١٠٥ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة
٢ / ١ ١٣٣٩ ـ شرح نهج البلاغة عن أبى جعفر الإسكافى : صعد [علىّ ¼ ] المنبر فى اليوم الثانى من يوم البيعة وهو يوم السبت لإحدي عشرة ليلة بقينَ من ذى الحجة ، فحمد الله وأثني عليه ، وذكر محمّداً فصلّي عليه ، ثمّ ذكر نعمة الله علي أهل الإسلام ، ثمّ ذكر الدنيا فزهّدهم فيها ، وذكر الآخرة فرغّبهم إليها ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّه لمّا قُبِضَ رسول الله ½ استخلف الناس أبا بكر ، ثمّ استخلف أبو بكر عمر فعمل بطريقه ، ثمّ جعلها شوري بين ستّة ، فأفضي الأمر منهم إلي عثمان ، فعمل ما أنكرتم وعرفتم ، ثمّ حُصِرَ وقُتِلَ ، ثمّ جئتمونى طائعين فطلبتم إلىّ ، وإنّما أنا رجل منكم ، لى ما لكم وعلىّ ما عليكم ، وقد فتح الله الباب بينكم وبين أهل القبلة ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، ولا يحمل هذا الأمر إلاّ أهل ١٠٦ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / صوت العدالة وصداها
الصبر والبصر والعلم بمواقع الأمر ، وإنّى حاملكم علي منهج نبيّكم ½ ومنفّذ فيكم ما اُمرت به ، إن استقمتم لى وبالله المستعان . ألا إنّ موضعى من رسول الله ½ بعد وفاته كموضعى منه أيّام حياته ، فامضوا لما تؤمرون به وقفوا عند ما تنهون عنه ، ولا تعجلوا فى أمر حتي نبيّنه لكم ، فإنّ لنا عن كلّ أمر تنكرونه عذراً . ألا وإنّ الله عالم من فوق سمائه وعرشه أنى كنت كارهاً للولاية علي اُمّة محمّد حتي اجتمع رأيكم علي ذلك ; لأنى سمعت رسول الله ½ يقول : "أيّما وال وَلِىَ الأمر من بعدى اُقيم علي حدّ الصراط ، ونشرت الملائكة صحيفته ; فإن كان عادلاً أنجاه الله بعدله ، وإن كان جائراً انتفض به الصراط حتي تتزايل مفاصله ، ثمّ يهوى إلي النار ; فيكون أوّل ما يتّقيها به أنفه وحرّ وجهه" ولكنى لمّا اجتمع رأيكم لم يسعنى ترككم . ثم التفت ¼ يميناً وشمالاً فقال : ألا لا يقولنّ رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا فاتّخذوا العقار ، وفجّروا الأنهار ، وركبوا الخيول الفارهة ، واتّخذوا الوصائف الروقة(١) فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً ، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه وأصرتهم إلي حقوقهم التى يعلمون ، فينقمون ذلك ويستنكرون ويقولون : حرمنا ابن أبى طالب حقوقنا . ألا وأيّما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله ½ يري أنّ الفضل له علي من سواه لصحبته ، فإنّ الفضل النيّر غداً عند الله ، وثوابه وأجره علي الله ، وأيّما رجل استجاب لله وللرسول فصدق ملّتنا ودخل فى ديننا (١) الرّوقة : الجميل جدّاً من الناس (لسان العرب : ١٠ / ١٣٤) . ١٠٧ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / صوت العدالة وصداها
واستقبل قبلتنا ، فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده ، فأنتم عباد الله ، والمال مال الله يقسم بينكم بالسويّة ، لا فضل فيه لأحد علي أحد ، وللمتّقين عند الله غداً أحسن الجزاء وأفضل الثواب ، لم يجعل الله الدنيا للمتّقين أجراً ولا ثواباً وما عند الله خير للأبرار . وإذا كان غداً إن شاء الله فاغدوا علينا فإنّ عندنا مالاً نقسمه فيكم ، ولا يتخلّفنّ أحد منكم عربى ولا عجمى ، كان من أهل العطاء أو لم يكن إلاّ حضر إذا كان مسلماً حرّاً . أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم . ثمّ نزل . قال شيخنا أبو جعفر : وكان هذا أوّل ما أنكروه من كلامه ¼ ، وأورثهم الضغن عليه ، وكرهوا إعطاءه وقَسمه بالسويّة . فلمّا كان من الغد غدا وغدا الناس لقبض المال ، فقال لعبيد الله بن أبى رافع كاتبه : اِبدأ بالمهاجرين فنادهم وأعط كلّ رجل ممّن حضر ثلاثة دنانير ، ثمّ ثنّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك ، ومن يحضر من الناس كلّهم الأحمر والأسود فاصنع به مثل ذلك . فقال سهل بن حنيف : يا أمير المؤمنين ، هذا غلامى بالأمس وقد أعتقتُه اليوم ، فقال : نعطيه كما نعطيك ، فأعطي كلّ واحد منهما ثلاثة دنانير ، ولم يفضّل أحداً علي أحد ، وتخلّف عن هذا القَسم يومئذ : طلحة والزبير وعبد الله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم ورجال من قريش وغيرها . قال : وسمع عبيد الله بن أبى رافع عبد الله بن الزبير يقول لأبيه وطلحة ومروان وسعيد : ما خفى علينا أمسِ من كلام علىّ ما يريد ، فقال سعيد بن العاص والتفت إلي زيد بن ثابت : إيّاك أعنى واسمعى يا جارة ، فقال عبيد الله بن أبى رافع لسعيد وعبد الله بن الزبير : إنّ الله يقول فى كتابه ³ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ² (١) . (١) الزخرف : ٧٨ . ١٠٨ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / صوت العدالة وصداها
ثمّ إنّ عبيد الله بن أبى رافع أخبر عليّاً ¼ بذلك فقال : والله إن بقيتُ وسلمتُ لهم لأقيمنّهم علي المحجّة البيضاء والطريق الواضح . قاتل الله ابن العاص ، لقد عرف من كلامى ونظرى إليه أمسِ أنّى اُريده وأصحابه ممّن هلك فيمن هلك . قال : فبينا الناس فى المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير وطلحة فجلسا ناحية عن علىّ ¼ ، ثمّ طلع مروان وسعيد وعبد الله بن الزبير فجلسوا إليهما ، ثمّ جاء قوم من قريش فانضمّوا إليهم ، فتحدّثوا نجيّاً ساعة ، ثمّ قام الوليد بن عقبة بن أبى معيط فجاء إلي علىٍّ ¼ فقال : يا أبا الحسن ، إنّك قد وترتنا(١) جميعاً ، أمّا أنا فقتلتَ أبى يوم بدر صبراً ، وخذلتَ أخى يوم الدار بالأمس ، وأمّا سعيد فقتلتَ أباه يوم بدر فى الحرب وكان ثور قريش ، وأمّا مروان فسخّفتَ أباه عند عثمان إذ ضمّه إليه ، ونحن إخوتك ونظراؤك من بنى عبد مناف ، ونحن نبايعك اليوم علي أن تضع عنّا ما أصبناه من المال فى أيّام عثمان ، وأن تقتل قتلته ، وإنّا إن خفناك تركناك فالتحقنا بالشام . فقال : أمّا ما ذكرتم من وترى إيّاكم فالحقّ وتركم ، وأمّا وضعى عنكم ما أصبتم فليس لى أن أضع حقّ الله عنكم ولا عن غيركم ، وأمّا قتلى قتلة عثمان فلو لزِمَنى قتلُهم اليوم لقتلتهم أمس ، ولكن لكم علىّ إن خفتمونى أن اُؤمّنكم وإن خفتُكم أن اُسيّركم . فقام الوليد إلي أصحابه فحدّثهم ، وافترقوا علي إظهار العداوة وإشاعة الخلاف . فلمّا ظهر ذلك من أمرهم ، قال عمّار بن ياسر لأصحابه : قوموا بنا إلي هؤلاء النفر من إخوانكم فإنّه قد بلغنا عنهم ورأينا منهم ما نكره من الخلاف ١٠٩ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / صوت العدالة وصداها
والطعن علي إمامهم ، وقد دخل أهل الجفاء بينهم وبين الزبير والأعسر العاقّ ـ يعنى طلحة ـ . فقام أبو الهيثم وعمّار وأبو أيّوب وسهل بن حنيف وجماعة معهم ، فدخلوا علي علىّ ¼ فقالوا : يا أمير المؤمنين انظر فى أمرك وعاتب قومك هذا الحىّ من قريش ، فإنّهم قد نقضوا عهدك وأخلفوا وعدك ، وقد دعونا فى السرّ إلي رفضك ، هداك الله لرشدك ، وذاك لأنّهم كرهوا الاُسوة وفقدوا الأثرة ، ولمّا آسيتَ بينهم وبين الأعاجم أنكروا واستشاروا عدوّك وعظّموه ، وأظهروا الطلب بدم عثمان فرقةً للجماعة وتألّفاً لأهل الضلالة ، فرأيك ! فخرج علىّ ¼ فدخل المسجد وصعد المنبر مرتدياً بطاق مؤتزراً ببُرد قطرى ، متقلّداً سيفاً متوكّئاً علي قوس ، فقال : أمّا بعد ، فإنّا نحمد الله ربّنا وإلهنا ووليّنا وولىّ النعم علينا ، الذى أصبحت نعمه علينا ظاهرة وباطنة ، امتناناً منه بغير حول منّا ولا قوّة ، ليبلونا أ نشكر أم نكفر فمن شكر زاده ومن كفر عذّبه ، فأفضل الناس عند الله منزلة وأقربهم من الله وسيلة أطوعهم لأمره ، وأعملهم بطاعته ، وأتبعهم لسنّة رسوله ، وأحياهم لكتابه ، ليس لأحد عندنا فضل إلاّ بطاعة الله وطاعة الرسول . هذا كتاب الله بين أظهرنا ، وعهد رسول الله وسيرته فينا ، لا يجهل ذلك إلاّ جاهل عاند عن الحق منكر ، قال الله تعالي : ³ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائـِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ² (١) . ثمّ صاح بأعلي صوته : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولّيتم فإنّ الله لا يحبّ الكافرين . (١) الحجرات : ١٣ . ١١٠ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / صوت العدالة وصداها
ثم قال : يا معشر المهاجرين والأنصار ، أ تمنّون علي الله ورسوله بإسلامكم بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين(١) . ثمّ قال : أنا أبو الحسن ـ وكان يقولها إذا غضب ـ ثمّ قال : ألا إنّ هذه الدنيا التى أصبحتم تمنّونها وترغبون فيها ، وأصبحت تُغضبكم وتُرضيكم ، ليست بداركم ولا منزلكم الذى خلقتم له ، فلا تغرّنّكم فقد حذّرتكموها ، واستتمّوا نعم الله عليكم بالصبر لأنفسكم علي طاعة الله والذلّ لحكمه جلّ ثناؤه ، فأمّا هذا الفىء فليس لأحد علي أحد فيه أثرة ، وقد فرغ الله من قسمته فهو مال الله ، وأنتم عباد الله المسلمون ، وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا ، وعهدُ نبيّنا بين أظهرنا ، فمن لم يرضَ به فليتولّ كيف شاء ، فإنّ العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه . ثمّ نزل عن المنبر فصلّي ركعتين ، ثمّ بعث بعمّار بن ياسر وعبد الرحمن بن حسل القرشى إلي طلحة والزبير وهما فى ناحية المسجد ، فأتياهما فدعواهما فقاما حتي جلسا إليه ¼ . فقال لهما : نشدتكما الله هل جئتمانى طائعين للبيعة ، ودعوتمانى إليها وأنا كاره لها ؟ قالا : نعم . فقال : غير مجبرَين ولا مقسورَين ، فأسلمتما لىّ بيعتكما وأعطيتمانى عهدكما . قالا : نعم . ١١١ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / صوت العدالة وصداها
قال : فما دعاكما بعد إلي ما أري ؟ قالا : أعطيناك بيعتنا علي ألاّ تقضى الاُمور ولا تقطعها دوننا ، وأن تستشيرنا فى كلّ أمر ، ولا تستبدّ بذلك علينا ، ولنا من الفضل علي غيرنا ما قد علمت ، فأنت تقسم القَسم وتقطع الأمر ، وتمضى الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا . فقال : لقد نقمتما يسيراً ، وأرجأتما كثيراً ، فاستغفرا الله يغفر لكما . أ لا تُخبراننى ، أ دفعتكما عن حقّ وجب لكما فظلمتكما إيّاه ؟ قالا : معاذ الله ! قال : فهل استأثرت من هذا المال لنفسى بشىء ؟ قالا : معاذ الله ! قال : أ فوقع حكم أو حقّ لأحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه ؟ قالا : معاذ الله ! قال : فما الذى كرهتما من أمرى حتي رأيتما خلافى ؟ قالا : خلافك عمر بن الخطاب فى القَسم ، إنّك جعلت حقّنا فى القَسم كحقّ غيرنا ، وسوّيت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما أفاء الله تعالي علينا بأسيافنا ورماحنا ، وأوجفنا عليه بخيلنا ورجلنا ، وظهرت عليه دعوتنا ، وأخذناه قسراً قهراً ممّن لا يري الإسلام إلاّ كرها . فقال : فأمّا ما ذكرتماه من الاستشارة بكما ، فو الله ما كانت لى فى الولاية رغبة ، ولكنّكم دعوتمونى إليها وجعلتمونى عليها ، فخفتُ أن أردّكم فتختلف الاُمّة ، فلمّا أفضت إلىّ نظرتُ فى كتاب الله وسنّة رسوله فأمضيت ما دلاّنى عليه واتّبعته ، ولم أحتج إلي آرائكما فيه ولا رأى غيركما ، ولو وقع حكم ليس فى ١١٢ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / صوت العدالة وصداها
كتاب الله بيانه ولا فى السنّة برهانه ، واحتيج إلي المشاورة فيه لشاورتكما فيه . وأمّا القَسم والاُسوة ، فإنّ ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء ، قد وجدت أنا وأنتما رسول الله ½ يحكم بذلك ، وكتاب الله ناطق به ، وهو الكتاب الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد . وأمّا قولكما : جعلت فيئنا وما أفاءته سيوفنا ورماحنا سواء بيننا وبين غيرنا ، فقديماً سبق إلي الإسلام قوم ونصروه بسيوفهم ورماحهم فلم يفضّلهم رسول الله ½ فى القَسم ولا آثرهم بالسبق ، والله سبحانه موف السابق والمجاهد يوم القيامة أعمالهم ، وليس لكما والله عندى ولا لغيركما إلاّ هذا ، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلي الحقّ وألهمنا وإيّاكم الصبر . ثمّ قال : رحم الله امرأً رأي حقّاً فأعان عليه ، ورأي جوراً فردّه ، وكان عوناً للحقّ علي من خالفه . قال شيخنا أبو جعفر : وقد روى أنّهما قالا له وقت البيعة : نبايعك علي أنّا شركاؤك فى هذا الأمر . فقال لهما : لا ، ولكنّكما شريكاى فى الفىء ، لا أستأثر عليكما ولا علي عبد حبشى مجدّع(١) بدرهم فما دونه ، لا أنا ولا ولداى هذان ، فإن أبيتما إلاّ لفظ الشركة ، فأنتما عونان لى عند العجز والفاقة ، لا عند القوّة والاستقامة . قال أبو جعفر : فاشترطا ما لا يجوز فى عقد الأمانة ، وشرط ¼ لهما ما يجب فى الدين والشريعة . قال : وقد روى أيضاً أنّ الزبير قال فى ملأ من الناس : هذا جزاؤنا من علىّ ! قمنا له فى أمر عثمان حتي قتل ، فلمّا بلغ بنا ما أراد جعل فوقنا من كنّا فوقه . (١) الجَدْع : قطع الأنف والاُذن والشفة ، وهو بالأنف أخصّ فإذا اُطلق غلب عليه (النهاية : ١ / ٢٤٦) . ١١٣ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / صوت العدالة وصداها
وقال طلحة : ما اللوم إلاّ علينا ، كنّا معه أهل الشوري ثلاثة فكرهه أحدنا ـ يعنى سعداً ـ وبايعناه فأعطيناه ما فى أيدينا ومنعَنا ما فى يده ، فأصبحنا قد أخطأنا اليوم ما رجوناه أمس ، ولا نرجو غداً ما أخطأنا اليوم . فإن قلت : فإنّ أبا بكر قَسم بالسواء كما قسمه أمير المؤمنين ¼ ، ولم ينكروا ذلك كما أنكروه أيام أمير المؤمنين ¼ ، فما الفرق بين الحالتين ؟ قلت : إنّ أبا بكر قَسم محتذياً لقَسم رسول الله ½ ، فلمّا وَلىَ عمر الخلافة وفضّل قوماً علي قوم ألفوا ذلك ونسوا تلك القسمة الاُولي ، وطالت أيام عمر ، وأشربت قلوبهم حبّ المال وكثرة العطاء ، وأمّا الذين اهتضموا فقنعوا ومرنوا علي القناعة ، ولم يخطر لأحد من الفريقين له أنّ هذه الحال تنتقض أو تتغيّر بوجه ما ، فلمّا وَلىَ عثمان أجري الأمر علي ما كان عمر يجريه ، فازداد وثوق القوم بذلك ، ومن ألف أمراً أشقّ عليه فراقه ، وتغيير العادة فيه ، فلمّا وَلىَ أمير المؤمنين ¼ أراد أن يردّ الأمر إلي ما كان فى أيام رسول الله ½ وأبى بكر ، وقد نُسى ذلك ورفض وتخلّل بين الزمانين اثنتان وعشرون سنة ، فشقّ ذلك عليهم ، وأنكروه وأكبروه حتي حدث ما حدث من نقض البيعة ومفارقة الطاعة ، ولله أمر هو بالغه(١) . ١٣٤٠ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى أوّل خطبة خطبها بعد بيعة الناس له علي الأمر ، وذلك بعد قتل عثمان ـ : أمّا بعد ، فلا يُرعينّ مُرع إلاّ علي نفسه ، شُغل عن الجنّة مَن النار أمامه ، ساع مجتهدٌ ، وطالبٌ يرجو ، ومقصّرٌ فى النار ، ثلاثة ، واثنان : ملَكٌ طار بجناحيه ، ونبىٌّ أخذ الله بضَبعيه(٢) ، لا سادس . (١) شرح نهج البلاغة : ٧ / ٣٦ ; بحار الأنوار : ٣٢ / ١٦ / ٧ وراجع نهج البلاغة : الخطبة ٢٠٥ والمعيار والموازنة : ١٠٩ والأمالى للطوسى : ٧٢٧ / ١٥٣٠ . ١١٤ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / صوت العدالة وصداها
هلك من ادّعي ، ورَدِى من اقتحم . اليمين والشمال مضلّة ، والوسطي الجادّة ، منهج عليه باقى الكتاب والسنّة وآثار النبوّة . إنّ الله تعالي داوي هذه الاُمّة بدواءين : السوط والسيف ، لا هوادة عند الإمام ، فاستتروا ببيوتكم ، وأصلحوا فيما بينكم ، والتوبة من ورائكم ، من أبدي صفحته للحقّ هلك . قد كانت اُمور لم تكونوا عندى فيها معذورين ، أما إنّى لو أشاء أن أقول لقلت ، عفا الله عمّا سلف ، سبق الرجلان ، وقام الثالث كالغراب همّته بطنه ، وَيلَهُ لو قُصّ جناحاه وقُطع رأسه لكان خيراً له . انظروا فإن أنكرتم فأنكروا ، وإن عرفتم فبادروا ، حقّ وباطل ولكلٍّ أهل ، ولئن أمِرَ(١) الباطل لقديماً فعل ، ولئن قلّ الحقّ فلرُبّما ولعلّ ، ولَقلّ ما أدبر شىء فأقبل ، ولئن رجعت إليكم نفوسُكم إنّكم لسعداء ، وإنّى لأخشي أن تكونوا فى فترة ، وما علىَّ إلاّ الاجتهاد . ألا إنّ أبرارَ عترتى وأطايب أرومتى ، أحلمُ الناس صِغاراً ، وأعلمُ الناس كباراً ، ألا وإنّا أهل بيت من علم الله علمنا ، وبحكم الله حكمنا ، وبقول صادق أخذنا ، فإن تَتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا ، وإن لم تفعلوا يُهلككم الله بأيدينا ، معنا راية الحقّ ، من تبعها لَحِق ، ومن تأخّر عنها غرق ، ألا وبنا تُدرك تِرَةُ(٢) كلّ مؤمن ، وبنا تُخلع رِبقَةُ الذلّ من أعناقكم ، وبنا فُتح لا بكم ، وبنا يُختم لا بكم(٣) . (١) أمِرَ الشىء : كَثُر وتمّ (لسان العرب : ٤ / ٣١) . ١١٥ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / صوت العدالة وصداها
١٣٤١ ـ عنه ¼ ـ من كلامه لمّا بويع فى المدينة ـ : ذمّتى بما أقول رهينة ، وأنا به زعيم ، إنّ من صرّحت له العبر عمّا بين يديه من المثلات ، حجزته التقوي عن تقحّم الشبهات ، ألا وإنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيّه ½ ، والذى بعثه بالحقّ لَتُبَلبَلُنّ بَلبلةً ، وَلَتُغربَلُنّ غَربلةً ، وَلَتُساطُنّ سوطَ القِدر(١) ، حتي يعود أسفلُكم أعلاكم ، وأعلاكم أسفلَكم ، وَلَيسبِقنّ سابقون كانوا قصّروا ، وَلَيُقصّرَنّ سبّاقون كانوا سبقوا . والله ما كتمتُ وشمة(٢) ، ولا كذبتُ كذبة ، ولقد نُبّئتُ بهذا المقام وهذا اليوم . ألا وإنّ الخطايا خيل شُمُس حُمل عليها أهلُها ، وخُلِعت لُجُمُها ، فتقحّمت بهم فى النار . ألا وإنّ التقوي مطايا ذُلُل ، حُمل عليها أهلُها ، واُعطوا أزِمّتَها ، فأوردتهم الجنّة . حقّ وباطل ، ولكلٍّ أهل ، فلئن أمِرَ الباطل لَقديماً فعل ، ولئن قلّ الحقّ فلربّما ولعلّ ، ولَقلّما أدبر شىء فأقبل !(٣) (١) ساطَ الشىء سوطاً : خاضَه وخلَطه وأكثرَ ذلك . وخصّ بعضهم به القِدر إذا خُلِط ما فيها (لسان العرب : ٧ / ٣٢٥) . ١١٦ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / عزل عمّال عثمان
١٣٤٢ ـ عنه ¼ ـ من كلام له بعدما بويع بالخلافة ، وقد قال له قوم من الصحابة : لو عاقبت قوماً ممّن أجلب علي عثمان ؟ : يا إخوتاه ! إنى لست أجهل ما تعلمون ، ولكن كيف لى بقوة والقوم المُجلبون(١) علي حدّ شوكتهم ، يملكوننا ولا نملكهم ؟ ! وهاهم هؤلاء قد ثارت معهم عِبدانكم ، والتفّت إليهم أعرابكم ، وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا . وهل ترون موضعاً لقدرة علي شىء تريدونه ؟ ! إنّ هذا الأمر أمر جاهلية . وإنّ لهؤلاء القوم مادة . إنّ الناس من هذا الأمر ـ إذا حُرّك ـ علي أمور : فرقة تري ما ترون ، وفرقة تري ما لا ترون ، وفرقة لا تري هذا ولا ذاك ، فاصبروا حتي يهدأ الناس ، وتقع القلوب مواقعها ، وتؤخذ الحقوق مسمحة ، فاهدؤوا عنّى ، وانظروا ماذا يأتيكم به أمرى ، ولا تفعلوا فَعلة تُضعضع قوةً ، وتُسقط مُنَّةً ، وتورث وهناً وذلّةً . وساُمسك الأمر ما استمسك . وإذا لم أجد بُدًّا فآخر الدواء الكىّ(٢) . ٢ / ٢ ١٣٤٣ ـ تاريخ اليعقوبى : عزل علىّ عمّال عثمان عن البلدان خلا أبى موسي الأشعرى ، كلّمه فيه الأشتر فأقرّه(٣) . ١٣٤٤ ـ الاختصاص : اجتمع الناس عليه جميعاً ، فقالوا له : اكتب يا أمير المؤمنين (١) يقال : أجلَبوا عليه ; إذا تجمّعوا وتألّبوا (النهاية : ١ / ٢٨٢) . ١١٧ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / عزل عمّال عثمان
إلي من خالفك بولايته ثمّ اعزله ، فقال : المكر والخديعة والغدر فى النار(١) . ١٣٤٥ ـ الأمالى للطوسى عن سحيم : لمّا بويع أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ¼ ، بلغه أنّ معاوية قد توقّف عن إظهار البيعة له ، وقال : إن أقرّنى علي الشام وأعمالى التى ولاّنيها عثمان بايعته ، فجاء المغيرة إلي أمير المؤمنين ¼ فقال له : يا أمير المؤمنين ، إنّ معاوية من قد عرفت ، وقد ولاّه الشام من قد كان قبلك ، فولّه أنت كيما تتّسق عري الاُمور ، ثمّ اعزله إن بدا لك . فقال أمير المؤمنين ¼ : أ تضمن لى عمرى يا مغيرة فيما بين توليته إلي خلعه ؟ قال : لا . قال : لا يسألنى الله عزّ وجلّ عن توليته علي رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبداً ³ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ² (٢) لكن أبعث إليه وادعوه إلي ما فى يدى من الحقّ ، فإن أجاب فرجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، وإن أبي حاكمته إلي الله . فولّي المغيرة وهو يقول : فحاكمه إذن ، وأنشأ يقول :
(١) الاختصاص : ١٥٠ ، بحار الأنوار : ٤٠ / ١٠٥ . ١١٨ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / عزل عمّال عثمان
١٣٤٦ ـ تاريخ الطبرى عن ابن عبّاس : دعانى عثمان فاستعملنى علي الحجّ ، فخرجت إلي مكّة فأقمت للناس الحجّ ، وقرأت عليهم كتاب عثمان إليهم ، ثمّ قدمت المدينة وقد بويع لعلىّ ، فأتيته فى داره فوجدت المغيرة بن شعبة مستخلياً به ، فحبسنى حتي خرج من عنده ، فقلت : ماذا قال لك هذا ؟ فقال : قال لى قبل مرّته هذه : أرسل إلي عبد الله بن عامر وإلي معاوية وإلي عمّال عثمان بعهودهم تقرّهم علي أعمالهم ويبايعون لك الناس ، فإنّهم يهدِّئون البلاد ويسكّنون الناس ، فأبيت ذلك عليه يومئذ وقلت : والله لو كان ساعة من نهار لاجتهدتُ فيها رأيى ، ولا ولّيتُ هؤلاء ولا مثلُهم يُولَّي(١) . قال : ثمّ انصرف من عندى وأنا أعرف فيه أنّه يري أنّى مخطئ ، ثمّ عاد إلى الآن فقال : إنّى أشرتُ عليك أوّل مرّة بالذى أشرتُ عليك وخالفتنى فيه ، ثمّ رأيتُ بعد ذلك رأياً ، وأنا أري أن تصنع الذى رأيتَ فتنزعهم وتستعين بمن تثق به ، فقد كفي الله ، وهم أهون شوكةً مما كان . قال ابن عبّاس : فقلت لعلىّ : أمّا المرّة الاُولي فقد نصحك ، وأمّا المرّة الآخرة فقد غشّك . قال له علىّ : ولِمَ نصحنى ؟ قال ابن عبّاس : لأنّك تعلم أنّ معاوية وأصحابه أهل دنيا فمتي تثبتهم لا يبالوا بمن ولى هذا الأمر ، ومتي تعزلهم يقولوا : أخذ هذا الأمر بغير شوري وهو قتلَ صاحبَنا ، ويؤلّبون عليك فينتقض عليك أهل الشام وأهل العراق ، مع أنّى لا آمن طلحة والزبير أن يكرّا عليك . (١) وفى الكامل فى التاريخ : "فأبيت عليه ذلك وقلت : لا اُداهن فى دينى ، ولا اُعطى الدنيّة فى أمرى" . ١١٩ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / عزل عمّال عثمان
فقال علىّ : أمّا ما ذكرتَ من إقرارهم ، فو الله ما أشكّ أنّ ذلك خير فى عاجل الدنيا لإصلاحها ، وأمّا الذى يلزمنى من الحقّ والمعرفة بعمّال عثمان فو الله لا اُولّى منهم أحداً أبداً ، فإن أقبلوا فذلك خير لهم ، وإن أدبروا بذلتُ لهم السيف . قال ابن عبّاس : فأطعنى وادخل دارك والحق بمالك بينبع(١) وأغلق بابك عليك ، فإنّ العرب تجول جولة وتضطرب ولا تجد غيرك ، فإنّك والله لئن نهضت مع هؤلاء اليوم ليُحمِّلنّك الناس دمَ عثمان غداً . فأبي علىّ ، فقال لابن عبّاس : سر إلي الشام فقد ولّيتُكها . فقال ابن عبّاس : ما هذا برأى ، معاوية رجل من بنى اُمية وهو ابن عمّ عثمان وعامله علي الشام ، ولستُ آمن أن يضرب عنقى لعثمان أو أدني ما هو صانع أن يحبسنى فيتحكّم علىّ . فقال له علىّ : ولِمَ ؟ قال : لقرابة ما بينى وبينك ، وإنّ كلّ ما حمل عليك حمل علىّ ، ولكن اكتب إلي معاوية فمنّه وعِده . فأبي علىّ وقال : والله لا كان هذا أبداً(٢) . ١٣٤٧ ـ شرح نهج البلاغة عن المدائنى ـ فى ذكر مجلس حضر فيه ابن عبّاس ومعاوية : فقال المغيرة بن شعبة : أما والله لقد أشرتُ علي علىٍّ بالنصيحة فآثر رأيه ، ومضي علي غلوائه ، فكانت العاقبة عليه لا له ، وإنّى لأحسب أن خلقه يقتدون بمنهجه . (١) يَنْبُع : بليدة بالقرب من المدينة ، بها عيون وحضر وحصن (تقويم البلدان : ٨٩) . ١٢٠ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / استرداد أموال بيت المال
فقال ابن عبّاس : كان والله أمير المؤمنين ¼ أعلم بوجوه الرأى ، ومعاقد الحزم ، وتصريف الاُمور ، من أن يقبل مشورتك فيما نهي الله عنه ، وعنّف عليه ، قال سبحانه : ³ لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . . . ² (١) ، ولقد وقفك علي ذكر مبين ، وآية متلوّة ; قوله تعالي : ³ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ² (٢) . وهل كان يسوغ له أن يحكّم فى دماء المسلمين وفىء المؤمنين ، من ليس بمأمون عنده ، ولا موثوق به فى نفسه ؟ هيهات هيهات ! هو أعلم بفرض الله وسنّة رسوله أن يبطن خلاف ما يظهر إلاّ للتقية ، ولات حين تقيّة ! مع وضوح الحقّ ، وثبوت الجنان ، وكثرة الأنصار ، يمضى كالسيف المصلت فى أمر الله ، مؤثراً لطاعة ربّه ، والتقوي علي آراء أهل الدنيا(٣) . ٢ / ٣ ١٣٤٨ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كلام له فيما ردّه علي المسلمين من قطائع عثمان ـ : والله لو وجدتُه قد تُزوِّج به النساء ، ومُلك به الإماء ; لرددتُه ، فإنّ فى العدل سعة ، ومَن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق(٤) . ١٣٤٩ ـ شرح نهج البلاغة : هذه الخطبة ذكرها الكلبى مرويّةً مرفوعةً إلي (١) المجادلة : ٢٢ . ١٢١ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / تعذّر بعض الاصلاحات
أبى صالح عن ابن عبّاس : أنّ علياً ¼ خَطب فى اليوم الثانى من بيعته بالمدينة ، فقال : ألا إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان ، وكلّ مال أعطاهُ من مال الله ، فهو مردود فى بيت المال ، فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شىء ، ولو وجدتُه وقد تُزوِّج به النساء ، وفُرّق فى البلدان ، لرددتُه إلي حاله ; فإنّ فى العدل سعة ، ومَن ضاق عنه الحق فالجور عليه أضيق . وتفسير هذا الكلام : أنّ الوالى إذا ضاقت عليه تدبيرات أموره فى العدل ، فهى فى الجور أضيق عليه ; لأنّ الجائر فى مظنّة أن يُمنع ويُصدّ عن جوره . قال الكلبى : ثمّ أمر ¼ بكلّ سلاح وُجِد لعثمان فى داره ممّا تقوّي به علي المسلمين فقبض ، وأمر بقبض نجائب كانت فى داره من إبل الصدقة فقبضت ، وأمر بقبض سيفه ودرعه ، وأمر ألاّ يعرض لسلاح وُجِد له لم يقاتل به المسلمون ، وبالكفّ عن جميع أمواله التى وُجِدت فى داره وفى غير داره ، وأمر أن تُرتجع الأموال التى أجاز بها عثمان حيث اُصيبت أو اُصيب أصحابها . فبلغ ذلك عمرو بن العاص ، وكان بأيلة من أرض الشام ، أتاها حيث وثب الناس علي عثمان فنزلها ، فكتب إلي معاوية : ما كنت صانعاً فاصنع ، إذ قشرك ابن أبى طالب من كلّ مال تملكه كما تُقشر عن العصا لِحاها(١) . ٢ / ٤ ١٣٥٠ ـ الإمام علىّ ¼ : لو قد استوت قدماى من هذه المداحض لغيّرت أشياء(٢) . (١) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٦٩ . ١٢٢ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / تعذّر بعض الاصلاحات
١٣٥١ ـ الكافى عن سليم بن قيس : خطب أمير المؤمنين ¼ فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ صلّي علي النبىّ ½ ، ثمّ قال : ألا إنّ أخوف ما أخاف عليكم خلّتان : اتّباع الهوي ، وطول الأمل . أمّا اتّباع الهوي : فيصدّ عن الحقّ ، وأمّا طول الأمل : فينسى الآخرة ، ألا إنّ الدنيا قد ترحّلت مدبرة ، وإنّ الآخرة قد ترحّلت مقبلة ، ولكلّ واحدة بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا . فإنّ اليوم عمل ولا حساب ، وإنّ غداً حساب ولا عمل . وإنّما بدء وقوع الفتن من أهواء تتّبع وأحكام تبتدع ، يخالف فيها حكم الله ، يتولّي فيها رجال رجالاً ، ألا إنّ الحقّ لو خلص لم يكن اختلاف ، ولو أنّ الباطل خلص لم يخفَ علي ذى حجي . لكنّه يؤخذ من هذا ضغث(١) ومن هذا ضغث فيمزجان فيجلّلان معاً ، فهنالك يستولى الشيطان علي أوليائه ، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسني . إنّى سمعت رسول الله ½ يقول : كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ، ويهرم فيها الكبير ، يجرى الناس عليها ويتّخذونها سنّة ، فإذا غيّر منها شىء قيل : قد غيّرت السنّة ، وقد أتي الناس منكراً ! ثمّ تشتدّ البليّة وتسبي الذرّية ، وتدقّهم الفتنة كما تدقّ النار الحطب ، وكما تدقّ الرحا بثفالها(٢) ، ويتفقّهون لغير الله ، ويتعلّمون لغير العمل ، ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة . ثمّ أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصّته وشيعته ، فقال : قد عملت (١) الضِّغث : قبضة من قضبان مختلفة ، وقيل : هى الحُزمة من الحشيش (لسان العرب : ٢ / ١٦٤) . ١٢٣ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / تعذّر بعض الاصلاحات
الولاة قبلى أعمالاً خالفوا فيها رسول الله ½ متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسنّته ، ولو حملتُ الناس علي تركها وحوّلتها إلي مواضعها ، وإلي ما كانت فى عهد رسول الله ½ ، لتفرّق عنّى جندى حتي أبقي وحدى ، أو قليل من شيعتى الذين عرفوا فضلى وفرض إمامتى من كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسول الله ½ . أ رأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم ¼ فرددته إلي الموضع الذى وضعه فيه رسول الله ½ ، ورددت فدكَ إلي ورثة فاطمة (ع) ، ورددت صاع رسول الله ½ كما كان ، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله ½ لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ، ورددت دار جعفر إلي ورثته وهدمتها من المسجد ، ورددت قضايا من الجور قضى بها ، ونزعت نساءً تحت رجال بغير حقّ فرددتهنّ إلي أزواجهنّ ، واستقبلت بهنّ الحكم فى الفروج والأحكام ، وسبيت ذرارى بنى تغلب ، ورددت ما قسم من أرض خيبر ، ومحوت دواوين العطايا ، وأعطيت كما كان رسول الله ½ يعطى بالسويّة ، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء وألقيت المساحة ، وسوّيت بين المناكح ، وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عزّ وجلّ وفرضه ، ورددت مسجد رسول الله ½ إلي ما كان عليه ، وسددت ما فتح فيه من الأبواب ، وفتحت ما سدّ منه ، وحرّمت المسح علي الخفّين ، وحددت علي النبيذ ، وأمرت بإحلال المتعتين ، وأمرت بالتكبير علي الجنائز خمس تكبيرات ، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأخرجت من اُدخل مع رسول الله ½ فى مسجده ممّن كان رسول الله ½ أخرجه ، وأدخلت من اُخرج بعد رسول الله ½ ممّن كان رسول الله ½ أدخله ، وحملت الناس علي حكم القرآن وعلي الطلاق علي ١٢٤ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / تعذّر بعض الاصلاحات
السنّة ، وأخذت الصدقات علي أصنافها وحدودها ، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلي مواقيتها وشرائعها ومواضعها ، ورددت أهل نجران إلي مواضعهم ، ورددت سبايا فارس وسائر الاُمم إلي كتاب الله وسنّة نبيّه ½ ، إذاً لتفرّقوا عنّى . والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا فى شهر رمضان إلاّ فى فريضة ، وأعلمتهم أنّ اجتماعهم فى النوافل بدعة ، فتنادي بعض أهل عسكرى ممّن يقاتل معى : يا أهل الإسلام ، غيّرت سنّة عمر ، ينهانا عن الصلاة فى شهر رمضان تطوّعاً . ولقد خفت أن يثوروا فى ناحية جانب عسكرى ما لقيت من هذه الاُمّة من الفرقة ، وطاعة أئمّة الضلالة ، والدعاة إلي النار . وأعطيت(١) من ذلك سهم ذى القربي الذى قال الله عزّ وجلّ : ³ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَي الْجَمْعَانِ ² (٢) فنحن والله عني بذى القربي ، الذى قرننا الله بنفسه وبرسوله ½ فقال تعالي : ³ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ² (٣) فينا خاصّة ³ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ² (٤) فى ظلم آل محمّد ³ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ² (٥) لمن ظلمهم ، رحمة منه لنا وغني أغنانا الله به ووصّي به نبيّه ½ . ولم يجعل لنا فى سهم الصدقة نصيباً ، أكرم الله رسوله ½ وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس ، فكذّبوا الله وكذّبوا رسوله وجحدوا كتاب الله (١) كذا فى المصدر وفى الاحتجاج : "و أعظم" وهو الصحيح ظاهراً . ١٢٥ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام على / الفصل الثانى : الإصلاحات العلويّة / تعذّر بعض الاصلاحات
الناطق بحقّنا ، ومنعونا فرضاً فرضه الله لنا ، ما لقى أهل بيت نبىّ من اُمّته ما لقينا بعد نبيّنا ½ والله المستعان علي من ظلمنا ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلىّ العظيم(١) . |
||||||