الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الرابع

 

 

 ٥٧ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور

 

١ / ١

تاريخ بيعة الإمام

اختلف المؤرّخون وكتّاب السيرة فى تعيين التاريخ الدقيق لبيعة الناس للإمام  ¼ ، فقال البعض : إنّها حصلت فى اليوم الذى قُتل فيه عثمان(١) . وقال آخرون : إنّها وقعت بعد قتل عثمان بفترة ; واختلفوا فى تحديدها بين اليوم الواحد والخمسة أيّام(٢) .


(١) الاستيعاب : ٣ / ٢١٧ / ١٨٧٥ ، مروج الذهب : ٢ / ٣٥٨ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٣٦ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٠٥ وفيهما "و الناس يحسبون بيعته من يوم قتل عثمان" ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٢٣ / ٤٥٩٤ وفيه "و قيل بويع عقيب قتل عثمان" .
(٢) ذكر فى بعض المصادر أنّ بيعة الإمام  ¼ بعد يوم واحد من قتل عثمان ، مثل : أنساب الأشراف : ٣/٧ . وبعضها ذكرت إنّها حدثت بعد ثلاثة أيّام ، مثل : المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٢٣ / ٤٥٩٤ ، الأخبار الطوال : ١٤٠ . وبعضها ذكرت أنّها بعد أربعة أيّام، أو خمسة أيّام مثل: المستدرك علي الصحيحين: ٣/١٢٣/٤٥٩٤.

 ٥٨ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / تاريخ بيعة الإمام

فورد فى بعض المصادر التاريخيّة : "بويع علىّ يوم الجمعة لخمس بقين من ذى الحجّة والناس يحسبون من يوم قتل عثمان"(١) .

لكن نقل الطبرى عن أبى المليح(٢) ونقل ابن أبى الحديد عن أبى جعفر الإسكافى(٣) ، كما جاء فى تاريخ دمشق وتذكرة الخواصّ(٤) ، أنّ بيعة الناس كانت يوم الثامن عشر من ذى الحجّة سنة (٣٥ هـ ) .

والذى نراه هو أنّ القول الثانى أقرب إلي الواقع ; حيث أنّه يلائم القول باتّحاد تاريخ قتل عثمان ـ الذى هو ١٨ ذى الحجّة علي أصحّ الأقوال(٥) ـ مع تاريخ بيعة الإمام ، مضافاً إلي تصريح المصادر السابقة بذلك .

ومن جهة اُخري إذا لاحظنا الشرائط السياسيّة الحاكمة علي المجتمع الإسلامى آنذاك ، ولاحظنا شخصيّة الإمام العديمة النظير ، فإنّه يبعد ـ غاية البُعد ـ وقوع فاصل زمانى بين قتل عثمان وتعيين القائد الجديد للاُمّة .


(١) تاريخ الطبرى: ٤/٤٣٦، الكامل فى التاريخ: ٢/٣٠٥، المستدرك علي الصحيحين: ٣/١٢٣/٤٥٩٤.
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٢٨ .
(٣) شرح نهج البلاغة : ٧ / ٣٦ .
(٤) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٣٧ ، تذكرة الخواصّ : ٥٦ .
(٥) فضائل الصحابة لابن حنبل : ١ / ٤٨٠ / ٧٧٨ ، أنساب الأشراف : ٣ / ٧ ، الطبقات الكبري : ٣ / ٧٧ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٤١٥ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٣٢ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٩٤ ، الاستيعاب : ٣ / ١٥٩ / ١٧٩٧ .

 ٥٩ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / حرّية الناس فى انتخاب الإمام

١ / ٢

حرّية الناس فى انتخاب الإمام

١٢٧٨ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى كتابه إلي أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلي البصرة ـ : بايعنى الناس غير مستكرهين ، ولا مجبرين ، بل طائعين مخيّرين(١) .

١٢٧٩ ـ عنه  ¼ : قُبِض رسول الله  ½ وأنا أري أنّى أحقّ الناس بهذا الأمر ! فاجتمع الناس علي أبى بكر ! فسمعتُ وأطعتُ . ثمّ إنّ أبا بكر حضر فكنت أري أن لا يعدلها عنّى ، فولّي(٢) عمر ، فسمعتُ وأطعتُ ! ثمّ إنّ عمر اُصيب ، فظننتُ أنّه لا يعدلها عنّى ، فجعلها فى ستّة أنا أحدهم ! فولاّها عثمان ، فسمعت وأطعتُ . ثمّ إنّ عثمان قُتل ، فجاؤونى ، فبايعونى طائعين غير مكرهين(٣) .

١٢٨٠ ـ عنه  ¼ ـ من كتاب له إلي طلحة والزبير ـ : أمّا بعد ، فقد علمتما ـ وإن كَتمتُما ـ أنّى لم اُرِد الناس حتي أرادونى ، ولم اُبايعهم حتي بايعونى ، وإنّكما ممّن أرادنى وبايعنى ، وإنّ العامّة لم تبايعنى لسلطان غالب ، ولا لعَرَض حاضر(٤) .

١٢٨١ ـ الفتوح : أقبل عمّار بن ياسر إلي علىّ بن أبى طالب   ¢ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّ الناس قد بايعوك طائعين غير كارهين ، فلو بعثت إلي اُسامة بن


(١) نهج البلاغة : الكتاب ١ ، الجمل : ٢٤٤ ، الأمالى للطوسى : ٧١٨ / ١٥١٨ عن عبد الرحمن بن أبى عمرة الأنصارى وفيه إلي "غير مستكرهين" .
(٢) فى الطبعة المعتمدة : "فولى" والصحيح ما أثبتناه كما فى تاريخ دمشق "ترجمة الإمام علىّ  ¼ " تحقيق محمد باقر المحمودى (٣ / ١٠١ / ١١٤٢) .
(٣) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٣٩ ، اُسد الغابة : ٤ / ١٠٦ / ٣٧٨٩ كلاهما عن يحيي بن عروة المرادى .
(٤) نهج البلاغة : الكتاب ٥٤ ، كشف الغمّة : ١/٢٣٩ ; الفتوح : ٢ / ٤٦٥ كلاهما نحوه ، الإمامة والسياسة : ١ / ٩٠ وفيه "خاصّ" بدل "غالب" وليس فيه "و لا لعرض حاضر" .

 ٦٠ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / كراهة الإمام للحكومة

زيد وعبد الله بن عمر ومحمّد بن مسلمة وحسّان بن ثابت وكعب بن مالك فدعوتَهم ; ليدخلوا فيما دخل فيه الناس من المهاجرين والأنصار !

فقال علىّ   ¢ : إنّه لا حاجة لنا فيمن لا يرغب فينا(١) .

١ / ٣

كراهة الإمام للحكومة

١٢٨٢ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى خطبته بعد البيعة ـ : أمّا بعد ، فإنّى قد كنتُ كارهاً لهذه الولاية ـ يعلم الله فى سماواته وفوق عرشه ـ علي اُمّة محمّد  ½ ، حتي اجتمعتم علي ذلك ، فدخلتُ فيه(٢) .

١٢٨٣ ـ تاريخ الطبرى عن أبى بشير العابدى : كنت بالمدينة حين قتل عثمان ، واجتمع المهاجرون والأنصار ـ فيهم طلحة والزبير ـ فأتوا عليّاً ، فقالوا : يا أبا حسن ، هلمّ نبايعك !

فقال : لا حاجة لى فى أمركم ، أنا معكم ; فمن اخترتم فقد رضيتُ به ، فاختاروا والله ! فقالوا : ما نختار غيرك .

قال : فاختلفوا إليه بعدما قُتل عثمان مراراً ، ثمّ أتوه فى آخر ذلك ، فقالوا له : إنّه لا يصلح الناس إلاّ بإمرة ، وقد طال الأمر ! فقال لهم : إنّكم قد اختلفتم إلىَّ وأتيتم ، وإنّى قائلٌ لكم قولاً إن قبلتموه قبلتُ أمركم ، وإلاّ فلا حاجة لى فيه . قالوا : ما قلت من شىء قبلناه إن شاء الله .

فجاء فصعد المنبر ، فاجتمع الناس إليه ، فقال : إنّى قد كنتُ كارهاً لأمركم ،


(١) الفتوح : ٢ / ٤٤١ .
(٢) الأمالى للطوسى : ٧٢٨ / ١٥٣٠ عن مالك بن أوس ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٢٦ / ٩ .

 ٦١ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / كراهة الإمام للحكومة

فأبيتم إلاّ أن أكون عليكم ، ألا وإنّه ليس لى أمر دونكم ، إلاّ أنّ مفاتيح مالكم معى ، ألا وإنّه ليس لى أن آخذ منه درهماً دونكم ، رضيتم ؟ قالوا : نعم . قال : اللهمّ اشهَد عليهم . ثمّ بايعهم علي ذلك(١) .

١٢٨٤ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد وطلحة : غشى الناس عليّاً ، فقالوا : نبايعك ; فقد تري ما نزل بالإسلام ، وما ابتُلينا به من ذوى القربي ! فقال علىّ : دعونى ، والتمسوا غيرى ; فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وله ألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول . فقالوا : نُنشدك الله ، أ لا تري ما نري ! أ لا تري الإسلام ! أ لا تري الفتنة ! أ لا تخاف الله !

فقال : قد أجبتُكم لما أري ، واعلموا إن أجبتُكم ركبتُ بكم ما أعلم ، وإن تركتمونى فإنّما أنا كأحدكم ، إلاّ أنّى أسمَعُكم وأطوَعُكم لمن ولّيتُموه أمرَكم(٢) .

١٢٨٥ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كلام له لمّا أراده الناس علي البيعة بعد قتل عثمان ـ : دَعُونى والتمسوا غيرى ; فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول . وإنّ الآفاق قد أغامت ، والمحجّة قد تنكّرت ، واعلموا أنّى إن أجبتُكم ركبتُ بكم ما أعلم ، ولم اُصغِ إلي قول القائل ، وعتب العاتب ، وإن تركتمونى فأنا كأحدكم ، ولعلّى أسمعكم وأطوَعكم لمن ولّيتموه أمرَكم ، وأنا لكم وزيراً ، خير لكم منّى أميراً(٣) .


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٢٧ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٠٢ وص ٣٠٤ نحوه ; الكافئة : ١٢ / ٧ عن أبى بشر العائذى وفيه إلي "مراراً" ، شرح الأخبار : ١ / ٣٧٦ / ٣١٨ عن أبى بشير العائدى نحوه وراجع الفتوح : ٢ / ٤٣٤ ـ ٤٣٦ والمناقب للخوارزمى : ٤٩ / ١١ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٣٤ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٠٤ ، نهاية الأرب : ٢٠ / ١٣ وفيهما "بين القري" بدل "ذوى القربي" ; الجمل : ١٢٩ عن سيف عن رجاله نحوه .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٩٢ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١١٠ وفيه إلي "و عتب العاتب" .

 ٦٢ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / كراهة الإمام للحكومة

١٢٨٦ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد ابن الحنفيّة : كنت مع أبى حين قُتل عثمان ، فقام فدخل منزله ، فأتاه أصحاب رسول الله  ½ ، فقالوا : إنّ هذا الرجل قد قُتل ، ولابدّ للناس من إمام ، ولا نجد اليوم أحداً أحقّ بهذا الأمر منك ; لا أقدم سابقة ، ولا أقرب من رسول الله  ½ ! !

فقال : لا تفعلوا ، فإنّى أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً . فقالوا : لا ، والله ما نحن بفاعلين حتي نبايعك . قال : ففى المسجد ; فإنّ بيعتى لا تكون خفيّاً ، ولا تكون إلاّ عن رضا المسلمين(١) .

١٢٨٧ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كلام له فى جواب طلحة والزبير ـ : والله ما كانت لى فى الخلافة رغبة ، ولا فى الولاية إربة ، ولكنّكم دعوتُمونى إليها ، وحملتمونى عليها ، فلمّا أفضَت إلىَّ نظرتُ إلي كتاب الله وما وضَع لنا وأمرَنا بالحُكم به فاتّبعتُه ، وما استنّ النبىّ  ½ فاقتديتُه(٢) .

١٢٨٨ ـ عنه  ¼ ـ من كلامه لمّا أراد المسير إلي ذى قار ـ : بايعتُمونى وأنا غير مسرور بذلك ، ولا جَذِل(٣) ، وقد علم الله سبحانه أنّى كنت كارهاً للحكومة بين اُمّة محمّد  ½ ; ولقد سمعته يقول : ما من وال يلى شيئاً من أمر اُمّتى إلاّ اُتى به يوم القيامة مغلولة يداه إلي عنقه ، علي رؤوس الخلائق ، ثمّ يُنشر كتابه ، فإن كان عادلاً نجا ، وإن كان جائراً هوي(٤) .


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٢٧ ، أنساب الأشراف : ٣ / ١١ نحوه .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ٢٠٥ .
(٣) جَذِل بالشىء يَجذَل جَذَلا ، فهو جَذِلٌ وجذلانُ : فَرِحَ (لسان العرب : ١١ / ١٠٧) .
(٤) الجمل : ٢٦٧ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٦٣ ; شرح نهج البلاغة : ١ / ٣٠٩ عن زيد بن صوحان .

 ٦٣ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / نظر تحليلى حول أسباب كراهة الإمام لقبول الحكومة

كانت الثورة علي عثمان ـ بسبب ممارساته فى الحكم ـ عامّة شاملة ، وقد أفضي شمول الثورة وتطلّع الناس إلي شخصيّة بارزة للخلافة إلي أن تكون مقدّرات الخلافة خارجة من قبضة التيّارات المتباينة ; أى أنّ الناس أنفسهم كانوا أصحاب القرار فى اختيار القائد السياسي.

وكانت القلوب بأسرها يومئذ تتشوّف إلي الإمام أمير المؤمنين  ¼ وحده بلا أدني تردّد، فقد كان أكفَأ إنسان لخلافة النبىّ  ½ ، وها هو اسمه تردّده الألسن وإن زُوى مدّةً دامت خمساً وعشرين سنةً.

وكان الإقبال الشعبى العامّ إليه بنحو لم يتَسَنَّ لأحد أن يخالفه فيه قطّ . من هنا شعر مدّعو الخلافة ـ الذين كانوا يزعمون أنّهم نظائره  ¼ ، وكانوا معه فى الشوري السداسيّة ـ أنّ الحنكة السياسيّة تتطلّب المبادرة إلي بيعته والسبق إليها.

وكانت الأمواج البشريّة العارمة تنثال عليه من كلّ جانب لبيعته، بَيْد أنّه  ¼ وقف بحزم وصرامة ورفضَ البيعة، وطلب من الناس أن يَدَعوه ويلتمسوا غيره، وقال لهم: "أنا لكم وزيراً خيرٌ لكم منّى أميراً".

 ٦٤ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / نظر تحليلى حول أسباب كراهة الإمام لقبول الحكومة

ومن العجيب أنّ الرجل الذى كان يري نفسه الخليفة المباشر للنبىّ  ½ ، وما برح يعرض ظلامته ويتحدّث عن أهليّته وجدارته للخلافة خلال المدّة الطويلة لإزوائه كلّما اقتضي المقام منه ذلك، وكان يصرخ من وحى الحرقة والألم ومن أعماق قلبه متأوّهاً لاستلاب حقّه، وزحزحة الحقّ عن مكانه ... ها هو الآن يرفض البيعة ، وقد انثال عليه الناس انثيالاً عجيباً مدهشاً ، مقبلين عليه بقلوبهم وأرواحهم وبكلّ وجودهم، راضين به خليفةً لهم، مؤكّدين تصدّيه لحكومتهم فى انتخاب حرٍّ مباشر ! فما له يكره ذلك ، ويرغب عن قبول هذه المهمّة; معلناً ذلك بصراحة؟! ولماذا وقف الإمام  ¼ هذا الموقف؟

هل رغب عنها حقّاً لنفسه ورجّح لها شخصاً آخر أم أنّه أراد بموقفه هذا أن يعبّر مثلاً عن شىء من المجاملة السياسيّة ـ ومثله لا يجامل ـ من أجل أن يسترعى انتباه الناس أكثر فأكثر ، أو كان لموقفه الثُّنائى هذا مسوِّغ أو مسوِّغات اُخري لا نعرفها؟!

والواقع أنّ معرفة ـ ولو يسيرة ـ بسيرته واُسلوبه وبصيرته ونهجه  ¼ لا تدَع مجالاً للشكّ فى أنّه كان بعيداً عن المجاملات السياسيّة، نافراً من نفس الحكومة بما هى حكومة. فهو لم يكن طالبَ حكم وتسلّط علي الناس ; إذ الخلافة عنده أداة لإحقاق الحقّ، وبسط العدل، وإقامة القسط، فهل كانت الظروف السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة آنذاك مهيّأة لتحقيق الأهداف المذكورة؟

كلاّ، إنّ مثل هذه الظروف لم تكن مهيّأة; فالتقلّبات السياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة، والتغيّرات الروحيّة والفكريّة التى حدثت بعد خمس وعشرين سنةً قد استتبعت تغيّر الصحابة ورفاق الدرب أيضاً بأفكار مغايرة، ومعايير مباينة،

 ٦٥ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / نظر تحليلى حول أسباب كراهة الإمام لقبول الحكومة

ومقاييس اُخري للحياة ...

إنّ الجيل الجديد ـ والذين يقفون علي رأس المواقع السياسيّة فى هذه الفترة المتأخّرة ـ إنّما يعيشون فى ظروف يجهلون فيها معايير الدين وموازينه الراسخة، ولا يَعُون طبيعة عصر الرسالة والسيرة النبويّة، ولا يعرفون عليّاً  ¼ ومنزلته الرفيعة فى الدين ودوره وشأنه العظيمين معرفةً صحيحةً.

فما مرّ علي الدين خلال ربع قرن، وما ابتُدع من تفسيرات وتأويلات للنصوص الدينيّة، وما ظهر من تغييرات فى الأحكام، خاصّة فى عهد الخليفة الثالث، كلّ ذلك جعل مبادئ الدين ومقاييسه الصحيحة وأحكامه السديدةَ غريبةً علي الناس ، وهو الذى سوّغ للاُمّة ثورتها علي عثمان ; فقد كان الثوّار يقولون فى عثمان: "أحدث الأحداث ، وخالف حكم الكتاب"(١). وحيث كان يُشتكي من مقتله وسرّ الثورة عليه، يقولون: لأحداثه(٢).

هذه كلّها رسمت صورةً فى الأذهان وأجرت علي الألسن صعوبة العمل علي أساس الكتاب والسنّة بعيداً عن المجاملات والمداهنات. وكان الإمام  ¼ يعلم علم اليقين أنّ إرجاع المياه إلي مجاريها يُثير عليه الفتن، وأنّ تطبيق الحقّ يُنهض أصحاب الباطل المعاندين للحقّ. من هنا كان  ¼ يرفض البيعة ، ويؤكّد رفضه ; كى تتمّ الحجّة علي المخالفين فى المستقبل. وفى إحدي المناسبات قال  ¼ :

"دَعُونى ، والتمِسوا غيرى ; فإنّا مستقبلونَ أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول. وإنّ الآفاق قد أغامت، والمحجّة قد تنكّرت .


(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٣ .
(٢) وقعة صفّين : ٣١٩ .

 ٦٦ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / نظر تحليلى حول أسباب كراهة الإمام لقبول الحكومة

واعلموا أنّى إن أجبتُكم ركبتُ بكم ما أعلم، ولم اُصغِ إلي قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتمونى فأنا كأحدكم، ولَعلّى أسمَعُكم وأطوَعُكم لمن ولّيتموه أمرَكم، وأنا لكم وزيراً خيرٌ لكم منّى أميراً"(١).

إنّه لكلامٌ بليغ، كلام معبّر ، وذو مغزي . إنّ ما نستقبله أمر ذو ألوان شتّي، وله وجوه وأشكال متباينة . . . نستقبل أمواجاً تبدأ بعدها العواصف والأعاصير ، والعدل الذى اُصِرّ عليه يستتبع صيحات تعلو ، وصرخات تتصاعد هنا وهناك ... .

وكان  ¼ يريد أن تتمهّد الأرضيّة، ويضع للناس معايير التعامل ومقاييسه، ويعيد الكلام حول الخطوط الأصليّة للحكومة، ويستبين المستقبل ليختار الناسُ سبيلهم بوعى ، ويتّخذوا موقفهم عن بصيرة.

فى كلامه  ¼ ، بعد امتناعه ورفضه فى الخطبة المذكورة وفى مواضع اُخري :

١ ـ تأكيد علي أنّه غير عاشق للرئاسة وليس من طلاّبها ; فإذا تحدّث عن نفسه، وتأوّه ممّا حدث بعد رسول الله  ½ ، وأكّد زعامته وإمامته، فذلك كلّه لتوضيح الحقائق ، وتأكيد المصالح.

وإذا تسلّم زمام الاُمور، ورضى بالخلافة ، فلإقامة الحقّ، وبناء حكومة علي النهج الذى يعرفه هو ويرتضيه ; كى لا يري أحد أو جماعة أو قبيلة أنّ الإمام  ¼ مَدين لهم بسبب تعالى صيحاتهم لبيعته ، فيفرضوا عليه أهواءهم وطلباتهم.

٢ ـ تأكيد علي أنّ تغييرات قد لحقت بتعاليم الدين، وأنّ الرسالة الإلهيّة بعد نبيّها اُصيبت بداء التبدّلات والتقلّبات. فإذا أخذ بزمام الاُمور فإنّه يكافح التحريفات ويقارعها، ويزيح الستار عن الوجه الحقيقى للدين ، وينفض عنه غبار


(١) نهج البلاغة : الخطبة ٩٢ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١١٠ .

 ٦٧ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / نظر تحليلى حول أسباب كراهة الإمام لقبول الحكومة

التحريف. وهذا كلّه يستتبع توتّرات سياسيّة واجتماعيّة.

٣ ـ آيةٌ علي معرفة الإمام  ¼ الدقيقة بالمجتمع وبالنفس الإنسانيّة وخبرته بزمانه. ويدلّ هذا الكلام علي أنّه  ¼ لم ينخدع بانثيال الناس عليه لبيعته فى ذلك الجوّ السياسىّ السائد يومئذ . وكان يري مستقبل حكومته بوضوح ، وكان يعلم جيّداً أنّ الأرضيّة غير ممهَّدة للإصلاحات العلويّة، ولإعادة الاُمّة إلي نهج نبيّها  ½ وسيرته وسُنّته ، وكان أدري من غيره بأنّ سبب الثورة العامّة علي عثمان لم يكن من أجل العودة إلي القيم الإسلاميّة الأصيلة، وأنّ بعض الثائرين لا سيما مَن ركب الموجة منهم ـ كعائشة، وطلحة، والزبير ـ قاموا بما قاموا به لأسباب سياسيّة واقتصاديّة معيّنة ، فالباعث لهم علي بيعة الإمام  ¼ لا ينسجم مع هدفه من قبول الحكومة. وإذا ما بلغوا النتيجة الحتميّة وأدركوا أنّ عليّاً لا يسايرهم ولا يماشيهم ولا يمنح أحداً امتيازاً خلاف الحقّ والعدل، فسيناهضون إصلاحاته، ويجرّون المجتمع الإسلامىّ إلي التفرقة والتشتّت(١).

٤ ـ مبايعته مبايعة للأهداف العلويّة; فمن صافحه وعاهده فعليه أن يكون متأهّباً لمرافقته ، وملازمته من أجل إزالة التحريفات، وإعادة بناء المجتمع معنويّاً، وتحكيم الدين تحكيماً حقيقيّاً، وإحياء ما نَسيَته الأذهان، وكشف الحقائق التى مُنيت بالتغيير والتبديل ...

وأراد  ¼ أن يلقى الحجّة علي الأمواج البشريّة العارمة التى كانت تنادى باسمه للخلافة ، وأراد أن يُعلمها أنّه لا يستهدف من قبول الخلافة إلاّ بسط العدل، وإقامة الحقّ، وإحياء دين الله ، وهذا هو السبيل لا غيره.


(١) سنذكر تفصيل الموضوع فى القسم السابع / أيّام المحنة .

 ٦٨ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / دوافع الإمام لقبول الحكومة

١ / ٤

دوافع الإمام لقبول الحكومة

١٢٨٩ ـ الإمام علىّ  ¼ : أما والذى فلق الحبّة ، وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجّة بوجود الناصر ، وما أخذ الله علي العلماء أن لا يقارّوا(١) علي كِظّة(٢) ظالم ، ولا سغب(٣) مظلوم ، لألقيتُ حبلَها علي غارِبها ، ولسَقيتُ آخرَها بكأس أوّلها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندى من عفطةِ عنز(٤) .

١٢٩٠ ـ عنه  ¼ ـ من كلام له يبيّن سبب طلبه الحكم ـ : أيّتها النفوس المختلفة ، والقلوب المتشتّتة ، الشاهدة أبدانُهم ، والغائبة عنهم عقولهم ، أظأركم(٥) علي الحقّ وأنتم تنفرون عنه نفور المعزي من وعوعة الأسد ! هيهات أن أطلع بكم سَرارَ العدل ، أو اُقيم اعوجاجَ الحقّ .

اللهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن الذى كان منّا منافسةً فى سلطان ، ولا التماس شىء من فضول الحطام ، ولكن لنَرِدَ المعالم من دينك ، ونُظهر الإصلاح فى بلادك ; فيأمن المظلومون من عبادك ، وتُقام المعطّلة من حدودك(٦) .


(١) قارَّه مُقارَّة : أى قرَّ معه وسكن ، وهو تفاعل من القرار (لسان العرب : ٥ / ٨٥) .
(٢) الكِظَّة : البِطنَة ، كظّه الطعامُ والشرابُ يكُظُّه كظّاً; إذا ملأه حتّي لا يطيق النفَس (لسان العرب : ٧/٤٥٧) . والمراد استئثار الظالم بالحقوق .
(٣) سَغِب الرجل يَسغَب وسَغَبَ يَسغُبُ : جاع (لسان العرب : ١ / ٤٦٨) .
(٤) نهج البلاغة : الخطبة ٣ ، علل الشرائع : ١٥١ / ١٢ ، معانى الأخبار : ٣٦٢ / ١ ، الإرشاد : ١ / ٢٨٩ وفيه "أولياء الأمر" بدل "العلماء" والثلاثة الأخيرة عن ابن عبّاس ، نثر الدرّ : ١ / ٢٧٥ نحوه ، غرر الحكم : ١٠١٤٩ ; تذكرة الخواصّ : ١٢٥ وفيه إلي "حبلها" .
(٥) ظَأرنى فلان علي أمر كذا وأظأرَنى وظاءَرَنى : أى عَطَفنى (لسان العرب : ٤ / ٥١٥) .
(٦) نهج البلاغة : الخطبة ١٣١ ، تحف العقول : ٢٣٩ ; المعيار والموازنة : ٢٧٧ كلاهما نحوه من "اللهمّ" .

 ٦٩ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / دوافع الإمام لقبول الحكومة

١٢٩١ ـ عنه  ¼ : اللهمّ إنّك تعلم أنّى لم اُرِد الإمرة ، ولا علوّ الملك والرياسة ، وإنّما أردتُ القيامَ بحدودك ، والأداء لشرعك ، ووضع الاُمور فى مواضعها ، وتوفير الحقوق علي أهلها ، والمضىَّ علي منهاج نبيّك ، وإرشاد الضالّ إلي أنوار هدايتك (١) .

١٢٩٢ ـ عنه  ¼ : لم تكن بيعتكم إيّاى فلتة ، وليس أمرى وأمركم واحداً ، إنّى اُريدكم لله ، وأنتم تريدوننى لأنفسكم .

أيّها الناس أعينونى علي أنفسكم وايم الله لاُنصفنّ المظلوم من ظالمه ، ولأقودنّ الظالمَ بخِزامته حتي اُورده منهل الحقّ وإن كان كارهاً(٢) .

١٢٩٣ ـ عنه  ¼ : عدا الناس علي هذا الرجل ـ وأنا معتزل ـ فقتلوه ، ثمّ ولّونى وأنا كاره ، ولولا خشية علي الدين لم اُجِبهم(٣) .

١٢٩٤ ـ عنه  ¼ ـ فى كتابه إلي أهل الكوفة ـ : والله يعلم أنّى لم أجد بدّاً من الدخول فى هذا الأمر ، ولو علمت أنّ أحداً أولي به منّى ما قدمتُ عليه(٤) .

١٢٩٥ ـ عنه  ¼ : والله ما تقدّمتُ عليها [ الخلافة ] إلاّ خوفاً من أن ينزو علي الأمر تَيْس(٥) من بنى اُميّة ، فيلعب بكتاب الله عزّ وجلّ(٦) .

راجع : السياسة الاجتماعيّة / اقامة العدل .


(١) شرح نهج البلاغة : ٢٠ / ٢٩٩ / ٤١٤ ; الدرجات الرفيعة : ٣٨ .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ١٣٦ ، الإرشاد : ١ / ٢٤٣ عن الشعبى وفيه إلي "لأنفسكم" .
(٣) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٩١ ، فتح البارى : ١٣ / ٥٧ كلاهما عن كليب الجرمى .
(٤) الجمل : ٢٥٩ .
(٥) التَيْس : الذَكر من المعز (لسان العرب : ٦ / ٣٣) .
(٦) أنساب الأشراف : ٢ / ٣٥٣ عن حبيب بن أبى ثابت .

 ٧٠ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / أوّل من بايع

١ / ٥

أوّل من بايع

١٢٩٦ ـ الكامل فى التاريخ : لمّا قُتل عثمان ، اجتمع أصحاب رسول الله  ½ من المهاجرين والأنصار وفيهم طلحة والزبير ، فأتوا عليّاً ، فقالوا له : إنّه لابدّ للناس من إمام ! قال : لا حاجة لى [في](١) أمركم ; فمن اخترتم رضيتُ به . فقالوا : ما نختار غيرَك .

وتردّدوا إليه مراراً ، وقالوا له فى آخر ذلك : إنّا لا نعلم أحداً أحقّ به منك ; لا أقدم سابقة ، ولا أقرب قرابة من رسول الله  ½ . فقال : لا تفعلوا ، فإنّى أكون وزيراً خيراً من أن أكون أميراً . فقالوا : والله ما نحن بفاعلين حتي نبايعك . قال : ففى المسجد ; فإنّ بيعتى لا تكون خفية ، ولا تكون إلاّ فى المسجد ـ وكان فى بيته ، وقيل : فى حائط لبنى عمرو بن مبذول ـ .

فخرج إلي المسجد وعليه إزار وطاق وعمامة خزّ ، ونعلاه فى يده ، متوكّئاً علي قوس ، فبايعه الناس . وكان أوّل من بايعه من الناس طلحة بن عبيد الله . فنظر إليه حبيب بن ذؤيب فقال : إنّا لله ! أوّل من بدأ بالبيعة يد شلاّء ، لا يتمّ هذا الأمر ! وبايعه الزبير . وقال لهما علىّ : إن أحببتما أن تبايعانى ، وإن أحببتما بايعتُكما ! فقالا : بل نبايعك(٢) .

١٢٩٧ ـ الجمل عن زيد بن أسلم : جاء طلحة والزبير إلي علىّ  ¼ وهو متعوّذ


(١) ما بين المعقوفين إضافة يقتضيها السياق .
(٢) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٠٢ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٢٨ عن أبى المليح نحوه ، نهاية الأرب : ٢٠ / ١٠ ; بحار الأنوار : ٣٢ / ٧ / ٢ وراجع البداية والنهاية : ٧ / ٢٢٧ .

 ٧١ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / أوّل من بايع

بحيطان المدينة ، فدخلا عليه وقالا له : ابسُط يدكَ نبايعك ، فإنّ الناس لا يرضون إلاّ بك .

فقال لهما : لا حاجة لى فى ذلك ، لاَن أكون لكما وزيراً خير من أن أكون لكما أميراً ، فليبسط من شاء منكما يده اُبايعه .

فقالا : إنّ الناس لا يؤثرون غيرك ، ولا يعدلون عنك إلي سواك ، فابسط يدك نبايعك أوّل الناس .

فقال : إنّ بيعتى لا تكون سرّاً ، فأمهلا حتي أخرج إلي المسجد .

فقالا : بل نبايعك هاهنا ، ثمّ نبايعك فى المسجد . فبايعاه أوّل الناس ، ثمّ بايعه الناس علي المنبر ، أوّلهم طلحة بن عبيد الله ، وكانت يده شلاّء ، فصعد المنبر إليه فصفق علي يده ، ورجل من بنى أسد يزجر الطير قائم ينظر إليه ، فلمّا رأي أوّل يد صفَقت علي يد أمير المؤمنين  ¼ يد طلحة وهى شلاّء ، قال : إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون ; أوّل يد صفقت علي يده شلاّء ، يوشك ألاّ يتمّ هذا الأمر . ثمّ نزل طلحة والزبير وبايعه الناس بعدهما(١) .

١٢٩٨ ـ الإمامة والسياسة ـ فى ذكر بيعة الإمام علىّ  ¼ ـ : كان أوّل من صعد المنبر طلحة ، فبايعه بيده ، وكانت أصابعه شلاّء ، فتطيّر(٢) منها علىّ ، فقال : ما أخلَقَها(٣) أن تنكث . ثمّ بايعه الزبير ، وسعد ، وأصحاب النبىّ  ½ جميعاً(٤) .


(١) الجمل : ١٣٠ .
(٢) تطيّرت من الشىء ، وبالشىء ، والاسم منه الطِّيَرَة ـ وقد تسكّن الياء ـ : وهو ما يُتشاءم به من الفأل الردىء (لسان العرب : ٤ / ٥١٢) .
(٣) ما أخلَقَه : أى ما أشبهه ، ويقال : إنّه لخَليق ; أى حَرِىّ (لسان العرب : ١٠ / ٩١) .
(٤) الإمامة والسياسة : ١ / ٦٦ .

 ٧٢ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / أوّل من بايع

١٢٩٩ ـ العقد الفريد : لمّا قُتل عثمان بن عفّان ، أقبل الناس يهرعون إلي علىّ بن أبى طالب ، فتراكمت عليه الجماعة فى البيعة ، فقال : ليس ذلك إليكم ، إنّما ذلك لأهل بدر ، ليبايعوا . فقال : أين طلحة والزبير وسعد ؟ فأقبلوا فبايعوا ، ثمّ بايعه المهاجرون والأنصار ، ثمّ بايعه الناس . وذلك يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من ذى الحجّة سنة خمس وثلاثين .

وكان أوّل من بايع طلحة ، فكانت إصبعه شلاّء ، فتطيّر منها علىّ ، وقال : ما أخلقه أن ينكث(١) .

١٣٠٠ ـ المناقب للخوارزمى عن سعيد بن المسيّب : خرج علىّ  ¼ فأتي منزله ، وجاء الناس كلّهم يُهرَعون(٢) إلي علىّ ، وأصحاب رسول الله  ½ يقولون : أمير المؤمنين علىّ ، حتي دخلوا عليه داره ، فقالوا له : نبايعك ، فمدّ يدك ; فلابدّ من أمير .

فقال علىّ : ليس ذلك إليكم ، إنّما ذلك لأهل بدر ، فمن رضى به أهل بدر فهو خليفة . فلم يبقَ من أهل بدر إلاّ أتي عليّاً ، فقالوا : ما نري أحداً أحقّ بها منك ; مدّ يدك نبايعك . فقال : أين طلحة والزبير ؟ فكان أوّل من بايعه طلحة ، فبايعه بيده ، وكانت إصبع طلحة شلاّء ، فتطيّر منها علىّ وقال : ما أخلَقَه أن ينكث . ثمّ بايعه الزبير ، وسعد ، وأصحاب النبىّ  ½ جميعاً(٣) .


(١) العقد الفريد : ٣ / ٣١١ .
(٢) أى يسعَون عِجالا (لسان العرب : ٨ / ٣٦٩) .
(٣) المناقب للخوارزمى : ٤٩ / ١١ ، اُسد الغابة : ٤ / ١٠٧ / ٣٧٨٩ ; كشف الغمّة : ١ / ٧٨ كلاهما نحوه .

 ٧٣ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / القول فى نسبة التطيّر إلي الإمام!

القول فى نسبة التطيّر إلي الإمام!

فى ضوء ما تقدّم كان طلحة أوّل من بايع الإمام  ¼ . وكانت يده شلاّء ، لذلك تطيّروا بعدم دوام بيعته. وقد تضاربت المصادر فيمن أنطق الألسن بهذا التطيّر; فبعضها عزاه إلي شخص يُدعي حبيب بن ذؤيب، وبعضها الآخر ذكر أنّ المتطيّر رجل من بنى أسد ، وقال: "أوّل من بدأ بالبيعة يدٌ شلاّء! لا يتمّ هذا الأمر".

بَيْد أنّ روايات نسبت هذا التطيّر إلي الإمام  ¼ ، وذكرت أنّه  ¼ قال عند بيعته: "ما أخلَقَها أن تنكث!"

لكنّ هذه النسبة لا تستقيم ولا تثبت علي أىّ حال، ويمكن الاستناد إلي العقل والنقل فى إثبات وهنها وهشاشتها. إذ لا ريب أنّ العقل لا يُجيز التطيّر والتشاؤم حين يُجمع الناس قاطبةً علي حلف وعهد معيّنين. من هنا يأبي كلّ عاقل ذلك ولا يقول به ولا يفعله، فكيف يعلن الإمام  ¼ ـ وهو اللبيب الذى لا ندّ له ـ فى اليوم الأوّل للبيعة أمام الناس عن نكث بيعة رجل كان من أبرز الوجوه السياسيّة آنذاك، ويفعل ذلك توكّؤاً علي "التطيّر" و"التفأُّل"؟!

إنّ هذا الضرب من الكلام يثير الإشاعة لإضعاف أركان الدولة ودعائمها من جهة، ويشجّع علي نكث العهود ونقضها من جهة اُخري ، فلا شكّ أنّه مفتريً علي الإمام .

يضاف إلي ذلك أنّ روايات كثيرة ذمّت التطيّر، ونهت الناس عنه، وأكّدت أنّ أهل البيت (ع) لا يتطيّرون(١) ... فمن الممتنع جدّاً أن يتفوّه الإمام  ¼ بكلام غير مقبول أو يقوم بعمل واه غير محكم.


(١) راجع : بحار الأنوار : ٥٨ / ٣١٢ / الباب ١١ وكنز العمّال : ١٠ / ١١١ .

 ٧٤ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / إقبال الناس علي البيعة

١ / ٦

إقبال الناس علي البيعة

١٣٠١ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى وصف بيعته ـ : أقبلتم إلىَّ إقبال العُوذ المطافيل(١) علي أولادها ، تقولون : البيعةَ البيعةَ ! قبضتُ كفّى فبسطتموها ، ونازعتُكم يدى فجاذبتموها ! !(٢)

١٣٠٢ ـ عنه  ¼ ـ فى صفة الناس عند بيعته ـ : فما راعَنى إلاّ والناسُ كعُرفِ الضَّبعُ(٣) إلىَّ ، ينثالون علَىَّ من كلّ جانب ، حتي لقد وُطِئ الحسنان ، وشُقّ عِطفاى ، مجتمعين حولى كرَبيضة الغنم(٤) .

١٣٠٣ ـ عنه  ¼ ـ فى ذكر البيعة(٥) ـ : فتداكّوا علىَّ تداكّ الإبل الهيمِ(٦) يومَ وِردها ،


(١) العُوذ : الإبل التى وضعت أولادها حديثاً ، ويقال : أطفلت فهى مطفل . ويريد أنّهم جاؤوا بأجمعهم صغارهم وكبارهم (لسان العرب : ١١ / ٤٠٢) .
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ١٣٧ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٧٨ / ٥١ .
(٣) أى يتبع بعضهم بعضاً (لسان العرب : ٩ / ٢٤٠) . قال ابن أبى الحديد: عُرف الضبع ثخين ويُضرب به المثل فى الازدحام (شرح نهج البلاغه : ١/٢٠٠).
(٤) نهج البلاغة : الخطبة ٣ ، معانى الأخبار : ٣٦١ / ١ ، علل الشرائع : ١٥١ / ١٢ ، الإرشاد : ١ / ٢٨٩ والثلاثة الأخيرة عن ابن عبّاس ، نثر الدرّ : ١ / ٢٧٥ كلاهما نحوه وليس فيها من "مجتمعين . . ." وراجع تذكرة الخواصّ : ١٢٥ .
(٥) كما فى نسخة فيض الإسلام : الخطبة ٥٣ وشرح نهج البلاغة : ٤ / ٦ وهو الصحيح ، وأمّا ما ورد فى نسخة صبحى الصالح وشرح ابن ميثم : الخطبة ٥٣ "من خطبة له  ¼ وفيها يصف أصحابه بصفّين حين طال منعهم له من قتال أهل الشام" فهو غير صحيح ، وإن كان آخر الخطبة يشعر بذلك . والظاهر أنّ السيّد الرضى © جمع بين خطبتين . ولمزيد التحقيق قارن بين ذيل هذه الخطبة والخطبة ٤٣ ، وأيضاً صدر هذه الخطبة والخطبة ٢٢٩ . وراجع بحار الأنوار : ٣٢ / ٥٥٥ / ٤٦٣ .
(٦) الهِيم : الإبل العطاش (الصحاح : ٥ / ٢٠٦٣) .

 ٧٥ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / بيعة عامّة الناس

وقد أرسلها راعيها ، وخلعت مثانيها ، حتي ظننت أنّهم قاتلىَّ ، أو بعضهم قاتل بعض لدىّ(١) .

١٣٠٤ ـ عنه  ¼ ـ فى ذكر نكث طلحة والزبير بيعته ـ : أتيتمونى فقلتم : بايعنا ، فقلتُ : لا أفعل ، فقلتم : بلي ، فقلت : لا . وقبضتُ يدى فبسطتموها ، ونازعتُكم فجذبتموها ، وتداكَكتم علىَّ تَداكَّ الإبل الهِيم علي حِياضها يوم ورودها ، حتي ظننت أنّكم قاتلىَّ ، وأنّ بعضكم قاتل بعض ، فبسطتُ يدى ، فبايعتمونى مختارين ، وبايعنى فى أوّلكم طلحة والزبير طائعين غير مكرهين(٢) .

١٣٠٥ ـ عنه  ¼ ـ فى وصف بيعته ـ : بسطتم يدى فكففتُها ، ومددتموها فقبضتُها ، ثمّ تَداكَكتم علىَّ تَداكّ الإبل الهِيم علي حياضها يوم وِردها ، حتي انقطعت النعل ، وسقط الرداء ، ووُطئ الضعيف ، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إيّاى أن ابتهج بها الصغير ، وهدج إليها الكبير ، وتحامل نحوها العليل ، وحسرت إليها الكعاب(٣) .

١٣٠٦ ـ وقعة صفّين عن خفاف بن عبد الله : تهافت الناس علي علىّ بالبيعة تهافت الفَراش ، حتي ضلّت النعل وسقط الرداء ، ووُطئ الشيخ(٤) .

١ / ٧

بيعة عامّة الناس

١٣٠٧ ـ شرح نهج البلاغة عن ابن عبّاس : لمّا دخل علىّ  ¼ المسجد وجاء الناس


(١) نهج البلاغة : الخطبة ٥٤ .
(٢) الإرشاد : ١ / ٢٤٤ ، الاحتجاج : ١ / ٣٧٥ / ٦٨ ، الجمل : ٢٦٧ نحوه ; العقد الفريد : ٣ / ١٢٣ ، شرح نهج البلاغة : ٣٠٩١ عن زيد بن صوحان والثلاثة الأخيرة نحوه .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٢٢٩ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٥١ / ٣٥ .
(٤) وقعة صفّين : ٦٥ ; شرح نهج البلاغة : ٣ / ١١١ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٠٥ .

 ٧٦ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / بيعة عامّة الناس

ليبايعوه ، خفتُ أن يتكلّم بعض أهل الشنآن لعلىّ  ¼ ; ممّن قتل أباه أو أخاه أو ذا قرابته فى حياة رسول الله  ½ ، فيزهد علىّ فى الأمر ويتركه ، فكنتُ أرصد ذلك وأ تخوّفه، فلم يتكلّم أحد حتي بايعه الناس كلّهم، راضين مسلمين غير مكرهين(١).

١٣٠٨ ـ الفتوح : قالت الأنصار [للناس] : إنّكم قد عرفتُم فضل علىّ بن أبى طالب وسابقتَه وقرابتَه ومنزلتَه من النبىّ  ½ ، مع علمه بحلالكم وحرامكم ، وحاجتُكم إليه من بين الصحابة ، ولن يألوكم نصحاً ، ولو علمنا مكان أحد هو أفضل منه وأجمل لهذا الأمر وأولي به منه لدعوناكم إليه . فقال الناس كلّهم بكلمة واحدة : رضينا به طائعين غير كارهين .

فقال لهم علىّ : أخبرونى عن قولكم هذا : "رضينا به طائعين غير كارهين" ، أ حقٌ واجب هذا من الله عليكم ، أم رأى رأيتموه من عند أنفسكم ؟

قالوا : بل هو واجب أوجبه الله عزّ وجلّ لك علينا(٢) .

١٣٠٩ ـ الجمل عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن ابن أبزي : أ لا اُحدّثك ما رأت عيناى وسمعت اُذناى ! ! لمّا التقي الناس عند بيت المال قال علىّ لطلحة : ابسط يدك اُبايعك . فقال طلحة : أنت أحقّ بهذا الأمر منّى ، وقد اجتمع لك من أهواء الناس ما لم يجتمع لى . فقال  ¼ له : ما خشينا غيرك ! فقال طلحة : لا تخشَ ، فو الله لا تؤتي من قِبَلى .

وقام عمّار بن ياسر ، وأبو الهيثم بن التيّهان ، ورفاعة بن رافع بن مالك بن


(١) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٠ . وفى هذا القول تأمّل ; لأنّ عبد الله بن عبّاس كان عاملاً من جانب عثمان علي الحجّ وقدم المدينة وقد بويع لعلىّ  ¼ . راجع تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٣٩ . ويمكن أن يكون الراوى عبيد الله أو قثم ابنا عبّاس .
(٢) الفتوح : ٢ / ٤٣٥ .

 ٧٧ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / بيعة عامّة الناس

العجلان ، وأبو أيّوب خالد بن زيد ، فقالوا لعلىّ : إنّ هذا الأمر قد فسد ، وقد رأيت ما صنع عثمان ، وما أتاه من خلاف الكتاب والسنّة ، فابسط يدك نبايعك ; لتُصلِح من أمر الاُمّة ما قد فسد .

فاستقال علىّ  ¼ وقال : قد رأيتم ما صُنع بى ، وعرفتم رأىَ القوم ، فلا حاجة لى فيهم .

فأقبلوا علي الأنصار فقالوا : يا معاشر الأنصار ، أنتم أنصار الله وأنصار رسوله ، وبرسوله أكرمكم الله تعالي ، وقد علمتم فضلَ علىٍّ وسابقتَه فى الإسلام ، وقرابته ومكانته التى كانت له من النبىّ  ½ ، وإن ولى أنالكم خيراً . فقال القوم : نحن أرضي الناس به ، ما نريد به بدلاً .

ثمّ اجتمعوا عليه ، فلم يزالوا به حتي بايعوه(١) .

١٣١٠ ـ عنه  ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية ـ : إنّه بايعنى القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان علي ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يردّ ، وإنّما الشوري للمهاجرين والأنصار ; فإن اجتمعوا علي رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضاً ، فإن خرج عن أمرهم خارج ـ بطعن أو بدعة ـ ردّوه إلي ما خرج منه ، فإن أبَي قاتلوه علي اتّباعه غير سبيل المؤمنين وولاّه الله ما تولّي (٢) .

١٣١١ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى جواب كتاب معاوية ـ : أمّا تمييزك بينك وبين طلحة


(١) الجمل : ١٢٨ وراجع الكافئة : ١٢ / ٨ والفتوح : ٢ / ٤٣٤ و٤٣٥ .
(٢) نهج البلاغة : الكتاب ٦ ، وقعة صفّين : ٢٩ ; الإمامة والسياسة : ١ / ١١٣ ، العقد الفريد : ٣ / ٣٢٩ وفى صدرها "أمّا بعد ، فإنّ بيعتى بالمدينة لزمتك وأنت بالشام . . ." ، الفتوح : ٢ / ٥٠٦ وفيه من "و إنّما الشوري للمهاجرين . . ." وليس فيه "و ولاّه الله ما تولّي" ، الأخبار الطوال : ١٥٧ نحوه وراجع الإرشاد : ١ / ٢٤٣ .

 ٧٨ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / خطاب طائفة من أصحابه بعد البيعة

والزبير ، وبين أهل الشام وأهل البصرة ، فلَعمرى ما الأمر فيما هناك إلاّ سواء ، لأنّها بيعة شاملة ; لا يستثني فيها الخيار ، ولا يُستأنف فيها النظر(١) .

١٣١٢ ـ الفتوح : بايعت أهل الكوفة عليّاً   ¢ بأجمعهم . . . فبايَعت أهل الحجاز وأهل العراقين لعلىّ بن أبى طالب   ¢ (٢) .

١٣١٣ ـ الطبقات الكبري : لمّا قُتل عثمان يوم الجمعة لثمانى عشرة ليلة مضت من ذى الحجّة سنة خمس وثلاثين ، وبويع لعلىّ بن أبى طالب ; بالمدينة الغد من يوم قتل عثمان ، بالخلافة ، بايعه طلحة ، والزبير ، وسعد بن أبى وقّاص ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وعمّار بن ياسر ، واُسامة بن زيد ، وسهل بن حنيف ، وأبو أيّوب الأنصارى ، ومحمّد بن مسلمة ، وزيد بن ثابت ، وخزيمة بن ثابت ، وجميع من كان بالمدينة من أصحاب رسول الله  ½ ، وغيرهم(٣) .

١ / ٨

خطاب طائفة من أصحابه بعد البيعة

١٣١٤ ـ تاريخ اليعقوبى ـ بعد ذكر بيعة الناس لعلىّ  ¼ ـ : وقام قوم من الأنصار فتكلّموا ، وكان أوّل من تكلّم ثابت بن قيس بن شماس الأنصارى ـ وكان خطيب الأنصار ـ فقال : والله ، يا أمير المؤمنين ، لئن كانوا تقدّموك فى الولاية فما تقدّموك فى الدين ، ولئن كانوا سبقوك أمس فقد لحقتَهم اليوم ، ولقد كانوا وكنتَ


(١) الكامل للمبرّد : ١ / ٤٢٨ ; وقعة صفّين : ٥٨ نحوه ، نهج البلاغة : الكتاب ٧ وفيه "لأنّها بيعة واحدة لا يُثنّي فيها النظر ولا يُستأنف فيها الخيار ، الخارج منها طاعن والمُروِّى فيها مُداهِن" .
(٢) الفتوح : ٢ / ٤٣٩ .
(٣) الطبقات الكبري : ٣ / ٣١ .

 ٧٩ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / خطاب طائفة من أصحابه بعد البيعة

لا يخفي موضعُك ، ولا يُجهل مكانُك ، يحتاجون إليك فيما لا يعلمون ، وما احتجتَ إلي أحد مع علمك .

ثمّ قام خزيمة بن ثابت الأنصارى ـ وهو ذو الشهادتين ـ فقال : يا أمير المؤمنين ، ما أصَبنا لأمرِنا هذا غيرك ، ولا كان المنقلب إلاّ إليك ، ولئن صدقنا أنفسنا فيك ، فلاَنتَ أقدم الناس إيماناً ، وأعلم الناس بالله ، وأولي المؤمنين برسول الله ، لك ما لهم ، وليس لهم ما لك .

وقام صعصعة بن صوحان فقال : والله ، يا أمير المؤمنين ، لقد زيّنت الخلافة وما زانتك ، ورفعتَها وما رفَعَتك ، ولَهى إليك أحوج منك إليها .

ثمّ قام مالك بن الحارث الأشتر فقال : أيّها الناس ، هذا وصىّ الأوصياء ، ووارث علم الأنبياء ، العظيم البلاء ، الحسن العناء(١) ، الذى شهد له كتاب الله بالإيمان ، ورسوله بجنّة الرضوان ، مَن كملت فيه الفضائل ، ولم يشكّ فى سابقته وعلمه وفضله الأواخر ولا الأوائل .

ثمّ قام عقبة بن عمرو فقال : من له يوم كيوم العقبة ، وبيعة كبيعة الرضوان ، والإمام الأهدي الذى لا يُخاف جوره ، والعالم الذى لا يُخاف جهله(٢) .

راجع : القسم التاسع / علىّ عن لسان أصحاب النبىّ / حذيفة بن اليمان وخزيمة بن ثابت .

علىّ عن لسان الأعيان / أحمد بن حنبل .


(١) فى الطبعة المعتمدة : "الغناء" وما أثبتناه من طبعة النجف (٢ / ١٥٥) . والعناء هنا : المداراة أو حسن السياسة (لسان العرب : ١٥ / ١٠٦) .
(٢) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٧٩ .


إرجاعات 
٣١٠ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل السادس : عليّ عن لسان أصحاب النبيّ / حُذَيفَةُ بن اليَمانِ
٣١٣ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل السادس : عليّ عن لسان أصحاب النبيّ / خُزَيمَةُ بن ثَابِت الأنصاري
٤٠٩ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل التاسع : عليّ عن لسان الأعيان / أحمدُ بنُ حَنبَل

 ٨٠ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / من تخلّف عن بيعته

١ / ٩

من تخلّف عن بيعته

كانت بيعة الإمام  ¼ عامّة شاملة ، وقد اشترك فيها جميع المهاجرين والأنصار(١) ، وتمام من كان فى المدينة . وقد بايع الجميع عن اختيار كامل ، وحرّية تامّة . ثمّ بايعه أهالى مكّة والحجاز والكوفة(٢) .

وقد صرّح الإمام  ¼ بأنّ بيعته عامّة شاملة(٣) ، كما صرّحت المصادر التاريخيّة الكثيرة باجتماع المهاجرين والأنصار علي بيعة الإمام  ¼ (٤) .

لكن ذكرت بعض المصادر أخباراً تدلّ علي تخلّف أمثال : عبد الله بن عمر ، وسعد بن أبى وقّاص ، ومحمّد بن مسلمة ، واُسامة بن زيد ، وحسّان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وعبد الله بن سلام ، ومروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص ، والوليد بن عقبة ، عن البيعة(٥) .

وفى تخلّف هؤلاء عن البيعة نظريّتان :

الاُولي : إنّ هؤلاء تخلّفوا عن بيعة الإمام ، بل كانوا مخالفين لبيعته واقعاً .

الثانية : إنّهم لم يخالفوا أصل البيعة ، وأنّ ما ورد فى النصوص مشعراً بذلك فهو بمعني عدم مُسايرتهم للإمام فى حروبه الداخليّة .


(١) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٣٧ .
(٢) الفتوح : ٢ / ٤٣٩ .
(٣) الكامل للمبرّد : ١ / ٤٢٨ ; وقعة صفّين : ٥٨ ، الإرشاد : ١ / ٢٤٣ .
(٤) العقد الفريد : ٣ / ٣١١ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٢٧ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٠٢ .
(٥) الإرشاد : ١ / ٢٤٣ ; تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٣٧ ، شرح نهج البلاغة : ٤ / ٩ .

 ٨١ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / من تخلّف عن بيعته

قال الحاكم النيسابورى ـ بعد ذكر الأخبار الواردة فى بيعة الناس للإمام ـ : "أمّا قول من زعم أنّ عبد الله بن عمر وأبا مسعود الأنصارى وسعد بن أبى وقّاص وأبا موسي الأشعرى ومحمّد بن مسلمة الأنصارى واُسامة بن زيد قعدوا عن بيعته ، فإنّ هذا قول مَن يجحد حقيقة تلك الأحوال" ، ثمّ ذكر أنّ هؤلاء بايعوا الإمام لكن لم يسايروه فى حروبه الداخليّة ; لأسباب دَعَتهم إلي ذلك ، ممّا أوقع البعض فى اعتقاد أنّهم مخالفين لبيعة الإمام  ¼ (١) .

وقد ارتضي هذا الرأى ابن أبى الحديد ، ونسبه إلي المعتزلة فى كتابه شرح نهج البلاغة(٢) .

وإذا تأمّلنا نصوص الباب نجد أنّ أكثر من عُرف بالتخلّف عن البيعة قد بايع الإمام  ¼ ، لكنّ بيعة بعضهم ـ نظير : عبد الله بن عمر ، وسعد بن أبى وقّاص ـ لم تكن بمعني الوفاء لقيادة الإمام ; حيث أعلنوا صراحة عدم مرافقتهم للإمام فى حروبه . كما أنّ بيعة بعض آخر منهم ـ نظير : مروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص ، والوليد بن عقبة ـ كانت بدوافع سياسيّة(٣) .

ومن هنا يمكن عدّ هؤلاء فى المتخلّفين عن البيعة ; لأنّ بيعتهم لم تكن حقيقيّة وكاملة ، كما يكن عدّهم فى المبايعين ; لاشتراكهم من المراسم الرسميّة للبيعة . وبهذا يمكن الجمع بين النظريّتين .


(١) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٢٤ / ١٢٧ .
(٢) شرح نهج البلاغة : ٤ / ٩ و١٠ .
(٣) أراد مروان أن يبايع الإمام بعد الانكسار فى حرب الجمل ، لكنّ الإمام ردّ ذلك ، وقال فى ردّه : "أ وَلم يبايعنى بعد قتل عثمان ؟ لا حاجة لى فى بيعته ، إنّها كفّ يهوديّة" (نهج البلاغة : الخطبة ٧٣ ، الخرائج والجرائح : ١ / ١٩٧ / ٣٥) .

 ٨٢ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / من تخلّف عن بيعته

وهنا احتمال ثالث ، وهو : أنّهم تخلّفوا عن البيعة العامّة الشاملة والتى كانت فى المسجد ، وقد اختلقوا أعذاراً لتوجيه ذلك ، لكن لمّا تمّت البيعة واستحكمت خلافة الإمام  ¼ رغبوا فى البيعة .

ويؤيّد ذلك أنّ مروان بن الحكم والوليد بن عقبة وسعيد بن العاص جاؤوا إلي الإمام ـ بعد انتهاء البيعة العامّة ـ فبايعوه بعد نقاش .

كما يشهد له اعتراف عبد الله بن عمر واُسامة بن زيد وسعد بن أبى وقّاص ببيعة الإمام على  ¼ ، كما ورد فى بعض النصوص .

١٣١٥ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كلامه حين تخلّف عن بيعته عبد الله بن عمر ، وسعد بن أبى وقّاص ، ومحمّد بن مسلمة ، وحسّان بن ثابت ، واُسامة بن زيد ـ : أيّها الناس ! إنّكم بايعتمونى علي ما بُويع عليه من كان قبلى ، وإنّما الخيار إلي الناس قبل أن يبايعوا ، فإذا بايعوا فلا خيار لهم . وإنّ علي الإمام الاستقامة ، وعلي الرعيّة التسليم . وهذه بيعة عامّة ، من رغب عنها رغب عن دين الإسلام ، واتّبع غير سبيل أهله ، ولم تكن بيعتُكم إيّاى فلتة ، وليس أمرى وأمركم واحداً . وإنّى اُريدكم لله ، وأنتم تريدوننى لأنفسكم ، وايم الله لاَنصحنّ للخصم ، ولاُنصفنّ المظلوم .

وقد بلغنى عن سعد وابن مسلمة واُسامة وعبد الله وحسّان بن ثابت اُمور كرهتُها ، والحقّ بينى وبينهم(١) .

١٣١٦ ـ مروج الذهب : كان سعد واُسامة بن زيد وعبد الله بن عمر ومحمّد بن


(١) الإرشاد : ١ / ٢٤٣ ; المعيار والموازنة : ١٠٥ ، الأخبار الطوال : ١٤٠ وفيه إلي "فلتة" وكلاهما نحوه وراجع نهج البلاغة : الخطبة ١٣٦ .

 ٨٣ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / من تخلّف عن بيعته

مسلمة(١) ممّن قعد عن علىّ بن أبى طالب ، وأبَوا أن يبايعوه ، هم وغيرهم(٢) ممّن ذكرنا من القعّاد ، وذلك أنّهم قالوا : إنّها فتنة .

ومنهم من قال لعلىّ : أعطِنا سيوفاً نقاتل بها معك ، فإذا ضربنا بها المؤمنين لم تعمل فيهم ونَبَتْ(٣) عن أجسامهم ، وإذا ضربنا بها الكافرين سَرت فى أبدانهم . فأعرض عنهم علىّ ، وقال : ³ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأََّسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ  ²  (٤)(٥) .

١٣١٧ ـ تاريخ اليعقوبى : بايع الناس إلاّ ثلاثة نفر من قريش : مروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص ، والوليد بن عقبة ـ وكان لسان القوم ـ فقال : يا هذا ، إنّك قد وَتَرتَنا جميعاً ، أمّا أنا فقتلتَ أبى صبراً يوم بدر ، وأمّا سعيد فقتلتَ أباه يوم بدر ـ وكان أبوه من نور قريش ـ وأمّا مروان فشتمتَ أباه وعِبتَ علي عثمان حين ضمّه إليه . . . فتَبايَعنا علي أن تضع عنّا ما أصبنا ، وتعفى لنا عمّا فى أيدينا ، وتقتُل قتلة صاحبنا .

فغضب علىٌّ وقال : أمّا ما ذكرتَ من وترى إيّاكم ، فالحقّ وَتَرَكم . وأمّا وَضعى عنكم ما أصبتُم ، فليس لى أن أضع حقّ الله تعالي . وأمّا إعفائى عمّا فى أيديكم ، فما كان لله وللمسلمين فالعدل يَسَعُكم . وأمّا قتلى قتلةَ عثمان ، فلو لزمنى قتلُهم اليومَ لزمنى قتالهم غداً ، ولكن لكم أن أحملكم علي كتاب الله وسنّة نبيّه ، فمن


(١) فى الطبعة المعتمدة : "سلمة" وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه كما فى طبعة دار الهجرة : ٣ / ١٥ .
(٢) فى الطبعة المعتمدة : "هم غيرهم" ، والتصحيح من طبعة دار الهجرة : ٣ / ١٥ .
(٣) نَبَا السيفُ عن الضريبة : كَلَّ ولم يَحِكْ فيها (لسان العرب : ١٥ / ٣٠١) .
(٤) الأنفال : ٢٣ .
(٥) مروج الذهب : ٣ / ٢٤ .

 ٨٤ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / من تخلّف عن بيعته

ضاق عليه الحقّ فالباطل عليه أضيق ، وإن شئتم فالحقوا بملاحقكم .

فقال مروان : بل نبايعك ، ونقيم معك ، فتري ونري(١) .

١٣١٨ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الله بن الحسن : لمّا قُتل عثمان بايعت الأنصار عليّاً إلاّ نُفَيراً يسيراً ; منهم حسّان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، ومسلمة بن مخلّد ، وأبو سعيد الخدرى ، ومحمّد بن مسلمة ، والنعمان بن بشير ، وزيد بن ثابت ، ورافع بن خديج ، وفضالة بن عبيد ، وكعب بن عجرة ; كانوا عثمانيّة .

فقال رجل لعبد الله بن حسن : كيف أبي هؤلاء بيعة علىّ ! وكانوا عثمانيّة ؟ !

قال : أمّا حسّان فكان شاعراً لا يُبالى ما يصنع . وأمّا زيد بن ثابت فولاّه عثمان الديوان وبيت المال ، فلمّا حُصر عثمان قال : يا معشر الأنصار كونوا أنصاراً لله . . . مرّتين . فقال أبو أيّوب : ما تنصره إلاّ أنّه أكثر لك من العِضدان . فأمّا كعب بن مالك فاستعمله علي صدقة مُزينة ، وترك ما أخذ منهم له(٢) .

١٣١٩ ـ وقعة صفّين عن عمر بن سعد : دخل عبد الله بن عمر وسعد بن أبى وقّاص والمغيرة بن شعبة مع اُناس معهم ، وكانوا قد تخلّفوا عن علىّ ، فدخلوا عليه ، فسألوه أن يعطيهم عطاءهم ـ وقد كانوا تخلّفوا عن علىّ حين خرج إلي صفّين والجمل ـ .

فقال لهم علىّ : ما خلّفكم عنّى ؟

قالوا : قُتل عثمان ، ولا ندرى أحلّ دمه أم لا ، وقد كان أحدث أحداثاً ثمّ استتبتموه فتاب ، ثمّ دخلتم فى قتله حين قُتل ، فلسنا ندرى أصبتم أم أخطأتم !


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٧٨ ; الفتوح : ٢ / ٤٤٢ و٤٤٣ نحوه .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٢٩ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٠٣ وفيه "العبدان" بدل "العضدان" .

 ٨٥ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / من تخلّف عن بيعته

مع أنّا عارفون بفضلك ـ يا أمير المؤمنين ـ وسابقتك وهجرتك .

فقال علىّ : أ لستم تعلمون أنّ الله عزّ وجلّ قد أمركم أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر ، فقال : ³ إِن طَـائـِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَي الاُْخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِىءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ  ²  (١) ؟

قال سعد : يا علىّ ، أعطِنى سيفاً يعرف الكافر من المؤمن ; أخاف أن أقتل مؤمناً فأدخل النار .

فقال لهم علىّ : أ لستم تعلمون أنّ عثمان كان إماماً ، بايعتموه علي السمع والطاعة ، فعلامَ خذلتموه إن كان محسناً ! ! وكيف لم تقاتِلوه إذ كان مسيئاً ؟ ! فإن كان عثمان أصاب بما صنع فقد ظلمتم ; إذ لم تنصروا إمامكم ، وإن كان مسيئاً فقد ظلمتم ; إذ لم تعينوا مَن أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، وقد ظلمتم إذ لم تقوموا بيننا وبين عدوّنا بما أمركم الله به ، فإنّه قال : ³ قَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِىءَ إِلَي أَمْرِ اللَّهِ  ²  .

فردّهم ولم يُعطِهم شيئاً(٢) .

١٣٢٠ ـ المستدرك علي الصحيحين ـ بعد ذكر الأخبار الواردة فى بيعة الناس أمير المؤمنين  ¼ ـ : أمّا قول من زعم أنّ عبد الله بن عمر وأبا مسعود الأنصارى وسعد بن أبى وقّاص وأبا موسي الأشعرى ومحمّد بن مسلمة الأنصارى واُسامة بن زيد قعدوا عن بيعته ، فإنّ هذا قول من يجحد حقيقة تلك الأحوال . . . .

[ثمّ قال ـ بعد أن ذكر أسباب اعتزالهم] : فبهذه الأسباب وما جانَسها كان


(١) الحجرات : ٩ .
(٢) وقعة صفّين : ٥٥١ .

 ٨٦ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / من تخلّف عن بيعته

اعتزال من اعتزل عن القتال مع علىّ   ¢ ، وقتال من قاتله(١) .

١٣٢١ ـ الجمل عن أبى مخنف : إنّ أمير المؤمنين  ¼ لمّا همّ بالمسير إلي البصرة ، بلغه عن سعد بن أبى وقّاص وابن مسلمة واُسامة بن زيد وابن عمر تثاقل عنه ، فبعث إليهم . فلمّا حضروا قال لهم : قد بلغنى عنكم هنات كرهتُها ، وأنا لا اُكرهكم علي المسير معى ، أ لستم علي بيعتى ؟

قالوا : بلي .

قال : فما الذى يُقعدكم عن صحبتى ؟

فقال له سعد : إنّى أكره الخروج فى هذا الحرب ; لئلاّ اُصيب مؤمناً ، فإن أعطيتَنى سيفاً يعرف المؤمن من الكافر ، قاتلتُ معك !

وقال له اُسامة : أنت أعزّ الخلق علىَّ ، ولكنّى عاهدتُ الله أن لا اُقاتل أهل لا إله إلاّ الله . . .

وقال عبد الله بن عمر : لست أعرف فى هذا الحرب شيئاً ، أسألك ألاّ تحملنى علي ما لا أعرف .

فقال لهم أمير المؤمنين  ¼ : ليس كلّ مفتون معاتب ، أ لستُم علي بيعتى ؟ قالوا : بلي . قال : انصرفوا فسيُغنى الله تعالي عنكم(٢) .

١٣٢٢ ـ تاريخ الطبرى عن أبى المليح ـ فى ذكر بعض ما جري عند بيعة الإمام  ¼ ـ : خرج علىّ إلي المسجد ، فصعد المنبر وعليه إزار وطاق وعمامة خزّ ونعلاه فى يده ، متوكّئاً علي قوس ، فبايعه الناس .


(١) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٢٤ / ٤٥٩٦ وص ١٢٧ / ٤٦٠٥ .
(٢) الجمل : ٩٥ .

 ٨٧ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / من تخلّف عن بيعته

وجاؤوا بسعد ، فقال علىّ : بايع . قال : لا اُبايع حتي يبايع الناس ، والله ما عليك منّى بأس . قال : خلّوا سبيله .

وجاؤوا بابن عمر ، فقال : بايع . قال : لا اُبايع حتي يبايع الناس . قال : ائتنى بحميل(١) . قال : لا أري حميلا . قال الأشتر : خلِّ عنى أضرب عنقه ! قال علىّ : دعوه ; أنا حميلُه ، إنّك ـ ما علمتُ ـ لَسيّئ الخلق صغيراً وكبيراً(٢) .

١٣٢٣ ـ شرح نهج البلاغة : ذكر أبو مخنف فى كتاب الجمل أنّ الأنصار والمهاجرين اجتمعوا فى مسجد رسول الله  ½ ; لينظروا من يولّونه أمرهم ، حتي غصّ المسجد بأهله ، فاتّفق رأى عمّار وأبى الهيثم بن التيّهان ورفاعة بن رافع ومالك بن عجلان وأبى أيّوب خالد بن زيد(٣) علي إقعاد أمير المؤمنين  ¼ فى الخلافة . وكان أشدّهم تهالكاً عليه عمّار ، فقال لهم : أيّها الأنصار ، قد سار فيكم عثمان بالأمس بما رأيتموه ، وأنتم علي شرف من الوقوع فى مثله إن لم تنظروا لأنفسكم ، وإنّ عليّاً أولي الناس بهذا الأمر ; لفضله ، وسابقته !

فقالوا : رضينا به حينئذ .

وقالوا بأجمعهم لبقيّة الناس من الأنصار والمهاجرين : أيّها الناس ، إنّا لن نألوكم خيراً وأنفسنا إن شاء الله ، وإنّ عليّاً من قد علمتم ، وما نعرف مكان أحد أحمل لهذا الأمر منه ، ولا أولي به .

فقال الناس بأجمعهم : قد رضينا ، وهو عندنا ما ذكرتم وأفضل .

وقاموا كلّهم ، فأتوا عليّاً  ¼ ، فاستخرجوه من داره ، وسألوه بسطَ يده ،


(١) الحميل : الكفيل (النهاية : ١ / ٤٤٢) .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٢٨ .
(٣) فى المصدر : "يزيد" ، والصحيح ما أثبتناه كما فى كتب الرجال .

 ٨٨ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / من تخلّف عن بيعته

فقبضها ، فتداكّوا عليه تداكّ الإبل الهِيم علي وِردها ، حتي كاد بعضهم يقتل بعضاً ، فلمّا رأي منهم ما رأي سألهم أن تكون بيعته فى المسجد ظاهرة للناس ، وقال : إن كرهنى رجلٌ واحد من الناس لم أدخل فى هذا الأمر .

فنهض الناس معه حتي دخل المسجد ، فكان أوّل من بايعه طلحة . فقال قبيصة ابن ذؤيب الأسدى : تخوّفت أن لا يتمّ له أمره ; لأنّ أوّل يد بايعته شلاّء . ثمّ بايعه الزبير ، وبايعه المسلمون بالمدينة ، إلاّ محمّد بن مسلمة ، وعبد الله بن عمر ، واُسامة بن زيد ، وسعد بن أبى وقّاص ، وكعب بن مالك ، وحسّان بن ثابت ، وعبد الله بن سلام .

فأمر بإحضار عبد الله بن عمر ، فقال له : بايع . قال : لا اُبايع حتي يبايع جميع الناس . فقال له  ¼ : فأعطنى حميلاً أن لا تبرح . قال : ولا اُعطيك حميلاً . فقال الأشتر : يا أمير المؤمنين ، إنّ هذا قد أمن سوطَك وسيفَك ، فدعنى أضرب عنقه ! فقال : لستُ اُريد ذلك منه علي كره ، خلّوا سبيله . فلمّا انصرف قال أمير المؤمنين : لقد كان صغيراً وهو سيّئ الخلق ، وهو فى كبره أسوأ خلقاً .

ثمّ اُتى بسعد بن أبى وقّاص ، فقال له : بايع . فقال : يا أبا الحسن خلّنى ، فإذا لم يبقَ غيرى بايعتُك ، فو الله لا يأتيك من قبلى أمر تكرهه أبداً . فقال : صدق ، خلّوا سبيله .

ثمّ بعث إلي محمّد بن مسلمة ، فلمّا أتاه قال له : بايع . قال : إنّ رسول الله  ½ أمرنى إذا اختلف الناس وصاروا هكذا ـ وشبّك بين أصابعه ـ أن أخرج بسيفى فأضرب به عرض اُحد فإذا تقطّع أتيت منزلى ، فكنت فيه لا أبرحه حتي تأتينى يد خاطية ، أو منيّة قاضية . فقال له  ¼ : فانطلق إذاً ، فكن كما اُمرت به .

ثمّ بعث إلي اُسامة بن زيد ، فلمّا جاء قال له : بايع . فقال : إنّى مولاك ، ولا

 ٨٩ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته

خلاف منّى عليك ، وستأتيك بيعتى إذا سكن الناس . فأمره بالانصراف ، ولم يبعث إلي أحد غيره .

وقيل له : أ لا تبعث إلي حسّان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وعبد الله بن سلام ؟ فقال : لا حاجة لنا فيمن لا حاجة له فينا .

فأمّا أصحابنا فإنّهم يذكرون فى كتبهم أنّ هؤلاء الرهط إنّما اعتذورا بما اعتذورا به لما ندبهم إلي الشخوص معه لحرب أصحاب الجمل ، وأنّهم لم يتخلّفوا عن البيعة ، وإنّما تخلّفوا عن الحرب .

وروي شيخنا أبو الحسين فى كتاب الغرر : أنّهم لمّا اعتذروا إليه بهذه الأعذار ، قال لهم : ما كلّ مفتون يُعاتب ، أ عندكم شكّ فى بيعتى ؟ قالوا : لا . قال : فإذا بايعتم فقد قاتلتم ، وأعفاهم من حضور الحرب(١) .

١ / ١٠

هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته

١ / ١٠ ـ ١

عبد الله بن عمر بن الخطّاب

ولد فى السنة الثانية بعد البعثة(٢) وأسلم منذ نعومة أظفاره مع أبيه فى مكّة(٣) ،


(١) شرح نهج البلاغة : ٤ / ٨ .
(٢) استنتاج من الطبقات الكبري : ٤ / ١٤٣ ، تهذيب الكمال : ١٥ / ٣٤٠ / ٣٤٤١ ، تاريخ بغداد : ١ / ١٧٢ / ١٣ ، الاستيعاب : ٣ / ٨١ / ١٦٣٠ .
(٣) الطبقات الكبري : ٤ / ١٤٢ ، تهذيب الكمال : ١٥ / ٣٣٣ / ٣٤٤١ ، تاريخ بغداد : ١ / ١٧١ / ١٣ ، تاريخ دمشق : ٣١ / ٨٤ ، الاستيعاب : ٣ / ٨١ / ١٦٣٠ ، اُسد الغابة : ٣ / ٣٣٧ / ٣٠٨٢ وزاد فيهما "قد قيل : إنّ إسلامه كان قبل إسلام أبيه" ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٦٤٧ / ٦٣٧٧ وفيه "أسلم عبد الله بن عمر قبل أبيه" وفيه تأمّل ، لأنّ إسلام عمر فى السنة السادسة من البعثة وفى هذه السنة كان لعبد الله بن عمر أربع أو خمس سنين .

 ٩٠ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته / عبد الله بن عمر بن الخطّاب

وهاجر إلي المدينة المنوّرة قبل أبيه(١) أو معه(٢) .

ولصغر سنّه(٣) لم يشترك فى حربى بدر(٤) واُحد ، نعم التحقَ بعسكر المسلمين فى حرب الخندق وما بعدها من الحروب(٥) . كما روي أحاديث كثيرة فى كتب أهل السنّة(٦) .

وقد استُشير عمر ـ أواخر أيّام حياته ـ فى جعله أحد أعضاء الشوري ، لكنّه خالف ذلك وقال : ليس له أهليّة الخلافة ، بل ليس له القدرة علي طلاق زوجته!(٧)


(١) الاستيعاب : ٣ / ٨١ / ١٦٣٠ ، اُسد الغابة : ٣ / ٣٣٧ / ٣٠٨٢ .
(٢) الطبقات الكبري : ٤ / ١٤٢ ، تهذيب الكمال : ١٥ / ٣٣٣ / ٣٤٤١ ، تاريخ بغداد : ١ / ١٧١ / ١٣ ، تاريخ دمشق : ٣١ / ٨٥ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٢٠٤ / ٤٥ .
(٣) الطبقات الكبري : ٤ / ١٤٣ ، تهذيب الكمال : ١٥ / ٣٣٣ / ٣٤٤١ ، تاريخ بغداد : ١ / ١٧٢ / ١٣ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٥ / ٤٥٤ / ١٩٩ ، تاريخ دمشق : ٣١ / ٨٣ .
(٤) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٦٤٤ / ٦٣٦٢ ، الطبقات الكبري : ٤ / ١٤٣ ، الاستيعاب : ٣ / ٨١ / ١٦٣٠ ، اُسد الغابة : ٣ / ٣٣٧ / ٣٠٨٢ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٢١٠ / ٤٥ .
(٥) تهذيب الكمال : ١٥ / ٣٣٣ / ٣٤٤١ ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٦٤٤ / ٦٣٦٢ ، الطبقات الكبري : ٤ / ١٤٣ ، تاريخ بغداد : ١ / ١٧٢ / ١٣ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٥ / ٤٥٤ / ١٩٩ ، تاريخ دمشق : ٣١ / ٧٩ ، الاستيعاب : ٣ / ٨١ / ١٦٣٠ ، اُسد الغابة : ٣ / ٣٣٨ / ٣٠٨٢ .
(٦) سير أعلام النبلاء : ٣ / ٢٠٤ / ٤٥ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٥ / ٤٥٥ / ١٩٩ ، تهذيب الكمال : ١٥ / ٣٣٣ / ٣٤٤١ ، تاريخ دمشق : ٣١ / ٧٩ و٨٠ ، البداية والنهاية : ٩ / ٥ .
(٧) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٦٠ ; تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٢٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢١٩ .

 ٩١ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته / عبد الله بن عمر بن الخطّاب

بَيدَ أنّه ذُكر فى بعض الروايات أنّه صار أحد أعضاء الشوري بأمر أبيه علي أن لا يكون له من الأمر شىء(١) .

ولمّا تسنّم عثمان الخلافة ابتعد عن الساحة السياسيّة ، فلم يشترك فى التيّارات السياسيّة الحاكمة آنذاك ، كما اعتزل الساحة السياسيّة والاجتماعيّة أيّام خلافة الإمام على  ¼ ، بل جعل العزلة قوام سياسته الاجتماعية ، فلم يشترك مع الإمام  ¼ فى شىء من حروبه أيّام الخلافة ، وكان يقول : "أنا مع أهل المدينة ، إنّما أنا رجل منهم ، وقد دخلوا فى هذا الأمر فدخلت معهم ، لا اُفارقهم ; فإن يخرجوا أخرج ، وإن يقعدوا أقعد"(٢) .

ومن الواضح أنّ هذه السيرة كانت قائمة علي اُسس واهية لا علي أساس متين ، ولهذا لم يتّخذها منهجاً إلاّ هذه البرهة من حياته ; فلم يعتزل الساحة أيّام الخلفاء الثلاث ، كما لم يعتمد هذه السياسة زمن الحكّام الذين تقلّدوا زمام الاُمور بعد أمير المؤمنين  ¼ ; حيث بايع معاوية(٣) ويزيد(٤) مع تخلّف عدد كبير من الصحابة والوجوه البارزة من الاُمّة ـ ومنهم الحسين بن على    ¤ ـ عن بيعته . وكذا بايع عبد الملك(٥) ، بل حثّ محمّد ابن الحنفيّة علي البيعة له لمّا امتنع منها وشرط


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٢٩ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٢٠ ، تاريخ دمشق : ٣١ / ١٧٩ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٥٨ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٤٦ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣١٢ وراجع ص ٣١٤ وتاريخ الطبرى : ٤ / ٤٦٠ .
(٣) الاستيعاب : ٣ / ٤٧٢ / ٢٤٦٤ .
(٤) الطبقات الكبري : ٤ / ١٨٢ ، مروج الذهب : ٢ / ٣٦١ .
(٥) صحيح البخارى : ٦ / ٢٦٣٤ / ٦٧٧٧ وح ٦٧٧٩ ، الموطّأ : ٢ / ٩٨٣ / ٣ ، السنن الكبري : ٨ / ٢٥٤ / ١٦٥٦٤ ، الطبقات الكبري : ٤ / ١٨٣ ، مروج الذهب : ٢ / ٣٦١ .

 ٩٢ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته / عبد الله بن عمر بن الخطّاب

لها بيعة جميع الناس(١) .

والعجب أنّه ذهب ليلاً إلي الحجّاج بن يوسف ليمدّ له يد البيعة لعبد الملك ; لئلاّ يبقي ليلةً بلا إمام ، لأنّه روي عن رسول الله  ½ : "من مات ولا إمام له مات ميتة جاهليّة" ، فاحتقره الحجّاج ـ ذلك الحاكم المتكبّر الظالم ـ ومدّ له رجله من تحت الفراش ليصفق عليها يد البيعة ; لعلمه بأنّ منشأ هذه البيعة هو الخوف والضعف والعجز(٢) .

مع أنّه لم يصحب الإمام فى شىء من حروبه أيّام خلافته(٣) . نعم لم يكن من المعادين له أيضاً ، بل كان من جملة الذين وصفهم الإمام  ¼ بأنّهم "خذلوا الحقّ ، ولم ينصروا الباطل"(٤) .

نعم أشارت بعض النصوص التاريخيّة إلي أنّه تأسّف نهاية عمره أسفاً عميقاً علي تساهله وعدم نصرته للإمام  ¼ ، وكان يقول : "ما آسي علي شىء إلاّ أنّى لم اُقاتل مع علىّ الفئةَ الباغية"(٥) .

نعم فى بعض المصادر أنّ المراد بــ "الفئة الباغية" فى كلامه هو الخوارج(٦) ،


(١) الطبقات الكبري : ٥ / ١١١ ، سير أعلام النبلاء : ٤ / ١٢٨ / ٣٦ .
(٢) شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٤٢ ; الفصول المختارة : ٢٤٥ ، الإيضاح : ٧٣ .
(٣) الاستيعاب : ٣ / ٨٣ / ١٦٣٠ ، اُسد الغابة : ٣ / ٣٣٩ / ٣٠٨٢ .
(٤) نهج البلاغة : الحكمة ١٨ ; الاستيعاب : ٢ / ١٧٣ / ٩٦٨ .
(٥) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٦٤٣ / ٦٣٦٠ ، الاستيعاب : ٣ / ٨٣ / ١٦٣٠ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٢٣٢ / ٤٥ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٤٠٤ ، الطبقات الكبري : ٤ / ١٨٧ ، اُسد الغابة : ٣ / ٣٣٩ / ٣٠٨٢ وليس فيهما "مع علىّ" .
(٦) فتح البارى : ١٢ / ٢٨٦ .

 ٩٣ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته / عبد الله بن عمر بن الخطّاب

أو الحجّاج(١) ، أو ابن الزبير(٢) . وإذا لاحظنا قوله : "مع علىّ" فى النصّ الذى أشرنا إليه لا يبقي مجال لاحتمال آخر .

وكان يقول : كلّ من يدعونى إلي الصلاة أقتدى به ; من أىّ فرقة كان ، ولا أتبع من يدعونى إلي القتال(٣) .

وكان يعتقد أنّ الحكومة وطاعة الحاكم قائمان علي أساس "قانون القَهر" ، فكان يقول : الحقّ لمَن غلب وتسلّط علي رقاب الناس وقهرهم(٤) .

ولمّا كان الإمام علىّ  ¼ يؤكّد علي حرّية الناس واختيارهم فى البيعة ويقول : "لا اُجبر أحداً علي طاعتى" تخلّف عن بيعته ، ولم يتخلّف عن البيعة ليزيد بن معاوية !

وقد عرّف انتفاضة أهل المدينة ـ حين اشتهر فسق يزيد وفجوره وعدم تورّعه عن فعل أىّ محرم ، وبعد قتله أبا عبد الله الحسين  ¼ ـ بأنّها غدر للبيعة ، ولذا منع أهله عن الاشتراك فيها(٥) .

وأخيراً ، فمع أنّ عبد الله كثير الرواية ، بل هو فى عِداد كبار محدّثى أهل السنة لكنّه قليل المعرفة ، ضيّق الرؤية ، متحجّراً ، لا يملك تحليلاً متيناً للتيارات


(١) الطبقات الكبري : ٤ / ١٨٥ و١٨٧ ، تاريخ دمشق : ٣١ / ١٩٧ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٢٣٢ / ٤٥ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٥ / ٤٦٥ / ١٩٩ .
(٢) السنن الكبري : ٨ / ٢٩٨ / ١٦٧٠٦ ، تاريخ دمشق : ٣١ / ١٩٣ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٢٢٩ / ٤٥ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٥ / ٤٦٥ / ١٩٩ .
(٣) الطبقات الكبري : ٤ / ١٦٩ ، حلية الأولياء : ١ / ٣٠٩ ، تاريخ دمشق : ٣١ / ١٩١ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٢٢٨ / ٤٥ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٥ / ٤٦٥ / ١٩٩ .
(٤) الطبقات الكبري : ٤ / ١٤٩ ، الاستيعاب : ٣ / ٤٧٢ / ٢٤٦٤ .
(٥) مسند ابن حنبل : ٢ / ٤١٢ / ٥٧١٣ وص ٣٠٤ / ٥٠٨٨ ، الطبقات الكبري : ٤ / ١٨٣ .

 ٩٤ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته / عبد الله بن عمر بن الخطّاب

السياسيّة والاجتماعيّة القائمة آنذاك . وقد أعانه ضعف شخصيّته وطلبه للحياة علي ارتكاب ذلك الموقف القبيح .

توفّى سنة (٧٤ هـ ) عن عمر يناهز (٨٤) سنة(١) .

١٣٢٤ ـ تاريخ الطبرى : بعث [علىّ  ¼ ] إلي عبد الله بن عمر كُميلاً النخعى ، فجاء به ، فقال : انهض معى . فقال : أنا مع أهل المدينة ; إنّما أنا رجل منهم ، وقد دخلوا فى هذا الأمر فدخلتُ معهم لا اُفارقهم ، فإن يخرجوا أخرج ، وإن يقعدوا أقعد . قال : فأعطنى زعيماً بألاّ تخرج . قال : ولا اُعطيك زعيماً . قال : لولا ما أعرف من سوء خُلقك صغيراً وكبيراً لأنكرتنى ، دعوه ; فأنا به زعيم(٢) .

١٣٢٥ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد وطلحة : خرج الزبير وطلحة حتي لقيا ابن عمر ، ودعواه إلي الخفوف ، فقال : إنّى امرؤٌ من أهل المدينة ، فإن يجتمعوا علي النهوض أنهض ، وإن يجتمعوا علي القعود أقعد . فتركاه ورجعا(٣) .

١٣٢٦ ـ الطبقات الكبري عن أبى حصين : إنّ معاوية قال : ومَن أحقّ بهذا الأمر منّا ؟ فقال عبد الله بن عمر : فأردتُ أن أقول : أحقّ منك مَن ضربك وأباكَ عليه ! ! ثمّ ذكرت ما فى الجنان ، فخشيت أن يكون فى ذاك فساد !(٤) .


(١) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٦٤٢ / ٦٣٥٥ وح ٦٣٥٨ ، الطبقات الكبري : ٤ / ١٨٧ ، تاريخ بغداد : ١ / ١٧٣ / ١٣ . وفيه أقوال اُخري ، منها : "مات سنة ٧٣ وكان عُمرُه ٨٧ سنة" ، التاريخ الكبير : ٥ / ٢ / ٤ ، تاريخ دمشق : ٣١ / ٨٣ ـ ٨٧ ، تاريخ بغداد : ١ / ١٧٣ / ١٣، تاريخ الإسلام للذهبى : ٥ / ٤٦٧ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٤٦ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣١٢ نحوه .
(٣) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٦٠ ، وراجع الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣١٤ .
(٤) الطبقات الكبري : ٤ / ١٨٢ وأيضاً فى نفس الصفحة عن الزهرى نحوه ، تاريخ دمشق : ٣١ / ١٨٣ وفيه "ما أعدّ الله فى الخلاف" بدل "ما فى الجنان" ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٢٢٥ / ٤٥ وليس فيه "ثمّ ذكرت ما فى الجنان" .

 ٩٥ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته / عبد الله بن عمر بن الخطّاب

١٣٢٧ ـ الاستيعاب : قيل لنافع : ما بال ابن عمر بايع معاوية ، ولم يبايع عليّاً ؟ فقال : كان ابن عمر [لا](١) يعطى يداً فى فرقة ، ولا يمنعها من جماعة ، ولم يبايع معاوية حتي اجتمعوا عليه(٢) .

١٣٢٨ ـ مسند ابن حنبل عن نافع : إنّ ابن عمر جمع بنيه ـ حين انتزي(٣) أهل المدينة مع ابن الزبير ، وخلعوا يزيد بن معاوية ـ فقال : إنّا قد بايعنا هذا الرجل ببيع الله ورسوله ، وإنّى سمعتُ رسول الله  ½ يقول : الغادر يُنصب له لواء يوم القيامة ، فيقال : هذه غدرة فلان ، وإنّ من أعظم الغدر ـ إلاّ أن يكون الإشراك بالله تعالي ـ أن(٤) يبايع الرجل رجلاً علي بيع الله ورسوله ثمّ ينكث بيعته ، فلا يخلعنّ أحدٌ منكم يزيد ، ولا يُسرفنّ أحد منكم فى هذا الأمر ، فيكون صيلماً فيما بينى وبينكم ! !(٥)

١٣٢٩ ـ فتح البارى : كان عبد الله بن عمر فى تلك المدّة [مدّة حكومة عبد الله بن الزبير] امتنع أن يبايع لابن الزبير أو لعبد الملك ، كما كان امتنع أن يبايع لعلىّ أو معاوية ، ثمّ بايع لمعاوية لمّا اصطلح مع الحسن بن علىّ واجتمع عليه الناس ، وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية ; لاجتماع الناس عليه ، ثمّ امتنع من المبايعة لأحد حال الاختلاف إلي أن قُتل ابن الزبير وانتظم الملك كلّه لعبد الملك ، فبايع له


(١) ما بين المعقوفين إضافة يقتضيها السياق .
(٢) الاستيعاب : ٣ / ٤٧٢ / ٢٤٦٤ .
(٣) الانتزاء والتنزّى : تسرُّع الإنسان إلي الشرّ (لسان العرب : ١٥ / ٣٢٠) .
(٤) فى الطبعة المعتمدة : "ينصب" بدل "أن" وهو تصحيف ، والتصحيح من طبعة دار صادر : ٢ / ٩٦ .
(٥) مسند ابن حنبل : ٢ / ٤١٢ / ٥٧١٣ وص ٣٠٤ / ٥٠٨٨ ، الطبقات الكبري : ٤ / ١٨٣ كلاهما نحوه .

 ٩٦ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته / عبد الله بن عمر بن الخطّاب

حينئذ(١) .

١٣٣٠ ـ صحيح البخارى عن عبد الله بن دينار : لمّا بايع الناس عبد الملك ، كتب إليه عبد الله بن عمر : إلي عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين ، إنّى اُقرّ بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين ، علي سنّة الله وسنّة رسوله فيما استطعتُ ، وإنّ بنىَّ قد أقرّوا بذلك(٢) .

١٣٣١ ـ شرح نهج البلاغة : إنّه [ابن عمر] امتنع عن بيعة علىّ  ¼ ، وطرق علي الحجّاج بابه ليلاً ليبايع لعبد الملك ; كى لا يبيت تلك الليلة بلا إمام ، زعم ، لأنّه روي عن النبىّ  ½ أنّه قال : "من مات ولا إمام له مات ميتةً جاهليّةً" ، وحتي بلغ من احتقار الحجّاج له واسترذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش ، فقال : اصفِق بيدك عليها(٣) .

١٣٣٢ ـ الطبقات الكبري عن نافع : قيل لابن عمر ـ زمن ابن الزبير والخوارج والخشبيّة ـ : أ تصلّى مع هؤلاء ومع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضاً ؟ ! قال : فقال : من قال : "حىّ علي الصلاة" أجبتُه ، ومن قال : "حىّ علي الفلاح" أجبتُه ، ومن قال : "حىّ علي قتل أخيك المسلم وأخذ ماله" ، قلتُ : لا(٤) .


(١) فتح البارى : ١٣ / ١٩٥ .
(٢) صحيح البخارى : ٦ / ٢٦٣٤ / ٦٧٧٩ وح ٦٧٧٧ وص ٢٦٥٤ / ٦٨٤٤ ، الموطّأ : ٢ / ٩٨٣ / ٣ ، الطبقات الكبري : ٤ / ١٨٣ ، السنن الكبري : ٨ / ٢٥٤ / ١٦٥٦٥ و١٦٥٦٤ كلّها نحوه وراجع العقد الفريد : ٣ / ٣٨١ .
(٣) شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٤٢ ; الفصول المختارة : ٢٤٥ وفيه "فقال له الحجّاج : بالأمس تتأخّر عن بيعة علىّ بن أبى طالب مع روايتك هذا الحديث ثمّ تأتينى الآن لاُبايعك لعبد الملك ، أمّا يدى فمشغولة عنك ، ولكن هذه رجلى فبايعها" .
(٤) الطبقات الكبري: ٤/١٦٩، حلية الأولياء: ١/٣٠٩، تاريخ دمشق: ٣١/١٩١، سير أعلام النبلاء: ٣ / ٢٢٨ / ٤٥ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٥ / ٤٦٥ / ١٩٩ والثلاثة الأخيرة نحوه .

 ٩٧ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته / سعد بن أبى وقّاص

١٣٣٣ ـ الطبقات الكبري عن سيف المازنى : كان ابن عمر يقول : لا اُقاتل فى الفتنة ، واُصلّى وراء من غلب(١) .

١٣٣٤ ـ المستدرك علي الصحيحين عن عبد الله بن عمر : ما آسي علي شىء ، إلاّ أنّى لم اُقاتل مع علىّ   ¢ الفئةَ الباغية(٢) .

١٣٣٥ ـ الطبقات الكبري عن حبيب بن أبى ثابت : بلغنى عن ابن عمر فى مرضه الذى مات فيه قال : ما أجدنى آسي علي شىء من أمر الدنيا ، إلاّ أنّى لم اُقاتل الفئةَ الباغية(٣) .

راجع : القسم التاسع / علىّ عن لسان أصحاب النبىّ / عبد الله بن عمر .

١ / ١٠ ـ ٢

سعد بن أبى وقّاص

أسلم فى التاسعة عشرة من عمره(٤) ، وشهد حروب النبىّ  ½ (٥)، عدّه أهل


(١) الطبقات الكبري : ٤ / ١٤٩ .
(٢) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٦٤٣ / ٦٣٦٠ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٤٠٤ ، الاستيعاب : ٣ / ٨٣ / ١٦٣٠ ، اُسد الغابة : ٤ / ١٠٩ / ٣٧٨٩ ; علل الشرائع : ٢٢٢ نحوه .
(٣) الطبقات الكبري : ٤ / ١٨٧ ، اُسد الغابة : ٣ / ٣٣٩ / ٣٠٨٢ نحوه .
(٤) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٥٦٧ / ٦١٠٣ ، تهذيب الكمال : ١٠ / ٣١١ / ٢٢٢٩ ، تاريخ بغداد : ١ / ١٤٤ / ٤ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٤٢ ، الاستيعاب : ٢ / ١٧١ / ٩٦٨ .
(٥) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٥٦٩ / ٦١١١ ، الطبقات الكبري : ٣ / ١٤٢ ، تاريخ بغداد : ١ / ١٤٤ / ٤ ، تهذيب الكمال : ١٠ / ٣١٠ / ٢٢٢٩ ، تهذيب التهذيب : ٣ / ٤٢٢ / ٢٣٥٢ ، تاريخ دمشق : ٢٠ / ٢٨٠ ، الاستيعاب : ١٧١٢ / ٩٦٨ ، نسب قريش : ٢٦٣ .


إرجاعات 
٣٣٣ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل السادس : عليّ عن لسان أصحاب النبيّ / عبد الله بن عُمَر

 ٩٨ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته / سعد بن أبى وقّاص

السُّنّة فى "العشرة المبشَّرة"(١). تولّي قيادة جيش القادسيّة فى خلافة عمر(٢). من هنا ذاع صيته فى التاريخ الإسلامي. ثمّ ولى الكوفة(٣). وبعد ذلك عزله عمر لأنّ أهلها شكوه إليه(٤).

وكان سعد أحد أعضاء الشوري السداسيّة(٥)، ثمّ اعتزل لصالح عبد الرحمن ابن عوف(٦). وولى الكوفة مرّة اُخري فى عهد عثمان(٧). وظلّ والياً عليها برهةً، ثمّ عزله عثمان وعيّن الوليد بن عقبة مكانه(٨).


(١) تاريخ بغداد : ١ / ١٤٤ / ٤ ، تهذيب الكمال : ١٠ / ٣١٠ / ٢٢٢٩ ، تاريخ دمشق : ٢٠ / ٢٨٠ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٤١ ، سير أعلام النبلاء : ١ / ٩٣ / ٥ ، الاستيعاب : ٢ / ١٧١ / ٩٦٨ ، نسب قريش : ٢٦٣ .
(٢) الطبقات الكبري : ٦ / ١٢ ، تاريخ بغداد : ١ / ١٤٤ / ٤ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٤١ ، سير أعلام النبلاء : ١ / ١١٥ / ٥ ، الاستيعاب : ٢ / ١٧٢ / ٩٦٨ ، تهذيب التهذيب : ٢ / ٢٨٨ / ٢٦٥٤ ، نسب قريش : ٢٦٣ .
(٣) الاستيعاب : ٢ / ١٧٢ / ٩٦٨ ، التاريخ الصغير : ١ / ١٣٤ ، الطبقات الكبري : ٦ / ١٢ ، تاريخ بغداد : ١ / ١٤٤ / ٤ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٤١ ، تهذيب التهذيب : ٢ / ٢٨٨ / ٢٦٥٤ .
(٤) المعارف لابن قتيبة : ٢٤٢ ، سير أعلام النبلاء : ١ / ١١٧ / ٥ ، تهذيب التهذيب : ٢ / ٢٨٨ / ٢٦٥٤ ، الاستيعاب : ٢ / ١٧٢ / ٩٦٨ .
(٥) تاريخ بغداد : ١ / ١٤٤ / ٤ ، حلية الأولياء : ١ / ٩٤ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٤١ ، سير أعلام النبلاء : ١ / ٩٣ / ٥ ، الاستيعاب : ٢ / ١٧١ / ٩٦٨ ، تهذيب التهذيب : ٢ / ٢٨٨ / ٢٦٥٤ ، نسب قريش : ٢٦٣ .
(٦) صحيح البخارى : ٣ / ١٣٥٦ / ٣٤٩٧ .
(٧) التاريخ الصغير : ١ / ١٣٤ ، الطبقات الكبري : ٦ / ١٢ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٤٢ ، سير أعلام النبلاء : ١ / ١١٨ / ٥ ، الاستيعاب : ٢ / ١٧٢ / ٩٦٨ .
(٨) التاريخ الصغير : ١ / ١٣٤ ، الطبقات الكبري : ٦ / ١٢ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٤٢ ، الاستيعاب : ٢ / ١٧٢ / ٩٦٨ .

 ٩٩ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته / سعد بن أبى وقّاص

لم يبايع الإمام أمير المؤمنين  ¼ بالخلافة أوّل الأمر(١) ، واعتزل جانباً ، ولم يشهد حروبه ، ولم ينصره(٢).

وحين ملك معاوية أثني سعد علي الإمام علىّ  ¼ أمامه، وعدّ شيئاً من مناقبه وفضائله(٣)، فكبر ذلك علي معاوية، وشتمه، وقال له: إذا كنت تقرّ بهذا كلّه، فلِمَ لم تنصره؟(٤) فاعترف سعد بتقصيره فى حقّ الإمام علىّ  ¼ ، وببيعته ومرافقته له(٥).

مات سعد سنة (٥٥ هـ )(٦). وابنه عمر بن سعد هو الذى قاد الجيش الاُموىّ لحرب الحسين  ¼ فى كربلاء(٧).

١٣٣٦ ـ المستدرك علي الصحيحين عن خيثمة بن عبد الرحمن : سمعت سعد بن مالك وقال له رجل : إنّ عليّاً يقع فيك ، إنّك تخلّفتَ عنه ! فقال سعد : والله إنّه لرأى رأيتُه ، وأخطأ رأيى ، إنّ علىّ بن أبى طالب اُعطى ثلاثاً ، لاَن أكون اُعطيت إحداهنّ أحبّ إلىَّ من الدنيا وما فيها(٨) .


(١) أنساب الأشراف : ٣ / ٩ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٣١ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٠٣ ، تاريخ دمشق : ٤٢ / ٤٣٧ ، شرح نهج البلاغة : ٤ / ٩ .
(٢) سير أعلام النبلاء : ١ / ١٢٢ / ٥ .
(٣) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١١٧ / ٤٥٧٥ ، مروج الذهب : ٣ / ٢٣ .
(٤) مروج الذهب : ٣ / ٢٤ .
(٥) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٢٦ / ٤٦٠١ ; المناقب للكوفى : ٢ / ٤٠١ / ٨٧٨ .
(٦) التاريخ الصغير : ١ / ١٢٦ ، الطبقات الكبري : ٣ / ١٤٩ ، المعجم الكبير : ١ / ١٣٩ / ٣٠١ ، تاريخ بغداد : ١ / ١٤٦ / ٤ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٤٢ ، سير أعلام النبلاء : ١ / ١٢٣ / ٥ .
(٧) المعارف لابن قتيبة : ٢٤٣ .
(٨) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٢٦ / ٤٦٠١ ; المناقب للكوفى : ٢ / ٤٠١ / ٨٧٨ عن حبة بن جوين نحوه .

 ١٠٠ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته / محمّد بن مسلمة

١٣٣٧ ـ مروج الذهب عن ابن عائشة وغيره ـ بعد أن مدح سعدٌ عليّاً  ¼ وذكر له خصالاً ، وتمنّي أن تكون واحدة من هذه الخصال له ـ : قال [معاوية] له : اقعد حتي تسمع جواب ما قلتَ ، ما كنتَ عندى قطّ ألأم منك الآن ، فهلاّ نصرتَه ، ولِمَ قعدتَ عن بيعته ؟ ! فإنّى لو سمعتُ من النبىّ  ½ مثل الذى سمعتَ فيه لكنتُ خادماً لعلىّ ما عشتُ . فقال سعد : والله إنّى لاَحقّ بموضعك منك . فقال معاوية : يأبي عليك ذلك بنو عذرة ، وكان سعد ـ فيما يقال ـ لرجل من بنى عذرة(١) .

راجع : القسم التاسع / علىّ عن لسان أصحاب النبىّ / سعد بن أبى وقّاص .

١ / ١٠ ـ ٣

محمّد بن مسلمة

من أصحاب رسول الله  ½ ، وقد شهد حروبه كلّها(٢) ، إلاّ تبوك(٣) . وبعد النبىّ  ½ كان مع عمر لمّا دخلوا بيت فاطمة (ع) . وهو الذى كسر سيف الزبير(٤) . ويقال : إنّه اشترك فى قتل سعد بن عبادة(٥) .

وكان صاحب العمّال أيّام عمر . كان عمر إذا شُكىَ إليه عاملٌ أرسل محمّداً يكشف الحال(٦) .


(١) مروج الذهب : ٣ / ٢٤ .
(٢) الطبقات الكبري : ٣ / ٤٤٣ ، سير أعلام النبلاء : ٢ / ٣٦٩ / ٧٧ ، اُسد الغابة : ٥ / ١٠٧ / ٤٧٦٨ ، الإصابة : ٦ / ٢٨ / ٧٨٢٢ ، الاستيعاب : ٣ / ٤٣٣ / ٢٣٧٢ .
(٣) اُسد الغابة : ٥ / ١٠٧ / ٤٧٦٨ ، الطبقات الكبري : ٣ / ٤٤٣ ، الإصابة : ٦ / ٢٨ / ٧٨٢٢ .
(٤) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٨ ، السنن الكبري : ٨ / ٢٦٣ / ١٦٥٨٧ ; قاموس الرجال : ٨ / ٣٨٨ .
(٥) الاحتجاج : ١ / ١٨٠ / ٣٦ .
(٦) اُسد الغابة : ٥ / ١٠٧ / ٤٧٦٨ ، الإصابة : ٦ / ٢٩ / ٧٨٢٢ .


إرجاعات 
٣١٤ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل السادس : عليّ عن لسان أصحاب النبيّ / سَعدُ بنُ أبي وَقَّاص

 ١٠١ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته / اُسامة بن زيد

وبعد قتل عثمان أبي عن بيعة الإمام علىّ  ¼ وسمّاه "فتنة" ، واعتزل ، واتخذ سيفاً من خشب(١) .

قُتل بيد رجل من أهل الاُردن ، لقعوده عن الإمام علىّ  ¼ ومعاوية(٢) .

١ / ١٠ ـ ٤

اُسامة بن زيد

مولي رسول الله  ½ (٣) ، واُمّه اُم أيمن حاضنة رسول الله  ½ (٤) . استعمله النبىّ  ½ فى آخر أيّام حياته وهو ابن ثمانى عشرة سنة(٥) ، وفى جيشه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة .

وكان مكرّماً معزّزاً فى زمن الخلفاء ، ففرض عمر بن الخطّاب له خمسة آلاف ، فى الوقت الذى فرض لابنه عبد الله بن عمر ألفين(٦) .

لكنّه لم يبايع الإمام عليّاً  ¼ ، واعتذر عن ذلك بمعاذير(٧) . وقد ورد فى بعض النصوص أنّ الإمام  ¼ قبل عذره(٨) .


(١) الطبقات الكبري : ٣ / ٤٤٥ ، سير أعلام النبلاء : ٢ / ٣٦٩ / ٧٧ ، اُسد الغابة : ٥ / ١٠٧ / ٤٧٦٨ ، الإصابة : ٦ / ٢٩ / ٧٨٢٢ ، الاستيعاب : ٣ / ٤٣٤ / ٢٣٧٢ .
(٢) سير أعلام النبلاء : ٢ / ٣٧٣ / ٧٧ ، الإصابة : ٦ / ٢٩ / ٧٨٢٢ .
(٣) رجال الطوسى : ٢١ / ١ ; سير أعلام النبلاء : ٢ / ٤٩٧ / ١٠٤ ، اُسد الغابة : ١ / ١٩٥ / ٨٤ .
(٤) سير أعلام النبلاء : ٢ / ٤٩٨ / ١٠٤ ، اُسد الغابة : ١ / ١٩٥ / ٨٤ .
(٥) سير أعلام النبلاء : ٢ / ٥٠٠ / ١٠٤ ، اُسد الغابة : ١ / ١٩٥ / ٨٤ ، الطبقات الكبري : ٢ / ١٩٠ .
(٦) اُسد الغابة : ١ / ١٩٥ و١٩٦ / ٨٤ .
(٧) اُسد الغابة : ١ / ١٩٦ / ٨٤ .
(٨) رجال الكشّى : ١ / ١٩٧ / ٨٢ .

 ١٠٢ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته / حسّان بن ثابت

وقد ورد عن الإمام الباقر  ¼ أنّه قال : قد رجع ; فلا تقولوا إلاّ خيراً(١) .

مات اُسامة ، وكفّنه الإمام الحسن  ¼ فى بُرد أحمر حبرة(٢) .

١ / ١٠ ـ ٥

حسّان بن ثابت

صاحب الرسول الأعظم  ½ ، وشاعره(٣) الذى قال له : "لا تزال يا حسان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتَنا بلسانك"(٤) . ومن شعراء الأنصار الذين هجوا مشركى قريش . وهو الذى نظم حديث الغدير(٥) .

وكان من أجبن الناس ، فلم يشهد حرباً من حروب النبىّ  ½ (٦) .

وكان عثمانيّاً ، منحرفاً عن الإمام علىّ  ¼ (٧) .

لم يشهد بيعة الإمام  ¼ ولا حرباً من حروبه ، ولم يقُل شعراً فى مدحه بعد خلافته .

عاش ستّين فى الجاهلية ، وستّين فى الإسلام(٨) .


(١) رجال الكشّى : ١ / ١٩٥ / ٨١ .
(٢) الكافى : ٣ / ١٤٩ / ٩ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٩٦ / ٨٦٨ ، رجال الكشّى : ١ / ١٩٣ / ٨٠ . وعلي هذا ما جاء فى اُسد الغابة (١ / ١٩٦ / ٨٤) من أنّ اُسامة مات فى سنة ٥٤ أو ٥٨ أو ٥٩ ليس بصحيح لأنّ الإمام الحسن  ¼ استشهد فى سنة ٥٠ بعد الهجرة .
(٣) سير أعلام النبلاء : ٢ / ٥١٢ / ١٠٦ .
(٤)
(٥) (٤ و) الإرشاد : ١ / ١٧٧ ، خصائص الأئمّة (ع) : ٤٢ ، إعلام الوري : ١ / ٢٦٢ و٢٦٣ .
(٦) سير أعلام النبلاء : ٢ / ٥١٣ ـ ٥٢١ / ١٠٦ ، اُسد الغابة : ٢ / ٦ ـ ٩ / ١١٥٣ .
(٧) مروج الذهب : ٢ / ٣٥٦ ، أنساب الأشراف : ٣ / ١٦٤ ; الغارات : ١ / ٢٢١ .
(٨) سير أعلام النبلاء : ٢ / ٥١٢ / ١٠٦ ، اُسد الغابة : ٢ / ٩ / ١١٥٣ .

 ١٠٣ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الأوّل : بيعة النور / هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته / حسّان بن ثابت

١٣٣٨ ـ المستدرك علي الصحيحين عن عروة عن صفيّة بنت عبد المطّلب : أنا أوّل إمرأة قتلَت رجلاً ; كنتُ فى فارع(١) حصن حسّان بن ثابت وكان حسّان معنا فى النساء والصبيان حين خندق النبىّ  ½ ، قالت صفيّة : فمرّ بنا رجل من يهود ، فجعل يطيف بالحصن ، فقلت لحسّان : إنّ هذا اليهودى بالحصن كما تري ولا آمنه أن يدلّ علي عوراتنا ، وقد شُغل عنّا رسولُ الله  ½ وأصحابُه فقُم إليه فاقتُله . فقال : يغفر الله لكِ يا بنت عبد المطلب ، والله لقد عرفتِ ما أنا بصاحب هذا ! قالت صفيّة : فلمّا قال ذلك ولم أرَ عنده شيئاً احتجزتُ ، وأخذتُ عموداً من الحصن ، ثمّ نزلتُ من الحصن إليه فضربتُه بالعمود حتي قتلتُه ، ثمّ رجعتُ إلي الحصن ، فقلتُ : يا حسّان انزل فاستلِبه ، فإنه لم يمنعنى أن أسلبه إلاّ أنّه رجل ! فقال : ما لى بسلبه من حاجة(٢) .


(١) فاِرع : هو حصن بالمدينة (معجم البلدان : ٤/٢٢٨) .
(٢) المستدرك علي الصحيحين : ٤ / ٥٦ / ٦٨٦٧ ، السنن الكبري : ٦ / ٥٠٢ / ١٢٧٧٢ ، المعجم الكبير : ٢٤ / ٣٢٢ / ٨٠٩ ، المعجم الأوسط : ٤ / ١١٦ / ٣٧٥٤ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ٣ / ٢٣٩ ، كنز العمّال : ١٣ / ٦٣٢ / ٣٧٦٠٠ نقلا عن ابن عساكر وكلّها نحوه .