الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الرابع

 

 

 ٥ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام علي

وفيه فصول :

المدخل :السياسة فى المدرستين

الفصل الأوّل :بيعة النور

الفصل الثانى :الإصلاحات العلويّة

الفصل الثالث :السياسة الإداريّة

الفصل الرابع :السياسة الثقافيّة

الفصل الخامس :السياسة الإقتصاديّة

الفصل السادس :السياسة الإجتماعيّة

الفصل السابع :السياسة القضائيّة

الفصل الثامن :السياسة الأمنيّة

الفصل التاسع :السياسة الحربيّة

الفصل العاشر :السياسة الدوليّة

 ٦ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام علي

 ٧ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / المدخل

 ٨ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / المدخل

 ٩ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / المدخل / السياسة فى المدرستين

( ١ )

تسنّم الإمام أمير المؤمنين  ¼ الحكم فى ١٨ ذى الحجّة عام ٣٥ هـ ، وخرَّ شهيداً فى محراب العبادة فى ٢١ رمضان عام ٤٠ للهجرة . وبذلك تكون مدّة حكمه قد بلغت أربع سنوات وتسعة أشهر وثلاثة أيّام(١) .

أمّا البحوث التى تتّصل بهذا العهد فهى :

١ ـ كيفيّة وصول الإمام إلي الحكم ، وانطلاق الإصلاحات ، والمرتكزات التى نهضت عليها سياسة الإصلاح العلوى .

٢ ـ ضروب المواجهة التى برزت إزاء سياسة الإصلاح العلوى ، والفتن التى اشتعلت نتيجة لمناهضة الإصلاحات ، والحروب التى اندلعت فى عهد حكومة الإمام علي قصره .


(١) سيوافيك تفصيل النصوص التى أفاد منها هذا التحليل خلال البحوث القادمة ، ما عدا بعض الموارد الخاصّة حيث لم يرد لها ذكر هناك ; فعمدنا إلي تخريجها من مصادرها وذكرها هنا فى الهامش .

 ١٠ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / المدخل / السياسة فى المدرستين

٣ ـ الضعف والتراخى الذى برز فى جيش الإمام ، وتفشّى العصيان وعدم الطاعة ، وانطلاق الحملات العسكريّة والغارات لمعاوية ، حتي صارت هذه المرحلة من أمضّ أيّام حكم الإمام ، وأكثرها إيلاماً .

٤ ـ تيّار مؤامرة اغتيال الإمام الذى انتهي فعلاً بواقعة استشهاده .

٥ ـ حال أصحاب الإمام والقادة والاُمراء فى نطاق عهده السياسى .

إنّ كلّ واحد من هذه العناوين الخمسة قد استحوذ علي شطر من هذه الموسوعة ، بيدَ أن إدارة السلطة ، وطبيعة السياسات التى انتهجها الإمام فى الحكم تحظي بأهمّية خاصّة فى العصر الحاضر ، ولا سيما بالنسبة لقادة الجمهوريّة الإسلاميّة ، نظراً لما تتمتّع به من فاعليّة وبُعد تعليمىّ .

لكن قبل أن نعرض للنصوص التاريخيّة والحديثيّة ذات الصلة بنهج الإمام السياسى نمرّ فى البدء علي تعريف السياسة والمراد منها فى كلٍّ من المدرستين : العلويّة والاُمويّة ، ثمّ نعرض من خلال إشارات سريعة إلي العناوين الرئيسيّة للمرتكزات السياسيّة للإمام ، والاُصول التى يعتمدها فى الإدارة .

وعلي ضوء هاتين النقطتين ننتقل بعدئذ إلي معالجة الأسئلة التى تُثار حيال الرؤية السياسيّة للإمام والإجابة عنها ، والدفاع عن سياسته  ¼ ومعني كونه سياسيّاً .

تعدّ الرؤية السياسيّة من وجهة نظر الإمام على  ¼ واحدة من أهمّ الشروط الأساسيّة للقيادة ; فالإمام لا ينظر إلي السياسة بوصفها رمز دوام الرئاسة والقيادة ، واستمرار إطاعة الاُمّة للقائد وحسب ، بل ما برح يؤكّد أنّ "المُلك سياسة" .

 ١١ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / المدخل / السياسة فى المدرستين

إنّ الإمام أمير المؤمنين  ¼ يتحدّث صراحة بأنّ العجز السياسى هو آفة تهدّد القادة ، وأنّ اُولئك القادة الذين لا يتمتّعون ببصيرة سياسيّة نافذة تتآكل سلطتهم ، ويهبط عهد رئاستهم إلي أقلّ مديً زمنى ، وفى نهج الإمام فإنّ السياسات الخاطئة هى علامة سقوط الدول وزوال الحكومات .

وعلي هذا الأساس تذهب المدرسة العلويّة إلي أنّ إدارة المجتمع علي ضوء الاُصول الإسلاميّة ، هى عمليّة لا يمكن أن تتحقّق إلاّ من خلال التأهّل السياسى لقادة ذلك المجتمع فقط . بتعبير آخر : يعدّ التأهّل السياسى أحد الاُصول العامّة للإدارة ، من دون وجود اختلاف يُذكر علي هذا الصعيد بين الإسلام وسائر المدارس والمنهجيّات الاُخَر .

ومن هذا المنظار سيتمّ عرض تعاليم الإمام على  ¼ فى هذا المجال .

أمّا ما يميّز الإسلام علي هذا الصعيد عن بقيّة المدارس والمنهجيّات فيكمن فى "مفهوم" السياسة العلويّة فى مقابل "مفهوم" السياسة الاُمويّة ، وما ينطوى عليه هذا المصطلح من مضامين معنويّة .

السياسة فى المدرسة الاُمويّة

تنظر المدرسة الاُمويّة إلي السياسة علي أنّها : "تشخيص الهدف وبلوغه بأىّ طريق ممكن" . والحقيقة أنّ سياسيّى العالم فى الماضى والحاضر الذين يتعاطون هذه الممارسة رسميّاً ، لا يفهمون من "السياسة" أكثر من هذا .

وحقيقة الحال أنّ السياسة فى المدرسة الاُمويّة بمعناها الشائع فى التقليد السياسى للحكومات والأنظمة ، لا تنهض علي اُصول ومرتكزات قيميّة . فهذا (شينفلر) أحد منظّرى السياسة وفق هذا المبني يقول : لا شأن للسياسى

 ١٢ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / المدخل / السياسة فى المدرستين

المحترف فى أن تكون الاُمور حقّاً أم باطلاً .

علي المستوي ذاته حلّل (برتراند راسل) أيضاً الدوافع والألاعيب السياسيّة ، وتعاطي وإيّاها من خلال المنظار نفسه ، وهو يقول : "يتمثّل الحافز السياسى عند أكثر الناس بالنفعيّّة والأنانيّة والتنافس وحبّ السلطة . علي سبيل المثال : يكمن مصدر جميع الأعمال الإنسانيّة فى الممارسة السياسيّة بالعوامل المذكورة آنفاً .

فالقائد السياسى الذى يستطيع إقناع الناس بقدرته علي تلبية هذه الاحتياجات وإشباعها ، تصل قدرته فى احتواء جماهير الناس وضمّها إلي سلطته حدّاً تؤمن فيه أنّ اثنين زائد اثنين يساوى خمسة ، أو أنّ جميع هذه الصلاحيّات قد فُوّضت إليه من قِبل الله !

أمّا القائد السياسى الذى يُغضى عن مثل هذه الدوافع ويهملها ، فهو لا يحظي عادة بتأييد الجماهير المستضعفة وحمايتها . وبذلك يدخل علم نفس القوي المحرّكة للجمهور كجزء من أهمّ أجزاء إعداد القادة السياسييّن الناجحين ، وكشرط فى طليعة شروط تأهيلهم وتربيتهم"(١) .

يُضيف : "إنّ أكثر القادة السياسييّن إنّما يغنمون مناصبهم من خلال إقناع قطّاع واسع من الجمهور بأنّهم يتحلّون بتطلّعات إنسانيّة ، حيث صار واضحاً أنّ مثل هذا الاعتقاد يلقي قبولاً سريعاً ، إثر وجود حالة الغليان والحماس .

إنّ غَلّ الأفراد ورسفهم بالقيود ، ثمّ ممارسة إلقاء الكلام والخطابة العامّة ، والتوسّل بالعقوبات غير القانونيّة ، واللجوء إلي الحرب هى مراحل لتكوين حالة الحِراك الجماعى ومدّ الهياج العام وتوسعته .


(١) منتخبات أفكار راسل (بالفارسيّة) : ٢ ـ ٣ .

 ١٣ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / المدخل / السياسة فى المدرستين

أعتقد أنّ أنصار الفكر غير المنطقى يجدون فرصة أفضل فى الحفاظ علي حالة الهياج العام عند الأفراد ، بُغية استغلالهم وخداعهم"(١) .

إنّ ما جاء فى هذا التحليل السياسى حيال القيادة السياسيّة للمجتمع يتطابق بالكامل مع تفسير السياسة ومعناها فى المدرسة الاُمويّة ; فمعاوية ; مؤسِّس هذه المدرسة فى تأريخ الإسلام ، تحرّك علي هذا الأساس ، ومن خلال شعار "المُلك عقيم"(٢) بحيث كان علي اُهبة الاستعداد لممارسة أىّ شىء من أجل بلوغ السلطة والدفاع عنها .

السياسة فى المدرسة العلويّة

لكن مع الانتقال إلي الإمام علىّ  ¼ ، وهو يسجِّل : "المُلك سياسة" لم يكن يقصد أنّ التوسّل بأىّ وسيلة هو أمر مباح لبلوغ السلطة أو الحفاظ عليها ، بل علي العكس تماماً ; إذ لا يجوز استعمال الأداة السياسيّة غير الشرعيّة فى المدرسة العلويّة ، حتي لو كلّف ذلك فقدان السلطة نفسها .

السياسة فى المدرسة العلويّة : هى معرفة الأدوات السياسيّة المشروعة ، وتوظيفها لإدارة المجتمع ، وتأمين الرفاه المادّى والمعنوى للناس . بل أساساً لا تستحق السياسات غير الشرعيّة لقب "السياسة" فى النهج العلوى ولا يطلق عليها هذا الوصف ; إنّما هى المكر والخدعة والنكراء والشيطنة(٣) .


(١) منتخبات أفكار راسل (بالفارسيّة) : ٢٢٢ .
(٢) الأمالى للصدوق : ١٣٢/١٢٥ وراجع : القسم السادس / وقعة صفّين / اشتداد القتال / ذكري دعوة الإمام إلي المبارزة .
(٣) يقول الإمام الصادق  ¼ فى وصف دهاء معاوية السياسى : "تلك النكراء ! تلك الشيطنة ! وهى شبيهة بالعقل وليست بالعقل" (الكافى : ١ / ١١ / ٣) .

 ١٤ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / المدخل / السياسة فى المدرستين

فى النهج العلوى لا تحتاج عمليّة إدارة النظام والحفاظ علي السلطة إلي أدوات سياسيّة غير مشروعة ، بل يمكن حُكم القلوب من خلال توظيف السياسات الصحيحة والشرعيّة فقط ، وسوق المجتمع صوب التكامل المادّى والمعنوى .

ربّما تكون السياسات غير الشرعيّة مفيدة مؤقتّاً لتحكيم هيمنة السياسييّن الرسمييّن ، بيدَ أنّها لا يمكن أن تدوم ، وهى تحمل إلي الناس أضراراً ماحقة .

حركة الإصلاح العَلَوى

علي هذا الأساس انطلق الإمام مباشرة بعد أن بايعه الناس وتسلّم زمام السلطة السياسيّة بحركة إصلاح حكوميّة بدأَها من خلال شعار العدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة . لقد أعلن صراحة أنّ الفلسفة الكائنة وراء قبوله الحكم تكمن فى إيجاد الإصلاحات ، وكان  ¼ يعتقد أنّ المجتمع الإسلامى قد تغيّر فى المدّة التى كان فيها الإمام بعيداً عن المشهد السياسى ، وأنَّ ما يُمارس باسم الحكومة الإسلاميّة ينأي بفاصلة كبيرة عن الإسلام وسيرة النبىّ  ½ وسنّته .

من جهة اُخري كان الإمام يعلم جيّداً بأنّ الطريق الجديد والإعلان عن نهج الإصلاح العلوى الذى هو نفسه الإصلاح المحمّدى ، لا يتّسق مع مزاج المجتمع فى ظلّ الأوضاع السياسيّة التى كانت سائدة ، وبحسب قوله  ¼ : "لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول" ، حيث تستتبع عمليّة مواجهة الانحرافات ، ومكافحة الاعوجاج كثيراً من الاضطرابات السياسيّة .

من هذه الزاوية كانت عمليّة الإصلاح السياسى والاجتماعى الشامل بحاجة إلي إعداد وتخطيط عميق جدّاً ومحسوب .

 ١٥ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / المدخل / السياسة فى المدرستين

سياسة الإمام فى مواجهة الانحراف

لم يتعامل الإمام  ¼ مع الانحرافات الموجودة بعجلة ; لأنّ التعاطى مرّة واحدة وبشكل مباشر مع جميع الانحرافات التى كان المجتمع قد اعتاد عليها خلال سنوات ، يجرّ إلي عدم الرضا العامّ ، ويُفضى إلي الفرقة وضعف بنيان الحكم ، بل ولجَ الإمام هذه الدائرة علي أساس برنامج تمّ الإعداد له جيّداً ، فقسَّم الإصلاحات التى ينبغى أن تضطلع بها حكومته إلي قسمين ، هما :

١ ـ مواجهة الفساد الإدارى والاقتصادى .

٢ ـ مواجهة الانحرافات الثقافيّة .

سياسة الإصلاح الإدارى والاقتصادى

لقد انطلقت سياسة الإصلاح العلوى فى مواجهة الفساد الإدارى والاقتصادى منذ الأيّام الاُولي لعهد الإمام السياسى ، فعزَل الولاة غير الأكفّاء ، وأعاد الأموال العامّة إلي بيت المال .

لقد أشار الإمام منذ يوم البيعة الأوّل إلي نهجه الاُصولى فى الإصلاح ، ونبَّه إلي سياساته علي هذا الصعيد بشكل مقتضب وعامّ ، وهو يقول : "اعلموا أنّى إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم اُصغِ إلي قول القائل ، وعتب العاتب"(١) .

وفى ثانى أيّام خلافته اعتلي المنبر ، ثمّ راح يُصرّح بما كان قد أشار إليه فى اليوم السابق ، وهو يقول : "ألا إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان ، وكلّ مال أعطاه من مال الله فهو مردود فى بيت المال ; فإنّ الحقّ القديم لا يُبطله شىء ، ولو وجدتُه


(١) العناوين التى أشرنا ونشير إليها هنا سيرد ذكرها بالتفصيل لاحقاً .

 ١٦ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / المدخل / السياسة فى المدرستين

وقد تُزوِّج به النساء وَفُرِّق فى البلدان ، لرددته إلي حاله ; فإنّ فى العدل سعة ، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق" .

لقد تحدَّث الإمام بإسهاب فى خطاب تفصيلىّ ألقاه فى ذلك اليوم عن مسؤوليّة قادة المجتمع فى بسط العدالة الاجتماعيّة ، وأعلن بوضوح أنّه لن يسمح لأحد ـ دون استثناء ـ من استغلال المال العامّ ، وأنّ اُولئك الذين راكموا ثرواتهم عبر غصب المال العامّ وحصلوا ـ عن هذا الطريق ـ علي الأراضى الخصبة (القطائع) والخيول المسوّمة والجوارى الحسان ، سيعمد على إلي مصادرة هذه الثروات المغصوبة بأجمعها وردّها إلي بيت المال .

كان هذا الحديث لأمير المؤمنين  ¼ بمنزلة الصاعقة التى نزلت علي رؤوس من يعنيهم الأمر ، حيث راحت أصداء مواجهة نداء العدالة العلويّة تتجسّد فى معارضة شخصيّات معروفة لحكم الإمام .

وفى اليوم الثالث من أيّام عهد الإمام دعا الناس إلي استلام أعطياتهم من بيت المال ، حيث أمر  ¼ كاتبه عبيد الله بن أبى رافع أن يسير علي النهج التالى : "ابدأ بالمهاجرين فنادِهم وأعطِ كلّ رجل ممّن حضر ثلاثة دنانير ، ثمّ ثَنِّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك ، ومَن حضر من الناس كلّهم الأحمر والأسود فاصنع به مثل ذلك" .

أدرك سُراةُ القوم وكبراؤهم أنّ العدالة الاقتصاديّة فى ظلال حكم علىّ  ¼ ليست شعاراً وحسب ، بل هى نهج جادّ لا محيد عنه ، فراحوا يتحجّجون ويتبرّمون أمام كاتب الإمام ، وأبدَوا تذمّرهم من ذلك ، فما كان من ابن أبى رافع إلاّ أن رفع الأمر إلي أمير المؤمنين  ¼ ، فلم يُفاجأ الإمام بانطلاق شرارة المعارضة والرفض من قبل الشخصيّات المرموقة ، ليس هذا وحسب ، بل أعلن بجزم عن

 ١٧ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / المدخل / السياسة فى المدرستين

إدامة النهج الإصلاحى ، وهو يقول : " والله إن بقيت وسلمت لهم لأقيمنّهم علي المحجّة البيضاء" .

من هذه البؤرة بالذات بدأت مسألة الطلب بثأر عثمان من الإمام ! والذى يبعث علي التأمّل أنّ بعض أصحاب الثروات كانوا قد قيّدوا بيعتهم للإمام بشرطين ; الأوّل : أن لا يقترب الإمام من ثرواتهم التى كانوا جنوها علي عهد عثمان ، والثانى : أن يقتصّ من قتلة عثمان .

لقد كان الإمام يعلم أنّ مسألة إنزال القصاص بقَتَلة عثمان لم تكن أكثر من ذريعة لعدم استرداد الثروات غير المشروعة لهؤلاء ، بيدَ أنه لم يُذعن إلي أىٍّ من هذين الشرطين ، وواجه ـ بحزم وصلابة ـ الاقتراحات التساوميّة .

سياسة الإصلاح الثقافى

لقد كانت الأوضاع موائمة لبدء الإصلاح الإدارى والاقتصادى نتيجةً لقيام عامّة الناس ضدّ الفساد الإدارى والاقتصادى المستشرى علي عهد عثمان . علي هذا الأساس انطلق الإمام بهذه الإصلاحات منذ الأيّام الأولي لتسنّمه أزمّة السلطة برغم تقديره لجميع التبعات التى تترتّب عليها ، والمشكلات التى تؤدّى إليها . علي عكس حركة الإصلاح الثقافى التى لم يكن الشروع الفورى بها ممكناً ، بل كانت تحتاج إلي زمان حتي يستقرّ حكم الإمام . ولذلك كان  ¼ يقول فى هذا المضمار : "لو استوت قدماى من هذه المداحض لغيّرت أشياء" .

لم يكن سهلاً علي الإمام أمير المؤمنين أن يواجه بشكل مباشر وفورى الإرث الثقافى الذى تطبّع عليه الناس واعتادوه خلال ربع قرن من الزمان ; لأنّ هذه العمليّة ـ لو تمّت ـ كانت تجرّ إليها نفور الجمهور وسخطه ، وتستتبع اختلاف

 ١٨ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / المدخل / السياسة فى المدرستين

الاُمّة . لذلك كلّه ترك الإمام موضوع مواجهة الانحرافات الثقافيّة إلي فرصة مؤاتية .

أجل ، لقد انطلق الإمام علىّ  ¼ ببرنامجه الإصلاحى الدقيق والمدروس ، لإعادة المجتمع الإسلامى إلي سيرة النبىّ وسنّته ، من نقطة العدالة الاجتماعيّة ومفصل الإصلاح الإدارى والاقتصادى . ثمّ ظلَّ وفياً لهذا النهج حتي آخر لحظات حياته ، حيث لم يتراجع فى أحلك الأوضاع السياسيّة التى مرَّت ، ولم يتوانَ فى بذل أقصي جهوده من أجل استكمال هذا المشروع ، وإيجاد المجتمع القائم علي أساس القيم والأهداف الإسلاميّة الأصيلة .

إنّ ما سنتوفّر عليه فى هذا الجزء من الموسوعة هو بيان أهمّ اُصول حركة الإصلاح العلوى ، وأبرز مرتكزاتها فى مضمار الإصلاح الإدارى ، والثقافى ، والاقتصادى ، والاجتماعى ، والقضائى ، والأمنى ، والعسكرى ، وذلك من خلال الاستناد إلي النصوص الحديثيّة والتاريخيّة .

ثمّ نصير بعدئذ إلي استخلاص رؤي الإمام فى مجال السياسات التى تُفضى علي المستوي الدولى إلي ثبات الدول أو سقوطها ، وبيان ما يكون منها مؤثّراً علي صعيد العلاقة الإيجابيّة بين الدول بعضها ببعض . وأخيراً ننتقل إلي عرض نصوص سياسات الإمام ومصادرها .

أما التوفّر علي شرح واف لمرتكزات سياسة الإمام فهى عمليّة تحتاج إلي فرصة اُخري .