الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الثالث

 

 

 ٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبيّ

وفيه فصول :

الفصل الأوّل: قصّة السقيفة

الفصل الثاني: عهد عمر بن الخطاب

الفصل الثالث: مبادئ خلافة عثمان

الفصل الرابع: مبادئ الثورة علي عثمان

الفصل الخامس: الثورة علي عثمان

 ٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبيّ

 ٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة

 

١ / ١

إنكار موت النبىّ

٩٢٤ ـ سنن الدارمى عن عكرمة : توفّى رسول الله  ½ يوم الإثنين ، فحُبس بقيّة يومه وليلته والغد حتي دفن ليلة الأربعاء ، وقالوا : إنّ رسول الله  ½ لم يمُت ، ولكن عُرج بروحه كما عُرج بروح موسي ، فقام عمر فقال : إنّ رسول الله  ½ لم يمُت ، ولكن عُرج بروحه كما عُرج بروح موسي ، واللهِ لا يموت رسول الله  ½ حتي يقطع أيدى أقوام وألسنتهم ، فلم يزل عمر يتكلّم حتي اُزبد شدقاه ممّا يوعد ويقول .

فقام العبّاس فقال : إنّ رسول الله  ½ قد مات ، وإنّه لبشر ، وإنّه يأسُنُ(١) كما يأسن البشر . أى قومِ فادفنوا صاحبكم ; فإنّه أكرم علي الله من أن يُميته إماتتين ،


(١) أى يتغيّر (النهاية : ١ / ٥٠) .

 ٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ

أ يُميت أحدَكم إماتة ويميته إماتتين وهو أكرم علي الله من ذلك ؟ !

أى قوم فادفنوا صاحبكم ; فإن يك كما تقولون فليس بعزيز علي الله أن يبحث عنه التراب . إنّ رسول الله  ½ واللهِ ما مات حتي ترك السبيل نهجاً واضحاً ، فأحلّ الحلال وحرّم الحرام ، ونكح وطلّق ، وحارب وسالم .

ما كان راعى غنم يتبع بها صاحبها رؤوس الجبال يخبط عليها العضاة بمخبطه ، ويمدُر(١) حوضها بيده بأنصبَ ولا أدأب من رسول الله  ½ كان فيكم أى قومِ ، فادفنوا صاحبكم(٢) .

٩٢٥ ـ الطبقات الكبري عن عائشة : لمّا توفّى رسول الله  ½ ، استأذن عمر والمغيرة بن شعبة ، فدخلا عليه فكشفا الثوب عن وجهه فقال عمر : واغشيا ! ما أشدّ غشىَ رسول الله  ½ . ثمّ قاما ، فلمّا انتهيا إلي الباب قال المغيرة : يا عمر مات والله رسول الله  ½ ! فقال عمر : كذبت ! ما مات رسول الله  ½ ، ولكنّك رجل تحوشك فتنة ، ولن يموت رسول الله  ½ حتي يُفنى المنافقين .

ثمّ جاء أبو بكر وعمر يخطب الناس فقال له أبو بكر : اسكت ! فسكت ، فصعد أبو بكر ، فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قرأ : ³ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ  ²  (٣) ، ثمّ قرأ : ³ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ  ²  (٤) ، حتي فرغ من الآية ، ثمّ قال : من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات ، ومن كان


(١) مدَرَهُ : أى طيّنه وأصلحه بالمَدَر ; وهو الطين المتماسك ; لئلاّ يخرج منه الماء (النهاية : ٤ / ٣٠٩) .
(٢) سنن الدارمى : ١ / ٤٢ / ٨٣ ، الطبقات الكبري : ٢ / ٢٦٦ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٢٤٣ عن ابن عبّاس وكلاهما نحوه ، كنز العمّال : ٧ / ٢٤٤ / ١٨٧٧٣ .
(٣) الزمر : ٣٠ .
(٤) آل عمران : ١٤٤ .

 ٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ

يعبد الله فإنّ الله حىٌّ لا يموت !

قال : فقال عمر : هذا فى كتاب الله ؟ قال : نعم ! فقال : أيّها الناس ! هذا أبو بكر وذو شيبة المسلمين فبايِعوه ! فبايعه الناس(١) .

٩٢٦ ـ تاريخ اليعقوبى ـ فى ذكر وفاة رسول الله  ½ ـ : خرج عمر فقال : والله ما مات رسول الله ولا يموت ، وإنّما تغيّب كما غاب موسي بن عمران أربعين ليلة ثمّ يعود ، والله ليقطعنّ أيدى قوم وأرجلهم .

وقال أبو بكر : بل قد نعاه الله إلينا فقال : ³ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ  ²  . فقال عمر : والله لكأنّى ما قرأتها قطّ ! ثمّ قال :

لعَمْرى لقد أيقنتُ أنّك ميتٌ ولكنّما أبدي الذى قلتُه الجزَعْ(٢)

٩٢٧ ـ صحيح البخارى عن عائشة : إنّ رسول الله  ½ مات وأبو بكر بالسُّنْح(٣) ـ يعنى بالعالية ـ فقام عمر يقول : والله ما مات رسول الله  ½ ! قالت : وقال عمر : والله ما كان يقع فى نفسى إلاّ ذاك ، وليبعثنّه الله ، فليقطعنّ أيدى رجال وأرجلهم .

فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله  ½ فقبّله ، قال : بأبى أنت واُمّى ، طبتَ حيّاً وميّتاً ، والذى نفسى بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً . ثمّ خرج فقال : أيّها الحالف علي رِسْلِكَ ، فلمّا تكلّم أبو بكر جلس عمر ، فحمد الله أبو بكر وأثني عليه ،


(١) الطبقات الكبري : ٢ / ٢٦٧ ، مسند ابن حنبل : ١٠ / ٤٤ / ٢٥٨٩٩ ، البداية والنهاية : ٥ / ٢٤١ كلاهما نحوه ، كنز العمّال : ٧ / ٢٣٢ / ١٨٧٥٥ .
(٢) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١١٤ ; السيرة النبويّة لابن هشام : ٤ / ٣٠٥ عن أبى هريرة ، شرح نهج البلاغة : ١ / ١٧٨ وج ٢ / ٤٣ كلّها نحوه وليس فيها "بيت الشعر" .
(٣) السُّنْح : موضع قرب المدينة المنوّرة ـ علي ساكنها أفضلُ الصلاة والسلام ـ كان به مسكن أبى بكر (تاج العروس : ٤ / ٩٦) .

 ١٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ

وقال :

ألا من كان يعبد محمّداً  ½ فإنّ محمّداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حىٌّ لا يموت . وقال : ³ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ  ²  . وقال : ³ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئـًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ  ²  . فنشجَ الناس يبكون(١) .

٩٢٨ ـ دلائل النبوّة عن عروة ـ فى ذكر وفاة رسول الله  ½ ـ : قام عمر بن الخطّاب يخطب الناس ويوعِد من قال : "قد مات" بالقتل والقطع ويقول : إنّ رسول الله  ½ فى غَشيته لو قد قام قطع وقتل ، وعمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن اُمّ مكتوم قائم فى مؤخّر المسجد يقرأ ³ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ  ²  إلي قوله ³ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ  ²  والناس فى المسجد قد ملؤوه ويبكون ويموجون لا يسمعون ، فخرج عبّاس بن عبد المطّلب علي الناس فقال : يا أيّها الناس ، هل عند أحد منكم مِن عهد من رسول الله  ½ فى وفاته فليحدّثنا ؟ قالوا : لا . قال : هل عندك يا عمر من علم ؟ قال : لا . قال العبّاس :

أشهد أيّها الناس أنّ أحداً لا يشهد علي النبىّ  ½ لعهد عهده إليه فى وفاته ، والله الذى لا إله إلاّ هو ، لقد ذاق رسول الله  ½ الموت .

وأقبل أبو بكر من السُّنْح علي دابّته حتي نزل بباب المسجد ، ثمّ أقبل مكروباً حزيناً ، فاستأذن فى بيت ابنته عائشة ، فأذنت له ، فدخل ورسول الله  ½ قد توفّى علي الفراش والنسوة حوله ، فخمّرن وجوههنّ واستترن من أبى بكر إلاّ ما كان


(١) صحيح البخارى : ٣ / ١٣٤١ / ٣٤٦٧ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٥٢٠ / ١٦٢٧ ، مسند ابن حنبل : ١٠ / ٤٥ / ٢٥٨٩٩ ، الطبقات الكبري : ٢ / ٢٦٨ ، تاريخ الطبرى : ٣ / ٢٠٠ كلاهما عن أبى هريرة ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٩ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ٤٠ ، البداية والنهاية : ٥ / ٢٤٢ كلّها نحوه .

 ١١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ

من عائشة ، فكشف عن رسول الله  ½ ، فحنا عليه يقبّله ويبكى ويقول : ليس ما يقول ابن الخطّاب شىء ، توفّى رسول الله  ½ والذى نفسى بيده ، رحمةُ الله عليك يا رسول الله ! ما أطيبك حيّاً وما أطيبك ميّتاً ! ثمّ غشّاه بالثوب ، ثمّ خرج سريعاً إلي المسجد يتوطّأ رقاب الناس ، حتي أتي المنبر ، وجلس عمر حين رأي أبا بكر مقبلا إليه ، فقام أبو بكر إلي جانب المنبر ثمّ نادي الناس فجلسوا وأنصتوا ، فتشهّد أبو بكر بما علمه من التشهّد وقال :

إنّ الله تبارك وتعالي نعي نبيّكم إلي نفسه وهو حىّ بين أظهركم ، ونعاكم إلي أنفسكم ; فهو الموت حتي لا يبقي أحد إلاّ الله عزّ وجلّ ، قال الله تبارك وتعالي : ³ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ  ²  إلي قوله ³ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ  ²  فقال عمر : هذه الآية فى القرآن ؟ ! والله ما علمت أنّ هذه الآية اُنزلت قبل اليوم ! !(١)

٩٢٩ ـ صحيح البخارى عن أنس بن مالك : انّه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس علي المنبر ، وذلك الغدُ من يومِ توفّى النبىّ  ½ ، فتشهّد وأبو بكر صامت لا يتكلّم ، قال : كنت أرجو أن يعيش رسول الله  ½ حتي يدبُرنا ـ يريد بذلك أن يكون آخرهم ـ فإن يك محمّد  ½ قد مات فإنّ الله تعالي قد جعل بين أظهركم نوراً تهتدون به بما هدي الله محمّداً  ½ ، وإنّ أبا بكر صاحب رسول الله  ½ ثانى اثنين ; فإنّه أولي المسلمين باُموركم ، فقوموا فبايعوه ، وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك فى سقيفة بنى ساعدة ، وكانت بيعة العامّة علي المنبر(٢) .


(١) دلائل النبوّة للبيهقى : ٧ / ٢١٧ ، البداية والنهاية : ٥ / ٢٤٢ و٢٤٣ ، كنز العمّال: ٧ / ٢٤٥ / ١٨٧٧٥ .
(٢) صحيح البخارى: ٦ / ٢٦٣٩ / ٦٧٩٣ ، صحيح ابن حبّان : ١٥ / ٢٩٧ / ٦٨٧٥ ; الطرائف : ٤٥٣ نحوه .

 ١٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ

٩٣٠ ـ صحيح ابن حبّان عن أنس بن مالك : أنّه سمع عمر بن الخطّاب من الغد حين بويع أبو بكر فى مسجد رسول الله  ½ ، واستوي أبو بكر علي منبر رسول الله  ½ ، قام عمر فتشهّد قبل أبى بكر ثمّ قال :

أمّا بعد ، فإنّى قلت لكم أمسِ مقالةً لم تكن كما قلت ، وإنّى والله ما وجدتها فى كتاب أنزله الله ، ولا فى عهد عهِدهُ إلىّ رسول الله  ½ ، ولكنّى كنت أرجو أن يعيش رسول الله  ½ حتي يَدبُرنا ـ يقول : حتي يكون آخرنا ـ فاختار الله جلّ وعلا لرسوله  ½ ، الذى عنده علي الذى عندكم ، وهذا كتاب الله هدي اللهُ به رسوله  ½ ، فخذوا به تهتدوا بما هدي الله به رسوله  ½ (١) .

نظرة تحليليّة فى سبب إنكار موت النبىّ


(١) صحيح ابن حبّان : ١٤ / ٥٨٩ / ٦٦٢٠ ، الطبقات الكبري: ٢ / ٢٧١ ، المصنّف لعبد الرزّاق : ٥ / ٤٣٧ / ٩٧٥٦ نحوه .

 ١٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ

ودّع النبىّ  ½ الحياة إلي الرفيق الأعلي .

واهتزّت المدينة ، وعلاها هياج وضجيج ، وانتشر خبر وفاته بسرعة ، فأقضّ المضاجع ، وملأ القلوب غمّاً وهمّاً وحزناً . والجميع كانوا يبكون وينحبون ، ويُعوِلون علي فقد نبيّهم وسيّدهم وكان الشخص الوحيد الذى كذّب خبر الوفاة بشدّة كما أسلفنا ، وهدّد علي نشره ، وحاول أن يحول دون ذلك هو عمر بن الخطّاب . وتكلّم معه العبّاس عمّ النبىّ فلم يقتنع .

وحين نظر المغيرة بن شعبة إلي وجه النبىّ  ½ أقسم أنّه ميّت ، لكنّ عمر قذفه بالكذب واتّهمه بإثارة الفتنة .

وكان أبو بكر فى "السُّنْح" خارج المدينة ، فأخبروه بوفاة النبىّ  ½ ، فجاء إلي المدينة ورأي عمر يتحدّث إلي الناس ويهدّدهم بألاّ يصدّقوا ذلك ولا ينشروه .

وعندما رأي عمر أبا بكر جلس(١) . وذهب أبو بكر إلي الجنازة ، وكشف عن


(١) كنز العمّال : ٧ / ٢٤٦ / ١٨٧٧٥ .

 ١٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ

الوجه الشريف ، وخطب خطبةً قصيرةً ضمّنها قوله تعالي : ³ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ  ²  (١) فهدأ عمر وسكن ، وصدّق بالوفاة وقال بعد سماعه الآية : "أيقنتُ بوفاته ; وكأنّى لم أسمع هذه الآية"(٢) !

أ تري أن عمر كان لا يعلم حقّاً أنّ النبىّ  ½ قد مات ؟ !

ذهب البعض إلي ذلك وقال : كان لا يعلم حقّاً . بعبارة اُخري : كان يعتقد أنّه لا يموت ، بل هو خالد(٣) . ويتبيّن من هذا أنّ القائلين به غير واعين لِلُّعَب السياسيّة وتهيئة الأجواء !

وذهب البعض الآخر إلي أنّه كان يعلم جيّداً أنّ النبىّ  ½ فارق الحياة ، ولن يكون بعدها بين ظهرانى المسلمين ، لكنّ التفكير بالمصلحة ، والتخطيط للمستقبل جعلاه يتّخذ هذا الموقف ليمهّد الأرضيّة من أجل التحرّك لإزالة منافسيه السياسيّين من الساحة . وتبنّي ابنُ أبى الحديد هذا الرأى ، وذهب إلي أنّه فعل ذلك منعاً لفتنة قد يثيرها الأنصار أو غيرهم حول الإمامة . كتب ابن أبى الحديد قائلاً :

"و نحن نقول : إنّ عمر أجلّ قدراً من أن يعتقد ما ظهر عنه فى هذه الواقعة ، ولكنّه لمّا علم أنّ رسول الله  ½ قد مات ، خاف من وقوع فتنة في الإمامة وتقلّب أقوام عليها ، إمّا من الأنصار أو غيرهم . . . فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس بأن أظهر ما أظهره من كون رسول الله  ½ لم يمت . . . إلي أن جاء أبو بكر ـ وكان


(١) آل عمران : ١٤٤ .
(٢)
(٣) (٢ و) شرح نهج البلاغة: ١٢ / ١٩٥ .

 ١٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / إنكار موت النبيّ

غائباً بالسُّنْح ، وهو منزل بعيد عن المدينة ـ فلمّا اجتمع بأبى بكر قوى به جأشه ، واشتدّ به أزره ، وعظم طاعة الناس له وميلهم إليه ، فسكت حينئذ عن تلك الدعوي التى كان ادّعاها"(١) .

نظراً إلي القرائن التاريخيّة ، ومواقف هذين الرجلين ، وسكوت عمر المطلق بعد وصول أبى بكر وكان قد أثار ما أثار من الضجيج واللغط ، كلّ اولئك لا يَدَع مجالاً للشّك فى أنّ موقف عمر كان تحرّكاً سياسيّاً للتمهيد من أجل الشىء الذى امتنع بسببه من الذهاب مع جيش اُسامة ، مخالفاً لنصّ نبوى صريح وأمر رسالى أكيد . وكان النبىّ  ½ نفسه يتحدّث عن نهاية حياته ، وأبلغ الجميع بذلك . وكان عمر قبل هذا الوقت وحين منع من كتابة الوصيّة يردّد شعار "حسبنا كتاب الله" ، أى: إنّ كلمة "حسبنا . . ." تتحقّق بعد وفاة النبىّ  ½ ويمكن القول مبدئيّاً إنّ نصّ القرآن الكريم علي وفاته وعدم خلوده  ½ يدلّ علي أنّ نفى وفاته لم يكن عقيدةً راسخةً يتبنّاها المؤمنون قطّ ، وأوضح من ذلك كلّه كلام عمر نفسه عندما نصب أبا بكر فى الخلافة وأجلسه علي عرشها ، فقد صرّح بخطأ مقاله ووهنه قائلاً: "أمّا بعد ، فإنّى قلتُ لكم أمس مقالةً لم تكن كما قلت . وإنّى والله ما وجدتها فى كتاب أنزله الله ولا فى عهد عهده إلىّ رسول الله  ½ ، ولكنّى كنتُ أرجو أن يعيش رسول الله  ½ ـ فقال كلمة يريد ـ حتي يكون آخرنا ، فاختار الله لرسوله الذى عنده علي الذى عندكم ، وهذا الكتاب الذى هدي الله به رسولكم ، فخذوا به تهتدوا لما هدي له رسول الله"(٢) .

إنّ هذا كلّه يدلّ علي أنّه كان يمهّد الأرضيّة للقبض علي السلطة ، ويهيّئ


(١) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٤٢ .
(٢) الطبقات الكبري : ٢ / ٢٧١ .

 ١٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة

الاُمور لخلافة أبى بكر حتي يتسنّي له أن يحكم بعده . وما أبلغ كلام الإمام أمير المؤمنين  ¼ حين قال له:

"أحلب حَلْباً لك شَطْره(١)" .

١ / ٢

ما جري فى السقيفة

٩٣١ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى عمرة الأنصارى : إنّ النبىّ  ½ لمّا قُبض اجتمعت الأنصار فى سقيفة بنى ساعدة(٢) ، فقالوا : نولّى هذا الأمر بعد محمّد  ½ سعد بن عبادة ، وأخرَجوا سعداً إليهم وهو مريض .

فلمّا اجتمعوا قال لابنه أو بعض بنى عمّه : إنّى لا أقدر لشكواى أن اُسمِع القوم كلّهم كلامى ، ولكن تَلَقَّ منّى قولى فأسمِعهموه . فكان يتكلّم ويحفظ الرجل قوله ، فيرفع صوته فيُسمِع أصحابه ، فقال ـ بعد أن حمد الله وأثني عليه ـ :

يا معشر الأنصار ! لكم سابقة فى الدِّين ، وفضيلة فى الإسلام ليست لقبيلة من العرب ; إن محمّداً  ½ لبث بضع عشرة سنة فى قومه يدعوهم إلي عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان ، فما آمن به من قومه إلاّ رجال قليل ، وكان ما كانوا يقدرون علي أن يمنعوا رسول الله ولا أن يُعِزّوا دينه ، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيماً عُمُّوا به ، حتي إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة وخصّكم بالنعمة ، فرزقكم الله الإيمان به وبرسوله ، والمنع له ولأصحابه ، والإعزاز له ولدينه ،


(١) راجع : الهجوم علي بيت فاطمة بنت رسول الله .
(٢) سقِيفة بنى ساعدة : بالمدينة ، وهى ظلّة كانوا يجلسون تحتها ، فيها بويع أبو بكر (معجم البلدان : ٣ / ٢٢٨) .

 ١٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة

والجهاد لأعدائه ، فكنتم أشدّ الناس علي عدوّه منكم ، وأثقله علي عدوّه من غيركم ، حتي استقامت العرب لأمر الله طوعاً وكرهاً ، وأعطي البعيدُ المقادةَ صاغراً داخراً حتي أثخن الله عزّ وجلّ لرسوله بكم الأرض ، ودانت بأسيافكم له العرب ، وتوفّاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير عين ، استبِدّوا بهذا الأمر ; فإنّه لكم دون الناس .

فأجابوه بأجمعهم : أن قد وُفِّقت فى الرأى ، وأصبت فى القول ، ولن نعدو ما رأيت ، ونولِّيك هذا الأمر ; فإنّك فينا مَقْنَعٌ ولصالح المؤمنين رضي .

ثمّ إنّهم ترادّوا الكلام بينهم ، فقالوا : فإن أبت مهاجرة قريش ، فقالوا : نحن المهاجرون وصحابة رسول الله الأوّلون ، ونحن عشيرته وأولياؤه ، فعلامَ تنازعوننا هذا الأمر بعده ؟ فقالت طائفة منهم : فإنّا نقول إذاً : منّا أمير ومنكم أمير ، ولن نرضي بدون هذا الأمر أبداً . فقال سعد بن عبادة حين سمعها : هذا أوّل الوهن !

وأتي عمرَ الخبرُ ، فأقبل إلي منزل النبىّ  ½ ، فأرسل إلي أبى بكر ، وأبو بكر فى الدار وعلىّ بن أبى طالب  ¼ دائب فى جهاز رسول الله  ½ ، فأرسل إلي أبى بكر أن اخرج إلىّ ، فأرسل إليه : إنّى مشتغل ، فأرسل إليه أنّه قد حدث أمر لابدّ لك من حضوره ، فخرج إليه فقال : أ ما علمت أنّ الأنصار قد اجتمعت فى سقيفة بنى ساعدة يريدون أن يولّوا هذا الأمر سعد بن عبادة ، وأحسنهم مقالة من يقول : منّا أمير ومن قريش أمير ؟

فمضيا مسرعَين نحوهم ، فلقيا أبا عبيدة بن الجرّاح ، فتماشوا إليهم ثلاثتهم ، فلقيهم عاصم بن عدىّ وعويم بن ساعدة ، فقالا لهم : ارجعوا ; فإنّه لا يكون ما تريدون ، فقالوا : لا نفعل . فجاؤوا وهم مجتمعون .

 ١٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة

فقال عمر بن الخطاب : أتيناهم ـ وقد كنت زوّرت كلاماً أردت أن أقوم به فيهم ـ فلمّا أن دفعتُ إليهم ذهبتُ لابتدئ المنطق ، فقال لى أبو بكر : رُوَيداً حتي أتكلّم ، ثمّ انطق بعد بما أحببت . فنطق ، فقال عمر : فما شىء كنت أردت أن أقوله إلاّ وقد أتي به أو زاد عليه .

فقال عبد الله بن عبد الرحمن : فبدأ أبو بكر فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال : إنّ الله بعث محمّداً رسولا إلي خلقه ، وشهيداً علي اُمّته ; ليعبدوا الله ويوحّدوه ، وهم يعبدون من دونه آلهة شتّي ، ويزعمون أنّها لهم عنده شافعة ، ولهم نافعة ، وإنّما هى من حجر منحوت ، وخشب منجور ، ثمّ قرأ : ³ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ  ²  (١) وقالوا : ³ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَي اللَّهِ زُلْفَىٰ  ²  (٢) فعظم علي العرب أن يتركوا دين آبائهم ، فخصّ الله المهاجرين الأوّلين من قومه بتصديقه والإيمان به والمؤاساة له ، والصبر معه علي شدّة أذي قومهم لهم وتكذيبهم إيّاهم ، وكلّ الناس لهم مخالف زار عليهم ، فلم يستوحشوا لقلّة عددهم وشنف(٣) الناس لهم ، وإجماع قومهم عليهم ، فهم أوّل من عبَد الله فى الأرض ، وآمن بالله وبالرسول ، وهم أولياؤه وعشيرته وأحقّ الناس بهذا الأمر من بعده ، ولا ينازعهم ذلك إلاّ ظالم .

وأنتم يا معشر الأنصار ! مَن لا يُنكَر فضلهم فى الدين ، ولا سابقتهم العظيمة فى الإسلام ، رضيكم الله أنصاراً لدينه ورسوله ، وجعل إليكم هجرته ، وفيكم جلّة أزواجه وأصحابه ، فليس بعد المهاجرين الأوّلين عندنا أحد بمنزلتكم ، فنحن


(١) يونس : ١٨ .
(٢) الزمر : ٣ .
(٣) يقال : شَنِفَ له شَنَفاً ; إذا أبغضه (النهاية : ٢ / ٥٠٥) .

 ١٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة

الاُمراء وأنتم الوزراء ، لا تفتاتون بمشورة ولا نقضى دونكم الاُمور .

فقام الحُباب بن المنذر بن الجموح فقال : يا معشر الأنصار ! أملكوا عليكم أمركم ; فإنّ الناس فى فيئكم وفى ظلّكم ، ولن يجترئ مجترئ علي خلافكم ، ولن يصدر الناس إلاّ عن رأيكم ، أنتم أهل العزّ والثروة ، وأولو العدد والمنعة والتجربة [ و](١) ذوو البأس والنجدة ، وإنّما ينظر الناس إلي ما تصنعون ، ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم ، وينتقض عليكم أمركم ، فإن أبي هؤلاء إلاّ ما سمعتم ، فمنّا أمير ومنهم أمير .

فقال عمر : هيهات لا يجتمع اثنان فى قرن ! والله لا ترضي العرب أن يؤمّروكم ونبيّها من غيركم ، ولكنّ العرب لا تمتنع أن تولّى أمرها من كانت النبوّة فيهم ووَلىّ اُمورهم منهم ، ولنا بذلك علي من أبي من العرب الحجّة الظاهرة والسلطان المبين . من ذا ينازعنا سلطان محمّد وإمارته ـ ونحن أولياؤه وعشيرته ـ إلاّ مُدل بباطل ، أو متجانف لإثم ، ومتورِّط فى هلكة . . . .

فقال أبو بكر : هذا عمر وهذا أبو عبيدة ، فأيّهما شئتم فبايعوا . فقالا : لا والله لا نتولّي هذا الأمر عليك ; فإنّك أفضل المهاجرين ، وثانى اثنين إذ هما فى الغار ، وخليفة رسول الله علي الصلاة ، والصلاة أفضل دين المسلمين ، فمن ذا ينبغى له أن يتقدّمك أو يتولّي هذا الأمر عليك ، اُبسُط يدك نبايعك .

فلمّا ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه ، فناداه الحُباب بن المنذر : يا بشير بن سعد ! عَقّتك عَقاقِ ، ما أحوجك إلي ما صنعت ، أ نَفِسْتَ علي ابن عمّك الإمارة ؟ ! فقال : لا والله ، ولكنّى كرهتُ أن اُنازع قوماً حقّاً جعله الله لهم .


(١) هذه الزيادة من الكامل فى التاريخ .

 ٢٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة

ولمّا رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد ، وما تدعو إليه قريش ، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض ـ وفيهم اُسيد بن حُضير وكان أحد النقباء(١) ـ : والله لئن وليَتْها الخزرج عليكم مرّة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيباً أبداً ، فقوموا فبايعوا أبا بكر . فقاموا إليه فبايعوه ، فانكسر علي سعد بن عبادة وعلي الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم(٢) .

٩٣٢ ـ صحيح البخارى عن عائشة : اجتمعت الأنصار إلي سعد بن عبادة فى سقيفة بنى ساعدة ، فقالوا : منّا أمير ومنكم أمير ، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطّاب وأبو عبيدة بن الجرّاح ، فذهب عمر يتكلّم فأسكته أبو بكر ، وكان عمر يقول : والله ما أردت بذلك إلاّ أنّى قد هيّأت كلاماً قد أعجبنى ، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر .

ثمّ تكلّم أبو بكر فتكلّم أبلغَ الناس ، فقال فى كلامه : نحن الاُمراء وأنتم الوزراء ، فقال حُباب بن المنذر : لا والله لا نفعل ، منّا أمير ، ومنكم أمير ، فقال أبو بكر : لا ، ولكنّا الاُمراء وأنتم الوزراء ، هم أوسط العرب داراً ، وأعربهم أحساباً ، فبايِعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجرّاح ، فقال عمر : بل نبايعك أنت ; فأنت


(١) النقباء : جمع نقيب ; وهو كالعريف علي القوم المقدّم عليهم ، الذى يتعرّف أخبارهم ، وينقّب عن أحوالهم ; أى يفتَّش . وكان النبىّ  ½ قد جعل ليلةَ العقبة كلَّ واحد من الجماعة الذين بايعوه بها نقيباً علي قومه وجماعته ، ليأخذوا عليهم الإسلام ، ويعرّفونهم شرائطه . وكانوا أثني عشر نقيباً كلّهم من الأنصار (النهاية : ٥ / ١٠١) .
(٢) تاريخ الطبرى : ٣ / ٢١٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ١٢ و١٣ عن أبى عمرة الأنصارى ، الإمامة والسياسة : ١ / ٢١ نحوه .

 ٢١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة

سيّدنا وخيرنا وأحبّنا إلي رسول الله  ½ ، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس ، فقال قائل : قتلتم سعداً ، فقال عمر : قتله الله !(١)

٩٣٣ ـ تاريخ الطبرى عن الضحّاك بن خليفة : لمّا قام الحُباب بن المنذر انتضي سيفه ; وقال أنا جُذَيلها المحكّك(٢) ، وعُذيقها المرجّب(٣) ، أنا أبو شبل فى عِرّيسة(٤) الأسد ، يعزي إلىّ الأُسْد . فحامله عمر فضرب يده ، فندر(٥) السيف فأخذه ، ثمّ وثب علي سعد ووثبوا علي سعد ، وتتابع القوم علي البيعة ، وبايع سعد ، وكانت فلتةً كفلتات الجاهليّة ، قام أبو بكر دونها(٦) .

٩٣٤ ـ صحيح البخارى عن ابن عبّاس عن عمر ـ من خطبته فى أواخر عمره ـ : بلغنى أنّ قائلاً منكم يقول : والله لو قد مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترنّ امرؤ أن يقول : إنّما كانت بيعة أبى بكر فلتة وتمّت . ألا وإنّها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقي شرّها ، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبى بكر .

من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يتابَع هو ولا الذى تابعه تَغِرَّة(٧) أن يقتلا وإنّه قد كان من خبرنا حين توفّي الله نبيّه  ½ أنّ الأنصار خالفونا ،


(١) صحيح البخارى : ٣ / ١٣٤١ / ٣٤٦٧ ، الطبقات الكبري : ٢ / ٢٦٩ .
(٢) جُذَيلها : تصغير جِذل ، وهو العود الذى ينُصَب للإبل الجربي لتحتكّ به ، وهو تصغير تعظيم ; أى أنا ممّن يستشفي برأيه كما تستشفى الإبل الجربي بالاحتكاك بهذا العود (النهاية : ١ / ٢٥١) .
(٣) عُذيقها : تصغير العَذق : النخلة ، والرُّجْبَة : هو أن تُعمَد النخلة الكريمة ببناء من حجارة أو خشب إذا خيف عليها لطولها وكثرة حَملها أن تقع (النهاية : ٣ / ١٩٩ وج ٢ / ١٩٧) .
(٤) العِرِّيسة : الشجر الملتفّ ، وهو مأوي الأسد فى خيسه (لسان العرب : ٦ / ١٣٦) .
(٥) أى سقط ووقع (النهاية: ٥ / ٣٥) .
(٦) تاريخ الطبرى : ٣ / ٢٢٣ .
(٧) التَّغِرّة : مصدر غرّرته: إذا ألقيته فى الغَرَر (النهاية : ٣ / ٣٥٦) .

 ٢٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة

واَجتمعوا بأسْرهم فى سقيفة بنى ساعدة ، وخالف عنّا علىّ والزبير ومن معهما ، واجتمع المهاجرون إلي أبى بكر ، فقلت لأبى بكر : يا أبا بكر انطلق بنا إلي إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نريدهم ، فلمّا دنَونا منهم لقيَنا منهم رجلان صالحان ، فذكرا ما تمالأ عليه القوم ، فقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار . فقالا : لا عليكم أن لا تقربوهم ، اقضوا أمركم . فقلت : والله لنأتينّهم .

فانطلقنا حتي أتيناهم فى سقيفة بنى ساعدة ، فإذا رجل مُزَمَّل بين ظهرانيهم ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا : هذا سعد بن عبادة . فقلت : ما له ؟ قالوا : يُوعَك ، فلمّا جلسنا قليلاً تشهّد خطيبهم ، فأثني علي الله بما هو أهله ثمّ قال :

أمّا بعد ، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام ، وأنتم معشرَ المهاجرين رهط ، وقد دَفَّت دافّة(١) من قومكم ، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ، وأن يحضنونا من الأمر .

فلمّا سكت أردت أن أتكلّم ، وكنت قد زوّرت مقالة أعجبتنى أردت أن اُقدّمها بين يدى أبى بكر ، وكنت اُدارى منه بعض الحدّ ، فلمّا أردت أن أتكلّم قال أبو بكر : علي رسلك ، فكرهت أن اُغضبه ، فتكلّم أبو بكر ، فكان هو أحلم منّى وأوقر ، والله ما ترك من كلمة أعجبتنى فى تزويرى إلاّ قال فى بديهته مثلها أو أفضل ، حتي سكت فقال : ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن يُعرف هذا الأمر إلاّ لهذا الحىّ من قريش ، هم أوسط العرب نسباً وداراً ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيّهما شئتم ، فأخذ بيدى وبيد أبى عبيدة بن الجرّاح وهو


(١) الدافة : القوم يسيرون جماعة (النهاية : ٢ / ١٢٤) .

 ٢٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / ما جري فى السقيفة

جالس بيننا ، فلم أكره ممّا قال غيرها ، كان والله أن اُقدّم فتضرب عنقى ، لا يقربنى ذلك من إثم أحبّ إلىّ من أن أتأمّر علي قوم فيهم أبو بكر ، اللهمّ إلاّ أن تُسوّل لى نفسى عند الموت شيئاً لا أجده الآن ، فقال قائل من الأنصار : أنا جُذيلها المحكّك ، وعُذيقها المرجّب ، منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ، فكثر اللغط وارتفعت الأصوات ، حتي فرقت من الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثمّ بايعته الأنصار ، ونزونا علي سعد بن عبادة فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة ! فقلت : قتل الله سعد بن عبادة . قال عمر : وإنّا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوي من مبايعة أبى بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا ، فإمّا بايعناهم علي ما لا نرضي ، وإمّا نخالفهم فيكون فساد . فمن بايع رجلاً علي غير مشورة من المسلمين فلا يتابَع هو ولا الذى بايعه تَغِرَّة أن يُقتلا(١) .

٩٣٥ ـ تاريخ اليعقوبى ـ فى ذكر السقيفة ـ : قام عبد الرحمن بن عوف فتكلّم ، فقال : يا معشر الأنصار ! ، إنّكم وإن كنتم علي فضل ، فليس فيكم مثل أبى بكر وعمر وعلىّ .

وقام المنذر بن أرقم ، فقال : ما ندفع فضل من ذكرت ، وإنّ فيهم لرجلاً لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد ، يعنى علىّ بن أبى طالب(٢) .


(١) صحيح البخارى : ٦ / ٢٥٠٥ / ٦٤٤٢ ، مسند ابن حنبل : ١ / ١٢٣ / ٣٩١ ، صحيح ابن حبّان : ٢/١٤٨/٤١٣ وص ١٥٥/٤١٤ ، المصنّف لعبد الرزّاق : ٥/٤٤١/٩٧٥٨ ، تاريخ الطبرى : ٣ / ٢٠٥ ، السيرة النبويّة لابن هشام: ٤ / ٣٠٨ ، تاريخ دمشق : ٣٠ / ٢٨١ وص ٢٨٤ وليس فيه صدره إلي "أن يقتلا" ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ١١ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٣ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٢٦٥ نحوه ، السيرة النبويّة لابن كثير : ٤ / ٤٨٧ .
(٢) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٢٣ ; الأخبار الموفّقيّات : ٥٧٨ / ٣٧٨ نحوه .

 ٢٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / كلام أبى بكر بعد البيعة

٩٣٦ ـ الردّة عن زيد بن الأرقم : يابن عوف ! لولا أنّ علىّ بن أبى طالب   ¢ وغيره من بنى هاشم اشتغلوا بدفن النبىّ  ½ وبحزنهم عليه ، فجلسوا فى منازلهم ، ما طمع فيها من طمع(١) .

٩٣٧ ـ تاريخ الطبرى عن أبى بكر بن محمّد الخزاعى : إنّ أسلم(٢) أقبلت بجماعتها حتي تضايق بهم السكك ، فبايعوا أبا بكر ، فكان عمر يقول : ما هو إلاّ أن رأيت أسلم ، فأيقنت بالنصر(٣) .

١ / ٣

كلام أبى بكر بعد البيعة

٩٣٨ ـ تاريخ الطبرى عن أنس بن مالك : لمّا بويع أبو بكر فى السقيفة ; وكان الغد ، جلس أبو بكر علي المنبر . . . فحمد الله وأثني عليه بالذى هو أهله ، ثمّ قال :

أمّا بعد أيها الناس ; فإنّى قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم ; فإن أحسنت فأعينونى ; وإن أسأت فقوّمونى . . . أطيعونى ما أطعت الله ورسوله ; فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم . قوموا إلي صلاتكم رحمكم الله !(٤)


(١) الردّة : ٤٥ .
(٢) أسلم : بطن من خزاعة ; وكلام عمر يدلّ علي قلّة المبايعين لأبى بكر فى السقيفة ; لأنّ أسلم ليسوا بأكثر العرب فرساناً ولا بأشجعهم وأعزّهم . وهذا الكلام معارض بخبر آخر يدلّ علي أنّ أسلم أبت أن تبايع إلاّ بعد بيعة بريدة بن الخصيب الأسلمى وهو لم يبايع إلاّ بعد بيعة الإمام علىّ  ¼ (راجع الشافى : ٣ / ٢٤٣ ، وهامش بحار الأنوار : ٢٨ / ٣٣٥) .
(٣) تاريخ الطبرى : ٣ / ٢٢٢ .
(٤) تاريخ الطبرى : ٣ / ٢١٠ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٤ / ٣١١ ، البداية والنهاية : ٥ / ٢٤٨ وج ٦ / ٣٠١ ، المصنّف لعبد الرزّاق : ١١ / ٣٣٦ / ٢٠٧٠٢ عن معمّر عن بعض أهل المدينة نحوه وراجع أنساب الأشراف : ٢ / ٢٧٣ و٢٧٤ .

 ٢٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / دور عمر فى بيعة أبى بكر

٩٣٩ ـ تاريخ اليعقوبى : صعد أبو بكر المنبر عند ولايته الأمر ، فجلس دون مجلس رسول الله بمِرْقاة ، ثمّ حمد الله وأثني عليه وقال : إنّى وُلّيت عليكم ولست بخيركم ، فإن استقمت فاتّبعونى ، وإن زغت فقوّمونى ! لا أقول إنّى أفضلكم فضلاً ، ولكنّى أفضلكم حملاً ، وأثني علي الأنصار خيراً وقال : أنا وإيّاكم معشر الأنصار كما قال القائل :

جزي الله عنّا جَعْفَراً حين اُزْلقَتْبنا نَعْلُنا فى الوَاطئينَ فَزَلّتِ
أبَوا أن يملّونا ولو أنّ اُمّناتُلاقى الذى يلقون منّا لَمَلّتِ

فاعتزلت الأنصار عن أبى بكر ، فغضبت قريش(١) .

٩٤٠ ـ الأخبار الموفّقيّات : فلمّا كان من الغد ، قام أبو بكر فخطب الناس ، وقال : أيّها الناس ، إنّى وُلّيت أمركم ولست بخيركم ; فإذا أحسنت فأعينونى ، وإن أسأت فقوّمونى .

إنّ لى شيطاناً يعترينى ، فإياكم وإيّاى إذا غضبت ! !(٢)

١ / ٤

دور عمر فى بيعة أبى بكر

٩٤١ ـ شرح نهج البلاغة : عمر هو الذى شدّ بيعة أبى بكر ، ووَقَمَ(٣) المخالفين فيها ; فكسر سيف الزبير لمّا جرّده ، ودفع فى صدر المقداد ، ووطئ فى السقيفة سعد بن عبادة ، وقال : اقتلوا سعداً ، قتل الله سعداً ! وحطّم أنف الحُباب بن المنذر


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٢٧ .
(٢) الأخبار الموفّقيّات : ٥٧٩ / ٣٧٩ .
(٣) وقم الرجل : أذلّه وقهره ، وقيل : ردّه أقبح الرد (لسان العرب : ١٢ / ٦٤٢) .

 ٢٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / من تخلّف عن بيعة أبى بكر

الذى قال يوم السقيفة : أنا جُذيلها المحكّك ، وعُذيقها المرجّب . وتوعّد من لجأ إلي دار فاطمة    £ من الهاشميّين ، وأخرجهم منها . ولولاه لم يثبت لأبى بكر أمر ، ولا قامت له قائمة(١) .

١ / ٥

من تخلّف عن بيعة أبى بكر

٩٤٢ ـ تاريخ اليعقوبى : تخلّف عن بيعة أبى بكر قوم من المهاجرين والأنصار ، ومالوا مع علىّ بن أبى طالب ، منهم : العبّاس بن عبد المطّلب ، والفضل بن العبّاس ، والزبير بن العوّام بن العاص ، وخالد بن سعيد ، والمقداد بن عمرو ، وسلمان الفارسى ، وأبو ذرّ الغفارى ، وعمّار بن ياسر ، والبراء بن عازب ، واُبىّ بن كعب .

فأرسل أبو بكر إلي عمر بن الخطّاب ، وأبى عبيدة بن الجرّاح ، والمغيرة بن شعبة ، فقال : ما الرأى ؟ قالوا : الرأى أن تلقي العبّاس بن عبد المطّلب ، فتجعل له فى هذا الأمر نصيباً يكون له ولعقِبِه من بعده ، فتقطعون به ناحية علىّ بن أبى طالب حجّة لكم علي علىّ إذا مال معكم .

فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح والمغيرة حتي دخلوا علي العبّاس ليلاً ، فحمد أبو بكر اللهَ وأثني عليه ، ثمّ قال :

إنّ الله بعث محمّداً نبيّاً ، وللمؤمنين وليّاً ، فمنّ عليهم بكونه بين أظهرهم ، حتي اختار له ما عنده ، فخلّي علي الناس اُموراً ليختاروا لأنفسهم(٢) فى


(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٧٤ .
(٢) هذا القول هو علي خلاف ما ثبت من الأدلّة العقليّة والنقليّة التى ذكرت فى مدخل القسم الثالث .

 ٢٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / من تخلّف عن بيعة أبى بكر

مصلحتهم مشفقين ، فاختارونى عليهم والياً ، ولاُمورهم راعياً ، فوُلّيت ذلك ، وما أخاف بعون الله وتسديده وهناً ولا حيرة ولا جبناً ، وما توفيقى إلاّ بالله ، عليه توكّلت وإليه اُنيب .

وما انفكّ يبلغنى عن طاعن يقول الخلاف علي عامّة المسلمين ، يتّخذكم لجأً ، فتكون حصنه المنيع وخطبه البديع ، فإمّا دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه ، وإمّا صرفتموهم عمّا مالوا إليه ، ولقد جئناك ونحن نريد أنّ لك فى هذا الأمر نصيباً يكون لك ، ويكون لمن بعدك من عقبك إذ كنت عمّ رسول الله ، وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان صاحبك . . .(١) عنكم ، وعلي رِسلِكم بنى هاشم ، فإنّ رسول الله منّا ومنكم .

فقال عمر بن الخطّاب : إى والله ، واُخري ; أنّا لم نأتكم لحاجة إليكم ، ولكن كرهاً أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم ، فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم .

فحمد العبّاس الله وأثني عليه وقال : إنّ الله بعث محمّداً ـ كما وصفتَ ـ نبيّاً ، وللمؤمنين وليّاً ، فمنّ علي اُمّته به ، حتي قبضه الله إليه ، واختار له ما عنده ، فخلّي علي المسلمين اُمورهم ليختاروا لأنفسهم(٢) مصيبين الحقّ ، لا مائلين بزيغ الهوي ، فإن كنت برسول الله فحقّاً أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ، فما تقدّمنا فى أمرك فرضاً ، ولا حللنا وسطاً ، ولا برحنا سخطاً ، وإن كان هذا الأمر إنّما وجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنّا كارهين .


(١) بياض فى الأصل ، وفى نسخة : "فعدلوا الأمر" .
(٢) راجع : الهامش الثانى من الصفحة السابقة .

 ٢٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / من تخلّف عن بيعة أبى بكر

ما أبعد قولك من أنّهم طعنوا عليك من قولك إنّهم اختاروك ومالوا إليك ، وما أبعد تسميتك بخليفة رسول الله من قولك خلّي علي الناس اُمورهم ليختاروا فاختاروك ، فأمّا ما قلت إنّك تجعله لى ، فإن كان حقّاً للمؤمنين فليس لك أن تحكم فيه ، وإن كان لنا فلم نرضَ ببعضه دون بعض ، وعلي رِسلِك ; فإنّ رسول الله من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها . فخرجوا من عنده(١) .

٩٤٣ ـ تاريخ اليعقوبى : كان فيمن تخلّف عن بيعة أبى بكر أبو سفيان بن حرب ، وقال : أ رضيتم يا بنى عبد مناف أن يلى هذا الأمر عليكم غيركم ؟ وقال لعلىّ بن أبى طالب : اُمدد يدك اُبايعك ، وعلىّ معه قصىّ ، وقال :

بنى هاشم لا تُطمعوا الناس فيكمُ ولا سيّما تيم بن مرّة أو عدىّ
فما الأمر إلاّ فيكمُ وإليكمُ وليس لها إلاّ أبو حسن علىّ
أبا حسن فاشدُد بها كفّ حازمفإنّك بالأمر الذى يرتجي مَلِىّ
وإنّ امرأً يرمى قصىٌّ وراءهعزيز الحِمي ، والناس من غالب قَصِىّ

وكان خالد بن سعيد غائباً ، فقدم فأتي عليّاً فقال : هلمّ اُبايعك ، فو الله ما فى الناس أحد أولي بمقام محمّد منك(٢) .

٩٤٤ ـ أنساب الأشراف عن صالح بن كيسان : قدم خالد بن سعيد بن العاص من ناحية اليمن بعد وفاة النبىّ  ½ ، فأتي عليّاً وعثمان فقال : أنتما الشعار دون الدثار ; أ رضيتم يا بنى عبد مناف أن يلى أمركم عليكم غيركم ؟ . . . وعن عوانة


(١) تاريخ اليعقوبى: ٢ / ١٢٤ ; الإمامة والسياسة : ١ / ٣٢ نحوه وفيه من "الرأى أن تلقي العبّاس . . ." وراجع شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢١ .
(٢) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٢٦ ، الإرشاد : ١ / ١٩٠ ، الجمل : ١١٧ ، إعلام الوري : ١ / ٢٧١ ; الأخبار الموفّقيّات : ٥٧٧ / ٣٧٦ ، العقد الفريد : ٣ / ٢٧١ كلّها نحوه .

 ٢٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / من تخلّف عن بيعة أبى بكر

وابن جعدبة : لم يبايع خالد بن سعيد أبا بكر إلاّ بعد ستّة أشهر(١) .

٩٤٥ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر قصّة السقيفة ـ : لمّا رأت الأوس أنّ رئيساً من رؤساء الخزرج قد بايع ، قام اُسيد بن حُضَير ـ وهو رئيس الأوس ـ فبايع حسداً لسعد أيضاً ، ومنافسة له أن يلى الأمر ، فبايعت الأوس كلّها لمّا بايع اُسيد ، وحُمِل سعد بن عبادة وهو مريض ، فاُدخل إلي منزله ، فامتنع من البيعه فى ذلك اليوم وفيما بعده ، وأراد عمر أن يُكرهه عليها ، فاُشير عليه ألاّ يفعل ، وأنّه لا يبايع حتي يُقتل ، وأنّه لا يُقتل حتي يُقتل أهله ، ولا يُقتل أهله حتي يُقتل الخزرج ، وإن حوربت الخزرج كانت الأوس معها ، وفسد الأمر . فتركوه ، فكان لا يصلّى بصلاتهم ولا يجمع بجماعتهم ولا يقضى بقضائهم ، ولو وجد أعواناً لضاربهم .

فلم يزل كذلك حتي مات أبو بكر ، ثمّ لَقِىَ عمر فى خلافته وهو علي فرس وعمر علي بعير ، فقال له عمر : هيهات يا سعد ! فقال سعد : هيهات يا عمر ! فقال : أنت صاحب من أنت صاحبه ؟ قال : نعم ، أنا ذاك . ثمّ قال لعمر : والله ما جاورنى أحد هو أبغض إلىّ جواراً منك ! قال عمر : فإنّه من كَرِه جوار رجل انتقل عنه ، فقال سعد : إنّى لأرجو أن اُخلِّيها لك عاجلا إلي جوار من هو أحبّ إلىّ جواراً منك ومن أصحابك .

فلم يلبث سعد بعد ذلك إلاّ قليلا حتي خرج إلي الشام ، فمات بحَوران(٢) ولم يبايع لأحد ; لا لأبى بكر ، ولا لعمر ، ولا لغيرهما(٣) .

٩٤٦ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر قصّة السقيفة ـ : ووطئ الناس فراش سعد ،


(١) أنساب الأشراف : ٢ / ٢٧٠ .
(٢) حَوْران: كورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة، ذات قري كثيرة ومزارع (معجم البلدان: ٢/٣١٧).
(٣) شرح نهج البلاغة : ٦ / ١٠ .

 ٣٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / اغتيال سعد بن عبادة

فقيل : قتلتم سعداً ، فقال عمر : قتل الله سعداً ! فوثب رجل من الأنصار فقال : أنا جُذَيْلها المحكّك وعذَيقها المرجَّب . فأخذ ووطئ فى بطنه ودسّوا فى فيه التراب(١) .

١ / ٦

اغتيال سعد بن عبادة

٩٤٧ ـ أنساب الأشراف عن ابن جعدبة عن صالح بن كيسان وعن أبى مخنف عن الكلبى وغيرهما : أنّ سعد بن عبادة لم يبايع أبا بكر ، وخرج إلي الشام . فبعث عمرُ رجلا وقال : ادعُه إلي البيعة واختلْ له ، وإن أبي فاستعن بالله عليه . فقدم الرجلُ الشام ، فوجد سعداً فى حائط(٢) بحَوارين ، فدعاه إلي البيعة ، فقال : لا اُبايع قرشيّاً أبداً . قال : فإنّى اُقاتلك . قال : وإن قاتلتنى . قال : أ فخارج أنت ممّا دخلت فيه الاُمّة ؟ قال : أمّا من البيعة فإنّى خارج ، فرماه بسهم فقتله . ورُوى أنّ سعداً رُمى فى حمّام . وقيل : كان جالساً يبول ، فرمته الجنّ فقتلته . وقال قائلهم :

قتلنا(٣) سيّد الخزرجِ سعد بن عباده
رميناه بسهميــنِ فلم تُخْطِ فؤاده(٤)

٩٤٨ ـ أنساب الأشراف ـ فى أحوال سعد بن عبادة ـ : كان نقيباً ، سيّداً ، جواداً . ومات بحَوران فجأة لسنة مضت من خلافة عمر . ويقال : إنّه امتنع من البيعة لأبى


(١) شرح نهج البلاغة: ٦ / ٤٠ .
(٢) الحائط هاهنا البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجِدَار (النهاية : ١ / ٤٦٢) .
(٣) كذا فى المصدر ، وفى الطبقات الكبري : ٣ / ٦١٧ والمصنّف لعبد الرزّاق : ٣ / ٥٩٧ / ٦٧٨٠ : "قد قتلنا" ، وفى الشطر الثانى : "و رميناه" ، ونحوه فى الصراط المستقيم : ٣ / ١٠٩ .
(٤) أنساب الأشراف : ٢ / ٢٧٢ وراجع سير أعلام النبلاء : ١ / ٢٧٦ وبحار الأنوار : ٢٨ / ٣٦٧ .

 ٣١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / اغتيال سعد بن عبادة

بكر ، فوجّه إليه رجلا ليأخذ عليه البيعة وهو بحَوران من أرض الشام . فأباها ، فرماه فقتله . وفيه يروي هذا الشعر الذى ينتحله الجنّ :

قتلنا سيّد الخزرجِ سعد بن عباده
رميناه بسهميــنِ فلم نُخْطِ فؤاده(١)

٩٤٩ ـ مروج الذهب : خرج سعد بن عبادة ولم يبايع ، فصار إلي الشام ، فقتل هناك فى سنة خمس عشرة ، وليس كتابنا هذا موضعاً لخبر مقتله(٢) .

٩٥٠ ـ العقد الفريد عن أبى المنذر هشام بن محمّد الكلبى : بثّ عمرُ رجلاً إلي الشام ، فقال : ادْعُه إلي البيعة واحمل له بكلّ ما قدرت عليه ، فإن أبي فاستعن الله عليه . فقدم الرجل الشام ، فلقيه بحَوران فى حائط ، فدعاه إلي البيعة ، فقال : لا اُبايع قرشيّاً أبداً . قال : فإنّى اُقاتلك . قال : وإن قاتلتنى ! قال : أ فخارج أنت ممّا دخلت فيه الاُمّة ؟ قال : أمّا من البيعة فأنا خارج . فرماه بسهم ، فقتله .

ميمون بن مِهران عن أبيه قال : رُمى سعد بن عبادة فى حمّام بالشام ، فقُتل(٣) .

٩٥١ ـ الاحتجاج عن محمّد بن عبد الله الشيبانى : كان سبب موته أن رمى بسهم فى الليل فقتله ، وزعموا أنّ الجنّ رموه ، وقيل أيضاً : إنّ محمّد بن سلمة الأنصارى تولّي ذلك بجعل جُعل له عليه ، وروى أنّه تولّي ذلك المغيرة بن شعبة ، وقيل خالد بن الوليد(٤) .


(١) أنساب الأشراف: ١ / ٢٩١ وراجع المصنّف لعبد الرزّاق : ١١ / ٤٣٤ / ٢٠٩٣١ والمعجم الكبير : ٦ / ١٦ / ٥٣٦٠ والطبقات الكبري : ٧ / ٣٩١ .
(٢) مروج الذهب : ٢ / ٣٠٧ .
(٣) العقد الفريد: ٣ / ٢٧٣ ; نهج السعادة : ٥ / ٢٧٢ .
(٤) الاحتجاج : ١ / ١٨٠ / ٣٦ .

 ٣٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / اغتيال سعد بن عبادة

٩٥٢ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر سعد بن عبادة ـ : لم يبايع أبا بكر حين بُويع ، وخرج إلي حَوْران ، فمات بها . قيل : قتلته الجنّ ; لأنّه بال قائماً فى الصحراء ليلاً ، وروَوْا بيتين من شعر ; قيل : إنّهما سُمعا ليلة قتله ، ولم يُرَ قائلهما :

نحنُ قتلنا سيّد الخزرَجِ سعد بن عباده
ورميناهُ بسهميـ ـنِ فلم نخطئ فؤاده

ويقول قوم : إنّ أمير الشام يومئذ كَمَن له مَنْ رماه ليلاً ، وهو خارج إلي الصحراء بسهمين ، فقتله لخروجه عن طاعة الإمام ، وقد قال بعض المتأخّرين فى ذلك :

يقولون سعد شكّت الجنّ قلبهُألا ربّما صحّحتَ دينك بالغدرِ
وما ذنب سعد أنّه بال قائماً ولكنّ سعداً لم يبايع أبا بكرِ
وقد صبرت من لذّة العيش أنفسٌ وما صبرت عن لذّة النهى والأمرِ(١)

٩٥٣ ـ شرح نهج البلاغة : قال شيطان الطاق [يعنى مؤمن الطاق محمّد بن علىّ ابن النعمان الأحول ]لسائل سأله : ما منع عليّاً أن يُخاصم أبا بكر فى الخلافة ؟ فقال : يابن أخى ، خاف أن تقتله الجنّ ! !

[قال ابن أبى الحديد] والجواب ، أمّا أنا فلا أعتقد أنّ الجن قتلت سعداً ، ولا أنّ هذا شعرُ الجنّ ، ولا أرتاب أنّ البشر قتلوه ، وأنّ هذا الشعر شعر البشر ، ولكن لم يثبت عندى أنّ أبا بكر أمَر خالداً ، ولا أستبعد أن يكون فعله من تلقاء نفسه ليُرضي بذلك أبا بكر ـ وحاشاه ـ فيكون الإثم علي خالد ، وأبو بكر بريءٌ من


(١) شرح نهج البلاغة : ١٠ / ١١١ ; الصراط المستقيم : ٣ / ١٠٩ نحوه ، الدرجات الرفيعة : ٣٣٤ .

 ٣٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / من أنكر علي بيعة أبى بكر

إثمه ; وما ذلك من أفعال خالد ببعيد(١) .

تعليق

عمدت بعض النصوص التاريخيّة إلي إظهار أنّ موت سعد بن عبادة كان موتاً طبيعيّاً ، بل إنّها ذكرت أنّ سعداً كان ممّن عارضوا أبا بكر فى البداية ثمّ بايعوه لاحقاً . ولكن يتّضح من التأمّل فى واقعة السقيفة واستجلاء النصوص المختلفة الواردة فى هذا المجال ، بشكل لا يقبل الشكّ ، بأنّه لم يبايع ، واغتيل علي يد خصومه السياسيّين .

إنّ المكانة السياسيّة والاجتماعيّة التى كان يتبوّؤها سعد بن عبادة ومعارضته الجادّة لخلافة الحاكم آنذاك دعت إلي إزاحته عن الساحة السياسيّة بهدوء ، وبدون إثارة أىّ توتّر فى الأجواء ، ثمّ اُلقيت تهمة قتله علي عاتق الجنّ كيلا تنجم عنه مشكلة سياسيّة واجتماعيّة .

ويمكن للباحث من ظلال هذا التحليل البسيط معرفة المتّهم الأصلى فى اغتيال سعد بن عبادة ، وحتي إذا لم يتوفّر نصّ تاريخى دالّ علي صحّة هذا التحليل إلاّ أنّ هناك مؤشّرات تؤيّد صحّة هذا التحليل ، بل ويُفهم من كلام مؤمن الطاق بأنّ مقتله علي يد خصومه السياسيّين كان أمراً بديهيّاً فى ذلك العصر .

١ / ٧

من أنكر علي بيعة أبى بكر

٩٥٤ ـ أنساب الأشراف عن أبى عمرو الجونى : قال سلمان الفارسى حين بويع


(١) شرح نهج البلاغة : ١٧ / ٢٢٣ .

 ٣٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / من أنكر علي بيعة أبى بكر

أبو بكر : كرداذ وناكرداذ ; أى عملتم وما عملتم ، لو بايعوا عليّاً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم(١) .

٩٥٥ ـ شرح نهج البلاغة : إنّ سلمان والزبير والأنصار كان هواهم أن يبايعوا عليّاً  ¼ بعد النبىّ  ½ ، فلمّا بويع أبو بكر قال سلمان : أصبتم الخبرة وأخطأتم المعدن . . . وقال يومئذ : أصبتم ذا السنّ منكم ، وأخطأتم أهل بيت نبيّكم ، لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم اثنان ، ولأكلتموها رغداً(٢) .

٩٥٦ ـ الاحتجاج عن أبان بن تغلب : قلت لأبى عبد الله جعفر بن محمّد الصادق    ¤ : جعلت فداك ، هل كان أحد فى أصحاب رسول الله  ½ أنكر علي أبى بكر فعله وجلوسه فى مجلس رسول الله  ½ ؟

فقال : نعم ، كان الذى أنكر علي أبى بكر اثنا عشر رجلاً ، من المهاجرين : خالد بن سعيد بن العاص وكان من بنى اُميّة ، وسلمان الفارسى ، وأبو ذرّ الغفارى ، والمقداد بن الأسود الكندى ، وعمّار بن ياسر ، وبُريدة الأسلمى .

ومن الأنصار : أبو الهيثم بن التيهان ، وسهل وعثمان ابنا حنيف ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، واُبىّ بن كعب ، وأبو أيّوب الأنصارى(٣) .


(١) أنساب الأشراف : ٢ / ٢٧٤ ; الإيضاح : ٤٥٧ عن ابن عمر ، الاحتجاج : ١ / ١٩٢ / ٣٧ عن أبان بن تغلب عن الإمام الصادق  ¼ كلاهما نحوه . راجع : القسم التاسع / علىّ عن لسان أصحاب النبىّ / سلمان .
(٢) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٤٩ وج ٦ / ٤٣ وراجع الاحتجاج : ١ / ٢١٧ / ٣٨ .
(٣) الاحتجاج : ١ / ١٨٦ / ٣٧ ، الخصال : ٤٦١ / ٤ عن زيد بن وهب . قال سعيد أيّوب فى معالم الفتن : ١ / ٣٢٢ : هل بايعت فاطمة الزهراء أبا بكر ؟ والإجابة التى نجدها فى البخارى وغيره من حديث عائشة عندما أبي أبو بكر أن يعطى فاطمة ما سألت ، إنّ فاطمة غضبت وهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتي توفّيت . وعند البخارى: إنّ عليّاً دفنها ولم يخبر أبو بكر بموتها (راجع صحيح البخارى: ٤ / ١٥٤٩ / ٣٩٩٨) .

 ٣٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / كلام الإمام لمّا وصل إليه خبر السقيفة

١ / ٨

كلام الإمام لمّا وصل إليه خبر السقيفة

٩٥٧ ـ الإرشاد : لمّا تمّ ، لأبى بكر ما تمّ ، وبايعه من بايع ، جاء رجل إلي أمير المؤمنين  ¼ وهو يسوّى قبر رسول الله  ½ بمسحاة فى يده فقال له : إنّ القوم قد بايعوا أبا بكر ، ووقعت الخذلة فى الأنصار لاختلافهم ، وبدرَ الطلقاء بالعقد للرجل خوفاً من إدراككم الأمر . فوضع طرف المسحاة فى الأرض ويده عليها ثمّ قال : ³ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ± الم  ± أَ حَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ  ± وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ  ± أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّـئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ  ²  (١) (٢) .

٩٥٨ ـ نهج البلاغة : قالوا : لمّا انتهت إلي أمير المؤمنين  ¼ أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله  ½ قال  ¼ : ما قالت الأنصار ؟ قالوا : قالت : منّا أمير ومنكم أمير . قال  ¼ : فهلاّ احتججتم عليهم بأنّ رسول الله  ½ وصّي بأن يُحسن إلي مُحسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم ؟ قالوا : وما فى هذا من الحجّة عليهم ؟ فقال  ¼ : لو كانت الإمامة فيهم لم تكن الوصيّة بهم .

ثمّ قال  ¼ : فماذا قالت قريش ؟ قالوا : احتجّت بأنّها شجرة الرسول  ½ ،


(١) العنكبوت : ١ ـ ٤ .
(٢) الإرشاد : ١ / ١٨٩ ، بحار الأنوار : ٢٢ / ٥١٩ / ٢٧ .

 ٣٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / كلام الإمام لمّا وصل إليه خبر السقيفة

فقال  ¼ : احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة(١) .

٩٥٩ ـ نثر الدرّ : واُخبر [عليّ]  ¼ بقول الأنصار يوم السقيفة لقريش : منّا أمير ومنكم أمير ، فقال : أ ذكّرتموهم قول رسول الله  ½ : استوصوا بالأنصار خيراً ; اقبلوا من محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم ؟ قالوا : وما فى ذلك ؟ قال : كيف تكون الإمامة لهم مع الوصيّة بهم ؟ لو كانت الإمامة لهم لكانت الوصيّة إليهم .

فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب فقال : ذهبتْ والله عنّا ، ولو ذكرناها ما احتجنا إلي غيرها(٢) .

٩٦٠ ـ خصائص الأئمة (ع) : قال [عليّ]  ¼ فى شأن الخلافة : وا عجبا ! أ تكون الخلافة بالصحابة ، ولا تكون بالصحابة والقرابة ؟ ! ويروي : والقرابة والنصّ(٣) .

تحقيق حول كلام الإمام


(١) نهج البلاغة : الخطبة ٦٧ ، خصائص الأئمّة (ع) : ٨٦ وفى صدره "لمّا رفع أمير المؤمنين  ¼ يده من غسل رسول الله  ½ أتته أنباء . . ." .
(٢) نثر الدرّ : ١ / ٢٧٩ .
(٣) خصائص الأئمّة (ع) : ١١١ ، نهج البلاغة (تصحيح فيض الإسلام): الحكمة ١٨١ ، نهج الإيمان : ٣٨٤ ، الصراط المستقيم : ١ / ٦٧ ، غرر الحكم: ١٠١٢٣ وليس فيها "و يروي . . ." . وقال الشريف الرضى : وروى له  ¼ شعر فى هذا المعني :

فإن كنتَ بالشوري ملكتَ اُمورَهم

فكيف بهذا والمشيرون غُيَّب ؟

وإن كنت بالقربي حججت خصيمهم

فغيرك أولي بالنبىّ وأقرب

(نهج البلاغة : ذيل الحكمة ١٩٠ ، خصائص الأئمّة (ع) : ١١١) .