الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الثالث

 

 ١٧٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / تحريف التاريخ فى قضيّة نفى أبى ذرّ

إنّ تحريف الحقائق فى النصوص التأريخيّة القديمة أمر يدعو إلي تشويه الواقع وإضلال الناس من جهة ، وإلي الأسف العميق من جهة اُخري . حيث إنّ الناظر فى طيّات التاريخ ينظر بعين الأسي إلي ما نال النصوص القديمة من التحريف ; وهو فى الحقيقة له أسباب كثيرة ، يطول الكلام ببيانها .

ومن أوضح مصاديقه هو تحريف المعلومات المتعلّقة بقضيّة نفى أبى ذرّ . فنري الطبرى وابن الأثير قد تناولا ممهِّدات النفى وطبيعته وكيفيّته وملابسات إخراج أبى ذرّ من الشام علي نحو الإشارة . بَيْد أنّهما أحجما عن كشف الحقائق وتصوير الواقع الصادق .

أمّا الطبرى فقد ذكر فى تأريخه : وفى هذه السنة ـ أعنى سنة ثلاثين ـ كان ما ذُكر من أمر أبى ذرّ ومعاوية ، وإشخاص معاوية إيّاه من الشام إلي المدينة ، وقد ذُكر فى سبب إشخاصه إيّاه منها إليها اُمور كثيرة ، كرهت ذكر أكثرها . فأمّا العاذرون معاوية فى ذلك ، فإنّهم ذكروا فى ذلك قصّة . . (١) .


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٨٣ .

 ١٨٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / تحريف التاريخ فى قضيّة نفى أبى ذرّ

وأمّا ابن الأثير فقال : وفى هذه السنة [٣٠ هـ ] كان ما ذكر فى أمر أبى ذرّ ، وإشخاص معاوية إيّاه من الشام إلي المدينة ، وقد ذُكر فى سبب ذلك اُمور كثيرة ـ من سبّ معاوية إيّاه ، وتهديده بالقتل ، وحمله إلي المدينة من الشام بغير وطاء ، ونفيه من المدينة علي الوجه الشنيع ، لا يصحّ النقل به ، ولو صحّ لكان ينبغى أن يعتذر عن عثمان ; فإنَّ للإمام أن يؤدّب رعيّته ، وغير ذلك من الأعذار ، لا أن يجعل ذلك سبباً للطعن عليه ! ! ـ كرهتُ ذكرها .

وأمّا العاذرون فإنّهم قالوا : . . . .(١)

وهكذا يسدلان الستار علي الحقائق . ومن جانب آخر ، ينقلان معلومات كاذبة عن أبى ذرّ ، فيحاولان المَسَّ بقُدسيّة "أصدق من أقلّته الغبراء" . ومن العجب أنّهما يوردان ذلك كلّه عن سيف بن عمر بطل الوضع والاختلاق ، ومثال الافتراء ، والنموذج الماثل لإشاعة الكذب .

إنّ أحداً لم يُثْنِ علي سيف ; فقد ضعّفه ابن معين وقال : "فُليس خيرٌ منه" . وذهب أبو حاتم إلي أنّه "متروك الحديث" . ونصّ النسائى والدارقطنى علي ضعفه . وقال أبو داود : "ليس بشيء" . وقال ابن حبّان :"يروى الموضوعات عن الأثبات" . اتُّهم بالزندقة ، وقالوا : إنّه كان يضع الحديث ، وذهب الحاكم أيضاً إلي أنّه متّهم بالزندقة(٢) .

وأمّا أخبار سيف بن عمر فجميعها تبيّض صحيفة عثمان وتدافع عنه ، فيقول مثلاً فى نفى أبى ذرّ من قبل عثمان :

قال [أبو ذرّ لعثمان] : فتأذَنُ لى فى الخروج ؟ فإنّ المدينة ليست لى بدار .


(١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٥١ .
(٢) تهذيب التهذيب : ٢ / ٤٦٧ / ٣١٨٤ ، ميزان الاعتدال : ٢ / ٢٥٥ / ٣٦٣٧ .

 ١٨١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / ضرْب عمّار بن ياسر

فقال : أ وَتستبدل بها إلاّ شرّاً منها ؟ ! قال : أمرنى رسول الله  ½ أن أخرج منها إذا بلغ البناء سَلْعاً(١) . قال : فانفُذ لما أمرَك به .

قال : فخرج حتي نزل الرَّبَذة فخطّ بها مسجداً ، وأقطعه عثمان صِرْمَة(٢) من الإبل ، وأعطاه مملوكين ، وأرسل إليه : أنْ تعاهَدِ المدينة حتي لا ترتدّ أعرابيّاً ، ففعل .

وقال أيضاً : خرج أبو ذرّ إلي الربذة من قِبَل نفسه ، لمّا رأي عثمان لا ينزع(٣) له(٤) .

ونحن نعلم أنّ بعض الأباطيل حول "عبد الله بن سبأ" من مختلقاته أيضاً ; إذ منح لهذه الشخصيّة قابليّة عجيبة حتي جعلها عَلَماً لجميع ضروب الاحتجاج والاعتراض علي عثمان ومعاوية(٥) .

راجع : الثورة علي عثمان / عبد الله بن سبأ وجه مشبوه .

٤ / ٧ ـ ٢

ضرْب عمّار بن ياسر

١١٦٢ ـ أنساب الأشراف عن أبى مخنف ـ فى إسناده ـ : كان فى بيت المال بالمدينة سَفَط فيه حلى وجوهر ، فأخذ منه عثمان ما حلّي به بعض أهله ، فأظهر


(١) سَلْع : موضع بقرب المدينة (معجم البلدان : ٣ / ٢٣٦) .
(٢) الصِّرمَة : القطعة من الإبل ، قيل : هى ما بين العشرين إلي الثلاثين ، وقيل : ما بين الثلاثين إلي الخمسين والأربعين (لسان العرب :١٢ / ٣٣٧) .
(٣) أى ينجذب ويميل (النهاية : ٥/٤١).
(٤) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٨٤ .
(٥) راجع : الثورة علي عثمان / تحليل لأسباب الثورة علي عثمان .

 ١٨٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / ضرْب عمّار بن ياسر

الناسُ الطعن عليه فى ذلك وكلَّموه فيه بكلام شديد حتي أغضبوه ، فخطب فقال : لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفىء وإن رَغِمَت اُنوف أقوام .

فقال له علىّ : إذاً تُمنع من ذلك ويُحال بينك وبينه .

وقال عمّار بن ياسر : اُشهد الله أنّ أنفى أوّل راغم من ذلك .

فقال عثمان : أ عَلَىَّ يابن المَتْكاء(١) ! تجترئ ؟ خُذوه ، فاُخذ ودخل عثمان فدعا به فضربه حتي غُشى عليه ، ثمّ اُخرج فحُمل حتي اُتى به منزل اُمّ سلمة زوج رسول الله  ½ فلم ، يصلّ الظهر والعصر والمغرب ، فلمّا أفاق توضّأ وصلّي وقال : الحمد لله ، ليس هذا أوّل يوم اُوذينا فيه فى الله . . . .

وبلغ عائشة ما صنع بعمّار ، فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول الله  ½ ، وثوباً من ثيابه ، ونعلا من نعاله ، ثمّ قالت : ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم وهذا شعره وثوبه ونعله ولم يَبْلَ بعدُ ، فغضب عثمان غضباً شديداً حتي ما دري ما يقول(٢) .

١١٦٣ ـ تاريخ المدينة عن المغيرة : اجتمع ناس فكتبوا عيوب عثمان وفيهم : ابن مسعود ، فاجتمعوا بباب عثمان ليدخلوا عليه فيكلّموه ، فلمّا بلغوا الباب نكلوا إلاّ عمّار بن ياسر ; فإنّه دخل عليه فوعظه ، فأمر به فضُرب حتي فُتق ; فكان لا يستمسك بوله .

فقيل لعمّار : ما هذا ؟ قال : إنّى مُلَقّي من قريش ; لقيتُ منهم فى الإسلام كذا ،


(١) امرأة مَتْكاء : بَظْراء . وقيل : المُتكاء من النساء : التى لم تُخفَض ; ولذلك قيل فى السبّ : يا بن المتكاء (لسان العرب : ١٠ / ٤٨٥) .
(٢) أنساب الأشراف : ٦ / ١٦١ ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٤٩ ; الشافى : ٤ / ٢٨٩ .

 ١٨٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / ضرْب عمّار بن ياسر

وفعلوا بى كذا ، ثمّ دخلت علي هذا ـ يعنى عثمان ـ فأمرته ونهيته ، فصنع ما ترون ; فلا يستمسك بولى(١) .

١١٦٤ ـ أنساب الأشراف : يُقال : إنّ المقداد بن عمرو ، وعمّار بن ياسر ، وطلحة والزبير ، فى عدّة من أصحاب رسول الله  ½ كتبوا كتاباً عدّدوا فيه أحداث عثمان ، وخوّفوه ربّه ، وأعلموه أنّهم مواثبوه إن لم يقلع .

فأخذ عمّار الكتاب وأتاه به ، فقرأ صدراً منه ، فقال له عثمان : أ عَلَىَّ تقدمُ من بينهم ؟

فقال عمّار : لأنّى أنصحهم لك . فقال : كذبت يابن سميّة .

فقال : أنا والله ابن سميّة وابن ياسر . فأمر غلماناً له فمدّوا بيديه ورجليه ، ثمّ ضربه عثمان برجليه وهى فى الخُفّين علي مذاكيره ، فأصابه الفتق ، وكان ضعيفاً كبيراً فغشى عليه (٢) .

١١٦٥ ـ الاستيعاب : كان اجتماع بنى مخزوم إلي عثمان حين نال من عمّار غلمانُ عثمان ما نالوا من الضرب ، حتي انفتق له فَتْق فى بطنه ، ورغموا وكسروا ضلعاً من أضلاعه ، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا : والله لئن مات لا قَتَلْنا به أحداً غير عثمان(٣) .

١١٦٦ ـ الإمامة والسياسة : اجتمع ناس من أصحاب النبىّ عليه الصلاة والسلام فكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنّة رسول الله وسنّة صاحبيه ، وما


(١) تاريخ المدينة : ٣ / ١٠٩٩ .
(٢) أنساب الأشراف : ٦ / ١٦٢ ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٥٠ ، الفتوح : ٢ / ٣٧٢ ، الرياض النضرة : ٣ / ٨٥ كلاهما نحوه ; الشافى : ٤ / ٢٩٠ .
(٣) الاستيعاب : ٣ / ٢٢٧ / ١٨٨٣ ، شرح نهج البلاغة : ١٠ / ١٠٢ وج ٢٠ / ٣٦ .

 ١٨٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / ضرْب عمّار بن ياسر

كان من هبته خمس إفريقيّة لمروان وفيه حقّ الله ورسوله ، ومنهم ذوو القربي واليتامي والمساكين .

وما كان من تطاوله فى البنيان ، حتي عدّوا سبع دور بناها بالمدينة : داراً لنائلة ، وداراً لعائشة وغيرهما من أهله وبناته . وبنيان مروان القصور بذى خشب ، وعمارة الأموال بها من الخمس الواجب لله ولرسوله .

وما كان من إفشائه العمل والولايات فى أهله وبنى عمّه من بنى اُميّة ـ أحداث وغلمة ـ لا صحبة لهم من الرسول  ½ ولا تجربة لهم بالاُمور .

وما كان من الوليد بن عقبة بالكوفة إذ صلّي بهم الصبح وهو أمير عليها سكران أربع ركعات ، ثمّ قال لهم : إن شئتم أزيدكم صلاة زدتكم ، وتعطيله إقامة الحدّ عليه ، وتأخيره ذلك عنه .

وتركه المهاجرين والأنصار لا يستعملهم علي شىء ولا يستشيرهم ، واستغني برأيه عن رأيهم .

وما كان من الحمي الذى حمي حول المدينة ، وما كان من إدراره القطائع والأرزاق والأعطيات علي أقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النبىّ عليه الصلاة والسلام ، ثمّ لا يغزون ولا يذبّون .

وما كان من مجاوزته الخيزران إلي السوط ، وأنّه أوّل من ضرب بالسياط ظهور الناس ، وإنّما كان ضرب الخليفتين قبله بالدرة والخيزران . ثمّ تعاهد القوم ليدفعنّ الكتاب فى يد عثمان ، وكان ممّن حضر الكتاب : عمّار بن ياسر ، والمقداد بن الأسود ، وكانوا عشرة ; فلمّا خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلي عثمان والكتاب فى يد عمّار ، جعلوا يتسلّلون عن عمّار حتي بقى وحده ، فمضي حتي جاء دار عثمان ، فاستأذن عليه ، فأذن له فى يوم شات ، فدخل عليه وعنده

 ١٨٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / ضرْب عمّار بن ياسر

مروان ابن الحكم وأهله من بنى اُميّة ، فدفع إليه الكتاب فقرأه ، فقال له : أنت كتبت هذا الكتاب ؟ قال : نعم . قال : ومن كان معك ؟ قال : كان معى نفرٌ تفرّقوا فَرَقاً(١) منك .

قال : من هم ؟ قال : لا اُخبرك بهم .

قال : فَلِمَ اجترأت علىّ من بينهم ؟ فقال مروان : يا أمير المؤمنين ! إنّ هذا العبد الأسود ـ يعنى عمّاراً ـ قد جرّأ عليك الناس ، وإنّك إن قتلته نكّلت به مَن وراءه .

قال عثمان : اضربوه ، فضربوه وضربه عثمان معهم حتي فتقوا بطنه ، فغشى عليه ، فجرّوه حتي طرحوه علي باب الدار ، فأمرت به اُمّ سلمة زوج النبىّ عليه الصلاة والسلام ، فاُدخل منزلها .

وغضب فيه بنو المغيرة وكان حليفهم ، فلمّا خرج عثمان لصلاة الظهر ، عرض له هشام بن الوليد بن المغيرة ، فقال : أما والله لئن مات عمّار من ضربه هذا لأقتلنّ به رجلا عظيماً من بنى اُميّة ، فقال عثمان : لست هناك(٢) .

١١٦٧ ـ الفتوح ـ في خبر وفاة أبى ذرّ ـ : بلغ ذلك عثمان ، فقال : رحم الله أبا ذرّ ! فقال عمّار بن ياسر : فرحم الله أبا ذرّ من كلّ قلوبنا ! فغضب عثمان ثمّ قال : يا كذا وكذا أ تظنّ أنّى ندمت علي تسييره إلي رَبَذة ؟

قال عمّار : لا والله ما أري ذلك !

قال عثمان : ادفعوا فى قفاه ، وأنت فالحقْ بالمكان الذى كان فيه أبو ذرّ ، ولا تبرحه أبداً ما بقيت وأنا حىٌّ .


(١) الفَرَق : الخوف والفزع (النهاية : ٣ / ٤٣٨) .
(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ٥٠ .

 ١٨٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / ضرْب عمّار بن ياسر

فقال عمّار : والله إنّ جوار السباع لأحبّ إلىّ من جوارك ; ثمّ قام عمّار فخرج من عنده .

قال : وعزم عثمان علي نفى عمّار ، وأقبلت بنو مخزوم إلي علىّ بن أبى طالب   ¢ فقالوا : إنّه يا أبا الحسن قد علمت بأنّا أخوال أبيك أبى طالب ، وهذا عثمان بن عفّان قد أمر بتسيير عمّار بن ياسر ، وقد أحببنا أن نلقاه فنكلّمه فى ذلك ونسأله أن يكفّ عنه ولا يؤذينا فيه ، فقد وثب عليه مرّة ففعل به ما فعل ، وهذه ثانية ، ونخاف أن يخرج معه إلي أمر يندم ونندم نحن عليه .

فقال : أفعل ذلك فلا تعجلوا ، فو الله لو لم تأتونى فى هذا لكان ذلك من الحقّ الذى لا يسعنى تركه ولا عذر لى فيه .

قال : ثمّ أقبل علىّ   ¢ حتي دخل علي عثمان فسلّم وجلس فقال : اتّقِ الله أيُّها الرجل ، وكفّ عن عمّار وغير عمّار من الصحابة ; فإنّك قد سيّرت رجلا من صلحاء المسلمين وخيار المهاجرين الأوّلين ، حتي هلك فى تسييرك إيّاه غريباً ، ثمّ إنّك الآن تريد أن تنفى نظيره من أصحاب رسول الله  ½ !

فقال عثمان : لأنت أحقّ بالمسير منه ، فو الله ما أفسد علىَّ عمّاراً وغيره سواك !

فقال علىّ   ¢ : والله يا عثمان ! ما أنت بقادر علي ذلك ولا إليه بواصل ، فروّمْ(١) ذلك إن شئت . وأمّا قولك : إنّى اُفسدهم عليك ، فو الله ما يفسدهم عليك إلاّ نفسُك ; لأنّهم يرون ما ينكرون ; فلا يسعهم إلاّ تغيير ما يرون . . . .

ثمّ أقبل علىّ   ¢ علي عمّار بن ياسر فقال له : اجلس فى بيتك ولا تبرح منه ، فإنّ الله تبارك وتعالي مانعك من عثمان وغير عثمان ، وهؤلاء المسلمون معك .


(١) من روّمتُ فلاناً : إذا جعلته يطلب الشىء (لسان العرب : ١٢/٢٥٨).

 ١٨٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / ضرب عبد الله بن مسعود وتسييره

فقالت بنو مخزوم : والله يا أبا الحسن ! لئن نصرتنا وكنت معنا لا وصل إلينا عثمان بشىء نكرهه أبداً .

وبلغ ذلك عثمان فكفّ عن عمّار وندم علي ما كان منه(١) .

٤ / ٧ ـ ٣

ضرب عبد الله بن مسعود وتسييره

١١٦٨ ـ تاريخ المدينة عن إسماعيل بن أبى خالد : إنّ الوليد بن عقبة كتب إلي عثمان يبغضه علي ابن مسعود ، وأنّ عثمان سيّره من الكوفة إلي المدينة ، وحرمه عطاءه ثلاث سنين (٢) .

١١٦٩ ـ تاريخ المدينة عن إسماعيل بن أبى خالد : لمّا بلغ عثمان أنّ عبد الله مريض حمل إليه عطاءه خمسة عشر ألفاً ، وكان عطاء البدريّين خمسة آلاف ، فدخل عليه عثمان فقال : كيف تجدك ؟ قال : مردود إلي مولاى الحقّ . قال : يرحمك الله ، كأنّها ظِنّة ، هذا عطاؤك خمسة عشر ألفاً فاقبضه . قال : منعتنيه إذ كان ينفعنى ! فأنا آخذه منك يوم القيامة . فانصرف ولم يقبل عطاءه(٣) .

١١٧٠ ـ أنساب الأشراف عن أبى مخنف وعوانة : أنّ عبد الله بن مسعود حين ألقي مفاتيح بيت المال إلي الوليد بن عقبة قال : من غيّر غيّر الله ما به ، ومن بدّل أسخط الله عليه ، وما أري صاحبكم إلاّ وقد غيّر وبدّل ، أ يُعزل مثل سعد بن أبى وقّاص ويولّي الوليد ؟ وكان يتكلّم بكلام لا يدعه وهو : إنّ أصدق القول كتاب الله ، وأحسن الهدى هدى محمّد  ½ ، وشرّ الاُمور محدثاتها ، وكلّ محدث


(١) الفتوح : ٢ / ٣٧٨ وراجع أنساب الأشراف : ٦ / ١٦٩ وتاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٧٣ .
(٢) تاريخ المدينة : ٣ / ١٠٤٩ .
(٣) تاريخ المدينة : ٣ / ١٠٥١ .

 ١٨٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / ضرب عبد الله بن مسعود وتسييره

بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة فى النار .

فكتب الوليد إلي عثمان بذلك وقال : إنّه يعيبك ويطعن عليك ، فكتب إليه عثمان يأمره بإشخاصه ، وشيّعه أهلُ الكوفة ، فأوصاهم بتقوي الله ولزوم القرآن ، فقالوا له : جُزِيْتَ خيراً ; فلقد علّمت جاهلنا ، وثبّتّ عالمنا ، وأقرأتنا القرآن ، وفقّهتنا فى الدين ، فنعم أخو الإسلام أنت ونعم الخليل ، ثمّ ودّعوه وانصرفوا .

وقدم ابن مسعود المدينة وعثمان يخطب علي منبر رسول الله  ½ ، فلمّا رآه قال : ألا إنّه قدمت عليكم دويبة سوء ، مَن تَمْشِ علي طعامه يقئ ويسْلَحْ(١) .

فقال ابن مسعود : لستُ كذلك ، ولكنّى صاحب رسول الله  ½ يوم بدر ، ويوم بيعة الرضوان .

ونادت عائشة : أى عثمان ! أ تقول هذا لصاحب رسول الله  ½ ؟

ثمّ أمر عثمان به فاُخرج من المسجد إخراجاً عنيفاً ، وضرب به عبدُ الله بن زمعة بن الأسود بن المطّلب بن أسد بن عبد العُزّي بن قُصَى الأرض ، ويقال : بل احتمله يحموم غلام عثمان ورِجلاه تختلفان علي عنقه ، حتي ضرب به الأرض ، فدقّ ضِلْعه .

فقال علىّ : يا عثمان ! أ تفعل هذا بصاحب رسول الله  ½ بقول الوليد بن عقبة ؟

فقال : ما بقول الوليد فعلتُ هذا ، ولكن وجّهت زُبيد بن الصلت الكندى إلي الكوفة ، فقال له ابن مسعود : إنّ دم عثمان حلال .

فقال علىّ : أحَلْتَ من زبيد علي غير ثقة . . . وقام علىّ بأمر ابن مسعود حتي


(١) السُّلاح : النَّجْو [أى الغائط] ، وقد سَلَحَ الرجُل يَسْلَح سَلْحاً (تاج العروس : ٤ / ٩٢) .

 ١٨٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / ضرب عبد الله بن مسعود وتسييره

أتي به منزله ، فأقام ابن مسعود بالمدينة لا يأذن له عثمان فى الخروج منها إلي ناحية من النواحى ، وأراد حين برئ الغزوَ ، فمنعه من ذلك ،

وقال له مروان : إنّ ابن مسعود أفسد عليك العراق ، أ فتريد أن يُفسد عليك الشام ؟

فلم يبرح المدينة حتي تُوفّى قبل مقتل عثمان بسنتين ، وكان مقيماً بالمدينة ثلاث سنين . وقال قوم : إنّه كان نازلا علي سعد بن أبى وقّاص .

ولمّا مرض ابن مسعود مرضه الذى مات فيه أتاه عثمان عائداً فقال : ما تشتكى ؟ قال : ذنوبى .

قال : فما تشتهى ؟ قال : رحمة ربّى .

قال : أ لا أدعو لك طبيباً ؟ قال : الطبيب أمرضنى .

قال : أ فلا آمر لك بعطائك ؟ قال : منعتنيه وأنا محتاج إليه ، وتعطينيه وأنا مستغن عنه ؟

قال : يكون لولدك ، قال : رزقهم علي الله .

قال : استغفر لى يا أبا عبد الرحمن . قال : أسأل الله أن يأخذ لى منك بحقّى .

وأوصي أن لا يصلّى عليه عثمان ، فدُفن بالبقيع وعثمان لا يعلم ، فلمّا علم غضب وقال : سبقتمونى به ؟ ! فقال له عمّار بن ياسر : إنّه أوصي أن لا تصلّى عليه ; وقال الزبير :

لأعرفنّك بعد الموت تندُبُنى وفى حياتىَ ما زوَّدتنى زادى(١)

(١) أنساب الأشراف : ٦ / ١٤٦ وراجع شرح نهج البلاغة : ٣ / ٤٢ والشافى : ٤ / ٢٧٩ .

 ١٩٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / تسيير عبد الرحمن بن حنبل

٤ / ٧ ـ ٤

تسيير عبد الرحمن بن حنبل

١١٧١ ـ تاريخ اليعقوبى : سيّر [عثمانُ] عبد الرحمن بن حنبل(١) صاحب رسول الله إلي القموس(٢) من خيبر ، وكان سبب تسييره إيّاه أنّه بلغه كرهه مساوئ ابنه وخاله ، وأنّه هجاه(٣) .

٤ / ٧ ـ ٥

تسيير عامر بن قيس

١١٧٢ ـ المعارف : سيّر [عثمانُ] عامرَ بن عبد القيس(٤) من البصرة إلي الشام(٥) .


(١) هو من البدريّين ، وكان من مبغضى عثمان . حبسه عثمان ، وبعد استخلاصه بتوصية الإمام علىّ  ¼ سيّره إلي خيبر . قال فى رجزه فى حرب صفّين :
إن تقتلونى فأنا ابن حنبلْأنا الذى قد قلت : فيكم نعثلْ
وقتل فى تلك الحرب ، وقد نصح الإمامَ عليّاً  ¼ وهو فى آخر رمق فقال له : قاتِل عن المعركة حتي تجعلها خلف ظهرك (راجع : قاموس الرجال : ٦ / ١٠٥ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٦ ، رجال الطوسى: ٧٣ /٦٨٦) .

(٢) كذا فى المصدر . وفى معجم البلدان (٤ / ٣٩٨) : القَمُوص : جبل بخيبر ، عليه حصن أبى الحُقيق اليهودى .
(٣) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٧٣ .
(٤) عامر بن عبد قيس : من الزهّاد الثمانية (رجال الكشّى : ١ / ٣١٣ / ١٥٤ ; البيان والتبيين : ٣ / ١٩٣) ، مجمعاً علي جلالته ، ولد بالبصرة ، وكان معرِضاً عن زخارف الدنيا ، أنكر علي عثمان أحداثه فى الدين ، فقام عثمان بإبعاده إلي الشام . ولمزيد الاطّلاع علي تحريفات سيف بن عمر لهذه الوقعة راجع تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٢٧ و٣٢٨ وتاريخ دمشق : ٢٦ / ١٨ ـ ٢٤ .
(٥) المعارف لابن قتيبة : ١٩٥ ، العقد الفريد : ٣ / ٢٩١ وراجع البداية والنهاية : ٧ / ١٦٦ .

 ١٩١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / ضرب كعب بن عبدة وتسييره

١١٧٣ ـ أنساب الأشراف عن أبى مخنف لوط بن يحيي وغيره : كان عامر بن عبد قيس التميمى يُنكر علي عثمان أمره وسيرته ، فكتب حمران بن أبان ـ مولي عثمان ـ إلي عثمان بخبره ، فكتب عثمان إلي عبد الله بن عامر بن كُريز فى حمله فحمَله(١) .

١١٧٤ ـ تاريخ الطبرى عن العلاء بن عبد الله بن زيد العنبرى : اجتمع ناس من المسلمين ، فتذاكروا أعمال عثمان وما صنع ، فاجتمع رأيهم علي أن يبعثوا إليه رجلا يكلّمه ، ويخبره بإحداثه .

فأرسلوا إليه عامر بن عبد الله التميمى ثمّ العنبرى ـ وهو الذى يُدعي عامر بن عبد قيس ـ فأتاه ، فدخل عليه ، فقال له : إنّ ناساً من المسلمين اجتمعوا فنظروا فى أعمالك ، فوجدوك قد ركبت اُموراً عظاماً ، فاتّقِ الله عزّ وجلّ ، وتُب إليه ، وانزع عنها .

قال له عثمان : انظر إلي هذا ; فإنّ الناس يزعمون أنّه قارئ ، ثمّ هو يجىء فيكلّمنى فى المحقّرات ، فو الله ما يدرى أين الله !

قال عامر : أنا لا أدرى أين الله ؟

قال : نعم ، والله ما تدرى أين الله .

قال عامر : بلي والله ، إنّى لأدرى أنّ الله بالمرصاد لك(٢) .

٤ / ٧ ـ ٦

ضرب كعب بن عبدة وتسييره

١١٧٥ ـ أنساب الأشراف : كتب جماعة من القرّاء [أى من قُرّاء الكوفة] إلي


(١) أنساب الأشراف: ٦ / ١٧٢ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٣٣ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٧٤ نحوه .

 ١٩٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / ضرب كعب بن عبدة وتسييره

عثمان ، منهم : مَعْقِل بن قيس الرياحى ، وعبد الله بن الطُّفيل العامرى ، ومالك بن حبيب التميمى ، ويزيد بن قيس الأرحبى ، وحجر بن عدىّ الكندى ، وعمرو بن الحمق الخزاعى ، وسليمان بن صُرَد الخزاعى ويكنّي أبا مُطَرِّف ، والمسيّب بن نجبة الفزارى ، وزيد بن حِصْن الطائى ، وكعب بن عَبْدة النَّهْدى ، وزياد بن النضْر بن بشر بن مالك بن الديّان الحارثى ، ومسلمة بن عبد القارى من القارة من بنى الهون بن خزيمة بن مدركة : أنّ سعيداً كثر علي قوم من أهل الورع والفضل والعفاف ، فحملك فى أمرهم علي ما لا يحلّ فى دين ، ولا يحسن فى سماع ، وإنّا نذكّرك الله فى اُمّة محمّد ; فقد خفنا أن يكون فساد أمرهم علي يديك ; لأنّك قد حملت بنى أبيك علي رقابهم ، واعلم أنّ لك ناصراً ظالماً وناقماً عليك مظلوماً ، فمتي نصرك الظالم ونقم عليك الناقم تباين الفريقان واختلفت الكلمة ، ونحن نُشهد عليك الله وكفي به شهيداً ; فإنّك أميرنا ما أطعت الله واستقمت ، ولن تجد دون الله مُلْتَحداً(١) ولا عنه منتقذاً .

ولم يسمّ أحد منهم نفسه فى الكتاب ، وبعثوا به مع رجل من عنزة يكنّي أبا ربيعة ، وكتب كعب بن عبدة كتاباً من نفسه تسمّي فيه ودفعه إلي أبى ربيعة . . .

ويقال : إنّ عثمان لمّا قرأ كتاب كعب ، كتب إلي سعيد فى إشخاصه إليه ، فأشخصه إليه مع رجل أعرابىّ من أعراب بنى أسد ، فلمّا رأي الأعرابىّ صلاته وعرف نسكه وفضله قال :

ليت حظّى من مَسيرى بكعبِ عفوهُ عنّى وغُفْرانُ ذنبى

فلمّا قدم به علي عثمان قال عثمان : لأن تسمع بالمُعَيْدى خيرٌ من أن تراه(٢) ،


(١) المُلْتَحَد : الملجأ (لسان العرب : ٣ / ٣٨٩) .
(٢) مثل يُضرب لمن خَبَرُه خير من مَرْآه . وأوّل من قاله المنذر ابن ماء السماء (مجمع الأمثال : ١ / ٢٢٧) .

 ١٩٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / ضرب كعب بن عبدة وتسييره

وكان شابّاً حديث السنّ نحيفاً ، ثمّ أقبل عليه فقال : أ أنت تعلّمنى الحقّ وقد قرأتُ كتاب الله وأنت فى صُلْب رجل مشرك ؟

فقال له كعب : إنّ إمارة المؤمنين إنّما كانت لك بما أوجبَتْه الشُوري حين عاهدتَ الله علي نفسك لتسيرنّ بسيرة نبيّه لا تقصّر عنها ، وإن يشاورونا فيك ثانيةً نقلناها عنك .

يا عثمان ! إنّ كتاب الله لمن بلغه وقرأه ، وقد شركناك فى قراءته ، ومتي لم يعمل القارئ بما فيه كان حجّةً عليه .

فقال عثمان : والله ، ما أظنّك تدرى أين ربّك ؟

فقال : هو بالمرصاد .

فقال مروان : حلمك أغري مثل هذا بك وجرّأه عليك .

فأمر عثمان بكعب فجُرّد وضرب عشرين سوطاً وسيّره إلي "دَباوَنْد(١)" ، ويقال : إلي "جبل الدُّخان" .

فلمّا ورد علي سعيد حمله مع بُكير بن حُمران الأحمرى ، فقال الدهقان الذى ورد عليه : لِمَ فُعل بهذا الرجل ما أري ؟

قال بُكير : لأنّه شرير ! فقال : إنّ قوماً هذا من شرارهم لَخيارٌ .

ثمّ إنّ طلحة والزبير وبّخا عثمان فى أمر كعب وغيره ، وقال طلحة : عند غِبّ الصَّدَرِ تُحْمَدُ عاقبة الوِرْد ، فكتب فى ردّ كعب وحمله إليه ، فلمّا قدم عليه نزع


(١) مدينة دَبَاوَنْد وهو المشهور الآن بـ دماوند . قرب طهران عاصمة إيران وهى تقطع علي صفح جبل دماوند أعظم جبل فى إيران .

 ١٩٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / تسيير جماعة من صلحاء الاُمّة

ثوبه وقال : يا كعب اقتصّ ، فعفا(١) .

٤ / ٧ ـ ٧

تسيير جماعة من صلحاء الاُمّة

١١٧٦ ـ تاريخ الطبرى عن الشعبى : قدم سعيد بن العاص الكوفة ، فجعل يختار وجوه الناس يدخلون عليه ويسمُرون عنده ; وإنّه سمر عنده ليلةً وجوه أهل الكوفة ، منهم : مالك بن كعب الأرحبىّ ، والأسود بن يزيد ، وعلقمة بن قيس النخعيّان ، وفيهم : مالك الأشتر فى رجال .

فقال سعيد : إنّما هذا السواد بستان لقريش !

فقال الأشتر : أ تزعم أنّ السواد الذى أفاءه الله علينا بأسيافنا بستان لك ولقومك ؟ ! والله ما يزيد أوفاكم فيه نصيباً إلاّ أن يكون كأحدنا ، وتكلّم معه القوم .

فقال عبد الرحمن الأسدىّ ـ وكان علي شرطة سعيد ـ : أ تردّون علي الأمير مقالته ؟ وأغلظ لهم .

فقال الأشتر : مَن هاهنا ؟ لا يفوتنّكم الرجل ، فوثبوا عليه فوطؤوه وطْأً شديداً ، حتي غُشى عليه ، ثمّ جُرّ برجله فاُلقِىَ . . .

فكتب سعيد إلي عثمان يخبره بذلك ويقول : إنّ رهطاً من أهل الكوفة ـ سمّاهم له عشرة ـ يؤلّبون ويجتمعون علي عيبك وعيبى والطعن فى ديننا ، وقد خشيت إن ثبت أمرهم أن يكثروا .

فكتب عثمان إلي سعيد : أن سيّرهم إلي معاوية ـ ومعاوية يومئذ علي الشام


(١) أنساب الأشراف: ٦ / ١٥٣ وراجع الفتوح : ٢ / ٣٩٠ ـ ٣٩٤ .

 ١٩٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / تسيير جماعة من صلحاء الاُمّة

فسيّرهم ـ وهم تسعة نفر ـ إلي معاوية ، فيهم : مالك الأشتر ، وثابت بن قيس بن منقع ، وكُمَيل بن زياد النخعى ، وصعصعة بن صوحان(١) .

١١٧٧ ـ أنساب الأشراف : لمّا خرج المسيَّرون من قُرّاء أهل الكوفة فاجتمعوا بدمشق نزلوا مع عمرو بن زُرارة ، فبرّهم معاوية وأكرمهم ، ثمّ إنّه جري بينه وبين الأشتر قول حتي تغالظا ، فحبسه معاوية . . .

وبلغ معاوية أنّ قوماً من أهل دمشق يجالسون الأشتر وأصحابه ، فكتب إلي عثمان : إنّك بعثت إلىّ قوماً أفسدوا مصرهم وأنغلوه(٢) ، ولا آمنُ أن يفسدوا طاعة من قِبَلى ويعلّموهم ما لا يُحسنونه حتي تعود سلامتهم غائلةً ، واستقامتهم اعوجاجاً .

فكتب إلي معاوية يأمره أن يسيّرهم إلي حِمْص(٣) ففعل ، وكان واليها عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة . ويقال : إنّ عثمان كتب فى ردّهم إلي الكوفة ، فضجّ منهم سعيد ثانية ، فكتب فى تسييرهم إلي حمص ، فنزلوا الساحل(٤) .

١١٧٨ ـ تاريخ الطبرى عن الشعبى ـ فى خبر مسيّرة الكوفة ـ : كتب [معاوية ] إلي عثمان : لست آمن إن أقاموا وسط أهل الشام أن يغرّوهم بسحرهم


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٢٢ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٦٧ ، الفتوح : ٢ / ٣٨٤ كلاهما نحوه .
(٢) من النَّغل ; الفساد ، وقد نَغِل الأديم ، إذا عَفِن وتهرّي فى الدِّباغ ، فينفسد ويهلِك (النهاية : ٥ / ٨٨) .
(٣) حِمْص : أحد قواعد الشام ، وتقع إلي الشمال من مدينة دمشق تبعد عنها١٥٠ كيلو متراً ، وهى ذات بساتين ، وشربها من نهر العاصى . دخلت هذه المدينة تحت سيطرة المسلمين فى سنة ١٥ للهجرة (راجع تقويم البلدان : ٢٦١).
(٤) أنساب الأشراف: ٦ / ١٥٥ .

 ١٩٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الرابع : مبادئ الثورة علي عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / تسيير جماعة من صلحاء الاُمّة

وفجورهم ! فارددهم إلي مصرهم ; فلتكن دارهم فى مصرهم الذى نجم فيه نفاقهم ، والسلام .

فكتب إليه عثمان يأمره أن يردّهم إلي سعيد بن العاص بالكوفة ، فردّهم إليه ، فلم يكونوا إلاّ أطلق ألسنةً منهم حين رجعوا .

وكتب سعيد إلي عثمان يضجّ منهم ; فكتب عثمان إلي سعيد أن سيِّرْهم إلي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ; وكان أميراً علي حمص .

وكتب إلي الأشتر وأصحابه : أمّا بعد ; فإنّى قد سيّرتكم إلي حمص ، فإذا أتاكم كتابى هذا فاخرجوا إليها ; فإنّكم لستم تأْلون(١) الإسلام وأهله شرّاً ، والسلام .

فلمّا قرأ الأشتر الكتاب ، قال : اللهمّ ! أسوأنا نظراً للرعيّة ، وأعملنا فيهم بالمعصية ، فعجِّل له النقمة .

فكتب بذلك سعيد إلي عثمان ، وسار الأشتر وأصحابه إلي حمص ; فأنزلهم عبد الرحمن بن خالد الساحل ، وأجري عليهم رزقاً(٢) .


(١) يقال : فُلانٌ لا يألوا خيراً ; أى لا يدعه ولا يزال يفعله (لسان العرب : ١٤ / ٤٠) .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٢٥ وراجع الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٧١ .