الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الثالث

 

 ١٢٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / نظرة تحليليّة لوقائع الشورى

تبلورت وقائع الخلافة بعد رسول الله  ½ علي نحو مدهش وملفت للنظر ، وانتهت بحادثة السقيفة واستخلاف أبى بكر ، وادُّعى أنّ خلافته كانت موضع إجماع . ثمّ إنّه نصب عمر خليفةً من بعده ، وهكذا فقد سنَّ سُنّة "الاستخلاف".

وفى الأيّام الأخيرة من حياة عمر ، أخذ يفكّر ـ وهو علي فراش الموت ـ بمستقبل الاُمّة الإسلاميّة ، وتدلّ النصوص التاريخيّة بكلّ جلاء علي أنّه كان يفكّر أيضاً بنوع من الاستخلاف أيضاً ، وأنّه ذكر أسماء جماعة وقال لو أنّهم كانوا أحياءً لعهِدَ إليهم أمر الخلافة ; منهم : معاذ بن جبل(١) ، وأبو عبيدة الجرّاح(٢) ، وسالم مولي أبى حذيفة ...(٣) .

وعلي كلّ حال ; فإنّ عمر كان يفكّر بالشورى; ولكن الشوري التى تضمن له تحقيق أهدافه بشكل أو آخر ، علي أن لا يُتجاهل فيها أمر علىّ  ¼ ، علي اعتبار


(١) الطبقات الكبري : ٣ / ٥٩٠ ، تاريخ المدينة : ٣ / ٨٨١ ، الإمامة والسياسة : ١ / ٤٢ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٢٧، الطبقات الكبري : ٣ / ٤١٢ ، تاريخ المدينة : ٣ / ٨٨١ ، الفتوح : ٢ / ٣٢٥ .
(٣) تاريخ الطبرى : ٤/٢٢٧ ، الطبقات الكبري: ٣ / ٣٤٣، تاريخ المدينة : ٣ / ٨٨١ ، الفتوح: ٢ / ٨٦ .

 ١٢٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / نظرة تحليليّة لوقائع الشورى

أنّ عليّاً لا يمكن تجاهله فى مثل هذا الأمر ، وهذه الحقيقة لم تكن خافية عن نظر عمر ، ولهذا السبب ; فإنّه حينما استدعي أحد الأنصار للتشاور معه فى أمر الخلافة ، فعدّد الأنصارى جماعة من المهاجرين ولم يُسَمِّ عليّاً ، فقال عمر : فما لهم من أبى الحسن! فو الله إنّه لأحراهم إن كان عليهم أن يُقيمهم علي طريقة من الحقّ(١) .

وهكذا عيّن عمر جماعة للشوري قوامهم ستّة أشخاص ، وقد انتقد كلَّ واحد منهم بصفة سيّئة فيه ، إلاّ عليّاً ; فقد نسبه إلي المزاح ! ولكنّه أكّد أيضاً أنّه أحراهم أن يُقيمهم علي سنّة نبيّهم(٢) .

وسمّي عمر أعضاء الشوري الذين يجب أن يختاروا الخليفة من بينهم ، وهم : علىّ  ¼ ، وعثمان بن عفان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبى وقّاص ، وعبد الرحمن بن عوف .

لم يكن عمر يحمل مشاعر طيّبة تجاه بنى هاشم ، ولا تجاه علىّ  ¼ . وكان أكثر حنكة وذكاءً من أن يسمّى للشوري أشخاصاً يختارون عليّاً ولو علي سبيل الاحتمال(٣) .

وقد رسم عمر طريقة عمل الشوري وموازناته; فهم يجب أن يجتمعوا فى دار تحت مراقبة خمسين رجلا من الأنصار حتي يختاروا رجلا من بينهم ; فإن اتّفق خمسة علي رجل وأبي واحد يُضرب عنقه ، وإن اتّفق أربعة وأبي اثنان يُضرب عُنقاهما ، فإن رضى ثلاثة منهم رجلا ، وثلاثة رجلا ، يجب عندئذ تحكيم


(١) المصنّف لعبد الرزّاق : ٥ / ٤٤٦ / ٩٧٦١ ، الأدب المفرد : ١٧٦ / ٥٨٢ .
(٢) المصنّف لعبد الرزّاق : ٥ / ٤٤٧ / ٩٧٦٢ ، تاريخ المدينة المنوّرة : ٢ / ٨٨٠ ; نثر الدرّ : ٢ / ٤٩ .
(٣) كلام عمر مع ابن عبّاس فى هذا الصدد له مغزاه . انظر تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٢٣.

 ١٢٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / نظرة تحليليّة لوقائع الشورى

عبد الله بن عمر ; فإن لم يرضوا بحكمه ، يجب قبول خيار الجهة التى فيها عبد الرحمن بن عوف(١) .

كانت المعادلة التى أرادها الخليفة واضحة تماماً . وكانت نتيجتها معروفة منذ البداية لكلّ لبيب . ولهذا السبب فقد حثّ ابن عبّاس عليّاً علي عدم الدخول فى الشوري ، لكنّ عليّاً قال : لا ، بل أدخل معهم فى الشوري ; لأنّ عمر قد أهّلنى الآن للخلافة ، وكان قبل ذلك يقول : إنّ رسول الله  ½ قال : إنّ النبوّة والإمامة لا يجتمعان فى بيت !! فأنا أدخل فى ذلك لاُظهر للناس مناقضة فعله لروايته(٢) .

ولكنّه أكّد بصريح القول أنّ عمر قد عدل ـ بهذا التركيب ـ الخلافة عن بنى هاشم ، قائلا : قد قُرن بى عثمان ، ويجب اتّباع الأكثريّة ; فسعد لا يخالف ابنَ عمّه عبد الرحمن ، وعبد الرحمن صهر عثمان ، وهما لا يختلفان ; فلو كان الآخران معى لم ينفعانى(٣) .

تنحّي طلحة جانباً لصالح عثمان (علي أساس الرواية التى تقول إنّ طلحة قد حضر الشورى) ، وتنحّي الزبير جانباً لصالح علىّ  ¼ ، وتنازل سعد عن حقّه لصالح عبد الرحمن . وأعلن عبد الرحمن أنّه أخرج نفسه من الخلافة ، واقترح علي الآخرَين (علىّ  ¼ وعثمان) أن يفوّض أحدهما حقّه للآخر ، فسكتا. وذكر الطبرى أنّ عبد الرحمن بقى ليالى متوالية يشاور رؤساء الجيش والأشراف ، وكان لا يخلو بواحد منهم حتي يأمره بعثمان(٤) . حتي إذا انتهت الأيّام الثلاثة


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٢٩ ، الإمامة والسياسة : ١ / ٤٣ .
(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٨٩.
(٣) الإرشاد : ١ / ٢٨٥ ; تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٢٩ ، شرح نهج البلاغة: ١ / ١٩١ .
(٤) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٣١ ، تاريخ المدينة : ٣ / ٩٢٨ ، يقول عبد العزيز الدورى : "و تخبرنا المصادر أيضاً أنّ عبد الرحمن استشار أشراف الناس وأمراء الأجناد ، وحاول معرفة رأى عامّة الناس . . . فوجدهم يشيرون عليه بعثمان ، وهذا يوحى بدعاية واسعة نظّمها بنو اُميّة لمرشّحهم ، وقد كان بنو اُميّة يسعون لاستعادة نفوذهم بالتدريج منذ فتح مكّة ، ونجحوا فى ذلك نجاحاً كبيراً خلال فترة الخليفتين الأوّلين" . مقدّمة فى تاريخ صدر الإسلام: ٥٠ .

 ١٣٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / نظرة تحليليّة لوقائع الشورى

اجتمع الناس صباحاً فى المسجد ، فخرج إليهم عبد الرحمن وقال : إنّى نظرت فى الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان أحداً(١) . بينما صاح عمّار والمقداد مؤكّدَين علي انتخاب علىّ  ¼ . وارتفعت الأصوات فى المسجد ، وصاح عمار : لماذا تُبعدون هذا الأمر عن أهل بيت الرسول؟!(٢)

ثمّ إنّ عبد الرحمن بن عوف قال لعلىّ  ¼ : هل تعاهِد الله علي العمل بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة أبى بكر وعمر؟ فقال : لا ، ولكن أسير علي كتاب الله وسنّة رسول الله قدر وسعى .

ولمّا عرض هذا السؤال علي عثمان ، قال : أعمل بالقرآن وسنّة رسول الله وسيرة الشيخين. ثمّ كرّر عبد الرحمن سؤاله لعلىّ  ¼ ، فأجابه  ¼ كما أجابه من قبل ، وأضاف لا حاجة مع كتاب الله وسيرة نبيّه إلي سيرة أحد ، ولكنّك تريد أن تزوى هذا الأمر عنّى(٣) .

وهكذا اختار عبد الرحمن بن عوف عثمان للخلافة ، وأجلسه علي مسند السلطة .

وذُبح الحقّ مرّة اُخري علي مذبح الزيف والفتنة ، ووجد الذين سلّوا سيف


(١) المصنّف لعبد الرزّاق : ٥ / ٤٧٧ / ٩٧٧٥ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٣٣٣ ، شرح نهج البلاغة : ١٢ / ١٩٤ وانظر أيضاً الأمالى للمفيد : ١١٤ / ٧ ، تاريخ المدينة : ٣ / ٩٢٩ .
(٣) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٦٢ ; شرح نهج البلاغة : ١ / ١٨٨ وج ١٢ / ٢٦٢ ، البدء والتاريخ : ٥ / ١٩٢ .

 ١٣١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / نظرة تحليليّة لوقائع الشورى

العداوة ضدّ رسول الله  ½ سنوات طويلة ، أنّ الفرصة قد سنحت الآن فى ظلّ الدعم الذى يوفّره لهم خليفة رسول الله  ½ ، لكى يستأنفوا مواقفهم العدائيّة ضدّه .

ولمّا رأي علىّ  ¼ الأمر علي هذه الشاكلة قال لعبد الرحمن :

"حبوته حبوَ الدهر ، ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا ، ³ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ  ²  (١) .

ثمّ قال له :

"و الله ما ولّيتَ عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك"(٢) .

وصاح المقداد :

"ما رأيت مثل ما اُوتى إلي أهل هذا البيت بعد نبيّهم ! إنّى لأعجب من قريش أنّهم تركوا رجلا ما أقول أنّ أحداً أعلم ولا أقضي منه بالعدل . أما والله لو أجد عليه أعواناً"(٣) .

ثمّ إنّ عماراً قال من شدّة حرصه علي الإسلام :

يا ناعىَ الإسلام قُم فانعَهُقد مات عرفٌ وأتي منكرُ(٤)

أ وَلم يكن الأمر كذلك ؟أ وَلم يُنعَ الاسلام من خلال تسلّط بنى اُميّة؟!

أ وَلم تنبعث الجاهليّة من جديد؟ فقد خرج عثمان فى الليلة التى بويع له فى


(١) يوسف : ١٨ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٣٣ ، تاريخ المدينة : ٣ / ٩٣٠ .
(٣) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٣٣ ، تاريخ المدينة : ٢ / ٩٣١ .
(٤) البدء والتاريخ : ٥ / ١٩٢ ، شرح نهج البلاغة : ١٢ / ٢٦٦.

 ١٣٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / نظرة تحليليّة لوقائع الشورى

يومها إلي صلاة العشاء وبين يديه شمعة ، فلقيه المقداد ، فقال : ما هذه البدعة؟!(١)

ولغرض تعميم وإكمال البحث نورد الملاحظات التالية :

١ ـ ذكرنا أنّ عليّاً  ¼ قال لعبد الرحمن بن عوف :

"و الله ما ولّيت عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك" .

ولم يُصرّح  ¼ بمثل هذا الكلام إلاّ انطلاقاً من معرفته بأحوال المتلاعبين بالسياسة ودعاة الفتن ، لو كانت يومذاك ثمّةَ آذان واعية . وجاء الشاهد علي صدق كلام أمير المؤمنين  ¼ فيما نقله المؤرّخون ; من أنّ عثمان بعدما اشتدّ عليه المرض دعا كاتباً ، وأمره أن يكتب عهده بالخلافة من بعده لعبد الرحمن : فكتب بما أمره(٢) .

٢ ـ لماذا لم يوافق الإمام  ¼ علي شرط عبد الرحمن؟

لأنّه كانت قد مرّت حينذاك سنوات علي وفاة الرسول  ½ ، ووقعت فيها تغيّرات كثيرة ، وصدرت أحكام كثيرة مناقضة لحكم الرسول  ½ ، وبُدّلت سنّته  ½ فى موارد كثيرة(٣) .

فكيف كان يتسنّي للإمام  ¼ قبول هذا الشرط ؟ ولو أنّه قبله وتسلّم زمام الاُمور ـ علي فرض المحال ـ كيف كان يتسنّي له التوفيق بين تلك المتناقضات؟ وما كان عساه يفعل مع تلك التغييرات؟

هل كان الناس علي استعداد لقبول إعادة الحقائق إلي مسارها الأوّل؟ فقد


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٦٣ .
(٢) تاريخ المدينة : ٣ / ١٠٢٩ ، تاريخ دمشق : ١٥/١٧٨ ; تاريخ اليعقوبى: ٢ / ١٦٩ .
(٣) راجع كتاب "النصّ والاجتهاد" للعلاّمة السيّد شرف الدين .

 ١٣٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / نظرة تحليليّة لوقائع الشورى

أثبت عهد خلافة الإمام علىّ  ¼ عدم استعداد الناس لقبول عودة الحقائق إلي مسارها الأوّل ، مع أنّ الكثير من المسائل قد تجلّت بكلّ وضوح يومذاك ، ومع أنّ الناس قد أقبلوا بأنفسهم عليه ، غير أنّه كان يواجه صعوبة فى كثير من القرارات ، والمثال الواضح علي ذلك "صلاة التراويح" .

ولو عرضنا هذا السؤال من زاوية اُخري وقلنا : لماذا لم يقبل الإمام شرط عبد الرحمن؟ نلاحظ هنا أنّه  ¼ كان أمام معادلتين :

الاُولي : قبول الشرط وإقامة حكومة العدل الإسلامى .

الثانية : عدم قبول الشرط ; لأنّه لم يكُن حقّاً ، مع التضحية بهذا المنصب الخطير .

والوجه الآخر للسؤال هو : هل كان عبد الرحمن يعقد له البيعة لو أنّه قبل ذلك الشرط؟

يمكن القول بجزم ـ من خلال الأخبار التى نقلناها عن الشوري ، وما كان فيها من تدبير ، وكذلك من خلال كلام الإمام  ¼ مع عبد الرحمن ـ بأنّ الجواب هو السلب طبعاً . وقد أدرك علىّ  ¼ بعمق نظره الخاصّ بأنّ كلّ هذه التمهيدات التى اتُّخذت جاءت لتبرير قرار متّخذ مسبقاً. ولو أنّ الإمام وافق علي الشرط ; فإنَّ عثمان كان يوافق عليه أيضاً ، وفى مثل هذه الحالة كان عبد الرحمن سيلجأ إلي ذريعة اُخري ، كأن يقول مثلا ـ كما مرّ علينا ـ بأنَّ رؤساء الجيش ، وزعماء القبائل يميلون إلي عثمان ، وتكون النتيجة هى انتخاب عثمان أيضاً ، وستكون نتيجة القبول بهذا الشرط هى إضفاء الشرعيّة من قِبَل علىّ  ¼ علي قرارات الشيخين ، وحاشا أن ينخدع علىّ ـ الذى يخترق بصره الحجب السطحيّة ويري الحقائق ـ بمثل هذه المشاهد .

 ١٣٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / نظرة تحليليّة لوقائع الشورى

٣ ـ كانت معادلة الشوري واضحة مسبقاً ولهذا السبب أمر عمر بضرب عنق كلّ مَن يعارض ، وبعد البيعة لعثمان من قِبَل ابن عوف وسائر أعضاء الشوري ، ظلّ علىٌّ واقفاً ولم يبايِع ، فقال له ابن عوف : بايِع وإلاّ ضربتُ عنقك ! فخرج من الدار وتبعه أصحاب الشوري وقالوا : بايِع وإلاّ جاهدناك !(١) وهذا ما جعل الشريف المرتضي يقول بألم :

"فأىّ رضيً هاهنا ؟! .. . وكيف يكون مختاراً من تهدّد بالقتل وبالجهاد"(٢) .

٤ ـ التطميع بالخلافة

الملاحظة الأخيرة فى هذا المضمار هى أنّ عمر أجَّج بعمله هذا نار الطمع بالخلافة فى قلوب أعضاء الشوري . وقد أشار الشيخ المفيد إلي هذا المعني بقوله : إنّ سعد بن أبى وقّاص ما كان يري نفسه شيئاً أمام علىّ  ¼ ، إلاّ أنّ وجوده فى الشوري بعث فى نفسه شعوراً بالأهليّة للخلافة . ونقل ابن أبى الحديد أيضاً هذا التحليل عن اُستاذه. وكان طلحة أيضاً يستدلّ بوجوده فى الشوري علي مجابهته لعلىّ(٣) . وأشار معاوية أيضاً إلي هذا المعني فى إحدي محاوراته(٤) .

وعلي كلّ حال ; فإنّ عمر قد دأب مرّة اُخري من خلال الشوري التى أوجدها علي طمس "حقّ الخلافة" وسحق حرمتها. وسلّط بنى اُميّة علي رقاب الاُمّة


(١) أنساب الأشراف : ٦/١٢٨ ، شرح نهج البلاغة: ٩ / ٥٥ وج ١٢ / ٢٦٥ ، الإمامة والسياسة : ١/١٧٦ ; الصراط المستقيم : ٣/١١٧.
(٢) شرح نهج البلاغة : ١٢ / ٢٦٥ .
(٣) الإمامة والسياسة: ١ / ٩٥ . راجع : القسم السادس / وقعة الجمل / جهود الإمام لمنع القتال / مناقشات الإمام وطلحة .
(٤) العقد الفريد : ٣/٢٨٩ ، تاريخ دمشق : ١٩/١٩٧ .

 ١٣٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / نظرة تحليليّة لوقائع الشورى

فاقترفوا كلّ تلك المفاسد . وعمل من خلال غرسه لروح التطلّع إلي الخلافة فى نفوس أشخاص مثل طلحة والزبير ، علي تمهيد الأجواء لنشوب الصراعات اللاحقة .

ونحن نؤكّد من خلال استقراء تلك الحادثة وكيفيّة تبلور وقائعها بأنَّ الحقّ هو ما جاء فى تحليل مجرياتها إجمالا ، ليس إلاّ.. . والله من وراء القصد .

 ١٣٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان / نظرة تحليليّة لوقائع الشورى

 ١٣٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان

٤ / ١

الترف

١٠٨١ ـ مروج الذهب : بني [عثمان] داره فى المدينة ، وشيّدها بالحجر والكِلْس ، وجعل أبوابها من الساج والعرعر ، واقتني أموالا وجناناً وعيوناً بالمدينة .

وذكر عبد الله بن عتبة : أنّ عثمان يوم قتل كان له ـ عند خازنه ـ من المال خمسون ومائة ألف دينار ، وألف ألف درهم ، وقيمة ضياعه بوادى القُري وحُنين وغيرهما مائة ألف دينار ، وخلّف خيلا كثيراً وإبلا(١) .

١٠٨٢ ـ الطبقات الكبري عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة : كان لعثمان بن عفّان عند خازنه يوم قُتل ثلاثون ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم ، وخمسون


(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٤١ .

 ١٣٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / الترف

ومائة ألف دينار ، فانتُهبت ، وذهبت . وترك ألف بعير بالرَّبَذة(١) ، وترك صدقات ـ كان تصدّق بها ببراديس وخيبر(٢) ووادى القري(٣) ـ قيمةَ مائتى ألف دينار(٤) .

١٠٨٣ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن عامر : كنت أفطر مع عثمان فى شهر رمضان ، فكان يأتينا بطعام هو أليَن من طعام عمر ; قد رأيت علي مائدة عثمان الدرمَك الجيّد ، وصغار الضأن كلّ ليلة ، وما رأيت عمر قطّ أكل من الدقيق منخولا ، ولا أكل من الغنم إلاّ مَسانّها ، فقلت لعثمان فى ذلك ، فقال : يرحم الله عمر ! ومن يُطيق ما كان عمر يطيق !(٥)

١٠٨٤ ـ أنساب الأشراف عن سليم أبى عامر : رأيت علي عثمان بُرداً ثمنه مائة دينار(٦) .

١٠٨٥ ـ الطبقات الكبري عن محمّد بن ربيعة بن الحارث : كان أصحاب رسول الله  ½ يوسّعون علي نسائهم فى اللباس الذى يصان ويتجمّل به . ثمّ يقول : رأيت علي عثمان مطرف خزٍّ ثمن مائتى درهم ، فقال : هذا لنائلة كسوتُها إيّاه ، فأنا ألبسه أسرّها به(٧) .


(١) الرَّبَذة : من قري المدينة ; علي ثلاثة أيّام ، قريبة من ذات عرق علي طريق الحجاز (معجم البلدان : ٣ / ٢٤) .
(٢) خَيْبَر : ناحية علي ثمانية برد [حوالى ٢٠٠ كم] من المدينة لمن يريد الشام (معجم البلدان : ٢/٤٠٩).
(٣) وَادى القُري : وهو واد بين المدينة والشام ، من أعمال المدينة، كثير القري (معجم البلدان : ٥/٣٤٥).
(٤) الطبقات الكبري : ٣ / ٧٦ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٤٦١ نحوه وليس فيه من "كان تصدّق" إلي "القري" ، البداية والنهاية : ٧ / ١٩٢ وفيه "بئر أريس" بدل "ببراديس" .
(٥) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٠١ .
(٦) أنساب الأشراف : ٦ / ١٠٢ ، الطبقات الكبري : ٣ / ٥٨ وفيه "برداً يمانيّاً ثمن مائة درهم" .
(٧) الطبقات الكبري : ٣ / ٥٨ ، أنساب الأشراف : ٦ / ١٠٢ وفيه "مائة دينار" بدل "مائتى درهم" .

 ١٣٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / الترف

١٠٨٦ ـ الصواعق المحرقة : جاءه [عثمان] أبو موسي بحلية ذهب وفضّة ، فقسمها بين نسائه وبناته ، وأنفق أكثر بيت المال فى ضياعه(١) ودوره(٢) .

١٠٨٧ ـ الأخبار الموفّقيّات عن الزهرى : لمّا اُتى عمر بجوهر كسري ، وضع فى المسجد ، فطلعت عليه الشمس فصار كالجمر ، فقال لخازن بيت المال : ويحك ! أرِحنى من هذا ، واقسِمه بين المسلمين ; فإنّ نفسى تحدّثنى أنّه سيكون فى هذا بلاء وفتنة بين الناس .

فقال : يا أمير المؤمنين ، إن قسمته بين المسلمين لم يسَعهم ، وليس أحد يشتريه ; لأنّ ثمنه عظيم ، ولكن ندَعه إلي قابل ، فعسي الله أن يفتح علي المسلمين فيشتريه منهم مَن يشتريه . قال : ارفعه ، فأدخله بيت المال . وقتل عمر وهو بحاله ، فأخذه عثمان ـ لمّا وُلّى الخلافة ـ فحلّي به بناته .

فقال الزهرى : كلّ قد أحسن ; عمر حين حرم نفسه وأقاربه ، وعثمان حين وصل أقاربه !!(٣)

١٠٨٨ ـ تاريخ اليعقوبى : كان عثمان جواداً وَصُولاً بالأموال ، وقدّم أقاربه وذوى أرحامه ، فسوّي بين الناس فى الأعطية . وكان الغالب عليه مروان بن الحكم بن أبى العاص ، وأبو سفيان بن حرب(٤) .

١٠٨٩ ـ دول الإسلام ـ فى الثورة علي عثمان ـ : أخذوا ينقمون علي خليفتهم عثمان ; لكونه يعطى المال لأقاربه ، ويولّيهم الولايات الجليلة ، فتكلّموا فيه ،


(١) الضَّيعة : الأرض المُغلّة ، والجمع ضِيَع وضِياع (لسان العرب : ٨ / ٢٣٠) .
(٢) الصواعق المحرقة : ١١٣ ، السيرة الحلبيّة : ٢ / ٧٨ وفيه "بكيلة" بدل "بحلية" .
(٣) الأخبار الموفّقيّات : ٦١٢ / ٣٩٦ ، شرح نهج البلاغة : ٩ / ١٦ .
(٤) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٧٣ .

 ١٤٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء

وكان قد صار له أموال عظيمة ، وله ألف مملوك(١) .

٤ / ٢

جعل المال دولة بين الأغنياء

٤ / ٢ ـ ١

استئثار عمّه الحكم بن أبى العاص

١٠٩٠ ـ العقد الفريد : ممّا نقم الناس علي عثمان أنّه آوي طريد رسول الله  ½ الحكم ابن أبى العاص ، ولم يؤوِه أبو بكر ولا عمر ، وأعطاه مائة ألف(٢) .

١٠٩١ ـ أنساب الأشراف عن ابن عبّاس : كان ممّا أنكروا علي عثمان أنّه ولّي الحكم ابن أبى العاص صدقات قُضاعة(٣) ، فبلغت ثلاثمائة ألف درهم ، فوهبها له حين أتاه بها(٤) .

راجع : تولية أعداء الإسلام من أقربائه علي البلاد .

٤ / ٢ ـ ٢

استئثار ابن عمّه مروان بن الحكم

١٠٩٢ ـ تاريخ اليعقوبى : أغزي عثمان الناس إفريقيّة(٥) سنة سبع وعشرين . . .


(١) دول الإسلام : ١٦ .
(٢) العقد الفريد : ٣ / ٢٩١ ، المعارف لابن قتيبة : ١٩٤ نحوه ، شرح نهج البلاغة : ١ / ١٩٨ .
(٣) قُضاعَة : حىّ باليمن (تاج العروس : ١١ / ٣٧٧) .
(٤) أنساب الأشراف : ٦ / ١٣٧ ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٣٥ ; الشافى : ٤ / ٢٧٣ كلاهما نحوه من دون إسناد إلي الراوى .
(٥) إفريقيّة : بلاد واسعة ومملكة كبيرة قبالة جزيرة صقلية ، وينتهى آخرها إلي قبالة جزيرة الأندلس . وحدود هذه البقعة من العالم هى : من الشمال البحر الأبيض المتوسّط ، ومن الشمال الشرقى البحر الأحمر ، ومن الشرق المحيط الهندى ، ومن الغرب المحيط الأطلسى (راجع معجم البلدان : ١/٢٢٨) .

 ١٤١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / استئثار ابن عمّه مروان بن الحكم

وكثرت الغنائم ، وبلغت ألفى ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار .

وروي بعضهم : أنّ عثمان زوّج ابنته من مروان بن الحكم ، وأمر له بخُمس هذا المال(١) .

١٠٩٣ ـ أنساب الأشراف عن عبد الله بن الزبير : أغزانا عثمان سنة سبع وعشرين إفريقيّة ، فأصاب عبد الله بن سعد بن أبى سرح غنائم جليلة ، فأعطي عثمانُ مروانَ بن الحكم خُمس الغنائم(٢) .

١٠٩٤ ـ تاريخ أبى الفداء : أقطع [عثمانُ] مروانَ بن الحكم فدكَ(٣) ، وهى صدقة رسول الله  ½ التى طلبتها فاطمة ميراثاً ! فروي أبو بكر عن رسول الله  ½ : نحن معاشر الأنبياء لا نُورِّث ما تركناه صدقة . ولم تزَل فدك فى يد مروان وبنيه إلي أن تولّي عمر بن عبد العزيز ، فانتزعها من أهله وردّها صدقة(٤) .


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٦٥ وراجع الجمل : ١٨٣ .
(٢) أنساب الأشراف : ٦ / ١٣٦ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٥٦ نحوه ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٣٧ وفيه "تلك الغنائم" بدل "خُمس الغنائم" ، البداية والنهاية : ٧ / ١٥٢ وفيه "و صالحه بطريقها علي ألفى ألف دينار وعشرين ألف دينار فأطلقها كلّها عثمان فى يوم واحد لآل الحكم ويقال : لآل مروان" بدل "غنائم جليلة . . . " ; الشافى : ٤ / ٢٧٥ .
(٣) فَدَك : قرية فى الحجاز ، بينها وبين المدينة ثلاثة أيّام كانت لليهود ، وبعد فتح خيبر ألقي الله سبحانه وتعالي فى قلوب أهلها الرعب ، فصالحوا النبىّ  ½ علي النصف ، فقبل منهم ، فكانت له  ½ خاصّة ، لأنّها لم يُوجف عليها بخيل ولا ركاب . وقد وهبها النبى  ½ لبضعته فاطمة    £ ، ثمّ استرجعها منها أبو بكر (معجم البلدان : ٤ / ٢٣٨) .
(٤) تاريخ أبى الفداء : ١ / ١٦٩ وراجع شرح نهج البلاغة : ١ / ١٩٨ والمعارف لابن قتيبة : ١٩٥ .

 ١٤٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / استئثار ابن عمّه الحارث بن الحكم

١٠٩٥ ـ شرح نهج البلاغة : أمر [عثمان] . . . لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال ، وقد كان زوّجه ابنته اُمّ أبان ، فجاء زيد بن أرقم ـ صاحب بيت المال بالمفاتيح ، فوضعها بين يدى عثمان وبكي ، فقال عثمان : أ تبكى أن وصلتُ رحمى ! ! قال : لا . . . والله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيراً ! ! فقال : ألقِ المفاتيح يابن أرقم ; فإنّا سنجد غيرك(١) .

١٠٩٦ ـ أنساب الأشراف عن اُمّ بكر بنت المِسوَر : لمّا بني مروان داره بالمدينة دعا الناس إلي طعامه ، وكان المسور فيمن دعا ، فقال مروان وهو يحدّثهم : والله ، ما أنفقت فى دارى هذه من مال المسلمين درهماً فما فوقه !

فقال المسور : لو أكلتَ طعامك وسكتَّ لكان خيراً لك ! لقد غزوتَ معنا إفريقيّة وأنّك لأقلّنا مالا ورقيقاً وأعواناً ، وأخفّنا ثقلا ، فأعطاك ابن عفّان خُمس إفريقيّة ، وعملتَ علي الصدقات فأخذتَ أموال المسلمين ! !(٢)

٤ / ٢ ـ ٣

استئثار ابن عمّه الحارث بن الحكم

١٠٩٧ ـ المعارف لابن قتيبة : تصدّق رسول الله  ½ بمهزور ـ موضع سوق المدينة ـ علي المسلمين ، فأقطعها عثمانُ الحارثَ بن الحكم ; أخا مروان بن الحكم ، وأقطع مروانَ فَدَك وهى صدقة رسول الله  ½ (٣) .


(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٩٩ .
(٢) أنساب الأشراف : ٦ / ١٣٦ ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٣٧ ، الأوائل لأبى هلال : ١٢٧ عن جعفر بن عبد الرحمن ابن المسور نحوه ; الشافى : ٤ / ٢٧٥ .
(٣) المعارف لابن قتيبة : ١٩٥ ، العقد الفريد : ٣ / ٢٩١ ، شرح نهج البلاغة : ١ / ١٩٨ كلاهما نحوه .

 ١٤٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / استئثار صهره عبد الله بن خالد

١٠٩٨ ـ أنساب الأشراف عن اُمّ بكر عن أبيها : قدمت إبل الصدقة علي عثمان ، فوهبها للحارث بن الحكم بن أبى العاص(١) .

١٠٩٩ ـ شرح نهج البلاغة : أنكح [عثمانُ] الحارثَ بن الحكم ابنتَه عائشة ، فأعطاه مائة ألف من بيت المال أيضاً ، بعد صَرْفه زيد بن أرقم عن خزنه(٢) .

٤ / ٢ ـ ٤

استئثار صهره عبد الله بن خالد

١١٠٠ ـ تاريخ المدينة عن محمّد بن سلام عن أبيه : قال عبد الله بن خالد لعبد الله بن عمر : كلِّم أميرَ المؤمنين عثمان ; فإنّ لى عيالاً وعلىَّ دَيناً . فقال : كلِّمه ، فإنّك تجده برّاً وصولاً . فكلَّمَه ، فزوّجه بنته ، وأعطاه مائة ألف(٣) .

١١٠١ ـ تاريخ اليعقوبى : زوّج عثمان بنته من عبد الله بن خالد بن اُسيد ، وأمر له بستّمائة ألف درهم ، وكتب إلي عبد الله بن عامر أن يدفعها إليه من بيت مال البصرة(٤) .

١١٠٢ ـ المعارف لابن قتيبة : وطلب إليه [إلي عثمان] عبدُ الله بن خالد بن اُسيد صلة ، فأعطاه أربعمائة ألف درهم(٥) .


(١) أنساب الأشراف : ٦ / ١٣٧ ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٣٥ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٦٥ وفيه "اُمّ بكر بنت المسْوَر ابن مخرَمة" ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٨٦ وفيهما "فوهبها لبعض بنى الحكم" ; الشافى : ٤ / ٢٧٣ كلاهما من دون إسناد إلي الراوى .
(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٩٩ .
(٣) تاريخ المدينة : ٣ / ١٠٢٢ .
(٤) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٦٨ وراجع الأوائل لأبى هلال : ١٣٠ .
(٥) المعارف لابن قتيبة : ١٩٥ ، شرح نهج البلاغة : ١ / ١٩٨ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٤٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٧٩ وفيهما "خمسين ألفاً" ، العقد الفريد : ٣ / ٢٩١ وفيه "عبيد الله . . ." ، الفتوح : ٢ / ٣٧٠ ، تاريخ البصرة : ٣ / ٩١ وفيهما "ثلاثمائة ألف درهم" ; الشافى : ٤ / ٢٧٣ وفيه "ثلاثمائة ألف" .

 ١٤٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / ما أعطي سعيد بن العاص

١١٠٣ ـ أنساب الأشراف عن أبى مخنف : كان علي بيت مال عثمان عبدُ الله بن الأرقم . . . ، فاستسلف عثمان من بيت المال مائة ألف درهم ، وكتب عليه بها عبد الله بن الأرقم ذِكر حقٍّ للمسلمين ، وأشهد عليه عليّاً ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبى وقّاص ، وعبد الله بن عمر ، فلمّا حلَّ الأجل ردّه عثمان .

ثمّ قدم عليه عبدُ الله بن خالد بن اُسيد بن أبى العيص ـ من مكّة ـ وناسٌ معه غُزاةً ، فأمر لعبد الله بثلاثمائة ألف درهم ، ولكلّ رجل من القوم بمائة ألف درهم ، وصَكَّ بذلك إلي ابن أرقم ، فاستكثره ، وردَّ الصكَّ له .

ويقال : إنّه سأل عثمان أن يكتب عليه به ذكر حقّ ، فأبي ذلك ، فامتنع ابن الأرقم من أن يدفع المال إلي القوم . فقال له عثمان : إنّما أنت خازن لنا ، فما حملك علي ما فعلت ؟ ! !

فقال ابن الأرقم : كنت أرانى خازناً للمسلمين ، وإنّما خازنك غلامك ! ! والله لا ألى لك بيتَ المال أبداً . وجاء بالمفاتيح فعلّقها علي المنبر ، ويقال : بل ألقاها إلي عثمان . فدفعها عثمان إلي ناتل مولاه ، ثمّ ولّي زيدَ بن ثابت الأنصارى بيتَ المال ، وأعطاه المفاتيح(١) .

٤ / ٢ ـ ٥

ما أعطي سعيد بن العاص

١١٠٤ ـ أنساب الأشراف عن أبى مخنف والواقدى : أنكر الناس علي عثمان


(١) أنساب الأشراف : ٦ / ١٧٣ وراجع شرح نهج البلاغة : ٣ / ٣٥ والشافى : ٤ / ٢٧٤ .

 ١٤٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / ما أعطي سعيد بن العاص

إعطاءه سعيدَ بن العاص(١) مائةَ ألف درهم ، فكلّمه علىٌّ والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف فى ذلك فقال : إنَّ له قرابةً ورَحِماً !

قالوا : أ فما كان لأبى بكر وعمر قرابة وذَوُو رحم ؟ !

فقال : إنّ أبا بكر وعمر كانا يحتسبان فى منع قرابتهما ، وأنا أحتسبُ فى إعطاء قرابتى(٢) .


(١) سعيد بن العاص بن سعيد بن اُحيحة بن العاص بن اُميّة . كان من أقارب عثمان (الطبقات الكبري : ٥ / ٣٠ ـ ٣٢) ، ونشأ فى بيته وفى ظلّ تربيته(البداية والنهاية :٨ / ٨٣) . قُتل أبوه بسيف علىٍّ  ¼ فى معركة بدر (الطبقات الكبري : ٥ / ٣١ ، اُسد الغابة : ٢ / ٤٨١ / ٢٠٨٣ ، الإصابة : ٣ / ٩٠ / ٣٢٧٨ ، البداية والنهاية : ٨ / ٨٣) ، فكفله عثمان ، وكان له من العمر تسع سنين عند وفاة رسول الله  ½ (تهذيب الكمال : ١٠ / ٥٠٢ / ٢٢٩٩ ، الإصابة : ٣ / ٩٠ / ٣٢٧٨ ، البداية والنهاية : ٨ / ٨٣) . قال له عمر أيّام حكومته : لِمَ تُعرض عنّى ؟ كأنّك تري أنّى قتلتُ أباك . لا ، بل قتله علىّ ! أعطاه عمر مالاً ، فطمع فى الاستزادة ، فقال له : سيأتى بعدى من يصل رحمك . ويقضى حاجتك (الطبقات الكبري :٥ / ٣١) . حصل علي أموال طائلة فى أيّام عثمان(أنساب الأشراف :٦ / ١٣٧) . ووَلىَ الكوفة (الطبقات الكبري :٥ / ٣٢ ، تاريخ دمشق : ٢١ / ١١٤ ، اُسد الغابة :٢ / ٤٨٢ / ٢٠٨٣ ، الاستيعاب :٢ / ١٨٣ / ٩٩٢) . لكنّه لم يجد إليها سبيلاً بعد اصطدامه بمالك الأشتر وأصحابه . (الطبقات الكبري : ٥ / ٣٢ ، تاريخ دمشق : ٢١ / ١١٥ ، البداية والنهاية : ٨ / ٨٤) . اعتزل الأوضاع فى خلافة أمير المؤمنين علىّ  ¼ (اُسد الغابة : ٢ / ٤٨٢ / ٢٠٨٣ ، الاستيعاب : ٢ / ١٨٤ / ٩٩٢) . ولم يُمالئ معاوية يومئذ ، بَيْد أنّه مالأه عند تسلّطه . وكان عامله علي المدينة مدّةً . (الطبقات الكبري : ٥ / ٣٥ ، تاريخ دمشق : ٢١ / ١١٧ / ٢٤٩٦ ، البداية والنهاية : ٨ / ٨٥ ، اُسد الغابة : ٢ / ٤٨٢ / ٢٠٨٣ ، الاستيعاب : ٢ / ١٨٤ / ٩٩٢) . مات سعيد سنة ٥٩ (اُسد الغابة : ٢ / ٤٨٢ / ٢٠٨٣ ، الاستيعاب : ٢ / ١٨٥ / ٩٩٢ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٧١ ، البداية والنهاية : ٨ / ٨٧ فى سنة ٥٨ وقيل : فى التى قبلها وقيل بعدها) .
(٢) أنساب الأشراف : ٦ / ١٣٧ ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٣٥ ; الشافى : ٤ / ٢٧٣ .

 ١٤٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / ما أعطي أبا سفيان بن حرب

٤ / ٢ ـ ٦

ما أعطي أبا سفيان بن حرب

١١٠٥ ـ شرح نهج البلاغة : أعطي [عثمانُ] أبا سفيان بن حرب مائتى ألف من بيت المال ، فى اليوم الذى أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال(١) .

٤ / ٢ ـ ٧

ما أعطي عبد الله بن أبى سرح

١١٠٦ ـ الكامل فى التاريخ : إنّه [عثمان] أعطي عبد الله خُمسَ الغزوة الاُولي ، وأعطي مروانَ خُمسَ الغزوة الثانية ; التى افتُتحت فيها جميع إفريقيّة(٢) .

١١٠٧ ـ شرح نهج البلاغة : أعطي [عثمانُ] عبدَ الله بن أبى سرح جميعَ ما أفاء الله عليه من فتح إفريقيّة بالمغرب ; وهى من طرابلس(٣) الغرب إلي طَنجة(٤) ، من غير أن يَشرَكه فيه أحد من المسلمين(٥) .

راجع : تولية أعداء الإسلام من أقربائه علي البلاد .


(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٩٩ .
(٢) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٣٧ .
(٣) طَرابُلس الغرب : مدينة تقع شمال إفريقيّة ، وهى من آخر المدن التى فى شرقى القيروان ، وتقع علي البحر بين تونس ومصر ، وتعرف بكرسىّ إفريقيّة ، وهى مبنيّة بالصخر (راجع تقويم البلدان : ١٤٧).
(٤) طَنْجَة : مدينة تقع شمال إفريقيّة ، علي ساحل بحر المغرب مقابل الجزيرة الخضراء ، وهى من البرّ الأعظم وبلاد البربر (معجم البلدان : ٤/٤٣).
(٥) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٩٩ وراجع تنقيح المقال : ٢ / ١٨٤ / ٦٨٧٦ .

 ١٤٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / ما أعطي زيد بن ثابت

٤ / ٢ ـ ٨

ما أعطي زيد بن ثابت

١١٠٨ ـ الشافى عن الواقدى : إنّ زيد بن ثابت اجتمع عليه عصابة من الأنصار وهو يدعوهم إلي نصر عثمان ، فوقف عليه جبلة بن عمرو بن حية المازنى ، فقال له جبلة : ما يمنعك يا زيد أن تذبّ عنه ! أعطاك عشرة آلاف دينار ، وأعطاك حدائق من نخل لم ترِث من أبيك مثل حديقة منها ! !(١)

١١٠٩ ـ أنساب الأشراف : لمّا أعطي عثمانُ . . . زيدَ بن ثابت الأنصارى مائة ألف درهم ، جعل أبو ذرّ يقول : بشّر الكانزين بعذاب أليم ، ويتلو قول الله عزّ وجلّ : ³ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ  ²  الآية(٢) (٣) .

١١١٠ ـ أنساب الأشراف عن أبى مخنف : إنّ زيد بن ثابت الأنصارى قال : يا معشر الأنصار ، إنّكم نصرتم الله ونبيّه ، فانصروا خليفته . فأجابه قوم منهم ; فقال سهل بن حنيف : يا زيد ، أشبعك عثمانُ من عضدان المدينة ; والعضيدة : نخلة قصيرة ، يُنال حملها(٤) .

١١١١ ـ مروج الذهب عن سعيد بن المسيّب : إنّ زيد بن ثابت حين مات خلّف من الذهب والفضّة ما كان يُكسر بالفؤوس ، غير ما خلّف من الأموال والضِّياع


(١) الشافى : ٤ / ٢٤١ ; شرح نهج البلاغة : ٣ / ٨ .
(٢) التوبة : ٣٤ .
(٣) أنساب الأشراف : ٦ / ١٦٦ وراجع الجمل : ١٨٣ .
(٤) أنساب الأشراف : ٦ / ١٩٧ .

 ١٤٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / ما أعطي ابن شريكه فى الجاهليّة

بقيمة مائة ألف دينار(١) .

٤ / ٢ ـ ٩

ما أعطي ابن شريكه فى الجاهليّة

١١١٢ ـ تاريخ الطبرى عن سحيم بن حفص : كان ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب شريك عثمان فى الجاهليّة ، فقال العبّاس بن ربيعة لعثمان : اكتب لى إلي ابن عامر يُسلفنى مائة ألف . فكتب ، فأعطاه مائة ألف ; وصلَه بها ، وأقطعه دارَه ; دار العبّاس بن ربيعة اليوم(٢) .

٤ / ٢ ـ ١٠

ما أعطي طلحة بن عبيد الله

١١١٣ ـ أنساب الأشراف عن موسي بن طلحة : أعطي عثمانُ طلحةَ ـ فى خلافته مائتى ألف دينار(٣) .

١١١٤ ـ تاريخ المدينة عن موسي بن طلحة : أوّل من أقطع بالعراق عثمانُ بن عفان قطائعَ ممّا كان من صوافى آل كسري ، وممّا جلا عنه أهله ، فقطع(٤) لطلحة ابن عبيد الله النشاستج(٥) (٦) .


(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٤٢ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٠٤ ، أنساب الأشراف : ٦ / ١٥١ ، المعارف لابن قتيبة : ١٢٨ نحوه .
(٣) أنساب الأشراف : ٦ / ١٠٨ ; الغدير : ٨ / ٢٨٣ .
(٤) كذا ، والظاهر أنّ الصحيح : "فأقطَع" .
(٥) نَشاسْتَج : ضيعة أو نهر بالكوفة ، وكانت عظيمة كثيرة الدخل (معجم البلدان : ٥ / ٢٨٥) .
(٦) تاريخ المدينة : ٣ / ١٠٢٠ ، معجم البلدان : ٥ / ٢٨٦ .

 ١٤٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / ما أعطي الزبير

١١١٥ ـ تاريخ الطبرى : قال خنيس بن فلان : ما أجود طلحة بن عبيد الله ! فقال سعيد ابن العاص : إنّ من له مثل النشاستج لحقيق أن يكون جواداً ، والله لو أنّ لى مثله لأعاشكم الله عيشاً رغداً(١) .

١١١٦ ـ شرح نهج البلاغة عن عثمان : ويلى علي ابن الحضرميّة ; يعنى طلحة ، أعطيته كذا وكذا بُهاراً(٢) ذهباً ، وهو يَروم(٣) دمى ; يحرّض علي نفسى ، اللهمّ لا تُمتِّعه به ، ولقِّه عواقب بغيه(٤) .

٤ / ٢ ـ ١١

ما أعطي الزبير

١١١٧ ـ الطبقات الكبري عن أبى حصين : إنّ عثمان أجاز الزبيرَ بن العوّام بستّمائة ألف ، فنزل علي أخواله ; بنى كاهل ، فقال : أىّ المال أجود ؟ قالوا : مال أصبهان . قال : أعطونى من مال أصبهان(٥) .

١١١٨ ـ الطبقات الكبري عن عروة : كان للزبير بمصر خِطَط(٦) ، وبالإسكندريّة


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٣١٨ ، معجم البلدان : ٥ / ٢٨٥ ، الفتنة ووقعة الجمل : ٣٥ .
(٢) البُهار : الحِمل ، وقيل : هو ثلاثمائة رطل (لسان العرب : ٤ / ٨٤) .
(٣) رامَ الشىء يَرومُه رَوماً ومراماً : طلبه (لسان العرب : ١٢ / ٢٥٨) .
(٤) شرح نهج البلاغة : ٩ / ٣٥ .
(٥) الطبقات الكبري : ٣ / ١٠٧ ، تاريخ أصبهان : ١ / ٦٦ ، مكارم الأخلاق لابن أبى الدنيا : ٢٦٩ / ٤٢٠ ، تاريخ المدينة : ٣ / ١٠٢١ .
(٦) الخطِّة : الأرض والدار يختطّها الرجل فى أرض غير مملوكة ليتحجّرها ويبنى فيها ، وذلك إذا أذن السلطان لجماعة من المسلمين أن يختطّوا الدور فى موضع بعينه ويتّخذوا فيه مساكن لهم . وجمع الخِطّة : خِطَط (لسان العرب : ٧ / ٢٨٨) .

 ١٥٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / ثروة عبد الرحمن بن عوف

خِطَط ، وبالكوفة خِطَط ، وبالبصرة دور ، وكانت له غَلاّت تقدم عليه من أعراض المدينة(١) .

راجع : القسم السادس / وقعة الجمل / هويّة رؤساء الناكثين / الزبير .

٤ / ٢ ـ ١٢

ثروة عبد الرحمن بن عوف

١١١٩ ـ تاريخ المدينة عن عثمان ـ لعبد الرحمن بن عوف ـ : يا أبا محمّد ، فهل ولّيتنى هذا الأمر يوم ولّيته وأنتَ تقدِر علي أن تصرف ذلك إلي نفسك ، أو تُولّيه من بدا لك ، وفى القوم من هو أمسّ بك يومئذ رَحِماً منّى إلاّ رجاء الصلة والإحسان فيما بينى وبينك ! !(٢)

١١٢٠ ـ مروج الذهب ـ فى ذكر ثروة عبد الرحمن بن عوف الزهرى ـ : ابتني داره ، ووسّعها ، وكان علي مربطه مائة فرس ، وله ألف بعير ، وعشرة آلاف شاة من الغنم ، وبلغ بعد وفاته رُبع ثمن ماله أربعةً وثمانين ألفاً(٣) .

١١٢١ ـ تاريخ المدينة عن عبد الله بن الصامت ـ فى خبر دخول أبى ذرّ علي عثمان ـ : دخل عليه وهو يقسم مال عبد الرحمن بن عوف بين ورثته ، وعنده كعب ، فأقبل عثمان . فقال : يا أبا إسحاق ، ما تقول فى رجل جمع هذا المال فكان يتصدّق منه ، ويحمل فى السبيل ، ويَصلُ الرحم ؟ فقال : إنّى لأرجو له خيراً .

فغضب أبو ذرّ ، ورفع عليه العصي ، وقال : ما يدريك يابن اليهوديّة ! ! لَيودّن


(١) الطبقات الكبري : ٣ / ١١٠ .
(٢) تاريخ المدينة : ٣ / ١٠٢٨ .
(٣) مروج الذهب : ٢ / ٣٤٢ .


إرجاعات 
٩٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الاُولى : وقعة الجمل / الفصل الثاني : هويّة رؤساء الناكثين / الزبير بن العوّام

 ١٥١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / الخليفة وخازن بيت المال

صاحب هذا المال يوم القيامة أن لو كان عقارب تَلسع السويداء من قلبه (١) .

١١٢٢ ـ الطبقات الكبري عن عثمان بن الشريد : ترك عبد الرحمن بن عوف ألف بعير ، وثلاثة آلاف شاة بالبقيع ، ومائة فرس ترعي بالبقيع . وكان يزرع بالجُرْف(٢) علي عشرين ناضحاً ، وكان يدخل قوت أهله من ذلك سنة(٣) .

١١٢٣ ـ الطبقات الكبري عن محمّد : إنّ عبد الرحمن بن عوف تُوفّى ، وكان فيما ترك ذهبٌ ; قُطّع بالفؤوس حتي مَجِلَت(٤) أيدى الرجال منه . وترك أربع نسوة ، فاُخرجت امرأة من ثُمنها بثمانين ألفاً(٥) .

١١٢٤ ـ تاريخ اليعقوبى : كان عبد الرحمن قد أطلق امرأته تماضر بنت الأصبغ الكلبيّة لمّا اشتدّت علّته ، فورّثها عثمان . فصولحت عن ربع الثمن علي مائة ألف دينار ، وقيل : ثمانين ألف دينار(٦) .

٤ / ٢ ـ ١٣

الخليفة وخازن بيت المال

١١٢٥ ـ تاريخ اليعقوبى عن عبد الرحمن بن يسار : رأيت عامل صدقات


(١) تاريخ المدينة : ٣ / ١٠٣٦ ، سير أعلام النبلاء : ٢ / ٦٧ / ١٠ ، حلية الأولياء : ١ / ١٦٠ .
(٢) الجُرْف : موضع علي ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام (معجم البلدان : ٢ / ١٢٨) .
(٣) الطبقات الكبري : ٣ / ١٣٦ .
(٤) مَجِلَت يدُه ومَجَلَت : فمرنَت صلُبت وثخُن جلدُها وتعجّر ، وظهر فيها ما يشبه البَثَر ; من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة (لسان العرب : ١١ / ٦١٦) .
(٥) الطبقات الكبري : ٣ / ١٣٦ ، اُسد الغابة : ٣ / ٤٨٠ / ٣٣٧٠ ، البداية والنهاية : ٧ / ١٦٤ كلاهما نحوه ، الرياض النضرة : ٤ / ٣١٥ .
(٦) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٦٩ .

 ١٥٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / الخليفة وخازن بيت المال

المسلمين علي سوق المدينة إذا أمسي آتاها عثمان ، فقال له : ادفعها إلي الحكم ابن أبى العاص .

وكان عثمان إذا أجاز أحداً من أهل بيته بجائزة جعلها فرضاً من بيت المال . فجعل يدافعه ويقول له : يكون ، فنعطيك إن شاء الله . فألحّ عليه . فقال : إنّما أنت خازن لنا ! فإذا أعطيناك فخذ ، وإذا سكتنا عنك فاسكت ! !

فقال: كذبت والله ! ما أنا لك بخازن ، ولا لأهل بيتك ، إنّما أنا خازن المسلمين. وجاء بالمفتاح يوم الجمعة ـ وعثمان يخطب ـ فقال : أيّها الناس ! زعم عثمان أنّى خازن له ولأهل بيته ! وإنّما كنت خازناً للمسلمين ، وهذه مفاتيح بيت مالكم ـ ورمي بها ـ . فأخذها عثمان ، ودفعها إلي زيد بن ثابت(١) .

١١٢٦ ـ أنساب الأشراف عن أبى مخنف : لمّا قدم الوليد الكوفة ألفي ابن مسعود علي بيت المال ، فاستقرضه مالا ـ وقد كانت الولاة تفعل ذلك ثمّ تردّ ما تأخذ ـ ، فأقرضه عبد الله ما سأله .

ثمّ إنّه اقتضاه إيّاه ، فكتب الوليد فى ذلك إلي عثمان .

فكتب عثمان إلي عبد الله بن مسعود : إنّما أنت خازن لنا ، فلا تعرّض للوليد فيما أخذ من المال .

فطرح ابن مسعود المفاتيح وقال : كنت أظنّ أنّى خازن للمسلمين ! فأمّا إذ كنت خازناً لكم فلا حاجة لى فى ذلك . وأقام بالكوفة بعد إلقائه مفاتيح بيت المال(٢) .


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٦٨ ، الأمالى للمفيد : ٧٠ / ٥ عن أبى يحيي مولي معاذ بن عفراء الأنصارى ; أنساب الأشراف : ٦ / ١٧٣ عن أبى مخنف ، الأوائل لأبى هلال : ١٣٠ عن قتادة وكلّها نحوه .
(٢) أنساب الأشراف : ٦ / ١٤٠ .

 ١٥٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / الإصرار علي استئثار الأقرباء

١١٢٧ ـ العقد الفريد عن عبد الله بن سنان : خرج علينا ابن مسعود ونحن فى المسجد وكان علي بيت مال الكوفة ، وأمير الكوفة الوليد بن عقبة بن أبى معيط فقال : يا أهل الكوفة ، فُقِدت من بيت مالكم الليلة مائةُ ألف ، لم يأتِنى بها كتاب من أمير المؤمنين ، ولم يكتب لى بها براءة ! !

قال : فكتب الوليد بن عقبة إلي عثمان فى ذلك ، فنزعه عن بيت المال(١) .

٤ / ٢ ـ ١٤

الإصرار علي استئثار الأقرباء

١١٢٨ ـ مسند ابن حنبل عن سالم بن أبى الجعد : دعا عثمان ناساً من أصحاب رسول الله  ½ ; فيهم عمّار بن ياسر ، فقال : إنّى سائلُكم ، وإنّى اُحبّ أن تصدقونى : نشدتكم الله ! أ تعلمون أنّ رسول الله  ½ كان يؤثر قريشاً علي سائر الناس ، ويؤثر بنى هاشم علي سائر قريش ؟ ! فسكت القوم .

فقال عثمان : لو أنّ بيدى مفاتيح الجنّة لأعطيتها بنى اُميّة ، حتي يدخلوا من عند آخرهم ! !(٢)

١١٢٩ ـ أنساب الأشراف عن أبى مخنف ـ فى إسناده ـ : كان فى بيت المال بالمدينة سَفَط(٣) ، فيه حَلْى وجوهر ، فأخذ منه عثمان ما حلّي به بعض أهله . فأظهر الناس الطعن عليه فى ذلك ، وكلّموه فيه بكلام شديد ، حتي أغضبوه .


(١) العقد الفريد : ٣ / ٣٠٨ .
(٢) مسند ابن حنبل : ١ / ١٣٦ / ٤٣٩ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٤٣٢ ، تاريخ المدينة : ٣ / ١٠٩٨ ، تاريخ دمشق : ٣٩ / ٢٥٢ ، البداية والنهاية : ٧ / ١٧٨ .
(٣) السَّفَط : الذى يعبّي فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء (تاج العروس : ١٠ / ٢٨١) .

 ١٥٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / ردّ طرداء رسول الله

فخطب فقال :

لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفىء ، وإن رَغِمت اُنوف أقوام .

فقال له علىّ : إذاً تُمْنع من ذلك ، ويُحال بينك وبينه .

وقال عمّار بن ياسر : اُشهد الله أنّ أنفى أوّل راغم من ذلك(١) .

١١٣٠ ـ تاريخ الطبرى عن عثمان : إنّ عمر كان يمنع أهله وأقرباءه ابتغاء وجه الله ، وإنّى اُعطى أهلى وأقربائى ابتغاء وجه الله(٢) .

١١٣١ ـ أنساب الأشراف عن الزهرى : لمّا ولّى عثمان عاش اثنتى عشرة سنة أميراً ; فمكث ستّ سنين لا ينقم الناس عليه شيئاً ، وإنّه لأحبُّ إلي قريش من عُمر ; لشدّة عمر ، ولين عثمان لهم ، ورفقه بهم .

ثمّ توانَي فى أمرهم ، واستعمل أقاربه وأهل بيته فى الستّ الأواخر ، وأهملهم . وكتب لمروان بن الحكم بخُمس إفريقيّة ، وأعطي أقاربه المال ، وتأوّل فى ذلك الصلة التى أمر الله بها ، واتّخذ الأموال ، واستسلف من بيت المال مالا . وقال : إنّ أبا بكر وعمر تركا من هذا المال ما كان لهما ، وإنّى آخذه فأصِل به ذوى رحمى . فأنكر الناس ذلك عليه(٣) .

٤ / ٣

ردّ طرداء رسول الله

١١٣٢ ـ مروج الذهب : قدم علي عثمان عمّه الحكمُ بن أبى العاص وابنُه مروان


(١) أنساب الأشراف : ٦ / ١٦١ ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٤٩ ; الشافى : ٤ / ٢٨٩ ، الدرجات الرفيعة : ٢٦٢ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٢٦ .
(٣) أنساب الأشراف : ٦ / ١٣٣ ، الطبقات الكبري : ٣ / ٦٤ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٤٣١ .

 ١٥٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / ردّ طرداء رسول الله

وغيرهما من بنى اُميّة ، والحكم هو طريد رسول الله  ½ ; الذى غرَّبه عن المدينة ، ونفاه عن جواره(١) .

١١٣٣ ـ تاريخ اليعقوبى : كتب عثمان إلي الحكم بن أبى العاص أن يقدم عليه ، وكان طريد رسول الله ـ وقد كان عثمان لمّا ولّى أبو بكر اجتمع هو وقوم من بنى اُميّة إلي أبى بكر ، فسألوه فى الحكم ، فلم يأذن له ، فلمّا ولّى عمر فعلوا ذلك ، فلم يأذن له فأنكر الناس إذنه له .

وقال بعضهم : رأيت الحكم بن أبى العاص يوم قدم المدينة عليه فزر خلق(٢) ، وهو يسوق تَيساً ، حتي دخل دار عثمان ، والناس ينظرون إلي سوء حاله وحال مَن معه ، ثمّ خرج وعليه جبّة خزّ وطيلسان(٣) .

١١٣٤ ـ العقد الفريد : لمّا ردّ عثمانُ الحكمَ بن أبى العاصى ; طريد النبىّ  ½ ، وطريد أبى بكر وعمر إلي المدينة ، تكلّم الناس فى ذلك .

فقال عثمان : ما ينقم الناس منّى ! إنّى وصلتُ رحماً ، وقرّبتُ قرابة(٤) .

١١٣٥ ـ أنساب الأشراف عن هشام الكلبى عن أبيه : إنّ الحكم بن أبى العاص بن اُميّة عمّ عثمان بن عفّان بن أبى العاص بن اُميّة ـ كان جاراً لرسول الله  ½ فى الجاهليّة ، وكان أشدَّ جيرانه أذيً له فى الإسلام ، وكان قدومه المدينة بعد فتح مكّة ، وكان مغموصاً(٥) عليه فى دينه . فكان يمرّ خلف رسول الله  ½ فيغمز به ،


(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٤٣ وراجع تاريخ أبى الفداء : ١ / ١٦٩ .
(٢) الفَزْر : الفسخ فى الثوب ، والفِزَر : الشقوق . وخَلَق الشيءُ وخَلُق : بلِىَ (لسان العرب : ٥ / ١٠٥٣ / ٨٨) .
(٣) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٦٤ .
(٤) العقد الفريد : ٣ / ٣٠٨ .
(٥) رجل مَغموصٌ عليه فى حَسَبه أو فى دينه : أى مطعون عليه (لسان العرب : ٧ / ٦١) .

 ١٥٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / تولية أعداء الإسلام من أقربائه علي البلاد

ويحكيه ، ويخلج بأنفه وفمه ، وإذا صلّي قام خلفه فأشار بأصابعه . فبقى علي تخليجه ، وأصابته خبلة .

واطّلع علي رسول الله  ½ ذات يوم وهو فى بعض حُجَر نسائه ، فعرفه ، وخرج إليه بعنزة ، وقال : من عذيرى من هذا الوزغة اللعين . ثمّ قال : لا يساكننى ولا ولده . فغرَّبهم جميعاً إلي الطائف .

فلمّا قبض رسول الله  ½ ، كلّم عثمانُ أبا بكر فيهم ، وسأله ردّهم ، فأبي ذلك ، وقال : ما كنت لآوى طُرداء رسول الله  ½ . ثمّ لمّا استُخلف عمر كلّمه فيهم ، فقال مثل قول أبى بكر .

فلمّا استُخلف عثمان أدخلهم المدينة ، وقال : قد كنت كلّمت رسول الله فيهم وسألتُه ردَّهم ، فوعدنى أن يأذن لهم ، فقُبض قبل ذلك . فأنكر المسلمون عليه إدخاله إيّاهم المدينة(١) .

٤ / ٤

تولية أعداء الإسلام من أقربائه علي البلاد

١١٣٦ ـ الآثار عن أبى حنيفة : بلغنى أنّ عمر بن الخطّاب قال : لو ولّيتها عثمان لحمل آل أبى معيط علي رقاب الناس ، والله لو فعلتُ لفعل ! ولو فعل لأوشكوا أن يسيروا إليه حتي يجزّوا رأسه ! !(٢)

١١٣٧ ـ تاريخ المدينة عن المدائنى : قال معاوية [لعثمان] : يا أمير المؤمنين ، إنّك


(١) أنساب الأشراف : ٦ / ١٣٥ وراجع الأوائل لأبى هلال : ١٢٧ .
(٢) الآثار : ٢١٧ / ٩٦٠ وراجع أنساب الأشراف : ٦ / ١٢١ وتاريخ المدينة : ٣ / ٨٨١ والصراط المستقيم : ٣ / ٢٣ .

 ١٥٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / تولية أعداء الإسلام من أقربائه علي البلاد

قد بلغت من صِلتنا ما يبلغه كريم قوم من صلة قوم(١) ; حملتَنا علي رقاب الناس ، وجعلتَنا أوتاد الأرض ، فخُذ كلَّ رجل منّا بعمله وما يليه يكْفِك . قال : فأخذ بقول معاوية ، وردّ عمّاله إلي أمصارهم(٢) .

١١٣٨ ـ إرشاد القلوب عن حذيفة بن اليمان : لمّا استُخلص عثمان بن عفّان آوي إليه عمّه الحكمَ بن العاص ، وولده مروان ، والحارث بن الحكم ، ووجّه عمّاله فى الأمصار .

وكان فيمن عمَّلَه(٣) عمرُ بن سفيان بن المغيرة بن أبى العاص بن اُميّة إلي مُشكان(٤) ، والحارث بن الحكم إلي المدائن(٥) ، فأقام بها مدّة يتعسّف أهلها ، ويسىء معاملتهم .

فوفد منهم إلي عثمان وفدٌ يشكوه ، وأعلموه بسوء ما يعاملهم به ، وأغلظوا عليه فى القول ، فولّي حذيفة بن اليمان عليهم ، وذلك فى آخر أيّامه(٦) .

١١٣٩ ـ مروج الذهب : كان عمّالُه [عثمان ]جماعة ، منهم : الوليد بن عقبة بن أبى معيط علي الكوفة ، وهو ممّن أخبر النبىّ  ½ أنّه من أهل النار ، وعبد الله بن


(١) كذا والظاهر أنّ الصحيح "قومه" .
(٢) تاريخ المدينة : ٣ / ١٠٩٦ .
(٣) عمَّلْته : ولّيته ، وجعلته عاملاً (لسان العرب : ١١ / ٤٧٥) .
(٤) مُشكان : قرية باصطخر ، ومُشكان : قرية بفيروز آباد فارس ، وأيضاً : قرية من عمل همذان بالقرب من قرية يقال لها : روادور ، ومشكان أيضاً : مدينة بقهستان (تاج العروس : ١٣ / ٦٤٤) .
(٥) المَدَائِن : أصل تسميتها هى : المدائن السبعة ، وكانت مقرّ ملوك الفرس . وهى تقع علي نهر دجلة من شرقيّها تحت بغداد علي مرحلة منها . وفيها إيوان كسري . فُتحت هذه المدينة فى (١٤ هـ . ق) علي يد المسلمين (راجع تقويم البلدان : ٣٠٢).
(٦) إرشاد القلوب : ٣٢١ ، بحار الأنوار : ٢٨ / ٨٦ / ٣ .

 ١٥٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / تولية أعداء الإسلام من أقربائه علي البلاد

أبى سرح علي مصر ، ومعاوية بن أبى سفيان علي الشام ، وعبد الله بن عامر علي البصرة . وصرف عن الكوفة الوليد بن عقبة ، وولاّها سعيد بن العاص(١) .

١١٤٠ ـ أنساب الأشراف : أمّا عبد الله بن سعد بن أبى سرح فإنّه أسلم ، وكان يكتب بين يدى رسول الله  ½ ; فيُملى عليه : "الكافرين" فيجعلها "الظالمين" ، ويُملى عليه : "عزيز حكيم" فيجعلها "عليم حكيم" ، وأشباه هذا .

فقال : أنا أقول كما يقول محمّد ، وآتى بمثل ما يأتى به محمّد ، فأنزل الله فيه : ³ وَمَنْ أَظْـلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَىٰ اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ اُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ  ²  (٢) .

وهرب إلي مكّة مرتدّاً ، فأمر رسول الله  ½ بقتله . وكان أخا عثمان بن عفّان من الرضاع ; فطلب فيه أشدّ طلب حتي كفّ عنه رسول الله  ½ . وقال : أ ما كان فيكم من يقوم إلي هذا الكلب قبل أن اُؤمّنه فيقتله ! !

فقال عمر ـ ويقال أبو اليسر ـ : لو أومأت إلينا ، قتلناه .فقال : إنّى ما أقتل بإشارة ; لأنّ الأنبياء لا يكون لهم خائنة الأعين . وكان يأتى النبىّ  ½ ، فيسلّم عليه .

وولاّه عثمان مصر(٣) .


(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٤٣ وص ٣٤٦ ، الفتوح : ٢ / ٣٧٠ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٩٩ كلّها نحوه .
(٢) الأنعام : ٩٣ .
(٣) أنساب الأشراف : ١ / ٤٥٤ ، سنن أبى داود : ٣ / ٥٩ / ٢٦٨٣ ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٤٧ / ٤٣٦٠ وح ٤٣٦١ وص ٤٨ / ٤٣٦٢ قال الحاكم : "إنّ رسول الله  ½ أمر قبل دخوله مكّة بقتل عبد الله بن سعد وعبد الله بن خطل ، فمن نظر فى مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفّان وجنايات عبد الله بن سعد عليه بمصر إلي أن كان أمره ما كان ، علم أنّ النبىّ  ½ كان أعرف به" ، المغازى : ٢ / ٨٥٥ ، تاريخ دمشق : ٢٩ / ٣٤ ـ ٣٦ ، الاستيعاب : ٣ / ٥٠ / ١٥٧١ ، المعارف لابن قتيبة : ٣٠٠ كلّها نحوه .

 ١٥٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / تولية أعداء الإسلام من أقربائه علي البلاد

١١٤١ ـ أنساب الأشراف : كان النبىّ  ½ وجّه الوليد علي صدقات بنى المُصطَلِق ، فجاء فقال : إنّهم منعوا الصدقة ، فنزل فيه : ³ إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ  ²  (١) (٢) .

١١٤٢ ـ البداية والنهاية : الوليد بن عقبة . . . قد ولاّه عمر صدقات بنى تغلب ، وولاّه عثمان نيابة الكوفة بعد سعد بن أبى وقّاص سنة خمس وعشرين(٣) .

١١٤٣ ـ الإمام علىّ  ¼ : ما يُريد عثمان أن ينصحه أحدٌ ! ! اتّخذ بِطانةً(٤) أهلَ غِشٍّ ، ليس منهم أحد إلاّ قد تسبّب بطائفة من الأرض ; يأكل خراجها ، ويستذلّ أهلها(٥) .

١١٤٤ ـ تاريخ الطبرى ـ من كتاب اُنشئ للمعتضد فى شأن بنى اُميّة ـ : وأشدّهم فى ذلك عداوة . . . أبو سفيان بن حرب ، وأشياعه من بنى اُميّة الملعونين فى كتاب الله ، ثمّ الملعونين علي لسان رسول الله فى عدّة مواطن ، وعدّة مواضع ; لماضى علم الله فيهم ، وفى أمرهم ، ونفاقهم . . . فمِمّا لعنهم الله به علي لسان


(١) الحجرات : ٦ .
(٢) أنساب الأشراف : ٦ / ١٤٥ ، المعجم الكبير : ٢٣ / ٤٠١ / ٩٦٠ عن اُمّ سلمة ، الاستيعاب : ٤ / ١١٤ / ٢٧٥٠ وزاد فى صدره "و لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أنّ قوله عزّ وجلّ : ³ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ . . .  ²  نزلت فى الوليد بن عقبة" وراجع مسند ابن حنبل : ٦ / ٣٩٦ / ١٨٤٨٦ والمعجم الكبير : ٣ / ٢٧٤ / ٣٣٩٥ .
(٣) البداية والنهاية : ٨ / ٢١٤ ، تهذيب الكمال : ٣١ / ٥٤ / ٦٧٢٣ وليس فيه "سنة خمس وعشرين" وراجع الاستيعاب : ٤ / ١١٥ / ٢٧٥٠ .
(٤) بِطانَة الرجل : خاصّته (لسان العرب : ١٣ / ٥٥) .
(٥) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٠٦ .

 ١٦٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / تولية أعداء الإسلام من أقربائه علي البلاد

نبيه  ½ ، وأنزل به كتاباً قوله : ³ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا  ²  (١) ، ولا اختلاف بين أحد أنّه أراد بها بنى اُميّة . . . .

ومنه ما يرويه الرواة من قوله [ أبى سفيان ] : " يا بنى عبد مناف ، تلقّفوها تلقّف الكرة ، فما هناك جنّة ولا نار" وهذا كفر صراح ، يلحقه به اللعنة من الله ، كما لحقت(٢) .

١١٤٥ ـ شرح نهج البلاغة : قال أبو سفيان فى أيّام عثمان ـ وقد مرّ بقبر حمزة وضربه برجله وقال ـ : يا أبا عمارة ، إنّ الأمر الذى اجتلدنا عليه بالسيف أمسي فى يد غلماننا اليوم ، يتلعّبون به !(٣)

١١٤٦ ـ الأغانى عن الحسن : دخل أبو سفيان علي عثمان بعد أن كُفّ بصره ، فقال : هل علينا من عين(٤) ؟ فقال له عثمان : لا .

فقال : يا عثمان ، إنّ الأمر أمر عالميّة ، والملك ملك جاهليّة ، فاجعل أوتاد الأرض بنى اُميّة(٥) .

١١٤٧ ـ مروج الذهب : قد كان عمّار ـ حين بويع عثمان ـ بلغه قول أبى سفيان


(١) الإسراء : ٦٠ .
(٢) تاريخ الطبرى : ١٠ / ٥٧ ، الأغانى : ٦ / ٣٧١ ، الاستيعاب : ٤ / ٢٤١ / ٣٠٣٥ وفيهما ذيله ، شرح نهج البلاغة : ١٥ / ١٧٥ / ٢٧ نحوه . راجع : القسم السادس / وقعة صفّين / هويّة رؤساء القاسطين / معاوية / بلاغ تعميمى للمعتضد العبّاسى .
(٣) شرح نهج البلاغة : ١٦ / ١٣٦ .
(٤) العين : الذى يُبعث ليتجسّس الخبر (لسان العرب : ١٣ / ٣٠١) .
(٥) الأغانى : ٦ / ٣٧٠ ، تاريخ دمشق : ٢٣ / ٤٧١ عن أنس وفيه "اللهمّ اجعل الأمر أمر جاهليّة ، والملك ملك غاصبيّة ، واجعل أوتاد الأرض لبنى اُميّة" بدل "إنّ الأمر . . ." .

 ١٦١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / تولية أعداء الإسلام من أقربائه علي البلاد

صخر بن حرب فى دار عثمان عقيب الوقت الذى بويع فيه عثمان ، ودخل داره ومعه بنو اُميّة ، فقال أبو سفيان : أ فيكم أحد من غيركم ـ وقد كان عَمِىَ ـ ؟ قالوا : لا .

قال : يا بنى اُميّة ، تلقّفوها تلقّف الكرة ، فوَ الذى يحلف به أبو سفيان ما زلتُ أرجوها لكم ، ولتصيرنَّ إلي صبيانكم وراثةً .

فانتهره عثمان ، وساءه ما قال . ونمي(١) هذا القول إلي المهاجرين والأنصار ، وغير ذلك الكلام .

فقام عمّار فى المسجد فقال : يا معشر قريش ، أما إذ صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم ; هاهنا مرّة ، وهاهنا مرّة ، فما أنا بآمَن من أن ينزعه الله منكم فيضعه فى غيركم ، كما نزعتموه من أهله ووضعتموه فى غير أهله ! (٢)

١١٤٨ ـ أنساب الأشراف : كان عثمان ولّي الحارث [بن الحكم] السوقَ ، فكان يشترى الجَلَب(٣) بحَكَمه(٤) ، ويبيعه بسَوْمه(٥) ، ويجبى مقاعد المتسوّقين ، ويصنع صنيعاً منكراً .

فكُلّم فى إخراج السوق من يده ، فلم يفعل(٦) .


(١) نَمَي الحديث ، يَنمى : ارتفع (لسان العرب : ١٥ / ٣٤١) .
(٢) مروج الذهب : ٢ / ٣٥١ .
(٣) الجَلَب : ما جُلب من خيل وإبل ومتاع . (لسان العرب : ١ / ٢٦٨) .
(٤) حَكَم : جمع حَكَمة : وهى اللجام (لسان العرب : ١٢ / ١٤٤) .
(٥) السَّوْم : أن تُجشّم إنساناً مشقّة أو سوءاً أو ظلماً (لسان العرب : ١٢ / ٣١٤) .
(٦) أنساب الأشراف : ٦ / ١٦٠ .

 ١٦٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / الصدّ عن إقامة الحدّ علي الوليد

١١٤٩ ـ الاستيعاب : إنّه [شبل بن خالد] دخل علي عثمان حين لم يكن عنده غير اُموى ، فقال : ما لكم معشر قريش ، أ ما فيكم صغير تريدون أن ينبُل ، أو فقير تريدون غِناه ، أو خامل تريدون التنويه باسمه ! ! علامَ أقطعتم هذا الأشعرى العراق ، يأكلها خَضْماً ؟ !

فقال عثمان : ومن لها ؟ فأشاروا بعبد الله بن عامر ، وهو ابن ستّ عشرة سنة ، فولاّه حينئذ(١) .

راجع : القسم السادس / وقعة الجمل / هويّة رؤساء الناكثين / عبد الله بن عامر .

٤ / ٥

الصدّ عن إقامة الحدّ علي الوليد

١١٥٠ ـ مروج الذهب : إنَّ الوليد بن عقبة كان يشرب مع ندمائه ومغنّيه من أوّل الليل إلي الصباح ، فلمّا آذنه المؤذّنون بالصلاة خرج مُتفضِّلا فى غلائله(٢) ، فتقدّم إلي المحراب فى صلاة الصبح ، فصلّي بهم أربعاً ، وقال : أ تريدون أن أزيدكم؟ وقيل : إنّه قال فى سجوده ـ وقد أطال ـ : اشربْ واسقِنى .

فقال له بعض من كان خلفه فى الصف الأوّل : ما تزيد ! لا زادك الله من الخير ، والله لا أعجب إلاّ ممّن بعثك إلينا والياً ، وعلينا أميراً . وكان هذا القائل عتاب بن غيلان الثقفى . . .

وأشاعوا بالكوفة فعله ، وظهر فسقه ومداومته علي شرب الخمر ، فهجم عليه


(١) الاستيعاب : ٢ / ٢٥٠ / ١١٦٠ .
(٢) رجل متفضّل : أى فى ثوب واحد . والغلائل : الدروع ، وقيل : بطائن تُلبس تحت الدروع (لسان العرب : ١١ / ٥٠٢ وص ٥٢٦) .


إرجاعات 
١٠٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الاُولى : وقعة الجمل / الفصل الثاني : هويّة رؤساء الناكثين / عبد الله بن عامر

 ١٦٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / الصدّ عن إقامة الحدّ علي الوليد

جماعة من المسجد ، منهم : أبو زينب بن عوف الأزدى ، وجندب بن زهير الأزدى ، وغيرهما ، فوجدوه سكران مضطجعاً علي سريره ، لا يعقل ، فأيقظوه من رقدته ، فلم يستيقظ . ثمّ تقايأ عليهم ما شرب من الخمر ، فانتزعوا خاتمه من يده ، وخرجوا من فورهم إلي المدينة ; فأتَوا عثمانَ بن عفان ، فشهدوا عنده علي الوليد أنّه شرب الخمر .

فقال عثمان : وما يدريكما أنّه شرب خمراً ؟ !

فقالا : هى الخمر التى كنّا نشربها فى الجاهليّة ; وأخرجا خاتمه ، فدفعاه إليه ، فزجرهما ، ودفع فى صدورهما ، وقال : تنحَّيا عنّى .

فخرجا من عنده وأتيا علىّ بن أبى طالب   ¢ ، وأخبراه بالقصّة . فأتي عثمان وهو يقول : دفعتَ الشهود ، وأبطلتَ الحدود ! !

فقال له عثمان : فما تري ؟

قال : أري أن تبعث إلي صاحبك فتُحضره ، فإن أقاما الشهادة عليه فى وجهه ولم يدرأ عن نفسه بحجّة أقمت عليه الحدّ !

فلمّا حضر الوليد ، دعاهما عثمان : فأقاما الشهادة عليه ، ولم يدلِ بحجّة ، فألقي عثمان السوط إلي علىٍّ . . .

فلمّا نظر إلي امتناع الجماعة عن إقامة الحدّ عليه ; توقّياً لغضب عثمان ; لقرابته منه ، أخذ علىٌّ السوط ودنا منه . فلمّا أقبل نحوه سبَّه الوليد ، وقال : يا صاحب مَكس(١) .


(١) المَكس : الضريبة التى يأخذها الماكِس ; وهو العشّار (النهاية : ٤/٣٤٩). والظاهر أنّ مراده هو حَدّيّة الإمام وعدم مداهنته.

 ١٦٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / الصدّ عن إقامة الحدّ علي الوليد

فقال عقيل بن أبى طالب ـ وكان ممّن حضر ـ : إنّك لتتكلّم يابن أبى معيط كأنّك لا تدرى من أنت ! وأنت علجٌ من أهل صَفّورِيَّة(١) ـ وهى قرية بين عكاء واللجون ، من أعمال الأردن من بلاد طبريّة ، وكان ذُكر أنّ أباه كان يهوديّاً منها ـ .

فأقبل الوليد يَروغُ من علىّ ، فاجتذبه علىٌّ فضرب به الأرض ، وعلاه بالسوط .

فقال عثمان : ليس لك أن تفعل به هذا !

قال : بل وشرّاً من هذا ، إذا فسق ومنع حقّ الله تعالي أن يؤخذ منه ! !(٢)

١١٥١ ـ أنساب الأشراف عن مسروق ـ فى الوليد بن عقبة ـ : إنّه حين صلّي لم يَرِمْ(٣) حتي قاء . فخرج فى أمره إلي عثمان أربعةُ نفر : أبو زينب ، وجندب بن زهير ، وأبو حبيبة الغفارى ، والصعب بن جثامة ; فأخبروا عثمان خبره .

فقال عبد الرحمن بن عوف : ما له ، أجُنّ ؟ ! قالوا : لا ، ولكنّه سكر . قال : فأوعدهم عثمان ، وتهدّدهم ; وقال لجندب : أنت رأيت أخى يشرب الخمر ؟ ! قال : معاذ الله ، ولكنّى أشهد أنّى رأيته سكران يقلسها(٤) من جوفه ، وأنّى أخذت خاتمه من يده وهو سكران لا يعقل .

قال أبو إسحاق : فأتي الشهود عائشة ، فأخبروها بما جري بينهم وبين


(١) صَفُّورِيَة : بلدة من نواحى الاُردن بالشام وهى قرب طَبَرية (معجم البلدان : ٣/٤١٤) .
(٢) مروج الذهب : ٢ / ٣٤٤ وراجع الأغانى : ٥ / ١٣٩ .
(٣) الرَّيْم : البَراح ; يقال : ما يَريمُ يفعل ذلك ; أى ما يبرح (لسان العرب : ١٢ / ٢٥٩) .
(٤) القَلَس : ما خرج من الجوف ; ملء الفم ، أو دونه ، وليس بقىء ، فإن عاد فهو القىء (النهاية : ٤ / ١٠٠) .

 ١٦٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / الصدّ عن إقامة الحدّ علي الوليد

عثمان ، وأنّ عثمان زَبَرَهم . فنادت عائشة : إنّ عثمان أبطل الحدود ، وتوعّد الشهود .

قال الواقدى : وقد يقال : إنّ عثمان ضرب بعض الشهود أسواطاً ، فأتوا عليّاً فشكوا ذلك إليه .

فأتي عثمانَ فقال : عطّلتَ الحدود ، وضربت قوماً شهدوا علي أخيك ; فقلبتَ الحكم ، وقد قال عمر : لا تُحمل بنى اُميّة وآل أبى مُعيط خاصّة علي رقاب الناس .

قال : فما تري ؟ !

قال : أري أن تعزله ، ولا تولّيه شيئاً من اُمور المسلمين ، وأن تسأل عن الشهود ; فإن لم يكونوا أهل ظِنّة ولا عداوة أقمت علي صاحبك الحدّ .

قال : ويقال إنّ عائشة أغلظت لعثمان ، وأغلظ لها ، وقال : وما أنتِ وهذا ! ؟ إنّما اُمرتِ أن تَقَرّى فى بيتكِ ! ! فقال قومٌ مثل قوله ، وقال آخرون : ومن أولي بذلك منها ! ! فاضطربوا بالنعال ، وكان ذلك أوّل قتال بين المسلمين بعد النبىّ  ½ (١) .

١١٥٢ ـ أنساب الأشراف ـ فى الوليد بن عقبة ـ : لمّا شُهد عليه فى وجهه ، وأراد عثمان أن يَحُدَّه ، ألبسه جبَّة حبر ، وأدخله بيتاً ، فجعل إذا بعث إليه رجلا من قريش ليضربه ، قال له الوليد : أنشدك الله أن تقطع رحمى ، وتُغضب أمير المؤمنين عليك ، فيَكفّ .


(١) أنساب الأشراف : ٦ / ١٤٤ ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ١٩ .

 ١٦٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / تحريف التاريخ فى قضيّة شرب الوليد

فلمّا رأي ذلك علىّ بن أبى طالب ، أخذ السوط ودخل عليه . . . وجَلَده(١) .

تحريف التاريخ فى قضيّة شرب الوليد

من المواطن الملحوظة فى تحريف التاريخ مسألة شرب الوليد الخمر ، وإقامة الحدّ عليه .

فقد حاول الطبرى فى تاريخه ـ عن طريق سلسلة سنده المشهورة : "السرّى ، عن شعيب ، عن سيف بن عمر" ـ وابن الأثير فى الكامل ، تنزيه الوليد ، خلافاً لما ذَكَرته جميع النصوص التاريخيّة ، ولما رواه المؤرّخون من شربه الخمر ; فقد نزّهاه ، واتّهما الشهود بالتآمر عليه ، بدخولهم عليه وهو نائم ، ونزعهم خاتمه ، وشهادتهم عليه عند عثمان .

ودانهُ عثمان بإقامة الحدّ عليه مع علمه ببراءته ، وفوّض إلي الله تعالي جزاء شهود الزور ! ! !

وذكرا أنّ الذى تولّي إقامة الحدّ هو سعيد بن العاص(٢) .

قارن هذا القول مع قول أبى عمر فى الاستيعاب ، فى ذكر أحوال الوليد بن عقبة :

وخبر صلاته بهم وهو سكران ، وقوله : أزيدكم ـ بعد أن صلّي الصبح أربعاً ـ مشهورٌ ، من رواية الثقات ، من نقل أهل الحديث وأهل الأخبار . . . وقد روى


(١) أنساب الأشراف : ٦ / ١٤٥ ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٢٠ ; الشافى : ٤ / ٢٥٤ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٧١ ـ ٢٧٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٤٥ و٢٤٦ .

 ١٦٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / العفو عن قاتل الهرمزان وابنة أبى لؤلؤة

فيما ذكر الطبرى أنّه تعصّب عليه قوم من أهل الكوفة ; بغياً وحسداً ، وشهدوا عليه زوراً أنّه تقيّأ الخمر ، وذكر القصّة ، وفيها : إنّ عثمان قال له : يا أخى اصبر ; فإنّ الله يأجُرك ، ويبوء القوم بإثمك . وهذا الخبر من نقل أهل الأخبار لا يصحّ عند أهل الحديث ولا له عند أهل العلم أصل(١) .

٤ / ٦

العفو عن قاتل الهرمزان وابنة أبى لؤلؤة

١١٥٣ ـ السنن الكبري عن عبد الله بن عبيد بن عمير : لمّا طُعن عمر ، وثب عبيد الله ابن عمر علي الهرمزان فقتله ، فقيل لعمر : إنّ عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان ! قال : ولِمَ قتله ؟ قال : إنّه قتل أبى . قيل : وكيف ذاك ؟ قال رأيته قبل ذلك مستخلياً(٢) بأبى لؤلؤة ، وهو أمره بقتل أبى .

قال عمر : ما أدرى ما هذا ! انظروا إذا أنا متّ فاسألوا عبيد الله البيّنة عن الهرمزان هو قتلنى ; فإن أقام البيّنة فدمه بدمى ، وإن لم يُقِم البيّنة فأقيدوا(٣) عبيد الله من الهرمزان .

فلمّا ولّى عثمان ، قيل له : أ لا تُمضى وصيّة عمر فى عبيد الله ؟ قال : ومَن ولىّ الهرمزان؟ قالوا: أنت يا أمير المؤمنين! فقال: فقد عفوت من(٤) عبيد الله بن عمر(٥).

١١٥٤ ـ تاريخ اليعقوبى : وثب ابنه عبيد الله [بن عمر] فقتل أبا لؤلؤة وابنته


(١) الاستيعاب : ٤ / ١١٦ / ٢٧٥٠ .
(٢) فى المصدر: "مستخلى" وهو تصحيف.
(٣) القَوَد : قتل النفس بالنفس ، وأقَدْتُ القاتل بالقتيل ; أى قتلته به (لسان العرب : ٣ / ٣٧٢) .
(٤) كذا فى المصدر والظاهر أنّها تصحيف : "عن" .
(٥) السنن الكبري : ٨ / ١٠٨ / ١٦٠٨٣ .

 ١٦٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / العفو عن قاتل الهرمزان وابنة أبى لؤلؤة

وامرأته ، واغترّ الهرمزان فقتله . وكان عبيد الله يحدّث أنّه تبعه ، فلمّا أحسّ الهرمزان بالسيف قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله .

وروي بعضهم أن عمر أوصي أن يُقاد عبيد الله بالهرمزان ، وأن عثمان أراد ذلك ، وقد كان ـ قبل أن يلى الأمر ـ أشدّ مَن خلق الله علي عبيد الله ، حتي جرّ بشعره ، وقال : يا عدوّ الله ، قتلتَ رجلا مسلماً ، وصبيّة طفلة ، وامرأة لا ذنب لها ! قتلنى الله إن لم أقتلك ! ! فلمّا وُلّى ردّه إلي عمرو بن العاص .

وروي بعضهم عن عبد الله بن عمر أنّه قال : يغفر الله لحفصة ! فإنّها شجّعت عبيد الله علي قتلهم(١) .

١١٥٥ ـ أنساب الأشراف عن غياث بن إبراهيم ـ فى ذكر خُطبة عثمان فى أوّل خلافته ـ : إنّ عثمان صعد المنبر فقال : أيّها الناس ! إنّا لم نكن خطباء ، وإن نَعِشْ تأتِكم الخطبة علي وجهها إن شاء الله ، وقد كان من قضاء الله أنّ عبيد الله بن عمر أصاب الهرمزان ، وكان الهرمزان من المسلمين ، ولا وارث له إلاّ المسلمون عامّةً ، وأنا إمامكم ، وقد عفوتُ ، أ فتعفون ؟ قالوا : نعم .

فقال علىّ : أقِد الفاسقَ ; فإنّه أتي عظيماً ; قتل مسلماً بلا ذنب .

وقال لعبيد الله : يا فاسق ! لئن ظفرت بك يوماً لأقتلنّك بالهرمزان(٢) .

١١٥٦ ـ الطبقات الكبري عن المطّلب بن عبد الله بن حنطب : قال علىٌّ لعبيد الله بن عمر : ما ذنبُ بنة أبى لؤلؤة حين قتلتها ؟ !


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٦٠ .
(٢) أنساب الأشراف : ٦ / ١٣٠ وراجع تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٣٩ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٢٦ وشرح نهج البلاغة : ٩ / ٥٤ .

 ١٦٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / العفو عن قاتل الهرمزان وابنة أبى لؤلؤة

قال : فكان رأى علىٍّ ـ حين استشاره عثمان ـ ورأى الأكابر من أصحاب رسول الله علي قتله ، لكنّ عمرو بن العاص كلَّم عثمان حتي تركه .

فكان علىٌّ يقول : لو قدرتُ علي عبيد الله بن عمر ولى سلطانٌ لاقتصصتُ منه(١) .

١١٥٧ ـ تاريخ اليعقوبى : أكثرَ الناسُ فى دم الهرمزان ، وإمساك عثمان عبيدَ الله ابن عمر .

فصعد عثمان المنبر ، فخطب الناس ، ثمّ قال : ألا إنّى ولىّ دم الهرمزان ، وقد وهبته لله ولعمر ، وتركته لدم عمر .

فقام المقداد بن عمرو فقال : إنّ الهرمزان مولي لله ولرسوله ، وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله !

قال : فننظر ، وتنظرون . ثمّ أخرج عثمان ، عبيدَ الله بن عمر من المدينة إلي الكوفة ، وأنزله داراً(٢) .

١١٥٨ ـ تاريخ الطبرى : جلس عثمان فى جانب المسجد ، ودعا بعبيد الله بن عمر وكان محبوساً فى دار سعد بن أبى وقّاص ، وهو الذى نزع السيف من يده بعد قتله جُفينة والهرمزان وبنة أبى لؤلؤة ; وكان يقول : والله لأقتلنّ رجالا ممّن شرك فى دم أبى ـ يعرّض بالمهاجرين والأنصار ـ فقام إليه سعد ، فنزع السيف من يده ، وجذب شعره حتي أضجعه إلي الأرض ، وحبسه فى داره ، حتي أخرجه عثمان إليه . فقال عثمان لجماعة من المهاجرين والأنصار : أشيروا علىَّ فى هذا


(١) الطبقات الكبري : ٥ / ١٦ .
(٢) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٦٣ .

 ١٧٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / العفو عن قاتل الهرمزان وابنة أبى لؤلؤة

الذى فتق فى الإسلام ما فتَق !

فقال علىّ : أري أن تقتله . فقال بعض المهاجرين : قُتل عمر أمسِ ، ويُقتل ابنه اليوم ! فقال عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين ، إنّ الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدَث كان ولك علي المسلمين سلطان ; إنّما كان هذا الحدَث ولا سلطان لك ! قال عثمان : أنا وليّهم ، وقد جعلتها دية ، واحتملتها فى مالى .

قال : وكان رجل من الأنصار يقال له : زياد بن لبيد البيّاضى إذا رأي عبيد الله ابن عمر ، قال :

ألا يا عُبيدَ الله مالكَ مَهربٌ ولا مَلْجَأٌ مِنْ إبن أرْوَي ولا خَفَرْ
أصبْتَ دماً واللهِ فى غيرِ حِلّهِحَراماً وقتلُ الهُرْمُزانِ له خَطَرْ
علي غيرِ شىء غيرَ أن قال قائلٌأ تَتّهِمُونَ الهُرمزانَ علي عُمَرْ
فقال سَفيهٌ والحوادثُ جَمَّةٌنعم أتَّهِمْهُ قد أشارَ وقد أمَرْ
وكان سلاحُ العبدِ فى جوفِ بيتِهِيُقَلّبها والأمرُ بالأمر يُعتَبرْ

قال : فشكا عبيد الله بن عمر إلي عثمان زيادَ بن لَبيد وشعره ، فدعا عثمانُ زيادَ ابن لَبيد ، فنهاه . قال : فأنشأ زياد يقول فى عثمان :

أبا عمرو عبيدُ الله رَهْنٌفلا تَشْكُكْ بقَتْلِ الهُرمزَان
فإنّك إنْ غَفرْتَ الجرْمَ عنهُ وأسبابُ الخَطا فَرَسا رِهانِ
أ تَعْفُو إذ عَفَوتَ بغيرِ حَقٍّفمالكَ بالذى تَحْكى يدانِ !

فدعا عثمانُ زيادَ بن لبيد ، فنهاه ، وشَذّبَه(١)(٢) .


(١) شَذّبَه عن الشىء : طرده (لسان العرب : ١ / ٤٨٦) .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٣٩ .

 ١٧١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه

٤ / ٧

معاقبة من أنكر عليه أحداثه

٤ / ٧ ـ ١

نفى أبى ذر

١١٥٩ ـ شرح نهج البلاغة : إنّ أبا ذرّ لمّا دخل علي عثمان ، قال له : لا أنعم الله بك عيناً يا جُنَيْدِب ! فقال أبو ذرّ : أنا جُنيدب ، وسمّانى رسولُ الله  ½ عبدَ الله ، فاخترتُ اسمَ رسول الله الذى سمّانى به علي اسمى .

فقال عثمان : أنت الذى تزعم أنّا نقول : إنّ يد الله مغلولة ; وإنّ الله فقير ونحن أغنياء !

فقال أبو ذرّ : لو كنتم لا تزعمون لأنفقتم مالَ الله علي عباده ! ولكنّى أشهد لَسمعتُ رسول الله  ½ يقول : إذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلا جعلوا مالَ الله دولا ، وعبادَ الله خولا ، ودينَ الله دخلاً(١) .

فقال عثمان لمن حضره : أ سَمِعتموها من نبى الله ؟ ! فقالوا : ما سمعناه . فقال عثمان : ويلك يا أبا ذرّ ! أ تكذب علي رسول الله !

فقال أبو ذرّ لمن حضر : أ ما تظنّون أنّى صدقت ! قالوا : لا والله ما ندرى .

فقال عثمان : ادعُوا لى عليّاً . فدُعىَ ، فلمّا جاء قال عثمان لأبى ذرّ : اقصُص عليه حديثك فى بنى أبى العاص ! فحدّثه ، فقال عثمان لعلىٍّ : هل سمعتَ هذا من


(١) انظر فى خصوص هذا الحديث : مسند ابن حنبل : ٤ / ١٦٠ / ١١٧٥٨ ، المستدرك علي الصحيحين : ٤ / ٥٢٧ / ٨٤٧٨ ـ ٨٤٨٠ ، مسند أبى يعلي : ٢ / ٥٢ / ١١٤٧ ، المعجم الصغير : ٢ / ١٣٥ ، المعجم الأوسط : ٨ / ٦ / ٧٧٨٥ ; روضة الواعظين : ٣١١ .

 ١٧٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / نفى أبى ذر

رسول الله  ½ ؟

فقال علىّ  ¼ : لا ، وقد صدق أبو ذرّ .

قال عثمان : بمَ عرفت صدقه ؟

قال : لأنّى سمعتُ رسولَ الله  ½ يقول : ما أظلّت الخضراء ، ولا أقلّت الغبراء من ذى لَهجة أصدق من أبى ذرّ(١) .

فقال جميع من حضر من أصحاب النبىّ  ½ : لقد صدق أبو ذرّ .

فقال أبو ذرّ : اُحدّثكم أنّى سمعت هذا من رسول الله  ½ ثمّ تتّهموننى ! ! ما كنتُ أظنّ أنّى أعيش حتي أسمع هذا من أصحاب محمّد(٢) .

١١٦٠ ـ تاريخ اليعقوبى : بلغ عثمان أنّ أبا ذرّ يقع فيه ، ويذكر ما غُيّر وبُدّل من سنن رسول الله ، وسنن أبى بكر وعمر ، فسيّره إلي الشام إلي معاوية .

وكان يجلس فى المسجد ، فيقول كما كان يقول ، ويجتمع إليه الناس ، حتي كثر من يجتمع إليه ، ويسمع منه . وكان يقف علي باب دمشق ـ إذا صلّي صلاة الصبح فيقول : جاءت القطار تحمل النار ، لعن الله الآمرين بالمعروف والتاركين له ، ولعن الله الناهين عن المنكر والآتين له .


(١) انظر فى خصوص هذا الحديث : مسند ابن حنبل : ٨ / ١٦٩ / ٢١٧٨٣ ، سنن الترمذى : ٥ / ٦٦٩ / ٣٨٠١ وح ٣٨٠٢ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٥٥ / ١٥٦ ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٣٨٥ / ٥٤٦١ وح ٥٤٦٢ ; معانى الأخبار : ١٧٩ / ١ ، علل الشرائع : ١٧٧ / ١ وح ٢ ، الاحتجاج : ١ / ٦١٦ / ١٣٩ .
(٢) شرح نهج البلاغة : ٣ / ٥٥ ، الرياض النضرة : ٣ / ٨٣ نحوه ; الشافى : ٤ / ٢٩٥ وراجع تفسير القمّى : ١ / ٥٢ .

 ١٧٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / نفى أبى ذر

وكتب معاوية إلي عثمان : إنّك قد أفسدتَ الشام علي نفسك بأبى ذرّ . فكتب إليه : أن احمله علي قَتَب(١) بغير وطاء . فقدِم به إلي المدينة ، وقد ذهب لحم فخذيه . . . .

فلم يُقِم بالمدينة إلاّ أياماً ، حتي أرسل إليه عثمان : والله لتخرجنّ عنها !

قال : أ تُخرجنى من حرم رسول الله ؟ ! قال : نعم ، وأنفك راغم .

قال : فإلي مكّة ؟ قال : لا .

قال : فإلي البصرة ؟ قال : لا .

قال : فإلي الكوفة ؟ قال : لا ولكن إلي الرَّبَذة التى خرجتَ منها ، حتي تموت بها . يا مروان ، أخرِجه ، ولا تدَع أحداً يُكلّمه حتي يخرج(٢) .

١١٦١ ـ مروج الذهب ـ فى ذكر ما طُعن به علي عثمان ـ : ومن ذلك ما فعل بأبى ذرّ ; وهو أنّه حضر مجلسَه ذات يوم ، فقال عثمان : أ رأيتم من زكّي ماله ، هل فيه حقّ لغيره ؟ فقال كعب : لا ، يا أمير المؤمنين .

فدفع أبو ذرّ فى صدر كعب ، وقال له : كذبتَ يابن اليهودى ، ثمّ تلا : ³ لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ  ²  (٣) الآية .

فقال عثمان : أ ترون بأساً أن نأخذ مالا من بيت مال المسلمين فنُنفقه فيما ينوبنا من اُمورنا ، ونعطيكموه ؟ فقال كعب : لا بأس بذلك .

فرفع أبو ذرّ العصا ، فدفع بها فى صدر كعب ، وقال : يابن اليهودى ما أجرأك


(١) القَتَب : رَحْلٌ صغير علي قدر السَّنام (الصحاح : ١ / ١٩٨) .
(٢) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٧١ .
(٣) البقرة : ١٧٧ .

 ١٧٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / نفى أبى ذر

علي القول فى ديننا !

فقال له عثمان : ما أكثر أذاك لى ! غيِّبْ وجهك عنّى ; فقد آذيتنا . فخرج أبو ذرّ إلي الشام .

فكتب معاوية إلي عثمان : إنّ أبا ذرّ تجتمع إليه الجموع ، ولا آمن أن يُفسدهم عليك ، فإن كان لك فى القوم حاجة فأحمله إليك .

فكتب إليه عثمان بحمله . فحمله علي بعير ، عليه قَتَب يابس ، معه خمسة من الصقالبة(١) يطيرون(٢) به ، حتي أتوا به المدينة ، وقد تسلّخت بواطن أفخاذه ، وكاد أن يتلف ، فقيل له : إنّك تموت من ذلك . فقال : هيهات ، لن أموت حتي اُنفي . وذكر جوامع ما ينزل به بعدُ ، ومن يتولّي دفنه .

فأحسن إليه فى داره أيّاماً ، ثمّ دخل إليه فجلس علي ركبتيه ، وتكلّم بأشياء ، وذكر الخبر فى ولد أبى العاص : "إذا بلغوا ثلاثين رجلا اتّخذوا عباد الله خوَلا" . . . وكان فى ذلك اليوم قد أتي عثمان بتركة عبد الرحمن بن عوف الزهرى من المال ، فنثرت البِدَر حتي حالت بين عثمان وبين الرجل القائم ، فقال عثمان : إنّى لأرجو لعبد الرحمن خيراً ; لأنّه كان يتصدّق ، ويقرى الضيف ، وترك ما ترون .

فقال كعب الأحبار : صدقت يا أمير المؤمنين ، فشال أبو ذرّ العصا ، فضرب بها رأس كعب ، ولم يشغله ما كان فيه من الألم ، وقال : يابن اليهودى تقول لرجل


(١) الصِّقلاب الشديد من الرؤوس . والصَّقالِبَة : جيلٌ حُمْر الألوان ، صُهْب الشعور ، تُتاخِم بلادهم بلادَ الخزر وبعض بلاد الروم بين بُلْغَر وقُسطنطينيّة ، وقيل للرجل الأحمر صقلاب تشبيهاً بهم (تاج العروس : ٢ / ١٤٧) .
(٢) فى الطبعة المعتمدة "بطيرون" والتصحيح من طبعة قم / منشورات دار الهجرة .

 ١٧٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / نفى أبى ذر

مات وترك هذا المال : إنّ الله أعطاه خير الدنيا وخير الآخرة ، وتقطع علي الله بذلك ! وأنا سمعت النبىّ  ½ يقول : "ما يسرّنى أن أموت وأدع ما يَزِن قيراطاً" ! !

فقال له عثمان : وارِ عنّى وجهك . فقال : أسير إلي مكّة ؟ قال : لا والله . قال : فتمنعنى من بيت ربّى أعبده فيه حتي أموت ؟ قال : إى والله .

قال : فإلي الشام ؟ قال : لا والله .

قال : البصرة ؟ قال : لا والله ، فاختَر غير هذه البلدان .

قال : لا والله ، ما أختار غير ما ذكرت لك ، ولو تركتنى فى دار هجرتى ما أردتُ شيئاً من البلدان ، فسيّرنى حيث شئت من البلاد .

قال : فإنّى مسيّرك إلي الرَّبَذة . قال : الله أكبر ! صدق رسول الله  ½ ; قد أخبرنى بكلّ ما أنا لاق .

قال عثمان : وما قال لك ؟ ! قال : أخبرنى بأنّى اُمنع عن مكّة والمدينة ، وأموت بالرَّبَذة ، ويتولّي مواراتى نفر ممّن يَرِدون من العراق نحو الحجاز .

وبعث أبو ذرّ إلي جمل له ، فحمل عليه امرأته ، وقيل : ابنته . وأمر عثمان أن يتجافاه الناس حتي يسير إلي الرَّبَذة .

فلمّا طلع عن المدينة ـ ومروان يُسيّرُ[ه] عنها ـ طلع عليه علىّ بن أبى طالب   ¢ ، ومعه ابناه الحسن والحسين ، وعقيل أخوه ، وعبد الله بن جعفر ، وعمّار بن ياسر .

فاعترض مروان ، فقال : يا علىّ ، إنّ أمير المؤمنين قد نهي الناس أن يصحبوا أبا ذرّ فى مسيره ويشيّعوه ، فإن كنت لم تدرِ بذلك فقد أعلمتُك !

فحمل عليه علىّ بن أبى طالب بالسوط ، وضرب بين اُذنى راحلته ، وقال :

 ١٧٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / نفى أبى ذر

تَنَحَّ ، نحّاك الله إلي النار . ومضي مع أبى ذرّ فشيّعه ، ثمّ ودّعه وانصرف .

فلمّا أراد علىٌّ الانصراف بكي أبو ذرّ ، وقال : رحمكم الله أهل البيت ، إذا رأيتك يا أبا الحسن وولدك ذكرتُ بكم رسول الله  ½ .

فشكا مروانُ إلي عثمان ما فعل به علىّ بن أبى طالب ، فقال عثمان : يا معشر المسلمين ! من يعذرنى من علىّ ؟ ردَّ رسولى عمّا وجّهته له ، وفعل كذا ، والله لنعطينّه حقّه !

فلمّا رجع علىٌّ استقبله الناس ، فقالوا له : إنّ أمير المؤمنين عليك غضبان ; لتشييعك أبا ذرّ . فقال علىّ : "غَضبُ الخيلِ علي اللُّجُم" .

فلمّا كان بالعشى جاء إلي عثمان ، فقال له : ما حملك علي ما صنعتَ بمروان ! ولِمَ اجترأتَ علىّ ، ورددتَ رسولى وأمرى ؟ !

قال : أمّا مروان ; فإنّه استقبلنى يردّنى ، فرددتُه عن ردّى . وأمّا أمرك فلم أردّه .

قال عثمان : أ لم يبلغك أنّى قد نهيتُ الناس عن أبى ذرّ وعن تشييعه ؟

فقال علىّ :أ وَكلّ ما أمرتَنا به من شىء نري طاعة الله والحقّ فى خلافه اتّبعنا فيه أمرك ! ! بالله لا نفعل .

قال عثمان : أقِد مروان .

قال : ومِمّ أقيده ؟

قال : ضربت بين اُذنى راحلته ، وشتمتَه ، فهو شاتمك وضارب بين اُذنى راحلتك .

قال علىّ : أمّا راحلتى فهى تلك ، فإن أراد أن يضربها كما ضربتُ راحلتَه

 ١٧٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / نفى أبى ذر

فليفعل ، وأمّا أنا فوَ الله لئن شتمنى لأشتمنَّك أنتَ مثلَها بما لا أكذب فيه ، ولا أقول إلاّ حقّاً .

قال عثمان : ولِم لا يشتمك إذا شتمته ؟ ! ، فوَ الله ما أنت عندى بأفضل منه !

فغضب علىّ بن أبى طالب ، وقال : ألى تقول هذا القول ؟ ! وبمروان تعدلنى ! ! فأنا والله أفضل منك ! وأبى أفضل من أبيك ! واُمّى أفضل من اُمّك ! وهذه نبلى قد نثلتها(١) ، وهلُمّ فانثلْ بنبلك(٢) .

فغضب عثمان ، واحمرّ وجهه ، فقام ودخل داره . وانصرف علىّ ، فاجتمع إليه أهل بيته ، ورجال من المهاجرين والأنصار .

فلمّا كان من الغد واجتمع الناس إلي عثمان شكا إليهم عليّاً ، وقال : إنّه يعيبنى ويظاهر من يعيبنى ـ يريد بذلك أبا ذرّ وعمّار بن ياسر وغيرهما ـ . فدخل الناس بينهما ، حتي اصطلحا ، وقال له علىٌّ : والله ، ما أردت بتشييع أبى ذرّ إلاّ الله تعالي(٣) .


(١) نَثَل كِنانته نثلا : استخرج ما فيها من النبل (لسان العرب : ١١ / ٦٤٥) .
(٢) كذا ، والظاهر أنّ الصحيح : "نبلَك" .
(٣) مروج الذهب : ٢ / ٣٤٨ .