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقي شرّها ، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبى بكر . من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يتابَع هو ولا الذى تابعه تَغِرَّة(٧) أن يقتلا وإنّه قد كان من خبرنا حين توفّي الله نبيّه ½ أنّ الأنصار خالفونا ، (١) صحيح البخارى : ٣ / ١٣٤١ / ٣٤٦٧ ، الطبقات الكبري : ٢ / ٢٦٩ . ٢٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة
واَجتمعوا بأسْرهم فى سقيفة بنى ساعدة ، وخالف عنّا علىّ والزبير ومن معهما ، واجتمع المهاجرون إلي أبى بكر ، فقلت لأبى بكر : يا أبا بكر انطلق بنا إلي إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نريدهم ، فلمّا دنَونا منهم لقيَنا منهم رجلان صالحان ، فذكرا ما تمالأ عليه القوم ، فقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار . فقالا : لا عليكم أن لا تقربوهم ، اقضوا أمركم . فقلت : والله لنأتينّهم . فانطلقنا حتي أتيناهم فى سقيفة بنى ساعدة ، فإذا رجل مُزَمَّل بين ظهرانيهم ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا : هذا سعد بن عبادة . فقلت : ما له ؟ قالوا : يُوعَك ، فلمّا جلسنا قليلاً تشهّد خطيبهم ، فأثني علي الله بما هو أهله ثمّ قال : أمّا بعد ، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام ، وأنتم معشرَ المهاجرين رهط ، وقد دَفَّت دافّة(١) من قومكم ، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ، وأن يحضنونا من الأمر . فلمّا سكت أردت أن أتكلّم ، وكنت قد زوّرت مقالة أعجبتنى أردت أن اُقدّمها بين يدى أبى بكر ، وكنت اُدارى منه بعض الحدّ ، فلمّا أردت أن أتكلّم قال أبو بكر : علي رسلك ، فكرهت أن اُغضبه ، فتكلّم أبو بكر ، فكان هو أحلم منّى وأوقر ، والله ما ترك من كلمة أعجبتنى فى تزويرى إلاّ قال فى بديهته مثلها أو أفضل ، حتي سكت فقال : ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن يُعرف هذا الأمر إلاّ لهذا الحىّ من قريش ، هم أوسط العرب نسباً وداراً ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيّهما شئتم ، فأخذ بيدى وبيد أبى عبيدة بن الجرّاح وهو ٢٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة
جالس بيننا ، فلم أكره ممّا قال غيرها ، كان والله أن اُقدّم فتضرب عنقى ، لا يقربنى ذلك من إثم أحبّ إلىّ من أن أتأمّر علي قوم فيهم أبو بكر ، اللهمّ إلاّ أن تُسوّل لى نفسى عند الموت شيئاً لا أجده الآن ، فقال قائل من الأنصار : أنا جُذيلها المحكّك ، وعُذيقها المرجّب ، منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ، فكثر اللغط وارتفعت الأصوات ، حتي فرقت من الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثمّ بايعته الأنصار ، ونزونا علي سعد بن عبادة فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة ! فقلت : قتل الله سعد بن عبادة . قال عمر : وإنّا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوي من مبايعة أبى بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا ، فإمّا بايعناهم علي ما لا نرضي ، وإمّا نخالفهم فيكون فساد . فمن بايع رجلاً علي غير مشورة من المسلمين فلا يتابَع هو ولا الذى بايعه تَغِرَّة أن يُقتلا(١) . ٩٣٥ ـ تاريخ اليعقوبى ـ فى ذكر السقيفة ـ : قام عبد الرحمن بن عوف فتكلّم ، فقال : يا معشر الأنصار ! ، إنّكم وإن كنتم علي فضل ، فليس فيكم مثل أبى بكر وعمر وعلىّ . وقام المنذر بن أرقم ، فقال : ما ندفع فضل من ذكرت ، وإنّ فيهم لرجلاً لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد ، يعنى علىّ بن أبى طالب(٢) . (١) صحيح البخارى : ٦ / ٢٥٠٥ / ٦٤٤٢ ، مسند ابن حنبل : ١ / ١٢٣ / ٣٩١ ، صحيح ابن حبّان : ٢/١٤٨/٤١٣ وص ١٥٥/٤١٤ ، المصنّف لعبد الرزّاق : ٥/٤٤١/٩٧٥٨ ، تاريخ الطبرى : ٣ / ٢٠٥ ، السيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٣٠٨ ، تاريخ دمشق : ٣٠ / ٢٨١ وص ٢٨٤ وليس فيه صدره إلي "أن يقتلا" ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ١١ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٣ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٢٦٥ نحوه ، السيرة النبويّة لابن كثير : ٤ / ٤٨٧ . ٢٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / كلام أبى بكر بعد البيعة
٩٣٦ ـ الردّة عن زيد بن الأرقم : يابن عوف ! لولا أنّ علىّ بن أبى طالب ¢ وغيره من بنى هاشم اشتغلوا بدفن النبىّ ½ وبحزنهم عليه ، فجلسوا فى منازلهم ، ما طمع فيها من طمع(١) . ٩٣٧ ـ تاريخ الطبرى عن أبى بكر بن محمّد الخزاعى : إنّ أسلم(٢) أقبلت بجماعتها حتي تضايق بهم السكك ، فبايعوا أبا بكر ، فكان عمر يقول : ما هو إلاّ أن رأيت أسلم ، فأيقنت بالنصر(٣) . ١ / ٣ ٩٣٨ ـ تاريخ الطبرى عن أنس بن مالك : لمّا بويع أبو بكر فى السقيفة ; وكان الغد ، جلس أبو بكر علي المنبر . . . فحمد الله وأثني عليه بالذى هو أهله ، ثمّ قال : أمّا بعد أيها الناس ; فإنّى قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم ; فإن أحسنت فأعينونى ; وإن أسأت فقوّمونى . . . أطيعونى ما أطعت الله ورسوله ; فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم . قوموا إلي صلاتكم رحمكم الله !(٤) (١) الردّة : ٤٥ . ٢٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / دور عمر فى بيعة أبى بكر
٩٣٩ ـ تاريخ اليعقوبى : صعد أبو بكر المنبر عند ولايته الأمر ، فجلس دون مجلس رسول الله بمِرْقاة ، ثمّ حمد الله وأثني عليه وقال : إنّى وُلّيت عليكم ولست بخيركم ، فإن استقمت فاتّبعونى ، وإن زغت فقوّمونى ! لا أقول إنّى أفضلكم فضلاً ، ولكنّى أفضلكم حملاً ، وأثني علي الأنصار خيراً وقال : أنا وإيّاكم معشر الأنصار كما قال القائل :
فاعتزلت الأنصار عن أبى بكر ، فغضبت قريش(١) . ٩٤٠ ـ الأخبار الموفّقيّات : فلمّا كان من الغد ، قام أبو بكر فخطب الناس ، وقال : أيّها الناس ، إنّى وُلّيت أمركم ولست بخيركم ; فإذا أحسنت فأعينونى ، وإن أسأت فقوّمونى . إنّ لى شيطاناً يعترينى ، فإياكم وإيّاى إذا غضبت ! !(٢) ١ / ٤ ٩٤١ ـ شرح نهج البلاغة : عمر هو الذى شدّ بيعة أبى بكر ، ووَقَمَ(٣) المخالفين فيها ; فكسر سيف الزبير لمّا جرّده ، ودفع فى صدر المقداد ، ووطئ فى السقيفة سعد بن عبادة ، وقال : اقتلوا سعداً ، قتل الله سعداً ! وحطّم أنف الحُباب بن المنذر (١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٢٧ . ٢٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / من تخلّف عن بيعة أبى بكر
الذى قال يوم السقيفة : أنا جُذيلها المحكّك ، وعُذيقها المرجّب . وتوعّد من لجأ إلي دار فاطمة £ من الهاشميّين ، وأخرجهم منها . ولولاه لم يثبت لأبى بكر أمر ، ولا قامت له قائمة(١) . ١ / ٥ ٩٤٢ ـ تاريخ اليعقوبى : تخلّف عن بيعة أبى بكر قوم من المهاجرين والأنصار ، ومالوا مع علىّ بن أبى طالب ، منهم : العبّاس بن عبد المطّلب ، والفضل بن العبّاس ، والزبير بن العوّام بن العاص ، وخالد بن سعيد ، والمقداد بن عمرو ، وسلمان الفارسى ، وأبو ذرّ الغفارى ، وعمّار بن ياسر ، والبراء بن عازب ، واُبىّ بن كعب . فأرسل أبو بكر إلي عمر بن الخطّاب ، وأبى عبيدة بن الجرّاح ، والمغيرة بن شعبة ، فقال : ما الرأى ؟ قالوا : الرأى أن تلقي العبّاس بن عبد المطّلب ، فتجعل له فى هذا الأمر نصيباً يكون له ولعقِبِه من بعده ، فتقطعون به ناحية علىّ بن أبى طالب حجّة لكم علي علىّ إذا مال معكم . فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح والمغيرة حتي دخلوا علي العبّاس ليلاً ، فحمد أبو بكر اللهَ وأثني عليه ، ثمّ قال : إنّ الله بعث محمّداً نبيّاً ، وللمؤمنين وليّاً ، فمنّ عليهم بكونه بين أظهرهم ، حتي اختار له ما عنده ، فخلّي علي الناس اُموراً ليختاروا لأنفسهم(٢) فى (١) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٧٤ . ٢٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / من تخلّف عن بيعة أبى بكر
مصلحتهم مشفقين ، فاختارونى عليهم والياً ، ولاُمورهم راعياً ، فوُلّيت ذلك ، وما أخاف بعون الله وتسديده وهناً ولا حيرة ولا جبناً ، وما توفيقى إلاّ بالله ، عليه توكّلت وإليه اُنيب . وما انفكّ يبلغنى عن طاعن يقول الخلاف علي عامّة المسلمين ، يتّخذكم لجأً ، فتكون حصنه المنيع وخطبه البديع ، فإمّا دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه ، وإمّا صرفتموهم عمّا مالوا إليه ، ولقد جئناك ونحن نريد أنّ لك فى هذا الأمر نصيباً يكون لك ، ويكون لمن بعدك من عقبك إذ كنت عمّ رسول الله ، وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان صاحبك . . .(١) عنكم ، وعلي رِسلِكم بنى هاشم ، فإنّ رسول الله منّا ومنكم . فقال عمر بن الخطّاب : إى والله ، واُخري ; أنّا لم نأتكم لحاجة إليكم ، ولكن كرهاً أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم ، فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم . فحمد العبّاس الله وأثني عليه وقال : إنّ الله بعث محمّداً ـ كما وصفتَ ـ نبيّاً ، وللمؤمنين وليّاً ، فمنّ علي اُمّته به ، حتي قبضه الله إليه ، واختار له ما عنده ، فخلّي علي المسلمين اُمورهم ليختاروا لأنفسهم(٢) مصيبين الحقّ ، لا مائلين بزيغ الهوي ، فإن كنت برسول الله فحقّاً أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ، فما تقدّمنا فى أمرك فرضاً ، ولا حللنا وسطاً ، ولا برحنا سخطاً ، وإن كان هذا الأمر إنّما وجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنّا كارهين . (١) بياض فى الأصل ، وفى نسخة : "فعدلوا الأمر" . ٢٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / من تخلّف عن بيعة أبى بكر
ما أبعد قولك من أنّهم طعنوا عليك من قولك إنّهم اختاروك ومالوا إليك ، وما أبعد تسميتك بخليفة رسول الله من قولك خلّي علي الناس اُمورهم ليختاروا فاختاروك ، فأمّا ما قلت إنّك تجعله لى ، فإن كان حقّاً للمؤمنين فليس لك أن تحكم فيه ، وإن كان لنا فلم نرضَ ببعضه دون بعض ، وعلي رِسلِك ; فإنّ رسول الله من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها . فخرجوا من عنده(١) . ٩٤٣ ـ تاريخ اليعقوبى : كان فيمن تخلّف عن بيعة أبى بكر أبو سفيان بن حرب ، وقال : أ رضيتم يا بنى عبد مناف أن يلى هذا الأمر عليكم غيركم ؟ وقال لعلىّ بن أبى طالب : اُمدد يدك اُبايعك ، وعلىّ معه قصىّ ، وقال :
وكان خالد بن سعيد غائباً ، فقدم فأتي عليّاً فقال : هلمّ اُبايعك ، فو الله ما فى الناس أحد أولي بمقام محمّد منك(٢) . ٩٤٤ ـ أنساب الأشراف عن صالح بن كيسان : قدم خالد بن سعيد بن العاص من ناحية اليمن بعد وفاة النبىّ ½ ، فأتي عليّاً وعثمان فقال : أنتما الشعار دون الدثار ; أ رضيتم يا بنى عبد مناف أن يلى أمركم عليكم غيركم ؟ . . . وعن عوانة (١) تاريخ اليعقوبى: ٢ / ١٢٤ ; الإمامة والسياسة : ١ / ٣٢ نحوه وفيه من "الرأى أن تلقي العبّاس . . ." وراجع شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢١ . ٢٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / من تخلّف عن بيعة أبى بكر
وابن جعدبة : لم يبايع خالد بن سعيد أبا بكر إلاّ بعد ستّة أشهر(١) . ٩٤٥ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر قصّة السقيفة ـ : لمّا رأت الأوس أنّ رئيساً من رؤساء الخزرج قد بايع ، قام اُسيد بن حُضَير ـ وهو رئيس الأوس ـ فبايع حسداً لسعد أيضاً ، ومنافسة له أن يلى الأمر ، فبايعت الأوس كلّها لمّا بايع اُسيد ، وحُمِل سعد بن عبادة وهو مريض ، فاُدخل إلي منزله ، فامتنع من البيعه فى ذلك اليوم وفيما بعده ، وأراد عمر أن يُكرهه عليها ، فاُشير عليه ألاّ يفعل ، وأنّه لا يبايع حتي يُقتل ، وأنّه لا يُقتل حتي يُقتل أهله ، ولا يُقتل أهله حتي يُقتل الخزرج ، وإن حوربت الخزرج كانت الأوس معها ، وفسد الأمر . فتركوه ، فكان لا يصلّى بصلاتهم ولا يجمع بجماعتهم ولا يقضى بقضائهم ، ولو وجد أعواناً لضاربهم . فلم يزل كذلك حتي مات أبو بكر ، ثمّ لَقِىَ عمر فى خلافته وهو علي فرس وعمر علي بعير ، فقال له عمر : هيهات يا سعد ! فقال سعد : هيهات يا عمر ! فقال : أنت صاحب من أنت صاحبه ؟ قال : نعم ، أنا ذاك . ثمّ قال لعمر : والله ما جاورنى أحد هو أبغض إلىّ جواراً منك ! قال عمر : فإنّه من كَرِه جوار رجل انتقل عنه ، فقال سعد : إنّى لأرجو أن اُخلِّيها لك عاجلا إلي جوار من هو أحبّ إلىّ جواراً منك ومن أصحابك . فلم يلبث سعد بعد ذلك إلاّ قليلا حتي خرج إلي الشام ، فمات بحَوران(٢) ولم يبايع لأحد ; لا لأبى بكر ، ولا لعمر ، ولا لغيرهما(٣) . ٩٤٦ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر قصّة السقيفة ـ : ووطئ الناس فراش سعد ، (١) أنساب الأشراف : ٢ / ٢٧٠ . ٣٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / اغتيال سعد بن عبادة
فقيل : قتلتم سعداً ، فقال عمر : قتل الله سعداً ! فوثب رجل من الأنصار فقال : أنا جُذَيْلها المحكّك وعذَيقها المرجَّب . فأخذ ووطئ فى بطنه ودسّوا فى فيه التراب(١) . ١ / ٦ ٩٤٧ ـ أنساب الأشراف عن ابن جعدبة عن صالح بن كيسان وعن أبى مخنف عن الكلبى وغيرهما : أنّ سعد بن عبادة لم يبايع أبا بكر ، وخرج إلي الشام . فبعث عمرُ رجلا وقال : ادعُه إلي البيعة واختلْ له ، وإن أبي فاستعن بالله عليه . فقدم الرجلُ الشام ، فوجد سعداً فى حائط(٢) بحَوارين ، فدعاه إلي البيعة ، فقال : لا اُبايع قرشيّاً أبداً . قال : فإنّى اُقاتلك . قال : وإن قاتلتنى . قال : أ فخارج أنت ممّا دخلت فيه الاُمّة ؟ قال : أمّا من البيعة فإنّى خارج ، فرماه بسهم فقتله . ورُوى أنّ سعداً رُمى فى حمّام . وقيل : كان جالساً يبول ، فرمته الجنّ فقتلته . وقال قائلهم :
٩٤٨ ـ أنساب الأشراف ـ فى أحوال سعد بن عبادة ـ : كان نقيباً ، سيّداً ، جواداً . ومات بحَوران فجأة لسنة مضت من خلافة عمر . ويقال : إنّه امتنع من البيعة لأبى (١) شرح نهج البلاغة: ٦ / ٤٠ . ٣١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / اغتيال سعد بن عبادة
بكر ، فوجّه إليه رجلا ليأخذ عليه البيعة وهو بحَوران من أرض الشام . فأباها ، فرماه فقتله . وفيه يروي هذا الشعر الذى ينتحله الجنّ :
٩٤٩ ـ مروج الذهب : خرج سعد بن عبادة ولم يبايع ، فصار إلي الشام ، فقتل هناك فى سنة خمس عشرة ، وليس كتابنا هذا موضعاً لخبر مقتله(٢) . ٩٥٠ ـ العقد الفريد عن أبى المنذر هشام بن محمّد الكلبى : بثّ عمرُ رجلاً إلي الشام ، فقال : ادْعُه إلي البيعة واحمل له بكلّ ما قدرت عليه ، فإن أبي فاستعن الله عليه . فقدم الرجل الشام ، فلقيه بحَوران فى حائط ، فدعاه إلي البيعة ، فقال : لا اُبايع قرشيّاً أبداً . قال : فإنّى اُقاتلك . قال : وإن قاتلتنى ! قال : أ فخارج أنت ممّا دخلت فيه الاُمّة ؟ قال : أمّا من البيعة فأنا خارج . فرماه بسهم ، فقتله . ميمون بن مِهران عن أبيه قال : رُمى سعد بن عبادة فى حمّام بالشام ، فقُتل(٣) . ٩٥١ ـ الاحتجاج عن محمّد بن عبد الله الشيبانى : كان سبب موته أن رمى بسهم فى الليل فقتله ، وزعموا أنّ الجنّ رموه ، وقيل أيضاً : إنّ محمّد بن سلمة الأنصارى تولّي ذلك بجعل جُعل له عليه ، وروى أنّه تولّي ذلك المغيرة بن شعبة ، وقيل خالد بن الوليد(٤) . (١) أنساب الأشراف: ١ / ٢٩١ وراجع المصنّف لعبد الرزّاق : ١١ / ٤٣٤ / ٢٠٩٣١ والمعجم الكبير : ٦ / ١٦ / ٥٣٦٠ والطبقات الكبري : ٧ / ٣٩١ . ٣٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / اغتيال سعد بن عبادة
٩٥٢ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر سعد بن عبادة ـ : لم يبايع أبا بكر حين بُويع ، وخرج إلي حَوْران ، فمات بها . قيل : قتلته الجنّ ; لأنّه بال قائماً فى الصحراء ليلاً ، وروَوْا بيتين من شعر ; قيل : إنّهما سُمعا ليلة قتله ، ولم يُرَ قائلهما :
ويقول قوم : إنّ أمير الشام يومئذ كَمَن له مَنْ رماه ليلاً ، وهو خارج إلي الصحراء بسهمين ، فقتله لخروجه عن طاعة الإمام ، وقد قال بعض المتأخّرين فى ذلك :
٩٥٣ ـ شرح نهج البلاغة : قال شيطان الطاق [يعنى مؤمن الطاق محمّد بن علىّ ابن النعمان الأحول ]لسائل سأله : ما منع عليّاً أن يُخاصم أبا بكر فى الخلافة ؟ فقال : يابن أخى ، خاف أن تقتله الجنّ ! ! [قال ابن أبى الحديد] والجواب ، أمّا أنا فلا أعتقد أنّ الجن قتلت سعداً ، ولا أنّ هذا شعرُ الجنّ ، ولا أرتاب أنّ البشر قتلوه ، وأنّ هذا الشعر شعر البشر ، ولكن لم يثبت عندى أنّ أبا بكر أمَر خالداً ، ولا أستبعد أن يكون فعله من تلقاء نفسه ليُرضي بذلك أبا بكر ـ وحاشاه ـ فيكون الإثم علي خالد ، وأبو بكر بريءٌ من (١) شرح نهج البلاغة : ١٠ / ١١١ ; الصراط المستقيم : ٣ / ١٠٩ نحوه ، الدرجات الرفيعة : ٣٣٤ . ٣٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / من أنكر علي بيعة أبى بكر
إثمه ; وما ذلك من أفعال خالد ببعيد(١) . تعليق عمدت بعض النصوص التاريخيّة إلي إظهار أنّ موت سعد بن عبادة كان موتاً طبيعيّاً ، بل إنّها ذكرت أنّ سعداً كان ممّن عارضوا أبا بكر فى البداية ثمّ بايعوه لاحقاً . ولكن يتّضح من التأمّل فى واقعة السقيفة واستجلاء النصوص المختلفة الواردة فى هذا المجال ، بشكل لا يقبل الشكّ ، بأنّه لم يبايع ، واغتيل علي يد خصومه السياسيّين . إنّ المكانة السياسيّة والاجتماعيّة التى كان يتبوّؤها سعد بن عبادة ومعارضته الجادّة لخلافة الحاكم آنذاك دعت إلي إزاحته عن الساحة السياسيّة بهدوء ، وبدون إثارة أىّ توتّر فى الأجواء ، ثمّ اُلقيت تهمة قتله علي عاتق الجنّ كيلا تنجم عنه مشكلة سياسيّة واجتماعيّة . ويمكن للباحث من ظلال هذا التحليل البسيط معرفة المتّهم الأصلى فى اغتيال سعد بن عبادة ، وحتي إذا لم يتوفّر نصّ تاريخى دالّ علي صحّة هذا التحليل إلاّ أنّ هناك مؤشّرات تؤيّد صحّة هذا التحليل ، بل ويُفهم من كلام مؤمن الطاق بأنّ مقتله علي يد خصومه السياسيّين كان أمراً بديهيّاً فى ذلك العصر . ١ / ٧ ٩٥٤ ـ أنساب الأشراف عن أبى عمرو الجونى : قال سلمان الفارسى حين بويع ٣٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / من أنكر علي بيعة أبى بكر
أبو بكر : كرداذ وناكرداذ ; أى عملتم وما عملتم ، لو بايعوا عليّاً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم(١) . ٩٥٥ ـ شرح نهج البلاغة : إنّ سلمان والزبير والأنصار كان هواهم أن يبايعوا عليّاً ¼ بعد النبىّ ½ ، فلمّا بويع أبو بكر قال سلمان : أصبتم الخبرة وأخطأتم المعدن . . . وقال يومئذ : أصبتم ذا السنّ منكم ، وأخطأتم أهل بيت نبيّكم ، لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم اثنان ، ولأكلتموها رغداً(٢) . ٩٥٦ ـ الاحتجاج عن أبان بن تغلب : قلت لأبى عبد الله جعفر بن محمّد الصادق ¤ : جعلت فداك ، هل كان أحد فى أصحاب رسول الله ½ أنكر علي أبى بكر فعله وجلوسه فى مجلس رسول الله ½ ؟ فقال : نعم ، كان الذى أنكر علي أبى بكر اثنا عشر رجلاً ، من المهاجرين : خالد بن سعيد بن العاص وكان من بنى اُميّة ، وسلمان الفارسى ، وأبو ذرّ الغفارى ، والمقداد بن الأسود الكندى ، وعمّار بن ياسر ، وبُريدة الأسلمى . ومن الأنصار : أبو الهيثم بن التيهان ، وسهل وعثمان ابنا حنيف ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، واُبىّ بن كعب ، وأبو أيّوب الأنصارى(٣) . (١) أنساب الأشراف : ٢ / ٢٧٤ ; الإيضاح : ٤٥٧ عن ابن عمر ، الاحتجاج : ١ / ١٩٢ / ٣٧ عن أبان بن تغلب عن الإمام الصادق ¼ كلاهما نحوه . راجع : القسم التاسع / علىّ عن لسان أصحاب النبىّ / سلمان . ٣٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / كلام الإمام لمّا وصل إليه خبر السقيفة
١ / ٨ كلام الإمام لمّا وصل إليه خبر السقيفة ٩٥٧ ـ الإرشاد : لمّا تمّ ، لأبى بكر ما تمّ ، وبايعه من بايع ، جاء رجل إلي أمير المؤمنين ¼ وهو يسوّى قبر رسول الله ½ بمسحاة فى يده فقال له : إنّ القوم قد بايعوا أبا بكر ، ووقعت الخذلة فى الأنصار لاختلافهم ، وبدرَ الطلقاء بالعقد للرجل خوفاً من إدراككم الأمر . فوضع طرف المسحاة فى الأرض ويده عليها ثمّ قال : ³ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ± الم ± أَ حَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ± وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ± أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّـئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ² (١) (٢) . ٩٥٨ ـ نهج البلاغة : قالوا : لمّا انتهت إلي أمير المؤمنين ¼ أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله ½ قال ¼ : ما قالت الأنصار ؟ قالوا : قالت : منّا أمير ومنكم أمير . قال ¼ : فهلاّ احتججتم عليهم بأنّ رسول الله ½ وصّي بأن يُحسن إلي مُحسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم ؟ قالوا : وما فى هذا من الحجّة عليهم ؟ فقال ¼ : لو كانت الإمامة فيهم لم تكن الوصيّة بهم . ثمّ قال ¼ : فماذا قالت قريش ؟ قالوا : احتجّت بأنّها شجرة الرسول ½ ، (١) العنكبوت : ١ ـ ٤ . ٣٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / كلام الإمام لمّا وصل إليه خبر السقيفة
فقال ¼ : احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة(١) . ٩٥٩ ـ نثر الدرّ : واُخبر [عليّ] ¼ بقول الأنصار يوم السقيفة لقريش : منّا أمير ومنكم أمير ، فقال : أ ذكّرتموهم قول رسول الله ½ : استوصوا بالأنصار خيراً ; اقبلوا من محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم ؟ قالوا : وما فى ذلك ؟ قال : كيف تكون الإمامة لهم مع الوصيّة بهم ؟ لو كانت الإمامة لهم لكانت الوصيّة إليهم . فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب فقال : ذهبتْ والله عنّا ، ولو ذكرناها ما احتجنا إلي غيرها(٢) . ٩٦٠ ـ خصائص الأئمة (ع) : قال [عليّ] ¼ فى شأن الخلافة : وا عجبا ! أ تكون الخلافة بالصحابة ، ولا تكون بالصحابة والقرابة ؟ ! ويروي : والقرابة والنصّ(٣) . تحقيق حول كلام الإمام (١) نهج البلاغة : الخطبة ٦٧ ، خصائص الأئمّة
(ع) : ٨٦ وفى صدره "لمّا رفع أمير المؤمنين ¼ يده من غسل رسول الله ½ أتته أنباء . . ." . فإن كنتَ بالشوري ملكتَ اُمورَهم فكيف بهذا والمشيرون غُيَّب ؟ وإن كنت بالقربي حججت خصيمهم فغيرك أولي بالنبىّ وأقرب |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||