الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الثالث

 

 ٨١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب


٢ / ١

مكانة عمر عند أبى بكر

١٠٢٥ ـ تاريخ الإسلام عن أبى بكر : والله ، ما علي ظهر الأرض رجلٌ أحبّ إلىّ من عمر(١) .

١٠٢٦ ـ غريب الحديث : قال أبو عبيد فى حديث أبى بكر : والله ، إنّ عمر لأحبّ الناس إلىّ(٢) .

١٠٢٧ ـ تاريخ دمشق عن نافع : إنّ أبا بكر أقطَعَ الأقرع بن حابس والزِّبْرِقان قطيعةً وكتب لهما كتاباً . فقال لهما عثمان : أشهِدا عمر ; فإنّه حرزكما وهو الخليفة


(١) تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٢٦٥ ، تاريخ دمشق : ٤٤ / ٢٤٧ ، الرياض النضرة : ٢ / ٣٩٩ .
(٢) غريب الحديث للهروى : ٢ / ١٠ ، النهاية فى غريب الحديث : ٤ / ٢٧٧ ، كنز العمّال : ١٢ / ٥٤٥ / ٣٥٧٣٦ .

 ٨٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب / استعمال عمر بن الخطّاب


بعده . قال : فأتَيا عمر ، فقال لهما : من كتب لكما هذا الكتاب ؟ قالا : أبو بكر . قال : لا والله ولا كرامة ! والله ، ليفلقنّ وجوه المسلمين بالسيوف والحجارة ثمّ تكون لكما هذا ! قال : فتفل فيه فمحاه . فأتيا أبا بكر فقالا : ما ندرى أنت الخليفة أم عمر ! قال : ثمّ أخبراه ، فقال : فإنّا لا نُجيز إلاّ ما أجازه عمر(١) .

١٠٢٨ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ يصف استعمال عمر بن الخطّاب ـ : ولولا خاصّة ما كان بينه [أبى بكر] وبين عمر ، لظننتُ أنّه لا يدفعها عنّى(٢) .

٢ / ٢

استعمال عمر بن الخطّاب

١٠٢٩ ـ تاريخ اليعقوبى : اعتلّ أبو بكر فى جمادي الآخرة سنة (١٣) . فلمّا اشتدّت به العلّة عهد إلي عمر بن الخطّاب ، فأمر عثمانَ أن يكتب عهده ، وكتب :

بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله إلي المؤمنين والمسلمين : سلام عليكم ، فإنّى أحمد إليكم الله ; أمّا بعدُ فإنّى قد استعملت عليكم عمر بن الخطّاب ، فاسمعوا وأطيعوا ، وإنّى ما ألَوْتكم(٣) نُصحاً . والسلام(٤) .


(١) تاريخ دمشق : ٩ / ١٩٦ وص ١٩٤ نحوه وفيه "فقال : أنت الأمير أم عمر ؟ فقال : عمر ، غير أنّ الطاعة لى فسكت" بدل "ما ندرى أنت الخليفة . . ." وص ١٩٦ نحوه وفيه "فقال أبو بكر : قد كنت قلت لك إنّك أقوي علي هذا الأمر منّى ولكنّك غلبتنى" ، كنز العمّال : ١٢ / ٥٨٣ / ٣٥٨١٣ .
(٢) الغارات : ١ / ٣٠٧ عن جندب ، المسترشد : ٤١٣ عن شريح بن هانى وزاد فيه "و أمر قد عقداه بينهما" بعد "بين عمر" ; شرح نهج البلاغة : ٦ / ٩٥ عن جندب .
(٣) يقال : إنّى لا آلُوكَ نُصْحاً ، أى لا أفْتُرُ ولا اُقَصِّر (لسان العرب : ١٤ / ٤٠) .
(٤) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٣٦ .

 ٨٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب / استعمال عمر بن الخطّاب


١٠٣٠ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث : دعا أبو بكر عثمانَ خالياً(١) ، فقال : اكتب :

بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما عهد أبو بكر بن أبى قحافة إلي المسلمين ; أمّا بعدُ .

قال : ثمّ اُغمى عليه ، فذهب عنه ، فكتب عثمان : أمّا بعدُ ; فإنّى قد استخلفت عليكم عمر بن الخطّاب ، ولم آلُكم خيراً منه .

ثمّ أفاق أبو بكر فقال : اقرأْ علىّ ، فقرأ عليه ، فكبّر أبو بكر وقال : أراك خِفتَ أن يختلف الناس إن افتُلِتتْ(٢) نفسى فى غَشْيتى ! قال : نعم . قال : جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله ! وأقرّها أبو بكر من هذا الموضع(٣) .

١٠٣١ ـ تاريخ المدينة عن أسلم : كتب عثمان عهد الخليفة بعد أبى بكر ، وأمره ألاّ يسمّى أحداً ، وترك اسم الرجل ، فاُغمى علي أبى بكر إغماءة ، فأخذ عثمان العهد فكتب فيه اسم عمر . قال : فأفاق أبو بكر فقال : أرِنى العهد ، فإذا فيه اسم عمر . قال : من كتب هذا ؟ فقال عثمان : أنا . فقال : رحمك الله وجزاك خيراً ! فو الله لو كتبتَ نفسَك لكنتَ لذلك أهلاً(٤) .


(١) الخِلْو : المُنْفَرِد (النهاية : ٢ / ٧٤) .
(٢) افْتُلِتَ فلانٌ : أى ماتَ فجْأَةً (لسان العرب : ٢ / ٦٨) .
(٣) تاريخ الطبرى : ٣ / ٤٢٩ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٧٩ ، نهاية الأرب : ١٩ / ١٥٢ ، الطبقات الكبري : ٣ / ٢٠٠ ، تاريخ دمشق : ٣٠ / ٤١١ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ١١٧ والثلاثة الأخيرة نحوه وراجع تاريخ المدينة : ٢ / ٦٦٨ .
(٤) تاريخ المدينة : ٢ / ٦٦٧ ، تاريخ دمشق : ٤٤ / ٢٥٢ عن عبد الله بن عمر ، الأوائل لأبى هلال : ١٠٢ عن المدائنى وكلاهما نحوه .

 ٨٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب / استعمال عمر بن الخطّاب


١٠٣٢ ـ تاريخ الطبرى عن قيس : رأيتُ عمر بن الخطّاب وهو يجلس والناس معه ، وبيده جَريدة ، وهو يقول : أيّها الناس ! اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله  ½ ; إنّه يقول : إنّى لم آلُكم نُصحاً . قال : ومعه مولي لأبى بكر يقال له شديد ، معه الصحيفة التى فيها استخلاف عمر(١) .

١٠٣٣ ـ الإمامة والسياسة ـ فى ذكر كتابة استخلاف عمر ـ : خرج عمر بالكتاب وأعلمهم ، فقالوا : سمعاً وطاعة ، فقال له رجل : ما فى الكتاب يا أبا حفص ؟ قال : لا أدرى ، ولكنّى أوّل من سمع وأطاع . قال : لكنّى والله أدرى ما فيه ; أمّرتَه عام أوّل ، وأمّرك العام !(٢)

١٠٣٤ ـ شرح نهج البلاغة : إنّ أبا بكر لمّا نزل به الموت دعا عبد الرحمن بن عوف ، فقال : أخبِرنى عن عمر . فقال : إنّه أفضل من رأيك فيه ، إلاّ أنّ فيه غلظة . فقال أبو بكر : ذاك لأنّه يرانى رقيقاً ، ولو قد أفضي الأمرُ إليه لترك كثيراً ممّا هو عليه ، وقد رمقتُه ; إذا أنا غضبت علي رجل أرانى الرضي عنه ، وإذا لِنْت له أرانى الشدّة عليه .

ثمّ دعا عثمان بن عفّان فقال : أخبرنى عن عمر ، فقال : سريرته خيرٌ من علانيته ، وليس فينا مثله . فقال لهما : لا تذكرا ممّا قلت لكما شيئاً ، ولو تركتُ عمر لما عَدَوتك يا عثمان ، والخيرة لك ألاّ تَلى من اُمورهم شيئاً ، ولوددت أنّى كنت من اُموركم خِلْواً ، وكنت فيمن مضي من سلفكم .


(١) تاريخ الطبرى : ٣ / ٤٢٩ ، مسند ابن حنبل : ١ / ٨٨ / ٢٥٩ نحوه . وفى معالم الفتن : ١ / ٣٢٦ "يا ليت الفاروق قال ذلك يوم أن أمر النبىّ  ½ أن يأتوه بصحيفة ليكتب لهم كتاباً لا يضلّوا بعده أبداً" .
(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ٣٨ .

 ٨٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب / استعمال عمر بن الخطّاب


ودخل طلحة بن عبيد الله علي أبى بكر فقال : إنّه بلغنى أنّك يا خليفة رسول الله استخلفتَ علي الناس عمر ، وقد رأيتَ ما يلقي الناس منه وأنت معه ، فكيف به إذا خلا بهم ! وأنت غداً لاق ربّك ; فيسألك عن رعيّتك .

فقال أبو بكر : أجلسونى ، ثمّ قال : أ بالله تخوّفني؟ ! إذا لقيت ربّى فسألنى قلت : استخلفت عليهم خير أهلك .

فقال طلحة : أ عُمر خيرُ الناس يا خليفة رسول الله ؟ ! فاشتدّ غضبه وقال : إى والله ، هو خيرهم وأنت شرّهم ! أما والله لو ولّيتُك لجعلتَ أنفك فى قَفاك ، ولرفعتَ نفسك فوق قدرها ، حتي يكون الله هو الذى يضعها ! أتيتنى وقد دَلَكت عينك ; تريد أن تفتننى عن دينى ، وتزيلنى عن رأيى ! قُم ، لا أقام الله رجليك ! أما والله لئن عشتُ فُواقَ ناقة(١) وبلغنى أنّك غَمَصتَه(٢) فيها أو ذكرتَه بسوء لاُلحقنّك بمحْمضات قُنّة(٣) ، حيث كنتم تُسقون ولا تَرْوَون ، وتَرْعَون ولا تشبعون ، وأنتم بذلك بَجِحُون(٤) راضون فقام طلحة فخرج(٥) .


(١) أى قَدْرَ فُواق ناقة ، وهو ما بين الحَلْبَتَين من الراحَة (النهاية : ٣ / ٤٧٩) .
(٢) غَمَصَه : حَقَّرَه واستَصْغَره ولم يَرَهُ شيئاً (لسان العرب : ٧ / ٦١) .
(٣) قال ابن منظور : المَحْمَض : الموضع الذى ترعي فيه الإبل الحَمْض . والحَمْض من النبات : كلّ نَبت مالِح أو حامض يقوم علي سُوق ولا أصل له (لسان العرب : ٧ / ١٣٩ و١٣٨) . وقال ياقوت : قُنَّةُ : منزل قريب من حومانة الدرّاج فى طريق المدينة من البصرة . وقُنَّةُ : جبل فى ديار بنى أسد متّصل بالقنان (معجم البلدان : ٤ / ٤٠٩) . ولعلّه قَصَد موضعاً بعينه .
(٤) البَجَح : الفَرَح (تاج العروس : ٤ / ٥).
(٥) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٦٤ ، الطبقات الكبري : ٣ / ١٩٩ ، تاريخ المدينة: ٢ / ٦٦٧ ، تاريخ الطبرى : ٣ / ٤٢٨ وص ٤٣٣ إلي "خير اهلك" كُلّها نحوه .

 ٨٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب / موقف الإمام من خلافته


٢ / ٣

موقف الإمام من خلافته

١٠٣٥ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى ذكر السقيفة وما بعدها ـ : فرأيت أنّ الصبر علي هاتا أحجَي(١) ، فصبرت وفى العين قذي ، وفى الحلق شجاً ، أري تُراثى(٢) نَهباً ، حتي مضي الأوّل لسبيله ، فأدلي بها إلي فلان بعده .

شَتّانَ ما يَومِى علي كُورها

ويومُ حَيّانَ أخى جابِرِ(٣)

فيا عجباً ! ! بينا هو يستقيلها فى حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ـ لَشدّ ما تَشطَّرا ضرعيها ! ـ فصيّرها فى حوزة خَشناء يغلظ كَلْمُها(٤) ، ويخشن مسُّها ، ويكثر العثار فيها ، والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصَّعبة إن أشنق لها خَرَم ، وإن أسْلس لها تقحّم(٥) فمُنى الناس ـ لعمر الله ـ بخَبط وشِماس(٦) ، وتلوُّن واعتراض(٧) .


(١) أى أجدَر وأولي وأحقَّ (النهاية : ١ / ٣٤٨) .
(٢) التراث : ما يُخَلِّفه الرجل لورثته (النهاية : ١ / ١٨٦) .
(٣) هذا البيت هو للأعشي ، وقد تمثّل به  ¼ .
(٤) الكَلْم : الجَرْح (النهاية : ٤ / ١٩٩) .
(٥) قال الشريف الرضى ـ فى ذيل الخطبةـ : قوله  ¼ : "كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحّم" يريد : أنّه إذا شدّد عليها فى جذْب الزمام وهى تُنازعه رأسَها خرم أنفها ، وإن أرخي لها شيئاً مع صعوبتها تقحّمت به فلم يملكها ، يقال : أشنَقَ الناقةَ : إذا جذَب رأسَها بالزمام فرفعه ، وشنَقَها أيضاً . ذكر ذلك ابن السكّيت فى "إصلاح المنطق" ، وإنّما قال : "أشنق لها" ولم يقل: "أشنقها" لأنّه جعله فى مقابلة قوله: "أسلس لها" ، فكأنّه  ¼ قال : إن رفع لها رأسها بمعني أمسكه عليها بالزمام .
(٦) شَمَسَت الدابَّةُ والفَرس : شَرَدتْ وجَمَحَتْ ومَنَعتْ ظَهْرَها (لسان العرب : ٦ / ١١٣) .
(٧) نهج البلاغة : الخطبة ٣ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٠٤ ، معانى الأخبار : ٣٦١ / ١ ، علل الشرائع : ١٥٠ / ١٢ ، الإرشاد : ١ / ٢٨٧ ، الاحتجاج : ١ / ٤٥٢ / ١٠٥ والأربعة الأخيره عن ابن عبّاس ، الأمالى للطوسى : ٣٧٣ / ٨٠٣ عن زرارة عن الإمام الباقر  ¼ عن ابن عبّاس وعن الإمام الباقر عن أبيه عن جدّه (ع) ، نثر الدرّ : ١ / ٢٧٥ ; تذكرة الخواصّ : ١٢٤ والسبعة الأخيرة نحوه .

 ٨٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب / استشارة عمر الإمامَ فى المعضلات


٢ / ٤

استشارة عمر الإمامَ فى المعضلات

١٠٣٦ ـ تاريخ الإسلام عن عمر : أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن !(١)

١٠٣٧ ـ المستدرك علي الصحيحين عن عمر : أعوذ بالله أن أعيش فى قوم لستَ فيهم يا أبا حسن(٢) .

١٠٣٨ ـ فضائل الصحابة عن سعيد بن المسيّب : كان عمر يتعوّذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن(٣) .

١٠٣٩ ـ الكافى عن عمر : لولا علىّ لهَلَك عمر !(٤)


(١) تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٦٣٨ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٠٦ ، البداية والنهاية : ٧ / ٣٦٠ .
(٢) المستدرك علي الصحيحين : ١ / ٦٢٨ / ١٦٨٢ ، شعب الإيمان : ٣ / ٤٥١ / ٤٠٤٠ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٠٥ ، الرياض النضرة : ٣ / ١٦٦ ; شرح الأخبار : ٢ / ٣١٧ / ٦٥٢ .
(٣) فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٦٤٧ / ١١٠٠ ، الطبقات الكبري : ٢ / ٣٣٩ ، تاريخ دمشق : ٤٢/٤٠٦ ، الإصابة : ٤/٤٦٧/٥٧٠٤ ، اُسد الغابة : ٤/٩٦/٣٧٨٩ ، الاستيعاب : ٣ / ٢٠٦ / ١٨٧٥ ، الصواعق المحرقة : ١٢٧ ، تاريخ الخلفاء : ٢٠٣ .
(٤) الكافى : ٧ / ٤٢٤ / ٦ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٠٦ / ٨٤٩ وج ١٠ / ٥٠ / ١٨٦ ، من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٣٦ / ٥٠٢٥ ، خصائص الأئمّة (ع) : ٨٥ ، الإيضاح : ١٩١ و١٩٢ ، تفسير العيّاشى : ١ / ٧٥ / ١٥٥ ، الفضائل لابن شاذان : ٩٥ ، شرح الأخبار : ٢ / ٣١٩ / ٦٥٥ ، المسترشد : ٥٨٣ / ٢٥٣ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٣١ ; الاستيعاب : ٣ / ٢٠٦ / ١٨٧٥ وفيه "فكان عمر يقول . . ." ، ذخائر العقبي : ١٤٩ .

 ٨٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب / استنجاد عمر برأى الإمام


بيان : كان الإمام علىّ  ¼ يقّدم آراءه الاستشاريّة فى الميادين العلميّة أو فى المشاكل السياسيّة بعدما يحرز أنّها تعود بالفائدة علي المجتمع الإسلامى ، ولا يبدى رأيه إذا عاد بالنفع الشخصى علي الخليفة ولم يعد علي المجتمع بشىء .

يقول ابن عبّاس : خرجت مع عمر إلي الشام فى إحدي خرجاته ، فانفرد يوماً يسير علي بعيره فاتّبعته ، فقال لى : يابن عبّاس ، أشكو إليك ابن عمّك ! سألته أن يخرج معى فلم يفعل(١) .

راجع : القسم التاسع / علىّ عن لسان أصحاب النبىّ / عمر بن الخطّاب .

٢ / ٥

استنجاد عمر برأى الإمام

أ : مبدأ التأريخ

١٠٤٠ ـ المستدرك علي الصحيحين عن سعيد بن المسيّب : جمع عمر الناس فسألهم : من أىّ يوم يكتب التأريخ ؟ فقال على ّبن أبى طالب : من يوم هاجر رسول الله  ½ وترك أرض الشرك . ففعله عمر(٢) .

١٠٤١ ـ تاريخ اليعقوبى : أرّخ عمر الكتب ، وأراد أن يكتب التأريخ منذ مولد رسول الله ، ثمّ قال : من المبعث . فأشار عليه علىّ بن أبى طالب أن يكتبه من الهجرة ، فكتبه من الهجرة(٣) .


(١) شرح نهج البلاغة : ١٢ / ٧٨ .
(٢) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٥ / ٤٢٨٧ ، التاريخ الكبير : ١ / ٩ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٩ ، تاريخ المدينة : ٢ / ٧٥٨ ; الإقبال : ٣ / ٢٢ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١٤٤ كلّها نحوه وراجع التنبيه والإشراف : ٢٥٢ .
(٣) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٤٥ ; البداية والنهاية : ٧ / ٧٤ نحوه .


إرجاعات 

٣٤٢ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل السادس : عليّ عن لسان أصحاب النبيّ / عُمَرُ بن الخَطَّاب

 ٨٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب / استنجاد عمر برأى الإمام / ب : الخروج بنفسه إلي غزو الروم


ب : الخروج بنفسه إلي غزو الروم

١٠٤٢ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كلام له وقد شاوره عمر بن الخطّاب فى الخروج إلي غزو الروم ـ : وقد تَوكَّل اللهُ لأهل هذا الدين بإعزاز الحَوزة ، وستر العورة ، والذى نصَرهم وهم قليل لا ينتصرون ، ومنَعهم وهم قليل لا يمتنعون ، حىّ لا يموت .

إنّك متي تَسِر إلي هذا العدوّ بنفسك فتَلْقَهم فتُنْكَب ; لا تكن للمسلمين كانِفة(١) دون أقصي بلادهم . ليس بعدك مرجع يرجعون إليه ، فابعث إليهم رجلاً مِحْرَباً ، واحفِز معه أهل البلاء والنصيحة ; فإن أظهر الله فذاك ما تحبّ ، وإن تكن الاُخري كنتَ رِدْءاً(٢) للناس ومَثابةً للمسلمين(٣) .

ج : الخروج بنفسه إلي غزو الفرس

١٠٤٣ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى كلام له وقد استشاره عمر فى الشخوص لقتال الفرس بنفسه ـ : إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلّة ، وهو دين الله الذى أظهره ، وجنده الذى أعدّه وأمدّه ، حتي بلغ ما بلغ ، وطلع حيث طلع ، ونحن علي موعود من الله ، والله منجزٌ وعده ، وناصرٌ جنده .

ومكان القيّم بالأمر مكان النِّظام(٤) من الخرز ; يجمع ه ويضمّه ، فإن انقطع النظام تفرّق الخرز وذهب ، ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبداً . والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام ، عزيزون بالاجتماع . فكن قطباً ، واستَدِر الرَّحي


(١) أى ساترة . والهاء للمبالغة (النهاية : ٤ / ٢٠٥) .
(٢) الرِّدْء : العَوْن والناصِر (النهاية : ٢ / ٢١٣) .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ١٣٤ ، شرح المائة كلمة : ٢٣١ .
(٤) النظام: ما نَظَمْتَ فيه الشىء من خيط وغيره (لسان العرب : ١٢ / ٥٧٨) .

 ٩٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب / استنجاد عمر برأى الإمام / ج : الخروج بنفسه إلي غزو الفرس


بالعرب ، وأصْلِهم دونك نار الحرب ; فإنّك إن شَخَصت من هذه الأرض انتقضتْ عليك العرب من أطرافها وأقطارها ، حتي يكون ما تدع وراءك من العورات أهمّ إليك ممّا بين يديك .

إنّ الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا : هذا أصل العرب ، فإذا اقتطعتموه استرحتم ; فيكون ذلك أشدّ لكَلَبهم(١) عليك وطمعهم فيك . فأمّا ما ذكرت من مسير القوم إلي قتال المسلمين ، فإنّ الله سبحانه هو أكره لمسيرهم منك ، وهو أقدر علي تغيير ما يكره ! وأمّا ما ذكرت من عددهم ، فإنّا لم نكن نقاتل فيما مضي بالكثرة ، وإنّما كنّا نقاتل بالنصر والمعونة !(٢)

١٠٤٤ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ لعمر لمّا استشار الناس فى أن يسير فيمن معه لقتال الفرس ـ : إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه لكثرة ولا قلّة ; هو دينه الذى أظهرَ ، وجنده الذى أعزَّ وأيّده بالملائكة ، حتي بلغ ما بلغ ، فنحن علي موعود من الله ، والله منجزٌ وعده ، وناصرٌ جنده .

ومكانك منهم مكان النظام من الخرز ; يجمعه ويمسكه ، فإن انحلّ تفرّق ما فيه وذهب ، ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبداً . والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهى كثير عزيز بالإسلام ; فأقِم ، واكتب إلي أهل الكوفة ـ فهم أعلام العرب ورؤساؤهم ـ ومن لم يَحفِل(٣) بمن هو أجمَعُ وأحَدُّ وأجَدُّ من هؤلاء : فليأتهم الثلثان وليُقِم الثلث ، واكتب إلي أهل البصرة أن يمدّوهم ببعض من عندهم(٤) .


(١) كَلِبَ علي الشىء : إذا اشتدّ حِرْصُه علي طلب شىء (تاج العروس : ٢ / ٣٨١) .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ١٤٦ ، بحار الأنوار : ٤٠ / ١٩٣ / ٧٩ .
(٣) الحَفْل : المُبالاة . يقال : ما أحْفِلُ بفلان ; أى ما اُبالى به (لسان العرب : ١١ / ١٥٩) .
(٤) تاريخ الطبرى : ٤ / ١٢٣ عن أبى طعمة ، البداية والنهاية : ٧ / ١٠٧ .

 ٩١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب / استنجاد عمر برأى الإمام / ج : الخروج بنفسه إلي غزو الفرس


١٠٤٥ ـ الإرشاد عن أبى بكر الهذلى : سمعت رجالاً من علمائنا يقولون : تكاتبت الأعاجم من أهل همذان وأهل الرىّ وأهل أصفهان وقُومس(١) ونهاوند(٢) ، وأرسل بعضهم إلي بعض أنّ ملِك العرب الذى جاء بدينهم وأخرج كتابهم قد هلك ـ يعنون النبىّ  ½ ـ وأنّه ملَكَهم من بعده رجلٌ مُلكاً يسيراً ثمّ هلك ـ يعنون أبا بكر ـ وقام بعده آخر قد طال عمره حتي تناولكم فى بلادكم وأغزاكم جنوده ـ يعنون عمر بن الخطّاب ـ وإنّه غير منته عنكم حتي تُخرِجوا من فى بلادكم من جنوده ، وتَخرجوا إليه فتغزوه فى بلاده . فتعاقدوا علي هذا وتعاهدوا عليه .

فلمّا انتهي الخبر إلي من بالكوفة من المسلمين أنهوه إلي عمر بن الخطّاب ، فلمّا انتهي إليه الخبر فزع عمر لذلك فزعاً شديداً ، ثمّ أتي مسجد رسول الله  ½ فصعد المنبر ، فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال : معاشر المهاجرين والأنصار ! إنّ الشيطان قد جمع لكم جموعاً ، وأقبل بها ليطفئ نور الله ، ألا إنّ أهل همذان وأهل أصفهان والرىّ وقومس ونهاوند مختلفة ألسنتها وألوانها وأديانها ، قد تعاهدوا وتعاقدوا أن يُخرجوا من بلادهم إخوانكم من المسلمين ، ويخرجوا إليكم فيغزوكم فى بلادكم ، فأشيروا علىّ وأوجِزوا ولا تُطنبوا فى القول ، فإنّ هذا يوم له ما بعده من الأيّام .

فتكلّموا ، فقام طلحة بن عبيد الله ـ وكان من خطباء قريش ـ فحمد الله وأثني


(١) قُومِس : تعريب كومس ، واسمها هذا اليوم "سمنان" ، وتقع وسط إيران فى الجنوب الشرقى من طهران ، وهى مركز محافظة سمنان .
(٢) نُهَاوَنْد : تقع فى جنوبى همذان وشرق كرمانشاه علي بعد ١٣٠ كيلو متراً، وجنوب غربى ملاير علي بعد ٦٤ كيلو متراً، طولها : ٤٨ درجة و٢٢ دقيقة ، وعرضها : ٣٤ درجة و١٢ دقيقة. وهى مدينة علي جبل، وفيها أنهار وبساتين . قيل : إنّ نوحاً  ¼ بناها . وكانت وقعة عظيمة للمسلمين زمن عمر بن الخطّاب (راجع تقويم البلدان : ٤١٦) .

 ٩٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب / استنجاد عمر برأى الإمام / ج : الخروج بنفسه إلي غزو الفرس


عليه ، ثمّ قال :

يا أمير المؤمنين ، قد حَنكتْك الاُمور ، وجَرَّستْك(١) الدهور ، وعَجمتْك(٢) البلايا ، وأحكمتك التجارب ، وأنت مبارك الأمر ، ميمون النَّقِيبة(٣) ، قد وليتَ فخَبَرت ، واختبرت وخُبِرت ، فلم تنكشف من عواقب قضاء الله إلاّ عن خيار ، فاحضر هذا الأمر برأيك ولا تغِب عنه ! ثمّ جلس .

فقال عمر : تكلّموا . فقام عثمان بن عفّان ، فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال :

أمّا بعدُ يا أمير المؤمنين ، فإنّى أري أن تُشخِص أهل الشام من شامهم ، وأهل اليمن من يمنهم ، وتسير أنت فى أهل هذين الحرمين وأهل المصرين الكوفة والبصرة ، فتلقي جمع المشركين بجمع المؤمنين ، فإنّك يا أمير المؤمنين لا تستبقى من نفسك بعد العرب باقيةً ، ولا تُمتَّع من الدنيا بعزيز ، ولا تلوذ منها بحريز ، فاحضره برأيك ولا تغِب عنه ! ثمّ جلس .

فقال عمر : تكلّموا . فقال أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب  ¼ :

الحمد لله ـ حتي تمّ التحميد والثناء علي الله والصلاة علي رسول الله  ½ ـ ثمّ قال : أمّا بعدُ ، فإنّك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلي ذراريهم ، وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلي ذراريهم ، وإن أشخصت من بهذين الحرمين انتقضت العرب عليك من أطرافها وأكنافها ، حتي يكون ما تدع وراء ظهرك من عيالات العرب أهمّ إليك ممّا بين يديك .


(١) أى حَنَكَتْك وأحْكَمتْك ، وجَعلتْك خبيراً بالاُمور مُجرّباً (النهاية : ١ / ٢٦١) .
(٢) أى خَبَرتْك ; من العَجْم : العَضِّ . يقال : عَجَمْتُ العُودَ ; إذا عَضَضْتَه لتنظُر أ صُلْبٌ هو أم رِخْوٌ (النهاية : ٣ / ١٨٨) .
(٣) أى مُنَجَّحُ الفِعال ، مُظَفَّر المَطالِب . والنَّقيبة : النَّفْس . وقيل : الطَّبيعة والخَليقة (النهاية : ٥ / ١٠٢) .

 ٩٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب / استنجاد عمر برأى الإمام / د : تقسيم سواد الكوفة


وأمّا ذكرك كثرة العجم ورهبتك من جموعهم ، فإنّا لم نكن نقاتل علي عهد رسول الله  ½ بالكثرة ، وإنّما كنّا نقاتل بالنصر ! وأمّا ما بلغك من اجتماعهم علي المسير إلي المسلمين ، فإنّ الله لمسيرهم أكره منك لذلك ، وهو أولي بتغيير ما يكره ! وإنّ الأعاجم إذا نظروا إليك قالوا : هذا رجل العرب ، فإن قطعتموه فقد قطعتم العرب ، فكان أشدَّ لكَلَبهم ، وكنت قد ألَّبْتهم(١) علي نفسك ، وأمدّهم من لم يكن يمدّهم . ولكنّى أري أن تقرّ هؤلاء فى أمصارهم ، وتكتب إلي أهل البصرة فليتفرّقوا علي ثلاث فرق : فلتَقُم فرقة منهم علي ذراريهم حرساً لهم ، ولتَقُم فرقة فى أهل عهدهم لئلاّ ينتقضوا ، ولتَسِرْ فرقة منهم إلي إخوانهم مدداً لهم !

فقال عمر : أجل ، هذا الرأى ! وقد كنت اُحبّ أن اُتابع عليه . وجعل يكرّر قول أمير المؤمنين  ¼ وينْسقه(٢) ; إعجاباً به واختياراً له(٣) .

١٠٤٦ ـ الفتوح : لمّا سمع عمر مقالة علىّ ـ كرّم الله وجهه ـ ومشورته [فى حرب الفرس] أقبل علي الناس وقال : وَيْحكم ! عجزتم كلّكم عن آخركم أن تقولوا كما قال أبو الحسن !(٤)

د : تقسيم سواد الكوفة

١٠٤٧ ـ تاريخ اليعقوبى: شاور عمر أصحاب رسول الله فى سواد الكوفة ، فقال له


(١) التأليب : التحريض (لسان العرب : ١ / ٢١٦) .
(٢) النَّسَق : ما جاء من الكلام علي نظام واحد . وأنْسَقَ الرجلُ : إذا تكلَّم سَجْعاً (تاج العروس : ١٣ / ٤٥٧) .
(٣) الإرشاد : ١ / ٢٠٧ وراجع الكامل فى التاريخ : ٢ / ١٨٠ وتاريخ الطبرى : ٤ / ١٢٢ ـ ١٢٥ والفتوح : ٢ / ٢٨٩ ـ ٢٩٥ والأخبار الطوال : ١٣٤ .
(٤) الفتوح : ٢ / ٢٩٥ .

 ٩٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب / استنجاد عمر برأى الإمام / ه : حَلْى الكعبة


بعضهم : تقسمها بيننا ، فشاور عليّاً ، فقال : إن قسمتها اليوم لم يكن لمن يجىء بعدنا شىء ، ولكن تقرّها فى أيديهم يعملونها ، فتكون لنا ولمن بعدنا . فقال : وفّقك الله ، هذا الرأى !(١)

هـ : حَلْى الكعبة

١٠٤٨ ـ نهج البلاغة : روى أنّه ذكر عند عمر بن الخطّاب فى أيّامه حَلْى الكعبة وكثرته ، فقال قوم : لو أخذتَه فجهّزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة بالحلى ! فهمَّ عمر بذلك ، وسأل عنه أمير المؤمنين  ¼ ، فقال  ¼ :

إنّ هذا القرآن اُنزل علي النبىّ  ½ والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسَّمها بين الورثة فى الفرائض ، والفىء فقسّمه علي مستحقّيه ، والخمس فوضعه الله حيث وضعه ، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها . وكان حَلى الكعبة فيها يومئذ ، فتركه الله علي حاله ; ولم يتركه نسياناً ، ولم يَخفَ عليه مكاناً ، فأقِرّه حيث أقرّه الله ورسوله .

فقال له عمر : لولاك لافتضحنا ! وترك الحلى بحاله(٢) .

و: ما يجوز له صرفه من بيت المال

١٠٤٩ ـ تاريخ الطبرى عن ابن عمر : جمع الناسَ عمر بالمدينة حين انتهي إليه فتح القادسيّة ودمشق ، فقال : إنّى كنت امرأً تاجراً ، يغنى الله عيالى بتجارتى ، وقد شغلتمونى بأمركم ، فماذا ترون أنّه يحلّ لى من هذا المال ؟ فأكثر القومُ وعلىّ  ¼


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٥١ وراجع فتوح البلدان : ٣٧١ والأموال : ٦٤ / ١٥١ وص ٦٥ / ١٥٣ .
(٢) نهج البلاغة : الحكمة ٢٧٠ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٣٦٨ ; ربيع الأبرار : ٤ / ٢٦ .

 ٩٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب / استنجاد عمر برأى الإمام / و: ما يجوز له صرفه من بيت المال


ساكت ، فقال : ما تقول يا علىّ ؟ فقال : ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف ; ليس لك من هذا المال غيره . فقال القوم : القول قول ابن أبى طالب(١) .

راجع :القسم التاسع / علىّ عن لسان أصحاب النبىّ / عمر بن الخطّاب .

القسم الثانى عشر / نماذج من قضاياه بعد النبىّ .


(١) تاريخ الطبرى : ٣ / ٦١٦ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ١٣٥ ، شرح نهج البلاغة : ١٢ / ٢٢٠ .


إرجاعات 

٣٤٢ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل السادس : عليّ عن لسان أصحاب النبيّ / عُمَرُ بن الخَطَّاب

١٧ - المجلد الحادي عشر / القسم الثاني عشر : قضايا الإمام عليّ / الفصل الثالث : نماذج من قضاياه بعد النبيّ

 ٩٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثانى : عهد عمر بن الخطّاب / استنجاد عمر برأى الإمام / و: ما يجوز له صرفه من بيت المال


 ٩٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان


٣ / ١

وصيّة عمر بخصوص الخلافة

١٠٥٠ ـ الطبقات الكبري عن المِسْور بن مخرمة : كان عمر بن الخطّاب وهو صحيح يُسأل أن يستخلِف فيأبي ، فصعد يوماً المنبر فتكلّم بكلمات وقال : إن متُّ فأمركم إلي هؤلاء الستّة الذين فارقوا رسول الله  ½ وهو عنهم راض : علىّ بن أبى طالب ، ونظيره الزبير بن العوّام ، وعبد الرحمن بن عوف ، ونظيره عثمان بن عفّان ، وطلحة بن عبيد الله ، ونظيره سعد بن مالك . ألا وإنّى اُوصيكم بتقوي الله فى الحكم ، والعدل فى القَسْم(١) .

١٠٥١ ـ الكامل فى التاريخ عن عمر بن الخطّاب ـ قبل الوفاة ـ : قد كنتُ أجمعت بعد مقالتى لكم أن أنظر فاُولّى رجلا أمرَكم ; هو أحْراكم أن يحملكم علي الحقّ ـ


(١) الطبقات الكبري : ٣ / ٦١ ، كنز العمّال : ٥ / ٧٣٢ / ١٤٢٤٩ .

 ٩٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / وصيّة عمر بخصوص الخلافة


وأشار إلي علىّ ـ فرهقتنى غشية ، فرأيتُ رجلا دخل جنّة ، فجعل يقطف كلّ غضّة ويانعة ، فيضمّه إليه ويصيِّره تحته ، فعلمتُ أنّ الله غالب علي أمره ومتوفٍّ عمر ، فما أردتُ أن أتحمّلها حيّاً وميّتاً .

عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله  ½ : إنّهم من أهل الجنّة . وهم : علىّ ، وعثمان ، وعبد الرحمن ، وسعد ، والزبير بن العوّام ، وطلحة بن عبيد الله ; فليختاروا منهم رجلا ، فإذا ولّوا والياً فأحسِنوا مؤازرته وأعينوه . . . .

وما أظنّ يلى إلاّ أحد هذين الرجلين : علىّ أو عثمان . فإن ولىَ عثمان فرجل فيه لِين ، وإن ولىَ علىّ ففيه دُعابة ، وأحري به أن يحملهم علي طريق الحقّ . . . .

وقال لصهيب : صلِّ بالناس ثلاثة أيّام ، وأدخِل هؤلاء الرهط بيتاً ، وقم علي رؤوسهم ; فإن اجتمع خمسة وأبي واحد فاشدخ رأسه بالسيف ، وإن اتّفق أربعة وأبي اثنان فاضرب رأسيهما ، وإن رضى ثلاثة رجلا وثلاثة رجلا فحكَّموا عبد الله بن عمر ، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، واقتلوا الباقين إن رغبوا عمّا اجتمع فيه الناس(١) .

١٠٥٢ ـ تاريخ اليعقوبى : صيّر [عمر ]الأمر شُوري بين ستّة نفر من أصحاب رسول الله  ½ : علىّ بن أبى طالب ، وعثمان بن عفّان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوّام ، وطلحة بن عبد الله(٢) ، وسعد بن أبى وقّاص . وقال : أخرجتُ سعيد بن زيد لقرابته منّى .


(١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٢٠ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٢٨ ، تاريخ المدينة : ٣ / ٩٢٤ وفيه من "و ما أظنّ يلى . . ." ، العقد الفريد : ٣ / ٢٨٤ كلّها نحوه .
(٢) كذا فى المصدر ، والصحيح "عبيد الله" .

 ٩٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / رأى عمر فيمن رشّحهم للخلافة


فقيل له فى ابنه عبد الله بن عمر ، قال : حسْب آل الخطّاب ما تحمّلوا منها ! إنّ عبد الله لم يحسن يُطلِّق امرأته !

وأمر صُهَيْباً أن يصلّى بالناس حتي يتراضوا من الستّة بواحد ، واستعمل أبا طلحة زيد بن سهل الأنصارى ، وقال : إن رضى أربعة وخالف اثنان ، فاضرب عنق الاثنين ، وإن رضى ثلاثة وخالف ثلاثة ، فاضرب أعناق الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن ، وإن جازت الثلاثة الأيام ولم يتراضوا بأحد ، فاضرب أعناقهم جميعاً(١) .

١٠٥٣ ـ صحيح البخارى عن عمرو بن ميمون : قالوا [لعمر بعد إصابته] : أوصِ يا أمير المؤمنين استَخلِفْ . قال : ما أجد أحداً أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر ـ أو الرهط ـ الذين توفّى رسول الله  ½ وهو عنهم راض ، فسمّي عليّاً وعثمان والزبير وطلحة وسعداً وعبد الرحمن ، وقال : يشهدكم عبد الله بن عمر ، وليس له من الأمر شىء ـ كهيئة التعزية له ـ فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك ، وإلاّ فليستعِن به أيّكم ما اُمِّر ، فإنّى لم أعزله عن عجز ولا خيانة(٢) .

٣ / ٢

رأى عمر فيمن رشّحهم للخلافة

١٠٥٤ ـ تاريخ اليعقوبى : روى عن ابن عبّاس قال : طرقنى عمر بن الخطّاب بعد هدأة من الليل ، فقال : اخرج بنا نحرس نواحى المدينة . فخرج ، وعلي عنقه


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٦٠ وراجع شرح نهج البلاغة : ١ / ١٨٧ .
(٢) صحيح البخارى : ٣ / ١٣٥٥ / ٣٤٩٧ ، السنن الكبري : ٨ / ٢٥٩ / ١٦٥٧٩ ، الطبقات الكبري : ٣ / ٣٣٨ ، كنز العمّال : ٥ / ٧٣٠ / ١٤٢٤٥ .

 ١٠٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / رأى عمر فيمن رشّحهم للخلافة


دِرَّته(١) حافياً حتي أتي بَقِيعَ الغَرْقَد(٢) ، فاستلقي علي ظهره ، وجعل يضرب أخمصَ(٣) قدميه بيده ، وتأوَّهَ صَعَداً (٤) .

فقلت له : يا أمير المؤمنين ، ما أخرجك إلي هذا الأمر ؟ !

قال : أمر الله يابن عبّاس !

قال : [قلت :](٥) إن شئتَ أخبرتُك بما فى نفسك .

قال : غُصْ غَوّاصُ(٦) ، إن كنت لتقول فتحسن !

قال : [قلت :]ذكرت هذا الأمر بعينه وإلي مَن تصيّره .

قال : صدقت !

قال : فقلت له : أين أنت عن عبد الرحمن بن عوف ؟

فقال :ذاك رجل ممسك ، وهذا الأمر لا يصلح إلاّ لمُعط فى غير سرف ، ومانع فى غير إقتار .

قال : فقلت : سعد بن أبى وقّاص ؟

قال : مؤمن ضعيف .


(١) الدِّرَّة : دِرَّة السلطان التى يُضرب بها ، عربيّة معروفة (تاج العروس : ٦ / ٣٩٧) .
(٢) بَقِيع الغَرْقد : موضع بظاهر المدينة فيه قبور أهلها ، كان به شجَر الغَرْقَد ، فذهب وبقى اسمُه (النهاية : ١ / ١٤٦ وج ٣ / ٣٦٢) .
(٣) الأخْمَص من القَدَم : الموضع الذى لا يَلْصَق بالأرض منها عند الوطْء (النهاية : ٢ / ٨٠) .
(٤) تَأَوَّه : تَوَجَّعَ (المصباح المنير : ٣١) . وصَعَدٌ : أى شديدٌ (لسان العرب : ٣ / ٢٥٢) .
(٥) ما بين المعقوفين فى هذا المورد والذى يليه إضافة يقتضيها السياق .
(٦) أى يا غَوّاصُ ، وهو مجاز (انظر : تاج العروس : ٩ / ٣١٩) .

 ١٠١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / رأى عمر فيمن رشّحهم للخلافة


قال : فقلت : طلحة بن عبد الله(١) ؟

قال : ذاك رجل يناول للشرف والمديح ، يعطى ماله حتي يصل إلي مال غيره ، وفيه بَأْوٌ(٢) وكِبْرٌ .

قال : فقلت : فالزبير بن العوّام ; فهو فارس الإسلام ؟

قال : ذاك يومٌ إنسان ويومٌ شيطان ، وعفّة نفس ، إن كان ليكادح علي المِكْيَلة من بُكرة إلي الظهر حتي يفوته الصلاة !

قال : فقلت : عثمان بن عفّان ؟

قال : إن ولىَ حمَل ابن أبى مُعَيط وبنى اُميّة علي رقاب الناس ، وأعطاهم مال الله ، ولئن ولىَ ليفعلنّ والله ، ولئن فعل لتسيرنّ العرب إليه حتي تقتله فى بيته ! ثمّ سكت .

قال : فقال : امضها ، يابن عبّاس ، أ تري صاحبكم لها موضعاً ؟

قال : فقلت : وأين يتبعّد من ذلك مع فضله وسابقته وقرابته وعلمه !

قال : هو والله كما ذكرت ، ولو وليهم تحمَّلَهم علي منهج الطريق ; فأخذ المحجّة الواضحة ! إلاّ أنّ فيه خصالا : الدعابة فى المجلس ، واستبداد الرأى ، والتَّبْكِيت(٣) للناس مع حداثة السنّ .

قال : قلت : يا أمير المؤمنين ، هلاّ استحدثتم سنّه يوم الخندق إذ خرج عمرو


(١) كذا فى المصدر ، والصحيح "عبيد الله" .
(٢) البَأْو : الكِبْر والتعظيم (النهاية : ١ / ٩١) .
(٣) التَّبْكِيت : التَّقْرِيع والتَّوبيخ (النهاية : ١ / ١٤٨) .

 ١٠٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / رأى عمر فيمن رشّحهم للخلافة


بن عبد ودّ ، وقد كُعِم(١) عنه الأبطال وتأخّرت عنه الأشياخ ! ويوم بدر إذ كان يَقُطّ(٢) الأقرانَ قطّاً ، ولا سبقتموه بالإسلام إذ كان جعلته السعب(٣) وقريش يستوفيكم !

فقال : إليك يابن عبّاس ! أ تريد أن تفعل بى كما فعل أبوك وعلىّ بأبى بكر يوم دخلا عليه ؟ !

قال : فكرهت أن اُغضبه فسكتُّ .

فقال : والله ، يابن عبّاس ، إنّ عليّاً ابن عمّك لأحقّ الناس بها ! ولكنّ قريشاً لا تحتمله . ولئن وَلِيَهم ليأخذنّهم بمرّ الحقّ لا يجدون عنده رخصة ; ولئن فعل لينكُثُنّ بيعته ثمّ ليتحاربُنّ !(٤)

١٠٥٥ ـ شرح نهج البلاغة عن ابن عبّاس : كنت عند عمر ، فتنفّس نفَساً ظننت أنّ أضلاعه قد انفرجت ، فقلت : ما أخرج هذا النفَس منك يا أمير المؤمنين إلاّ همٌّ شديد !

قال : إى والله يابن عبّاس ! إنّى فكّرت فلم أدرِ فيمن أجعل هذا الأمر بعدى . ثمّ قال : لعلّك تري صاحبك لها أهلاً !

قلت : وما يمنعه من ذلك مع جهاده وسابقته وقرابته وعلمه !


(١) كَعَمَهُ الخوفُ فلا يَرجع : أى أمسَكَ فاهُ وسَدَّه عن الكلام ، وهو مجاز . وفى الأساس : كَعَمَهُ الخَوفُ فلا يَنْبسُ بكلمة (تاج العروس : ١٧ / ٦٢٣) .
(٢) قَطَّهُ : قَطَعَهُ عَرْضاً نصفَين (النهاية : ٤ / ٨١) .
(٣) كذا فى المصدر ، ويحتمل وجود سقط أو تصحيف .
(٤) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٥٨ وراجع تاريخ المدينة : ٣ / ٨٨٢ والفتوح : ٢ / ٣٢٥ والاستيعاب : ٣ / ٢١٥ .

 ١٠٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / رأى عمر فيمن رشّحهم للخلافة


قال : صدقت ! ولكنّه امرؤ فيه دعابة .

قلت : فأين أنت عن طلحة ؟

قال : ذو البأْو ، وبإصبعه المقطوعة !

قلت : فعبد الرحمن ؟

قال : رجلٌ ضعيف ; لو صار الأمر إليه لوضع خاتمه فى يد امرأته !

قلت : فالزبير ؟

قال : شَكِسٌ لَقِس(١) يلاطم فى النَّقِيع فى صاع من بُرّ !

قلت : فسعد بن أبى وقّاص ؟

قال : صاحب سلاح ومِقْنَب(٢) .

قلت : فعثمان ؟ قال : أوِّه ! ـ ثلاثاً ـ والله ، لئن وليها ليَحملنّ بنى أبى مُعَيط علي رقاب الناس ، ثمّ لتنهض العرب إليه ! . . . .

ثمّ أقبل علَىَّ بعد أن سكت هنيهةً ، وقال : أجرؤهم والله ، إن وليها ، أن يحملهم علي كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم  ½ لصاحبك ! أما إن ولىَ أمرهم حملهم علي المحجّة البيضاء والصراط المستقيم !(٣)

١٠٥٦ ـ المصنّف عن عبد الرحمن القارى : إنّ عمر بن الخطّاب ورجلا من


(١) الشَّكِس: السَّيِّئُ الخُلق . وقيل: هو السيّئُ الخُلق فى المبايعة وغيرها . واللَّقِس: الشَّرِهُ النفْس الحريصُ علي كلّ شىء ، والسيِّئُ الخُلق .(لسان العرب : ٦ / ١١٢ و٢٠٨) .
(٢) المِقْنَب : جماعة الخيل والفُرسان . يريد أنّه صاحب حرب وجيوش ، وليس بصاحب هذا الأمر (النهاية : ٤ / ١١١) .
(٣) شرح نهج البلاغة : ١٢ / ٥١ وج ٦ / ٣٢٦ .

 ١٠٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / رأى عمر فيمن رشّحهم للخلافة


الأنصار كانا جالسين . . . ثمّ قال عمر للأنصارى : من تري الناس يقولون يكون الخليفة بعدى ؟

فعدّد رجالا من المهاجرين ، ولم يُسمِّ عليّاً .

فقال عمر : فما لهم من أبى الحسن ! فو الله إنّه لاَحْراهم ، إن كان عليهم ، أن يقيمهم علي طريقة من الحقّ !(١)

١٠٥٧ ـ الإمامة والسياسة عن عمر بن الخطّاب ـ فى قضيّة الشوري ـ : والله ، ما يمنعنى أن أستخلفك يا سعد إلاّ شدّتك وغلظتك ، مع أنّك رجلُ حرب !

وما يمنعنى منك يا عبد الرحمن إلاّ أنّك فرعون هذه الاُمّة !

وما يمنعنى منك يا زبير إلاّ أنّك مؤمن الرضي ، كافر الغضب !

وما يمنعنى من طلحة إلاّ نَخْوته(٢) وكِبْره ، ولو وليها وضع خاتمه فى إصبع امرأته !

وما يمنعنى منك يا عثمان إلاّ عصبيّتك وحبّك قومَك وأهلَك !

وما يمنعنى منك يا علىّ إلاّ حرصك عليها ! وإنّك أحري القوم ، إن وُلِّيتها ، أن تقيم علي الحقّ المبين ، والصراط المستقيم(٣) .

١٠٥٨ ـ الطبقات الكبري عن عمرو بن ميمون : شهدتُ عمر يوم طُعن . . . ثمّ قال : ادعوا لى عليّاً ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ،


(١) المصنّف لعبد الرزّاق : ٥ / ٤٤٦ / ٩٧٦١ ، الأدب المفرد : ١٧٦ / ٥٨٢ وراجع أنساب الأشراف : ٣ / ١٤ والعقد الفريد : ٣ / ٢٨٤ وتاريخ الطبرى : ٤ / ٢٢٨ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٢٠ .
(٢) النَّخْوة : الكِبْر والعُجْب ، والأنَفَة والحَمِيَّة (النهاية : ٥ / ٣٤) .
(٣) الإمامة والسياسة : ١ / ٤٣ وراجع الإيضاح : ٥٠٠ .

 ١٠٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / ما جري فى الشورى


وسعداً ; فلم يكلّم أحداً منهم غير علىّ وعثمان .

فقال : يا علىّ ، لعلّ هؤلاء القوم يعرفون لك قرابتك من النبىّ  ½ ، وصهرك ، وما آتاك الله من الفقه والعلم ، فإن وليتَ هذا الأمر فاتّقِ الله فيه !

ثمّ دعا عثمان فقال : يا عثمان ، لعلّ هؤلاء القوم يعرفون لك صهرك من رسول الله  ½ وسنّك وشرفك ، فإن وليتَ هذا الأمر فاتّقِ الله ، ولا تَحملنّ بنى أبى مُعَيط علي رقاب الناس !

ثمّ قال : ادعوا لى صُهيباً ، فدُعى ، فقال : صلِّ بالناس ثلاثاً ، وليَخْلُ هؤلاء القوم فى بيت ، فإذا اجتمعوا علي رجل ، فمن خالفهم فاضربوا رأسه .

فلمّا خرجوا من عند عمر ، قال عمر : لو ولَّوها الأجْلَح(١) سلك بهم الطريق ! فقال له ابن عمر : فما يمنعك يا أمير المؤمنين ؟ قال : أكره أن أتحمّلها حيّاً وميّتاً(٢) .

٣ / ٣

ما جري فى الشوري

١٠٥٩ ـ صحيح البخارى عن عمرو بن ميمون : لمّا فُرغ من دفنه [أى عمر] اجتمع هؤلاء الرهط ، فقال عبد الرحمن : اجعلوا أمركم إلي ثلاثة منكم .

فقال الزبير : قد جعلتُ أمرى إلي علىّ ، فقال طلحة : قد جعلت أمرى إلي عثمان ، وقال سعد : قد جعلت أمرى إلي عبد الرحمن بن عوف .


(١) هو الذى انحَسَر الشَّعَر عن جانبَىْ رأسه (النهاية : ١ / ٢٨٤) .
(٢) الطبقات الكبري : ٣ / ٣٤٠ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٢٧ ، أنساب الأشراف : ٦ / ١٢٠ وراجع الإمامة والسياسة : ١ / ٤٣ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٤٢ .

 ١٠٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / ما جري فى الشورى


فقال عبد الرحمن : أيّكما تبرّأ من هذا الأمر فنجعله إليه واللهُ عليه والإسلام لينظرنّ أفضلهم فى نفسه ؟ فاُسكِت الشيخان .

فقال عبد الرحمن : أ فتجعلونه إلىّ واللهُ علىَّ ألاّ آلوَ عن أفضلكم ؟ قالا : نعم .

فأخذ بيد أحدهما فقال : لك قرابة من رسول الله  ½ والقِدَم فى الإسلام ما قد علمتَ ، فالله عليك لئن أمّرتُك لتعدلنّ ، ولئن أمّرتُ عثمان لتسمعنّ ولتُطيعنّ .

ثمّ خلا بالآخر فقال له مثل ذلك . فلمّا أخذ الميثاق قال : ارفعْ يدك يا عثمان ، فبايَعَه ، فبايع له علىّ ، وولج أهل الدار فبايعوه(١) .

١٠٦٠ ـ تاريخ الطبرى : خرج عبد الرحمن بن عوف وعليه عمامته التى عمّمه بها رسول الله  ½ ، متقلّداً سيفه ، حتي ركب المنبر ، فوقف وقوفاً طويلا ، ثمّ دعا بما لم يسمعه الناس ، ثمّ تكلّم فقال : أيّها الناس ! إنّى قد سألتكم سرّاً وجهراً عن إمامكم فلم أجدكم تَعدِلون بأحد هذين الرجلين : إمّا علىّ وإمّا عثمان ، فقم إلىّ يا علىّ !

فقام إليه علىّ فوقف تحت المنبر ، فأخذ عبد الرحمن بيده فقال : هل أنت مبايعى علي كتاب الله وسنّة نبيّه وفِعل أبى بكر وعمر ؟

قال : اللهمّ لا ، ولكن علي جَهدى من ذلك وطاقتى . فأرسَل يدَه .

ثمّ نادي فقال : قم إلىّ يا عثمان ! فأخذ بيده ـ وهو فى موقف علىّ الذى كان فيه ـ فقال : هل أنت مبايعى علي كتاب الله وسنّة نبيّه وفِعل أبى بكر وعمر ؟

قال : اللهمّ نعم .


(١) صحيح البخارى : ٣ / ١٣٥٦ / ٣٤٩٧ ، تاريخ الخلفاء : ١٥٨ .

 ١٠٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / ما جري فى الشورى


فرفع رأسه إلي سقف المسجد ويده فى يد عثمان ، ثمّ قال : اللهمّ اسمع واشهد ! اللهمّ إنّى قد جعلت ما فى رقَبتى من ذاك فى رقَبة عثمان .

وازدحم الناس يُبايعون عثمان حتي غَشُوه عند المنبر ، فقعد عبد الرحمن مَقعد النبىّ  ½ من المنبر ، وأقعد عثمان علي الدرجة الثانية ، فجعل الناس يبايعونه ، وتلكّأ علىٌّ ، فقال عبد الرحمن : ³ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا  ²  (١) .

فرجع علىٌّ يشقّ الناس حتي بايع وهو يقول : خدعةٌ وأيّما خدعة ! !(٢)

١٠٦١ ـ الكامل فى التاريخ : لمّا دُفن عمر ، جمع المقداد أهل الشوري . . . فقال عبد الرحمن : أيّكم يُخرِج منها نفسَه ويتقلّدها علي أن يُولِّيها أفضلكم ؟ فلم يُجِبه أحد .

فقال : فأنا أنخلع منها ، فقال عثمان : أنا أوّل مَن رضى ، فقال القوم : قد رضينا ، وعلىّ ساكت .

فقال : ما تقول يا أبا الحسن ؟

قال : أعطنى موثقاً لتؤثرنّ الحقّ ، ولا تتّبع الهوي ، ولا تخصّ ذا رحم ، ولا تألو الاُمّة نُصحاً .

فقال : أعطونى مواثيقكم علي أن تكونوا معى علي من بدَّل وغيَّر ، وأن ترضوا من اخترت لكم ; وعلىَّ ميثاق الله ألاّ أخصّ ذا رحم لرحمه ، ولا آلو المسلمين . فأخذ منهم ميثاقاً ، وأعطاهم مثله . . . .


(١) الفتح : ١٠ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٣٨ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٣٠٥ ، البداية والنهاية : ٧ / ١٤٦ .

 ١٠٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / ما جري فى الشورى


ودارَ عبد الرحمن لياليه يلقي أصحابَ رسول الله  ½ ومن وافي المدينة من اُمراء الأجناد وأشراف الناس يشاورهم ، حتي إذا كان الليلة التى صبيحتها تستكمل الأجل أتي منزل المِسْوَر بن مَخْرَمة فأيقظه ، وقال له : لم أذق فى هذه الليلة كبيرَ غُمْض(١) ! انطلِق فادْعُ الزبير وسعداً . فدعاهما ، فبدأ بالزبير فقال له : خَلِّ بنى عبد مناف وهذا الأمر . قال : نصيبى لعلىّ . وقال لسعد : اجعلْ نصيبك لى . فقال : إن اخترتَ نفسك فنعم ، وإن اخترتَ عثمان فعلىٌّ أحبّ إلىّ . . . .

فلمّا صلّوا الصبح جمع الرهط ، وبعث إلي من حضره من المهاجرين وأهل السابقة والفضل من الأنصار وإلي اُمراء الأجناد ، فاجتمعوا حتي التجّ(٢) المسجد بأهله ، فقال : أيّها الناس ! إنّ الناس قد أجمعوا أن يرجع أهل الأمصار إلي أمصارهم ، فأشيروا علىَّ .

فقال عمّار : إن أردت ألاّ يختلف المسلمون فبايع عليّاً . فقال المقداد بن الأسود : صدق عمّار ! إن بايعتَ عليّاً قلنا : سمعنا وأطعنا .

قال ابن أبى سَرْح : إن أردتَ ألاّ تختلف قريش فبايع عثمان . فقال عبد الله بن أبى ربيعة : صدق !(٣) إن بايعتَ عثمان قلنا : سمعنا وأطعنا .

فشتم(٤) عمّارٌ ابنَ أبى سَرْح وقال : متي كنتَ تنصح المسلمين ! !

فتكلّم بنو هاشم وبنو اُميّة ، فقال عمّار : أيّها الناس ! إنّ الله أكرمنا بنبيّه وأعزّنا بدينه ، فأنّي تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم ؟ ! فقال رجل من بنى


(١) ما ذُقْتُ غُمْضاً : أى ما ذُقْتُ نَوماً (لسان العرب : ٧ / ١٩٩) .
(٢) التجّ الظلام : اختلط (المحيط فى اللغة : ٦ / ٤٠٨) .
(٣) فى المصدر "صدقت" ، وما أثبتناه من تاريخ الطبرى ; وهو المناسب للسياق .
(٤) فى المصدر: "فتبسَّم" ، وما أثبتناه من تاريخ الطبرى .

 ١٠٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / ما جري فى الشورى


مخزوم : لقد عدوتَ طورَك يابن سميّة ! وما أنت وتأمير قريش لأنفسها ! !

فقال سعد بن أبى وقّاص : يا عبد الرحمن ، افرغ قبل أن يفتتن الناس .

فقال عبد الرحمن : إنّى قد نظرتُ وشاورتُ ، فلا تجعلُنّ ـ أيّها الرهط ـ علي أنفسكم سبيلا . ودعا عليّاً وقال : عليك عهد الله وميثاقه لتعملنّ بكتاب الله وسنّة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده .

قال : أرجو أن أفعل ; فأعمل بمبلغ علمى وطاقتى .

ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلىّ ، فقال : نعم نعمل .

فرفع رأسه إلي سقف المسجد ويده فى يد عثمان فقال : اللهمّ اسمع واشهد ! اللهمّ إنّى قد جعلت ما فى رقبتى من ذلك فى رقبة عثمان . فبايَعَه .

فقال علىٌّ : ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا ! ³ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ  ²  (١) ، والله ما ولّيتَ عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك ! ! والله كلّ يوم فى شأن .

فقال عبد الرحمن : يا علىّ ، لا تجعل علي نفسك حجّة وسبيلا . فخرج علىّ وهو يقول : سيبلغ الكتاب أجله !

فقال المقداد : يا عبد الرحمن ، أما والله لقد تركتَه وإنّه من الذين يقضون بالحقّ وبه يعدلون !

فقال : يا مقداد ، والله لقد اجتهدتُ للمسلمين .

قال : إن كنتَ أردتَ الله فأثابك الله ثواب المحسنين .


(١) يوسف : ١٨ .

 ١١٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / ما جري فى الشورى


فقال المقداد : ما رأيتُ مثل ما أتي إلي أهل هذا البيت بعد نبيّهم ! إنّى لأعجب من قريش أنّهم تركوا رجلا ما أقول ولا أعلم أنّ رجلا أقضي بالعدل ولا أعلم منه ! ! أما والله لو أجد أعواناً عليه !

فقال عبد الرحمن : يا مقداد ، اتّقِ الله ! فإنّى خائفٌ عليك الفتنة .

فقال رجل للمقداد : رحمك الله ! مَن أهل هذا البيت ؟ ومن هذا الرجل ؟

قال : أهل البيت بنو عبد المطّلب ، والرجل علىّ بن أبى طالب .

فقال علىّ : إنّ الناس ينظرون إلي قريش ، وقريش تنظر بينها فتقول : إن ولى عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبداً ، وما كانت فى غيرهم تداولتموها بينكم(١) .

١٠٦٢ ـ تاريخ اليعقوبى : كان عبد الرحمن بن عوف الزهرى ـ لمّا توفّى عمر واجتمعوا للشوري ـ سألهم أن يُخرِج نفسَه منها علي أن يختار منهم رجلا ، ففعلوا ذلك ، فأقام ثلاثة أيّام ، وخلا بعلىّ بن أبى طالب ، فقال : لنا الله عليك ، إن وُلِّيت هذا الأمر ، أن تسير فينا بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة أبى بكر وعمر .

فقال : أسير فيكم بكتاب الله وسنّة نبيّه ما استطعت .

فخلا بعثمان فقال له : لنا الله عليك ، إن وُلِّيت هذا الأمر ، أن تسير فينا بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة أبى بكر وعمر .

فقال : لكم أن أسير فيكم بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة أبى بكر وعمر .

ثمّ خلا بعلىّ فقال له مثل مقالته الاُولي ، فأجابه مثل الجواب الأوّل ; ثمّ خلا


(١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٢١ ـ ٢٢٤ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٣٠ ـ ٢٣٣ ، تاريخ المدينة : ٣ / ٩٢٦ ـ ٩٣١ ، العقد الفريد : ٣ / ٢٨٦ ـ ٢٨٨ كلّها نحوه .

 ١١١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / ما جري فى الشورى


بعثمان فقال له مثل المقالة الاُولي ، فأجابه مثل ما كان أجابه ، ثمّ خلا بعلىّ فقال له مثل المقالة الاُولي ، فقال :

إنّ كتاب الله وسنّة نبيّه لا يحتاج معهما إلي إجِّيرَي(١) أحد ! أنت مجتهد أن تزوى هذا الأمر عنّى ! !

فخلا بعثمان فأعاد عليه القول ، فأجابه بذلك الجواب ، وصفق علي يده(٢) .

١٠٦٣ ـ الأمالى للطوسى عن محمّد بن عمرو بن حزم : إنّ القوم حين اجتمعوا للشوري فقالوا فيها ، وناجي عبد الرحمن رجل(٣) منهم علي حدة ، ثمّ قال لعلىّ  ¼ : عليك عهد الله وميثاقه ، لئن وُلّيت لتعملنّ بكتاب الله وسُنّة نبيّه وسيرة أبى بكر وعمر .

فقال علىّ  ¼ : علىَّ عهد الله وميثاقه ، لئن وُلّيت أمركم لأعملنّ بكتاب الله وسُنّة رسوله .

فقال عبد الرحمن لعثمان كقوله لعلىّ  ¼ فأجابه : أن نعم .

فردّ عليهما القول ثلاثاً ، كلّ ذلك يقول علىّ  ¼ كقوله ، ويجيبه عثمان : أن نعم ، فبايع عثمانَ عبدُ الرحمن عند ذلك(٤) .

١٠٦٤ ـ مسند ابن حنبل عن أبى وائل : قلت لعبد الرحمن بن عوف : كيف بايعتم عثمان وتركتم عليّاً   ¢ ؟ قال : ما ذنبى ؟ قد بدأت بعلىّ فقلتُ : اُبايعك علي كتاب


(١) الإجِّيرَي : العادَة (تاج العروس : ٦ / ١٣) والمراد هنا : الطريقة .
(٢) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٦٢ وراجع الأمالى للطوسى : ٥٥٧ / ١١٧١ وشرح نهج البلاغة : ٩ / ٥٣ .
(٣) كذا فى المصدر ، والظاهر أنّ الصحيح : "كلّ رجل منهم" .
(٤) الأمالى للطوسى : ٧٠٩ / ١٥١٢ .

 ١١٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / ما جري فى الشورى


الله وسنّة رسوله ، وسيرة أبى بكر وعمر . فقال : فيما استطعتُ . ثمَّ عرضتها علي عثمان فقبلها(١) .

١٠٦٥ ـ الأمالى للطوسى عن أبى ذرّ : إنّ عليّاً  ¼ وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقّاص ، أمرهم عمر بن الخطّاب أن يدخلوا بيتاً ويغلقوا عليهم بابه ويتشاوروا فى أمرهم ، وأجّلهم ثلاثة أيّام ، فإن توافق خمسة علي قول واحد وأبي رجلٌ منهم ، قُتِلَ ذلك الرجل ، وإن توافق أربعة وأبي اثنان ، قُتِلَ الاثنان ، فلمّا توافقوا جميعاً علي رأى واحد ، قال لهم علىّ بن أبى طالب  ¼ : إنّى اُحبُّ أن تسمعوا منّى ما أقول ، فإن يكن حقّاً فاقبلوه ، وإن يكن باطلا فأنكروه . قالوا : قل . . . .

فما زال يُناشدهم ، ويُذكّرهم ما أكرمه الله تعالي ، وأنعم عليه به ، حتي قام قائم الظهيرة ودنت الصلاة ، ثمّ أقبل عليهم فقال : أمّا إذا أقررتم علي أنفسكم ، وبان


(١) مسند ابن حنبل : ١ / ١٦٢ / ٥٥٧ ، المنتظم : ٤ / ٣٣٧ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٣٠٤ ، تاريخ الخلفاء : ١٨٢ . وفى الإمامة والسياسة ١ / ٤٥ : أنّ عبد الرحمن بن عوف أخذ بيد عثمان ، فقال له : عليك عهد الله وميثاقه ، لئن بايعتك لتقيمن لنا كتاب الله وسنّة رسوله وسنّة صاحبيك ، وشرط عمر ; أن لا تجعل أحداً من بنى اُميّة علي رقاب الناس . فقال عثمان : نعم . ثمّ أخذ بيد علىّ  ¼ ، فقال له : اُبايعك علي شرط عمر ; أن لا تجعل أحداً من بنى هاشم علي رقاب الناس . فقال علىٌّ  ¼ عند ذلك : ما لك ولهذا إذا قطعتها فى عنقى ؟ فإنّ علىَّ الاجتهاد لاُمّة محمّد حيث علمت القوّة والأمانة استعنت بها ، كان فى بنى هاشم أو غيرهم . قال عبد الرحمن : لا والله ، حتي تعطينى هذا الشرط . قال علىّ : والله لا أعطيكه أبداً .

 ١١٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / ما جري فى الشورى


لكم من سببى الذى ذكرت ، فعليكم بتقوي الله وحده ، وأنهاكم عن سخط الله ، فلا تعرضوا ولا تضيّعوا أمرى ، وردّوا الحقّ إلي أهله ، واتّبعوا سنّة نبيّكم  ½ وسنّتى من بعده ، فإنّكم إن خالفتمونى خالفتم نبيّكم  ½ ، فقد سمع ذلك منه جميعكم ، وسلّموها إلي من هو لها أهل وهى له أهل ، أما والله ما أنا بالراغب فى دنياكم ، ولا قلت ما قلت لكم افتخاراً ولا تزكية لنفسى ، ولكن حدّثتُ بنعمة ربِّى ، وأخذتُ عليكم بالحُجّة . ثمَّ نهض إلي الصلاة .

فتآمر القوم فيما بينهم وتشاوروا ، فقالوا : قد فضّل الله علىّ بن أبى طالب بما ذكر لكم ، ولكنّه رجلٌ لا يفضّل أحداً علي أحد ، ويجعلكم ومواليكم سواء ، وإن ولّيتموه إيّاها ساوي بين أسودكم وأبيضكم ، ولو وضع السيف علي أعناقكم ، لكن ولّوها عثمان ، فهو أقدمكم مَيلا ، وألينكم عريكة(١) ، وأجدر أن يتبع مسرّتكم ، والله غفور رحيم(٢) .

١٠٦٦ ـ تاريخ دمشق عن المنهال بن عمرو وعباد بن عبد الله الأسدى وعمرو بن واثلة : قال علىّ بن أبى طالب يوم الشوري : والله لأحتجّنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيهم ولا عربيهم ولا عجميهم ردّه ، ولا يقول خلافه .

ثمّ قال لعثمان بن عفان ولعبد الرحمن بن عوف والزبير ولطلحة وسعد ، وهم أصحاب الشوري وكلّهم من قريش ، وقد كان قدم طلحة :

أنشدكم بالله الذى لا إله إلاّ هو ، أ فيكم أحد وحّد اللهَ قبلى ؟


(١) العَرِيكة : الطبيعة ، يقال : فلان ليّن العريكة ; إذا كان مُطاوِعاً مُنقاداً قليل الخلاف والنفور (النهاية : ٣ / ٢٢٢) .
(٢) الأمالى للطوسى : ٥٤٥ و٥٥٣ / ١١٦٨ ، إرشاد القلوب : ٢٥٩ و٢٦٣ .

 ١١٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / ما جري فى الشورى


قالوا : اللهمّ لا .

قال : أنشدكم بالله ، هل فيكم أحد صلّي لله قبلى وصلّي القبلتين ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : أنشدكم بالله ، أ فيكم أحد أخو رسول الله  ½ غيرى ; إذ آخي بين المؤمنين ، فآخي بينى وبين نفسه ، وجعلنى منه بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّى لست بنبىّ ؟

قالوا : لا .

قال : أنشدكم بالله ، أ فيكم مطهّر غيرى إذ سدّ رسول الله  ½ أبوابكم وفتح بابى ، وكنت معه فى مساكنه ومسجده ، فقام إليه عمّه فقال : يا رسول الله غلقت أبوابنا وفتحت باب علىّ ؟ قال : "نعم ، الله أمر بفتح بابه وسدّ أبوابكم"؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم بالله ، أ فيكم أحد أحبّ إلي الله وإلي رسوله منّى ; إذ دفع الراية إلىّ يوم خيبر ، فقال : لاُعطينّ الراية إلي من يحبّ اللهَ ورسولَه ويحبّه اللهُ ورسولُه ، ويوم الطائر إذ يقول : اللهمّ ائتنى بأحبّ خلقك إليك يأكل معى ، فجئت ، فقال : اللهمّ وإلي رسولك ، اللهمّ وإلي رسولك ، غيرى ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم بالله ، أ فيكم أحد قدّم بين يدى نجواه صدقة غيرى حتي رفع الله ذلك الحكم ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم بالله ، أ فيكم من قتل مشركى قريش والعرب فى الله وفى رسوله

 ١١٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / ما جري فى الشورى


غيرى ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم بالله أ فيكم أحد دعا رسول الله  ½ له فى العلم ، وأن يكون اُذنه الواعية مثل ما دعا لى ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلي رسول الله  ½ فى الرحم ، ومن جعله رسول الله  ½ نفسه ، وأبناه أبناءه ، ونساءه نساءه غيرى ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم بالله ، أ فيكم أحد كان يأخذ الخمس مع النبىّ  ½ قبل أن يؤمن أحد من قرابته غيرى وغير فاطمة ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم بالله ، أ فيكم اليوم أحد له زوجة مثل زوجتى فاطمة بنت رسول الله  ½ سيّدة نساء عالمها ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم بالله ، هل فيكم أحد له ابنان مثل ابنىّ الحسن والحسين سيّدى شباب أهل الجنّة ما خلا النبيّين غيرى ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم بالله ، أ فيكم أحد له أخ كأخى جعفر الطيّار فى الجنّة ، المزيّن بالجناحين مع الملائكة ، غيرى ؟

قالوا : اللهمّ لا .

 ١١٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / ما جري فى الشورى


قال : نشدتكم بالله ، أ فيكم أحد له عمّ مثل عمّى أسد الله وأسد رسوله سيّد الشهداء حمزة غيرى ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم بالله ، أ فيكم أحد ولى غمض رسول الله  ½ مع الملائكة غيرى ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم بالله ، أ فيكم أحد ولى غسل النبىّ  ½ مع الملائكة يقلّبونه لى كيف أشاء غيرى ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم بالله ، أ فيكم أحد كان آخر عهده برسول الله  ½ حتي وضعه فى حفرته غيرى ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم بالله ، أ فيكم أحد قضي عن رسول الله  ½ بعده ديونه ومواعيده غيرى ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : وقد قال الله عزّ وجلّ : ³ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِين  ²  (١) (٢) .

١٠٦٧ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر أحداث البيعة يوم الدار ـ : صفَق [عبد الرحمن ]علي يد عثمان وقال : والله ، ما فعلتَها إلاّ لأنّك رجوتَ منه مارجا


(١) الأنبياء : ١١١ .
(٢) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٣١ وص ٤٣٣ ـ ٤٣٥ ; الأمالى للطوسى : ٣٣٣ / ٦٦٧ ، بشارة المصطفي : ٢٤٣ كلاهما نحوه .

 ١١٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / ما جري فى الشورى


صاحبُكما من صاحبه ، دقّ الله بينكما عِطْرَ مَنْشِم(١) .

قيل : ففسد بعد ذلك بين عثمان وعبد الرحمن ، فلم يكلّم أحدُهما صاحبَه حتّي مات عبد الرحمن(٢) .

١٠٦٨ ـ الإمام علىّ  ¼ : يابن عوف ! كيف رأيت صنيعك مع عثمان ؟ ربّ واثق خجل ، ومن لم يتوخّ بعمله وجه الله عاد مادحه من الناس له ذامّاً(٣) .

١٠٦٩ ـ شرح نهج البلاغة : لمّا بني عثمان قصره طَمار بالزوراء(٤) ، وصنع طعاماً كثيراً ، ودعا الناس إليه ، كان فيهم عبد الرحمن ، فلمّا نظر للبناء والطعام قال : يابن عفان ، لقد صدّقنا عليك ما كنّا نكذّب فيك ، وإنّى أستعيذ بالله من بيعتك . فغضب عثمان ، وقال : أخرجه عنّى يا غلام ، فأخرجوه ، وأمر الناس ألاّ يجالسوه ، فلم يكن يأتيه أحد إلاّ ابنُ عبّاس ، كان يأتيه فيتعلّم منه القرآن والفرائض . ومرض عبد الرحمن فعاده عثمان وكلّمه فلم يكلّمه حتي مات(٥) .

١٠٧٠ ـ تاريخ اليعقوبى : إنّ عثمان اعتلّ علّةً اشتدّت به ، فدعا حمران بن أبان ، وكتب عهداً لمن بعده ، وترك موضع الاسم ، ثمّ كتب بيده : عبد الرحمن بن عوف ، وربطه وبعث به إلي اُمّ حبيبة بنت أبى سفيان ، فقرأه حمران فى الطريق ، فأتي


(١) قال الأصمعى : مَنشِم ـ بكسر الشين ـ : اسم امرأة كانت بمكّة عطّارة ، وكانت خزاعة وجُرهم إذا أرادوا القتال تطيّبوا من طيبها ، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثرت القتلي فيما بينهم . فكان يقال : "أشأم من عطر منشم" ، فصار مثلا (الصحاح : ٥ / ٢٠٤١) .
(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٨٨ ; الإرشاد : ١ / ٢٨٦ عن حنش الكنانى ، الجمل : ١٢٢ كلاهما نحوه .
(٣) شرح نهج البلاغة : ٢٠ / ٣١٦ / ٦٢٧ .
(٤) الزوراء : دار عثمان بن عفّان بالمدينة (معجم البلدان : ٣/١٥٦) .
(٥) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٩٦ ، الأوائل لأبى هلال : ١٢٩ عن أبى يعقوب السروى .

 ١١٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / معلوميّة نتيجة الشوري قبل المشورة


عبدَ الرحمن فأخبره .

فقال عبد الرحمن ، وغضب غضباً شديداً : أستعمله علانيةً ، ويستعملنى سرّاً .

ونمي الخبر وانتشر بذلك فى المدينة ، وغضب بنو اُميّة ، فدعا عثمان بحمران مولاه ، فضربه مائة سوط ، وسيّره إلي البصرة ، فكان سبب العداوة بينه وبين عبد الرحمن بن عوف(١) .

٣ / ٤

معلوميّة نتيجة الشوري قبل المشورة

١٠٧١ ـ تاريخ الطبرى : قال علىّ لقوم كانوا معه من بنى هاشم : إن اُطيع فيكم قومكم لم تؤمّروا أبداً . وتلقّاه العبّاس فقال : عُدِلَتْ عنّا ! فقال : وما علمك ؟ قال : قُرن بى عثمان ، وقال : كونوا مع الأكثر ، فإن رضى رجلان رجلا ، ورجلان رجلا ، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فسعدٌ لا يخالف ابن عمّه عبد الرحمن ، وعبد الرحمن صهر عثمان ; لا يختلفون ، فيولّيها عبدُ الرحمن عثمانَ أو يولّيها عثمانُ عبدَ الرحمن ، فلو كان الآخران معى لم ينفعانى(٢) .

١٠٧٢ ـ الإرشاد عن أبى صادق : لمّا جعلها عمر شوري فى ستّة ، وقال : إن بايع اثنان لواحد ، واثنان لواحد ، فكونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن ، واقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن ; خرج أمير المؤمنين  ¼ من الدار وهو


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٦٩ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٢٩ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٢١ ، تاريخ المدينة : ٣ / ٩٢٥ ، العقد الفريد : ٣ / ٢٨٥ نحوه .

 ١١٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / معلوميّة نتيجة الشوري قبل المشورة


مُعتمِدٌ علي يد عبد الله بن العبّاس فقال له : يابن عبّاس ! إنّ القوم قد عادَوْكم بعد نبيّكم كمعاداتهم لنبيّكم  ½ فى حياته ، أمَ واللهِ ، لا ينيبُ بهم إلي الحقّ إلاّ السيف .

فقال له ابن عبّاس : وكيف ذاك ؟

قال : أَ ما سمعتَ قول عمر : إن بايع اثنان لواحد ، واثنان لواحد ، فكونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن ، واقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن ؟

قال ابن عبّاس : بلي .

قال : أ فلا تعلم أنّ عبد الرحمن ابنُ عمّ سعد ، وأنّ عثمان صهرُ عبد الرحمن ؟

قال : بلي .

قال : فإنّ عمر قد علم أنّ سعداً وعبد الرحمن وعثمان لا يختلفون فى الرأى ، وأنّه من بويع منهم كان الاثنان معه ، فأمر بقتل من خالفهم ، ولم يُبالِ أن يَقتُل طلحةَ إذا قتلنى وقتل الزبير . أمَ واللهِ ، لئن عاش عمر لاُعرِّفنّه سوء رأيه فينا قديماً وحديثاً ، ولئن مات لَيَجمَعنّى وإيّاه يومٌ يكون فيه فصلُ الخطاب(١) .

١٠٧٣ ـ شرح نهج البلاغة عن القطب الراوندى : إنّ عمر لمّا قال : كونوا مع الثلاثة التى عبد الرحمن فيها ، قال ابن عبّاس لعلىّ  ¼ : ذهب الأمر منّا ، الرجُل يُريد أن يكون الأمر فى عثمان .

فقال علىّ  ¼ : وأنا أعلم ذلك ، ولكنّى أدخل معهم فى الشوري ; لأنّ عمر قد أهّلَنى الآن للخلافة ، وكان قبل ذلك يقول : إنّ رسول الله  ½ قال : إنّ النبوّة والإمامة لا يجتمعان فى بيت ، فأنا أدخل فى ذلك لاُظهِر للناس مناقضة فعله


(١) الإرشاد : ١ / ٢٨٥ و٢٨٦ .

 ١٢٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / موقف الإمام من قرار الشورى


لروايته(١) .

١٠٧٤ ـ تاريخ الطبرى : قال العبّاس لعلىّ : لا تدخل معهم ، قال : أكره الخلاف ، قال : إذاً تري ما تكره(٢) .

٣ / ٥

موقف الإمام من قرار الشوري

١٠٧٥ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كلام له لمّا عزموا علي بيعة عثمان ـ : لقد علمتم أنّى أحقّ الناس بها من غيرى ، وو اللهِ لأسلِمَنّ ما سلمت اُمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور إلاّ علىَّ خاصّة ; التماساً لأجر ذلك وفضله ، وزهداً فيما تنافستموه من زُخرُفه وزِبرِجه(٣) .

١٠٧٦ ـ عنه  ¼ ـ فى عمر وجعله الخلافة فى ستّة أشخاص ـ : حتي إذا مضي لسبيله جعلها فى جماعة زعم أنّى أحدهم ، فيا لله ولِلشوري ! متي اعترض الريب فىَّ مع الأوّل منهم ، حتي صرتُ اُقرن إلي هذه النظائر !!(٤)

١٠٧٧ ـ تاريخ الطبرى عن المِسوَر بن مخرمة عن الإمام علىّ  ¼ ـ فى خطبته فى قضيّة الشوري ـ : الحمد لله الذى بعث محمّداً منّا نبيّاً ، وبعثه إلينا رسولا ، فنحن


(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٨٩ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٢٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٢٠ ، شرح نهج البلاغة : ١ / ١٩١ وزاد فيه "و ارفع نفسك عنهم" بعد "لا تدخل معهم" .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٧٤ .
(٤) نهج البلاغة : الخطبة ٣ ، الإرشاد : ١/٢٨٨ ، معانى الأخبار : ٣٦١/١ ، علل الشرائع : ١٥١/١٢ ، الجمل : ١٢٦ وفيه "احتلج" بدل "اعترض" ، الاحتجاج : ١ / ٤٥٤ / ١٠٥ كلّها عن ابن عبّاس ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٠٥ ، نثر الدرّ : ١ / ٢٧٥ ; تذكرة الخواصّ : ١٢٤ كلاهما نحوه .

 ١٢١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / موقف الإمام من قرار الشورى


بيت النبوّة ، ومعدن الحكمة ، وأمان أهل الأرض ، ونجاة لمن طلب ، لنا حقّ إن نُعطَه نأخذه ، وإن نُمنَعه نركب أعجاز الإبل ولو طال السُّري(١) ; لو عهد إلينا رسول الله  ½ عهداً لأنفذنا عهده ، ولو قال لنا قولا لجادلنا عليه حتي نموت .

لن يسرع أحد قبلى إلي دعوة حقّ وصلة رحم ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، اسمعوا كلامى ، وعوا منطقى ، عسي أن تروا هذا الأمر من بعد هذا المجمع تُنتضَي فيه السيوف ، وتُخان فيه العهود ; حتي تكونوا جماعة ، ويكون بعضكم أئمّةً لأهل الضلالة ، وشيعةً لأهل الجهالة ، ثمّ أنشأ يقول :

فإن تكُ جاسمٌ هَلَكَتْ فإنِّى

بما فعلت بنو عبدِ بنِ ضخْمِ

مُطيعٌ فى الهواجِرِ كلّ عَىّ

بصيرٌ بالنّوَي من كلّ نَجْمِ(٢)

١٠٧٨ ـ الإمام علىّ  ¼ : لنا حقٌّ ، فإنْ اُعطيناه ، وإلاّ ركبنا أعجاز الإبل ، وإن طال السُّرَي(٣) .


(١) قال الشريف الرضى : وهذا من لطيف الكلام وفصيحه ، ومعناه : أنّا إن لم نعطَ حقّنا كُنّا أذلاّء . وذلك أنّ الرديف يركب عجُزَ البعير كالعبد والأسير ومن يجرى مجراهما (نهج البلاغة : ذيل الحكمة ٢٢) . وقال ابن الأثير فى النهاية : منه حديث علىّ : "لنا حقٌّ إن نُعطَهُ نأخذه ، وإن نُمنَعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السُّرَي" ، الرُّكوب علي أعجاز الإبل شاقٌّ : أى إن مُنعنا حقّنا ركبنا مركب المشقّة صابرين عليها وإن طال الأمد . وقيل : ضَرَب أعجاز الإبل مثلا لتأخُّره عن حَقِّه الذى كان يراه له وتقدُّم غيره عليه ، وأنّه يَصبِر علي ذلك وإن طال أمَدُه : أى إن قُدِّمنا للإمامة تَقدّمنا ، وإن اُخِّرنا صَبرنا علي الاُثرَة وإن طالت الأيّام (النهاية : ٣ / ١٨٥) .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٣٦ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٢٥ كلاهما عن المسور بن مخرمة .
(٣) نهج البلاغة : الحكمة ٢٢ ، المناقب لابن شهر آشوب : ١ / ٢٧٤ ; تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٣٦ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٢٥ كلّها نحوه .

 ١٢٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / موقف الإمام من قرار الشورى


١٠٧٩ ـ الإرشاد عن جُندب بن عبد الله : دخلتُ علي علىِّ بن أبى طالب بالمدينة بعد بيعة الناس لعثمان فوجدته مُطرِقاً كئيباً ، فقلتُ له : ما أصاب قومك ؟ !

قال : صبرٌ جميلٌ .

فقلتُ له : سبحانَ الله ! واللهِ إنّك لصبورٌ .

قال : فأصنعُ ماذا ؟ !

فقلت : تقومُ فى الناس ، وتدعوهم إلي نفسك ، وتخبرهم أنّك أولي بالنبىّ  ½ بالفضل والسابقة ، وتسألُهم النصرَ علي هؤلاء المتمالئين عليك(١) ، فإن أجابك عشرةٌ من مائة شَدَدْتَ بالعشرة علي المائة ، فإن دانوا لك كان ذلك علي ما أحببْتَ ، وإن أبوا قاتلتَهُم ، فإن ظهرتَ عليهم فهو سلطان الله الذى آتاهُ نبيّهُ  ¼ وكنتَ أولي به منهم ، وإن قُتلتَ فى طلبه قُتلتَ شهيداً ، وكنت أولي بالعذر عند الله ، وأحقَّ بميراث رسول الله  ½ .

فقال : أ تراهُ ـ يا جُندبُ ـ يُبايعُنى عشرةٌ من مائة ؟ !

قلت : أرجو ذلك .

قال : لكنّنى لا أرجو ولا من كلِّ مائة اثنين ، وساُخبرك من أين ذلك ، إنّما ينظر الناس إلي قريش ، وإنّ قريشاً تقول : إنّ آل محمّد يرونَ لهم فضلا علي سائر الناس ، وإنّهم أولياء الأمر دون قريش ، وإنّهم إن وَلُوْهُ لم يخرجْ منهم هذا السلطان إلي أحد أبداً ، ومتي كان فى غيرهم تداولتموه بينكم ، ولا ـ واللهِ ـ لا تدفع قريشٌ إلينا هذا السلطان طائعين أبداً .

فقلت له : أ فَلا أرجع فاُخبر الناس بمقالتك هذه ، وأدعوهم إليك ؟


(١) المتمالئين عليك : أى الذين تساعدوا واجتمعوا وتعاونوا (النهاية : ٤ / ٣٥٣) .

 ١٢٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / شقشقة هدرت !


فقال لى : يا جُندبُ ، ليس هذا زمان ذاك .

فرجعتُ بعد ذلك إلي العراق ، فكنتُ كلّما ذكرتُ للناس شيئاً من فضائل علىّ بن أبى طالب  ¼ ومناقبه وحقوقه زَبرُونى ونَهَرُونى ، حتي رُفِعَ ذلك من قولى إلي الوليد بن عقبة ليالىَ وَلِيَنَا ، فبعث إلىّ فحبسنى حتي كُلّمَ فىَّ فخلَّي سبيلى(١) .

٣ / ٦

شقشقة هدرت !

١٠٨٠ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من خطبة له  ¼ ـ : أما والله لقد تقمّصها فلان(٢) ، وإنّه ليعلم أنّ محلّى منها محلّ القطب من الرحا ، ينحدر عنّى السيل ، ولا يرقي إلىّ الطير ; فسدلْتُ دونها ثوباً ، وطويتُ عنها كشحاً ، وطَفِقْتُ أرتَئى بين أن أصول بيد جذّاء(٣) ، أو أصبر علي طخية(٤) عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمنٌ حتي يلقي ربّه !

فرأيتُ أنّ الصبر علي هاتا أحجي ، فصبرتُ وفى العين قذًي(٥) ، وفى الحلق شجاً(٦) ، أري تُراثى نَهباً ، حتي مضي الأوّل لسبيله ، فأدلي بها إلي فلان بعده .

ثمّ تمثّل بقول الأعشي :


(١) الإرشاد : ١ / ٢٤١ ، الأمالى للطوسى : ٢٣٤ / ٤١٥ ; شرح نهج البلاغة : ٩ / ٥٧ نحوه .
(٢) قمصتُه قميصاً : إذا ألبسته ، وأراد بالقميص الخلافة ، وهو من أحسن الاستعارات (النهاية : ٤ / ١٠٨) .
(٣) جَذَّاء : مقطُوعة ، كني به عن قُصور أصحابه وتقاعُدِهم عن الغَزوِ ، فإنّ الجندَ للأمير كاليد (النهاية : ١ / ٢٥٠) .
(٤) الطَّخْيَة : الظلمةُ والغَيمُ (النهاية : ٣/١١٦) .
(٥) القَذي : ما يقع فى العين والماء والشراب من تُراب أو تِبْن أو وسخ أو غير ذلك (النهاية : ٤ / ٣٠) .
(٦) ما يَنْشَبُ فى الحَلْق من عظم ونحوه فَيُغَصُّ به (مجمع البحرين : ٢ / ٩٣٢) .

 ١٢٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / شقشقة هدرت !


شتّان ما يومى علي كُورِها(١)

ويومُ حيَّان أخى جابِرِ

فيا عجباً ! ! بينا هو يستقيلُها فى حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ـ لشدّ ما تشطَّرا ضَرْعَيْهَا ! ـ فصيّرها فى حوزة خشناء يغلُظُ كلمها ، ويخشنُ مسُّها ، ويكثر العثار فيها ، والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحّم ، فمُنى الناس ـ لعمرُ الله ـ بخبط وشماس ، وتلوّن واعتراض ; فصبرت علي طول المدّة ، وشدّة المحنة ; حتي إذا مضي لسبيله جعلها فى جماعة زعم أنّى أحدهم ، فيا لله وللشوري ! متي اعترض الريب فىَّ مع الأوّل منهم ، حتي صرت اُقرن إلي هذه النظائر ! لكنّى أسففت إذ أسفُّوا ، وطرت إذ طاروا ; فصغا رجل منهم لضِغنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن ، إلي أن قام ثالث القوم نافجاً حضنَيْه ، بين نَثِيلهِ ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلي أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته !

فما راعنى إلاّ والناس كعرف الضبع إلىّ ، ينثالون علىَّ من كلّ جانب ، حتي لقد وطِئ الحسنان ، وشقّ عطفاى ، مجتمعين حولى كربيضة الغنم ، فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة ، ومرقت اُخري ، وقسط آخرون : كأنّهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول : ³ تِلْكَ الدَّارُ الاَْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الاَْرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ  ²  (٢) بلي ! والله لقد سمعوها ووَعَوْهَا ، ولكنّهم حليت الدنيا فى أعينهم وراقهم زبرجها !

أما والذى فلق الحبّة ، وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجّة بوجود الناصر ، وما أخذ الله علي العلماء ألاّ يُقارّوا علي كظّة ظالم ، ولا سغبِ


(١) الكُور بالضمّ : الرَّحل ، وقيل : الرَّحل بأداته (لسان العرب : ٥ / ١٥٤) .
(٢) القصص : ٨٣ .

 ١٢٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / شقشقة هدرت !


مظلوم ، لألقيتُ حبلها علي غاربها ، ولسقيْتُ آخرها بكأسِ أوّلها ، ولألفيتم دُنياكم هذه أزهد عندى من عفطة عَنْز !

قالوا : وقام إليه رجل من أهل السواد عند بلوغه إلي هذا الموضع من خطبته ، فناوله كتاباً ـ قيل : إنّ فيه مسائل كان يريد الإجابة عنها ـ فأقبل ينظر فيه ، فلمّا فرغ من قراءته ، قال له ابن عبّاس : يا أمير المؤمنين ، لو اطّردتْ خطبتُك من حيث أفضيت !

فقال : هيهات يابن عبّاس ! تلك شقشقةٌ هدرت ثُمَّ قرّت !

قال ابن عبّاس : فو الله ، ما أسفت علي كلام قطّ كأسفى علي هذا الكلام ألاّ يكون أمير المؤمنين  ¼ بلغ منه حيث أراد(١) .

راجع : القسم السابع / احتلال مصر / خطبة الإمام بعد قتل محمّد بن أبى بكر .

ورسالة الإمام المفتوحة إلي اُمّة الإسلام .


(١) نهج البلاغة : الخطبة ٣ ، الإرشاد : ١ / ٢٨٧ ، معانى الأخبار : ٣٦١ / ١ ، علل الشرائع : ١٥٠ / ١٢ ، الأمالى للطوسى : ٣٧٢ / ٨٠٣ ، الاحتجاج : ١ / ٤٥٢ / ١٠٥ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٠٤ ، نثر الدرّ : ١ / ٢٧٤ ; تذكرة الخواصّ : ١٢٤ كلّها نحوه .


إرجاعات 

٩٧ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / خطبة الإمام بعد قتل محمّد بن أبي بكر

٩٨ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل السابع : احتلال مصر / رسالة الإمام المفتوحة إلى اُمّة الإسلام بعد احتلال مصر