٢٣٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / نقض التوبة والمعاهدة ٥ / ١٠ ١٢١٥ ـ تاريخ الطبرى عن علىّ بن عمر عن أبيه ـ فى ذكر عثمان بعد أن خطب الخطبة التى أعلن فيها توبته ـ : فلمّا نزل عثمان وجد فى منزله مروان وسعيداً ونفراً من بنى اُميّة ، ولم يكونوا شهدوا الخطبة ، فلمّا جلس قال مروان : يا أمير المؤمنين أتكلّم أم أصمت ؟ فقالت نائلة بنت الفرافصة ـ امرأة عثمان الكلبيّة ـ : لا بل اصمت ; فإنّهم والله قاتلوه ومؤثّموه ، إنّه قد قال مقالة لا ينبغى له أن ينزع عنها . . . . فأعرض عنها مروان ثمّ قال : يا أمير المؤمنين أ تكلّم أم أصمت ؟ قال : بل تكلّم . فقال مروان : بأبى أنت وأمّى ، والله لوددت أنّ مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع منيع فكنت أوّل من رضى بها وأعان عليها ، ولكنّك قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطُّبْيَين ، وخَلَّف السيل الزبي(١) ، وحين أعطي الخطّة الذليلةَ الذليلُ ، والله لإقامة علي خطيئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تخوّف عليها ، وإنّك إن شئت تقرّبت بالتوبة ولم تُقرِرْ بالخطيئة ، وقد اجتمع إليك علي الباب مثل الجبال من الناس ، فقال عثمان : فاخرج اليهم فكلّمهم ; فإنّى أستحيى أن أكلّمهم . قال : فخرج مروان إلي الباب والناس يركب بعضهم بعضاً ، فقال : ما شأنكم قد ٢٣٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / نقض التوبة والمعاهدة اجتمعتم كأنّكم قد جئتم لنهب ؟ شاهت الوجوه ، كلّ إنسان آخذ باُذن صاحبه ، ألا من أريد ، جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا ، اُخرجوا عنّا ، أما والله لئن رمتمونا ليمرّنّ عليكم منّا أمر لا يسرّكم ، ولا تحمدوا غبّ رأيكم ، ارجعوا إلي منازلكم ; فإنّا والله ما نحن مغلوبين علي ما فى أيدينا . قال : فرجع الناس ، وخرج بعضهم حتي أتي عليّاً فأخبره الخبر ، فجاء علىّ ¼ مغضباً حتي دخل علي عثمان ، فقال : أ ما رضيت من مروان ولا رضى منك إلاّ بتحرّفك عن دينك وعن عقلك ، مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به ؟ والله ما مروان بذى رأى فى دينه ولا نفسه ، وايم الله إنّى لأراه سيوردك ثمّ لا يصدرك ، وما أنا بعائد بعد مقامى هذا لمعاتبتك ، أذهبتَ شرفك ، وغُلبت علي أمرك . فلمّا خرج علىّ ، دخلت عليه نائلة بنت الفرافصة امرأته ، فقالت : أتكلّم أو أسكت ؟ فقال : تكلّمى . فقالت : قد سمعت قول علىّ لك وإنّه ليس يعاودك ، وقد أطعت مروان يقودك حيث شاء ، قال : فما أصنع ؟ قال : تتّقى الله وحده لا شريك له ، وتتّبع سنّة صاحبيك من قبلك ; فإنّك متي أطعت مروان قتلك ، ومروان ليس له عند الناس قدر ولا هيبة ولا محبّة ، وإنّما تركك الناس لمكان مروان ، فأرسِل إلي علىّ فاستصلحه ; فإنّ له قرابة منك وهو لا يُعصي . قال : فأرسل عثمان إلي علىّ فأبي أن يأتيه ، وقال : قد أعلمته أنّى لست بعائد(١) . (١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٦١ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٨٤ ، البداية والنهاية : ٧ / ١٧٢ ; الجمل : ١٩٢ . ٢٣٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / نقض التوبة والمعاهدة ١٢١٦ ـ تاريخ الطبرى ـ فى ذكر ما حدث بعد رجوع المصريّين ـ : لمّا رجع علىّ ¼ إلي عثمان أخبره أنّهم قد رجعوا ، وكلّمه علىّ كلاماً فى نفسه ، قال له : اعلمْ أنّى قائل فيك أكثر ممّا قلت . قال : ثمّ خرج إلي بيته . قال : فمكث عثمان ذلك اليوم حتي إذا كان الغد جاءه مروان ، فقال له : تكلّم وأعِلم الناسَ أنّ أهل مصر قد رجعوا ، وأنّ ما بلغهم عن إمامهم كان باطلا ; فإنّ خطبتك تسير فى البلاد قبل أن يتحلّب الناس عليك من أمصارهم ، فيأتيك من لا تستطيع دفعه . قال : فأبي عثمان أن يخرج ، قال : فلم يزل به مروان حتي خرج ، فجلس علي المنبر فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد : فإنّ هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر ، فلمّا تيقّنوا أنّه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلي بلادهم . قال : فناداه عمرو بن العاص من ناحية المسجد : اتّقِ الله يا عثمان ; فإنّك قد ركبت نَهابيرَ وركبناها معك ، فتُب إلي الله نتُب . قال : فناداه عثمان ، وإنّك هناك يابن النابغة ! قملتْ والله جبّتُك منذ تركتك من العمل . قال : فنودى من ناحية اُخري : تُب إلي الله ، وأظهر التوبة يكفَّ الناسُ عنك . قال : فرفع عثمان يديه مدّاً ، واستقبل القبلة فقال : اللهمّ إنّى أوّل تائب تاب إليك . ورجع إلي منزله ، وخرج عمرو بن العاص حتي نزل منزله بفلسطين ، فكان يقول : والله إن كنت لألقي الراعى فاُحرّضه عليه(١) . ١٢١٧ ـ تاريخ الطبرى عن أبى عون : سمعت عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث يذكر مروان بن الحكم ، قال : قبّح الله مروان ; خرج عثمان إلي الناس فأعطاهم الرضي ، وبكي علي المنبر وبكي الناس حتي نظرت إلي لحية عثمان ٢٣٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / نقض التوبة والمعاهدة مخضلّة من الدموع ، وهو يقول : اللهمّ إنّى أتوب إليك ، اللهمّ إنّى أتوب إليك ، اللهمّ إنّى أتوب إليك ! والله لئن ردّنى الحقّ إلي أن أكون عبداً قنّاً لأرضينّ به ، إذا دخلت منزلى فادخلوا علىّ ، فو الله لا أحتجب منكم ، ولاُعطينّكم الرضي ، ولأزيدنّكم علي الرضي ، ولاُنحّينّ مروان وذويه . قال : فلمّا دخل أمر بالباب ففتح ، ودخل بيته ، ودخل عليه مروان ، فلم يزل يفتله فى الذِّرْوَة والغارِب حتي فتله عن رأيه ، وأزاله عمّا كان يريد ، فلقد مكث عثمان ثلاثة أيّام ما خرج استحياءً من الناس . وخرج مروان إلي الناس ، فقال : شاهت الوجوه ! ألا من اُريد ! ارجعوا إلي منازلكم ; فإن يكن لأمير المؤمنين حاجة بأحد منكم يرسل إليه ، وإلاّ قرّ فى بيته . قال عبد الرحمن : فجئت إلي علىّ فأجده بين القبر والمنبر ، وأجد عنده عمّار بن ياسر ، ومحمّد بن أبى بكر ، وهما يقولان : صنَع مروان بالناس وصنَع . قال : فأقبل علَىَّ علىٌّ ، فقال : أ حضرتَ خطبة عثمان ؟ قلت : نعم . قال : أ فحضرت مقالة مروان للناس ؟ قلت : نعم . قال علىٌّ : عياذ الله ، يا للمسلمين ! إنّى إن قعدت فى بيتى قال لى : تركتنى وقرابتى وحقّى ، وإنّى إن تكلّمت فجاء ما يريد يلعب به مروان ، فصار سيّقة له يسوقه حيث شاء بعد كبر السنّ وصحبة رسول الله ½ . قال عبد الرحمن بن الأسود : فلم يزل حتي جاء رسول عثمان : ائتنى . فقال علىٌّ بصوت مرتفع عال مغضب : قل له : ما أنا بداخل عليك ولا عائد . قال : فانصرف الرسول . ٢٣٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / خيانة بطانة السوء قال : فلقيت عثمان بعد ذلك بليلتين خائباً ، فسألت ناتلاً غلامه : من أين جاء أمير المؤمنين ؟ فقال : كان عند علىّ . فقال عبد الرحمن بن الأسود : فغدوت فجلست مع علىّ ¼ ، فقال لى : جاءنى عثمان البارحة ، فجعل يقول : إنّى غير عائد ، وإنّى فاعل . قال : فقلت له : بعدما تكلّمت به علي منبر رسول الله ½ ، وأعطيت من نفسك ، ثمّ دخلت بيتك ، وخرج مروان إلي الناس فشتمهم علي بابك ويؤذيهم ! قال : فرجع وهو يقول : قطعتَ رحِمى وخذلتنى ، وجرّأت الناس علىَّ . فقلت : والله ، إنّى لأذبّ الناس عنك ، ولكنّى كلّما جئتك بَهنَة أظنّها لك رضيً جاء باُخري ، فسمعتَ قول مروان علىَّ ، واستدخلت مروان . قال : ثمّ انصرف إلي بيته . قال عبد الرحمن بن الأسود : فلم أزل أري عليّاً منكّباً عنه لا يفعل ما كان يفعل ، إلاّ أنّى أعلم أنّه قد كلّم طلحة حين حُصر فى أن يدخل عليه الرَّوايا(١) ، وغضب فى ذلك غضباً شديداً ، حتي دخلت الرَّوايا علي عثمان(٢) . ٥ / ١١ ١٢١٨ ـ تاريخ الطبرى عن العلاء بن عبد الله بن زيد العنبرى : أرسل عثمان إلي (١) الرَّوايا من الإبل : الحوامل للماء ، واحدتها راوية (النهاية : ٢ / ٢٧٩) . ٢٣٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / خيانة بطانة السوء معاوية بن أبى سفيان ، وإلي عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، وإلي سعيد بن العاص ، وإلي عمرو بن العاص بن وائل السهمى ، وإلي عبد الله بن عامر ، فجمعهم ليشاورهم فى أمره وما طُلب إليه وما بلغه عنهم ، فلمّا اجتمعوا عنده قال لهم : إن لكلّ امرئ وزراء ونصحاء ، وإنّكم وزرائى ونُصحائى وأهل ثقتى ، وقد صنع الناس ما قد رأيتم ، وطلبوا إلىّ أن أعزل عمّالى وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلي ما يحبّون ، فاجتهِدوا رأيكم وأشيروا علىّ . فقال له عبد الله بن عامر : رأيى لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك ، وأن تُجمّرهم(١) فى المغازى حتي يذلّوا لك ، فلا يكون همّة أحدهم إلاّ نفسه وما هو فيه من دبرة دابته وقمل فَرْوِه . ثمّ أقبل عثمان علي سعيد بن العاص فقال له : ما رأيك ؟ قال : يا أمير المؤمنين إن كنت تري رأينا فاحسم عنك الداء ، واقطع عنك الذى تخاف ، واعمل برأيى تُصِب . قال : وما هو ؟ قال : إنّ لكلّ قوم قادة متي تهلك يتفرّقوا ولا يجتمع لهم أمر ، فقال عثمان : إنّ هذا الرأى لولا ما فيه . ثمّ أقبل معاوية فقال : ما رأيك ؟ قال : أري لك يا أمير المؤمنين أن تردّ عمّالك علي الكفاية لما قِبَلهم ، وأنا ضامن لك قِبَلى . ثمّ أقبل علي عبد الله بن سعد فقال : ما رأيك ؟ قال : أري يا أمير المؤمنين أنّ الناس أهل طمع فأعطِهم من هذا المال تعطفْ عليك قلوبهم . ثمّ أقبل علي عمرو بن العاص فقال له : ما رأيك ؟ قال : أري أنّك قد ركبت الناس بما يكرهون ، فاعتزم أن تعتدل ; فإن أبيت فاعتزم أن تعتزل ; فإن أبيت (١) تجمير الجيش : جمعهم فى الثغور ، وحبسهم عن العود إلي أهلهم (النهاية : ١ / ٢٩٢) . ٢٣٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / آخر ما أدّي إلي قتل عثمان فاعتزم عزماً وامض قُدُماً . فقال عثمان : مالك قَمِل فَرْوُك ؟ ! أ هذا الجدّ منك ؟ فأسكت عنه دهراً ، حتي إذا تفرّق القوم قال عمرو : لا والله يا أمير المؤمنين ، لأنت أعزّ علىّ من ذلك ، ولكن قد علمت أن سيبلغ الناس قولُ كلّ رجل منّا ، فأردت أن يبلغهم قولى فيثقوا بى ، فأقود إليك خيراً أو أدفع عنك شرّاً . . . فردّ عثمان عمّاله علي أعمالهم ، وأمرهم بالتضييق علي من قِبَلهم ، وأمرهم بتجمير الناس فى البعوث ، وعزم علي تحريم أعطياتهم ليطيعوه ويحتاجوا إليه(١) . ٥ / ١٢ ١٢١٩ ـ الفتوح : أرسل عثمان إلي علىّ بن أبى طالب ¢ ، فدعاه فقال : يا أبا الحسن ! أنت لهؤلاء القوم ، فادعوهم إلي كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيّه واكفنى ممّا يكرهون . فقال له علىّ : إن أعطيتنى عهد الله وميثاقه أنّك توفى لهم بكلّ ما اُعطيهم فعلت ذلك . فقال عثمان : نعم يا أبا الحسن ، اضمَن لهم عنّى جميع ما يريدون . قال : فأخذ علىّ عليه عهداً غليظاً وميثاقاً مؤكّداً ، ثمّ خرج من عنده فأقبل نحو القوم ، فلمّا دنا منهم قالوا : ما وراءك يا أبا الحسن فإنّنا نُجلّك ؟ ٢٣٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / آخر ما أدّي إلي قتل عثمان فقال : إنّكم تُعطَون ما تريدون ، وتُعافَون من كلّ ما أسخطكم ، ويولّي عليكم من تُحبّون ، ويُعزل عنكم من تكرهون . فقالوا : ومن يضمن لنا ذلك ؟ قال علىّ : أنا أضمن لكم ذلك . فقالوا : رضينا . قال : فأقبل علىّ إلي عثمان ومعه وجوه القوم وأشرافهم ، فلمّا دخلوا عاتبوه فأعتبهم من كلّ ما كرهوا . فقالوا : اكتب لنا بذلك كتاباً ، وأدخل لنا فى هذا الضمان عليّاً بالوفاء لنا بما فى كتابنا . فقال عثمان : اكتبوا ما أحببتم وأدخلوا فى هذا الضمان من أردتم . قال : فكتبوا : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من عبد الله عثمان بن عفّان أمير المؤمنين لجميع من نقم عليه من أهل البصرة والكوفة وأهل مصر : أنّ لكم علىَّ أن أعمل فيكم بكتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيّه محمّد ½ ، وأنّ المحروم يُعطي ، والخائف يؤمن ، والمنفى يردّ ، وأنّ المال يردّ علي أهل الحقوق ، وأن يُعزل عبد الله بن سعد بن أبى سرح عن أهل مصر ، ويولّي عليهم من يرضون . قال : فقال أهل مصر : نُريد أن تولّى علينا محمّد بن أبى بكر . فقال عثمان : لكم ذلك . ثمّ أثبتوا فى الكتاب : ٢٤٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / آخر ما أدّي إلي قتل عثمان وأنّ علىّ بن أبى طالب ضمين للمؤمنين بالوفاء لهم بما فى هذا الكتاب ، شهد علي ذلك : الزبير بن العوّام ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن أبى وقّاص ، وعبد الله بن عمر ، وزيد بن ثابت ، وسهل بن حنيف ، وأبو أيّوب خالد بن زيد . وكُتب فى ذى الحجّة سنة خمس وثلاثين . قال : فأخذ أهل مصر كتابهم وانصرفوا ، ومعهم محمّد بن أبى بكر أميراً عليهم ، حتي إذا كانوا علي مسيرة ثلاثة أيّام من المدينة وإذا هم بغلام أسود علي بعير له يخبط خبطاً عنيفاً . فقالوا : يا هذا ! اربع قليلاً ما شأنك ؟ كأنّك هارب أو طالب ، من أنت ؟ فقال : أنا غلام أمير المؤمنين عثمان وجّهنى إلي عامل مصر . فقال له رجل منهم : يا هذا ! فإنّ عامل مصر معنا . فقال : ليس هذا الذى اُريد . فقال محمّد بن أبى بكر : أنزلوه عن البعير ، فحطّوه ، فقال له محمّد بن أبى بكر : أصدِقنى غلام من أنت ؟ قال : أنا غلام أمير المؤمنين . قال : فإلي من اُرسلت ؟ قال : إلي عبد الله بن سعد عامل مصر . قال : وبماذا اُرسلت ؟ قال : برسالة . قال محمّد بن أبى بكر : أ فمعك كتاب ؟ ٢٤١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / آخر ما أدّي إلي قتل عثمان قال : لا . فقال أهل مصر : لو فتّشناه أيّها الأمير ; فإنّنا نخاف أن يكون صاحبه قد كتب فينا بشىء ، ففتّشوا رحله ومتاعه ونزعوا ثيابه حتي عرّوه فلم يجدوا معه شيئاً ، وكانت علي راحلته إداوة(١) فيها ماء ، فحرّكوها فإذا فيها شىء يتقلقل ، فحرّكوه ليخرج فلم يخرج . فقال كنانة بن بشر التجيبى : والله ! إنّ نفسى لتحدّثنى أنّ فى هذه الإداوة كتاباً . فقال أصحابه : ويحك ! ويكون كتاب فى ماء ؟ قال : إنّ الناس لهم حِيَل ، فشقّوا الإداوة فإذا فيها قارورة مختومة بشمع ، وفى جوف القارورة كتاب ، فكسروا القارورة وأخرجوا الكتاب ، فقرأه محمّد بن أبى بكر فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله عثمان أمير المؤمنين إلي عبد الله بن سعد ، أمّا بعد ، فإذا قدم عليك عمرو بن يزيد بن ورقاء فاضرب عنقه صبراً ، وأمّا علقمة بن عديس البلوى ، وكنانة بن بشر التجيبى ، وعروة بن سهم الليثى ، فاقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ودعهم يتشحّطون فى دمائهم حتي يموتوا ، فإذا ماتوا فاصلبهم علي جذوع النخل ، وأمّا محمّد بن أبى بكر فلا يقبل منه كتابه وشدّ يدك به ، واحتَل فى قتله ، وقرّ علي عملك حتي يأتيك أمرى إن شاء الله تعالي . فلمّا قرأ محمّد بن أبى بكر الكتاب رجع إلي المدينة هو ومن معه ، ثمّ جمع أصحاب النبىّ ½ وقرأ عليهم الكتاب وأخبرهم بقصّة الكتاب . (١) الإدواة : إناء صغير من جلد يُتّخذ للماء (النهاية : ١ / ٣٣) . ٢٤٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / آخر ما أدّي إلي قتل عثمان فلم يبقَ بالمدينة أحد إلاّ حنق علي عثمان ، واشتدّ حنق بنى هذيل خاصّة عليه لأجل صاحبهم عبد الله بن مسعود ، وهاجت بنو مخزوم لأجل صاحبهم عمّار بن ياسر ، وكذلك غفّار لأجل صاحبهم أبى ذرّ . ثمّ إنّ عليّاً أخذ الكتاب وأقبل حتي دخل علي عثمان ، فقال له : ويحك ! لا أدرى علي ماذا أنزل ! استعتبك القوم فأعتبتهم بزعمك وضمنتنى ثمّ أحقرتنى ، وكتبت فيهم هذا الكتاب ! فنظر عثمان فى الكتاب ثمّ قال : ما أعرف شيئاً من هذا ! ! فقال علىّ : الغلام غلامك أم لا ؟ قال عثمان : بل هو والله غلامى ، والبعير بعيرى ، وهذا الخاتم خاتمى ، والخطّ خطّ كاتبى . قال علىّ ¢ : فيخرج غلامك علي بعيرك بكتاب وأنت لا تعلم به ؟ فقال عثمان : حيّرتك يا أبا الحسن ! وقد يشبه الخطّ الخطّ وقد تختم علي الخاتم ، ولا والله ما كتبت هذا الكتاب ، ولا أمرت به ، ولا وجّهت هذا الغلام إلي مصر . فقال علىّ : لا عليك ، فمن نتّهم ؟ قال : أتّهمك وأتّهم كاتبى ! قال علىّ : بل هو فعلك وأمرك . ثمّ خرج من عنده مغضباً(١) . ١٢٢٠ ـ تاريخ المدينة عن هارون بن عنترة عن أبيه : لمّا كان من أمر عثمان ما ٢٤٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / آخر ما أدّي إلي قتل عثمان كان ، قدم قوم من مصر معهم صحيفة صغيرة الطىّ ، فأتوا عليّاً ¢ فقالوا : إنّ هذا الرجل قد غيّر وبدّل ، ولم يسِر مسيرة صاحبيه ، وكتب هذا الكتاب إلي عامله بمصر : أن خذ مال فلان ، واقتل فلاناً ، وسيّر فلاناً . فأخذ علىّ الصحيفة فأدخلها علي عثمان ، فقال : أ تعرف هذا الكتاب ؟ فقال : إنّى لأعرف الخاتم . فقال : اكسرها فكسرها . فلمّا قرأها قال : لعن الله من كتبه ومن أملاه . فقال له علىّ ¢ : أ تتّهم أحداً من أهل بيتك ؟ قال : نعم . قال : من تتّهم ؟ قال : أنت أوّل من أتّهم ! قال : فغضب علىّ ¢ فقام وقال : والله لا اُعينك ولا اُعين عليك حتي ألتقى أنا وأنت عند ربّ العالمين(١) . ١٢٢١ ـ مروج الذهب ـ بعد ذكر حلّ اختلاف المصريّين مع عثمان وانصرافهم ـ : فلمّا صاروا إلي الموضع المعروف بحِسمي(٢) ، إذا هم بغلام علي بعير وهو مُقْبل من المدينة ، فتأمّلوه فإذا هو ورش غلام عثمان ، فقرّروه فأقرّ وأظهر كتاباً إلي ابن أبى سرح صاحب مصر وفيه : إذا قدم عليك الجيش فاقطع يد فلان ، واقتل فلاناً ، وافعل بفلان كذا ، وأحصي أكثر من فى الجيش ، وأمر فيهم بما أمر . وعلم القوم أنّ الكتاب بخطّ مروان ، فرجعوا إلي المدينة ، واتّفق رأيهم ورأى من قدم من العراق ، ونزلوا المسجد وتكلّموا ، وذكروا ما نزل بهم من عمّالهم ، (١) تاريخ المدينة : ٤ / ١١٥٤ و١١٥٥ عن محمّد بن سعد وص ١١٦٨ عن نوفل بن مساحق ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٢٢ كلّها نحوه . ٢٤٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الحصر الثاني ورجعوا إلي عثمان فحاصروه فى داره(١) . ١٢٢٢ ـ الطبقات الكبري عن جابر بن عبد الله : إنّ المصريّين . . . رجعوا فلمّا كانوا بالبويب(٢) رأوا جملاً عليه ميسم الصدقة فأخذوه ، فإذا غلام لعثمان فأخذوا متاعه ففتّشوه ، فوجدوا فيه قصبة من رصاص فيها كتاب فى جوف الإداوة(٣) فى الماء إلي عبد الله بن سعد : أن افعل بفلان كذا وبفلان كذا من القوم الذين شرعوا فى عثمان . فرجع القوم ثانية حتي نزلوا بذى خشب ، فأرسل عثمان إلي محمّد بن مسلمة فقال : اُخرج فارددهم عنّى . فقال : لا أفعل . فقدموا فحصروا عثمان(٤) . ١٢٢٣ ـ سير أعلام النبلاء : كان [مروان بن الحكم] كاتب ابن عمّه عثمان ، وإليه الخاتم ، فخانه ، وأجلبوا بسببه علي عثمان(٥) . ٥ / ١٣ ١٢٢٤ ـ الشافى عن ابن أبى جعفر القارى مولي بنى مخزوم : كان المصريّون الذين (١) مروج الذهب : ٢ / ٣٥٣ وراجع تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٧٥ . ٢٤٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الحصر الثاني حصروا عثمان ستّمائة ، عليهم : عبد الرحمن بن عديس البلوى ، وكنانة بن بشر الكندى ، وعمرو بن الحمق الخزاعى . والذين قدموا من الكوفة مائتين ، عليهم : مالك بن الحارث الأشتر النخعى . والذين قدموا من البصرة مائة رجل ، رئيسهم : حكيم بن جبلة العبدى . وكان أصحاب النبىّ ½ الذين خذلوه لا يرون أنّ الأمر يبلغ بهم إلي القتل ، ولعمرى لو قام بعضهم فحثا التراب فى وجوه اُولئك لانصرفوا(١) . ١٢٢٥ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن الزبير عن أبيه : كتب أهل مصر بالسُّقْيا(٢) ـ أو بذى خشب ـ إلي عثمان بكتاب ، فجاء به رجل منهم حتي دخل به عليه ، فلم يردّ عليه شيئاً ، فأمر به فاُخرج من الدار . وكان أهل مصر الذين ساروا إلي عثمان ستّمائة رجل علي أربعة ألوية لها رؤوس أربعة ، مع كلّ رجل منهم لواء . وكان جماع أمرهم جميعاً إلي عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعى ـ وكان من أصحاب النبىّ ½ ـ وإلي عبد الرحمن بن عديس التجيبى . فكان فيما كتبوا إليه : بسم الله الرحمن الرحيم : أمّا بعد ، فاعلم أنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتي يغيّروا ما بأنفسهم ، فاللهَ اللهَ ! ثمّ اللهَ اللهَ ! فإنّك علي دنيا فاستتمّ إليها معها آخرة ، ولا تُلبس نصيبك من الآخرة ، فلا تسوغ لك الدنيا . (١) الشافى : ٤ / ٢٦٢ ; الطبقات الكبري : ٣ / ٧١ ، أنساب الأشراف : ٦ / ٢١٩ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٤٤٧ ، تاريخ دمشق : ٣٩ / ٣٦٠ ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٢٧ كلّها عن أبى جعفر القارى . ٢٤٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الحصر الثاني واعلم أنّا والله لله نغضب ، وفى الله نرضي ، وإنّا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتي تأتينا منك توبة مصرّحة ، أو ضلالة مجلّحة مبلجة ، فهذه مقالتنا لك ، وقضيّتنا إليك ، والله عذيرنا منك . والسلام(١) . ١٢٢٦ ـ تاريخ اليعقوبى : حصر ابنُ عديس البلوى عثمان فى داره ، فناشدهم اللهَ ، ثمّ نشد مفاتيح الخزائن ، فأتوا بها إلي طلحة بن عبيد الله ، وعثمان محصور فى داره ، وكان أكثر من يؤلّب عليه طلحة والزبير وعائشة(٢) . ١٢٢٧ ـ الإمامة والسياسة : أقبل الأشتر النخعى من الكوفة فى ألف رجل ، وأقبل ابن أبى حذيفة من مصر فى أربعمائة رجل ، فأقام أهل الكوفة وأهل مصر بباب عثمان ليلاً ونهاراً ، وطلحة يحرّض الفريقين جميعاً علي عثمان . ثمّ إنّ طلحة قال لهم : إنّ عثمان لا يبالى ما حصرتموه وهو يدخل إليه الطعام والشراب ، فامنعوه الماء أن يدخل عليه(٣) . ١٢٢٨ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن عيّاش بن أبى ربيعة : دخلت علي عثمان ، فتحدّثت عنده ساعة ، فقال : يابن عيّاش ! تعالَ ، فأخذ بيدى ، فأسمعنى كلام من علي باب عثمان ، فسمعنا كلاماً ، منهم من يقول : ما تنتظرون به ؟ ومنهم من يقول : انظروا عسي أن يراجع . فبينا أنا وهو واقفان ، إذ مرّ طلحة بن عبيد الله ، فوقف فقال : أين ابن عديس ؟ فقيل : ها هو ذا . فجاءه ابن عديس ، فناجاه بشىء ، ثمّ رجع ابن عديس ، فقال (١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٦٩ . ٢٤٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الحصر الثاني لأصحابه : لا تتركوا أحداً يدخل علي هذا الرجل ، ولا يخرج من عنده . قال : فقال لى عثمان : هذا ما أمر به طلحة بن عبيد الله ! ثمّ قال عثمان : اللهمّ اكفنى طلحةَ بن عبيد الله ; فإنّه حمل علىَّ هؤلاء ، وألّبهم(١) ، والله إنّى لأرجو أن يكون منها صفراً(٢) ، وأن يُسفك دمه ; إنّه انتهك منّى ما لا يحلّ له(٣) . ١٢٢٩ ـ الفتوح : كان طلحة بن عبيد الله قد استولي علي حصار عثمان مع نفر من بنى تيم ، وبلغ ذلك عثمان ، فأرسل إلي علىّ بهذا البيت :
أ ترضي أن يقتل ابن عمّك وابن عمّتك ، ويسلب نعمتك وأمرك ؟ ! فقال علىّ ¢ : صدق والله عثمان ! لا والله ، لا نترك ابن الحضرميّة يأكلها . ثم خرج علىّ إلي الناس ، فصلّي بهم الظهر والعصر ، وتفرّق الناس عن طلحة ، ومالوا إلي علىّ . فلمّا رأي طلحة ذلك ، أقبل حتي دخل علي عثمان ، فاعتذر إليه ممّا كان منه . فقال له عثمان : يابن الحضرميّة ! وليت علي الناس ، ودعوتَهم إلي قتلى ، حتي إذا فاتك ما كنتَ ترجو ، وعلاك علىّ ¢ علي الأمر ، جئتنى معتذراً ! ! لا قبل الله ممّن قبل منك(٤) . ١٢٣٠ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد بن مسلمة ـ فى ذكر اجتماع المصريين عند عثمان ـ : تكلّم القوم ، وقد قدّموا فى كلامهم ابن عديس ، فذكر ما صنع ابن سعد (١) ألّبَهم : جَمَعهم (لسان العرب : ١ / ٢١٥) . ٢٤٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الحصر الثاني بمصر ، وذكر تحاملاً منه علي المسلمين وأهل الذمّة ، وذكر استئثاراً منه فى غنائم المسلمين ، فإذا قيل له فى ذلك ، قال : هذا كتاب أمير المؤمنين إلىّ . ثمّ ذكروا أشياء ممّا أحدث بالمدينة ، وما خالف به صاحبيه . قال : فرحلنا من مصر ونحن لا نريد إلاّ دمك ، أو تنزع ، فردّنا علىٌّ ومحمّد بن مسلمة ، وضمن لنا محمّد النزوع عن كلّ ما تكلّمنا فيه . . . ثمّ رجعنا إلي بلادنا نستظهر بالله عزّ وجلّ عليك ، ويكون حجّة لنا بعد حجّة ، حتي إذا كنّا بالبويب أخذنا غلامك ، فأخذنا كتابك وخاتمك إلي عبد الله بن سعد ، تأمره فيه بجلد ظهورنا ، والمثل بنا فى أشعارنا ، وطول الحبس لنا ! ! وهذا كتابك . قال : فحمد الله ـ عثمان ـ وأثني عليه ، ثمّ قال : والله ، ما كتبت ، ولا أمرت ، ولا شَوّرت(١) ، ولا علمت . فقلت وعلىٌّ جميعاً : قد صدق . فاستراح إليها عثمان . فقال المصريّون : فمن كتبه ؟ ! قال : لا أدرى . قال : أ فيُجترأ عليك ; فيُبعث غلامُك ، وجمل من صدقات المسلمين ، ويُنقش علي خاتمك ، ويُكتب إلي عاملك بهذه الاُمور العظام ، وأنتَ لا تعلم ! ! قال : نعم . قالوا : فليس مثلك يلى ; اخلع نفسك من هذا الأمر كما خلعك الله منه . ٢٤٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / الحصر الثاني قال : لا أنزع قميصاً ألبسنيه الله عزّ وجلّ . قال : وكثرت الأصوات واللغط ، فما كنت أظنّ أنّهم يخرجون حتي يواثبوه . وقام علىٌّ فخرج . قال : فلمّا قام علىٌّ قمتُ ، قال : وقال للمصريين : اخرجوا .فخرجوا . قال : ورجعت إلي منزلى ، ورجع علىٌّ إلي منزله ، فما برحوا محاصريه حتي قتلوه(١) . ١٢٣١ ـ تاريخ الطبرى عن سفيان بن أبى العوجاء : قال عثمان [للمصريّين] : . . . أمّا قولكم : تخلع نفسك ; فلا أنزع قميصاً قمّصنيه اللهُ عزّ وجلّ ، وأكرمنى به ، وخصّنى به علي غيرى ، ولكنّى أتوب ، وأنزع ، ولا أعود لشىء عابَه المسلمون ، فإنّى والله الفقيرُ إلي الله ، الخائف منه ! قالوا : إنّ هذا لو كان أوّل حَدَث أحدثتَه ثمّ تبتَ منه ولم تقُم عليه لكان علينا أن نقبل منك ، وأن ننصرف عنك ، ولكنّه قد كان منك من الإحداث قبل هذا ما قد علمت ، ولقد انصرفنا عنك فى المرّة الاُولي وما نخشي أن تكتب فينا ، ولا من اعتللت به بما وجدنا فى كتابك مع غلامك . وكيف نقبل توبتك وقد بلونا منك أنّك لا تُعطى من نفسك التوبة من ذنب إلاّ عدت إليه ! ! فلسنا منصرفين حتي نعزلك ، ونستبدل بك ، فإن حال من معك من قومك وذوى رحمك وأهل الانقطاع إليك دونك بقتال قاتلناهم ، حتي نخلص إليك فنقتلك ، أو تلحق أرواحنا بالله(٢) . (١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٧٤ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٨٨ نحوه . ٢٥٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / استنصار عثمان معاويةَ وخذلانه ٥ / ١٤ ١٢٣٢ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد بن السائب الكلبى : لمّا رأي عثمان ما قد نزل به . وما قد انبعث عليه من الناس ، كتب إلي معاوية بن أبى سفيان وهو بالشام : بسم الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد ، فإنّ أهل المدينة قد كفروا ، وأخلفوا الطاعة ، ونكثوا البيعة ، فابعث إلىّ مَن قِبَلك من مقاتلة أهل الشام علي كلّ صعب وذلول . فلمّا جاء معاويةَ الكتابُ تربّص به ، وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله ½ ، وقد علم اجتماعهم(١) . ١٢٣٣ ـ تاريخ الإسلام عن ابن الزبير وابن عبّاس : بعث عثمانُ المسوّرَ بن مخرمة إلي معاوية ; يعلمه أنّه محصور ، ويأمره أن يجهّز إليه جيشاً سريعاً . فلمّا قَدِم علي معاوية ، ركب معاوية لوقته هو ومسلم بن عقبة وابن حديج ، فساروا من دمشق إلي عثمان عشراً . فدخل معاوية نصف الليل ، وقبّل رأس عثمان ، فقال : أين الجيش ؟ ! قال : ما جئت إلاّ فى ثلاثة رهط . فقال(٢) عثمان : لا وصل الله رحمك ، ولا أعزّ نصرك ، ولا جزاك خيراً ، فوَ الله لا اُقتل إلاّ فيك ، ولا يُنقم علىّ إلاّ من أجلك . (١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٦٨ وراجع الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٨٨ . ٢٥١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / استنصار عثمان معاويةَ وخذلانه فقال : بأبى أنت واُمّى ، لو بعثتُ إليك جيشاً فسمعوا به عاجلوك ، فقتلوك ، ولكنّ معى نجائب ، فاخرج معى ، فما يشعر بى أحد ، فوَ الله ما هى إلاّ ثلاث حتي نري معالم الشام . فقال : بئس ما أشرتَ به ، وأبي أن يجيبه . فأسرع معاوية راجعاً . وورد المسوّر ـ يريد المدينة ـ بذى المروة(١) راجعاً ، وقدم علي عثمان وهو ذامّ لمعاوية غير عاذر له ، فلمّا كان فى حصره الآخر ، بعث المسوّر ثانياً إلي معاوية لينجده ، فقال : إنّ عثمان أحسن فأحسن الله به ، ثمّ غيّر فغيّر الله به ، فشددت عليه . فقال : تركتم عثمان ، حتي إذا كانت نفسه فى حنجرته قلتم : اذهب ; فادفع عنه الموت ، وليس ذلك بيدى ! ! ثمّ أنزلنى فى مشربة علي رأسه ، فما دخل علىَّ داخل حتي قُتل عثمان(٢) . ١٢٣٤ ـ الفتوح ـ فى ذكر استنصار عثمان عمّاله لما أيس من رعيّته ـ : خشى [عثمان] أن يعاجله القوم فيُقتل ، فكتب إلي عبد الله بن عامر بن كريز ـ وهو الأمير بالبصرة ـ وإلي معاوية بن أبى سفيان ـ وهو أمير الشام بأجمعها ـ فكتب إليهم عثمان نسخة واحدة : بسم الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد ، فإنّ أهل البغى والسفه والجهل والعدوان ـ من أهل الكوفة وأهل مصر وأهل المدينة ـ قد أحاطوا بدارى ، ولم يُرضِهم شىء دون قتلى ، أو خلعى سربالا سربلنيه ربّى ! ألا وإنّى ملاق ربّى ، (١) ذو المروة : قرية بوادى القُري ، وقيل : بين خشب ووادى القري (معجم البلدان : ٥ / ١١٦) . ٢٥٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / استنصار عثمان معاويةَ وخذلانه فأعنّى برجال ذوى نجدة ورأى ، فلعلّ ربّى يدفع بهم عنّى بغى هؤلاء الظالمين الباغين علىَّ ، والسلام . قال : وأمّا معاوية فإنّه أتاه بالكتاب المسوّر بن مخرمة ، فقرأه لمّا أتاه ، ثمّ قال : يا معاوية ، إنّ عثمان مقتول ، فانظر فيما كتبت به إليه . فقال معاوية : يا مسوّر ، إنّى مصرّح أنّ عثمان بدأ فعمل بما يحبّ الله ويرضاه ، ثمّ غيّر فغيّر الله عليه ، أ فيتهيأ لى أن أردّ ما غيّر الله عزّ وجلّ ؟ !(١) ١٢٣٥ ـ تاريخ اليعقوبى : كتب [ عثمان ] إلي معاوية يسأل تعجيل القدوم عليه ، فتوجّه إليه فى اثنى عشر ألفاً ، ثمّ قال : كونوا بمكانكم فى أوائل الشام حتي آتى أمير المؤمنين ; لأعرف صحّة أمره . فأتي عثمانَ ، فسأله عن المدّة ، فقال : قد قدمت لأعرف رأيك ، وأعود إليهم فأجيؤك بهم . قال : لا والله ، ولكنّك أردتَ أن اُقتل فتقول : أنا ولىّ الثأر ; ارجع ، فجئنى بالناس ! فرجع ، فلم يعُد إليه حتي قُتل(٢) . ١٢٣٦ ـ تاريخ المدينة عن جعفر بن سليمان الضبعى : حدّثنا جويرية قال : أرسل عثمان إلي معاوية يستمدّه ، فبعث معاويةُ يزيدَ بن أسد ـ جدّ خالد القسرى ـ وقال له : إذا أتيتَ ذا خُشُب(٣) فأقِم بها ، ولا تتجاوزها ، ولا تقُل : الشاهد يري ما لا يري الغائب . قال : أنا الشاهد ، وأنت الغائب . (١) الفتوح : ٢ / ٤١٦ . ٢٥٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / استنصار عثمان معاويةَ وخذلانه فأقام بذى خُشُب ، حتي قُتل عثمان ، فقلت لجويرية : لِمَ صنع هذا ؟ قال : صنعه عمداً ; ليُقتل عثمان ، فيدعو إلي نفسه(١) . ١٢٣٧ ـ تاريخ المدينة عن غسّان بن عبد الحميد : قدم المسوّر بن مخرمة علي معاوية ، فدخل عليه وعنده أهل الشام ، فقال معاوية : يا أهل الشام هذا من قَتَلة عثمان ، فقال المسوّر : إنّى والله ما قتلت عثمان ، ولكن قتله سيرة أبى بكر وعمر ، وكتب يستمدّك بالجند فحبستهم عنه حتي قُتل ، وهم بالزَّرقاء(٢) (٣) . ١٢٣٨ ـ الإمامة والسياسة ـ فى كتاب أبى أيّوب إلي معاوية ـ : فما نحن وقتلة عثمان ! إنّ الذى تربّص بعثمان وثبّط أهل الشام عن نصرته لأنت ، وإنّ الذين قتلوه غير الأنصار(٤) . ١٢٣٩ ـ سير أعلام النبلاء عن جويرية بن أسماء : إنّ عمرو بن العاص قال لابن عبّاس : يا بنى هاشم ! لقد تقلّدتم بقتل عثمان فرم(٥) الإماء العَوارِك(٦) ، أطعتم فُسّاق العراق فى عيبه ، وأجزرتموه مرّاق أهل مصر ، وآويتم قَتَلتَه . فقال ابن عبّاس : إنّما تكلّم لمعاوية ، إنّما تكلّم عن رأيك ، وإنّ أحقّ الناس أ لاّ يتكلّم فى أمر عثمان لأنتما ! أمّا أنت يا معاوية ، فزيّنت له ما كان يصنع ، حتي إذا (١) تاريخ المدينة : ٤ / ١٢٨٨ ، شرح نهج البلاغة : ١٦ / ١٥٤ ; بحار الأنوار : ٣٣ / ٩٨ . ٢٥٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / استنصار عثمان معاويةَ وخذلانه حُصر طلب نصرك ، فأبطأت عنه ، وأحببت قتله ، وتربّصت به . وأمّا أنت يا عمرو ، فأضرمت عليه المدينة ، وهربت إلي فلسطين تسأل عن أنبائه ، فلمّا أتاك قتله ، أضافتك عداوة علىّ أن لحقت بمعاوية ، فبعت دينك بمصر . فقال معاوية : حسبك ، عرّضنى لك عمرو ، وعرّض نفسه(١) . ١٢٤٠ ـ تاريخ الخلفاء عن أبى الطفيل عامر بن واثلة الصحابى : إنّه دخل علي معاوية ، فقال له معاوية : أ لستَ من قَتَلَةِ عثمان ؟ قال : لا ، ولكن ممّن حضره فلم ينصره . قال : وما منعك من نصره ؟ قال : لم تنصره المهاجرون والأنصار . فقال معاوية : أما لقد كان حقّه واجباً عليهم أن ينصروه ! قال : فما منعك يا أمير المؤمنين من نصره ومعك أهل الشام ؟ ! فقال معاوية : أما طَلبى بِدَمه نصرةٌ له ؟ ! ! فضحك أبو الطفيل ، ثمّ قال : أنت وعثمان كما قال الشاعر :
١٢٤١ ـ أنساب الأشراف : قال عمرو [بن العاص لمعاوية] : إنّ أحقّ الناس أن لا يذكر عثمان لأنا وأنت ; أمّا أنا فتركته عياناً وهربت إلي فلسطين ، وأمّا أنت فخذلتَه ومعك أهل الشام ، حتي استغاث بيزيد بن أسد البجلى ، فسار إليه(٣) . ١٢٤٢ ـ الفتوح عن معاوية : لقد ندمت عن قعودى عن عثمان ، وقد استغاث بى فلم اُجِبه(٤) . (١) سير أعلام النبلاء : ٣ / ٧٣ / ١٥ ، أنساب الأشراف: ٥ / ١٠٣ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٤ / ٩٤ . ٢٥٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / استنصار عثمان معاويةَ وخذلانه ١٢٤٣ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى كتاب ابن عبّاس إلي معاوية ـ : اُقسِم بالله لأنتَ المتربّص بقتله ، والمحبّ لهلاكه ، والحابس الناسَ قِبَلك عنه ، علي بصيرة من أمره ; ولقد أتاك كتابُه وصَريخُه يستغيث بك ويستصرخ فما حَفَلْتَ(١) به ، حتي بعثتَ إليه معذراً بأجرة(٢) ، أنت تعلم أنّهم لن يتركوه حتي يُقتَل ، فقُتِل كما كنتَ أردت ، ثمّ علمتَ عند ذلك أنّ الناس لن يعدلوا بيننا وبينك ، فطفقْت تنعي عثمان وتُلزمنا دمَه ، وتقول : "قُتل مظلوماً" ، فإن يكُ قُتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمين . ثمّ لم تزَل مصوِّباً ومصعِّداً(٣) ، وجاثماً ورابضاً(٤) ، تَستغوى الجهّال ، وتنازعنا حقّنا بالسفهاء ، حتي أدركتَ ما طلبت ، ³ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِين ² (٥) (٦) . ١٢٤٤ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له فى جواب معاوية ـ : ثمّ ذكرت ما كان من أمرى وأمر عثمان ، فلك أن تجاب عن هذه ; لرحمك منه ، فأيّنا كان أعدي له ، وأهدي إلي مقاتله ! أ مَن بذل له نصرتَه فاستقعده واستكفّه ، أم من استنصره فتراخي عنه ، وبثّ المنون إليه حتي أتي قدره عليه ؟ ! كلاّ والله ، لقد يعلم الله (١) ما حَفَله ، وما حَفَلَ به ، وما احتَفَلَ به : أى ما بالَي ، والحَفْل : المبالاة (لسان العرب : ١١ / ١٥٩) . ٢٥٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / حجّ عائشة فى حصر عثمان المعَوّقين منكم والقائلين لإخوانهم هلُمّ إلينا ولا يأتون البأس إلاّ قليلاً(١) . وما كنت لأعتذر من أنّى كنت أنقم عليه أحداثاً ، فإن كان الذنب إليه إرشادى وهدايتى له ، فربّ ملوم لا ذنب له ، وقد يستفيد الظنّة المتنصّحُ . وما أردت إلاّ الإصلاح ما استطعتُ ، وما توفيقى إلاّ بالله ، عليه توكّلت وإليه اُنيب(٢) (٣) . ١٢٤٥ ـ عنه ¼ ـ فى كتابه إلي معاوية ـ : فوَ الله ما قتل ابن عمّك غيرَك ، وإنّى أرجو أن اُلحقك به علي مثل ذنبه ، وأعظم من خطيئته(٤) . ١٢٤٦ ـ عنه ¼ ـ فى كتابه إلي معاوية ـ : أمّا إكثارك الحجّاج علي عثمان وقَتَلته ; فإنّك إنّما نصرتَ عثمان حيث كان النصر لك ، وخذلتَه حيث كان النصر له ، والسلام(٥) . ٥ / ١٥ ١٢٤٧ ـ تاريخ المدينة عن يحيي بن سعيد الأنصارى : حدّثنى عمّى ـ أو عمّ لى ـ قال : بينما أنا عند عائشة ـ وعثمان محصور ، والناس مجهّزون للحجّ ـ إذ جاء مروان ، فقال : يا اُمّ المؤمنين ، إنّ أمير المؤمنين يقرأ عليكِ السلام ورحمة الله ، ويقول : ردّى عنّى الناسَ ; فإنّى فاعل وفاعل ، فلم تُجِبه . (١) إشارة إلي الآية ١٨ من سورة الأحزاب . ٢٥٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / حجّ عائشة فى حصر عثمان فانصرف وهو يتمثّل ببيت الربيع بن زياد العبسى :
فقالت : ردّوا علىّ هذا المتمثّل ، فرددناه . فقالت ـ وفى يدها غِرارة(١) لها تعالجها ـ : والله ، لوددتُ أنّ صاحبَك الذى جئتَ من عنده فى غرارتى هذه ، فأوكيتُ عليها ، فألقيتُها فى البحر(٢) . ١٢٤٨ ـ تاريخ اليعقوبى : صار مروان إلي عائشة ، فقال : يا اُمّ المؤمنين ! لو قمتِ فأصلحتِ بين هذا الرجل وبين الناس ! قالت : قد فرغت من جهازى ، وأنا اُريد الحجّ . قال : فيدفع إليكِ بكلّ درهم أنفقتِه درهمين ! قالت : لعلّك تري أنّى فى شكّ من صاحبك ! ! أما والله لوددتُ أنّه مقطّع فى غِرارة من غرائرى ، وأنّى اُطيق حمله ، فأطرحه فى البحر(٣) . ١٢٤٩ ـ الفتوح : عزمت عائشة علي الحجّ ، وكان بينها وبين عثمان قبل ذلك كلام ; وذلك أنّه أخّر عنها بعض أرزاقها إلي وقت من الأوقات فغضبت ، ثمّ قالت : يا عثمان ! أكلتَ أمانتكَ ، وضيّقتَ رعيّتكَ ، وسلّطتَ عليهم الأشرار من أهل بيتك ، لا سقاكَ الله الماء من فوقِك ، وحرمك البركة من تحتِك ! أما والله لولا الصلوات الخمس لمشي إليك قوم ذو ثياب وبصائر ، يذبحوك كما يُذبح الجمل . (١) الغِرارة : الجُوالق ، [و هو وعاءٌ من الأوعية معروف] واحدة الغرائِر (لسان العرب : ٥ / ١٨) . ٢٥٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / حجّ عائشة فى حصر عثمان فقال لها عثمان : ³ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئـًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ² (١) (٢) . ١٢٥٠ ـ الفتوح ـ فى ذكر خروج عائشة إلي الحجّ لمّا حوصر عثمان وأشرف علي القتل ومقالها فيه ـ : . . . ثمّ إنّها خرجت تريد مكّة ، فلقيها ابن عبّاس ، فقالت له : يابن عبّاس ، إنّك قد اُوتيت عقلاً وبياناً ، فإيّاك أن تردّ الناس عن قتل هذا الطاغى ; عثمان ; فإنّى أعلم أنّه سيشأم(٣) قومه كما شأم أبو سفيان قومه يوم بدر(٤) . ١٢٥١ ـ تاريخ الطبرى عن ابن عبّاس : قال لى عثمان : إنّى قد استعملت خالد بن العاص بن هشام علي مكّة ، وقد بلغ أهل مكّة ما صنع الناس ، فأنا خائف أن يمنعوه الموقف ، فيأبي ، فيقاتلهم فى حرم الله ـ جلّ وعزّ ـ وأمنه ! وإنّ قوماً جاؤوا من كل فجٍّ عميق ليشهدوا منافع لهم ، فرأيتُ أن اُولّيك أمر الموسم . . . . فخرج ابن عبّاس ، فمرَّ بعائشة فى الصُّلْصُل(٥) ، فقالت : يابن عبّاس ! أنشدك الله فإنّك قد اُعطيت لساناً إزعيلا(٦) ـ أن تخذّل عن هذا الرجل ، وأن تشكّك فيه (١) التحريم : ١٠ . ٢٥٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / حجّ عائشة فى حصر عثمان الناس ; فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت ، ورفعت لهم المنار ، وتحلّبوا(١) من البلدان لأمر قد حُمّ . وقد رأيت طلحة بن عبيد الله قد اتّخذ علي بيوت الأموال والخزائن مفاتيح ، فإن يلِ يسرِ بسيرة ابن عمّه أبى بكر . قال : قلت : يا اُمّه ! لو حدث بالرجل حدثٌ ما فزع الناس إلاّ إلي صاحبنا ! ! فقالت : إيهاً عنك ! إنّى لست اُريد مكابَرتَك ، ولا مجادلتك(٢) . ١٢٥٢ ـ تاريخ الطبرى عن عبيد بن عمرو القرشى : خرجت عائشةُ وعثمانُ محصورٌ ، فقدم عليها مكّة رجل يقال له : أخضر ، فقالت : ما صنع الناس ؟ فقال : قتل عثمانُ المصريّين . قالت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ! أ يقتُل قوماً جاؤوا يطلبون الحقّ ، وينكرون الظلم ! والله لا نرضي بهذا . ثمّ قدم آخر ، فقالت : ما صنع الناس ؟ قال : قتل المصريّون عثمانَ . قالت : العجب لأخضر ; زعم أنّ المقتول هو القاتل ! فكان يُضرب به المثل : "أكذبُ من أخضر"(٣) . ١٢٥٣ ـ تاريخ اليعقوبى : كانت عائشة بمكّة ، ـ خرجت قبل أن يُقتل عثمان ـ فلمّا قضت حجّها انصرفت راجعة ، فلمّا صارت فى بعض الطريق لقيها ابن اُمّ كلاب ، فقالت له : ما فعل عثمان ؟ قال : قُتل . قالت : بُعداً وسُحقاً ! قالت : فمن (١) حَلَبَ القَومُ : اجتمعوا وتألّبوا من كلّ وجه (تاج العروس : ١ / ٤٣٨) . ٢٦٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / حجّ عائشة فى حصر عثمان بايع الناس ؟ قال : طلحة . قالت : إيهاً ذو الإصبع . ثمّ لقيها آخر ، فقالت : ما فعل الناس ؟ قال : بايعوا عليّاً . قالت : والله ، ما كنتُ اُبالى أن تقع هذه علي هذه(١) . ١٢٥٤ ـ تاريخ الطبرى عن أسد بن عبد الله عمّن أدرك من أهل العلم : إنّ عائشة لمّا انتهت إلي سَرِف(٢) ـ راجعةً فى طريقها إلي مكّة ـ لقيها عبد بن اُمّ كلاب ـ وهو عبد بن أبى سلمة ; ينسب إلي اُمّه ـ فقالت له : مَهْيَم(٣) ؟ قال : قتلوا عثمان ، فمكثوا ثمانياً . قالت : ثمّ صنعوا ماذا ؟ قال : أخذها أهل المدينة بالاجتماع ، فجازت بهم الاُمور إلي خير مجاز ، اجتمعوا علي علىّ بن أبى طالب . فقالت : والله ، ليت أنّ هذه انطبقت علي هذه إن تمّ الأمر لصاحبك ! ردّونى ردّونى . فانصرفت إلي مكّة وهى تقول : قُتل والله عثمان مظلوماً ، والله لأطلبنّ بدمه . فقال لها ابن اُمّ كلاب : ولِمَ ؟ فو الله إنّ أوّل من أمال حرفه لأنتِ ! ولقد كنتِ تقولين : اقتلوا نعثلاً فقد كفر ! (١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨٠ ; أنساب الأشراف: ٣ / ١٨ عن أبى يوسف الأنصارى ، شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢١٥ كلاهما نحوه . ٢٦١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / دفاع الإمام عن عثمان قالت : إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه ، وقد قلتُ وقالوا ، وقولى الأخير خير من قولى الأوّل . فقال لها ابن اُمّ كلاب :
٥ / ١٦ ١٢٥٥ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى دفاعه عن عثمان ـ : والله ، لقد دفعتُ عنه حتي خشيت أن أكون آثماً(٢) . ١٢٥٦ ـ الإمام زين العابدين ¼ : قال مروان : ما كان فى القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم ـ يعنى عليّاً عن عثمان ـ . فقلت : ما بالكم تسبّونه علي المنابر ؟ ! قال : لا يستقيم الأمر إلاّ بذلك(٣) . (١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٥٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣١٢ ، الإمامة والسياسة : ١ / ٧١ وفيه "فقال عبيد : عذرٌ والله ضعيف يا اُمّ المؤمنين . . ." بعد "قولى الأوّل" ، الفتوح : ٢ / ٤٣٧ وفيه "فقال لها عبيد بن اُمّ كلاب : هذا والله التخليط يا اُمّ المؤمنين . . ." بعد "و الله لأطلبنّ بدمه" وكلاهما نحوه وراجع تذكرة الخواص : ٦٩ . ٢٦٢ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / دفاع الإمام عن عثمان ١٢٥٧ ـ تاريخ الطبرى عن حكيم بن جابر : قال علىٌّ لطلحة : أنشدك الله إلاّ رددتَ الناس عن عثمان ! قال : لا والله حتي تعطى بنو اُميّة الحقّ من أنفسها(١) . ١٢٥٨ ـ تاريخ المدينة عن الكلبى : أرسل عثمان إلي علىّ ¢ يُقرئه السلام ويقول : إنّ فلاناً ـ يعنى طلحة ـ قد قتلنى بالعطش ! والقتلُ بالسلاح أجملُ من القتل بالعطش . فخرج علىّ ¢ يتوكّأ علي يد المسوّر بن مخرمة ، حتي دخل علي ذلك الرجل وهو يترامي بالنبل ، عليه قميص هروى . فلمّا رآه تنحّي عن صدر الفراش ، ورحّب به . فقال له علىّ ¢ : إنّ عثمان أرسل إلىّ أنّكم قد قتلتموه بالعطش ، وإنّ ذلك ليس يحسن ، وأنا اُحبّ أن تُدخل عليه الماء . فقال : لا والله ، ولا نعمة عين ! لا نتركه يأكل ويشرب . فقال علىّ ¢ : ما كنتُ أري أنّى اُكلّم أحداً من قريش فى شىء فلا يفعل ! ! فقال : والله ، لا أفعل ! وما أنت من ذلك فى شىء يا علىّ . فقام علىّ ¢ غضبانَ ، وقال : لتعلمنّ بعد قليل أكون من ذلك فى شىء أم لا ! ! . . . [و فى رواية ابن السائب :] ستعلم يابن الحضرميّة أكون فى ذلك من شىء أم لا ! ! وخرج علىّ ¢ متوكّئاً علي المسوّر ، فلمّا انتهي إلي منزله التفت إلي المسوّر ٢٦٣ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / خروج الإمام من المدينة فقال : أما والله ليصلَيَنَّ حَرَّها ، وليكوننَّ بردها وحرّها لغيره ، ولتتركنّ يداه منها صفراً . وبعث . . . ابنه إلي عثمان براوية من ماء(١) . ٥ / ١٧ ١٢٥٩ ـ تاريخ المدينة عن الشعبى : لمّا قدم أهل مصر المرّة الثانية ، صعد عثمانُ المنبر ، فحصبوه(٢) ، وجاء علىّ ¢ فدخل المسجد . فقال عثمان : يا علىّ ! قد نصبتَ القِدْر علي أثاف(٣) ؟ قال : ما جئتُ إلاّ وأنا اُريد أن اُصلح أمر الناس ، فأمّا إذا اتّهمتنى فسأرجع إلي بيتى(٤) . ١٢٦٠ ـ الإمامة والسياسة : لمّا اشتدّ الطعن علي عثمان ، استأذنه علىٌّ فى بعض بواديه ينتحى إليها ، فأذن له . واشتدّ الطعن علي عثمان بعد خروج علىّ ، ورجا الزبير وطلحة أن يُميلا إليهما قلوب الناس ، ويَغلبا عليهم ، واغتنما غَيبةَ علىّ . فكتب عثمان إلي علىّ ـ إذ اشتدّ الطعن عليه ـ : أمّا بعد ، فقد بلغ السيلُ (١) تاريخ المدينة : ٤ / ١٢٠٢ ; الجمل : ١٤٥ نحوه وراجع تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٨٥ و٣٨٦ وشرح نهج البلاغة : ٢ / ١٤٨ وص ١٥٣ و١٥٤ . ٢٦٤ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / مقتل عثمان الزُّبي ، وجاوز الحزام الطبيين(١) ، وارتفع أمر الناس فى شأنى فوق قدره ! وزعموا أنّهم لا يرضون دون دمى ، وطمع فىّ من لا يدفع عن نفسه .
وقد كان يقال : أكلُ السبع خيرٌ من افتراسِ الثعلب ، فأقبل علىّ أو لى
١٢٦١ ـ الإمام علىّ ¼ ـ لعبد الله بن العبّاس وقد جاءه برسالة من عثمان وهو محصور يسأله فيها الخروج إلي ماله بينبع ، ليقلّ هتف الناس باسمه للخلافة ، بعد أن كان سأله مثل ذلك من قبل ـ : يابن عبّاس ! ما يريد عثمان إلاّ أن يجعلنى جملاً ناضحاً بالغرب ; اُقبل واُدبر ; بعث إلىّ أن اخرج ، ثمّ بعث إلىّ أن أقدم ، ثمّ هو الآن يبعث إلىّ أن اخرج ! والله لقد دفعتُ عنه حتي خشيتُ أن أكون آثماً(٣) . ٥ / ١٨ ١٢٦٢ ـ تاريخ الطبرى عن حسين بن عيسي عن أبيه : لمّا مضت أيّام التشريق ، أطافوا بدار عثمان ، وأبي إلاّ الإقامة علي أمره . وأرسل إلي حَشَمه وخاصّته فجمعهم . (١) الطُّبْىُ للحافر والسباع ; كالضرع لغيرها . وهو مثل يضرب عند بلوغ الشدّة منتهاها (مجمع الأمثال : ١ / ٢٩٥ / ٨٧١) . ٢٦٥ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / مقتل عثمان فقام رجل من أصحاب النبىّ ½ يقال له : نيار بن عياض ـ وكان شيخاً كبيراً فنادي : يا عثمان فأشرف عليه من أعلي داره ، فناشده الله ، وذكّره الله لمّا اعتزلهم . فبينا هو يراجعه الكلام إذ رماه رجل من أصحاب عثمان فقتله بسهم ، وزعموا أنّ الذى رماه كثير بن الصلت الكندى . فقالوا لعثمان عند ذلك : ادفع إلينا قاتل نيار بن عياض ; فلنقتله به . فقال : لم أكُن لأقتل رجلاً نصرنى ، وأنتم تريدون قتلى . فلمّا رأوا ذلك ثاروا إلي بابه فأحرقوه ، وخرج عليهم مروان بن الحكم من دار عثمان فى عصابة ، وخرج سعيد بن العاص فى عصابة ، وخرج المغيرة بن الأخنس ابن شريق الثقفى ـ حليف بنى زهرة ـ فى عصابة ، فاقتتلوا قتالاً شديداً . وكان الذى حداهم علي القتال أنّه بلغهم أنّ مدداً من أهل البصرة قد نزلوا صراراً ـ وهى من المدينة علي ليلة ، وأنّ أهل الشام قد توجّهوا مقبلين ، فقاتلوهم قتالاً شديداً علي باب الدار(١) . ١٢٦٣ ـ تاريخ المدينة عن مولي سهل بن يسار عن أبيه ـ بعد كلام عثمان وإمساك الناس عن قتله ـ : رمي يزيد أو أبو حفصة ـ غلام مروان ـ رجلاً من أسلم بسهم فقتله . فاستأذنوا علي عثمان ، فأذِن لهم ، فأدخلوا الأسلمى مقتولاً ، فقالوا : زعمت أنّك لا تقاتل ، وهذا صاحبنا مقتولاً ، قتله رجل من أصحابك ! فأقِدنا(٢) . (١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٣٨٢ وراجع الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٩١ . ٢٦٦ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / مقتل عثمان قال : ما لكم قَوَد قِبَلَه ; رجل دفع عن نفسه أن تقتلوه ، ولم آمره بقتال . وقال : زعمتم أنّه ليس عليكم طاعة ، ولا أنا لكم بإمام فيما تقولون ، وإنّما القود إلي الإمام ! !(١) ١٢٦٤ ـ تاريخ الطبرى عن أبى حفصة اليمانى : كنت معه [مروان] فى الدار ، فأنا والله أنشبتُ القتالَ بين الناس ; رميتُ من فوق الدار رجلاً من أسلم ، فقتلتُه ، وهو نيار الأسلمى ، فنشب القتال ، ثمّ نزلتُ ، فاقتتل الناس علي الباب ، وقاتلَ مروان حتي سقط ، فاحتملتُه ، فأدخلتُه بيت عجوز ، وأغلقتُ عليه . وألقي الناس النيران فى أبواب دار عثمان ، فاحترق بعضها . فقال عثمان : ما احترق الباب إلاّ لما هو أعظم منه ، لا يحرّكنّ رجل منكم يده . . . ثمّ قال لمروان : اجلس فلا تخرج . فعصاه مروان ، فقال : والله لا تُقتل ، ولا يُخلص إليك ، وأنا أسمع الصوت . ثمّ خرج إلي الناس . فقلت : ما لمولاى مُتَّرك ! فخرجت معه أذبّ عنه ، ونحن قليل ، فأسمع مروان يتمثّل :
ثمّ صاح : من يبارز ـ وقد رفع أسفل درعه ، فجعله فى منطقته ؟ قال : فيثب(٢) إليه ابن النباع ، فضربه ضربة علي رقبته من خلفه ، فأثبته حتي سقط ، فما ينبض منه عرق(٣) . (١) تاريخ المدينة : ٤ / ١١٩٣ . ٢٦٧ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / موقف الإمام من قتل عثمان ١٢٦٥ ـ مروج الذهب : كانت مدّة ما حوصر عثمان فى داره تسعة(١) وأربعين يوماً ، وقيل : أكثر من ذلك . وقتل فى ليلة الجمعة لثلاث بقين من ذى الحجّة . وذكر : أنّ أحد الرجلين ـ كنانة بن بشر التجيبى ـ ضربه بعمود علي جبهته ، والآخر منهما ـ سعد بن حمران المرادى ضربه بالسيف علي حبل عاتقه ، فحلّه . وقد قيل : إنّ عمرو بن الحمق طعنه بسهام تسعَ طعنات . وكان فيمن مال عليه عمير بن ضابئ البرجمى التميمى ، وخضخض سيفه فى بطنه(٢) . ١٢٦٦ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الرحمن بن أبزى : رأيت اليوم الذى دُخل فيه علي عثمان ، فدخلوا من دار عمرو بن حزم خَوخَةً(٣) هناك ، حتي دخلوا الدار ، فناوشوهم شيئاً من مناوشة ، ودخلوا ، فوَ الله ما نسينا أن خرج سودان بن حمران ، فأسمعه يقول : أين طلحة بن عبيد الله ؟ قد قتلنا ابن عفّان !(٤) ٥ / ١٩ ١٢٦٧ ـ الإمام علىّ ¼ : والله ما قتلتُ عثمان ، ولا مالاَتُ(٥) علي قتله(٦) . (١) فى المصدر : "تسعاً" ، وهو تصحيف . ٢٦٨ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / موقف الإمام من قتل عثمان ١٢٦٨ ـ عنه ¼ ـ من كلام له فى قتل عثمان ـ : لو أمرتُ به لكنت قاتلاً ! أو نهيت عنه لكنتُ ناصراً ! غير أنّ من نصره لا يستطيع أن يقول : خذله من أنا خير منه ، ومن خذله لا يستطيع أن يقول : نصره من هو خير منّى . وأنا جامع لكم أمره ، استأثَر ، فأساء الأثَرَة ، وجزعتُم فأسأتُم الجزع ، ولله حكم واقع فى المستأثرِ والجازعِ(١) . ١٢٦٩ ـ نثر الدرّ : دخل عليه [علىٍّ ¼ ] كعبُ بن مالك الأنصارى ، فقال : يا أمير المؤمنين ! بلغك عنّا أمرٌ لو كان غيرك لم يحتمِله ، ولو كان غيرنا لم يقُم معك عليه ! ما فى الناس من هو أعلم منك ، وفى الناس من نحن أعلم منه ! ! وأوضع العلم ما وقف عليه اللسان ، وأرفعه ما ظهر فى الجوارح والأركان . ونحن أعرف بقدر عثمان من قاتليه ، وأنت أعلم بهم وبخاذليه ، فإن قلتَ : إنّه قُتل ظالماً ، قلنا بقولك ، وإن قلتَ : إنّه قُتل مظلوماً ، قلتَ بقولنا ، وإن وكلتنا إلي الشبهة أيأستنا بعدك من إصابة البيّنة . فقال ¼ : عندى فى عثمان أربع : استأثر فأساء الأثَرَة ، وجزعتم فأسأتُم الجزع ، ولله عزّ وجلّ حكمٌ عادل فى المستأثرِ والجازع(٢) . ١٢٧٠ ـ نثر الدرّ : سُئل [علىّ ¼ ] عن عثمان ، فقال : خذله أهل بدر ، وقتله أهل مصر ، غير أنّ من نصره لا يستطيع أن يقول : خذله من أنا خير منه . (١) نهج البلاغة : الخطبة ٣٠ . ٢٦٩ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / موقف الإمام من قتل عثمان وو الله ، ما أمرتُ به ، ولا نهيتُ عنه ، ولو أمرتُ به لكنتُ قاتلاً ! ولو نهيتُ عنه لكنتُ ناصراً ! استأثرَ عثمانُ فأساء الأثَرَة ، وجزعتم فأفحشتُم الجزع(١) . ١٢٧١ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الرحمن بن عبيد ـ فى حرب صفّين ـ : إنّ معاوية بعث إلي علىّ حبيب بن مسلمة الفهرى وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس فدخلوا عليه وأنا عنده . . . فقالا اشهدْ أنّ عثمان قُتل مظلوماً ! فقال لهما : لا أقول : إنّه قُتل مظلوماً ، ولا إنّه قُتل ظالماً . قالا : فمن لم يزعم أنّ عثمان قُتل مظلوماً فنحن منه برآء . ثمّ قاما فانصرفا . فقال علىّ : ³ إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتََىٰ وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ± وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ² (٢) . ثمّ أقبل علىٌّ علي أصحابه فقال : لا يكن هؤلاء أولي بالجدّ فى ضلالهم منكم بالجدّ فى حقّكم وطاعة ربّكم ! !(٣) ١٢٧٢ ـ المستدرك علي الصحيحين عن حصين الحارثى : جاء علىّ بن أبى طالب إلي زيد بن أرقم يعوده وعنده قوم ، فقال علىّ : اسكنوا ـ أو اسكتوا ـ فو الله لا تسألونى عن شىء إلاّ أخبرتُكم ! ! فقال زيد : أنشدك الله ، أنت قتلتَ عثمان ؟ فأطرق علىّ ساعة ، ثمّ قال : والذى فلق الحبّة وبرأ النسمة ما قتلتُه ، ولا (١) نثر الدرّ : ١ / ٢٧٤ ، المسترشد : ٤١٨ / ١٤١ عن شريح بن هانى نحوه . ٢٧٠ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / موقف الإمام من قتل عثمان أمرتُ بقتله(١) . ١٢٧٣ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية ـ : لعمرى ، يا معاوية ! لئن نظرتَ بعقلك دون هواك لتجدنّى أبرأ الناس من دم عثمان ، ولتعلمنّ أنّى كنتُ فى عزلة عنه ، إلاّ أن تتجنّي(٢) ، فتَجَنَّ ما بدا لك ، والسلام(٣) . ١٢٧٤ ـ الطبقات الكبري عن عمرو بن الأصمّ : كنتُ فيمن اُرسلوا من جيش ذى خشب ، ـ قال : ـ فقالوا لنا : سلوا أصحاب رسول الله ½ ـ واجعلوا آخر مَن تسألونَ عليّاً ـ أ نقدم ؟ قال : فسألناهم ، فقالوا : اقدموا ، إلاّ عليّاً ; قال : لا آمُركم ، فإنْ أبيتم فبيض فليُفرخ(٤) . ١٢٧٥ ـ الإمام علىّ ¼ ـ لمّا جاءه سعد بن أبى وقّاص وسأله أن يتدخّل فى قضيّة عثمان ويحقن دمه ـ : والله ، ما زلتُ أذبُّ عنه حتي إنّى لأستحى ، ولكنّ مروان ومعاوية وعبد الله بن عامر وسعيد بن العاص هم صنعوا به ما تري ، فإذا نصحتُه وأمرتُه أن ينحّيهم ، استغشّنى ، حتي جاء ما تري(٥) . ١٢٧٦ ـ وقعة صفين عن خفاف بن عبد الله ـ لمّا قال له معاوية : حدّثنا عن قتل عثمان ـ : حصره المكشوح ، وحكم فيه حُكيم ، ووليه محمّد وعمّار ، وتجرّد فى (١) المستدرك علي الصحيحين : ٣/١١٤/٤٥٦٧، تاريخ دمشق: ٣٩/٤٥٤ ، تاريخ المدينة : ٤/١٢٦٢ كلاهما عن سرية بنت زيد بن أرقم . ٢٧١ - المجلد الثالث / القسم الرابع : الإمام علىّ بعد النبىّ / الفصل الخامس : الثورة علي عثمان / موقف الإمام من قتل عثمان أمره ثلاثة نفر : عدىّ بن حاتم ، والأشتر النخعى ، وعمرو بن الحمق ، وجدّ فى أمره رجلان : طلحة ، والزبير ، وأبرأُ الناس منه علىّ(١) . ١٢٧٧ ـ العقد الفريد عن محمّد بن سيرين : ما علمتُ أنّ عليّاً اتُّهم فى دم عثمان حتي بويع ، فلمّا بويع اتّهمه الناس !(٢) (١) وقعة صفّين : ٦٥ ; شرح نهج البلاغة : ٣ / ١١١ . |
||||||||||||||||||