٣٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / كلام الإمام لمّا وصل إليه خبر السقيفة
نُقل كلام الإمام علىّ ¼ حول السقيفة بثلاث صور : ١ ـ أ تكون الخلافة بالصحابة والقرابة ؟(١) ٢ ـ أ تكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة ؟(٢) ٣ ـ أ تكون الخلافة بالصحابة [و القرابة] ولا تكون بالقرابة والنصّ ؟(٣) ولا شكّ في أنّ أحد هذه الأقوال الثلاثة صادر عن الأمام ، ولا يمكن القول بأنّ هذه الأقوال الثلاثة صادرة عنه بأجمعها . بيد أنّ الجملة الاُولي يمكن اعتبارها جزءاً من الجملة الثالثة ، أمّا الجملتان الاُولي والثالثة فمتعارضتان قطعاً . وعلي هذا إمّا يجب اختيار الجملة الثانية ، وإمّا واحدة من الجملتين (١) نهج البلاغة : (تصحيح صبحى الصالح وتصحيح محمّد عبده) الحكمة ١٩٠ . ٣٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / كلام الإمام لمّا وصل إليه خبر السقيفة
الاُخرَيتين. يذهب البعض إلي القول بأنّ الإمام عليّاً ¼ ذكر الجملة الثانية . وهذا يعنى أنّه انتهج سبيل الجدال بالتى هى أحسن ; بمعني أنّ الإمام ¼ يؤمن بالنصّ علي الإمامة ، ويؤكّد عليه . إلاّ أنّ لحن الكلام يوحى بأنّه يريد القول بأنّ الحقائق قد انقلبت ولم يعدُ أحد يقبل هذه الحقيقة . ولذا لجأ إلي اُسلوب الجدال بالتى هى أحسن مع أصحاب السقيفة ، قائلاً : إذا كانت الصحبة شرطاً في الخلافة ، فلماذا لا تُضاف إليها القرابة مع رسول الله؟ بمعني أنّ صحبة رسول الله ½ إذا اجتمع معها عنصر القرابة منه ، يكون من تجتمعان فيه أولي بالخلافة من غيره(١). وهذا الاستدلال لا يصمد أمام النقد لأسباب متعدّدة ، هى : ١ ـ عندما احتجّ الأنصار يوم السقيفة بصحبتهم لرسول الله ½ لنيل الخلافة ، احتجّ عليهم المهاجرون ـ وعلي رأسهم أبو بكر وعمر ـ بأنّ صحبة رسول الله ¼ وحدها لا تكفى ، ولا بدّ من شرط القرابة أيضاً. فقال عمر : ... والله لا ترضي العرب أن يؤمّروكم ونبيّها من غيركم ، ولكن العَرب لا تمتنع أن تولّى أمرها من كانت النبوّة فيهم ، وولى اُمورهم منهم ، ولنا بذلك علي من أبي من العرب الحجّة الظاهرة والسلطان المبين . من ذا منازعنا سلطانه وإمارته ، ونحن أولياؤه وعشيرته ، إلاّ مدل بباطل أو متجانف لإثم. واستند أبو بكر أيضاً في ذلك المقام إلي قرابته من رسول الله لإثبات أهليّته للخلافة فقال : فهم أوّل من عبَد الله في هذه الأرض وآمن بالله وبالرسول ، وهم أولياؤه (١) مصادر نهج البلاغة وأسانيده : ٤ / ١٥٢ ، تصنيف نهج البلاغة : ٤١٣ . ٣٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / كلام الإمام لمّا وصل إليه خبر السقيفة
وعشيرته ، وأحقّ الناس بهذا الأمر من بعده ، ولا ينازعهم ذلك إلاّ ظالم(١). ٢ ـ بعد أحداث السقيفة سأل الإمام علىّ ¼ مَن حضروها عن ماهيّة استدلال الجانبين ، ودعاهم إلي النظر في قول من احتجّ بأنّ قريش شجرة الرسول ½ قائلاً : فماذا قالت قريش؟ قالوا : احتجّت بأنّها شجرة الرسول ½ ، فقال ¼ : احتجّوا بالشجرة ، وأضاعوا الثمرة(٢) ! ٣ ـ الشعر الذى نقله الشريف الرضى فى نهج البلاغة وفى خصائص الأئمّة ، ويشتمل علي مضمون كلام الامام علىّ ¼ يدلّ علي أنّ المهاجرين استدلّوا بالقرابة ، وإنّ الإمام قد استدلّ فى مقابلهم بالأقربيّة :
٤ ـ قال على ¼ عند تسليطه الأضواء علي واقعة السقيفة: قالت قريش : منّا أمير . وقالت الأنصار : منّا أمير . فقالت قريش : منّا محمّد رسول الله ½ فنحن أحقّ بذلك الأمر . فعرفَت ذلك الأنصار ، فسلّمت لهم الولاية والسلطان . فإذا استحقّوها بمحمدّ ½ دون الأنصار ، فإنّ أولي الناس بمحمّد ½ أحقّ بها منهم(٣). وفى هذا الصدد أيضاً جاء فى الكتاب ٢٨ من نهج البلاغة : لمّا احتجّ (١) تاريخ الطبرى : ٣ / ٢٢٠ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ١٣ ، الإمامة والسياسة : ١ / ٢٤ . ٤٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الهجوم علي بيت فاطمة بنت رسول الله
المهاجرون علي الأنصار يوم السقيفة برسول الله ¼ فلجوا(١) عليهم ، فان يكن الفلج به فالحقّ لنادونكم. وخلاصة القول في ضوء المبني الصحيّح للإمامة ; وهو أنّ الإمامة منصب إلهى يتحقّق بالنصّ ولا يستقى مشروعيّته من الشعب ، وعدم صحّة حمل القول الأول علي الجدال بالتى هى أحسن ، فيكون القول الثالث : "أ تكون الخلافة بالصحابة والقرابة ولا تكون بالقرابة والنصّ؟" هو الصحيح . علماً بأن القول الأوّل يمكن قبوله علي صيغة الاستفهام الإنكارى ، فيكون علي النحو التالى: "أ تكون الخلافة بالصحابة والقرابة"(٢)؟! ١ / ٩ الهجوم علي بيت فاطمة بنت رسول الله ٩٦١ ـ أنساب الاشراف عن ابن عبّاس : بعث أبو بكر عمر بن الخطّاب إلي علىّ حين قعد عن بيعته وقال : ائتنى به بأعنف العنف ، فلمّا أتاه جري بينهما كلام فقال علىّ : احلب حلباً لك شطره ، والله ما حرصك علي إمارته اليوم إلاّ ليؤمّرك غداً(٣) . ٩٦٢ ـ أنساب الأشراف عن سليمان التيمى وعن ابن عون : أنّ أبا بكر أرسل إلي (١) فَلَجَ أصحابه : إذا غلبهم (النهاية : ٣ / ٤٨٦) . ٤١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الهجوم علي بيت فاطمة بنت رسول الله
علىّ يريد البيعة ، فلم يبايع . فجاء عمر ، ومعه قَبَس ، فتلقّته فاطمةُ علي الباب ، فقالت فاطمة : يابن الخطاب ! ! أ تراك محرّقاً علىَّ بابى ؟ ! قال : نعم ! ! ، وذلك أقوي فيما جاء به أبوك(١) . ٩٦٣ ـ تاريخ الطبرى عن زياد بن كليب : أتي عمر بن الخطّاب منزل علىّ وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين ، فقال : والله لاُحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلي البيعة . فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف ، فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه(٢) . ٩٦٤ ـ تاريخ اليعقوبى : بلغ أبا بكر وعمر أنّ جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علىّ بن أبى طالب فى منزل فاطمة بنت رسول الله ، فأتوا فى جماعة حتي هجموا الدار . . . ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت : والله لتخرجنّ أو لأكشفنّ شعرى ولأعجّنّ إلي الله . فخرجوا وخرج من كان فى الدار ، وأقام القوم أيّاماً ، ثمّ جعل الواحد بعد الواحد يبايع ، ولم يبايع علىّ إلاّ بعد ستّة أشهر(٣) . ٩٦٥ ـ الإمامة والسياسة : إنّ أبا بكر تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علىّ كرّم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم فى دار علىّ ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذى نفس عمر بيده ، لتخرجنّ أو لاُحرقنّها علي من فيها ، فقيل له : يا أبا حفص ، إنّ فيها فاطمة . فقال : وإنْ ! ! فخرجوا فبايعوا إلاّ عليّاً ; فإنّه زعم أنّه قال : حلفت أن لا أخرج ولا أضع (١) أنساب الأشراف : ٢ / ٢٦٨ ; بحار الأنوار : ٢٨ / ٣٨٩ . ٤٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الهجوم علي بيت فاطمة بنت رسول الله
ثوبى علي عاتقى حتي أجمع القرآن ، فوقفت فاطمة رضى الله عنها علي بابها فقالت : لا عهد لى بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله ½ جنازةً بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ، ولم تردّوا لنا حقّاً . فأتي عمر أبا بكر فقال له : أ لا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة ؟ فقال أبو بكر لقنفد ـ وهو مولي له ـ : اذهب فادعُ لى عليّاً ، فذهب إلي علىّ فقال له : ما حاجتك ؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله ، فقال علىّ : لَسريعُ ما كذبتم علي رسول الله . فرجع فأبلغ الرسالة ، فبكي أبو بكر طويلاً . فقال عمر الثانية : لا تمهل هذا المتخلّف عنك بالبيعة ، فقال أبو بكر لقنفد : عُد إليه فقل له : خليفة رسول الله يدعوك لتبايع ، فجاءه قنفد ، فأدّي ما اُمر به ، فرفع علىٌّ صوته فقال : سبحان الله ! لقد ادّعي ما ليس له . فرجع قنفد فأبلغ الرسالة ، فبكي أبو بكر طويلاً . ثمّ قام عمر فمشي معه جماعة ، حتي أتَوا باب فاطمة ، فدقّوا الباب ، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلي صوتها : يا أبتِ يا رسول الله ! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبى قحافة ؟ ! ! فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين ، وكادت قلوبهم تنصدع ، وأكبادهم تنفطر ، وبقىَ عمر ومعه قوم ، فأخرجوا عليّاً ، فمضوا به إلي أبى بكر ، فقالوا له : بايع ، فقال : إن أنا لم أفعل فمَهْ ؟ قالوا : إذاً والله الذى لا إله إلاّ هو نضرب عنقك ، فقال : إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله ، قال عمر : أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسوله فلا ، وأبو بكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : أ لا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال : لا اُكرهه علي شىء ما كانت فاطمة إلي جنبه . فلحق علىّ بقبر رسول الله ½ يصيح ويبكى ، وينادى : يابن اُمّ ! إنّ القوم ٤٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / امتناع الإمام من البيعة
استضعفونى وكادوا يقتلوننى(١) (٢) . ٩٦٦ ـ تاريخ اليعقوبى عن أبى بكر ـ قُبيل موته ـ : ما آسي إلاّ علي ثلاث خصال صنعتها ليتنى لم أكن صنعتها ، وثلاث لم أصنعها ليتنى كنت صنعتها ، وثلاث ليتنى كنت سألت رسول الله عنها . فأمّا الثلاث التى صنعتها فليت أنّى لم أكن تقلّدت هذا الأمر ، وقدّمت عمر بين يدىّ ; فكنت وزيراً خيراً منّى أميراً ، وليتنى لم اُفتّش بيت فاطمة بنت رسول الله واُدخله الرجال ولو كان اُغلق علي حرب ، وليتنى لم اُحرّق الفجاءة السلمى ; إمّا أن أكون قتلته سَريحاً(٣) أو أطلقته نجيحاً(٤) . ١ / ١٠ ٩٦٧ ـ الردّة : أرسل أبو بكر إلي علىّ فدعاه ، فأقبل والناس حضور ، فسلّم وجلس ، ثمّ أقبل علي الناس ، فقال : لِمَ دعوتنى ؟ فقال له عمر : دعوناك للبيعة التى قد اجتمع عليها المسلمون ، فقال علىّ : يا هؤلاء ، إنّما أخذتم هذا الأمر من الأنصار بالحجّة عليهم والقرابة لأبى بكر ; لأنّكم زعمتم أنّ محمّداً ½ منكم ، (١) إشارة إلي الآية ١٥٠ من سورة الأعراف . ٤٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / امتناع الإمام من البيعة
فأعطَوكم المَقادة ، وسلّموا إليكم الأمر ، وأنا أحتجّ عليكم بالذى احتججتم به علي الأنصار ، نحن أولي بمحمّد ½ حيّاً وميّتاً ; لأنّا أهل بيته ، وأقرب الخلق إليه ، فإن كنتم تخافون الله فأنصفونا ، واعرفوا لنا فى هذا الأمر ما عرفته لكم الأنصار . فقال له عمر : إنّك أيّها الرجل لست بمتروك أو تبايع كما بايع غيرك . فقال علىّ ¢ : إذاً لا أقبل منك ولا اُبايع من أنا أحقّ بالبيعة منه . فقال له أبو عبيدة بن الجرّاح : والله يا أبا الحسن ، إنّك لحقيق لهذا الأمر لفضلك وسابقتك وقرابتك ، غير أنّ الناس قد بايعوا ورضوا بهذا الشيخ ، فارضَ بما رضى به المسلمون . فقال له علىّ كرّم الله وجهه : يا أبا عبيدة ، أنت أمين هذه الاُمّة ! ! فاتّقِ الله فى نفسك ; فإنّ هذا اليوم له ما بعده من الأيّام ، وليس ينبغى لكم أن تُخرجوا سلطان محمّد ½ من داره وقعر بيته إلي دوركم وقعور بيوتكم ; ففى بيوتنا نزل القرآن ، ونحن معدِن العلم والفقه والدين والسنّة والفرائض ، ونحن أعلم باُمور الخلق منكم ; فلا تتّبعوا الهوي فيكونَ نصيبكم الأخسّ . فتكلّم بشير بن سعد الأنصارى فقال : يا أبا الحسن ، أما والله لو أنّ هذا الكلام سمعه الناس منك قبل البيعة لَما اختلف عليك رجلان ، ولَبايعك الناس كلّهم ، غير أنّك جلست فى منزلك ولم تشهد هذا الأمر ، فظنّ الناس أن لا حاجة لك فيه ، والآن فقد سبقتْ البيعة لهذا الشيخ ، وأنت علي رأس أمرك . فقال له علىّ : ويحك يا بشير ! أ فكان يجب أن أترك رسول الله ½ فى بيته فلم أجبه إلي حفرته ، وأخرج اُنازع الناس بالخلافة ؟ !(١) ٤٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / امتناع الإمام من البيعة
٩٦٨ ـ شرح نهج البلاغة عن سعيد بن كثير بن عُفير الأنصارى ـ فى ذكر يوم السقيفة ـ : كثر الناس علي أبى بكر ، فبايعه معظم المسلمين فى ذلك اليوم ، واجتمعت بنو هاشم إلي بيت علىّ بن أبى طالب ومعهم الزبير ; وكان يعدّ نفسه رجلا من بنى هاشم ، كان علىّ يقول : ما زال الزبير منّا أهل البيت حتي نشأ بنوه فصرفوه عنّا . واجتمعت بنو اُميّة إلي عثمان بن عفّان ، واجتمعت بنو زهرة إلي سعد وعبد الرحمن ، فأقبل عمر إليهم وأبو عبيدة فقال : ما لى أراكم ملتاثين(١) ؟ قوموا فبايعوا أبا بكر ; فقد بايع له الناس ، وبايعه الأنصار . فقام عثمان ومن معه ، وقام سعد وعبد الرحمن ومن معهما فبايعوا أبا بكر . وذهب عمر ومعه عصابة إلي بيت فاطمة ، منهم اُسيد بن حُضير ، وسلمة بن أسلم ، فقال لهم : انطلقوا فبايعوا ، فأبَوا عليه ، وخرج إليهم الزبير بسيفه ، فقال عمر : عليكم الكلب ، فوثب عليه سلمة بن أسلم ، فأخذ السيف من يده ، فضرب به الجدار ، ثمّ انطلقوا به وبعلىّ ومعهما بنو هاشم ، وعلىّ يقول : أنا عبد الله وأخو رسول الله ½ . حتي انتهوا به إلي أبى بكر ، فقيل له : بايِع ، فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا اُبايعكم وأنتم أولي بالبيعة لى ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله ، فأعطوكم المَقادة وسلّموا إليكم الإمارة ، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به علي الأنصار ، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم ، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم ، وإلاّ فبوؤوا بالظلم وأنتم تعلمون . ٤٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / اعتراض الإمام علي قرار السقيفة
فقال عمر : إنّك لست متروكاً حتي تبايع ، فقال له علىّ : احلب يا عمر حلباً لك شطره ، اُشدد له اليوم أمره ليردّ عليك غداً ، ألا والله لا أقبل قولك ولا اُبايعه . فقال له أبو بكر : فإن لم تبايعنى لم اُكرهك . فقال له أبو عبيدة : يا أبا الحسن ! إنّك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قريش قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالاُمور ، ولا أري أبا بكر إلاّ أقوي علي هذا الأمر منك ، وأشدّ احتمالا له واضطلاعاً به ، فسلّمْ له هذا الأمر وارضَ به ; فإنّك إن تعِش ويطُل عمرك فأنت لهذا الأمر خليق ، وبه حقيق فى فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك . فقال علىّ : يا معشر المهاجرين ، اللهَ اللهَ لا تُخرجوا سلطان محمّد عن داره وبيته إلي بيوتكم ودوركم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه فى الناس وحقّه ، فو الله يا معشر المهاجرين ، لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم ، أ ما كان منّا القارئ لكتاب الله ، الفقيه فى دين الله ، العالم بالسنّة ، المضطلع بأمر الرعيّة ؟ والله إنّه لفينا ; فلا تتّبعوا الهوي ; فتزدادوا من الحقّ بُعداً . فقال بشير بن سعد : لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علىّ قبل بيعتهم لأبى بكر ما اختلف عليك اثنان ، ولكنّهم قد بايعوا ! . وانصرف علىّ إلي منزله ولم يبايع ، ولزم بيته حتي ماتت فاطمة فبايع(١) . ١ / ١١ اعتراض الإمام علي قرار السقيفة ٩٦٩ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى خطبة تشتمل علي الشكوي من أمر الخلافة ـ : أما (١) شرح نهج البلاغة: ٦ / ١١ ; بحار الأنوار : ٢٨ / ٣٤٧ / ٦٠ . ٤٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / اعتراض الإمام علي قرار السقيفة
والله لقد تقمّصها فلان وإنّه ليعلم أنّ محلِّى منها محلّ القطب من الرحا ، ينحدر عنّى السيل ولا يرقي إلىّ الطير ، فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كَشْحاً(١) ، وطفقت أرتئى بين أن أصول بيد جَذّاء(٢) ، أو أصبر علي طَخْيَة(٣) عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتي يلقي ربّه ! فرأيت أنّ الصبر علي هاتا أحجي ، فصبرت وفى العين قذيً ، وفى الحلق شجاً(٤) ، أري تراثى نهباً(٥) . ٩٧٠ ـ عنه ¼ : وقد قال قائل : إنّك علي هذا الأمر يابن أبى طالب لحريص ! فقلت : بل أنتم والله لأحرص وأبعد ، وأنا أخَصّ وأقرب ، وإنّما طلبت حقّاً لى ، وأنتم تحولون بينى وبينه ، وتضربون وجهى دونه . فلمّا قرّعته بالحجّة فى الملأِ الحاضرين هبّ كأنّه بُهِت لا يدرى ما يجيبنى به ! اللهمّ إنّى أستعديك علي قريش ومن أعانهم ! فإنّهم قطعوا رحمى ، وصغّروا عظيم منزلتى ، وأجمعوا علي منازعتى أمراً هو لى . ثمّ قالوا : ألا إنّ فى الحقّ أن (١) الكَشْح : ما بين الخاصرة إلي الضلع الخَلْف ، كناية عن امتناعه وإعراضه عنها (مجمع البحرين : ٣ / ١٥٧٢) . ٤٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / اعتراض الإمام علي قرار السقيفة
تأخذه ، وفى الحقّ أن تتركه(١) . ٩٧١ ـ عنه ¼ ـ يصف حاله قبل البيعة له ـ : فنظرتُ فإذا ليس لى معين إلاّ أهل بيتى ، فضننت بهم عن الموت ، وأغضيت علي القذي ، وشربت علي الشجا ، وصبرت علي أخذ الكظم وعلي أمرّ من طعم العلقم(٢) . ٩٧٢ ـ عنه ¼ ـ فى التظلّم والتشكّى من قريش ـ : اللهمّ إنّى أستعديك علي قريش ومن أعانهم ; فإنّهم قد قطعوا رحمى ، وأكفؤوا إنائى ، وأجمعوا علي منازعتى حقّاً كنت أولي به من غيرى ، وقالوا : "ألا إنّ فى الحقّ أن تأخذه ، وفى الحقّ أن تمنعه ، فاصبر مغموماً ، أو مُت متأسّفاً" ، فنظرتُ فإذا ليس لى رافد ، ولا ذابّ ، ولا مساعد ، إلاّ أهل بيتى ، فضننت بهم عن المنيّة ، فأغضيت علي القذي ، وجرعت ريقى علي الشجا ، وصبرت من كظم الغيظ علي أمرّ من العلقم ، وآلم للقلب من وخز الشفار (٣) . ٩٧٣ ـ الإمام زين العابدين ¼ : بينما أمير المؤمنين صلوات الله عليه فى أصعب موقف بصفّين ، إذ قام إليه رجل من بنى دودان ، فقال : ما بالُ قومكم دفعوكم عن هذا الأمر وأنتم الأعلون نسباً ، وأشدّ نوطاً(٤) بالرسول ، وفهماً بالكتاب والسنّة ؟ ! (١) نهج البلاغة : الخطبة ١٧٢ وراجع كشف المحجّة : ٢٤٧ . ٤٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / اعتراض الإمام علي قرار السقيفة
فقال : سألت ـ يا أخا بنى دودان ـ ولك حقّ المسألة ، وذِمام الصهر ، وإنّك لقَلِق الوَضِين(١) ، ترسل عن ذى مسد(٢) ، إنّها إمرة شحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين ، ونِعْم الحَكم الله . فدَعْ عنكَ نَهباً صِيحَ فى حُجراتِه(٣) . ٩٧٤ ـ الإمام علىّ ¼ ـ لبعض أصحابه وقد سأله : كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحقّ به ؟ ـ : يا أخا بنى أسد ، إنّك لقلق الوضين ، ترسل فى غير سدد ، ولك بعد ذِمامة الصِّهر ، وحقّ المسألة ، وقد استعلمت فاعلم : أمّا الاستبداد علينا بهذا المقام ـ ونحن الأعلون نسباً والأشدّون برسول الله ½ نَوطاً ـ فإنّها كانت أثَرَةً ، شَحّت عليها نفوس قوم ، وسَخَت عنها نفوس آخرين ، والحَكَمُ اللهُ ، والمعود إليه القيامة .
(١) الوَضِين : بِطانٌ منسوج بعضه علي بعض ; يُشدّ به الرّحل علي البعير كالحزام للسرج . أراد أنّه سريع الحركة ، يصفه بالخفّة وقلة الثبات كالحزام إذا كان رخوا (النهاية : ٥ / ١٩٩) . إرجاعات
٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة
٥٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / استنصار الإمام المهاجرين والأنصار
١ / ١٢ استنصار الإمام المهاجرين والأنصار ٩٧٥ ـ الإمامة والسياسة : خرج علىّ كرّم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله ½ علي دابّة ليلاً فى مجالس الأنصار ; تسألهم النصرةَ ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله ، قد مضت بيعتُنا لهذا الرجل ، ولو أنّ زوجكِ وابن عمّك سبق إلينا قبل أبى بكر ما عدلنا به ! فيقول علىّ كرّم الله وجهه : أ فَكُنتُ أدَعُ رسولَ الله ½ فى بيته لم أدفنه ، وأخرج اُنازع الناسَ سلطانَه ؟ ! فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغى له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم(١) . ٩٧٦ ـ كتاب سليم بن قيس : قال سلمان : فلمّا أن كان الليل حمل علىٌّ ¼ فاطمةَ £ علي حمار ، وأخذ بيدَى ابنَيه الحسن والحسين ¤ ، فلم يدَع أحداً من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلاّ أتاه فى منزله ، فذكّرهم حقّه ، ودعاهم إلي نُصرته ، فما استجاب له منهم إلاّ أربعة وأربعون رجلاً . فأمرهم أن يُصبحوا بكرةً مُحلّقين رؤوسهم معهم سلاحهم ليُبايعوا علي الموت ، فأصبحوا ، فلم يوافِ منهم أحد إلاّ أربعة . فقلت لسلمان : من الأربعة ؟ فقال : أنا وأبو ذرّ والمقداد والزبير بن العوّام . ثمّ أتاهم علىّ ¼ من الليلة المقبلة ، فناشدهم ، فقالوا : نُصبحك بكرةً ، فما ٥١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / استنصار الإمام المهاجرين والأنصار
منهم أحد أتاه غيرنا . ثمّ أتاهم الليلةَ الثالثةُ فما أتاه غيرنا . فلمّا رأي غدرَهم وقلّة وفائهم له لزم بيته ، وأقبل علي القرآن يؤلّفه ويجمعه ، فلم يخرج من بيته حتي جمعه(١) . ٩٧٧ ـ شرح نهج البلاغة : من كتاب معاوية المشهور إلي علىّ ¼ : وأعهدك أمس تحمل قَعيدة بيتك ليلاً علي حمار ، ويداك فى يدَى ابنَيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر الصدّيق ، فلم تدَع أحداً من أهل بدر والسوابق إلاّ دعوتهم إلي نفسك ، ومشيتَ إليهم بامرأتك ، وأدلَيتَ إليهم بابنيك ، واستنصرتَهم علي صاحب رسول الله ! فلم يُجِبك منهم إلاّ أربعة أو خمسة ، ولعمرى لو كنتَ مُحقّاً لأجابوك ! ولكنّك ادّعيتَ باطلاً ، وقلت ما لا تعرف ، ورُمت ما لا يُدرك . ومهما نسيتُ فلا أنسي قولك لأبى سفيان لمّا حرّككَ وهيّجَك : لو وجدتُ أربعين ذوى عزم منهم لناهضتُ القوم . فما يوم المسلمين منك بواحد ، ولا بغيك علي الخلفاء بطريف ولا مستبدع(٢) . ٩٧٨ ـ تاريخ اليعقوبى : اجتمع جماعة إلي علىّ بن أبى طالب يدعونه إلي البيعة له ، فقال لهم : اغدوا علي هذا مُحلّقين الرؤوس . فلم يغدُ عليه إلاّ ثلاثة نفر(٣) . ٩٧٩ ـ الكافى عن أبى الهيثم بن التيّهان : أنّ أمير المؤمنين ¼ خطب الناس (١) كتاب سليم بن قيس : ٢ / ٥٨٠ / ٤ ، الاحتجاج : ١ / ٢٠٦ / ٣٨ . ٥٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / استنصار الإمام المهاجرين والأنصار
بالمدينة فقال : أما والذى فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لو اقتبستم العلم من معدنه ، وشربتم الماء بعذوبته ، وادّخرتم الخير من موضعه ، وأخذتم الطريق من واضحه ، وسلكتم من الحقّ نهجه ، لنَهجت بكم السبل ، وبدت لكم الأعلام ، وأضاء لكم الإسلام ، فأكلتم رغداً(١) ، وما عالَ فيكم عائل ، ولا ظُلم منكم مسلم ولا معاهد . . . . رُويداً ، عمّا قليل تَحصدون جميع ما زرعتم ، وتجدون وخيمَ(٢) ما اجترمتم وما اجتلبتم . والذى فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لقد علمتم أنّى صاحبكم والذى به اُمرتم ، وأنّى عالمكم والذى بعلمه نجاتُكم ، ووصىّ نبيّكم ، وخيرة ربّكم ، ولسان نوركم ، والعالم بما يصلحكم ، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وُعدتم ، وما نزل بالاُمم قبلكم ، وسيسألكم الله عزّ وجلّ عن أئمّتكم ، معهم تُحشرون ، وإلي الله عزّ وجلّ غداً تصيرون . أما والله لو كان لى عدّة أصحاب طالوت ، أو عدّة أهل بدر وهم أعداؤكم ، لضربتُكم بالسيف حتي تؤولوا إلي الحقّ ، وتنيبوا للصدق ، فكان أرتق للفتق(٣) ، وآخذ بالرفق ، اللهمّ فاحكم بيننا بالحقّ وأنت خير الحاكمين . قال : ثمّ خرج من المسجد فمرّ بصِيرَة(٤) فيها نحو من ثلاثين شاة ، فقال : (١) رغداً : أى كثيراً واسعاً بلا عناء (مجمع البحرين : ٢ / ٧١٤) . ٥٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / وعى الإمام فى مواجهة الفتنة
والله لو أنّ لى رجالاً ينصحون لله عزّ وجلّ ولرسوله بعدد هذه الشياه لأزلتُ ابن آكلة الذبّان عن ملكه . فلمّا أمسي بايعه ثلاثمائة وستّون رجلاً علي الموت ، فقال لهم أمير المؤمنين ¼ : اغدوا بنا إلي أحجار الزيت(١) مُحلّقين . وحلق أمير المؤمنين ¼ ، فما وافي من القوم مُحلّقاً إلاّ أبو ذرّ والمقداد وحذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر ، وجاء سلمان فى آخر القوم . فرفع يده إلي السماء فقال : اللهمّ إنّ القوم استضعفونى كما استضعفت بنو إسرائيل هارونَ ، اللهمّ فإنّك تعلم ما نُخفى وما نُعلن ، وما يخفي عليك شىء فى الأرض ولا فى السماء ، توفّنى مسلماً وألحقنى بالصالحين(٢) . ١ / ١٣ ٩٨٠ ـ الإرشاد : قد كان أبو سفيان جاء إلي باب رسول الله ½ ، وعلىّ والعبّاس متوفّران علي النظر فى أمره ، فنادي :
ثمّ نادي بأعلي صوته : يا بنى هاشم ! يا بنى عبد مناف ! أ رضيتم أن يلى عليكم أبو فصيل . . . أما والله لئن شئتم لأملأنّها خيلاً ورجلاً ! (١) أحجار الزيت : موضع بالمدينة (معجم البلدان : ١ / ١٠٩) . ٥٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / وعى الإمام فى مواجهة الفتنة
فناداه أمير المؤمنين ¼ : ارجع يا أبا سفيان ، فو الله ما تريد اللهَ بما تقول ، وما زلتَ تكيدُ الإسلام وأهلَه ، ونحن مشاغيل برسول الله ½ ، وعلي كلّ امرئ ما اكتسب ، وهو ولىّ ما احتقب(١) . ٩٨١ ـ أنساب الأشراف عن الحسين عن أبيه : إنّ أبا سفيان جاء إلي علىّ ¼ ، فقال : يا على ، بايعتم رجلاً من أذلّ قبيلة من قريش ! أما والله لئن شئتَ لأضرمنّها عليه من أقطارها ، ولأملأنّها عليه خيلا ورجالاً ! ! فقال له علىّ : إنّك طالما ما غششتَ اللهَ ورسولَه والإسلام ، فلم ينقصه ذلك شيئاً(٢) . ٩٨٢ ـ تاريخ الطبرى عن عوانة : لمّا اجتمع الناس علي بيعة أبى بكر ، أقبل أبو سفيان وهو يقول : والله إنّى لأري عجاجةً لا يُطفئها إلاّ دم ! يا آل عبد مناف ، فيمَ أبو بكر من اُموركم ؟ ! أين المُستضعَفان ؟ ! أين الأذلاّن ; علىّ والعبّاس ؟ ! وقال : أبا حسن ، ابسط يدك حتي اُبايعك . فأبي علىّ عليه ، فجعل يتمثّل بشعر المتلمّس :
فزجره علىٌّ ، وقال : إنّك والله ما أردت بهذا إلاّ الفتنة ، وإنّك والله طالما بغيت الإسلام شرّاً ، لا حاجة لنا فى نصيحتك(٣) . (١) الإرشاد : ١ / ١٩٠ ، إعلام الوري : ١ / ٢٧١ . ٥٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / وعى الإمام فى مواجهة الفتنة
٩٨٣ ـ تاريخ اليعقوبى ـ بعد بيعة أبى بكر فى السقيفة ـ : جاء البراء بن عازب فضرب الباب علي بنى هاشم ، وقال : يا معشر بنى هاشم ، بويع أبو بكر ! فقال بعضهم : ما كان المسلمون يُحدثون حدثاً نغيب عنه ونحن أولي بمحمّد ! ! فقال العبّاس : فعلوها وربّ الكعبة . وكان المهاجرون والأنصار لا يشكّون فى علىّ ، فلمّا خرجوا من الدار قام الفضل بن العبّاس ـ وكان لسان قريش ـ فقال : يا معشر قريش ، إنّه ما حقّت لكم الخلافة بالتمويه ، ونحن أهلُها دونَكم ، وصاحبنا أولي بها منكم ! ! وقام عتبة بن أبى لهب فقال :
فبعثَ إليه علىّ ، فنهاه(١) . ٩٨٤ ـ نزهة الناظر : لمّا قُبض رسول الله ½ ، اجتمع أمير المؤمنين ¼ وعمّه العبّاس ومواليهما فى دور الأنصار ; لإجالة الرأى ، فبدَرهما أبو سفيان والزبير ، وعرضا نفوسهما عليهما ، وبذلا من نفوسهما المساعدة والمعاضدة لهما . فقال العبّاس : قد سمعنا مقالتَكما ، فلا لقلّة نستعينُ بكما ، ولا لظِنَّة(٢) نترك رأيكما ، لكن لالتماس الحقّ ، فأمهلا ; نراجع الفكر ، فإن يكن لنا من الإثم مخرج (١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٢٤ . ٥٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / وعى الإمام فى مواجهة الفتنة
يَصِرّ بنا وبهم الأمر صَريرَ الجُندَب(١) ، ونمدّ أكفّاً إلي المجد لا نقبضها أو نبلغ المدي ، وإن تكن الاُخري فلا لقلّة فى العدد ، ولا لوهن فى الأيدى ، والله لولا أنّ الإسلام قيد الفتك لتدكدكت جنادلُ صخر ، يُسمع اصطكاكُها من محلّ الأبيل(٢) . قال : فحلّ أمير المؤمنين ¼ حِبْوَته(٣) ، وجثا علي ركبتيه ـ وكذا كان يفعل إذا تكلّم ـ فقال ¼ : الحلم زين ، والتقوي دين ، والحجّة محمّد ½ ، والطريق الصراط . أيّها الناس ، رحمكم الله ، شقّوا متلاطمات أمواج الفتن بحيازيم(٤) سفن النجاة ، وعرّجوا عن سبيل المنافرة ، وحطّوا تيجان المفاخرة . أفلح من نهض بجناح ، أو استسلم فأراح . ماء آجن (٥) ، ولقمة يغصّ بها آكلها ، ومجتنى الثمرة فى غير وقتها كالزارع فى غير أرضه ، والله لو أقول لتداخلت أضلاعٌ كتداخل أسنان دوّارة الراحى ، وإن أسكت يقولوا : جزع ابن أبى طالب من الموت . هيهات ! بعد اللتيّا والتى ، والله لعلىٌّ آنسُ بالموت من الطفل بثدى اُمّه ، لكنّى اندمجتُ علي مكنون علم لو بُحت به لاضطربتم اضطرابَ الأرشية(٦) فى الطَّوىّ(٧) البعيدة . (١) الجُندَب : ضرب من الجراد ، وقيل: هو الذى يَصِرّ فى الحر (النهاية : ١ / ٣٠٦) . ٥٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / وعى الإمام فى مواجهة الفتنة
ثم نهض ¼ فقال أبو سفيان : لشىء ما فارقنا ابن أبى طالب !(١) ٩٨٥ ـ العقد الفريد عن مالك بن دينار : تُوفّى رسول الله ½ وأبو سفيان غائب فى مسعاة أخرجه فيها رسول الله ½ ، فلمّا انصرف لقى رجلاً فى بعض طريقه مقبلاً من المدينة ، فقال له : مات محمّد ؟ قال :نعم . قال : فمن قام مقامه ؟ قال : أبو بكر . قال أبو سفيان : فما فعل المستضعفان ; علىّ والعبّاس ؟ ! قال : جالسَين . قال : أما والله ، لئن بقيتُ لهما لأرفعنّ من أعقابهما . ثمّ قال : إنّى أري غيرةً لا يطفئها إلاّ دم . فلمّا قَدِم المدينة جعل يطوف فى أزقّتها ويقول :
فقال عمر لأبى بكر : إنّ هذا قد قَدِم ، وهو فاعلٌ شرّاً ، وقد كان النبىّ ½ يستألفه علي الإسلام ، فدع له ما بيده من الصدقة . ففعل ، فرضى أبو سفيان ، وبايعه(٢) . ٩٨٦ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية ـ : كان أبوك أتانى حين ولّي الناس أبا بكر ، فقال : أنت أحقّ الناس بهذا الأمر منهم كلّهم بعد محمّد ، وأنا يدك علي من شئت ، فابسط يدكَ اُبايعك ; فأنت أعزّ العرب دعوة . فكرهتُ ذلك ; كراهةً للفرقة ، وشقّ عصا الاُمّة ; لقرب عهدهم بالكفر والارتداد ، فإن كنتَ تعرف (١) نزهة الناظر : ٥٥ / ٣٩ ، نهج البلاغة : الخطبة ٥ وفى صدرها "و من خطبة له ¼ لمّا قبض رسول الله ½ وخاطبه العبّاس وأبو سفيان بن حرب فى أن يبايعا له بالخلافة" ; مطالب السؤول : ٥٨ وفيهما من "أيّها الناس" إلي "البعيدة" ، تذكرة الخواصّ : ١٢٨ عن ابن عبّاس وكلّها نحوه ، شرح نهج البلاغة : ١ / ٢١٣ وفيه من "أيّها الناس . . ." . ٥٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / بيعة الإمام بعد وفاة فاطمة
من حقّى ما كان أبوك يعرفه أصبتَ رشدك ، وإن لم تفعل استعنتُ بالله عليك ، ونِعمَ المستعان ، وعليه توكّلت ، وإليه اُنيب(١) . ١ / ١٤ ٩٨٧ ـ مروج الذهب : لمّا بويع أبو بكر فى يوم السقيفة ، وجدّدت البيعة له يوم الثلاثاء علي العامّة ، خرج علىّ فقال : أفسدتَ علينا اُمورنا ، ولم تستشِر ولم ترعَ لنا حقّاً . فقال أبو بكر : بلي ، ولكنّى خشيتُ الفتنة . . . . ولم يبايعه أحد من بنى هاشم حتي ماتت فاطمة رضى الله عنها(٢) . ٩٨٨ ـ الكامل فى التاريخ عن الزهرى : بقى علىّ وبنو هاشم والزبير ستّة أشهر لم يبايعوا أبا بكر ، حتي ماتت فاطمة رضى الله عنها ، فبايعوه(٣) . ٩٨٩ ـ صحيح البخارى عن عائشة : إنّ فاطمة £ بنت النبىّ ½ أرسلت إلي أبى بكر تسأله ميراثها من رسول الله ½ ; ممّا أفاء الله عليه بالمدينة ، وفدك ، وما بقى من خمس خيبر . . . فأبي أبو بكر أن يدفع إلي فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة علي أبى بكر فى ذلك ، فهجَرته ; فلم تكلّمه حتي توفّيت ، وعاشت بعد (١) المناقب للخوارزمى : ٢٥٤ ، العقد الفريد : ٣ / ٣٣٢ ; وقعة صفّين : ٩١ كلاهما نحوه وراجع أنساب الأشراف : ٢ / ٢٧١ . ٥٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / بيعة الإمام بعد وفاة فاطمة
النبىّ ½ ستّة أشهر . فلمّا توفّيت دفنها زوجها علىّ ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّي عليها . وكان لعلىّ من الناس وجه حياة فاطمة ، فلمّا توفّيت استنكر علىّ وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبى بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر(١) . ٩٩٠ ـ الإمامة والسياسة : لم يبايع علىّ كرّم الله وجهه حتي ماتت فاطمة رضى الله عنهما ، ولم تمكث بعد أبيها إلاّ خمساً وسبعين ليلة(٢) . ٩٩١ ـ مروج الذهب : قد تنوزع فى بيعة علىّ بن أبى طالب إيّاه [أبا بكر] ; فمنهم من قال : بايعه بعد موت فاطمة بعشرة أيّام ، وذلك بعد وفاة النبىّ ½ بنيّف وسبعين يوماً ، وقيل بثلاثة أشهر ، وقيل : ستّة ، وقيل غير ذلك(٣) . ٩٩٢ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر حديث السقيفة ـ : أمّا الذى يقوله جمهور المحدّثين وأعيانهم فإنّه ¼ امتنع من البيعة ستّة أشهر(٤) . ٩٩٣ ـ شرح نهج البلاغة : ينبغى للعاقل أن يفكّر فى تأخّر علىّ ¼ عن بيعة أبى بكر ستّة أشهر إلي أن ماتت فاطمة ، فإن كان مصيباً فأبو بكر علي الخطأ فى انتصابه فى الخلافة ، وإن كان أبو بكر مصيباً فعلىّ علي الخطأ فى تأخّره عن البيعة وحضور المسجد(٥) . (١) صحيح البخارى : ٤ / ١٥٤٩ / ٣٩٩٨ ، صحيح مسلم : ٣ / ١٣٨٠ / ٥٢ . ٦٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / دوافع بيعة الإمام بعد امتناعه
١ / ١٥ أ : مخافة الفرقة ٩٩٤ ـ الشافى عن موسي بن عبد الله بن الحسن : إنّ عليّاً ¼ قال لهم [للمتخلّفين عن بيعة أبى بكر] : بايعوا ; فإنّ هؤلاء خيّرونى أن يأخذوا ما ليس لهم ، أو اُقاتلهم واُفرّق أمر المسلمين(١) . ٩٩٥ ـ الشافى عن سفيان بن فروة عن أبيه : جاء بريدة حتي ركز رايته فى وسط أسلم ، ثمّ قال : لا اُبايع حتي يبايع علىّ ! فقال علىّ ¼ : يا بريدة ، ادخل فيما دخل فيه الناس ، فإنّ اجتماعهم أحبّ إلىّ من اختلافهم اليوم(٢) . ٩٩٦ ـ شرح نهج البلاغة عن عبد الله بن جنادة : قدِمت من الحجاز اُريد العراق ، فى أوّل إمارة علىّ ¼ ، فمررت بمكّة ، فاعتمرت ، ثمّ قدمت المدينة ، فدخلت مسجد رسول الله ½ ، إذ نودى : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، وخرج علىّ ¼ متقلّداً سيفه، فشخصت الأبصار نحوه، فحمد الله وصلّي علي رسوله ½ ، ثمّ قال: أمّا بعد ، فإنّه لمّا قبض الله نبيّه ½ قلنا : نحن أهله ، وورثته ، وعترته ، وأولياؤه ، دون الناس ، لا ينازعنا سلطانه أحد ، ولا يطمع فى حقّنا طامع ! إذ انبري لنا قومنا فغصبونا سلطان نبيّنا ، فصارت الإمرة لغيرنا ، وصرنا سوقة ، يطمع فينا الضعيف ، ويتعزّز علينا الذليل ; فبكت الأعين منّا لذلك ، وخشنت الصدور ، (١) الشافى : ٣ / ٢٤٣ ، الصراط المستقيم : ٣ / ١١١ وفى صدره "و روي إبراهيم بطريقين إنّ عليّاً قال لبريدة ولجماعة اُخر أبوا البيعة" ، بحار الأنوار : ٢٨ / ٣٩٢ . ٦١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / دوافع بيعة الإمام بعد امتناعه / أ : مخافة الفرقة
وجزعت النفوس . وايم الله ، لولا مخافة الفرقة بين المسلمين ، وأن يعود الكفر ، ويبور الدين ، لكنّا علي غير ما كنّا لهم عليه ، فولى الأمر ولاة لم يألوا الناس خيراً(١) . ٩٩٧ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من خطبته بذى قار(٢) ـ : قد جرت اُمور صبرنا فيها وفى أعيننا القذي ; تسليماً لأمر الله تعالي فيما امتحننا به ; رجاء الثواب علي ذلك ، وكان الصبر عليها أمثل من أن يتفرّق المسلمون ، وتُسفك دماؤهم . نحن أهل بيت النبوّة ، وأحقّ الخلق بسلطان الرسالة ، ومعدن الكرامة التى ابتدأ الله بها هذه الاُمّة . وهذا طلحة والزبير ـ ليسا من أهل النبوّة ، ولا من ذرّيّة الرسول ـ حين رأيا أنّ الله قد ردّ علينا حقّنا بعد أعصر ، فلم يصبرا حولاً واحداً ، ولا شهراً كاملاً ، حتي وثبا علي دأب الماضين قبلهما ; ليذهبا بحقّى ، ويُفرّقا جماعة المسلمين عنّى(٣) . ٩٩٨ ـ عنه ¼ ـ من خطبته قبل حرب الجمل ـ : إنّ النبىّ ½ حين قُبض كنّا نحن أهل بيته ، وعصبته ، وورثته ، وأولياءه ، وأحقّ خلق الله به ، لا ننازع فى ذلك . . . فانتزعوا سلطان نبيّنا منّا ، وولّوه غيرنا ، وايم الله فلولا مخافة الفرقة بين المسلمين أن يعودوا إلي الكفر لكنّا غيّرنا ذلك ما استطعنا !(٤) (١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٣٠٧ ; الإرشاد : ١ / ٢٤٥ ، الجمل : ٤٣٧ وفيهما من "أمّا بعد . . ." . ٦٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / دوافع بيعة الإمام بعد امتناعه / ب : مخافة ارتداد الناس
٩٩٩ ـ الشافى عن موسي بن عبد الله بن الحسن : أبَت أسلمُ أن تبايعَ ، وقالوا : ما كنّا نبايع حتي يبايع بريدة ; لقول النبىّ ½ لبريدة : علىّ وليّكم من بعدى . فقال علىّ ¼ : يا هؤلاء ، إنّ هؤلاء خيّرونى أن يظلمونى حقّى واُبايعهم ، أو ارتدّت الناس حتي بلغت الردّة اُحداً ! فاخترتُ أن اُظلم حقّى وإن فعلوا ما فعلوا(١) . ١٠٠٠ ـ الطرائف عن أبى الطفيل عامر بن واثلة : كنت علي الباب يوم الشوري ، فارتفعت الأصوات بينهم ، فسمعت عليّاً ¼ يقول : بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولي بالأمر منه ، وأحقّ به منه ! فسمعتُ وأطعتُ مخافةَ أن يرجع القوم كفّاراً ، ويضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف . ثمّ بايع الناس أبا بكر لعمر ، وأنا أولي بالأمر منه ! فسمعتُ وأطعتُ مخافةَ أن يرجع الناس كفّاراً . ثمّ أنتم تريدون أن تبايعوا عثمانَ ! !(٢) ١٠٠١ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى كتابه إلي أهل مصر مع مالك الأشتر لمّا ولاّه إمارتها(٣)ـ : أمّا بعد ، فإنّ الله سبحانه بعث محمّداً ½ نذيراً للعالمين ، ومهيمناً علي المرسلين ، فلمّا مضي ¼ تنازع المسلمون الأمرَ من بعده ، فوَ الله ما كان يُلقي فى رَوعى ولا يخطر ببالى أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده ½ عن أهل بيته ، ولا أنّهم مُنحّوه عنّى من بعده ! فما راعنى إلاّ انثيال الناس علي فلان يبايعونه ، فأمسكتُ يدى حتي رأيتُ راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام ; يدعون إلي محق دين محمّد ½ ، فخشيتُ إن لم أنصر الإسلام وأهلَه أن أري فيه ثلماً أو (١) الشافى : ٣ / ٢٤٣ ، بحار الأنوار : ٢٨ / ٣٩٢ . ٦٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / دوافع بيعة الإمام بعد امتناعه / ج : عدم الناصر
هدماً ، تكون المصيبة به علىّ أعظم من فوت ولايتكم التى إنّما هى متاع أيّام قلائل ، يزول منها ما كان كما يزول السراب ، أو كما يتقشّع السحاب ، فنهضتُ فى تلك الأحداث ، حتي زاح الباطل وزهق ، واطمأنّ الدينُ وتَنَهْنه(١) (٢) . ١٠٠٢ ـ شرح نهج البلاغة : روى عنه [عليّ] ¼ أنّ فاطمة £ حرّضته يوماً علي النهوض والوثوب ، فسمع صوت المؤذّن : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، فقال لها : أ يَسرّكِ زوال هذا النداء من الأرض ؟ قالت : لا . قال : فإنّه ما أقول لك(٣) . ١٠٠٣ ـ الإمام الباقر ¼ : إنّ الناس لمّا صنعوا ما صنعوا إذ بايعوا أبا بكر ، لم يمنع أمير المؤمنين ¼ من أن يدعو إلي نفسه إلاّ نظراً للناس ، وتخوّفاً عليهم أن يرتدّوا عن الإسلام ; فيعبدوا الأوثان ، ولا يشهدوا أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ½ . . . وبايع مكرهاً ; حيث لم يجد أعواناً(٤) . ج : عدم الناصر ١٠٠٤ ـ الإمام الحسن ¼ ـ فى خطبته حين أجمع علي صلح معاوية ـ : قد كفّ أبى يده ، وناشدهم ، واستغاثَ أصحابَه ، فلم يُغَث ، ولم يُنصر ، ولو وَجد عليهم (١) تَنَهْنَهَ : سكن ، وأصلُه الكفّ ; تقول : نَهنَهتُ السبع فتنَهنَهَ ; أى كفّ عن حركته وإقدامه ، فكأنّ الدين كان متحرّكاً مضطرباً فسكن وكفّ عن ذلك الاضطراب (شرح نهج البلاغة : ١٧ / ١٥٢) . ٦٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / دوافع بيعة الإمام بعد امتناعه / ج : عدم الناصر
[أى المتقدّمين عليه فى الخلافة] أعواناً ما أجابهم(١) . ١٠٠٥ ـ الأمالى للمفيد عن أبى علىّ الهمدانى : إنّ عبد الرحمن بن أبى ليلي قام إلي أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ¼ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّى سائلك لآخذ عنك ، وقد انتظرنا أن تقول من أمرك شيئاً فلم تُقله ، أ لا تحدّثنا عن أمرك هذا ; أ كان بعهد من رسول الله ½ ، أو شىء رأيته ; فإنّا قد أكثرنا فيك الأقاويل ، وأوثقه عندنا ما قبلناه عنك وسمعناه من فيك إنّا كنّا نقول : لو رجعَت إليكم بعد رسول الله ½ لم ينازعكم فيها أحد ، والله ما أدرى إذا سئلت ما أقول ! ! أزعم أنّ القوم كانوا أولي بما كانوا فيه منك ! فإن قلت ذلك ، فعلامَ نصبك رسول الله ½ بعد حجّة الوداع فقال : "أيّها الناس ، من كنت مولاه فعلىّ مولاه" ؟ ! وإن تكُ أولي منهم بما كانوا فيه فعلامَ نتولاّهم ؟ ! فقال أمير المؤمنين ¼ : يا عبد الرحمن ، إنّ الله تعالي قبض نبيّه ½ وأنا يوم قبضه أولي بالناس منّى بقميصى هذا ، وقد كان من نبى الله إلىّ عهد لو خزمتمونى(٢) بأنفى لأقررتُ ; سمعاً لله وطاعة ، وإنّ أوّل ما انتقصناه بعده إبطال حقّنا فى الخمس . فلمّا رقّ أمرنا طمعت رعيان البهم من قريش فينا . وقد كان لى علي الناس حقّ ، لو ردّوه إلىّ عفواً قبلتُه ، وقمت به ، وكان إلي أجل معلوم ، وكنت كرجل لَه علي الناس حقٌّ إلي أجل ; فإن عجّلوا له مالَه أخذَه وحمدَهم عليه ، وإن أخّروه أخذَه غيرَ محمودين ، وكنت كرجل يأخذ السهولة (١) الأمالى للطوسى : ٥٦٦ / ١١٧٤ عن عبد الرحمن بن كثير عن الإمام الصادق عن أبيه عن جدّه
(ع) . ٦٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / دوافع بيعة الإمام بعد امتناعه / د : الإكراه
وهو عند الناس محزون . وإنّما يُعرف الهدي بقلّة من يأخذه من الناس ، فإذا سكتّ فاعفونى ; فإنّه لو جاء أمر تحتاجون فيه إلي الجواب أجبتُكم ، فكفّوا عنّى ما كففتُ عنكم . فقال عبد الرحمن : يا أمير المؤمنين ، فأنت لعمرك كما قال الأوّل :
١٠٠٦ ـ الكافى عن سدير : كنّا عند أبى جعفر ¼ ، فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيّهم ½ ، واستذلالهم أمير المؤمنين ¼ ، فقال رجل من القوم : أصلحك الله ، فأين كان عزّ بنى هاشم وما كانوا فيه من العدد ؟ ! فقال أبو جعفر ¼ : ومَن كان بقى من بنى هاشم إنّما كان جعفر وحمزة ، فمضيا ، وبقى معه رجلان ضعيفان ذليلان ، حديثا عهد بالإسلام ; عبّاس وعقيل ، وكانا من الطلقاء ، أما والله لو أنّ حمزة وجعفراً كانا بحضرتهما ما وصلا إلي ما وصلا إليه ، ولو كانا شاهديهما لأتلفا نفسَيهما(٢) . د : الإكراه ١٠٠٧ ـ المناقب لابن شهر آشوب : روى أنّه لمّا طالبوه بالبيعة قال له الأوّل : بايع . قال : فإن لم أفعل ؟ قال : والله الذى لا إله إلاّ هو نضرب عنقك . فالتفت علىّ إلي القبر ، فقال : يابن اُمّ إنّ القوم استضعفونى وكادوا (١) الأمالى للمفيد : ٢٢٣ / ٢ ، الأمالى للطوسى : ٨ / ٩ ، شرح الأخبار : ٢ / ٢٦٠ / ٥٦٣ نحوه . ٦٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الذرائع فى قرار السقيفة
١٠٠٨ ـ الإمام الصادق ¼ : والله ما بايع علىّ ¼ حتي رأي الدخان قد دخل عليه بيته(٣) . ١ / ١٦ ١ / ١٦ ـ ١ كراهة اجتماع النبوّة والخلافة فى بيت ١٠٠٩ ـ تاريخ الطبرى عن ابن عبّاس : قال [عمر بن الخطّاب] : يابن عبّاس ، أ تدرى ما منع قومكم منهم [بنى هاشم] بعد محمّد ؟ فكرهت أن اُجيبه ، فقلت : إن لم أكُن أدرى فأمير المؤمنين يُدرينى . فقال عمر : كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة ، فتبجّحوا علي قومكم بجحاً بجحاً ، فاختارت قريش لأنفسه ، فأصابت ووفّقت . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن تأذن لى فى الكلام وتُمِط عنّى الغضب ، تكلّمتُ . فقال : تكلّم يابن عبّاس . (١) إشارة إلي الآية : ١٥٠ من سورة الأعراف . ٦٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الذرائع فى قرار السقيفة / كراهة اجتماع النبوّة والخلافة فى بيت
± فقلت : أمّا قولك يا أمير المؤمنين : "اختارت قريش لأنفسها ، فأصابت ووفّقت" ، فلو أنّ قريشاً اختارت لأنفسها حيث اختار الله عزّ وجلّ لها لكان الصواب بيدها فقال عمر : هيهاتَ والله يابن عبّاس ، قد كانت تبلغنى عنك أشياء كنتُ أكره أن أفرّك عنها(٢) ، فتُزيل منزلتك منّى . فقلت : وما هى يا أمير المؤمنين ; فإن كانت حقّاً فما ينبغى أن تُزيل منزلتى منك ، وإن كانت باطلاً فمثلى أماط الباطل عن نفسه ! فقال عمر : بلغنى أنّك تقول : إنّما صرفوها عنّا حسداً وظلماً ! فقلت : أمّا قولك ـ يا أمير المؤمنين ـ : ظلماً ، فقد تبيّن للجاهل والحليم . وأمّا قولك : حسداً ، فإنّ إبليس حسد آدم ، فنحن ولده المحسودون . فقال عمر : هيهات ، أبَت والله قلوبكم يا بنى هاشم إلاّ حسداً ما يحول ، وضغناً وغشّاً ما يزول . فقلت : مهلاً يا أمير المؤمنين ، لا تصِف قلوبَ قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً بالحسد والغشّ ; فإنّ قلب رسول الله ½ من قلوب بنى هاشم . فقال عمر : إليك عنّى يابن عبّاس . (١) محمّد : ٩ . ٦٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الذرائع فى قرار السقيفة / حداثة السنّ
فقلت : أفعل ، فلمّا ذهبت لأقوم استحيا منّى ، فقال : يابن عبّاس ، مكانك ، فوَ الله إنّى لراع لحقّك ، محبٌّ لما سرّك . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنّ لى عليك حقّاً وعلي كلّ مسلم ، فمن حفظه فحظّه أصاب ، ومن أضاعه فحظّه أخطأ . ثمّ قام فمضي(١) . ١٠١٠ ـ شرح نهج البلاغة : قال [عمر بن الخطّاب] لابن عبّاس : يا عبد الله ، أنتم أهل رسول الله ، وآله ، وبنو عمّه ، فما تقول منع قومكم منكم ؟ قال : لا أدرى علّتها ، والله ما أضمرنا لهم إلاّ خيراً . قال : اللهمّ غفراً ، إنّ قومكم كرهوا أن يجتمع لكم النبوّة والخلافة ، فتذهبوا فى السماء شَمَخاً(٢) وبَذَخاً(٣) ، ولعلّكم تقولون : إنّ أبا بكر أوّل من أخّركم ، أما إنّه لم يقصد ذلك ، ولكن حضر أمرٌ لم يكن بحضرته أحزم ممّا فعل ، ولولا رأى أبى بكر فىَّ لجعل لكم من الأمر نصيباً ، ولو فعل ما هنّأكم مع قومكم ; إنّهم ينظرون إليكم نظر الثور إلي جازره(٤) . ١ / ١٦ ـ ٢ ١٠١١ ـ شرح نهج البلاغة : روي أبو بكر الأنبارى فى أماليه أنّ عليّاً ¼ جلس إلي عمر فى المسجد وعنده ناس ، فلمّا قام عرّض واحد بذِكره ، ونسبه إلي التَّيه والعُجب . (١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٢٣ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢١٨ . ٦٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الذرائع فى قرار السقيفة / حداثة السنّ
فقال عمر : حقٌّ لمثله أن يتيه ! والله ، لولا سيفه لما قام عمود الإسلام ، وهو بعدُ أقضي الاُمّة ، وذو سابقتها ، وذو شرفها . فقال له ذلك القائل : فما منعكم يا أمير المؤمنين عنه ؟ ! قال : كرهناه علي حداثة السنّ ، وحبّه بنى عبد المطّلب(١) . ١٠١٢ ـ الإمامة والسياسة : قال أبو عبيدة بن الجرّاح ـ بعد بيعة أبى بكر ـ لعلىّ كرّم الله وجهه : يابن عمّ ، إنّك حديث السنّ ، وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالاُمور ، ولا أري أبا بكر إلاّ أقوي علي هذا الأمر منك ، وأشدّ احتمالاً واضطلاعاً به ، فسلِّم لأبى بكر هذا الأمر ; فإنّك إن تعِش ويطُل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق ، وبه حقيق ، فى فضلك ، ودينك ، وعلمك ، وفهمك ، وسابقتك ، ونسبك ، وصهرك(٢) . ١٠١٣ ـ تاريخ دمشق عن ابن عبّاس : بينا أنا مع عمر بن الخطّاب فى بعض طرق المدينة ـ يده فى يدى ـ إذ قال لى : يابن عبّاس ، ما أحسب صاحبك إلاّ مظلوماً ! ! فقلت : فرُدّ إليه ظلامتَه يا أمير المؤمنين ! ! فانتزع يده من يدى ، ونفر منّى يهمهم ، ثمّ وقف حتي لحقته ، فقال لى : يابن عبّاس ، ما أحسب القوم إلاّ استصغروا صاحبك ! ! قلت : والله ، ما استصغره رسول الله ½ حين أرسله وأمره أن يأخذ براءة من أبى بكر فيقرأها علي الناس ! ! فسكت(٣) . (١) شرح نهج البلاغة : ١٢ / ٨٢ ; نهج الحقّ : ٢٥١ . ٧٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الذرائع فى قرار السقيفة / حداثة السنّ
١٠١٤ ـ محاضرات الاُدباء عن ابن عبّاس : كنت أسير مع عمر بن الخطّاب فى ليلة ، ـ وعمر علي بغل ، وأنا علي فرس ـ فقرأ آية فيها ذكر علىّ بن أبى طالب ، فقال : أما والله يا بنى عبد المطّلب ! لقد كان علىّ فيكم أولي بهذا الأمر منّى ومن أبى بكر . فقلت فى نفسى : لا أقالنى الله إن أقلته ، فقلت : أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين ، وأنت وصاحبك وثبتما وافترعتما(١) الأمر منّا دون الناس ! ! فقال : إليكم يا بنى عبد المطّلب ! أما إنّكم أصحاب عمر بن الخطّاب . فتأخّرتُ ، وتقدّم هنيهة ، فقال : سِر ، لا سرت ، وقال : أعد علىَّ كلامك ! فقلت : إنّما ذكرتَ شيئاً فرددتُ عليك جوابه ، ولو سكتّ سكتنا . فقال : إنّا والله ما فعلنا الذى فعلنا عن عداوة ، ولكن استصغرناه ، وخشينا أن لا تجتمع عليه العرب وقريش ; لما قد وترها . قال : فأردتُ أن أقول : كان رسول الله ½ يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره ، أ فتَستصغره أنت وصاحبك ؟ ! فقال : لا جرم ، فكيف تري ، والله ما نقطع أمراً دونه ، ولا نعمل شيئاً حتي نستأذنه(٢) . ١٠١٥ ـ أخبار الدولة العبّاسيّة : قال عمر لعبد الله بن عبّاس : أ تدرى ما منع الناس من ابن عمّك أن يولّوه هذا الامر ؟ قال : ما أدرى ! قال عمر : لحداثة سنّه . قال : فقد كان يوم بدر أحدثهم سنّاً ! يقدّمونه فى المأزرة ، ويؤخّرونه فى (١) فَرَع بينهم يفرِع فَرْعا: حجَزَ وكفَّ (تاج العروس : ١١ / ٣٣٨) . وافترعوا الحديث : ابتدؤوه (تاج العروس : ١١ / ٣٤٢) . وفى كتاب اليقين "انتزعتما" بدل "افترعتما" . ٧١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / مجالات نجاح قرار السقيفة
الإمامة ! ! حدثنا أبو عمر ، وأحمد بن عبد الله يرفعه ، قال : مرّ عمر بعلىّ ¼ وهو يحدّث الناس عن رسول الله ½ ، فقال : إلي أين يا أمير المؤمنين ؟ فقال : اُريد الحديقة ـ يعنى بستاناً له ـ . فقال : أ اُونِسُك بابن عبّاس ؟ فقال عمر : إذن اُوحشك منه ! فقال علىّ ¼ : إنى أوثرك به علي نفسى ، قم يابن عبّاس فحدّثه . فقام إليه وسايره . فقال عمر : ما أكمل صاحبكم هذا لولا ! فقال عبد الله : لولا ماذا ؟ فقال عمر : لولا حداثة سنّه ، وكلفه بأهل بيته ، وبغض قريش له . فقال عبد الله بن عبّاس : أ تأذن لى فى الجواب ؟ فقال عمر : هاتِ . فقال : أمّا حداثة سنّه ، فما استحدث من جعله الله لنبيّه أخاً ، وللمسلمين وليّاً . وأمّا كلفه بأهل بيته فما ولى فآثر أهل بيته علي رضاء الله . وأما بغض قريش له فعلي من تنقم ; أعلي الله حين بعث فيهم نبيّاً ، أم علي نبيّه حين أدّي فيهم الرسالة ، أم علي علىّ حين قاتلهم فى سبيل الله ؟ ! فقال عمر : يابن عبّاس ! أنت تغرف من بحر ، وتنحت من صخر(١) . ١ / ١٧ أ : بغض قريش ١٠١٦ ـ نثر الدرّ عن ابن عبّاس : وقع بين علىّ وعثمان كلام ، فقال عثمان : ما أصنع بكم إن كانت قريش لا تحبّكم ! وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين ، كأنّ ٧٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / مجالات نجاح قرار السقيفة / أ : بغض
وجوههم شنوف(١) الذهب ، تشرب آنُفُهم(٢) قبل شِفاههم !(٣) ١٠١٧ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى بيان علّة شدّة بغض الوليد عليّاً ¼ ـ : إنّ عليّاً ¼ قتل أباه عقبة بن أبى معيط صبراً يوم بدر ، وسمّى الفاسق بعد ذلك فى القرآن لنزاع وقع بينه وبينه(٤) . ١٠١٨ ـ فرائد السمطين عن نبيط بن شريط : خرجت مع علىّ بن أبى طالب ¼ ، ومعنا عبد الله بن عبّاس ، فلمّا صرنا إلي بعض حيطان الأنصار وجدنا عمر جالساً ينكت فى الأرض . فقال له علىّ بن أبى طالب ¼ : يا أمير المؤمنين ، ما الذى أجلسك وحدك ها هنا ؟ قال : لأمر همّنى . قال علىّ ¼ : أ فتريد أحدنا ؟ قال عمر : إن كان عبد الله . فتخلّف معه عبد الله بن عبّاس ، ومضيت مع علىّ ¼ ، وأبطأ علينا ابن عبّاس ، ثمّ لحق بنا . فقال له علىّ ¼ : ما وراؤك ؟ قال : يا أبا الحسن ! اُعجوبة من عجائب أمير المؤمنين اُخبرك بها واكتم علىّ ! ! قال : فهلمّ . قال : لمّا أن ولّيت قال عمر ـ وهو ينظر إلي أثرك ـ : آه ، آه ، آه . فقلت : ممّ تأوّه يا أمير المؤمنين ؟ ! (١) الشَنْف : الذى يُلبس فى أعلي الاُذن ، والذى فى أسفلها القُرط ، وقيل : الشَّنْفُ والقرط سواء (لسان العرب : ٩ / ١٨٣) . ٧٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / مجالات نجاح قرار السقيفة / ب : الحسد
قال : من أجل صاحبك يابن عبّاس وقد اُعطى ما لم يُعطَه أحدٌ من آل النبىّ ½ ، ولولا ثلاث هنّ فيه ما كان لهذا الأمر من أحد سواه ! ! قلت : ما هنّ يا أمير المؤمنين ؟ قال : كثرة دعابته ، وبغض قريش له ، وصغر سنّه ! ! قال : فما رددتَ عليه ؟ قال : داخلنى ما يدخل ابن العمّ لابن عمّه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ! أمّا كثرة دعابته : فقد كان النبىّ ½ يُداعب فلا يقول إلاّ حقّاً ، وأين أنت حيث كان رسول الله ½ يقول ـ ونحن حوله صبيان وكهول وشيوخ وشبّان ويقول ـ للصبىّ : "سناقاً ، سناقاً" ، ولكلّ ما يعلمه الله يشتمل علي قلبه ! وأمّا بغض قريش له ، فوَ الله ما يبالى ببغضهم له بعد أن جاهدهم فى الله حين أظهر الله دينه ، فقصم أقرانها ، وكسر آلهتها ، وأثكل نساءها ; لامه من لامه . وأمّا صغر سنّه ، فقد علمت أنّ الله تعالي حيث أنزل عليه : ³ بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ² (١) فوجّه النبىّ ½ صاحبه ليبلّغ عنه ، فأمره الله أن لا يبلّغ عنه إلاّ رجل من أهله ، فوجّهه به ، فهل استصغر الله سنّه ! ! فقال عمر لابن عبّاس : أمسك علىَّ ، واكتم ، فإن سمعتها من غيرك لم أنم بين لابتيها(٢) . ب : الحسد ١٠١٩ ـ الأخبار الموفّقيّات عن ابن عبّاس ـ فى جواب عثمان ـ : أمّا صرف قومنا عنّا الأمر فعن حسد قد والله عرفته ، وبغى قد والله علمته ، فالله بيننا وبين قومنا ! ٧٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / بيعة أبى بكر من وجهة نظر عمر
وأمّا قولك : إنّك لا تدرى أدفعوه عنّا أم دفعونا عنه ! فلعمرى إنّك لتعرف أنّه لو صار إلينا هذا الأمر ما زدنا به فضلاً إلي فضلنا ، ولا قدْراً إلي قدرنا ، وإنّا لأهل الفضل ، وأهل القدر ، وما فضلَ فاضلٌ إلاّ بفضلنا ، ولا سبق سابقٌ إلاّ بسبقنا ، ولولا هدينا ما اهتدي أحد ، ولا أبصروا من عميً ، ولا قصدوا من جور(١) . ١٠٢٠ ـ الأمالى للمفيد عن أبى الهيثم بن التيّهان ـ قبل حرب الجمل ـ : يا أمير المؤمنين ، إنّ حسد قريش إيّاك علي وجهين : أمّا خيارهم فحسدوك منافسةً فى الفضل ، وارتفاعاً فى الدرجة . وأمّا أشرارهم فحسدوك حسداً ، أحبط الله به أعمالهم ، وأثقل به أوزارهم . وما رضوا أن يساووك حتي أرادوا أن يتقدّموك ، فبعدت عليهم الغاية ، وأسقطهم المضمار ، وكنت أحقّ قريش بقريش ، نصرتَ نبيّهم حيّاً ، وقضيتَ عنه الحقوق ميّتاً ، والله ما بغيهم إلاّ علي أنفسهم ، ونحن أنصارك وأعوانك ، فمُرْنا بأمرك(٢) . ١ / ١٨ ١٠٢١ ـ تاريخ اليعقوبى عن عمر بن الخطّاب : كانت بيعة أبى بكر فلتة ، وقي الله شرّها ، فمن عاد لمثلها فاقتلوه(٣) . (١) الأخبار الموفّقيّات : ٦٠٦ ، شرح نهج البلاغة : ٩ / ٩ . ٧٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / بيعة أبى بكر من وجهة نظر عمر
١٠٢٢ ـ صحيح البخارى عن ابن عبّاس: كنت اُقرئ رجالا من المهاجرين ، منهم عبد الرحمن بن عوف ، فبينما أنا فى منزله بمني وهو عند عمر بن الخطّاب فى آخر حجّة حجّها إذ رجع إلىّ عبد الرحمن فقال : لو رأيتَ رجلا أتي أمير المؤمنين اليوم فقال : يا أمير المؤمنين هل لك فى فلان يقول : لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً فوَ الله ما كانت بيعة أبى بكر إلاّ فلتة فتمّت ! فغضب عمر ، ثمّ قال : إنّى إن شاء الله لقائم العشيّة فى الناس ; فمحذِّرهم هؤلاء الذى يريدون أن يغصبوهم اُمورهم . قال عبد الرحمن : فقلت : يا أمير المؤمنين ، لا تفعل ; فإنّ الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم ، فإنّهم هم الذين يغلبون علي قربك حين تقوم فى الناس ، وأنا أخشي أن تقوم فتقول مقالة يطيِّرها ، عنك كل مطيِّر ، وأن لا يعوها ، وأن لا يضعوها علي مواضعها ، فامهل حتي تقدم المدينة ; فإنّها دار الهجرة والسنّة ، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس ، فتقول ما قلت متمكِّناً ; فيعى أهل العلم مقالتك ، ويضعونها علي مواضعها . فقال عمر : أما والله ـ إن شاء الله ـ لأقومنّ بذلك أول مقام أقومه بالمدينة . قال ابن عبّاس : فقدمنا المدينة فى عقب ذى الحجّة ، فلمّا كان يوم الجمعة عجّلتُ الرواح حين زاغت الشمس ، حتي أجدَ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً إلي ركن المنبر ، فجلستُ حوله(١) تمسّ ركبتى ركبته ، فلم أنشب(٢) أن خرج عمر بن الخطاب ، فلمّا رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل : ليقولنّ العشيّة مقالة لم يقُلها منذ استُخلف ! فأنكر علىَّ ، وقال : ما عسيتَ أن يقول (١) كذا ، وفى مسند ابن حنبل : "حَذاءه" . ٧٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / بيعة أبى بكر من وجهة نظر عمر
ما لم يَقُل قبله ! ! فجلس عمر علي المنبر ، فلمّا سكت المؤذِّنون قام ، فأثني علي الله بما هو أهله ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّى قائلٌ لكم مقالة قد قُدِّر لى أن أقولها ، لا أدرى لعلّها بين يدى أجلى ، فمن عقلها ووعاها فليُحدِّث بها حيث انتهت به راحلتُه ، ومن خشى أن لا يعقلها فلا اُحلّ لأحد أن يكذِب علىّ: إنّ الله بعث محمّداً ½ بالحقّ ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ; رجم(١) رسول الله ½ ، ورجمنا بعده ، فأخشي إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : "و الله ما نجد آية الرجم فى كتاب الله" ، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها . الله والرجم فى كتاب الله حقّ علي من زني إذا اُحصن ; من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة ، أو كان الحبل ، أو الاعتراف . ثمّ إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله "أن لا ترغبوا عن آبائكم"(٢) ; فإنّه كفرٌ بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، أو إنّ كُفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، ألا ثمّ إنّ رسول الله ½ قال : لا تُطرونى كما اُطرى عيسي بن مريم ، وقولوا عبد الله ورسوله . ثمّ إنّه بلغنى أنّ قائلا منكم يقول : والله لو قد مات عمر بايعتُ فلاناً ، فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول : إنّما كانت بيعة أبى بكر فلتة وتمّت ! ألا وإنّها قد كانت كذلك ، ولكنّ الله وقي شرّها ، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبى بكر . من بايع ٧٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / بيعة أبى بكر من وجهة نظر عمر
رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذى تابعه تَغِرّة أن يُقتلا(١) . قال ابن أبى الحديد بعد نقل خطبة عمر عن الطبرى : هذا حديث متّفق عليه من أهل السيرة ، وقد وردت الروايات فيه بزيادات ; روي المدائنى قال : لمّا أخذ أبو بكر بيد عمر وأبى عبيدة وقال للناس : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، قال أبو عبيدة لعمر : امدُد يدك نبايعك . فقال عمر : ما لك فى الإسلام فَهَّةٌ(٢) غيرها ! أ تقول هذا وأبو بكر حاضر ! ! ثمّ قال للناس : أيّكم يطيب نفساً أن يتقدّم قدمين قدّمهما رسول الله ½ للصلاة ! ! رضيَك رسول الله ½ لديننا ، أ فلا نرضاك لدنيانا ! ! ثمّ مدّ يده إلي أبى بكر فبايعه . وهذه الرواية هى التى ذكرها قاضى القضاة فى كتاب المغنى . وقال الواقدى فى روايته فى حكاية كلام عمر : والله لأنْ اُقدّم فاُنحر كما يُنحر البعير ، أحبُّ إلىّ من أن أتقدّم علي أبى بكر . وقال شيخنا أبو القاسم البلخى : قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ : إن الرجل الذى قال : "لو قد مات عمر لبايعت فلاناً" عمّار بن ياسر ، قال : لو قد مات عمر لبايعتُ عليّاً ¼ ، فهذا القولُ هو الذى هاج عمرَ أن خطب بما خطب به . (١) صحيح البخارى: ٦ / ٢٥٠٣ / ٦٤٤٢ ، مسند ابن حنبل: ١ / ١٢١ / ٣٩١ ، صحيح ابن حبّان : ٢ / ١٤٦ / ٤١٣ وص ١٥٥ / ٤١٤ ، المصنّف لابن أبى شيبة : ٧ / ٦١٥ / ٥ ، المصنّف لعبد الرزّاق : ٥ / ٤٣٩ / ٩٧٥٨ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٤ / ٣٠٧ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٢٦٥ وفيه "إنّ عمر بن الخطّاب خطب خطبة ، قال فيها . . ." ، تاريخ الطبرى : ٣ / ٢٠٣ ـ ٢٠٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ١١ ، تاريخ دمشق : ٣٠ / ٢٨٠ ـ ٢٨٤ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٢ ، السيرة النبويّة لابن كثير : ٤ / ٤٨٦ كلّها نحوه . ٧٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / مكان الإمام فى الحكومة
وقال غيره من أهل الحديث : إنّما كان المعزوم علي بيعته لو مات عمر طلحة ابن عبيد الله . فأمّا حديث الفَلتة ، فقد كان سبق من عمر أن قال : إنّ بيعة أبى بكر كانت فلتة وقي الله شرّها ; فمن عاد إلي مثلها فاقتلوه . وهذا الخبر الذى ذكرناه عن ابن عبّاس وعبد الرحمن بن عوف فيه حديث الفلتة ; ولكنّه منسوق علي ما قاله أوّلاً ، أ لا تراه يقول : فلا يغرّنّ امرأً أن يقول : "إنّ بيعة أبى بكر كانت فلتة ، فلقد كانت كذلك" ، فهذا يُشعر بأنّه قد كان قال من قبل : إنّ بيعة أبى بكر كانت فلتة . . . (١) . ١ / ١٩ ١٠٢٣ ـ تاريخ اليعقوبى : أراد أبو بكر أن يغزو الروم ، فشاور جماعة من أصحاب رسول الله ، فقدّموا وأخّروا ، فاستشار علىّ بن أبى طالب ، فأشار أن يفعل ، فقال : إن فعلتَ ظفرت . فقال : بشّرت بخير . فقام أبو بكر فى الناس خطيباً ، وأمرَهم أن يتجهّزوا إلي الروم ، فسكت الناس . فقام عمر فقال : ³ لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا ² (٢) لانتدبتموه ! فقام عمرو بن سعيد فقال : لنا تضرب أمثال المنافقين يابن الخطّاب ، فما يمنعك أنت ما عِبتَ ٧٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / مكان الإمام فى الحكومة
علينا فيه ؟ !(١) ١٠٢٤ ـ الفتوح ـ بعد ذكر قضيّة ارتداد الأشعث وعزم أبى بكر علي توجيه الإمام علىّ ¼ لقتاله ـ : قال عمر : أخاف أن يأبي لقتال القوم ، فلا يقاتلهم ، فإن أبي ذلك فلم تجد أحداً يسير إليهم إلاّ علي المكروه منه . ولكن ذر عليّاً يكون عندك بالمدينة ; فإنّك لا تستغنى عنه وعن مشورته(٢) . (١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٣٢ وراجع الفتوح : ١ / ٨٠ . |
||||||||||||||||||||||||||||