١٩٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان
قام عثمان بن عفّان من بين أعضاء الشوري التى كان عمر بن الخطّاب قد شكّلها ، فتربّع علي أريكة الحكم . وأرسي دعائم حكومته منذ البداية علي قواعد مخالفة للسيرة النبويّة(١) . وكانت ممارساته ، سواءً فى تعامله مع الناس والصحابة ، أم كانت فى موقفه من أحكام الدين مَدْعاةً لاحتجاج الأمّة عليه ، فوُصِم بمعارضة السنّة النبويّة وانتهاك حُرمة الدين . وكان منقاداً لبِطانةِ سقيمة الفكر زائغة النهج قد حاقت به ، فلم تدعه يأخذ الخطر المُحْدِق به مأخذ الجدّ ، ولا يكترث بالاحتجاجات والانتقادات الموجّهة إليه . تدلّ النصوص المذكورة فى الصفحات المتقدّمة علي اتّساع نطاق الشذوذ فى حكومة عثمان ، كما تدلّ علي زيغه عن الحقّ وإلغائه للمعايير السليمة . ويري بعض المؤرّخين أنّ السنين الستّ الاُولي من حكومته كانت هادئة لم تطرأ فيها (١) راجع : مبادئ الثورة علي عثمان / العفو عن قاتل الهرمزان وابنة أبى لؤلؤة . ١٩٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان
حادثة تُذكَر ولم يعترض عليها أحدٌ يومئذ ، ثمّ حدثت تبدّلات متنوّعة(١) ، ولكن هذا الرأى لم يكن صحيحاً ، إذ بدأ عثمان انحرافه منذ الأيّام الاُولي لتبلور حكومته ، بإرجاعه الحكم بن العاص ومروان ، وتسليطهما علي الاُمّة ، وزاد فى ذلك أيضاً بتأمير أقاربه علي الأمصار ، وإسرافه الفاضح من بيت المال . فأثار عمله هذا صحابة النبىّ ½ منذ البداية ، بَيْد أنّ المعارضة العامّة والنهوض والتحرّك الجماعى ضدّه حدثت فى السنين الستّ الأخيرة من حكومته(٢) . فى سنة (٣٣ هـ ) أقدم عثمان علي نفى ثلّة من كبار أهل الكوفة وصالحيهم ، وكان فيهم بعض الصحابة أيضاً(٣) . وبعد مدّة ثار الكوفيّون فى سنة (٣٤ هـ ) مطالبين بعزل سعيد بن العاص والى الكوفة ، فلم يُصغِ عثمان إلي طلبهم ، فحالوا دون دخوله مدينتهم مقاوِمين . فاضطرّ عثمان بعدئذ إلي عزله راضخاً لمطالبهم ـ وكان سعيد من أقربائه ـ وعيّن مكانه أبا موسي الأشعرى الذى كان يرتضيه أهل الكوفة . وفى تلك السنة تراسل الصحابة وخطّطوا للثورة علي عثمان طاعنين بتصرّفاته الشاذّة . وممّا جاء فى مراسلاتهم قولهم : "إن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد" . وبلّغ أمير المؤمنين ¼ عثمان احتجاجات الصحابة ، ووعظه باُسلوب ليّن لعلّه يثوب إلي رشده ، ويغيّر منهجه فى الحكم ، ويستقيم علي الطريقة ، لكنّه لم يستجب وخطب خطبة شديدة اللهجة عنّف فيها المعترضين ولجأ فيها إلي التهديد . (١) تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٤٣١ . ١٩٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان
وكتب طلحة وبعض الصحابة الآخرين كتاباً إلي أهل مصر (و غيرها من الأمصار الإسلاميّة) يَدْعونهم فيها إلي الثورة علي عثمان . وفى أعقاب هذه الدعوة وسواها ، ونتيجةً لجميع ضروب الشذوذ ، وعدم اعتناء عثمان باحتجاجات الناس وانتقاداتهم تقاطر علي المدينة جماعات مختلفة من مصر ، والكوفة ، والبصرة ، وحاصروا عثمان يؤازرهم عدد من الصحابة ، وطالبوه بكلّ حزم أن يعتزل الحكم . وكان لعائشة ، وطلحة بن عبيد الله ، وعمرو بن العاص دور مهمّ فى إلهاب الثورة عليه . وقالت عائشة قولها المشهور فيه إبّان تلك الأحداث : "اقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلاً" . وتناقلت الألسن قولها هذا ، واشتهر فى الآفاق بعد ذلك التاريخ . ويبدو أنّ عثمان قد أفاق بعدئذ من نومه الثقيل الذى كانت بطانته قد فرضته عليه من قبل ، وشعر بالخطر . من هنا ، طلب من الإمام ¼ أن يصرف الثوّار عن أهدافهم ، وعاهده علي تغيير سياسته ، والعمل كما يريدون ، فتكلّم الامام ¼ معهم وأقنعهم بفكّ الحصار عنه ، ووعدهم عثمان بتلبية طلباتهم وألاّ يكرّر النهج الذى كان قد سلكه من قبل وأن يعمل بكتاب الله تعالي ، وسنّة نبيّه ½ . . . وخطب عثمان خطبة أعلن فيها صراحةً توبته من فعلاته السابقة ، وقال أمام الحشد الغفير من المسلمين : "أستغفر الله ممّا فعلتُ وأتوب إليه" . وقال نادماً ، وهو غارق فى حيرته : "فو الله ، لئن ردّنى الحقّ عبداً لاَستنّ بسنّة العبد ، ولاَذلنّ ذلّ العبد ، ولاَكوننّ كالمرقوق . . ." . وانتهي الحصار ، وعاد المصريّون إلي بلادهم مع واليهم الجديد محمّد بن ٢٠٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان
أبى بكر ، وعزم سائر المسلمين علي الرجوع إلي مدائنهم ، وآبَ أهل المدينة إلي دورهم وحياتهم اليوميّة . . . لكن المؤسف أنّ هذه التوبة لم تدم طويلاً ، فقد تدخّلت البطانة الأمويّة المريضة الفكر والعمل ـ لا سيّما مروان ـ وجعلته يعدل عن قراره ، وافتعلت ضجّة ضيّقت عليه الأرض بما رحبت ، فتراجع ونقض جميع وعوده ، والثوّار لمّا يصلوا إلي أمصارهم بعد . وكان هذا التغيّر فى الموقف علي درجة من القبح حتي صاحت نائلة زوجته قائلةً : "إنّهم والله قاتلوه ومؤثّموه ، إنّه قال مقالةً لا ينبغى أن ينزع عنها" . وحين كان المصريّون فى طريق عودتهم إلي مصر ـ بعد وعود عثمان ـ تفطّنوا فى أحد المواضع إلي أنّ غلاماً لعثمان متوجّه إلي مصر أيضاً ، فشكّوا فيه واستوقفوه ، فاستبان أنّه رسوله إلي مصر ، وفتّشوه فوجدوا عنده حكم عثمان إلي واليه علي مصر عبد الله بن سعد بن أبى سرح يأمره فيه بقتل عدد من الثوّار . وكان الكتاب بخطّ كاتب عثمان وعليه ختمه ، وعندئذ عاد الثوّار إلي المدينة وحاصروا عثمان مرّة أخري . . . فلم يُجْدِ نفعاً حينئذ كلام وسيط ، ولم تُقبل توبة . . . واستغاث عثمان هذه المرّة بمعاوية يستنجده لإنقاذه بشكل من الأشكال . بَيْد أنّ معاوية الذى كان متعطّشاً للسلطة والتسلّط وجد الفرصة مؤاتية لركوب الموجة والقفز علي أريكة الحكم . من هنا لم يُسارع إلي إغاثة عثمان والذبّ عنه وإنقاذه حتي يقتل ، ومن ثمّ يتربّع علي العرش بذريعة المطالبة بدمه . ودام الحصار أربعين يوماً . وفيها طلب عثمان من الإمام ¼ مرّتين أن يخرج ٢٠١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / التمرّد فى الكوفة
من المدينة ، فاستجاب ¼ لذلك . كما طلب منه فى كلّ منهما أن يرجع ، وفعل ¼ أيضاً . وأعان كبار الصحابة الثوّار فى هذا الحصار . والقلّة الباقية منهم كانوا إمّا مؤيّدين لعثمان ، أو لم يبدوا معارضة علنيّة له . وهكذا قُتل عثمان فى اليوم الثامن عشر من ذى الحجّة سنة (٣٥ هـ ) بفعل اقتحام الثوّار داره ـ بعد أن كان أحدهم قد قُتل بسيف مروان . وسنتحدّث فى بداية الفصول القادمة عن العوامل التى مهّدت لثورة المسلمين علي عثمان ومقتله . ٥ / ١ ١١٧٩ ـ أنساب الأشراف : كتب عثمان إلي اُمرائه فى القدوم عليه للذى رأي من ضجيج الناس وشكيّتهم ، فقدم عليه معاوية من الشام ، وعبد الله بن سعد بن أبى سرح من المغرب ، وعبد الله بن عامر بن كريز من البصرة ، وسعيد بن العاص من الكوفة . . . . واغتنم أهل الكوفة غيبة معاوية عن الشام فكتبوا إلي إخوانهم الذين بحمص مع هانئ بن خطّاب الأرحبى يدعونهم إلي القدوم ، ويشجّعونهم عليه ، ويعلمونهم أنّه لا طاعة لعثمان مع إقامته علي ما ينكر منه . فسار إليهم هانئ بن خطّاب مُغِذّاً(١) للسير راكباً للفلاة ، فلمّا قرؤوا كتاب أصحابهم أقبل الأشتر والقوم المسيَّرون حتي قدموا الكوفة ، فأعطاه القُرّاء والوجوه جميعاً مواثيقهم وعهودهم أن لا يدعوا سعيد بن العاص يدخل الكوفة ٢٠٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / التمرّد فى الكوفة
والياً أبداً . . . وقام مالك بن الحارث الأشتر يوماً فقال : إنّ عثمان قد غيّر وبدّل ، وحضّ الناس علي منع سعيد من دخول الكوفة . فقال له قبيصة بن جابر بن وهب الأسدى ـ من ولد عميرة بن جدار ـ : يا أشتر ! دام شترك ، وعفا أثرك ، أطلت الغيبة ، وجئت بالخيبة ، أ تأمرنا بالفرقة والفتنة ونكث البيعة وخلع الخليفة ؟ فقال الأشتر : يا قبيصة بن جابر ! وما أنت وهذا ، فو الله ما أسلم قومك إلاّ كرهاً ، ولا هاجروا إلاّ فقراً ، ثمّ وثب الناس علي قبيصة فضربوه وجرحوه فوق حاجبه . وجعل الأشتر يقول : لا حُرَّ بوادى عَوْف(١) ، من لا يذُد عن حوضه يُهَدَّم(٢) . ثمّ صلّي بالناس الجمعة وقال لزياد بن النضر : صلِّ بالناس سائر صلواتهم ، والزم القصر ، وأمر كميل بن زياد فأخرج ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصارى من القصر ، وكان سعيد بن العاص خلّفه علي الكوفة حين شخص إلي عثمان . وعسكر الأشتر بين الكوفة والحيرة وبعث عائذ بن حملة فى خمسمائة إلي أسفل كَسْكَر(٣) مسلحة(٤) بينه وبين البصرة ، وبعث جمرة بن سنان الأسدى فى خمسمائة إلي عين التمر(٥) ليكون مسلحة بينه وبين الشام ، وبعث هانئ بن (١) أى أنّه يقهر من حلّ بواديه ، فكلّ من فيه كالعبد له لطاعتهم إيّاه (مجمع الأمثال : ٣ / ١٩٤) . ٢٠٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / التمرّد فى الكوفة
أبى حيّة بن علقمة الهمدانى ثمّ الوادعى إلي حلوان(١) فى ألف فارس ليحفظ الطريق بالجبل ، فلقى الأكراد بناحية الدَّيْنَوَر(٢) وقد أفسدوا ، فأوقع بهم ، وقتل منهم مقتلة عظيمة . وبعث الأشتر أيضاً يزيد بن حجيّة التيمى إلي المدائن وأرض جُوْخا(٣) وولّي عروة بن زيد الخيل الطائىّ ما دون المدائن ، وتقدّم إلي عمّاله أن لا يجبوا درهماً ، وأن يسكّنوا الناس ، وأن يضبطوا النواحى . وبعث مالك بن كعب الأرحبى فى خمسمائة فارس ومعه عبد الله بن كباثة ـ أحد بنى عائذ الله بن سعد العشيرة بن مالك بن اُدد بن زيد ـ إلي العُذيب ليلقي سعيد بن العاص ويردّه ، فلقى مالك بن كعب الأرحبى سعيداً فردّه وقال : لا والله ، لا تشرب من ماء الفرات قطرة ، فرجع إلي المدينة . فقال له عثمان : ما وراءك ؟ قال : الشرّ . فقال عثمان : هذا كلّه عمل هؤلاء ; يعنى عليّاً والزبير وطلحة . وأنهب الأشتر دار الوليد بن عقبة وكان فيها مال سعيد ومتاعه حتي قُلعت أبوابها . ودخل الأشتر الكوفة فقال لأبى موسي : تولَّ الصلاة بأهل الكوفة وليتولَّ حذيفة السواد والخراج . (١) حُلْوَان : من مدن العراق المهمّة بعد الكوفة والبصرة وواسط وبغداد وسامرّاء . وهى آخر مدن العراق ، ومنها يُصعد إلي الجبال ، وبينها وبين بغداد خمس مراحل . فتحت سنة ١٦ أو ١٩ للهجرة (راجع تقويم البلدان : ٣٠٧). ٢٠٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / التمرّد فى الكوفة
وكتب عثمان إلي الأشتر وأصحابه مع عبد الرحمن بن أبى بكر ، والمسوَر بن مخرمة يدعوهم إلي الطاعة ، ويعلمهم أنّهم أوّل من سنّ الفرقة ، ويأمرهم بتقوي الله ومراجعة الحقّ والكتاب إليه بالذى يحبّون . فكتب إليه الأشتر : من مالك بن الحارث إلي الخليفة المبتلي الخاطئ الحائد عن سنّة نبيّه ، النابذ لحكم القرآن وراء ظهره . أمّا بعد ، فقد قرأنا كتابك فانْهَ نفسك وعمّالك عن الظلم والعدوان وتسيير الصالحين نسمحْ لك بطاعتنا ، وزعمت أنّا قد ظلمنا أنفسنا وذلك ظنّك الذى أرداك ، فأراك الجور عدلاً ، والباطل حقّاً ، وأمّا محبّتنا فأن تنزع وتتوب وتستغفر الله من تجنّيك علي خيارنا ، وتسييرك صلحاءنا ، وإخراجك إيّانا من ديارنا ، وتوليتك الأحداث علينا ، وأن تولّى مصرنا عبد الله بن قيس أبا موسي الأشعرى وحذيفة فقد رضيناهما ، واحبس عنّا وليدك وسعيدك ومن يدعوك إليه الهوي من أهل بيتك إن شاء الله ، والسلام . وخرج بكتابهم يزيد بن قيس الأرحبى ، ومسروق بن الأجدع الهمدانى ، وعبد الله بن أبى سبرة الجعفى ـ واسم أبى سبرة يزيد ـ وعلقمة بن قيس أبو شبل النخعى ، وخارجة بن الصلت البرجمى ـ من بنى تميم ـ فى آخرين . فلمّا قرأ عثمان الكتاب قال : اللهمّ إنّى تائب ، وكتب إلي أبى موسي وحذيفة : أنتما لأهل الكوفة رضيً ، ولنا ثقة ، فتولّيا أمرهم ، وقوما به بالحقّ ، غفر الله لنا ولكما . فتولّي أبو موسي وحذيفة الأمر وسكّن أبو موسي الناس(١) . (١) أنساب الأشراف: ٦ / ١٥٦ ، ولمزيد الاطّلاع علي مسيّرى الكوفة وقصّتهم راجع الفتوح : ٢ / ٣٨٤ ـ ٤٠٢ . ٢٠٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / التمرّد فى الكوفة
١١٨٠ ـ مروج الذهب : لمّا اتّصلت أيّام سعيد [بن العاص] بالكوفة ظهرت منه اُمور منكرة ، فاستبدّ بالأموال ، وقال فى بعض الأيّام أو كتب به عثمان : إنّما هذا السواد قَطين(١) لقريش . فقال له الأشتر ـ وهو مالك بن الحارث النخعى ـ : أ تجعل ما أفاء الله علينا بظلال سيوفنا ومراكز رماحنا بستاناً لك ولقومك ؟ ثمّ خرج إلي عثمان فى سبعين راكباً من أهل الكوفة فذكروا سوء سيرة سعيد بن العاص ، وسألوا عزله عنهم . فمكث الأشتر وأصحابه أيّاماً لا يخرج لهم من عثمان فى سعيد شىء ، وامتدّت أيّامهم بالمدينة ، وقدم علي عثمان اُمراؤه من الأمصار ، منهم : عبد الله ابن سعد بن أبى سرح من مصر ، ومعاوية من الشام ، وعبد الله بن عامر من البصرة ، وسعيد بن العاص من الكوفة ، فأقاموا بالمدينة أيّاماً لا يردّهم إلي أمصارهم ، وكراهة أن يردّ سعيداً إلي الكوفة ، وكره أن يعزله ،حتي كتب إليه من بأمصارهم يشكون كثرة الخراج وتعطيل الثغور . فجمعهم عثمان وقال : ما ترون ؟ فقال معاوية : أمّا أنا فراض بى جندى . وقال عبد الله بن عامر بن كريز : ليكفك امرؤ ما قبله أكفِك ما قبلى . وقال عبد الله بن سعد بن أبى سرح : ليس بكثير عزل عامل للعامّة وتولية غيره . (١) القَطِين : تُبّاع المَلكِ ومماليكه ، والخدم والحشَمَ (لسان العرب : ١٣ / ٣٤٣) . ٢٠٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / التمرّد فى الكوفة
وقال سعيد بن العاص : إنّك إن فعلت هذا كان أهل الكوفة هم الذين يولّون ويعزلون ، وقد صاروا حلقاً فى المسجد ليس لهم غير الأحاديث والخوض ، فجهّزهم فى البعوث حتي يكون همّ أحدهم أن يموت علي ظهر دابّته . قال : فسمع مقالته عمرو بن العاص فخرج إلي المسجد ، فإذا طلحة والزبير جالسان فى ناحية منه ، فقالا له : تعالَ إلينا ، فصار إليهما ، فقالا : ما وراءك ؟ قال : الشرّ ، ما ترك شيئاً من المنكر إلاّ أتي به وأمره به . وجاء الأشتر فقالا له : إنّ عاملكم الذى قمتم فيه خطباء قد ردّ عليكم وأمر بتجهيزكم فى البعوث وبكذا وبكذا . فقال الأشتر : والله ، لقد كنّا نشكو سوء سيرته وما قمنا فيه خطباء ، فكيف وقد قمنا ؟ ! وايمُ الله علي ذلك ، لولا أنّى أنفدت النفقة وأنضيت الظهر لسبقته إلي الكوفة حتي أمنعه دخولها . فقالا له : فعندنا حاجتك التى تقوم بك فى سفرك . قال : فأسلفانى إذاً مائة ألف درهم . قال : فأسلفه كلّ واحد منهما خمسين ألف درهم ، فقسمها بين أصحابه ، وخرج إلي الكوفة فسبق سعيداً ، وصعد المنبر وسيفه فى عنقه ما وضعه بعد . ثمّ قال : أمّا بعد ; فإنّ عاملكم الذى أنكرتم تعدّيه وسوء سيرته قد رُدّ عليكم ، وأمر بتجهيزكم فى البعوث ، فبايِعونى علي أن لا يدخلها ، فبايعه عشرة آلاف من أهل الكوفة ، وخرج راكباً متخفّياً يريد المدينة أو مكّة ، فلقى سعيداً بواقصة فأخبره بالخبر ، فانصرف إلي المدينة . وكتب الأشتر إلي عثمان : إنّا والله ما منعنا عاملك الدخول لنفسد عليك ٢٠٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / إشخاص عثمان عمّاله من جميع البلاد
عملك ، ولكن لسوء سيرته فينا وشدّة عذابه ، فابعث إلي عملك من أحببت . فكتب إليهم : انظروا من كان عاملكم أيّام عمر بن الخطّاب فولّوه ، فنظروا فإذا هو أبو موسي الأشعرى ، فولّوه(١) . ٥ / ٢ إشخاص عثمان عمّاله من جميع البلاد ١١٨١ ـ الفتوح : أرسل عثمان إلي جميع عمّاله ، فأشخصهم إليه من جميع البلاد ، ثمّ أحضرهم وأقبل علي أصحاب رسول الله ½ فقال : أيّها الناس ! هؤلاء عمّالى الذين أعتمدهم ; فإن أحببتم عزلتهم وولّيت من تحبّون . قال : فتكلّم علىّ بن أبى طالب ¢ وقال : يا عثمان ! إنّ الحقّ ثقيل مرّ ، وإنّ الباطل خفيف ، وأنت رجل إذا صُدقت سخطت وإذا كُذبت رضيت ، وقد بلغ الناس عنك اُمور تركُها خير لك من الإقامة عليها ، فاتّقِ الله يا عثمان ، وتب إليه ممّا يكرهه الناس منك . قال : ثمّ تكلّم طلحة بن عبيد الله فقال : يا عثمان ! إنّ الناس قد سفّهوك وكرهوك لهذه البدع والأحداث التى أحدثتها ولم يكونوا يعهدونها ، فإن تستقم فهو خير لك ، وإن أبيت لم يكن أحد أضرّ بذلك فى الدنيا والآخرة منك . قال : فغضب عثمان ثمّ قال : ما تدعونى ولا تدعون عتبى ، ما أحدثت حدثاً ، ولكنّكم تفسدون علىَّ الناس ، هلم يابن الحضرميّة ! ما هذه الأحداث التى أحدثت ؟ ٢٠٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الدعوة إلي الخروج
فقال طلحة : إنّه قد كلّمك علىٌّ من قبلى ، فهلاّ سألته عن هذه الأحوال التى أحدثت فيخبرَك بها . ثمّ قام طلحة فخرج من عند عثمان ، وجعل يدبّر رأيه بينه وبين نفسه أ يردّ عمّاله إلي أعمالهم أم يعزلهم ويولّى غيرهم ؟(١) . ٥ / ٣ ٥ / ٣ ـ ١ ١١٨٢ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الرحمن بن يسار : لمّا رأي الناس ما صنع عثمان كتب مَن بالمدينة من أصحاب النبىّ ½ إلي مَن بالآفاق منهم ـ وكانوا قد تفرّقوا فى الثغور ـ : إنّكم إنّما خرجتم أن تجاهدوا فى سبيل الله عزّ وجلّ تطلبون دين محمّد ½ ; فإنّ دين محمّد قد اُفسد من خلفكم وتُرك ، فهلمّوا فأقيموا دين محمّد ½ ، فأقبلوا من كلّ اُفق حتي قتلوه(٢) . ٥ / ٣ ـ ٢ ١١٨٣ ـ الإمامة والسياسة ـ فى ذكر كتاب طلحة إلي أهل مصر لاجتماعهم لقتل عثمان ـ : (١) الفتوح : ٢ / ٣٩٥ وراجع أنساب الأشراف: ٦ / ١٥٦ . ٢٠٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الدعوة إلي الخروج / تحريض عائشة
بسم الله الرحمن الرحيم ، من المهاجرين الأوّلين وبقيّة الشوري ، إلي من بمصر من الصحابة والتابعين . أمّا بعد : أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله قبل أن يُسَلبها أهلُها ; فإنّ كتاب الله قد بدّل ، وسنّة رسوله قد غُيّرت ، وأحكام الخليفتين قد بُدّلت . فننشد الله من قرأ كتابنا من بقيّة أصحاب رسول الله والتابعين بإحسان إلاّ أقبل إلينا ، وأخذ الحقّ لنا ، وأعطاناه . فأقبِلوا إلينا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، وأقيموا الحقّ علي المنهاج الواضح الذى فارقتم عليه نبيّكم ، وفارقكم عليه الخلفاء . غُلبنا علي حقّنا واستُولى علي فيئنا ، وحِيل بيننا وبين أمرنا ، وكانت الخلافة بعد نبيّنا خلافة نبوّة ورحمة ، وهى اليوم ملك عضوض ، مَن غلب علي شىء أكَلَه(١) . ٥ / ٣ ـ ٣ ١١٨٤ ـ تاريخ اليعقوبى : كان بين عثمان وعائشة منافرة ; وذلك أنّه نقّصها ممّا كان يعطيها عمر بن الخطّاب ، وصيّرها اُسوة غيرها من نساء رسول الله ، فإنّ عثمان يوماً لَيخطب ، إذ دلّت عائشة قميص رسول الله ، ونادت : يا معشر المسلمين ! هذا جلباب رسول الله لم يبلَ ، وقد أبلي عثمان سنّته ! فقال عثمان : ربّ اصرف عنّى كيدهنّ إنّ كيدهنّ عظيم(٢) . (١) الإمامة والسياسة : ١ / ٥٣ . ٢١٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الدعوة إلي الخروج / تحريض عائشة
١١٨٥ ـ الفتوح : كانت عائشة تحرّض علي قتل عثمان جهدها وطاقتها ، وتقول : أيّها الناس ! هذا قميص رسول الله ½ لم يبلَ وبليت سنّته ، اقتلوا نَعْثَلاً(١) ، قتل الله نعثلاً(٢) . ١١٨٦ ـ الجمل عن الحسن بن سعد : رفعت عائشة ورقة من المصحف بين عودتين من وراء حجلتها ، وعثمان قائم ، ثمّ قالت : يا عثمان ! أقِم ما فى هذا الكتاب . فقال : لتنتهِنّ عمّا أنت عليه أو لاُدخِلنّ عليك جمر النار . فقالت له عائشة : أما والله ، لئن فعلت ذلك بنساء النبى ½ لَيلعنك الله ورسوله ، وهذا قميص رسول الله لم يتغيّر ، وقد غيّرت سنّته يا نعثل(٣) . ١١٨٧ ـ الجمل عن حكيم بن عبد الله : دخلت يوماً بالمدينة المسجدَ ، فإذا كفّ مرتفعة وصاحب الكفّ يقول : أيّها الناس ! العهد قريب ، هاتان نعلا رسول الله ½ وقميصه ، كأنّى أري ذلك القميص يلوح وإنّ فيكم فرعون هذه الاُمّة ; فإذا هى عائشة ، وعثمان يقول لها : اسكتى ، ثمّ يقول للناس : إنّها امرأة ، وعقلها عقل النساء ; فلا تصغوا إلي قولها(٤) . ١١٨٨ ـ المصنّف عن أبى كعب الحارثى : اُقيمت الصلاة ، فتقدّم عثمان فصلّي ، فلمّا كبّر قامت امرأة من حُجْرتها ، فقالت : أيّها الناس ! اسمعوا . قال : ثمّ تكلّمت ، (١) النَّعْثَل : الشيخ الأحمق . وكان أعداء عثمان يسمّونه نعثلا . وفى حديث عائشة : اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا . تعنى عثمان ، وكان هذا منها لمّا غاضبته وذهبت إلي مكّة (لسان العرب : ١١ / ٦٦٩ و٦٧٠) . ٢١١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الدعوة إلي الخروج / تحريض عائشة
فذكرت رسول الله ½ وما بعثه الله به ، ثمّ قالت : تركتم أمر الله ، وخالفتم رسوله ـ أو نحو هذا ـ ثمّ صمتت فتكلّمت اُخري مثل ذلك ، فإذا هى عائشة وحفصة . قال : فلمّا سلّم عثمان أقبل علي الناس ، فقال : إنْ هاتان الفتّانتان فتنتا الناس فى صلاتهم ، وإلاّ تنتهيان أو لأسبّنّكما ما حلّ لىَ السباب ، وإنّى لاِصلِكما لَعالمٌ . قال : فقال له سعد بن أبى وقّاص : أ تقول هذا لحبائب رسول الله ½ ؟ ! قال : وفيما أنت ! وما هاهنا ؟ ثمّ أقبل علي سعد عامداً إليه . قال : وانسلّ سعد(١) . ١١٨٩ ـ شرح نهج البلاغة : أقوال عائشة فيه [أى فى عثمان] معروفة ومعلومة ، وإخراجها قميص رسول الله ½ وهى تقول : هذا قميصه لم يبلَ وقد أبلي عثمان سنّته ، إلي غير ذلك ممّا لا يُحصي كثرة(٢) . ١١٩٠ ـ العقد الفريد : دخل المغيرة بن شعبة علي عائشة ، فقالت : يا أبا عبد الله ! لو رأيتنى يوم الجمل وقد نفذتِ النصالُ هَوْدَجى حتي وصل بعضها إلي جلدى . قال لها المغيرة : وددت والله أنّ بعضها كان قتلك . قالت : يرحمك الله ، ولم تقول هذا ؟ قال : لعلّها تكون كفّارة فى سعيك علي عثمان(٣) . (١) المصنّف لعبد الرزّاق : ١١ / ٣٥٥ / ٢٠٧٣٢ ، شرح نهج البلاغة : ٩ / ٥ . ٢١٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الدعوة إلي الخروج / تحريض طلحة
٥ / ٣ ـ ٤ ١١٩١ ـ تاريخ المدينة عن عوف : كان أشدّ الصحابة علي عثمان ، طلحة بن عبيد الله(١) . ١١٩٢ ـ العقد الفريد عن ابن سيرين : لم يكن أحد من أصحاب النبىّ ½ أشدّ علي عثمان من طلحة(٢) . ١١٩٣ ـ شرح نهج البلاغة عن عبيد بن حارثة : سمعت عثمان وهو يخطب ، فأكبّ الناس حوله ، فقال : اجلسوا يا أعداء الله ! فصاح به طلحة : إنّهم ليسوا بأعداء الله ، لكنّهم عباده ، وقد قرؤوا كتابه(٣) . ١١٩٤ ـ شرح نهج البلاغة عن محمّد بن سليمان : كان [طلحة] لا يشكّ أنّ الأمر له من بعده لوجوه ، منها : سابقته . ومنها : أنّه ابن عمّ لأبى بكر ، وكان لأبى بكر فى نفوس أهل ذلك العصر منزلة عظيمة أعظم منها الآن . ومنها : أنّه كان سمحاً جواداً ، وقد كان نازع عمر فى حياة أبى بكر ، وأحبّ أن يفوّض أبو بكر الأمر إليه من بعده ، فما زال يفتل فى الذروة والغارب(٤) فى أمر عثمان ، وينكّر له القلوب ، ويكدّر عليه النفوس ، ويغرى أهل المدينة والأعراب وأهل الأمصار به . (١) تاريخ المدينة : ٤ / ١١٦٩ وراجع الجمل : ٣٠٦ . ٢١٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الدعوة إلي الخروج / تأليب عمرو بن العاص
وساعده الزبير ، وكان أيضاً يرجو الأمر لنفسه ، ولم يكن رجاؤهما الأمر بدون رجاء علىّ ، بل رجاؤهما كان أقوي ; لأنّ عليّاً دحضه(١) الأوّلان وأسقطاه ، وكسرا ناموسه بين الناس ، فصار نسياً منسيّاً ، ومات الأكثر ممّن يعرف خصائصه التى كانت فى أيّام النبوّة وفضله . ونشأ قوم لا يعرفونه ولا يرونه إلاّ رجلاً من عُرض المسلمين ، ولم يبقَ له ممّا يمتّ به إلاّ أنّه ابن عمّ الرسول ، وزوج ابنته ، وأبو سبطيه ، ونُسى ما وراء ذلك كلّه ، واتّفق له من بغض قريش وانحرافها ما لم يتّفق لأحد . وكانت قريش بمقدار ذلك البغض تحبّ طلحة والزبير ; لأنّ الأسباب الموجبة لبغضهم(٢) لم تكن موجودةً فيهما ، وكانا يتألّفان قريشاً فى أواخر أيّام عثمان ، ويَعدانِهم بالعطاء والإفضال ، وهما عند أنفسهما وعند الناس خليفتان بالقوّة لا بالفعل ; لأنّ عمر نصّ عليهما ، وارتضاهما للخلافة(٣) . ٥ / ٣ ـ ٥ ١١٩٥ ـ اُسد الغابة : لمّا استعمله [أى عبد الله بن سعد بن أبى سرح] عثمانُ علي مصر وعزل عنها عمراً جعل عمرو يطعن علي عثمان ، ويؤلّب عليه ، ويسعي فى إفساد أمره(٤) . (١) الدحض : الزلَق (النهاية : ٢ / ١٠٤) . ٢١٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الدعوة إلي الخروج / تأليب عمرو بن العاص
١١٩٦ ـ تاريخ الطبرى عن أبى عون مولي المِسْور : كان عمرو بن العاص علي مصر عاملا لعثمان ، فعزله عن الخراج واستعمله علي الصلاة ، واستعمل عبد الله بن سعد علي الخراج ، ثمّ جمعهما لعبد الله بن سعد ، فلمّا قدم عمرو بن العاص المدينة جعل يطعن علي عثمان ، فأرسل إليه يوماً عثمان خالياً به ، فقال : يابن النابغة ما أسرع ما قَمِلَ جُرُبّان(١) جُبَّتك ! إنّما عهدك بالعمل عاماً أوّل ، أ تطعن علىّ وتأتينى بوجه ، وتذهب عنّى بآخر ؟ والله لولا اُكلة ما فعلت ذلك . قال : فقال عمرو : إنّ كثيراً ممّا يقول الناس وينقلون إلي ولاتهم باطل ، فاتّق الله يا أمير المؤمنين فى رعيّتك . فقال عثمان : والله لقد استعملتك علي ظَلَعك(٢) وكثرة القالة فيك . . . . فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه ، يأتى عليّاً مرّة فيؤلّبه علي عثمان ، ويأتى الزبير مرّة فيؤلّبه علي عثمان ، ويأتى طلحة مرّة فيؤلّبه علي عثمان ، ويعترض الحاجّ فيخبرهم بما أحدث عثمان ، فلمّا كان حصرُ عثمان الأوّل خرج من المدينة حتي انتهي إلي أرض له بفلسطين يقال لها : السبع ، فنزل فى قصر له يقال له العجلان . . . حتي مرّ به راكب آخر فناداه عمرو : ما فعل الرجل ـ يعنى عثمان ـ ؟ قال : قُتل . قال : أنا أبو عبد الله إذا حككت قَرحة نكأْتُها(٣) ، إن كنت لاُحرِّض عليه ، حتي إنّى لاُحرّض عليه الراعى فى غنمه فى رأس الجبل(٤) . (١) القَمِلُ : القذر ، والجُرُبّان : جيب القميص (النهاية : ٤ / ١١٠ وج ١ / ٢٥٣) . ٢١٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الدعوة إلي الخروج / تأليب عمرو بن العاص
١١٩٧ ـ تاريخ المدينة عن غسّان بن عبد الحميد : كان عمرو بن العاص من أشدّ الناس طعناً علي عثمان ، وقال : والله لقد أبغضت عثمان وحرّضت عليه حتي الراعى فى غنمه ، والسقّاية تحت قربتها(١) . ١١٩٨ ـ الفتوح : دخل عمرو بن العاص علي عثمان مسلّماً ، فقال له عثمان : يابن العاص ! وأنت أيضاً ممّن تولّيت علي الناس فيما بلغنى ، وتسعي فى الساعين علىّ ، حتي قد أضرمتها وأسعرتها ، ثمّ تدخل مسلّماً علىّ ؟ !(٢) ١١٩٩ ـ أنساب الأشراف : كان عمرو بن العاص قال لعثمان حين حضر الحصار الأوّل : إنّك يا عثمان ركبت بالناس النَّهابِير(٣) فاتّقِ الله وتُب إليه . فقال له : يابن النابغة ! وإنّك لممّن تؤلّب علىَّ الطَّغام(٤) ; لاِن عزلتك عن مصر . فخرج إلي فلسطين فأقام بها فى ماله هناك ، وجعل يحرّض الناس علي عثمان حتي رُعاة الغنم ، فلمّا بلغه مقتله قال : أنا أبو عبد الله ، إنّى إذا حككت قَرحةً نكأتُها(٥) . ١٢٠٠ ـ تاريخ الطبرى : لمّا بلغ عَمراً قتلُ عثمان قال : أنا عبد الله قتلته وأنا بوادى السِّباع ، من يلى هذا الأمر من بعده ؟ إن يلِه طلحة فهو فتي العرب سَيْباً(٦) ، وإن (١) تاريخ المدينة : ٣ / ١٠٨٩ . ٢١٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الدعوة إلي الخروج / وصيّة عبد الرحمن بن عوف
يلِه ابن أبى طالب فلا أراه إلاّ سيستنظف الحقّ ، وهو أكره من يليه إلىّ(١) . ٥ / ٣ ـ ٦ ١٢٠١ ـ أنساب الأشراف عن عثمان بن الشريد : ذُكر عثمان عند عبد الرحمن بن عوف فى مرضه الذى مات فيه فقال عبد الرحمن : عاجلوه قبل أن يتمادي فى ملكه ، فبلغ ذلك عثمان ، فبعث إلي بئر كان يُسقي منها نَعَمُ عبد الرحمن بن عوف فمنعه إيّاها(٢) . ٥ / ٤ جُهود الإمام للحيلولة دون الفتنة ١٢٠٢ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن محمّد عن أبيه : لمّا كانت سنة أربع وثلاثين كتب أصحاب رسول الله ½ بعضهم إلي بعض : أن أقدموا ; فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد . وكثر الناس علي عثمان ونالوا منه أقبح ما نِيل من أحد ، وأصحاب رسول الله ½ يرون ويسمعون ; ليس فيهم أحد ينهي ولا يذبّ إلاّ نُفَير ، منهم : زيد بن ثابت ، وأبو اُسَيد الساعدى ، وكعب بن مالك ، وحسّان بن ثابت . فاجتمع الناس ، وكلّموا علىّ بنَ أبى طالب ، فدخل علي عثمان ، فقال : الناس ورائى ، وقد كلّمونى فيك ، والله ما أدرى ما أقولُ لك ، وما أعرِف شيئاً تَجهلُه ، ولا أدلّك علي أمر لا تَعرفه ; إنّك لتَعلم ما نعلم ، ما سبقناك إلي شىء (١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٦٠ . ٢١٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / جُهود الإمام للحيلولة دون الفتنة
فنُخبرَك عنه ، ولا خلوْنا بشىء فنُبلغَكَه ، وما خُصِصنا بأمر دونك ، وقد رأيتَ وسمعتَ ، وصحبتَ رسولَ الله ½ ، ونلتَ صهره ، وما ابن أبى قُحافة بأولي بعمل الحقّ منك ، ولا ابنُ الخطّاب بأولي بشىء من الخير منك ، وإنّك أقرب إلي رسول الله ½ رَحِماً ، ولقد نلتَ من صهر رسول الله ½ ما لم ينالا ، ولا سَبَقاك إلي شىء . فاللهَ اللهَ فى نفسك ; فإنّك والله ما تُبصَّر من عمي ، ولا تُعلَّم من جهل ، وإنّ الطريق لواضح بيّن ، وإنّ أعلام الدين لقائمة . تعلم يا عثمان أنّ أفضل عباد الله عند الله إمامٌ عادل ، هُدِى وهَدي ، فأقام سنّةً معلومة ، وأمات بدعةً متروكة ، فو الله إنّ كلاّ لبَيِّن ، وإنّ السُّنن لقائمة لها أعلام ، وإنّ البدَع لقائمةٌ لها أعلام ، وإنّ شرّ الناس عند الله إمامٌ جائر ، ضلّ وضُلّ به ، فأمات سنّة معلومة ، وأحيا بدعةً متروكة ، وإنّى سمعت رسول الله ½ يقول : "يؤتي يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصيرٌ ولا عاذر ، فيُلقي فى جهنّم ، فيدور فى جهنّم كما تدور الرحا ، ثمّ يَرتطم فى غَمرةِ جهنّم" . وإنّى اُحذّرك الله ، واُحذّرك سطوته ونقماته ; فإنّ عذابه شديد أليم ، واُحذّرك أن تكون إمام هذه الاُمّة المقتول ; فإنّه يقال : يُقتل فى هذه الاُمّة إمام ، فيُفتح عليها القتل والقتال إلي يوم القيامة ، وتُلبَّس اُمورُها عليها ، ويتركهم شِيَعاً ، فلا يُبصرون الحقّ ; لعلوّ الباطل ، يموجون فيها مَوجاً ، وَيمرُجون(١) فيها مَرجاً . فقال عثمان : قد واللهِ علمتُ ، ليقولُنّ الذى قلتَ ، أما واللهِ لو كنتَ مكانى ما عنّفتك ، ولا أسلَمتك ، ولا عبتُ عليك ، ولا جئتُ مُنكَراً أن وصلتُ رَحماً ، ٢١٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / جُهود الإمام للحيلولة دون الفتنة
وسدَدْت خَلّة ، وآويت ضائعاً ، وولّيْت شبيهاً بمن كان عُمر يولِّى . أنشدك الله يا علىّ ، هل تعلم أنّ المغيرة بن شعبة ليس هناك ؟ قال : نعم . قال : فتعلم أنّ عمر ولاّه . قال : نعم ، قال : فلِمَ تلومنى أن ولّيتُ ابن عامر فى رحمه وقرابته ؟ قال علىّ : ساُخبرك أنّ عمر بن الخطاب كان كلّ من ولّي فإنّما يطأ علي صماخه إن بلغه عنه حرف جلبه ، ثمّ بلغ به أقصي الغاية ، وأنت لا تفعل ، ضعفت ورفقت علي أقربائك . قال عثمان : هم أقرباؤك أيضاً . فقال علىّ : لعمرى إنّ رحمهم منّى لقريبة ولكنّ الفضل فى غيرهم . قال عثمان : هل تعلم أنّ عمر ولّي معاوية خلافته كلّها ؟ فقد ولّيته . فقال علىّ : أنشدك الله هل تعلم أنّ معاوية كان أخوف من عمر من يَرْفأ غلام عمر منه ؟ قال : نعم . قال علىّ : فإنّ معاوية يقتطع الاُمور دونك وأنت تعلمها ، فيقول للناس : هذا أمر عثمان فيبلغك ولا تغيّر علي معاوية . ثمّ خرج علىّ من عنده وخرج عثمان علي أثره فجلس علي المنبر ، فقال : أمّا بعد ; فإن لكلّ شىء آفة ، ولكلّ أمر عاهة ، وإنّ آفة هذه الاُمّة وعاهة هذه النعمة عيّابون طعّانون يُرونكم ما تحبّون ويُسِرّون ما تكرهون ، يقولون لكم وتقولون ، أمثالُ النعام يتّبعون أوّل ناعق ، أحبّ مواردها إليها البعيد ، لا يشربون إلاّ نَغَصاً ، ولا يَرِدون إلاّ عَكَراً ، لا يقوم لهم رائد وقد أعيتهم الاُمور وتعذّرت عليهم المكاسب . ألا فقد والله عبتم علىّ بما أقررتم لابن الخطّاب بمثله ، ولكنّه وطئكم برجله ، وضربكم بيده ، وقمعكم بلسانه ، فدِنتم له علي ما أحببتم أو كرهتم ، ولنتُ لكم ، وأوطأت لكم كتفى ، وكففت يدى ولسانى عنكم ، فاجترأتم علىّ ، أما والله لأنا ٢١٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / جُهود الإمام للحيلولة دون الفتنة
أعزّ نَفَراً ، وأقرب ناصراً ، وأكثر عدداً وأقمن(١) ، إن قلتُ : هلمّ ، اُتى إلىّ ، ولقد أعددت لكم أقرانكم وأفضلت عليكم فضولا ، وكشرت لكم عن نابى ، وأخرجتم منّى خلقاً لم أكن اُحسنه ، ومنطقاً لم أنطق به ، فكفّوا عليكم ألسنتكم وطعنكم وعيبكم علي ولاتكم ; فإنّى قد كففت عنكم من لو كان هو الذى يكلّمكم لرضيتم منه بدون منطقى هذا . ألا فما تفقدون من حقّكم ؟ والله ما قصّرت فى بلوغ ما كان يبلغ من كان قبلى ، ومن لم تكونوا تختلفون عليه ، فَضَل فضلٌ من مال ; فما لى لا أصنع فى الفضل ما اُريد ، فِلمَ كنت إماماً ؟ فقام مروان بن الحكم فقال : إن شئتم حكّمنا والله بيننا وبينكم السيف ، نحن والله وأنتم كما قال الشاعر :
فقال عثمان : اسكت لا سكتّ ، دعنى وأصحابى ، ما منطقُك فى هذا ! أ لم أتقدّم إليك أ لاّ تنطق . فسكت مروان ونزل عثمان(٢) . ١٢٠٣ ـ نهج البلاغة : من كلام له ¼ لمّا اجتمع الناس إليه وشكَوا ما نقموه علي عثمان وسألوه مخاطبته لهم واستعتابه لهم ، فدخل عليه فقال : إنّ الناس ورائى ، وقد استسفرونى بينك وبينهم ، وو الله ما أدرى ما أقول لك ! ما أعرف شيئاً تجهله ، ولا أدلّك علي أمر لا تعرفه ، إنّك لتعلم ما نعلم . ما سبقناك (١) يقال : قَمَنٌ وقَمِنٌ وقمين : أى خليق وجدير (النهاية : ٤ / ١١١) . ٢٢٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / جُهود الإمام للحيلولة دون الفتنة
إلي شىء فنخبرَك عنه ، ولا خلونا بشىء فنبلّغَكَهُ . وقد رأيتَ كما رأينا ، وسمعتَ كما سمعنا ، وصحبت رسول الله ½ كما صحبنا . وما ابن أبى قحافة ولا ابن الخطّاب بأولي بعمل الحقّ منك ، وأنت أقرب إلي أبى رسول الله ½ وَشِيْجةَ رحم منهما ، وقد نلت من صِهْرِه ما لم ينالا . فاللهَ اللهَ فى نفسك ! فإنّك ـ والله ـ ما تُبصّر من عمي ، ولا تُعلّم من جهل ، وإنّ الطرق لواضحة ، وإن أعلام الدين لقائمة . فاعلم أنّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل ، هُدىَ وهدي ، فأقام سنّة معلومة ، وأمات بِدْعة مجهولة . وإنّ السنن لنيّرة ، لها أعلام ، وإنّ البدع لظاهرة ، لها أعلام . وإنّ شرّ الناس عند الله إمام جائر ضَلّ وضُلّ به ، فأمات سنّة مأخوذة ، وأحيا بدعة متروكة . وإنّى سمعت رسول الله ½ يقول : "يؤتي يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر ، فيُلقي فى نار جهنّم ، فيدور فيها كما تدور الرَّحا ، ثمّ يَرْتَبِط فى قعرها" . وإنّى أنشدك الله ألاّ تكون إمام هذه الاُمّة المقتول ; فإنّه كان يقال : يقتل فى هذه الاُمّة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلي يوم القيامة ، ويَلبِسُ اُمورها عليها ، ويبثّ الفتن فيها ، فلا يبصرون الحقّ من الباطل ، يموجون فيها موجاً ، ويمرُجون فيها مَرْجاً . فلا تكوننّ لمروان سيّقة(١) يسوقك حيث شاء بعد جلال السنّ وتَقَضّى العمر . فقال له عثمان : كلّمِ الناسَ فى أن يؤجّلونى ، حتي أخرج إليهم من مظالمهم . (١) السَّيِّقَةُ : ما استاقهُ العدوُّ من الدوابّ (لسان العرب : ١٠ / ١٦٧) . ٢٢١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / جُهود الإمام للحيلولة دون الفتنة
فقال ¼ : ما كان بالمدينة فلا أجلَ فيه ، وما غاب فأجلُه وصول أمرك إليه(١) . ١٢٠٤ ـ شرح نهج البلاغة عن ابن عبّاس : شهدت عتاب عثمان لعلىّ ¼ يوماً ، فقال له فى بعض ما قاله : نشدتك الله أن تفتح للفرقة باباً ! فلعهدى بك وأنت تطيع عتيقاً وابن الخطّاب طاعتَك لرسول الله ½ ، ولست بدون واحد منهما ، وأنا أمسّ بك رَحِماً ، وأقرب إليك صهراً ، فإن كنت تزعم أنّ هذا الأمر جعله رسول الله ½ لك فقد رأيناك حين توفّى نازعت ثمّ أقررت ، فإن كانا لم يركبا من الأمر جدَداً(٢) فكيف أذعنت لهما بالبيعة ، وبخعت بالطاعة ؟ ! وإن كانا أحسنا فيما وليا ، ولم اُقصّر عنهما فى دينى وحسبى وقرابتى ، فكن لى كما كنت لهما . فقال علىّ ¼ : أمّا الفرقة ، فمعاذ الله أن أفتح لها باباً ، واُسهّل إليها سبيلاً ، ولكنّى أنهاك عمّا ينهاك الله ورسوله عنه ، وأهديك إلي رشدك . وأمّا عتيق وابن الخطّاب ، فإن كانا أخذا ما جعله رسول الله ½ لى ، فأنت أعلم بذلك والمسلمون ، وما لى ولهذا الأمر وقد تركته منذ حين ! فأمّا أن لا يكون حقّى بل المسلمون فيه شرع فقد أصاب السهم الثُّغْرة(٣) ، وأمّا أن يكون حقّى دونهم فقد تركته لهم ، طبت به نفساً ، ونفضت يدى عنه استصلاحاً . وأمّا التسوية بينك وبينهما ، فلستَ كأحدهما ; إنّهما وليا هذا الأمر ، فَظَلَفا(٤) (١) نهج البلاغة : الخطبة ١٦٤ ; العقد الفريد : ٣ / ٣٠٩ نحوه . ٢٢٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / المشاجرة بين الزبير وعثمان
أنفسهما وأهلهما عنه ، وعُمْتَ فيه وقومك عوم السابح فى اللُّجّة(١) ، فارجع إلي الله أبا عمرو ، وانظر هل بقى من عمرك إلاّ كَظِمْء الحمار(٢) ؟ ! فحتّي متي وإلي متي ؟ ! أ لا تنهي سفهاء بنى اُميّة عن أعراض المسلمين وأبشارهم وأموالهم ؟ ! والله لو ظلم عامل من عمّالك حيث تغرب الشمس لكان إثمه مشتركاً بينه وبينك . فقال عثمان : لك العتبي ، وأفعل وأعزل من عمّالى كلّ من تكرهه ويكرهه المسلمون . ثمّ افترقا ، فصدّه مروان بن الحكم عن ذلك ، وقال : يجترئ عليك الناس ; فلا تعزل أحداً منهم !(٣) . ٥ / ٥ ١٢٠٥ ـ الفتوح : أقبل طلحة والزبير حتي دخلا علي عثمان ثمّ تقدّم إليه الزبير وقال : يا عثمان ! أ لم يكن فى وصيّة عمر بن الخطّاب : أن لا تحمل آل بنى مُعَيط علي رقاب الناس إن وُليت هذا الأمر ؟ قال عثمان : بلي . قال الزبير : فلم استعملت الوليد بن عقبة علي الكوفة ؟ قال عثمان : استعملته كما استعمل عمر بن الخطّاب عمرو بن العاص والمغيرة (١) لُجَّة البحر : معظمهُ (النهاية : ٤ / ٢٣٣) . ٢٢٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / المشاجرة بين الزبير وعثمان
ابن شعبة ، فلمّا عصي الله وفعل ما فعل عزلته واستعملت غيره علي عمله . قال : فلم استعملت معاوية علي الشام ؟ فقال عثمان : لرأى عمر بن الخطّاب فيه . قال : فلم تشتم أصحاب رسول الله ½ ولست بخير منهم ؟ قال عثمان : أمّا أنت فلست أشتمك ، ومن شتمته فما كان به عجز عن شتمى . فقال : ما لك ولعبد الله بن مسعود هجرت قراءته وأمرت بِدَوس بطنه ، فهو فى بيته لما به وقد أقرأه رسول الله ½ ؟ فقال عثمان : إنّ الذى بلغنى من ابن مسعود أكثر ممّا بلغت منه ، وذاك أنّه قال : وددت أنّى وعثمان برمل عالج(١) يحثّ علىّ وأحثّ عليه ، حتي يموت الأعجز منّا . قال : فما لك ولعمّار بن ياسر أمرت بدوس بطنه حتي أصابه الفتق ؟ فقال : لأنّه أراد أن يغرى الناس بقتلى . قال : فما لك ولأبى ذرّ حبيب رسول الله ½ ؟ سيّرته حتي مات غريباً طريداً . قال : لما قد علمت أنّه قد أفسد علىَّ الناس ، ورمانى بكلّ عيب . قال : فما لك وللأشتر وأصحابه نفيتهم إلي الشام وفرّقت بينهم وبين أهاليهم وأولادهم ؟ فقال : لأنّ الأشتر أغري الناس بعاملى سعيد بن العاص ، وأضرم الكوفة علىَّ ناراً . (١) عالِجٌ : هو ما تراكم من الرَّمل ، ودخلَ بعضه فى بعض (النهاية : ٣ / ٢٨٧) . ٢٢٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / أوّل من اجترأ علي عثمان
فقال الزبير : يا عثمان ! إنّ هذه الأحداث التى عددتها عليك هى أقلّ أحداثك ، ولو شئت أن أردّ عليك جميع ما تحتجّ به لفعلت ، وأراك تقرأ صحيفتك من حيث تُريد ، وأخاف عليك يوماً له ما بعده من الأيّام(١) . ٥ / ٦ ١٢٠٦ ـ تاريخ الطبرى عن عامر بن سعد : كان أوّل من اجترأ علي عثمان بالمنطق السيّئ جبلة بن عمرو الساعدى ، مرّ به عثمان وهو جالس فى ندىّ قومه ، وفى يد جبلة بن عمرو جامعة ، فلمّا مرّ عثمان سلّم ، فردّ القوم . فقال جبلة : لم تردّون علي رجل فعل كذا وكذا ! قال : ثمّ أقبل علي عثمان ، فقال : والله ، لأطرحنّ هذه الجامعة فى عنقك أو لتتركنّ بطانتك هذه . قال عثمان : أىّ بطانة ! فو الله إنّى لأتخيّر الناس . فقال : مروان تخيّرته ! ومعاوية تخيّرته ! وعبد الله بن عامر بن كريز تخيّرته ! وعبد الله بن سعد تخيّرته ! منهم من نزل القرآن بدمه ، وأباح رسول الله ½ دمه(٢) . ١٢٠٧ ـ أنساب الأشراف عن الواقدى : كان [جبلة بن عمرو الساعدي] أوّل من اجترأ علي عثمان وتجهّمه بالمنطق الغليظ ، وأتاه يوماً بجامعة فقال : والله ، لأطرحنّها فى عنقك أو لتتركنّ بطانتك هذه ، أطعمت الحارث بن الحكم السوق ، وفعلت وفعلت . (١) الفتوح : ٢ / ٣٩٣ . ٢٢٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الحصر الأوّل
وكان عثمان ولّي الحارث السُّوقَ فكان يشترى الجلب بحكمه ، ويبيعه بسومه ، ويجبى مقاعد المتسوّقين ، ويصنع صنيعاً منكراً ، فكُلّم فى إخراج السُّوق من يده فلم يفعل . وقيل لجبلة فى أمر عثمان وسُئل الكفّ عنه فقال : والله ، لا ألقي الله غداً فأقول : إنَّا أطعنا سادتنا فأضلُّونا السبيل(١) (٢) . ١٢٠٨ ـ تاريخ الطبرى عن عثمان بن الشريد : مرّ عثمان علي جبلة بن عمرو الساعدى وهو بفناء داره ومعه جامعة ، فقال : يا نعثل ! والله لأقتلنّك ، ولأحملنّك علي قلوص(٣) جرباء ، ولاُخرجنّك إلي حرّة النار . ثمّ جاءه مرّة اُخري وعثمان علي المنبر فأنزله عنه(٤) . ٥ / ٧ ١٢٠٩ ـ تاريخ الطبرى عن عكرمة عن ابن عبّاس ـ قال ـ : لمّا حصر عثمان الحصر الآخِر ، قال عكرمة : فقلت لابن عبّاس :أ وَكانا حَصْرَين ؟ فقال ابن عبّاس : نعم ، الحصر الأوّل ، حُصر اثنتى عشرة ، وقدم المصريّون فلقيهم علىٌّ بذى خشب(٥) ، فردّهم عنه(٦) . (١) إشارة إلي الآية ٦٧ من سورة الأحزاب . ٢٢٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / فكّ الحصار بوساطة الإمام
١٢١٠ ـ مروج الذهب : لمّا كان سنة خمس وثلاثين سار مالك بن الحارث النخعى من الكوفة فى مائتى رجل ، وحكيم بن جبلة العبدى فى مائة رجل من أهل البصرة ، ومن أهل مصر ستّمائة رجل عليهم عبد الرحمن بن عديس البلوى ـ وقد ذكر الواقدى وغيره من أصحاب السير : أنّه ممّن بايع تحت الشجرة ـ إلي آخرين ممّن كان بمصر ، مثل : عمرو بن الحمق الخزاعى ، وسعد بن حمران التجيبى ، ومعهم محمّد بن أبى بكر الص دّيق ، وقد كان تكلَّم بمصر ، وحرّض الناس علي عثمان لاِمر يطول ذكره كان السبب فيه مروان بن الحكم . فنزلوا فى الموضع المعروف بذى الخشب فلمّا علم عثمان بنزولهم بعث إلي علىّ بن أبى طالب فأحضره ، وسأله أن يخرج إليهم ويضمن له عنه كلّ ما يريدون من العدل وحسن السيرة . فسار علىّ إليهم ، فكان بينهم خطب طويل ، فأجابوه إلي ما أراد وانصرفوا(١) . ٥ / ٨ ١٢١١ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن محمّد عن أبيه : فلمّا رأي عثمان ما رأي [أنّ القوم يرون قتله إن لم ينزِع ]جاء عليّاً فدخل عليه بيته ، فقال : يا بن عمّ ، إنّه ليس لى متّرك ، وإنّ قرابتى قريبة ، ولى حقّ عظيم عليك ، وقد جاء ما تري من هؤلاء القوم وهم مصبحىّ ، وأنا أعلم أنّ لك عند الناس قدراً ، وأنّهم يسمعون منك ، فأنا اُحبّ أن تركب إليهم فتردّهم عنّى ; فإنّى لا اُحبّ أن يدخلوا علىّ ; فإنّ ذلك جرأة منهم علىّ ، وليسمع بذلك غيرهم . (١) مروج الذهب : ٢ / ٣٥٢ وراجع تاريخ المدينة : ٤ / ١١٥٥ ـ ١١٦٠ . ٢٢٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / فكّ الحصار بوساطة الإمام
فقال علىّ : علامَ أردّهم ؟ قال : علي أن أصير إلي ما أشرت به علىّ ورأيته لى ، ولست أخرج من يديك . فقال علىّ : إنّى قد كنت كلّمتك مرّة بعد مرّة ، فكلّ ذلك نخرج فتكلّم ، ونقول وتقول ، وذلك كلّه فعل مروان بن الحكم وسعيد بن العاص وابن عامر ومعاوية ، أطعتهم وعصيتنى . قال عثمان : فإنّى أعصيهم وأطيعك . قال : فأمر الناس فركبوا معه ; المهاجرون والأنصار قال : وأرسل عثمان إلي عمّار بن ياسر يكلّمه أن يركب مع علىّ فأبي ، فأرسل عثمان إلي سعد ابن أبى وقّاص ، فكلّمه أن يأتى عمّاراً فيكلّمه أن يركب مع علىّ ، قال : فخرج سعد حتّي دخل علي عمّار فقال :يا أبا اليقظان ، أ لا تخرج فيمن يخرج وهذا علىّ يخرج فاخرج معه ، واردد هؤلاء القوم عن إمامك ; فانّى لأحسب أنّك لم تركب مركباً هو خير لك منه . قال : وأرسل عثمان إلي كثير بن الصلت الكندى ـ وكان من أعوان عثمان ـ فقال : انطلق فى إثر سعد فاسمع ما يقول سعد لعمّار ، وما يردّ عمّار علي سعد ، ثمّ ائتنى سريعاً . قال : فخرج كثير حتي يجد سعداً عند عمّار مخليّاً به ، فألقم عينه جُحْر الباب ، فقام إليه عمّار ولا يعرفه وفى يده قضيب ، فأدخل القضيب الجُحْر الذى ألقمه كثير عينَه ، فأخرج كثير عينه من الجُحْر وولّي مدبراً متقنّعاً ، فخرج عمّار فعرف أثره ونادي : يا قليل ابن اُمّ قليل ; أ علىّ تطلّع وتستمع حديثى ! والله لو دريت أنّك هو لفقأت عينك بالقضيب ; فإنّ رسول الله ½ قد أحلّ ذلك ، ثمّ رجع عمّار إلي سعد فكلّمه سعد وجعل يفتله بكلّ وجه ، فكان آخر ذلك أن قال عمّار : والله لا أردّهم عنه أبداً . ٢٢٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / توبة عثمان فى خطاب عامّ
فرجع سعد إلي عثمان فأخبره بقول عمّار ، فاتّهم عثمان سعداً أن يكون لم يناصحه ، فأقسم له سعد بالله لقد حرّض ، فقبل منه عثمان ، قال : وركب علىّ ¼ إلي أهل مصر فردّهم عنه ، فانصرفوا راجعين(١) . ٥ / ٩ ١٢١٢ ـ تاريخ الطبرى عن علىّ بن عمر عن أبيه : إنّ عليّاً جاء عثمان بعد انصراف المصريين فقال له : تكلّم كلاماً يسمعه الناس منك ويشهدون عليه ، ويشهد الله علي ما فى قلبك من النزوع والإنابة ; فإنّ البلاد قد تمخّضت عليك ، فلا آمن ركباً آخرين يقدمون من الكوفة ، فتقول : يا علىّ اركب إليهم ، ولا أقدر أن أركب إليهم ولا أسمع عذراً ، ويقدم ركب آخرون من البصرة ، فتقول : يا علىّ اركب إليهم ، فإن لم أفعل رأيتنى قد قطعت رحمك ، واستخففت بحقّك . قال : فخرج عثمان فخطب الخطبة التى نزع فيها ، وأعطي الناس من نفسه التوبة ،فقام فحمد الله وأثني عليه بما هو أهله ، ثمّ قال : أمّا بعد أيّها الناس ! فو الله ما عاب من عاب منكم شيئاً أجهله ، وما جئت شيئاً إلاّ وأنا أعرفه ، ولكنّى منّتنى نفسى وكذّبتنى وضلّ عنّى رشدى ، ولقد سمعت رسول الله ½ يقول : "من زلّ فليتُب ، ومن أخطأ فليتُب ولا يتمادّ فى الهلكة ; إنّ من تمادي فى الجور كان أبعد من الطريق" فأنا أوّل من اتّعظ ، أستغفر الله ممّا فعلت وأتوب إليه ، فمثلى نزع وتاب ، فإذا نزلت فليأتنى أشرافكم فليرونى رأيهم ، فو الله لئن ردّنى الحقّ عبداً لأستنّ بسنّة العبد ، ولأذلّن ذلّ العبد ، ولأكونّن (١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٥٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٨٣ نحوه وراجع أنساب الأشراف : ٦ / ١٧٦ . ٢٢٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / توبة عثمان فى خطاب عامّ
كالمرقوق ، إن مُلك صبر وإن عُتق شكر ، وما عن الله مذهب إلاّ إليه ، فلا يعجزنّ عنكم خياركم أن يدنوا إلىّ ، لئن أبَت يمينى لتتابعنى شمالى . قال : فرقّ الناس له يومئذ وبكي من بكي منهم ، وقام إليه سعيد بن زيد فقال : يا أمير المؤمنين ، ليس بواصل لك من ليس معك ، اللهَ اللهَ فى نفسك ، فأتمِمْ علي ما قلت (١) . ١٢١٣ ـ تاريخ الطبرى عن عبّاد بن عبد الله بن الزبير : كتب أهل المدينة إلي عثمان يدعونه إلي التوبة ، ويحتجّون ويقسمون له بالله لا يمسكون عنه أبداً حتي يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من حقّ الله . فلمّا خاف القتل شاور نصحاءه وأهل بيته ، فقال لهم : قد صنع القوم ما قد رأيتم ، فما المخرج ؟ فأشاروا عليه أن يرسل إلي علىّ بن أبى طالب فيطلب إليه أن يردّهم عنه ، ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولَهم(٢) حتي يأتيه أمداد . فقال : إنّ القوم لن يقبلوا التعليل ، وهم محمّلىّ عهداً ، وقد كان منّى فى قدمتهم الاُولي ما كان ، فمتي اُعطِهم ذلك يسألونى الوفاء به ! فقال مروان بن الحكم : يا أمير المؤمنين ! مقاربتهم حتي تقوي أمثل من مكاثرتهم علي القرب ، فأعطِهم ما سألوك ، وطاوِلهم ما طاوَلوك ; فإنّما هم بغوا عليك ; فلا عهد لهم . (١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٦٠ ، البداية والنهاية : ٧ / ١٧٢ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٨٤ ; الجمل : ١٩١ كلاهما نحوه . ٢٣٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / توبة عثمان فى خطاب عامّ
فأرسل إلي علىٍّ فدعاه ، فلمّا جاءه قال : يا أبا حسن ! إنّه قد كان من الناس ما قد رأيت ، وكان منّى ما قد علمت ، ولست آمنهم علي قتلى ، فارددهم عنّى ; فإنّ لهم الله عزّ وجلّ أن أعتبهم من كلّ ما يكرهون ، وأن اُعطيهم الحقّ من نفسى ومن غيرى ، وإن كان فى ذلك سفك دمى . فقال له علىّ : الناس إلي عدلك أحوج منهم إلي قتلك ، وإنّى لأري قوماً لا يرضون إلاّ بالرضي ، وقد كنتَ أعطيتهم فى قدمتهم الاُولي عهداً من الله لترجعنّ عن جميع ما نقموا ، فرددتُهم عنك ، ثمّ لم تفِ لهم بشىء من ذلك ، فلا تغرّنى هذه المرّة من شىء ; فإنّى معطيهم عليك الحقّ . قال : نعم ، فأعطِهم ، فو الله لأفينّ لهم . فخرج علىّ إلي الناس ، فقال : أيّها الناس ! إنّكم إنّما طلبتم الحقّ فقد اُعطيتموه ، إنّ عثمان قد زعم أنّه منصفكم من نفسه ومن غيره ، وراجع عن جميع ما تكرهون ، فاقبلوا منه ووكّدوا عليه . قال الناس : قد قبلنا فاستوثِق منه لنا ; فإنّا والله لا نرضي بقول دون فعل . فقال لهم علىّ : ذلك لكم . ثمّ دخل عليه فأخبره الخبر . فقال عثمان : اضرب بينى وبينهم أجلاً يكون لى فيه مهلة ; فإنّى لا أقدر علي ردّ ما كرهوا فى يوم واحد . قال له علىّ : ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه ، وما غاب فأجلُه وصول أمرك . قال : نعم . ولكن أجّلنى فيما بالمدينة ثلاثة أيّام . قال علىّ : نعم . فخرج إلي الناس فأخبرهم بذلك ، وكتب بينهم وبين عثمان ٢٣١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / توبة عثمان فى خطاب عامّ
كتاباً أجّله فيه ثلاثاً ، علي أن يردّ كلّ مظلمة ، ويعزل كلّ عامل كرهوه ، ثمّ أخذ عليه فى الكتاب أعظم ما أخذ الله علي أحد من خلقه من عهد وميثاق ، وأشهد عليه ناساً من وجوه المهاجرين والأنصار ، فكفّ المسلمون عنه ورجعوا إلي أن يفى لهم بما أعطاهم من نفسه ، فجعل يتأهّب للقتال ، ويستعدّ بالسلاح ـ وقد كان اتّخذ جنداً عظيماً من رقيق الخمس ـ فلمّا مضت الأيّام الثلاثة وهو علي حاله لم يغيّر شيئاً ممّا كرهوه ولم يعزل عاملاً ، ثار به الناس(١) . ١٢١٤ ـ الإمامة والسياسة : خرج عثمان فصعد المنبر ، فحمد الله وأثني عليه ثمّ قال : أمّا بعد أيّها الناس ، إن نصيحتى كذّبتنى ، ونفسى منّتنى ، وقد سمعت رسول الله يقول : لا تتمادوا فى الباطل ; فإنّ الباطل يزداد من الله بُعداً ، من أساء فليتُب ، ومن أخطأ فليتُب ، وأنا أوّل من أتّعظ ، والله لئن ردّنى الحقّ عبداً لا نتسبنّ نسب العبيد ، ولأكوننّ كالمرقوق الذى إن مُلك صبر ، وإن اُعتق شكر ، ثمّ نزل ، فدخل علي زوجته نائلة بنت الفرافصة ، ودخل معه مروان بن الحكم ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أتكلّم أو أسكت ؟ فقالت له نائلة : بل اسكت ! فو الله لئن تكلّمت لتغرّنه ولتوبقنّه . فالتفت إليها عثمان مغضباً ، فقال : اسكتى ، تكلّم يا مروان . فقال مروان : يا أمير المؤمنين ! والله لو قلت الذى قلت وأنت فى عزّ ومنعة لتابعتك ، ولكنّك قلت الذى قلت وقد بلغ السيل الزبي ، وجاوز الحزام الطبيين ، فانقض التوبة ولا تقرّ بالخطيئة(٢) . (١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٦٩ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٨٨ نحوه . |
||