الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الثالث

 

 ٣٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / كلام الإمام لمّا وصل إليه خبر السقيفة

نُقل كلام الإمام علىّ  ¼ حول السقيفة بثلاث صور :

١ ـ أ تكون الخلافة بالصحابة والقرابة ؟(١)

٢ ـ أ تكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة ؟(٢)

٣ ـ أ تكون الخلافة بالصحابة [و القرابة] ولا تكون بالقرابة والنصّ ؟(٣)

ولا شكّ في أنّ أحد هذه الأقوال الثلاثة صادر عن الأمام ، ولا يمكن القول بأنّ هذه الأقوال الثلاثة صادرة عنه بأجمعها . بيد أنّ الجملة الاُولي يمكن اعتبارها جزءاً من الجملة الثالثة ، أمّا الجملتان الاُولي والثالثة فمتعارضتان قطعاً . وعلي هذا إمّا يجب اختيار الجملة الثانية ، وإمّا واحدة من الجملتين


(١) نهج البلاغة : (تصحيح صبحى الصالح وتصحيح محمّد عبده) الحكمة ١٩٠ .
(٢) نهج البلاغة : (تصحيح فيض الإسلام) الحكمة ١٨١ ، نهج البلاغة : (تحقيق وطبع مؤسّسة نهج البلاغة) الحكمة ١٨١ ، نهج الإيمان : ٣٨٤ ، الصراط المستقيم : ١ / ٦٧ ، غرر الحكم : ١٠١٢٣ ، مصادر نهج البلاغة وأسانيده : ٤ / ١٥٢ / ١٩٠ ; شرح نهج البلاغة : ١٨ / ٤١٦ / ١٨٥ .
(٣) استنتاج من قول السيّد الرضىّ في خصائص الائمّة (ع) : ١١١ وفيه : "و يروي : والقرابة والنص" .

 ٣٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / كلام الإمام لمّا وصل إليه خبر السقيفة

الاُخرَيتين.

يذهب البعض إلي القول بأنّ الإمام عليّاً  ¼ ذكر الجملة الثانية . وهذا يعنى أنّه انتهج سبيل الجدال بالتى هى أحسن ; بمعني أنّ الإمام  ¼ يؤمن بالنصّ علي الإمامة ، ويؤكّد عليه . إلاّ أنّ لحن الكلام يوحى بأنّه يريد القول بأنّ الحقائق قد انقلبت ولم يعدُ أحد يقبل هذه الحقيقة . ولذا لجأ إلي اُسلوب الجدال بالتى هى أحسن مع أصحاب السقيفة ، قائلاً : إذا كانت الصحبة شرطاً في الخلافة ، فلماذا لا تُضاف إليها القرابة مع رسول الله؟ بمعني أنّ صحبة رسول الله  ½ إذا اجتمع معها عنصر القرابة منه ، يكون من تجتمعان فيه أولي بالخلافة من غيره(١).

وهذا الاستدلال لا يصمد أمام النقد لأسباب متعدّدة ، هى :

١ ـ عندما احتجّ الأنصار يوم السقيفة بصحبتهم لرسول الله  ½ لنيل الخلافة ، احتجّ عليهم المهاجرون ـ وعلي رأسهم أبو بكر وعمر ـ بأنّ صحبة رسول الله  ¼ وحدها لا تكفى ، ولا بدّ من شرط القرابة أيضاً.

فقال عمر : ... والله لا ترضي العرب أن يؤمّروكم ونبيّها من غيركم ، ولكن العَرب لا تمتنع أن تولّى أمرها من كانت النبوّة فيهم ، وولى اُمورهم منهم ، ولنا بذلك علي من أبي من العرب الحجّة الظاهرة والسلطان المبين . من ذا منازعنا سلطانه وإمارته ، ونحن أولياؤه وعشيرته ، إلاّ مدل بباطل أو متجانف لإثم.

واستند أبو بكر أيضاً في ذلك المقام إلي قرابته من رسول الله لإثبات أهليّته للخلافة فقال :

فهم أوّل من عبَد الله في هذه الأرض وآمن بالله وبالرسول ، وهم أولياؤه


(١) مصادر نهج البلاغة وأسانيده : ٤ / ١٥٢ ، تصنيف نهج البلاغة : ٤١٣ .

 ٣٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / كلام الإمام لمّا وصل إليه خبر السقيفة

وعشيرته ، وأحقّ الناس بهذا الأمر من بعده ، ولا ينازعهم ذلك إلاّ ظالم(١).

٢ ـ بعد أحداث السقيفة سأل الإمام علىّ  ¼ مَن حضروها عن ماهيّة استدلال الجانبين ، ودعاهم إلي النظر في قول من احتجّ بأنّ قريش شجرة الرسول  ½ قائلاً :

فماذا قالت قريش؟

قالوا : احتجّت بأنّها شجرة الرسول  ½ ، فقال  ¼ : احتجّوا بالشجرة ، وأضاعوا الثمرة(٢) !

٣ ـ الشعر الذى نقله الشريف الرضى فى نهج البلاغة وفى خصائص الأئمّة ، ويشتمل علي مضمون كلام الامام علىّ  ¼ يدلّ علي أنّ المهاجرين استدلّوا بالقرابة ، وإنّ الإمام قد استدلّ فى مقابلهم بالأقربيّة :

وإن كنتَ بالقُربي حججت خصيمهمفغيرك أولي بالنبىّ وأقربُ

٤ ـ قال على  ¼ عند تسليطه الأضواء علي واقعة السقيفة:

قالت قريش : منّا أمير . وقالت الأنصار : منّا أمير . فقالت قريش : منّا محمّد رسول الله  ½ فنحن أحقّ بذلك الأمر . فعرفَت ذلك الأنصار ، فسلّمت لهم الولاية والسلطان . فإذا استحقّوها بمحمدّ  ½ دون الأنصار ، فإنّ أولي الناس بمحمّد  ½ أحقّ بها منهم(٣).

وفى هذا الصدد أيضاً جاء فى الكتاب ٢٨ من نهج البلاغة : لمّا احتجّ


(١) تاريخ الطبرى : ٣ / ٢٢٠ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ١٣ ، الإمامة والسياسة : ١ / ٢٤ .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٦٧ ، خصائص الأئمّة (ع) : ٨٦ .
(٣) وقعة صفّين : ٩١ ; شرح نهج البلاغة : ١٥ / ٧٨ .

 ٤٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الهجوم علي بيت فاطمة بنت رسول الله

المهاجرون علي الأنصار يوم السقيفة برسول الله  ¼ فلجوا(١) عليهم ، فان يكن الفلج به فالحقّ لنادونكم.

وخلاصة القول في ضوء المبني الصحيّح للإمامة ; وهو أنّ الإمامة منصب إلهى يتحقّق بالنصّ ولا يستقى مشروعيّته من الشعب ، وعدم صحّة حمل القول الأول علي الجدال بالتى هى أحسن ، فيكون القول الثالث : "أ تكون الخلافة بالصحابة والقرابة ولا تكون بالقرابة والنصّ؟" هو الصحيح . علماً بأن القول الأوّل يمكن قبوله علي صيغة الاستفهام الإنكارى ، فيكون علي النحو التالى:

"أ تكون الخلافة بالصحابة والقرابة"(٢)؟!

١ / ٩

الهجوم علي بيت فاطمة بنت رسول الله

٩٦١ ـ أنساب الاشراف عن ابن عبّاس : بعث أبو بكر عمر بن الخطّاب إلي علىّ حين قعد عن بيعته وقال : ائتنى به بأعنف العنف ، فلمّا أتاه جري بينهما كلام فقال علىّ : احلب حلباً لك شطره ، والله ما حرصك علي إمارته اليوم إلاّ ليؤمّرك غداً(٣) .

٩٦٢ ـ أنساب الأشراف عن سليمان التيمى وعن ابن عون : أنّ أبا بكر أرسل إلي


(١) فَلَجَ أصحابه : إذا غلبهم (النهاية : ٣ / ٤٨٦) .
(٢) فيما يتعلّق بنقض وإبرام هذه النصوص راجع نهج السعادة : ٤/١٩٥ وشرح الأخبار : ١/٢٥٠ وحياة الإمام الرضا  ¼ : ٥٦ .
(٣) أنساب الأشراف : ٢ / ٢٦٩ ، الإمامة والسياسة : ١ / ٢٩ نحوه وفيه "و اشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً" بدل "و الله ما . . ." ; الشافى : ٣ / ٢٤٠ عن ابن عبّاس ، الاحتجاج : ١ / ١٨٣ / ٣٦ نحوه وفيه "اشدد له اليوم ليردّ عليك غداً" بدل "و الله ما . . ." .

 ٤١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الهجوم علي بيت فاطمة بنت رسول الله

علىّ يريد البيعة ، فلم يبايع . فجاء عمر ، ومعه قَبَس ، فتلقّته فاطمةُ علي الباب ، فقالت فاطمة : يابن الخطاب ! ! أ تراك محرّقاً علىَّ بابى ؟ ! قال : نعم ! ! ، وذلك أقوي فيما جاء به أبوك(١) .

٩٦٣ ـ تاريخ الطبرى عن زياد بن كليب : أتي عمر بن الخطّاب منزل علىّ وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين ، فقال : والله لاُحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلي البيعة . فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف ، فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه(٢) .

٩٦٤ ـ تاريخ اليعقوبى : بلغ أبا بكر وعمر أنّ جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علىّ بن أبى طالب فى منزل فاطمة بنت رسول الله ، فأتوا فى جماعة حتي هجموا الدار . . . ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت : والله لتخرجنّ أو لأكشفنّ شعرى ولأعجّنّ إلي الله . فخرجوا وخرج من كان فى الدار ، وأقام القوم أيّاماً ، ثمّ جعل الواحد بعد الواحد يبايع ، ولم يبايع علىّ إلاّ بعد ستّة أشهر(٣) .

٩٦٥ ـ الإمامة والسياسة : إنّ أبا بكر تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علىّ كرّم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم فى دار علىّ ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذى نفس عمر بيده ، لتخرجنّ أو لاُحرقنّها علي من فيها ، فقيل له : يا أبا حفص ، إنّ فيها فاطمة . فقال : وإنْ ! !

فخرجوا فبايعوا إلاّ عليّاً ; فإنّه زعم أنّه قال : حلفت أن لا أخرج ولا أضع


(١) أنساب الأشراف : ٢ / ٢٦٨ ; بحار الأنوار : ٢٨ / ٣٨٩ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٣ / ٢٠٢ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ٥٦ عن سلمة بن عبد الرحمن وج ٦ / ٤٨ عن أبى زيد عمر بن شبّه عن رجاله وكلاهما نحوه .
(٣) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٢٦ .

 ٤٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الهجوم علي بيت فاطمة بنت رسول الله

ثوبى علي عاتقى حتي أجمع القرآن ، فوقفت فاطمة رضى الله عنها علي بابها فقالت : لا عهد لى بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله  ½ جنازةً بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ، ولم تردّوا لنا حقّاً .

فأتي عمر أبا بكر فقال له : أ لا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة ؟ فقال أبو بكر لقنفد ـ وهو مولي له ـ : اذهب فادعُ لى عليّاً ، فذهب إلي علىّ فقال له : ما حاجتك ؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله ، فقال علىّ : لَسريعُ ما كذبتم علي رسول الله . فرجع فأبلغ الرسالة ، فبكي أبو بكر طويلاً .

فقال عمر الثانية : لا تمهل هذا المتخلّف عنك بالبيعة ، فقال أبو بكر لقنفد : عُد إليه فقل له : خليفة رسول الله يدعوك لتبايع ، فجاءه قنفد ، فأدّي ما اُمر به ، فرفع علىٌّ صوته فقال : سبحان الله ! لقد ادّعي ما ليس له . فرجع قنفد فأبلغ الرسالة ، فبكي أبو بكر طويلاً .

ثمّ قام عمر فمشي معه جماعة ، حتي أتَوا باب فاطمة ، فدقّوا الباب ، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلي صوتها : يا أبتِ يا رسول الله ! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبى قحافة ؟ ! !

فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين ، وكادت قلوبهم تنصدع ، وأكبادهم تنفطر ، وبقىَ عمر ومعه قوم ، فأخرجوا عليّاً ، فمضوا به إلي أبى بكر ، فقالوا له : بايع ، فقال : إن أنا لم أفعل فمَهْ ؟ قالوا : إذاً والله الذى لا إله إلاّ هو نضرب عنقك ، فقال : إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله ، قال عمر : أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسوله فلا ، وأبو بكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : أ لا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال : لا اُكرهه علي شىء ما كانت فاطمة إلي جنبه .

فلحق علىّ بقبر رسول الله  ½ يصيح ويبكى ، وينادى : يابن اُمّ ! إنّ القوم

 ٤٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / امتناع الإمام من البيعة

استضعفونى وكادوا يقتلوننى(١) (٢) .

٩٦٦ ـ تاريخ اليعقوبى عن أبى بكر ـ قُبيل موته ـ : ما آسي إلاّ علي ثلاث خصال صنعتها ليتنى لم أكن صنعتها ، وثلاث لم أصنعها ليتنى كنت صنعتها ، وثلاث ليتنى كنت سألت رسول الله عنها .

فأمّا الثلاث التى صنعتها فليت أنّى لم أكن تقلّدت هذا الأمر ، وقدّمت عمر بين يدىّ ; فكنت وزيراً خيراً منّى أميراً ، وليتنى لم اُفتّش بيت فاطمة بنت رسول الله واُدخله الرجال ولو كان اُغلق علي حرب ، وليتنى لم اُحرّق الفجاءة السلمى ; إمّا أن أكون قتلته سَريحاً(٣) أو أطلقته نجيحاً(٤) .

١ / ١٠

امتناع الإمام من البيعة

٩٦٧ ـ الردّة : أرسل أبو بكر إلي علىّ فدعاه ، فأقبل والناس حضور ، فسلّم وجلس ، ثمّ أقبل علي الناس ، فقال : لِمَ دعوتنى ؟ فقال له عمر : دعوناك للبيعة التى قد اجتمع عليها المسلمون ، فقال علىّ : يا هؤلاء ، إنّما أخذتم هذا الأمر من الأنصار بالحجّة عليهم والقرابة لأبى بكر ; لأنّكم زعمتم أنّ محمّداً  ½ منكم ،


(١) إشارة إلي الآية ١٥٠ من سورة الأعراف .
(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ٣٠ وراجع الاحتجاج : ١ / ٢٠٧ / ٣٨ .
(٣) أمر سَريح : أى معجّل (لسان العرب : ٢ / ٤٧٩) .
(٤) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٣٧ ، الخصال : ١٧١ / ٢٢٨ ; تاريخ الطبرى : ٣ / ٤٣٠ ، تاريخ الإسلام للذهبى: ٣ / ١١٧ ، الأموال : ١٤٤ / ٣٥٣ وفيه "وددت أنـّى لم أكن فعلت كذا وكذا ـ لخلّة ذكرها" بدل "لم اُفتّش بيت فاطمة . . . الحرب" ، العقد الفريد : ٣ / ٢٧٩ ، تاريخ دمشق : ٣٠ / ٤١٨ وص ٤١٩ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ٤٦ ، الإمامة والسياسة : ١ / ٣٦ كلّها نحوه .

 ٤٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / امتناع الإمام من البيعة

فأعطَوكم المَقادة ، وسلّموا إليكم الأمر ، وأنا أحتجّ عليكم بالذى احتججتم به علي الأنصار ، نحن أولي بمحمّد  ½ حيّاً وميّتاً ; لأنّا أهل بيته ، وأقرب الخلق إليه ، فإن كنتم تخافون الله فأنصفونا ، واعرفوا لنا فى هذا الأمر ما عرفته لكم الأنصار .

فقال له عمر : إنّك أيّها الرجل لست بمتروك أو تبايع كما بايع غيرك . فقال علىّ   ¢ : إذاً لا أقبل منك ولا اُبايع من أنا أحقّ بالبيعة منه . فقال له أبو عبيدة بن الجرّاح : والله يا أبا الحسن ، إنّك لحقيق لهذا الأمر لفضلك وسابقتك وقرابتك ، غير أنّ الناس قد بايعوا ورضوا بهذا الشيخ ، فارضَ بما رضى به المسلمون .

فقال له علىّ كرّم الله وجهه : يا أبا عبيدة ، أنت أمين هذه الاُمّة ! ! فاتّقِ الله فى نفسك ; فإنّ هذا اليوم له ما بعده من الأيّام ، وليس ينبغى لكم أن تُخرجوا سلطان محمّد  ½ من داره وقعر بيته إلي دوركم وقعور بيوتكم ; ففى بيوتنا نزل القرآن ، ونحن معدِن العلم والفقه والدين والسنّة والفرائض ، ونحن أعلم باُمور الخلق منكم ; فلا تتّبعوا الهوي فيكونَ نصيبكم الأخسّ .

فتكلّم بشير بن سعد الأنصارى فقال : يا أبا الحسن ، أما والله لو أنّ هذا الكلام سمعه الناس منك قبل البيعة لَما اختلف عليك رجلان ، ولَبايعك الناس كلّهم ، غير أنّك جلست فى منزلك ولم تشهد هذا الأمر ، فظنّ الناس أن لا حاجة لك فيه ، والآن فقد سبقتْ البيعة لهذا الشيخ ، وأنت علي رأس أمرك .

فقال له علىّ : ويحك يا بشير ! أ فكان يجب أن أترك رسول الله  ½ فى بيته فلم أجبه إلي حفرته ، وأخرج اُنازع الناس بالخلافة ؟ !(١)


(١) الردّة : ٤٦ وراجع الاحتجاج : ١ / ١٨٢ / ٣٦ والمسترشد : ٣٧٤ / ١٢٣ وشرح نهج البلاغة : ٦ / ٦ ـ ١٢ والإمامة والسياسة : ١ / ٢٨ .

 ٤٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / امتناع الإمام من البيعة

٩٦٨ ـ شرح نهج البلاغة عن سعيد بن كثير بن عُفير الأنصارى ـ فى ذكر يوم السقيفة ـ : كثر الناس علي أبى بكر ، فبايعه معظم المسلمين فى ذلك اليوم ، واجتمعت بنو هاشم إلي بيت علىّ بن أبى طالب ومعهم الزبير ; وكان يعدّ نفسه رجلا من بنى هاشم ، كان علىّ يقول : ما زال الزبير منّا أهل البيت حتي نشأ بنوه فصرفوه عنّا .

واجتمعت بنو اُميّة إلي عثمان بن عفّان ، واجتمعت بنو زهرة إلي سعد وعبد الرحمن ، فأقبل عمر إليهم وأبو عبيدة فقال : ما لى أراكم ملتاثين(١) ؟ قوموا فبايعوا أبا بكر ; فقد بايع له الناس ، وبايعه الأنصار . فقام عثمان ومن معه ، وقام سعد وعبد الرحمن ومن معهما فبايعوا أبا بكر .

وذهب عمر ومعه عصابة إلي بيت فاطمة ، منهم اُسيد بن حُضير ، وسلمة بن أسلم ، فقال لهم : انطلقوا فبايعوا ، فأبَوا عليه ، وخرج إليهم الزبير بسيفه ، فقال عمر : عليكم الكلب ، فوثب عليه سلمة بن أسلم ، فأخذ السيف من يده ، فضرب به الجدار ، ثمّ انطلقوا به وبعلىّ ومعهما بنو هاشم ، وعلىّ يقول : أنا عبد الله وأخو رسول الله  ½ . حتي انتهوا به إلي أبى بكر ، فقيل له : بايِع ، فقال :

أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا اُبايعكم وأنتم أولي بالبيعة لى ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله ، فأعطوكم المَقادة وسلّموا إليكم الإمارة ، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به علي الأنصار ، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم ، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم ، وإلاّ فبوؤوا بالظلم وأنتم تعلمون .


(١) اللوثة : الاسترخاء والبطء (لسان العرب : ٢ / ١٨٥) .

 ٤٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / اعتراض الإمام علي قرار السقيفة

فقال عمر : إنّك لست متروكاً حتي تبايع ، فقال له علىّ : احلب يا عمر حلباً لك شطره ، اُشدد له اليوم أمره ليردّ عليك غداً ، ألا والله لا أقبل قولك ولا اُبايعه . فقال له أبو بكر : فإن لم تبايعنى لم اُكرهك .

فقال له أبو عبيدة : يا أبا الحسن ! إنّك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قريش قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالاُمور ، ولا أري أبا بكر إلاّ أقوي علي هذا الأمر منك ، وأشدّ احتمالا له واضطلاعاً به ، فسلّمْ له هذا الأمر وارضَ به ; فإنّك إن تعِش ويطُل عمرك فأنت لهذا الأمر خليق ، وبه حقيق فى فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك .

فقال علىّ : يا معشر المهاجرين ، اللهَ اللهَ لا تُخرجوا سلطان محمّد عن داره وبيته إلي بيوتكم ودوركم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه فى الناس وحقّه ، فو الله يا معشر المهاجرين ، لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم ، أ ما كان منّا القارئ لكتاب الله ، الفقيه فى دين الله ، العالم بالسنّة ، المضطلع بأمر الرعيّة ؟ والله إنّه لفينا ; فلا تتّبعوا الهوي ; فتزدادوا من الحقّ بُعداً .

فقال بشير بن سعد : لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علىّ قبل بيعتهم لأبى بكر ما اختلف عليك اثنان ، ولكنّهم قد بايعوا ! .

وانصرف علىّ إلي منزله ولم يبايع ، ولزم بيته حتي ماتت فاطمة فبايع(١) .

١ / ١١

اعتراض الإمام علي قرار السقيفة

٩٦٩ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى خطبة تشتمل علي الشكوي من أمر الخلافة ـ : أما


(١) شرح نهج البلاغة: ٦ / ١١ ; بحار الأنوار : ٢٨ / ٣٤٧ / ٦٠ .

 ٤٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / اعتراض الإمام علي قرار السقيفة

والله لقد تقمّصها فلان وإنّه ليعلم أنّ محلِّى منها محلّ القطب من الرحا ، ينحدر عنّى السيل ولا يرقي إلىّ الطير ، فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كَشْحاً(١) ، وطفقت أرتئى بين أن أصول بيد جَذّاء(٢) ، أو أصبر علي طَخْيَة(٣) عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتي يلقي ربّه ! فرأيت أنّ الصبر علي هاتا أحجي ، فصبرت وفى العين قذيً ، وفى الحلق شجاً(٤) ، أري تراثى نهباً(٥) .

٩٧٠ ـ عنه  ¼ : وقد قال قائل : إنّك علي هذا الأمر يابن أبى طالب لحريص ! فقلت : بل أنتم والله لأحرص وأبعد ، وأنا أخَصّ وأقرب ، وإنّما طلبت حقّاً لى ، وأنتم تحولون بينى وبينه ، وتضربون وجهى دونه . فلمّا قرّعته بالحجّة فى الملأِ الحاضرين هبّ كأنّه بُهِت لا يدرى ما يجيبنى به !

اللهمّ إنّى أستعديك علي قريش ومن أعانهم ! فإنّهم قطعوا رحمى ، وصغّروا عظيم منزلتى ، وأجمعوا علي منازعتى أمراً هو لى . ثمّ قالوا : ألا إنّ فى الحقّ أن


(١) الكَشْح : ما بين الخاصرة إلي الضلع الخَلْف ، كناية عن امتناعه وإعراضه عنها (مجمع البحرين : ٣ / ١٥٧٢) .
(٢) جَذّاء : أى مقطوعة ، وهى كناية عن عدم الناصر له (مجمع البحرين : ١ / ٢٧٩) .
(٣) الطَّخْيَة : الظلمة والعتمة (مجمع البحرين : ٢ / ١٠٩٧) .
(٤) القذي : ما يقع فى العين فيؤذيها كالغبار ونحوه . والشجا : ما ينشب فى الحلق من عظم ونحوه فيُغصُّ به ، وهما كنايتان عن النقمة ومرارة الصبر والتألّم من الغبن (مجمع البحرين : ٢ / ٩٣٢) .
(٥) نهج البلاغة : الخطبة ٣ ، معانى الأخبار : ٣٦١ / ١ ، علل الشرائع : ١٥٠ / ١٢ ، الإرشاد : ١ / ٢٨٧ ، الأمالى للطوسى : ٣٧٢ / ٨٠٣ كلّها عن ابن عبّاس ، الجمل : ١٧١ وليس فيه من "فسدلت" إلي "أحجي" .

 ٤٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / اعتراض الإمام علي قرار السقيفة

تأخذه ، وفى الحقّ أن تتركه(١) .

٩٧١ ـ عنه  ¼ ـ يصف حاله قبل البيعة له ـ : فنظرتُ فإذا ليس لى معين إلاّ أهل بيتى ، فضننت بهم عن الموت ، وأغضيت علي القذي ، وشربت علي الشجا ، وصبرت علي أخذ الكظم وعلي أمرّ من طعم العلقم(٢) .

٩٧٢ ـ عنه  ¼ ـ فى التظلّم والتشكّى من قريش ـ : اللهمّ إنّى أستعديك علي قريش ومن أعانهم ; فإنّهم قد قطعوا رحمى ، وأكفؤوا إنائى ، وأجمعوا علي منازعتى حقّاً كنت أولي به من غيرى ، وقالوا : "ألا إنّ فى الحقّ أن تأخذه ، وفى الحقّ أن تمنعه ، فاصبر مغموماً ، أو مُت متأسّفاً" ، فنظرتُ فإذا ليس لى رافد ، ولا ذابّ ، ولا مساعد ، إلاّ أهل بيتى ، فضننت بهم عن المنيّة ، فأغضيت علي القذي ، وجرعت ريقى علي الشجا ، وصبرت من كظم الغيظ علي أمرّ من العلقم ، وآلم للقلب من وخز الشفار (٣) .

٩٧٣ ـ الإمام زين العابدين  ¼ : بينما أمير المؤمنين صلوات الله عليه فى أصعب موقف بصفّين ، إذ قام إليه رجل من بنى دودان ، فقال : ما بالُ قومكم دفعوكم عن هذا الأمر وأنتم الأعلون نسباً ، وأشدّ نوطاً(٤) بالرسول ، وفهماً بالكتاب والسنّة ؟ !


(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٧٢ وراجع كشف المحجّة : ٢٤٧ .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٢٦ ، المناقب لابن شهر آشوب : ١ / ٢٧١ .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٢١٧ ، الغارات : ١ / ٣٠٨ ، كشف المحجّة : ٢٤٨ ، الصراط المستقيم : ٣ / ٤٣ ; الإمامة والسياسة : ١ / ١٧٦ كلّها نحوه .
(٤) ناطه : علّقه (المصباح المنير : ٦٣٠) . أى أشدّ تعلّقاً بالرسول  ½ .

 ٤٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / اعتراض الإمام علي قرار السقيفة

فقال : سألت ـ يا أخا بنى دودان ـ ولك حقّ المسألة ، وذِمام الصهر ، وإنّك لقَلِق الوَضِين(١) ، ترسل عن ذى مسد(٢) ، إنّها إمرة شحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين ، ونِعْم الحَكم الله .

فدَعْ عنكَ نَهباً صِيحَ فى حُجراتِه(٣) .

٩٧٤ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ لبعض أصحابه وقد سأله : كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحقّ به ؟ ـ : يا أخا بنى أسد ، إنّك لقلق الوضين ، ترسل فى غير سدد ، ولك بعد ذِمامة الصِّهر ، وحقّ المسألة ، وقد استعلمت فاعلم :

أمّا الاستبداد علينا بهذا المقام ـ ونحن الأعلون نسباً والأشدّون برسول الله  ½ نَوطاً ـ فإنّها كانت أثَرَةً ، شَحّت عليها نفوس قوم ، وسَخَت عنها نفوس آخرين ، والحَكَمُ اللهُ ، والمعود إليه القيامة .

ودَعْ عنكَ نهباً صِيحَ فى حجَراتِه ولكن حَديثاً ما حَديث الرواحلِ(٤) (٥)

راجع : القسم السادس / وقعة صفّين / حرب الدعاية .


(١) الوَضِين : بِطانٌ منسوج بعضه علي بعض ; يُشدّ به الرّحل علي البعير كالحزام للسرج . أراد أنّه سريع الحركة ، يصفه بالخفّة وقلة الثبات كالحزام إذا كان رخوا (النهاية : ٥ / ١٩٩) .
(٢) كذا فى المصدر ، وفى نهج البلاغة : الخطبة ١٦٢ "تُرسل فى غير سَدَد" وهو المناسب للسياق .
(٣) الأمالى للصدوق: ٧١٦ / ٩٨٦ عن أبى الأحوص المصرى عن جماعة من أهل العلم عن الإمام الصادق عن أبيه    ¤ ، علل الشرائع: ١٤٦ / ٢ عن أبى الأحوص عمّن حدّثه عن آبائه عن الإمام الحسن  ¼ ، الإرشاد : ١ / ٢٩٤ ، الفصول المختارة : ٧٧ ، نثر الدرّ: ١ / ٢٨٧ ، المسترشد : ٣٧١ / ١٢٢ والأربعة الأخيرة من دون إسناد إليه  ¼ وكلّها نحوه .
(٤) البيت لامرئ القيس بن حجر الكندى ، وروى أنّ أمير المؤمنين  ¼ لم يستشهد إلاّ بصدره فقط وأتمّه الرواة (شرح نهج البلاغة : ٩ / ٢٤٣) .
(٥) نهج البلاغة : الخطبة ١٦٢ .


إرجاعات 
٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة

 ٥٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / استنصار الإمام المهاجرين والأنصار

١ / ١٢

استنصار الإمام المهاجرين والأنصار

٩٧٥ ـ الإمامة والسياسة : خرج علىّ كرّم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله  ½ علي دابّة ليلاً فى مجالس الأنصار ; تسألهم النصرةَ ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله ، قد مضت بيعتُنا لهذا الرجل ، ولو أنّ زوجكِ وابن عمّك سبق إلينا قبل أبى بكر ما عدلنا به !

فيقول علىّ كرّم الله وجهه : أ فَكُنتُ أدَعُ رسولَ الله  ½ فى بيته لم أدفنه ، وأخرج اُنازع الناسَ سلطانَه ؟ !

فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغى له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم(١) .

٩٧٦ ـ كتاب سليم بن قيس : قال سلمان : فلمّا أن كان الليل حمل علىٌّ  ¼ فاطمةَ    £ علي حمار ، وأخذ بيدَى ابنَيه الحسن والحسين    ¤ ، فلم يدَع أحداً من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلاّ أتاه فى منزله ، فذكّرهم حقّه ، ودعاهم إلي نُصرته ، فما استجاب له منهم إلاّ أربعة وأربعون رجلاً . فأمرهم أن يُصبحوا بكرةً مُحلّقين رؤوسهم معهم سلاحهم ليُبايعوا علي الموت ، فأصبحوا ، فلم يوافِ منهم أحد إلاّ أربعة .

فقلت لسلمان : من الأربعة ؟ فقال : أنا وأبو ذرّ والمقداد والزبير بن العوّام .

ثمّ أتاهم علىّ  ¼ من الليلة المقبلة ، فناشدهم ، فقالوا : نُصبحك بكرةً ، فما


(١) الإمامة والسياسة : ١ / ٢٩ ، شرح نهج البلاغة : ٦ / ١٣ عن الجوهرى عن عبد الله بن عبد الرحمن عن الإمام الباقر  ¼ نحوه .

 ٥١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / استنصار الإمام المهاجرين والأنصار

منهم أحد أتاه غيرنا .

ثمّ أتاهم الليلةَ الثالثةُ فما أتاه غيرنا .

فلمّا رأي غدرَهم وقلّة وفائهم له لزم بيته ، وأقبل علي القرآن يؤلّفه ويجمعه ، فلم يخرج من بيته حتي جمعه(١) .

٩٧٧ ـ شرح نهج البلاغة : من كتاب معاوية المشهور إلي علىّ  ¼ :

وأعهدك أمس تحمل قَعيدة بيتك ليلاً علي حمار ، ويداك فى يدَى ابنَيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر الصدّيق ، فلم تدَع أحداً من أهل بدر والسوابق إلاّ دعوتهم إلي نفسك ، ومشيتَ إليهم بامرأتك ، وأدلَيتَ إليهم بابنيك ، واستنصرتَهم علي صاحب رسول الله ! فلم يُجِبك منهم إلاّ أربعة أو خمسة ، ولعمرى لو كنتَ مُحقّاً لأجابوك ! ولكنّك ادّعيتَ باطلاً ، وقلت ما لا تعرف ، ورُمت ما لا يُدرك . ومهما نسيتُ فلا أنسي قولك لأبى سفيان لمّا حرّككَ وهيّجَك : لو وجدتُ أربعين ذوى عزم منهم لناهضتُ القوم . فما يوم المسلمين منك بواحد ، ولا بغيك علي الخلفاء بطريف ولا مستبدع(٢) .

٩٧٨ ـ تاريخ اليعقوبى : اجتمع جماعة إلي علىّ بن أبى طالب يدعونه إلي البيعة له ، فقال لهم : اغدوا علي هذا مُحلّقين الرؤوس . فلم يغدُ عليه إلاّ ثلاثة نفر(٣) .

٩٧٩ ـ الكافى عن أبى الهيثم بن التيّهان : أنّ أمير المؤمنين  ¼ خطب الناس


(١) كتاب سليم بن قيس : ٢ / ٥٨٠ / ٤ ، الاحتجاج : ١ / ٢٠٦ / ٣٨ .
(٢) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٤٧ ، وللاطّلاع علي جواب الإمام  ¼ راجع : القسم السادس / وقعة صفّين / حرب الدعاية .
(٣) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٢٦ .

 ٥٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / استنصار الإمام المهاجرين والأنصار

بالمدينة فقال : أما والذى فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لو اقتبستم العلم من معدنه ، وشربتم الماء بعذوبته ، وادّخرتم الخير من موضعه ، وأخذتم الطريق من واضحه ، وسلكتم من الحقّ نهجه ، لنَهجت بكم السبل ، وبدت لكم الأعلام ، وأضاء لكم الإسلام ، فأكلتم رغداً(١) ، وما عالَ فيكم عائل ، ولا ظُلم منكم مسلم ولا معاهد . . . .

رُويداً ، عمّا قليل تَحصدون جميع ما زرعتم ، وتجدون وخيمَ(٢) ما اجترمتم وما اجتلبتم .

والذى فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لقد علمتم أنّى صاحبكم والذى به اُمرتم ، وأنّى عالمكم والذى بعلمه نجاتُكم ، ووصىّ نبيّكم ، وخيرة ربّكم ، ولسان نوركم ، والعالم بما يصلحكم ، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وُعدتم ، وما نزل بالاُمم قبلكم ، وسيسألكم الله عزّ وجلّ عن أئمّتكم ، معهم تُحشرون ، وإلي الله عزّ وجلّ غداً تصيرون .

أما والله لو كان لى عدّة أصحاب طالوت ، أو عدّة أهل بدر وهم أعداؤكم ، لضربتُكم بالسيف حتي تؤولوا إلي الحقّ ، وتنيبوا للصدق ، فكان أرتق للفتق(٣) ، وآخذ بالرفق ، اللهمّ فاحكم بيننا بالحقّ وأنت خير الحاكمين .

قال : ثمّ خرج من المسجد فمرّ بصِيرَة(٤) فيها نحو من ثلاثين شاة ، فقال :


(١) رغداً : أى كثيراً واسعاً بلا عناء (مجمع البحرين : ٢ / ٧١٤) .
(٢) هذا الأمر وخيم العاقبة ، أى ثقيل ردىء (النهاية : ٥ / ١٦٤) .
(٣) فتقتُ الشىء فتقاً : شققتهُ ، والفتق (أيضاً) : شقّ عصا الجماعة ووقوع الحرب بينهم والرتق ضدّ الفتق (الصحاح : ٤ / ١٥٣٩ ، ١٤٨٠) .
(٤) الصِّيرَة : حظيرة من خشب وحجارة تبني للغنم والبقر ، والجمع : صِيرٌ وصِيَرٌ (لسان العرب : ٤ / ٤٧٨) .

 ٥٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / وعى الإمام فى مواجهة الفتنة

والله لو أنّ لى رجالاً ينصحون لله عزّ وجلّ ولرسوله بعدد هذه الشياه لأزلتُ ابن آكلة الذبّان عن ملكه .

فلمّا أمسي بايعه ثلاثمائة وستّون رجلاً علي الموت ، فقال لهم أمير المؤمنين  ¼ : اغدوا بنا إلي أحجار الزيت(١) مُحلّقين . وحلق أمير المؤمنين  ¼ ، فما وافي من القوم مُحلّقاً إلاّ أبو ذرّ والمقداد وحذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر ، وجاء سلمان فى آخر القوم . فرفع يده إلي السماء فقال :

اللهمّ إنّ القوم استضعفونى كما استضعفت بنو إسرائيل هارونَ ، اللهمّ فإنّك تعلم ما نُخفى وما نُعلن ، وما يخفي عليك شىء فى الأرض ولا فى السماء ، توفّنى مسلماً وألحقنى بالصالحين(٢) .

١ / ١٣

وعى الإمام فى مواجهة الفتنة

٩٨٠ ـ الإرشاد : قد كان أبو سفيان جاء إلي باب رسول الله  ½ ، وعلىّ والعبّاس متوفّران علي النظر فى أمره ، فنادي :

بنى هاشم لا تُطمعوا الناسَ فيكمُ ولا سِيَما تَيم بنَ مُرّة أو عَدِى
فمَا الأمرُ إلاّ فيكمُ وإليكمُ وليس لها إلاّ أبو حَسَن عَلى
أبا حَسن فَاشْدُد بها كَفّ حازِم فإنّك بالأمرِ الذى يُرتَجي مَلى

ثمّ نادي بأعلي صوته : يا بنى هاشم ! يا بنى عبد مناف ! أ رضيتم أن يلى عليكم أبو فصيل . . . أما والله لئن شئتم لأملأنّها خيلاً ورجلاً !


(١) أحجار الزيت : موضع بالمدينة (معجم البلدان : ١ / ١٠٩) .
(٢) الكافى : ٨ / ٣٢ / ٥ عن أبى الهيثم بن التيّهان .

 ٥٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / وعى الإمام فى مواجهة الفتنة

فناداه أمير المؤمنين  ¼ : ارجع يا أبا سفيان ، فو الله ما تريد اللهَ بما تقول ، وما زلتَ تكيدُ الإسلام وأهلَه ، ونحن مشاغيل برسول الله  ½ ، وعلي كلّ امرئ ما اكتسب ، وهو ولىّ ما احتقب(١) .

٩٨١ ـ أنساب الأشراف عن الحسين عن أبيه : إنّ أبا سفيان جاء إلي علىّ  ¼ ، فقال : يا على ، بايعتم رجلاً من أذلّ قبيلة من قريش ! أما والله لئن شئتَ لأضرمنّها عليه من أقطارها ، ولأملأنّها عليه خيلا ورجالاً ! !

فقال له علىّ : إنّك طالما ما غششتَ اللهَ ورسولَه والإسلام ، فلم ينقصه ذلك شيئاً(٢) .

٩٨٢ ـ تاريخ الطبرى عن عوانة : لمّا اجتمع الناس علي بيعة أبى بكر ، أقبل أبو سفيان وهو يقول : والله إنّى لأري عجاجةً لا يُطفئها إلاّ دم ! يا آل عبد مناف ، فيمَ أبو بكر من اُموركم ؟ ! أين المُستضعَفان ؟ ! أين الأذلاّن ; علىّ والعبّاس ؟ ! وقال : أبا حسن ، ابسط يدك حتي اُبايعك . فأبي علىّ عليه ، فجعل يتمثّل بشعر المتلمّس :

ولَن يُقيمَ علَي خَسْف يُرادُ به إلاّ الأذلاّنِ عَيْر الحىّ والوَتد
هذا علَي الخَسفِ مَعكوسٌ بِرُمّتهِ وذا يُشَجُّ فلا يَبكى له أحدُ

فزجره علىٌّ ، وقال : إنّك والله ما أردت بهذا إلاّ الفتنة ، وإنّك والله طالما بغيت الإسلام شرّاً ، لا حاجة لنا فى نصيحتك(٣) .


(١) الإرشاد : ١ / ١٩٠ ، إعلام الوري : ١ / ٢٧١ .
(٢) أنساب الأشراف : ٢ / ٢٧١ ، تاريخ الطبرى : ٣ / ٢٠٩ عن ابن الحرّ نحوه .
(٣) تاريخ الطبرى : ٣ / ٢٠٩ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ١١ .

 ٥٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / وعى الإمام فى مواجهة الفتنة

٩٨٣ ـ تاريخ اليعقوبى ـ بعد بيعة أبى بكر فى السقيفة ـ : جاء البراء بن عازب فضرب الباب علي بنى هاشم ، وقال : يا معشر بنى هاشم ، بويع أبو بكر ! فقال بعضهم : ما كان المسلمون يُحدثون حدثاً نغيب عنه ونحن أولي بمحمّد ! ! فقال العبّاس : فعلوها وربّ الكعبة .

وكان المهاجرون والأنصار لا يشكّون فى علىّ ، فلمّا خرجوا من الدار قام الفضل بن العبّاس ـ وكان لسان قريش ـ فقال : يا معشر قريش ، إنّه ما حقّت لكم الخلافة بالتمويه ، ونحن أهلُها دونَكم ، وصاحبنا أولي بها منكم ! !

وقام عتبة بن أبى لهب فقال :

ما كُنتُ أحسبُ أنّ الأمرَ مُنصرِفٌ عن هاشم ثمّ مِنها عن أبى الحَسنِ
عن أوّلِ الناسِ إيماناً وسابِقةً وأعلمُ الناسِ بالقرآنِ والسُّننِ
وآخِرُ الناسِ عَهداً بالنبىِّ ومَن جِبريلُ عَونٌ لَه فى الغُسلِ والكَفَنِ
مَن فيه ما فِيهمُ لا يَمتَرونَ بهِ وليسَ فى القَومِ ما فيهِ من الحَسَنِ

فبعثَ إليه علىّ ، فنهاه(١) .

٩٨٤ ـ نزهة الناظر : لمّا قُبض رسول الله  ½ ، اجتمع أمير المؤمنين  ¼ وعمّه العبّاس ومواليهما فى دور الأنصار ; لإجالة الرأى ، فبدَرهما أبو سفيان والزبير ، وعرضا نفوسهما عليهما ، وبذلا من نفوسهما المساعدة والمعاضدة لهما .

فقال العبّاس : قد سمعنا مقالتَكما ، فلا لقلّة نستعينُ بكما ، ولا لظِنَّة(٢) نترك رأيكما ، لكن لالتماس الحقّ ، فأمهلا ; نراجع الفكر ، فإن يكن لنا من الإثم مخرج


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٢٤ .
(٢) الظِّنّة : التهمة (لسان العرب : ١٣ / ٢٧٣) .

 ٥٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / وعى الإمام فى مواجهة الفتنة

يَصِرّ بنا وبهم الأمر صَريرَ الجُندَب(١) ، ونمدّ أكفّاً إلي المجد لا نقبضها أو نبلغ المدي ، وإن تكن الاُخري فلا لقلّة فى العدد ، ولا لوهن فى الأيدى ، والله لولا أنّ الإسلام قيد الفتك لتدكدكت جنادلُ صخر ، يُسمع اصطكاكُها من محلّ الأبيل(٢) .

قال : فحلّ أمير المؤمنين  ¼ حِبْوَته(٣) ، وجثا علي ركبتيه ـ وكذا كان يفعل إذا تكلّم ـ فقال  ¼ : الحلم زين ، والتقوي دين ، والحجّة محمّد  ½ ، والطريق الصراط .

أيّها الناس ، رحمكم الله ، شقّوا متلاطمات أمواج الفتن بحيازيم(٤) سفن النجاة ، وعرّجوا عن سبيل المنافرة ، وحطّوا تيجان المفاخرة . أفلح من نهض بجناح ، أو استسلم فأراح . ماء آجن (٥) ، ولقمة يغصّ بها آكلها ، ومجتنى الثمرة فى غير وقتها كالزارع فى غير أرضه ، والله لو أقول لتداخلت أضلاعٌ كتداخل أسنان دوّارة الراحى ، وإن أسكت يقولوا : جزع ابن أبى طالب من الموت . هيهات ! بعد اللتيّا والتى ، والله لعلىٌّ آنسُ بالموت من الطفل بثدى اُمّه ، لكنّى اندمجتُ علي مكنون علم لو بُحت به لاضطربتم اضطرابَ الأرشية(٦) فى الطَّوىّ(٧) البعيدة .


(١) الجُندَب : ضرب من الجراد ، وقيل: هو الذى يَصِرّ فى الحر (النهاية : ١ / ٣٠٦) .
(٢) الأبيل بوزن الأمير : الراهب . وسمّى به لتأبله عن النساء وترك غِشيانهنّ والفعل منه أبَلَ يأبُلُ أبالة إذا تنسك وترهب (لسان العرب : ١١ / ٧) ولعلّ المراد به أنّه يُسمع من المكان القاصى كمحلّ عبادة الراهب .
(٣) الحِبْوَة والحُبْوَة : الثوب الذى يحتبي به ، يقال : حل حِبوَته وحُبوَته (لسان العرب : ١٤ / ١٦١) .
(٤) الحيازيم : جمع الحيزوم ، وهو الصدر وقيل وسطه (النهاية : ١ / ٤٦٧) .
(٥) الآجن : الماء المتغيّر الطعم واللون (النهاية : ١ / ٢٦) .
(٦) الرشاء : الحبل الذى يتوصّل به إلي الماء ، وجمعه أرشية (مجمع البحرين : ٢ / ٧٠٣) .
(٧) الطَّوِىّ : البئر المطويّة بالحجارة (لسان العرب : ١٥ / ١٩) .

 ٥٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / وعى الإمام فى مواجهة الفتنة

ثم نهض  ¼ فقال أبو سفيان : لشىء ما فارقنا ابن أبى طالب !(١)

٩٨٥ ـ العقد الفريد عن مالك بن دينار : تُوفّى رسول الله  ½ وأبو سفيان غائب فى مسعاة أخرجه فيها رسول الله  ½ ، فلمّا انصرف لقى رجلاً فى بعض طريقه مقبلاً من المدينة ، فقال له : مات محمّد ؟ قال :نعم . قال : فمن قام مقامه ؟ قال : أبو بكر . قال أبو سفيان : فما فعل المستضعفان ; علىّ والعبّاس ؟ ! قال : جالسَين . قال : أما والله ، لئن بقيتُ لهما لأرفعنّ من أعقابهما . ثمّ قال : إنّى أري غيرةً لا يطفئها إلاّ دم .

فلمّا قَدِم المدينة جعل يطوف فى أزقّتها ويقول :

بَنى هاشمَ لا تَطمعِ الناسُ فيكمُ ولا سِيَما تَيمُ بنُ مُرّةَ أو عَدِى
فمَا الأمرُ إلاّ فيكمُ وإليكمُ ولَيسَ لها إلاّ أبو حَسن عَلى

فقال عمر لأبى بكر : إنّ هذا قد قَدِم ، وهو فاعلٌ شرّاً ، وقد كان النبىّ  ½ يستألفه علي الإسلام ، فدع له ما بيده من الصدقة . ففعل ، فرضى أبو سفيان ، وبايعه(٢) .

٩٨٦ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية ـ : كان أبوك أتانى حين ولّي الناس أبا بكر ، فقال : أنت أحقّ الناس بهذا الأمر منهم كلّهم بعد محمّد ، وأنا يدك علي من شئت ، فابسط يدكَ اُبايعك ; فأنت أعزّ العرب دعوة . فكرهتُ ذلك ; كراهةً للفرقة ، وشقّ عصا الاُمّة ; لقرب عهدهم بالكفر والارتداد ، فإن كنتَ تعرف


(١) نزهة الناظر : ٥٥ / ٣٩ ، نهج البلاغة : الخطبة ٥ وفى صدرها "و من خطبة له  ¼ لمّا قبض رسول الله  ½ وخاطبه العبّاس وأبو سفيان بن حرب فى أن يبايعا له بالخلافة" ; مطالب السؤول : ٥٨ وفيهما من "أيّها الناس" إلي "البعيدة" ، تذكرة الخواصّ : ١٢٨ عن ابن عبّاس وكلّها نحوه ، شرح نهج البلاغة : ١ / ٢١٣ وفيه من "أيّها الناس . . ." .
(٢) العقد الفريد : ٣ / ٢٧١ .

 ٥٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / بيعة الإمام بعد وفاة فاطمة

من حقّى ما كان أبوك يعرفه أصبتَ رشدك ، وإن لم تفعل استعنتُ بالله عليك ، ونِعمَ المستعان ، وعليه توكّلت ، وإليه اُنيب(١) .

١ / ١٤

بيعة الإمام بعد وفاة فاطمة

٩٨٧ ـ مروج الذهب : لمّا بويع أبو بكر فى يوم السقيفة ، وجدّدت البيعة له يوم الثلاثاء علي العامّة ، خرج علىّ فقال : أفسدتَ علينا اُمورنا ، ولم تستشِر ولم ترعَ لنا حقّاً . فقال أبو بكر : بلي ، ولكنّى خشيتُ الفتنة . . . .

ولم يبايعه أحد من بنى هاشم حتي ماتت فاطمة رضى الله عنها(٢) .

٩٨٨ ـ الكامل فى التاريخ عن الزهرى : بقى علىّ وبنو هاشم والزبير ستّة أشهر لم يبايعوا أبا بكر ، حتي ماتت فاطمة رضى الله عنها ، فبايعوه(٣) .

٩٨٩ ـ صحيح البخارى عن عائشة : إنّ فاطمة    £ بنت النبىّ  ½ أرسلت إلي أبى بكر تسأله ميراثها من رسول الله  ½ ; ممّا أفاء الله عليه بالمدينة ، وفدك ، وما بقى من خمس خيبر . . . فأبي أبو بكر أن يدفع إلي فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة علي أبى بكر فى ذلك ، فهجَرته ; فلم تكلّمه حتي توفّيت ، وعاشت بعد


(١) المناقب للخوارزمى : ٢٥٤ ، العقد الفريد : ٣ / ٣٣٢ ; وقعة صفّين : ٩١ كلاهما نحوه وراجع أنساب الأشراف : ٢ / ٢٧١ .
(٢) مروج الذهب : ٢ / ٣٠٧ وراجع الإمامة والسياسة : ١ / ٣٠ ـ ٣١ ومشاهير علماء الأمصار : ٢٢ .
(٣) الكامل فى التاريخ : ٢ / ١٤ وفى ص ١٠ "و الصحيح أنّ أمير المؤمنين ما بايع إلاّ بعد ستّة أشهر" وليس فيه من "ستّة أشهر . . ." ، السنن الكبري : ٦ / ٤٨٩ / ١٢٧٣٢ ، المصنّف لعبد الرزّاق : ٥ / ٤٧٢ / ٩٧٧٤ ، تاريخ الطبرى: ٣ / ٢٠٨ وليس فى الأربعة الأخيرة "الزبير" ، أنساب الأشراف : ٢ / ٢٦٨ عن عائشة وليس فيه "بنو هاشم والزبير" وكلّها نحوه .

 ٥٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / بيعة الإمام بعد وفاة فاطمة

النبىّ  ½ ستّة أشهر .

فلمّا توفّيت دفنها زوجها علىّ ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّي عليها . وكان لعلىّ من الناس وجه حياة فاطمة ، فلمّا توفّيت استنكر علىّ وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبى بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر(١) .

٩٩٠ ـ الإمامة والسياسة : لم يبايع علىّ كرّم الله وجهه حتي ماتت فاطمة رضى الله عنهما ، ولم تمكث بعد أبيها إلاّ خمساً وسبعين ليلة(٢) .

٩٩١ ـ مروج الذهب : قد تنوزع فى بيعة علىّ بن أبى طالب إيّاه [أبا بكر] ; فمنهم من قال : بايعه بعد موت فاطمة بعشرة أيّام ، وذلك بعد وفاة النبىّ  ½ بنيّف وسبعين يوماً ، وقيل بثلاثة أشهر ، وقيل : ستّة ، وقيل غير ذلك(٣) .

٩٩٢ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر حديث السقيفة ـ : أمّا الذى يقوله جمهور المحدّثين وأعيانهم فإنّه  ¼ امتنع من البيعة ستّة أشهر(٤) .

٩٩٣ ـ شرح نهج البلاغة : ينبغى للعاقل أن يفكّر فى تأخّر علىّ  ¼ عن بيعة أبى بكر ستّة أشهر إلي أن ماتت فاطمة ، فإن كان مصيباً فأبو بكر علي الخطأ فى انتصابه فى الخلافة ، وإن كان أبو بكر مصيباً فعلىّ علي الخطأ فى تأخّره عن البيعة وحضور المسجد(٥) .


(١) صحيح البخارى : ٤ / ١٥٤٩ / ٣٩٩٨ ، صحيح مسلم : ٣ / ١٣٨٠ / ٥٢ .
(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ٣١ ، الردّة : ٤٧ نحوه وزاد فى آخره : "و قيل : بعد ستّة أشهر" .
(٣) مروج الذهب : ٢ / ٣٠٩ .
(٤) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٢ .
(٥) شرح نهج البلاغة : ٢٠ / ٢٤ .

 ٦٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / دوافع بيعة الإمام بعد امتناعه

١ / ١٥

دوافع بيعة الإمام بعد امتناعه

أ : مخافة الفرقة

٩٩٤ ـ الشافى عن موسي بن عبد الله بن الحسن : إنّ عليّاً  ¼ قال لهم [للمتخلّفين عن بيعة أبى بكر] : بايعوا ; فإنّ هؤلاء خيّرونى أن يأخذوا ما ليس لهم ، أو اُقاتلهم واُفرّق أمر المسلمين(١) .

٩٩٥ ـ الشافى عن سفيان بن فروة عن أبيه : جاء بريدة حتي ركز رايته فى وسط أسلم ، ثمّ قال : لا اُبايع حتي يبايع علىّ ! فقال علىّ  ¼ : يا بريدة ، ادخل فيما دخل فيه الناس ، فإنّ اجتماعهم أحبّ إلىّ من اختلافهم اليوم(٢) .

٩٩٦ ـ شرح نهج البلاغة عن عبد الله بن جنادة : قدِمت من الحجاز اُريد العراق ، فى أوّل إمارة علىّ  ¼ ، فمررت بمكّة ، فاعتمرت ، ثمّ قدمت المدينة ، فدخلت مسجد رسول الله  ½ ، إذ نودى : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، وخرج علىّ  ¼ متقلّداً سيفه، فشخصت الأبصار نحوه، فحمد الله وصلّي علي رسوله  ½ ، ثمّ قال:

أمّا بعد ، فإنّه لمّا قبض الله نبيّه  ½ قلنا : نحن أهله ، وورثته ، وعترته ، وأولياؤه ، دون الناس ، لا ينازعنا سلطانه أحد ، ولا يطمع فى حقّنا طامع ! إذ انبري لنا قومنا فغصبونا سلطان نبيّنا ، فصارت الإمرة لغيرنا ، وصرنا سوقة ، يطمع فينا الضعيف ، ويتعزّز علينا الذليل ; فبكت الأعين منّا لذلك ، وخشنت الصدور ،


(١) الشافى : ٣ / ٢٤٣ ، الصراط المستقيم : ٣ / ١١١ وفى صدره "و روي إبراهيم بطريقين إنّ عليّاً قال لبريدة ولجماعة اُخر أبوا البيعة" ، بحار الأنوار : ٢٨ / ٣٩٢ .
(٢) الشافى : ٣ / ٢٤٣ ، الدرجات الرفيعة : ٤٠٣ ، بحار الأنوار : ٢٨ / ٣٩٢ .

 ٦١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / دوافع بيعة الإمام بعد امتناعه / أ : مخافة الفرقة

وجزعت النفوس .

وايم الله ، لولا مخافة الفرقة بين المسلمين ، وأن يعود الكفر ، ويبور الدين ، لكنّا علي غير ما كنّا لهم عليه ، فولى الأمر ولاة لم يألوا الناس خيراً(١) .

٩٩٧ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من خطبته بذى قار(٢) ـ : قد جرت اُمور صبرنا فيها وفى أعيننا القذي ; تسليماً لأمر الله تعالي فيما امتحننا به ; رجاء الثواب علي ذلك ، وكان الصبر عليها أمثل من أن يتفرّق المسلمون ، وتُسفك دماؤهم .

نحن أهل بيت النبوّة ، وأحقّ الخلق بسلطان الرسالة ، ومعدن الكرامة التى ابتدأ الله بها هذه الاُمّة . وهذا طلحة والزبير ـ ليسا من أهل النبوّة ، ولا من ذرّيّة الرسول ـ حين رأيا أنّ الله قد ردّ علينا حقّنا بعد أعصر ، فلم يصبرا حولاً واحداً ، ولا شهراً كاملاً ، حتي وثبا علي دأب الماضين قبلهما ; ليذهبا بحقّى ، ويُفرّقا جماعة المسلمين عنّى(٣) .

٩٩٨ ـ عنه  ¼ ـ من خطبته قبل حرب الجمل ـ : إنّ النبىّ  ½ حين قُبض كنّا نحن أهل بيته ، وعصبته ، وورثته ، وأولياءه ، وأحقّ خلق الله به ، لا ننازع فى ذلك . . . فانتزعوا سلطان نبيّنا منّا ، وولّوه غيرنا ، وايم الله فلولا مخافة الفرقة بين المسلمين أن يعودوا إلي الكفر لكنّا غيّرنا ذلك ما استطعنا !(٤)

راجع : وعى الإمام فى مواجهة الفتنة .


(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٣٠٧ ; الإرشاد : ١ / ٢٤٥ ، الجمل : ٤٣٧ وفيهما من "أمّا بعد . . ." .
(٢) ذُوقار : موضع بين الكوفة وواسط ، وهو إلي الكوفة أقرب ، فيه كان يوم ذى قار المشهور بين الفرس والعرب (تقويم البلدان : ٢٩٢) .
(٣) الإرشاد : ١ / ٢٤٩ .
(٤) الجمل : ٤٣٧ عن اُمّ راشد مولاة اُمّ هانئ ، الأمالى للمفيد : ١٥٥ / ٦ عن الحسن بن سلمة .

 ٦٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / دوافع بيعة الإمام بعد امتناعه / ب : مخافة ارتداد الناس

ب : مخافة ارتداد الناس

٩٩٩ ـ الشافى عن موسي بن عبد الله بن الحسن : أبَت أسلمُ أن تبايعَ ، وقالوا : ما كنّا نبايع حتي يبايع بريدة ; لقول النبىّ  ½ لبريدة : علىّ وليّكم من بعدى . فقال علىّ  ¼ : يا هؤلاء ، إنّ هؤلاء خيّرونى أن يظلمونى حقّى واُبايعهم ، أو ارتدّت الناس حتي بلغت الردّة اُحداً ! فاخترتُ أن اُظلم حقّى وإن فعلوا ما فعلوا(١) .

١٠٠٠ ـ الطرائف عن أبى الطفيل عامر بن واثلة : كنت علي الباب يوم الشوري ، فارتفعت الأصوات بينهم ، فسمعت عليّاً  ¼ يقول : بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولي بالأمر منه ، وأحقّ به منه ! فسمعتُ وأطعتُ مخافةَ أن يرجع القوم كفّاراً ، ويضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف . ثمّ بايع الناس أبا بكر لعمر ، وأنا أولي بالأمر منه ! فسمعتُ وأطعتُ مخافةَ أن يرجع الناس كفّاراً . ثمّ أنتم تريدون أن تبايعوا عثمانَ ! !(٢)

١٠٠١ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى كتابه إلي أهل مصر مع مالك الأشتر لمّا ولاّه إمارتها(٣)ـ : أمّا بعد ، فإنّ الله سبحانه بعث محمّداً  ½ نذيراً للعالمين ، ومهيمناً علي المرسلين ، فلمّا مضي  ¼ تنازع المسلمون الأمرَ من بعده ، فوَ الله ما كان يُلقي فى رَوعى ولا يخطر ببالى أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده  ½ عن أهل بيته ، ولا أنّهم مُنحّوه عنّى من بعده ! فما راعنى إلاّ انثيال الناس علي فلان يبايعونه ، فأمسكتُ يدى حتي رأيتُ راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام ; يدعون إلي محق دين محمّد  ½ ، فخشيتُ إن لم أنصر الإسلام وأهلَه أن أري فيه ثلماً أو


(١) الشافى : ٣ / ٢٤٣ ، بحار الأنوار : ٢٨ / ٣٩٢ .
(٢) الطرائف : ٤١١ ; المناقب للخوارزمى : ٣١٣ / ٣١٤ ، فرائد السمطين : ١ / ٣٢٠ / ٢٥١ .
(٣) وفى الغارات : "رسالة علىّ  ¼ إلي أصحابه بعد مقتل محمّد بن أبى بكر" ، وهذا هو الصحيح ظاهراً .

 ٦٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / دوافع بيعة الإمام بعد امتناعه / ج : عدم الناصر

هدماً ، تكون المصيبة به علىّ أعظم من فوت ولايتكم التى إنّما هى متاع أيّام قلائل ، يزول منها ما كان كما يزول السراب ، أو كما يتقشّع السحاب ، فنهضتُ فى تلك الأحداث ، حتي زاح الباطل وزهق ، واطمأنّ الدينُ وتَنَهْنه(١) (٢) .

١٠٠٢ ـ شرح نهج البلاغة : روى عنه [عليّ]  ¼ أنّ فاطمة    £ حرّضته يوماً علي النهوض والوثوب ، فسمع صوت المؤذّن : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، فقال لها : أ يَسرّكِ زوال هذا النداء من الأرض ؟ قالت : لا . قال : فإنّه ما أقول لك(٣) .

١٠٠٣ ـ الإمام الباقر  ¼ : إنّ الناس لمّا صنعوا ما صنعوا إذ بايعوا أبا بكر ، لم يمنع أمير المؤمنين  ¼ من أن يدعو إلي نفسه إلاّ نظراً للناس ، وتخوّفاً عليهم أن يرتدّوا عن الإسلام ; فيعبدوا الأوثان ، ولا يشهدوا أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله  ½ . . . وبايع مكرهاً ; حيث لم يجد أعواناً(٤) .

ج : عدم الناصر

١٠٠٤ ـ الإمام الحسن  ¼ ـ فى خطبته حين أجمع علي صلح معاوية ـ : قد كفّ أبى يده ، وناشدهم ، واستغاثَ أصحابَه ، فلم يُغَث ، ولم يُنصر ، ولو وَجد عليهم


(١) تَنَهْنَهَ : سكن ، وأصلُه الكفّ ; تقول : نَهنَهتُ السبع فتنَهنَهَ ; أى كفّ عن حركته وإقدامه ، فكأنّ الدين كان متحرّكاً مضطرباً فسكن وكفّ عن ذلك الاضطراب (شرح نهج البلاغة : ١٧ / ١٥٢) .
(٢) نهج البلاغة : الكتاب ٦٢ ، الغارات : ١ / ٣٠٢ ـ ٣٠٦ ; شرح نهج البلاغة : ٦ / ٩٤ كلاهما عن جندب نحوه .
(٣) شرح نهج البلاغة : ١١ / ١١٣ وج ٢٠ / ٣٢٦ / ٧٣٥ نحوه .
(٤) الكافى : ٨ / ٢٩٥ / ٤٥٤ عن زرارة ، علل الشرائع : ١٤٩ / ٨ ، الأمالى للطوسى : ٢٣٠ / ٤٠٦ كلاهما عن زرارة عن الإمام الصادق  ¼ نحوه .

 ٦٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / دوافع بيعة الإمام بعد امتناعه / ج : عدم الناصر

[أى المتقدّمين عليه فى الخلافة] أعواناً ما أجابهم(١) .

١٠٠٥ ـ الأمالى للمفيد عن أبى علىّ الهمدانى : إنّ عبد الرحمن بن أبى ليلي قام إلي أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب  ¼ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّى سائلك لآخذ عنك ، وقد انتظرنا أن تقول من أمرك شيئاً فلم تُقله ، أ لا تحدّثنا عن أمرك هذا ; أ كان بعهد من رسول الله  ½ ، أو شىء رأيته ; فإنّا قد أكثرنا فيك الأقاويل ، وأوثقه عندنا ما قبلناه عنك وسمعناه من فيك إنّا كنّا نقول : لو رجعَت إليكم بعد رسول الله  ½ لم ينازعكم فيها أحد ، والله ما أدرى إذا سئلت ما أقول ! ! أزعم أنّ القوم كانوا أولي بما كانوا فيه منك ! فإن قلت ذلك ، فعلامَ نصبك رسول الله  ½ بعد حجّة الوداع فقال : "أيّها الناس ، من كنت مولاه فعلىّ مولاه" ؟ ! وإن تكُ أولي منهم بما كانوا فيه فعلامَ نتولاّهم ؟ !

فقال أمير المؤمنين  ¼ : يا عبد الرحمن ، إنّ الله تعالي قبض نبيّه  ½ وأنا يوم قبضه أولي بالناس منّى بقميصى هذا ، وقد كان من نبى الله إلىّ عهد لو خزمتمونى(٢) بأنفى لأقررتُ ; سمعاً لله وطاعة ، وإنّ أوّل ما انتقصناه بعده إبطال حقّنا فى الخمس . فلمّا رقّ أمرنا طمعت رعيان البهم من قريش فينا .

وقد كان لى علي الناس حقّ ، لو ردّوه إلىّ عفواً قبلتُه ، وقمت به ، وكان إلي أجل معلوم ، وكنت كرجل لَه علي الناس حقٌّ إلي أجل ; فإن عجّلوا له مالَه أخذَه وحمدَهم عليه ، وإن أخّروه أخذَه غيرَ محمودين ، وكنت كرجل يأخذ السهولة


(١) الأمالى للطوسى : ٥٦٦ / ١١٧٤ عن عبد الرحمن بن كثير عن الإمام الصادق عن أبيه عن جدّه (ع) .
(٢) يقال : خَزَمتُ البعير بالخِزامَة ; وهى حَلْقة من شَعر تُجعل فى وَترَة أنفه يُشدّ فيها الزمام (الصحاح : ٥ / ١٩١١) .

 ٦٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / دوافع بيعة الإمام بعد امتناعه / د : الإكراه

وهو عند الناس محزون .

وإنّما يُعرف الهدي بقلّة من يأخذه من الناس ، فإذا سكتّ فاعفونى ; فإنّه لو جاء أمر تحتاجون فيه إلي الجواب أجبتُكم ، فكفّوا عنّى ما كففتُ عنكم .

فقال عبد الرحمن : يا أمير المؤمنين ، فأنت لعمرك كما قال الأوّل :

لَعمركَ لقدْ أيقظتُ مَن كان نائماً وأسمعتُ من كانَت له اُذُنانِ(١)

١٠٠٦ ـ الكافى عن سدير : كنّا عند أبى جعفر  ¼ ، فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيّهم  ½ ، واستذلالهم أمير المؤمنين  ¼ ، فقال رجل من القوم : أصلحك الله ، فأين كان عزّ بنى هاشم وما كانوا فيه من العدد ؟ !

فقال أبو جعفر  ¼ : ومَن كان بقى من بنى هاشم إنّما كان جعفر وحمزة ، فمضيا ، وبقى معه رجلان ضعيفان ذليلان ، حديثا عهد بالإسلام ; عبّاس وعقيل ، وكانا من الطلقاء ، أما والله لو أنّ حمزة وجعفراً كانا بحضرتهما ما وصلا إلي ما وصلا إليه ، ولو كانا شاهديهما لأتلفا نفسَيهما(٢) .

راجع : استنصار الإمام المهاجرين والأنصار .

د : الإكراه

١٠٠٧ ـ المناقب لابن شهر آشوب : روى أنّه لمّا طالبوه بالبيعة قال له الأوّل : بايع . قال : فإن لم أفعل ؟ قال : والله الذى لا إله إلاّ هو نضرب عنقك .

فالتفت علىّ إلي القبر ، فقال : يابن اُمّ إنّ القوم استضعفونى وكادوا


(١) الأمالى للمفيد : ٢٢٣ / ٢ ، الأمالى للطوسى : ٨ / ٩ ، شرح الأخبار : ٢ / ٢٦٠ / ٥٦٣ نحوه .
(٢) الكافى : ٨ / ١٨٩ / ٢١٦ .

 ٦٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الذرائع فى قرار السقيفة

يقتلوننى(١) (٢) .

١٠٠٨ ـ الإمام الصادق  ¼ : والله ما بايع علىّ  ¼ حتي رأي الدخان قد دخل عليه بيته(٣) .

راجع : الهجوم علي بيت فاطمة بنت رسول الله .

١ / ١٦

الذرائع فى قرار السقيفة

١ / ١٦ ـ ١

كراهة اجتماع النبوّة والخلافة فى بيت

١٠٠٩ ـ تاريخ الطبرى عن ابن عبّاس : قال [عمر بن الخطّاب] : يابن عبّاس ، أ تدرى ما منع قومكم منهم [بنى هاشم] بعد محمّد ؟ فكرهت أن اُجيبه ، فقلت : إن لم أكُن أدرى فأمير المؤمنين يُدرينى .

فقال عمر : كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة ، فتبجّحوا علي قومكم بجحاً بجحاً ، فاختارت قريش لأنفسه ، فأصابت ووفّقت .

فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن تأذن لى فى الكلام وتُمِط عنّى الغضب ، تكلّمتُ . فقال : تكلّم يابن عبّاس .


(١) إشارة إلي الآية : ١٥٠ من سورة الأعراف .
(٢) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١١٥ ، كتاب سليم بن قيس : ٢ / ٥٩٣ / ٤ عن سلمان ، المسترشد : ٣٧٨ / ١٢٥ عن أبى حمزة الثمالى عن الإمام زين العابدين  ¼ ; الإمامة والسياسة : ١ / ٣٠ كلّها نحوه وراجع الاحتجاج : ١ / ٢١٣ و٢١٥ .
(٣) الشافى : ٣ / ٢٤١ عن حمران بن أعين ، بحار الأنوار : ٢٨ / ٣٩٠ .

 ٦٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الذرائع فى قرار السقيفة / كراهة اجتماع النبوّة والخلافة فى بيت

 ±

فقلت : أمّا قولك يا أمير المؤمنين : "اختارت قريش لأنفسها ، فأصابت ووفّقت" ، فلو أنّ قريشاً اختارت لأنفسها حيث اختار الله عزّ وجلّ لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود . وأمّا قولك : إنّهم كرهوا أن تكون لنا النبوّة والخلافة ، فإنّ الله عزّ وجلّ وصف قوماً بالكراهيّة فقال : ³ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ  ²  (١) .

فقال عمر : هيهاتَ والله يابن عبّاس ، قد كانت تبلغنى عنك أشياء كنتُ أكره أن أفرّك عنها(٢) ، فتُزيل منزلتك منّى .

فقلت : وما هى يا أمير المؤمنين ; فإن كانت حقّاً فما ينبغى أن تُزيل منزلتى منك ، وإن كانت باطلاً فمثلى أماط الباطل عن نفسه !

فقال عمر : بلغنى أنّك تقول : إنّما صرفوها عنّا حسداً وظلماً !

فقلت : أمّا قولك ـ يا أمير المؤمنين ـ : ظلماً ، فقد تبيّن للجاهل والحليم . وأمّا قولك : حسداً ، فإنّ إبليس حسد آدم ، فنحن ولده المحسودون .

فقال عمر : هيهات ، أبَت والله قلوبكم يا بنى هاشم إلاّ حسداً ما يحول ، وضغناً وغشّاً ما يزول .

فقلت : مهلاً يا أمير المؤمنين ، لا تصِف قلوبَ قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً بالحسد والغشّ ; فإنّ قلب رسول الله  ½ من قلوب بنى هاشم .

فقال عمر : إليك عنّى يابن عبّاس .


(١) محمّد : ٩ .
(٢) كذا ، وفى الكامل فى التاريخ : "اُقرّك عليها" .

 ٦٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الذرائع فى قرار السقيفة / حداثة السنّ

فقلت : أفعل ، فلمّا ذهبت لأقوم استحيا منّى ، فقال : يابن عبّاس ، مكانك ، فوَ الله إنّى لراع لحقّك ، محبٌّ لما سرّك .

فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنّ لى عليك حقّاً وعلي كلّ مسلم ، فمن حفظه فحظّه أصاب ، ومن أضاعه فحظّه أخطأ . ثمّ قام فمضي(١) .

١٠١٠ ـ شرح نهج البلاغة : قال [عمر بن الخطّاب] لابن عبّاس : يا عبد الله ، أنتم أهل رسول الله ، وآله ، وبنو عمّه ، فما تقول منع قومكم منكم ؟ قال : لا أدرى علّتها ، والله ما أضمرنا لهم إلاّ خيراً .

قال : اللهمّ غفراً ، إنّ قومكم كرهوا أن يجتمع لكم النبوّة والخلافة ، فتذهبوا فى السماء شَمَخاً(٢) وبَذَخاً(٣) ، ولعلّكم تقولون : إنّ أبا بكر أوّل من أخّركم ، أما إنّه لم يقصد ذلك ، ولكن حضر أمرٌ لم يكن بحضرته أحزم ممّا فعل ، ولولا رأى أبى بكر فىَّ لجعل لكم من الأمر نصيباً ، ولو فعل ما هنّأكم مع قومكم ; إنّهم ينظرون إليكم نظر الثور إلي جازره(٤) .

١ / ١٦ ـ ٢

حداثة السنّ

١٠١١ ـ شرح نهج البلاغة : روي أبو بكر الأنبارى فى أماليه أنّ عليّاً  ¼ جلس إلي عمر فى المسجد وعنده ناس ، فلمّا قام عرّض واحد بذِكره ، ونسبه إلي التَّيه والعُجب .


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٢٣ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢١٨ .
(٢) شمخَ الجبلُ : علا وارتفع وطال (تاج العروس : ٤ / ٢٨٣) .
(٣) البَذَخ : الكبر ، والبَذَخ : تطاول الرجل بكلامه وافتخاره (لسان العرب : ٣ / ٧) .
(٤) شرح نهج البلاغة : ١٢ / ٩ ; نثر الدرّ : ٢ / ٢٨ نحوه .

 ٦٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الذرائع فى قرار السقيفة / حداثة السنّ

فقال عمر : حقٌّ لمثله أن يتيه ! والله ، لولا سيفه لما قام عمود الإسلام ، وهو بعدُ أقضي الاُمّة ، وذو سابقتها ، وذو شرفها .

فقال له ذلك القائل : فما منعكم يا أمير المؤمنين عنه ؟ !

قال : كرهناه علي حداثة السنّ ، وحبّه بنى عبد المطّلب(١) .

١٠١٢ ـ الإمامة والسياسة : قال أبو عبيدة بن الجرّاح ـ بعد بيعة أبى بكر ـ لعلىّ كرّم الله وجهه : يابن عمّ ، إنّك حديث السنّ ، وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالاُمور ، ولا أري أبا بكر إلاّ أقوي علي هذا الأمر منك ، وأشدّ احتمالاً واضطلاعاً به ، فسلِّم لأبى بكر هذا الأمر ; فإنّك إن تعِش ويطُل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق ، وبه حقيق ، فى فضلك ، ودينك ، وعلمك ، وفهمك ، وسابقتك ، ونسبك ، وصهرك(٢) .

١٠١٣ ـ تاريخ دمشق عن ابن عبّاس : بينا أنا مع عمر بن الخطّاب فى بعض طرق المدينة ـ يده فى يدى ـ إذ قال لى : يابن عبّاس ، ما أحسب صاحبك إلاّ مظلوماً ! !

فقلت : فرُدّ إليه ظلامتَه يا أمير المؤمنين ! !

فانتزع يده من يدى ، ونفر منّى يهمهم ، ثمّ وقف حتي لحقته ، فقال لى : يابن عبّاس ، ما أحسب القوم إلاّ استصغروا صاحبك ! !

قلت : والله ، ما استصغره رسول الله  ½ حين أرسله وأمره أن يأخذ براءة من أبى بكر فيقرأها علي الناس ! ! فسكت(٣) .


(١) شرح نهج البلاغة : ١٢ / ٨٢ ; نهج الحقّ : ٢٥١ .
(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ٢٩ ، شرح نهج البلاغة : ٦ / ١٢ عن سعيد بن كثير الأنصارى .
(٣) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٣٤٩ ، شرح نهج البلاغة : ١٢ / ٤٦ وج ٦ / ٤٥ ، أخبار الدولة العبّاسيّة: ١٢٨ نحوه .

 ٧٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / الذرائع فى قرار السقيفة / حداثة السنّ

١٠١٤ ـ محاضرات الاُدباء عن ابن عبّاس : كنت أسير مع عمر بن الخطّاب فى ليلة ، ـ وعمر علي بغل ، وأنا علي فرس ـ فقرأ آية فيها ذكر علىّ بن أبى طالب ، فقال : أما والله يا بنى عبد المطّلب ! لقد كان علىّ فيكم أولي بهذا الأمر منّى ومن أبى بكر .

فقلت فى نفسى : لا أقالنى الله إن أقلته ، فقلت : أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين ، وأنت وصاحبك وثبتما وافترعتما(١) الأمر منّا دون الناس ! !

فقال : إليكم يا بنى عبد المطّلب ! أما إنّكم أصحاب عمر بن الخطّاب .

فتأخّرتُ ، وتقدّم هنيهة ، فقال : سِر ، لا سرت ، وقال : أعد علىَّ كلامك ! فقلت : إنّما ذكرتَ شيئاً فرددتُ عليك جوابه ، ولو سكتّ سكتنا .

فقال : إنّا والله ما فعلنا الذى فعلنا عن عداوة ، ولكن استصغرناه ، وخشينا أن لا تجتمع عليه العرب وقريش ; لما قد وترها .

قال : فأردتُ أن أقول : كان رسول الله  ½ يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره ، أ فتَستصغره أنت وصاحبك ؟ ! فقال : لا جرم ، فكيف تري ، والله ما نقطع أمراً دونه ، ولا نعمل شيئاً حتي نستأذنه(٢) .

١٠١٥ ـ أخبار الدولة العبّاسيّة : قال عمر لعبد الله بن عبّاس : أ تدرى ما منع الناس من ابن عمّك أن يولّوه هذا الامر ؟ قال : ما أدرى ! قال عمر : لحداثة سنّه .

قال : فقد كان يوم بدر أحدثهم سنّاً ! يقدّمونه فى المأزرة ، ويؤخّرونه فى


(١) فَرَع بينهم يفرِع فَرْعا: حجَزَ وكفَّ (تاج العروس : ١١ / ٣٣٨) . وافترعوا الحديث : ابتدؤوه (تاج العروس : ١١ / ٣٤٢) . وفى كتاب اليقين "انتزعتما" بدل "افترعتما" .
(٢) محاضرات الاُدباء : ٤ / ٤٦٤ ; اليقين : ٥٢٣ .

 ٧١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / مجالات نجاح قرار السقيفة

الإمامة ! ! حدثنا أبو عمر ، وأحمد بن عبد الله يرفعه ، قال : مرّ عمر بعلىّ  ¼ وهو يحدّث الناس عن رسول الله  ½ ، فقال : إلي أين يا أمير المؤمنين ؟ فقال : اُريد الحديقة ـ يعنى بستاناً له ـ . فقال : أ اُونِسُك بابن عبّاس ؟ فقال عمر : إذن اُوحشك منه ! فقال علىّ  ¼ : إنى أوثرك به علي نفسى ، قم يابن عبّاس فحدّثه . فقام إليه وسايره .

فقال عمر : ما أكمل صاحبكم هذا لولا ! فقال عبد الله : لولا ماذا ؟ فقال عمر : لولا حداثة سنّه ، وكلفه بأهل بيته ، وبغض قريش له .

فقال عبد الله بن عبّاس : أ تأذن لى فى الجواب ؟ فقال عمر : هاتِ . فقال : أمّا حداثة سنّه ، فما استحدث من جعله الله لنبيّه أخاً ، وللمسلمين وليّاً . وأمّا كلفه بأهل بيته فما ولى فآثر أهل بيته علي رضاء الله . وأما بغض قريش له فعلي من تنقم ; أعلي الله حين بعث فيهم نبيّاً ، أم علي نبيّه حين أدّي فيهم الرسالة ، أم علي علىّ حين قاتلهم فى سبيل الله ؟ ! فقال عمر : يابن عبّاس ! أنت تغرف من بحر ، وتنحت من صخر(١) .

١ / ١٧

مجالات نجاح قرار السقيفة

أ : بغض قريش

١٠١٦ ـ نثر الدرّ عن ابن عبّاس : وقع بين علىّ وعثمان كلام ، فقال عثمان : ما أصنع بكم إن كانت قريش لا تحبّكم ! وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين ، كأنّ


(١) أخبار الدولة العبّاسيّة : ١٢٩ .

 ٧٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / مجالات نجاح قرار السقيفة / أ : بغض

وجوههم شنوف(١) الذهب ، تشرب آنُفُهم(٢) قبل شِفاههم !(٣)

١٠١٧ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى بيان علّة شدّة بغض الوليد عليّاً  ¼ ـ : إنّ عليّاً  ¼ قتل أباه عقبة بن أبى معيط صبراً يوم بدر ، وسمّى الفاسق بعد ذلك فى القرآن لنزاع وقع بينه وبينه(٤) .

١٠١٨ ـ فرائد السمطين عن نبيط بن شريط : خرجت مع علىّ بن أبى طالب  ¼ ، ومعنا عبد الله بن عبّاس ، فلمّا صرنا إلي بعض حيطان الأنصار وجدنا عمر جالساً ينكت فى الأرض . فقال له علىّ بن أبى طالب  ¼ : يا أمير المؤمنين ، ما الذى أجلسك وحدك ها هنا ؟

قال : لأمر همّنى .

قال علىّ  ¼ : أ فتريد أحدنا ؟

قال عمر : إن كان عبد الله .

فتخلّف معه عبد الله بن عبّاس ، ومضيت مع علىّ  ¼ ، وأبطأ علينا ابن عبّاس ، ثمّ لحق بنا .

فقال له علىّ  ¼ : ما وراؤك ؟

قال : يا أبا الحسن ! اُعجوبة من عجائب أمير المؤمنين اُخبرك بها واكتم علىّ ! !

قال : فهلمّ . قال : لمّا أن ولّيت قال عمر ـ وهو ينظر إلي أثرك ـ : آه ، آه ، آه .

فقلت : ممّ تأوّه يا أمير المؤمنين ؟ !


(١) الشَنْف : الذى يُلبس فى أعلي الاُذن ، والذى فى أسفلها القُرط ، وقيل : الشَّنْفُ والقرط سواء (لسان العرب : ٩ / ١٨٣) .
(٢) الآنُف ـ كالآناف والاُنوف ـ : جميع الأنف (اُنظر لسان العرب : ٩ / ١٢) .
(٣) نثر الدرّ : ٢ / ٦٨ ; شرح نهج البلاغة : ٩ / ٢٢ .
(٤) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٨ .

 ٧٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / مجالات نجاح قرار السقيفة / ب : الحسد

قال : من أجل صاحبك يابن عبّاس وقد اُعطى ما لم يُعطَه أحدٌ من آل النبىّ  ½ ، ولولا ثلاث هنّ فيه ما كان لهذا الأمر من أحد سواه ! !

قلت : ما هنّ يا أمير المؤمنين ؟

قال : كثرة دعابته ، وبغض قريش له ، وصغر سنّه ! !

قال : فما رددتَ عليه ؟

قال : داخلنى ما يدخل ابن العمّ لابن عمّه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ! أمّا كثرة دعابته : فقد كان النبىّ  ½ يُداعب فلا يقول إلاّ حقّاً ، وأين أنت حيث كان رسول الله  ½ يقول ـ ونحن حوله صبيان وكهول وشيوخ وشبّان ويقول ـ للصبىّ : "سناقاً ، سناقاً" ، ولكلّ ما يعلمه الله يشتمل علي قلبه !

وأمّا بغض قريش له ، فوَ الله ما يبالى ببغضهم له بعد أن جاهدهم فى الله حين أظهر الله دينه ، فقصم أقرانها ، وكسر آلهتها ، وأثكل نساءها ; لامه من لامه .

وأمّا صغر سنّه ، فقد علمت أنّ الله تعالي حيث أنزل عليه : ³ بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ  ²  (١) فوجّه النبىّ  ½ صاحبه ليبلّغ عنه ، فأمره الله أن لا يبلّغ عنه إلاّ رجل من أهله ، فوجّهه به ، فهل استصغر الله سنّه ! !

فقال عمر لابن عبّاس : أمسك علىَّ ، واكتم ، فإن سمعتها من غيرك لم أنم بين لابتيها(٢) .

ب : الحسد

١٠١٩ ـ الأخبار الموفّقيّات عن ابن عبّاس ـ فى جواب عثمان ـ : أمّا صرف قومنا عنّا الأمر فعن حسد قد والله عرفته ، وبغى قد والله علمته ، فالله بيننا وبين قومنا !


(١) التوبة : ١ .
(٢) فرائد السمطين : ١ / ٣٣٤ / ٢٥٨ .

 ٧٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / بيعة أبى بكر من وجهة نظر عمر

وأمّا قولك : إنّك لا تدرى أدفعوه عنّا أم دفعونا عنه ! فلعمرى إنّك لتعرف أنّه لو صار إلينا هذا الأمر ما زدنا به فضلاً إلي فضلنا ، ولا قدْراً إلي قدرنا ، وإنّا لأهل الفضل ، وأهل القدر ، وما فضلَ فاضلٌ إلاّ بفضلنا ، ولا سبق سابقٌ إلاّ بسبقنا ، ولولا هدينا ما اهتدي أحد ، ولا أبصروا من عميً ، ولا قصدوا من جور(١) .

١٠٢٠ ـ الأمالى للمفيد عن أبى الهيثم بن التيّهان ـ قبل حرب الجمل ـ : يا أمير المؤمنين ، إنّ حسد قريش إيّاك علي وجهين : أمّا خيارهم فحسدوك منافسةً فى الفضل ، وارتفاعاً فى الدرجة . وأمّا أشرارهم فحسدوك حسداً ، أحبط الله به أعمالهم ، وأثقل به أوزارهم . وما رضوا أن يساووك حتي أرادوا أن يتقدّموك ، فبعدت عليهم الغاية ، وأسقطهم المضمار ، وكنت أحقّ قريش بقريش ، نصرتَ نبيّهم حيّاً ، وقضيتَ عنه الحقوق ميّتاً ، والله ما بغيهم إلاّ علي أنفسهم ، ونحن أنصارك وأعوانك ، فمُرْنا بأمرك(٢) .

راجع : مبادئ خلافة عثمان / رأى عمر فيمن رشّحهم للخلافة .

القسم الخامس عشر / قبائل تبغضه/ قريش .

١ / ١٨

بيعة أبى بكر من وجهة نظر عمر

١٠٢١ ـ تاريخ اليعقوبى عن عمر بن الخطّاب : كانت بيعة أبى بكر فلتة ، وقي الله شرّها ، فمن عاد لمثلها فاقتلوه(٣) .


(١) الأخبار الموفّقيّات : ٦٠٦ ، شرح نهج البلاغة : ٩ / ٩ .
(٢) الأمالى للمفيد : ١٥٥ / ٦ .
(٣) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٥٨ ، المسترشد : ٢١٣ وفيه "ثمّ أمر بقتل من عاد لمثل فعله" بدل "فمن عاد لمثلها فاقتلوه" ; الملل والنحل : ١ / ٣٢ وراجع شرح نهج البلاغة : ٢ / ٣٠ .

 ٧٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / بيعة أبى بكر من وجهة نظر عمر

١٠٢٢ ـ صحيح البخارى عن ابن عبّاس: كنت اُقرئ رجالا من المهاجرين ، منهم عبد الرحمن بن عوف ، فبينما أنا فى منزله بمني وهو عند عمر بن الخطّاب فى آخر حجّة حجّها إذ رجع إلىّ عبد الرحمن فقال : لو رأيتَ رجلا أتي أمير المؤمنين اليوم فقال : يا أمير المؤمنين هل لك فى فلان يقول : لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً فوَ الله ما كانت بيعة أبى بكر إلاّ فلتة فتمّت ! فغضب عمر ، ثمّ قال : إنّى إن شاء الله لقائم العشيّة فى الناس ; فمحذِّرهم هؤلاء الذى يريدون أن يغصبوهم اُمورهم .

قال عبد الرحمن : فقلت : يا أمير المؤمنين ، لا تفعل ; فإنّ الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم ، فإنّهم هم الذين يغلبون علي قربك حين تقوم فى الناس ، وأنا أخشي أن تقوم فتقول مقالة يطيِّرها ، عنك كل مطيِّر ، وأن لا يعوها ، وأن لا يضعوها علي مواضعها ، فامهل حتي تقدم المدينة ; فإنّها دار الهجرة والسنّة ، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس ، فتقول ما قلت متمكِّناً ; فيعى أهل العلم مقالتك ، ويضعونها علي مواضعها .

فقال عمر : أما والله ـ إن شاء الله ـ لأقومنّ بذلك أول مقام أقومه بالمدينة .

قال ابن عبّاس : فقدمنا المدينة فى عقب ذى الحجّة ، فلمّا كان يوم الجمعة عجّلتُ الرواح حين زاغت الشمس ، حتي أجدَ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً إلي ركن المنبر ، فجلستُ حوله(١) تمسّ ركبتى ركبته ، فلم أنشب(٢) أن خرج عمر بن الخطاب ، فلمّا رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل : ليقولنّ العشيّة مقالة لم يقُلها منذ استُخلف ! فأنكر علىَّ ، وقال : ما عسيتَ أن يقول


(١) كذا ، وفى مسند ابن حنبل : "حَذاءه" .
(٢) لم ينشَبْ أن فعل كذا : أى لم يلبث وحقيقته : لم يتعلّق بشىء غيره ، ولا اشتغل بسواه (النهاية: ٥/٥٢) .

 ٧٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / بيعة أبى بكر من وجهة نظر عمر

ما لم يَقُل قبله ! !

فجلس عمر علي المنبر ، فلمّا سكت المؤذِّنون قام ، فأثني علي الله بما هو أهله ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّى قائلٌ لكم مقالة قد قُدِّر لى أن أقولها ، لا أدرى لعلّها بين يدى أجلى ، فمن عقلها ووعاها فليُحدِّث بها حيث انتهت به راحلتُه ، ومن خشى أن لا يعقلها فلا اُحلّ لأحد أن يكذِب علىّ:

إنّ الله بعث محمّداً  ½ بالحقّ ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ; رجم(١) رسول الله  ½ ، ورجمنا بعده ، فأخشي إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : "و الله ما نجد آية الرجم فى كتاب الله" ، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها . الله والرجم فى كتاب الله حقّ علي من زني إذا اُحصن ; من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة ، أو كان الحبل ، أو الاعتراف .

ثمّ إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله "أن لا ترغبوا عن آبائكم"(٢) ; فإنّه كفرٌ بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، أو إنّ كُفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، ألا ثمّ إنّ رسول الله  ½ قال : لا تُطرونى كما اُطرى عيسي بن مريم ، وقولوا عبد الله ورسوله .

ثمّ إنّه بلغنى أنّ قائلا منكم يقول : والله لو قد مات عمر بايعتُ فلاناً ، فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول : إنّما كانت بيعة أبى بكر فلتة وتمّت ! ألا وإنّها قد كانت كذلك ، ولكنّ الله وقي شرّها ، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبى بكر . من بايع


(١)
(٢) (١ و) من الواضح عدم وجود نصّ قرآنى بهذا التعبير .

 ٧٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / بيعة أبى بكر من وجهة نظر عمر

رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذى تابعه تَغِرّة أن يُقتلا(١) .

قال ابن أبى الحديد بعد نقل خطبة عمر عن الطبرى : هذا حديث متّفق عليه من أهل السيرة ، وقد وردت الروايات فيه بزيادات ; روي المدائنى قال : لمّا أخذ أبو بكر بيد عمر وأبى عبيدة وقال للناس : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، قال أبو عبيدة لعمر : امدُد يدك نبايعك . فقال عمر : ما لك فى الإسلام فَهَّةٌ(٢) غيرها ! أ تقول هذا وأبو بكر حاضر ! ! ثمّ قال للناس : أيّكم يطيب نفساً أن يتقدّم قدمين قدّمهما رسول الله  ½ للصلاة ! ! رضيَك رسول الله  ½ لديننا ، أ فلا نرضاك لدنيانا ! ! ثمّ مدّ يده إلي أبى بكر فبايعه .

وهذه الرواية هى التى ذكرها قاضى القضاة فى كتاب المغنى .

وقال الواقدى فى روايته فى حكاية كلام عمر : والله لأنْ اُقدّم فاُنحر كما يُنحر البعير ، أحبُّ إلىّ من أن أتقدّم علي أبى بكر .

وقال شيخنا أبو القاسم البلخى : قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ : إن الرجل الذى قال : "لو قد مات عمر لبايعت فلاناً" عمّار بن ياسر ، قال : لو قد مات عمر لبايعتُ عليّاً  ¼ ، فهذا القولُ هو الذى هاج عمرَ أن خطب بما خطب به .


(١) صحيح البخارى: ٦ / ٢٥٠٣ / ٦٤٤٢ ، مسند ابن حنبل: ١ / ١٢١ / ٣٩١ ، صحيح ابن حبّان : ٢ / ١٤٦ / ٤١٣ وص ١٥٥ / ٤١٤ ، المصنّف لابن أبى شيبة : ٧ / ٦١٥ / ٥ ، المصنّف لعبد الرزّاق : ٥ / ٤٣٩ / ٩٧٥٨ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٤ / ٣٠٧ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٢٦٥ وفيه "إنّ عمر بن الخطّاب خطب خطبة ، قال فيها . . ." ، تاريخ الطبرى : ٣ / ٢٠٣ ـ ٢٠٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ١١ ، تاريخ دمشق : ٣٠ / ٢٨٠ ـ ٢٨٤ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٢ ، السيرة النبويّة لابن كثير : ٤ / ٤٨٦ كلّها نحوه .
(٢) الفَهَّة : السَّقْطَة والجهلة (النهاية : ٣ / ٤٨٢) .

 ٧٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / مكان الإمام فى الحكومة

وقال غيره من أهل الحديث : إنّما كان المعزوم علي بيعته لو مات عمر طلحة ابن عبيد الله .

فأمّا حديث الفَلتة ، فقد كان سبق من عمر أن قال : إنّ بيعة أبى بكر كانت فلتة وقي الله شرّها ; فمن عاد إلي مثلها فاقتلوه .

وهذا الخبر الذى ذكرناه عن ابن عبّاس وعبد الرحمن بن عوف فيه حديث الفلتة ; ولكنّه منسوق علي ما قاله أوّلاً ، أ لا تراه يقول : فلا يغرّنّ امرأً أن يقول : "إنّ بيعة أبى بكر كانت فلتة ، فلقد كانت كذلك" ، فهذا يُشعر بأنّه قد كان قال من قبل : إنّ بيعة أبى بكر كانت فلتة . . . (١) .

راجع : كتاب "شرح نهج البلاغة" : ٢ / ٢٦ ـ ٣٧ ، فى نقل كلام السيّد المرتضي ونقده .

١ / ١٩

مكان الإمام فى الحكومة

١٠٢٣ ـ تاريخ اليعقوبى : أراد أبو بكر أن يغزو الروم ، فشاور جماعة من أصحاب رسول الله ، فقدّموا وأخّروا ، فاستشار علىّ بن أبى طالب ، فأشار أن يفعل ، فقال : إن فعلتَ ظفرت . فقال : بشّرت بخير .

فقام أبو بكر فى الناس خطيباً ، وأمرَهم أن يتجهّزوا إلي الروم ، فسكت الناس . فقام عمر فقال : ³ لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا  ²  (٢) لانتدبتموه ! فقام عمرو بن سعيد فقال : لنا تضرب أمثال المنافقين يابن الخطّاب ، فما يمنعك أنت ما عِبتَ


(١) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٥ .
(٢) التوبة : ٤٢ .

 ٧٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الأوّل : قصّة السقيفة / مكان الإمام فى الحكومة

علينا فيه ؟ !(١)

١٠٢٤ ـ الفتوح ـ بعد ذكر قضيّة ارتداد الأشعث وعزم أبى بكر علي توجيه الإمام علىّ  ¼ لقتاله ـ : قال عمر : أخاف أن يأبي لقتال القوم ، فلا يقاتلهم ، فإن أبي ذلك فلم تجد أحداً يسير إليهم إلاّ علي المكروه منه . ولكن ذر عليّاً يكون عندك بالمدينة ; فإنّك لا تستغنى عنه وعن مشورته(٢) .


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٣٢ وراجع الفتوح : ١ / ٨٠ .
(٢) الفتوح : ١ / ٥٧ ، الردّة : ١٩٧ .