٢٨٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين
٢ / ١ ولد فى سنة ٢٠ قبل الهجرة وأسلم سنة ٨ هـ مُكرهاً تحت بوارق فرسان الإسلام ، وعُرف هو وأضرابه بـ"الطُّلَقاء" . ولاّه عمر علي الشام ، فانتهج لنفسه اُسلوباً تحكّميّاً سلطويّاً ، وضرب علي وتر الاستقلال مذ نُصب والياً عليه ، وتساهل معه عمر لأسباب ما(١) . ٢٩٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان
وفى عهد عثمان ـ الذى كان يتطلّع إلي تسليط الاُمويّين علي الناس ـ لم يرعوِ معاوية عن ظلمه وجوره ، وتمرّغ فى ترفه ونعيمه ، بلا وازع من ضمير ، ولا رادع من سلطان . وإنّ إمارته التى استمرّت عشرين سنة ، وأساليبه فى تجهيل الناس وتحميقهم ، وبثّ الذعر والهلع فى نفوسهم ، وإبقائهم علي جهلهم ; كلّ اُولئك مهّد الأرضيّة لكلّ عمل يصبّ فى مصلحته بالشام . عزم علي مناوءة الإمام أمير المؤمنين ¼ منذ تولّيه الخلافة ، وجدّ كثيراً فى ٢٩١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان
تحريض طلحة والزبير عليه ، وقاد معركة صفّين ضدّ الإمام ¼ . وبعد قضيّة التحكيم أكثر من شنّ الغارات الوحشيّة علي المناطق الخاضعة لحكومة الإمام ¼ ، وأفسد فى الأرض ، وأهلك الحرث والنسل . ثمّ تمكّن من فرض الصلح علي الإمام الحسن ¼ سنة ٤١ هـ ، عبر مكيدة خاصّة ، وضجيج مفتعل ، فأحكم قبضته علي السلطة بلا منازع ، ثمّ طفق يضطهد شيعة أمير المؤمنين ¼ وأنصاره ، موغلاً فى ذلك ، حتي أنّ أقرانه وأتباعه لم يطيقوا ممارساته . وإنّ لقاء المغيرة به ، وإخباره عن موقفه العدائى ضدّ الدين الإسلامى الحنيف يترجمان حقده الدفين ، كما يدلاّن علي غاية خسّته ودَنَسه(١) ، وقد أفرط فى سبّ الإمام ¼ ، وعندما طُلب منه أن يكفّ قال : لا والله ، حتي يربوَ عليه الصغير ، ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكر ذاكر له فضلاً ! !(٢) وتستوقفنا المعلومات التى يذكرها ابن أبى الحديد حول طمسه فضائل الإمام ، واختلاقه فضائل لنفسه ، وسعيه فى وضع الحديث ، نقلاً عن كتاب الأحداث للمدائنى(٣) ، وغيره من الكتب القديمة ، والواقع أنّ كلّ ما قام به يوائم التفكير القيصرى والكسروى ، ويبتغى تبديل تعاليم الدين . وتعتبر إمامته للصلاة فى المدينة ، وتركه البسملة ، واحتجاج المهاجرين (١) مروج الذهب : ٤ / ٤١ . ٢٩٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان
والأنصار عليه أدلّة قاطعة علي ما نقول . ومهما يكن فإنّ معاوية تقمّص الخلافة ; الخلافة الدينيّة التى لا يعتقد بها اعتقاداً راسخاً من أعماق قلبه ، وادّعي خلافة من قصد قتاله ، ولم يتورّع عن تشويه الدين ، ولم يأبهْ لتغيير معارف الحقّ . وأباح لنفسه كلّ عمل من أجل إحكام قبضته علي الاُمور ، واستمرار تسلّطه وتحكّمه . هلك معاوية سنة ٦٠ هـ ، ونصب يزيد حاكماً علي الناس ، فخطا بذلك خطوة اُخري نحو قلب الحقائق الدينيّة ، وهو ما اشتُهرت آثاره فى التاريخ . ٢٣١٥ ـ مقتل الحسين للخوارزمى عن أحمد بن أعثم الكوفى : إنّ معاوية لمّا حجّ حجّته الأخيرة ارتحل من مكّة ، فلمّا صار بالأبواء(١) ونزلها قام فى جوف الليل لقضاء حاجته ، فاطّلع فى بئر الأبواء ، فلمّا اطّلع فيها اقشعرّ جلده ، وأصابته الَّلقْوة(٢) فى وجهه ، فأصبح وهو لِما به مغموم ، فدخل عليه الناس يعودونه ، فدعَوا له وخرجوا من عنده ، وجعل معاوية يبكى لما قد نزل به ، فقال له مروان بن الحكم : أ جزعت يا أمير المؤمنين ؟ فقال : لا يا مروان ، ولكنّى ذكرت ما كنت عنه عزوفاً ، ثمّ إنّى بكيت فى إحَنى(٣) ، وما يظهر للناس منّى ، فأخاف أن يكون عقوبة عجّلت لى لما كان من دفعى حقّ علىّ بن أبى طالب ، وما فعلت بحجر بن عدىّ وأصحابه ، ولولا هواى من يزيد لأبصرت رشدى ، وعرفت قصدى(٤) . (١) الأَبْوَاء : قرية من أعمال الفُرع من المدينة ، بينها وبين الجُحفة ثلاثة وعشرون ميلاً (معجم البلدان : ١ / ٧٩) . ٢٩٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان / نسبه
٢ / ١ ـ ١ ٢٣١٦ ـ ربيع الأبرار : كان معاوية يُعزي إلي أربعة : مسافر بن أبى عمرو ، وإلي عمارة بن الوليد ، وإلي العبّاس بن عبد المطّلب ، وإلي الصباح مغنٍّ أسود كان لعمارة . قالوا : وكان أبو سفيان دميماً ، قصيراً ، وكان الصباح عسيفاً(١) لأبى سفيان ، شابّاً وسيماً ، فدعته هند إلي نفسها(٢) . ٢٣١٧ ـ الفخرى : كانت اُمّه هند بنت عتبة شريفة فى قريش ، أسلمت عام الفتح . وكانت فى وقعة أحد لمّا صُرع حمزة بن عبد المطلب ¢ عمّ رسول الله ½ من طعنة الحربة التى طعنها ، جاءت هند فمثّلت بحمزة ، وأخذت قطعة من كبده فمضغتها حنقاً عليه ; لأنّه كان قد قتل رجالا من أقاربها ! فلذلك يقال لمعاوية ابن آكلة الأكباد(٣) . ٢ / ١ ـ ٢ ٢٣١٨ ـ المعجم الكبير عن ابن عبّاس : سمع رسول الله ½ صوت رجلين يغنّيان ; وهما يقولان :
فسأل عنهما فقيل : معاوية وعمرو بن العاص ، فقال : اللهمّ اركِسهما فى الفتنة (١) العسيف : الأجير (مجمع البحرين : ٢ / ١٢١٤) . ٢٩٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان / دعاءُ النبىّ عليه
ركساً ، ودَعْهُما إلي النار دعّاً(١) . ٢٣١٩ ـ صحيح مسلم عن ابن عبّاس : كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله ½ ، فتواريت خلف باب . قال : فجاء فحَطأنى حَطْأة(٢) وقال : اذهب وادعُ لى معاوية . قال : فجئت فقلت : هو يأكل . قال : ثمّ قال لى : اذهب فادعُ لى معاوية . قال : فجئت فقلت : هو يأكل . فقال : لا أشبع الله بطنه !(٣) ٢٣٢٠ ـ وقعة صفّين عن علىّ بن الأقمر : وفدنا علي معاوية وقضينا حوائجنا ثمّ قلنا : لو مررنا برجل قد شهد رسول الله ½ وعاينه ، فأتينا عبد الله بن عمر فقلنا : يا صاحب رسول الله ½ ، حدّثنا ما شهدت ورأيت . قال : إنّ هذا أرسل إلىّ ـ يعنى معاوية ـ فقال : لئن بلغنى أنّك تحدّث لأضربنّ عنقك . فجثوت علي ركبتى بين يديه ، ثمّ قلت : وددتُ أنّ أحدّ سيف فى جندك علي عنقى ، فقال : والله ما كنت لاُقاتلك ولا أقتلك . (١) المعجم الكبير : ١١ / ٣٢ / ١٠٩٧٠ ، مسند ابن حنبل : ٧ / ١٨٢ / ١٩٨٠١ ، مسند أبى يعلي : ١٣ / ٤٢٩ / ٧٤٣٦ ; وقعة صفّين : ٢١٩ ، شرح الأخبار : ٢ / ٥٣٥ / ٤٩٩ كلّها عن أبى برزة نحوه وراجع لسان العرب : ٦ / ١٠٠ . قال العلاّمة الأمينى : للحديث طرق أربعة صحيحة لا غمز فيها غير أنّ ابن كثير حبّبته أمانته أن لا يذكر من طرق الحديث إلاّ الضعيف كما أنّ السيوطى راقه أن لا ينضّد فى سلك لآلئه إلاّ المزيّف ، ساكتاً عن الأسانيد الصحيحة حفظاً لكرامة ابن هند (الغدير : ١٠ / ١٤٥) . ٢٩٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان / دعاءُ النبىّ عليه
وايم الله ما يمنعنى أن اُحدّثكم ما سمعت رسول الله ½ قال فيه ، رأيت رسول الله ½ أرسل إليه يدعوه ـ وكان يكتب بين يديه ـ فجاء الرسول فقال : هو يأكل . فقال : "لا أشبع الله بطنه" فهل ترونه يشبع ؟ قال : وخرج من فَجّ(١) فنظر رسول الله إلي أبى سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه ، أحدهما قائد والآخر سائق ، فلمّا نظر إليهم رسول الله ½ قال : اللهمّ العن القائد والسائق والراكب . قلنا : أنت سمعت رسول الله ½ ؟ قال : نعم ، وإلاّ فصُمّتا اُذناى ، كما عميَتا عيناى(٢) . ٢٣٢١ ـ البداية والنهاية ـ بعد ذكر كلام النبىّ ½ ـ : وقد كان معاوية لا يشبع بعدها ، ووافقته هذه الدعوة فى أيّام إمارته ، فيقال : إنّه كان يأكل فى اليوم سبع مرّات طعاماً بلحم ، وكان يقول : والله لا أشبع وإنّما أعيي(٣) . ٢٣٢٢ ـ تهذيب التهذيب عن علىّ بن عمر : النسائى أفقه مشايخ مصر فى عصره ، وأعرفهم بالصحيح والسقيم ، وأعلمهم بالرجال ، فلمّا بلغ هذا المبلغ حسدوه ، فخرج إلي الرملة(٤) [ثمّ إلي دمشق] فسئل عن فضائل معاوية فأمسك عنه ، فضربوه فى الجامع فقال : أخرجونى إلي مكّة ، فأخرجوه وهو عليل وتوفّى (١) الفَجّ : الطريق الواسع (النهاية : ٣ / ٤١٢) . ٢٩٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان / أمر النبىّ بقتله إذا شوهد علي منبره
مقتولا شهيداً . . . . وعن أبى بكر المأمونى : قيل له [أى النسائي] وأنا حاضر : أ لا تُخرج فضائل معاوية ؟ فقال : أىّ شىء اُخرج ؟ "اللهمّ لا تُشبع بطنه" ! ! وسكت وسكت السائل(١) . ٢ / ١ ـ ٣ أمر النبىّ بقتله إذا شوهد علي منبره ٢٣٢٣ ـ رسول الله ½ : إذا رأيتم معاوية علي منبرى فاقتلوه(٢) . ٢٣٢٤ ـ عنه ½ : إذا رأيتم معاوية يخطب علي منبرى فاقتلوه(٣) . ٢٣٢٥ ـ عنه ½ : إذا رأيتم معاوية بن أبى سفيان يخطب علي منبرى فاضربوا عنقه(٤) . ٢٣٢٦ ـ أنساب الأشراف عن أبى سعيد الخدرى : إنّ رجلا من الأنصار أراد قتل معاوية ، فقلنا له : لا تسلّ السيف فى عهد عمر حتي نكتب إليه قال : إنّى سمعت (١) تهذيب التهذيب : ١ / ٩٤ / ٦٦ ، خصائص أمير المؤمنين للنسائى : ١١ وفيه من "قيل له . . ." وراجع تهذيب الكمال : ١ / ٣٣٨ / ٤٨ . ٢٩٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان / وصيّة والديه
رسول الله ½ يقول : "إذا رأيتم معاوية يخطب علي الأعواد فاقتلوه" . قالوا : ونحن سمعناه ولكن لا نفعل حتي نكتب إلي عمر ، فكتبوا إليه فلم يأتِهم جواب الكتاب حتي مات(١) . ٢ / ١ ـ ٤ ٢٣٢٧ ـ البداية والنهاية عن علىّ بن محمّد بن عبد الله بن أبى سيف : قال أبو سفيان ـ لمعاوية ـ : يا بنىّ ، إنّ هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخّرنا ، فرفعهم سبقهم وقدمهم عند الله وعند رسوله ، وقصر بنا تأخيرنا ، فصاروا قادة وسادة ، وصرنا أتباعاً ، وقد ولّوك جسيماً من أمورهم فلا تخالفهم ; فإنّك تجرى إلي أمَد ، فنافِس فإن بلغته أورثته عقبك ، فلم يزل معاوية نائباً علي الشام فى الدولة العمريّة والعثمانيّة مدّة خلافة عثمان(٢) . ٢٣٢٨ ـ البداية والنهاية عن علىّ بن محمّد بن عبد الله بن أبى سيف : قالت هند ـ لمعاوية فيما كتبت به إليه ـ : والله يا بنىّ إنّه قلّ أن تلد حرّة مثلك ، وإنّ هذا الرجل [أى عمر بن الخطّاب] قد استنهضك فى هذا الأمر ، فاعمل بطاعته فيما أحببت وكرهت(٣) . ٢ / ١ ـ ٥ ٢٣٢٩ ـ البداية والنهاية عن الزهرى : ذُكر معاوية عند عمر بن الخطّاب فقال : (١) أنساب الأشراف : ٥ / ١٣٦ . ٢٩٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان / عمر بن الخطّاب ومعاوية
دعوا فتي قريش وابن سيّدها ; إنّه لمن يضحك فى الغضب ، ولا ينال منه إلاّ علي الرضا ، ومن لا يؤخذ من فوق رأسه إلاّ من تحت قدميه(١) . ٢٣٣٠ ـ تاريخ الطبرى عن أبى محمّد الاُموى : خرج عمر بن الخطّاب إلي الشام ، فرأي معاوية فى موكب يتلقّاه ، وراح إليه فى موكب ، فقال له عمر : يا معاوية ! تروح فى موكب وتغدو فى مثله ، وبلغنى أنّك تصبح فى منزلك وذوو الحاجات ببابك ! قال : يا أمير المؤمنين إنّ العدوّ بها قريب منّا ولهم عيون وجواسيس ، فأردت يا أمير المؤمنين أن يروا للإسلام عزّاً ، فقال له عمر : إنّ هذا لَكيد رجل لبيب أو خدعة رجل أريب ، فقال معاوية يا أمير المؤمنين مُرنى بما شئت أصِر إليه ، قال : ويحك ! ما ناظرتك فى أمر أعيب عليك فيه إلاّ تركتنى ما أدرى آمرك أم أنهاك !(٢) ٢٣٣١ ـ سير أعلام النبلاء : لمّا قدم عمر الشام ، تلقّاه معاوية فى موكب عظيم وهيئة ، فلمّا دنا منه ، قال : أنت صاحب الموكب العظيم ؟ قال : نعم . قال : مع ما بلغنى عنك من طول وقوف ذوى الحاجات ببابك ؟ قال : نعم . قال : ولِمَ تفعل ذلك ؟ قال : نحن بأرض جواسيس العدوّ بها كثير ، فيجب أن نُظهر من عزَّ السلطان ما يُرهبهم ، فإن نهيتنى انتهيت ، قال : يا معاوية ! ما أسألك عن شىء إلاّ تركتنى فى مثل رواجِب الضَّرِس (٣) . لئن كان ما قلت حقّاً ; إنّه لرأى أريب ، وإن كان باطلا ; فإنّه لخدعة أديب . قال : فمُرنى . قال : لا آمرك ولا أنهاك . (١) البداية والنهاية : ٨ / ١٢٤ . ٢٩٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان / خصاله الموبقة
فقيل : يا أمير المؤمنين ! ما أحسن ما صدر عمّا أوردته . قال : لحسن مصادره وموارده جشّمناه(١) ما جشّمناه(٢) . ٢٣٣٢ ـ تاريخ الطبرى عن سعيد المقبرى : قال عمر بن الخطّاب : تذكرون كسري وقيصرَ ودهاءهما وعندكم معاوية !(٣) . ٢٣٣٣ ـ الاستيعاب : قال عمر [بن الخطّاب] إذ دخل الشام ورأي معاوية : هذا كسري العرب(٤) . ٢ / ١ ـ ٦ ٢٣٣٤ ـ تاريخ الطبرى عن الحسن : أربع خصال كنّ فى معاوية ، لو لم يكن فيه منهنّ إلاّ واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه علي هذه الاُمّة بالسفهاء ، حتي ابتزَّها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذو الفضيلة ، واستخلافه ابنه بعده سكّيراً خمّيراً ; يلبس الحرير ، ويضرب بالطنابير . وادّعاؤه زياداً ; وقد قال رسول الله ½ : "الولد للفراش ، وللعاهر الحَجَر" . وقتلُه حِجراً ، ويلا له من حجر ـ مرّتين ـ(٥) . (١) يقال : جَشِمتُ الأمرَ وتَجَشّمته : إذا تكلّفتَه (النهاية : ١ / ٢٧٤) . ٣٠٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان / هويّته عن لسان الإمام عليّ
٢ / ١ ـ ٧ ٢٣٣٥ ـ الإمام علىّ ¼ ـ فى صفة معاوية ـ : لم يجعل الله عزّ وجلّ له سابقةً فى الدين ، ولا سلف صدق فى الإسلام ، طليق ابن طليق ، حزب من هذه الأحزاب ، لم يزل لله عزّ وجلّ ولرسوله ½ وللمسلمين عدوّاً هو وأبوه حتي دخلا فى الإسلام كارهين(١) . ٢٣٣٦ ـ عنه ¼ ـ فى صفة رجل مذموم ، ثمّ فى فضله هو ¼ ـ : أما إنّه سيظهر عليكم بعدى رجل رحب البلعوم ، مُندَحِق(٢) البطن ، يأكل ما يجد ، ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ، ولن تقتلوه ! ألا وإنّه سيأمركم بسبّى والبراءة منّى ; فأمّا السبّ فسبّونى ; فإنّه لى زكاة ، ولكم نجاةٌ ; وأمّا البراءة فلا تتبرّؤوا منّى ; فإنّى وُلدت علي الفطرة ، وسبقت إلي الإيمان والهجرة(٣) . ٢٣٣٧ ـ عنه ¼ ـ فى كتابه إلي معاوية ـ : فسبحان الله ! ما أشدّ لزومك للأهواء المبتدعة ، والحيرة المتّبعة ، مع تضييع الحقائق واطّراح الوثائق التى هى لله طلبة وعلي عباده حجّة(٤) . (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨ . ٣٠١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان / أهداف معاوية
٢٣٣٨ ـ عنه ¼ : والله ، لودّ معاوية أنّه ما بقى من هاشم نافخ ضَرَمة(١) إلاّ طُعِن فى نَيْطه(٢) إطفاءً لنور الله ، ³ وَيَأْبَي اللَّهُ إِلآَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ² (٣) (٤) . ٢ / ١ ـ ٨ ٢٣٣٩ ـ سير أعلام النبلاء عن سعيد بن سويد : صلّي بنا معاوية فى النخيلة(٥) الجمعة فى الضحي ثمّ خطب وقال : ما قاتلنا لتصوموا ولا لتصلّوا ولا لتحجّوا أو تزكّوا ، قد عرفت أنّكم تفعلون ذلك ، ولكن إنّما قاتلناكم لأتأمّر عليكم ، فقد أعطانى الله ذلك وأنتم كارهون(٦) . ٢٣٤٠ ـ مروج الذهب عن مطرف بن المغيرة بن شعبة : وفدت مع أبى المغيرة إلي معاوية ، فكان أبى يأتيه يتحدّث عنده ، ثمّ ينصرف إلىَّ فيذكر معاوية ، ويذكر عقله ، ويعجب ممّا يري منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، فرأيته مغتمّاً ، فانتظرته ساعة ، وظننت أنّه لشىء حدث فينا أو فى عملنا ، فقلت له : ما لى أراك مغتمّاً منذ الليلة ؟ قال : يا بنىّ ، إنّى جئت من عند أخبث الناس ! قلت له : وما ذاك ؟ قال : (١) الضَّرَمة : النار ، وهذا يقال عند المبالغة فى الهلاك ; لأنّ الكبير والصغير ينفخان النار (النهاية : ٣ / ٨٦) . إرجاعات
٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة
٣٠٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان / كتاب الإمام الحسين إليه
قلت له ـ وقد خلوت به ـ : إنّك قد بلغت منّا يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلاً ، وبسطت خيراً ; فإنّك قد كبرت ، ولو نظرت إلي إخوتك من بنى هاشم ، فوصلت أرحامهم ; فو الله ما عندهم اليوم شىء تخافه ، فقال لى : هيهات هيهات ! ! ملك أخو تَيم فعدل وفعل ما فعل ، فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره ، إلاّ أن يقول قائل : أبو بكر ، ثمّ ملك أخو عدىّ ، فاجتهد وشمّر عشر سنين ، والله ما عدا أن هلك فهلك ذكره ، إلاّ أن يقول قائل : عمر ، ثمّ ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد فى مثل نسبه ، فعَمل ما عَمل وعُمل به ، فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره ، وذِكر ما فُعل به ، وإنّ أخا هاشم يُصرخ به فى كلّ يوم خمس مرّات : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، فأىّ عمل يبقي مع هذا ؟ لا اُمّ لك ، والله ألا دفناً دفناً(١) . ٢ / ١ ـ ٩ ٢٣٤١ ـ الإمام الحسين ¼ ـ فى كتابه إلي معاوية ـ : أمّا بعد : فقد جاءنى كتابك تذكر فيه أنّه انتهت إليك عنّى اُمور لم تكن تظنّنى بها رغبة بى عنها ، وإنّ الحسنات لا يهدى لها ، ولا يسدّد إليها إلاّ الله تعالي . (١) مروج الذهب : ٤ / ٤١ ، الأخبار الموفّقيّات : ٥٧٦ / ٣٧٥ ، شرح نهج البلاغة : ٥ / ١٢٩ ; كشف اليقين : ٤٦٦ / ٥٦٥ ، كشف الغمّة : ٢ / ٤٤ كلّها نحوه ، بحار الأنوار : ٣٣ / ١٦٩ / ٤٤٣ . ٣٠٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان / كتاب الإمام الحسين إليه
وأمّا ما ذكرت أنّه رُقى إليك عنّى ، فإنّما رقّاه الملاّقون المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الجمع ، وكذب الغاوون المارقون ، ما أردت حرباً ولا خلافاً ، وإنّى لأخشي الله فى ترك ذلك منك ومن حزبك القاسطين المُحِلّين ، حزب الظالم ، وأعوان الشيطان الرجيم . أ لست قاتل حِجْر وأصحابه العابدين المخبتين الذين كانوا يستفظعون البدع ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ؟ فقتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة ، والعهود المؤكّدة ، جرأةً علي الله ، واستخفافاً بعهده ؟ أ وَلست بقاتل عمرو بن الحمق الذى أخلقتْ وأبلتْ وجهه العبادة ؟ فقتلته من بعدما أعطيته من العهود ما لو فهمته العُصْم(١) نزلت من شُعَف(٢) الجبال . أ وَلست المدّعى زياداً فى الإسلام ، فزعمت أنّه ابن أبى سفيان ، وقد قضي رسول الله ½ أنّ الولد للفراش وللعاهر الحَجَر ؟ ثمّ سلّطته علي أهل الإسلام يقتلهم ويُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، ويصلبهم علي جذوع النخل . سبحان الله يا معاوية ! لكأنّك لست من هذه الاُمّة ، وليسوا منك . أ وَلست قاتل الحضرمى الذى كتب إليك فيه زياد أنّه علي دين علىّ كرم الله وجهه ، ودين علىّ هو دين ابن عمّه ½ الذى أجلسك مجلسك الذى أنت فيه ، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشّمُ الرحلتين : رحلة الشتاء والصيف ، فوضعها الله عنكم بنا منّة عليكم . وقلت فيما قلت : لا تُرْدِ هذه الاُمّة فى فتنة . وإنّى لا أعلم لها فتنة أعظم من (١) العُصْم : الوعول (لسان العرب : ١٢ / ٤٠٦) . ٣٠٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان / بلاغ تعميمى للمعتضد العبّاسي
إمارتك عليها . وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولاُمّة محمّد . وإنّى والله ما أعرف أفضل من جهادك ; فإن أفعل فإنّه قربة إلي ربّى ، وإن لم أ فعله فأستغفر الله لدينى ، وأسأله التوفيق لما يحبّ ويرضي . وقلتَ فيما قلتَ : متي تكدْنى أكدْك . فكدْنى يا معاوية ما بدا لك ، فلعمرى لقديماً يُكاد الصالحون ، وإنّى لأرجو أن لا تضرّ إلاّ نفسك ، ولا تمحق إلاّ عملك ، فكدنى ما بدا لك . واتّقِ الله يا معاوية ! واعلم أنّ لله كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها ، واعلم أنّ الله ليس بناس لك قتلك بالظنّة ، وأخذك بالتُّهَمة ، وإمارتك صبيّاً يشرب الشراب ، ويلعب بالكلاب ، ما أراك إلاّ قد أوبقت نفسك ، وأهلكت دينك ، وأضعت الرعيّة . والسلام(١) . ٢ / ١ ـ ١٠ ٢٣٤٢ ـ تاريخ الطبرى ـ فى ذكر وقائع سنة ٢٨٤ هـ ـ : فى هذه السنة عزم المعتضد بالله علي لعن معاوية بن أبى سفيان علي المنابر ، وأمر بإنشاء كتاب بذلك يُقرأ علي الناس ، فخوَّفه عبيد الله بن سليمان بن وهب اضطراب العامَّة ، وأنّه لا يأمن أن تكون فتنة ، فلم يلتفت الي ذلك . . . وأمر بإخراج الكتاب الذى كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية ، فاُخرج له من الديوان ، فأخذ من جوامعه ٣٠٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان / بلاغ تعميمى للمعتضد العبّاسي
نسخة هذا الكتاب . . . وفيه بعد الحمد والثناء علي رسول الله ½ : وكان ممّن عانده ونابذه وكذّبه وحاربه من عشيرته العددُ الأكثر ، والسواد الأعظم ، يتلقّونه بالتكذيب والتثريب ، ويقصدونه بالأذيّة والتخويف ، ويبادونه بالعداوة ، وينصبون له المحاربة ، ويصدّون عنه من قَصَده ، وينالون بالتعذيب من اتّبعه . وأشدُّهم فى ذلك عداوة ، وأعظمهم له مخالفة ، وأوّلهم فى كلّ حرب ومناصبة ، لا يُرفع علي الإسلام رايةٌ إلاّ كان صاحبَها وقائدَها ورئيسَها فى كلّ مواطن الحرب من بدر واُحد والخندق والفتح ـ أبو سفيان بن حرب وأشياعه من بنى اُميّة الملعونين فى كتاب الله ، ثمّ الملعونين علي لسان رسول الله فى عدّة مواطن وعدّة مواضع ، لماضى علم الله فيهم وفى أمرهم ونفاقهم وكفر أحلامهم ، فحارب مجاهداً ، ودافع مكابداً ، وأقام منابذاً حتي قهره السيف ، وعلا أمر الله وهم كارهون ، فتقوّل بالإسلام غير منطو عليه ، وأسرّ الكفر غير مقلع عنه ، فعرفه بذلك رسول الله ½ والمسلمون ، وميّز له المؤلّفة قلوبهم ، فقبله وولده علي علم منه . فممّا لعنهم الله به علي لسان نبيّه ½ ، وأنزل به كتاباً قولُه : ³ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ² (١) ولا اختلاف بين أحد أنّه أراد بها بنى اُميّة . ومنه قول الرسول ¼ وقد رأه مقبلا علي حمار ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به : لعن الله القائد والراكب والسائق . . . . ومنه ما أنزل الله علي نبيّه فى سورة القدر : ³ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ² (٢) (١) الإسراء : ٦٠ . ٣٠٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان / بلاغ تعميمى للمعتضد العبّاسي
من مُلك بنى اُميّة . ومنه أنّ رسول الله ½ دعا بمعاوية ليكتب بأمره بين يديه ، فدافع بأمره ، واعتلّ بطعامه ، فقال النبىّ : "لا أشبع الله بطنه" . فبقى لا يشبع ويقول : والله ما أترك الطعام شبعاً ولكن إعياءً ! ومنه أنّ رسول الله ½ قال : "يطلع من هذا الفجّ رجل من اُمّتى يُحشَر علي غير ملّتى" . فطلع معاوية . ومنه أنّ رسول الله ½ قال : إذا رأيتم معاوية علي منبرى فاقتلوه . ومنه الحديث المرفوع المشهور أنّه قال : إنّ معاوية فى تابوت من نار فى أسفل دَرَك منها ينادى : يا حنّان يا منّان ، ³ آلْئـَٰـنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ² (١) . . . . ثمّ ممّا أوجب الله له به اللعنة قتلُه مَن قتل صبراً من خيار الصحابة والتابعين وأهل الفضل والديانة ، مثل عمرو بن الحمق ، وحجر بن عدىّ ، فيمن قتل من أمثالهم ، فى أن تكون له العزّة والملك والغلبة ، ولله العزّة والملك والقدرة ، والله عزّ وجلّ يقول : ³ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ² (٢) . وممّا استحقّ به اللعنة من الله ورسوله ادّعاؤه زياد بن سميّة جرأةً علي الله ! والله يقول : ³ ادْعُوهُمْ لأَِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ² (٣) ورسول الله ½ يقول : "ملعون (١) يونس : ٩١ . ٣٠٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / معاوية بن أبى سفيان / بلاغ تعميمى للمعتضد العبّاسي
من ادّعي إلي غير أبيه ، أو انتمي إلي غير مواليه" . ويقول : "الولد للفراش وللعاهر الحَجَر" . فخالف حكم الله عزّ وجلّ ، وسنّة نبيّه ½ جهاراً ، وجعل الولد لغير الفراش والعاهر لا يضرّه عهره ، فأدخل بهذه الدعوة من محارم الله ومحارم رسوله فى أمّ حبيبة زوجة النبىّ ½ وفى غيرها من سُفور وجوه ما قد حرّمه الله ، وأثبت بها قربي قد باعدها الله ، وأباح بها ما قد حظره الله ، ممّا لم يدخل علي الإسلام خلل مثله ولم ينَل الدين تبديل شبهُه . ومنه إيثاره بدين الله ، ودعاؤه عباد الله إلي ابنه يزيد المتكبّر الخمّير ، صاحب الديوك والفهود والقرود ، وأخذه البيعة له علي خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والإخافة والتهدّد والرهبة ، وهو يعلم سفهَه ، ويطّلع علي خبثه ورهقه ، ويعاين سكرانه وفجوره وكفره . فلمّا تمكّن منه ما مكّنه منه ، ووطّأه له ، وعصي الله ورسوله فيه ، طلب بثأرات المشركين وطوائلهم عند المسلمين ، فأوقع بأهل الحَرّة الوقيعة التى لم يكن فى الإسلام أشنع منها ولا أفحش ممّا ارتكب من الصالحين فيها ، وشفي بذلك عَبَدَ(١) نفسه وغليله ، وظنّ أنّ قد انتقم من أولياء الله ، وبلّغ النوي لأعداء الله ، فقال مجاهراً بكفره ومظهراً لشركه :
(١) يقال عَبِد يعبَدُ عَبَداً : أى غَضِب غَضَبَ أنَفَة (النهاية : ٣ / ١٧٠) . ٣٠٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص
هذا هو المروق من الدين وقول من لا يرجع إلي الله ولا إلي دينه ولا إلي كتابه ، ولا إلي رسوله ، ولا يؤمن بالله ، ولا بما جاء من عند الله . ثمّ من أغلظ ما انتهك وأعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن علىّ وابن فاطمة بنت رسول الله ½ ، مع موقعه من رسول الله ½ ، ومكانه منه ، ومنزلته من الدين والفضل ، وشهادة رسول الله ½ له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنّة ، اجتراءً علي الله ، وكفراً بدينه ، وعداوة لرسوله ، ومجاهدة لعترته ، واستهانة بحرمته ، فكأنّما يقتل به وبأهل بيته قوماً من كفّار أهل الترك والديلم ، لا يخاف من الله نقمة ، ولا يرقب منه سطوة ، فبتر الله عمره ، واجتثّ أصله وفرعه ، وسلبه ما تحت يده ، وأعدّ له من عذابه وعقوبته ما استحقّه من الله بمعصيته . . . (١) . ٢ / ٢ سياسىّ ماكر ، ومحتال ماهر ، ووجهٌ متلوّن عجيب ، وعُدَّ أحد دهاة العرب ٣٠٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص
الأربعة(١) . كان له فى الفحشاء عِرقٌ ; فاُمّه النابغة كانت من البغايا المشهورة . ولمّا ولد عمرو فى سنة ٥٠ قبل الهجرة ، نسبته اُمّه إلي خمسة ، ثمّ اختارت العاص وألحقته به(٢) . نشأ عمرو فى حجر من كان يهجو النبىّ ½ كثيراً ، وهو الذى عبّرت عنه سورة الكوثر بالأبتر(٣) . وكان الإمام الحسن ¼ يقول فيه : ألأمهم حسباً ، وأخبثهم منصِباً(٤) . وكان عمرو بن العاص يؤذى النبىّ ½ ويهجوه كثيراً فى مكّة . وبعد كلّ ما أبداه من عناد وتهتّك لعنه رسول الله ½ وقال : اللهمّ إنّ عمرو بن العاص هجانى ، وأنت تعلم أنّى لستُ بشاعر ، فالعنه مكان كلّ بيت هجانى لعنة(٥) . وعندما هاجر عدد من المسلمين إلي الحبشة ، ذهب عمرو بن العاص إلي بلاد النجاشى مبعوثاً من قريش ليُرجعهم ، فلم يفلح(٦) . قال ابن أبى الحديد فى وصف عمرو بن العاص : وكان عمرو أحد من يؤذى رسول الله ½ بمكّة ويشتمه ، ويضع فى طريقه الحجارة ; لأنّه كان رسول الله ½ يخرج من منزله ليلاً ، فيطوف بالكعبة ، وكان عمرو يجعل له الحجارة فى مسلكه (١) سير أعلام النبلاء : ٣ / ٥٨ / ١٥ ، تهذيب الكمال : ٢٢ / ٨٢ / ٤٣٨٨ ، اُسد الغابة : ٤ / ٢٣٤ / ٣٩٧١ ، البداية والنهاية : ٧ / ٥٤ . ٣١٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص
ليعثر بها . . . لشدّة عداوة عمرو بن العاص لرسول الله ½ أرسله أهل مكّة إلي النجاشى ليزهّده فى الدين ، وليطرد عن بلاده مهاجرة الحبشة ، وليقتل جعفر بن أبى طالب عنده إن أمكنه قتله(١) . قاتل المسلمين فى حروب متعدّدة إلي جانب المشركين(٢) . ولمّا أحسّ بقدرة الإسلام المتعاظمة ، أسلم سنة ٨ هـ قبل فتح مكّة(٣) . كان ملمّاً بفنون القتال . أمّره النبىّ ½ فى غزوة ذات السلاسل ، وفى الجيش أبو بكر ، وعمر(٤) ، وعندما توفّى النبىّ ½ كان فى مهمّة بعُمان(٥) (٦) . أحبّه عمر بن الخطّاب كثيراً ، وكان يكرّمه ويبجّله(٧) . وفتح ابن العاص مصر فى أيّامه ، ثمّ ولاّه عليها(٨) . وظلّ والياً عليها فى عهد عثمان مدّة ، ثمّ عزله عثمان وولّي أخاه لاُمّه عبد الله (١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢٨٣ . ٣١١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص
ابن سعد بن أبى سرح ; انطلاقاً من سياسته فى تحكيم الاُمويّين(١) . فاغتمّ عمرو لذلك وحقد علي عثمان ، وكان له دور مهمّ فى تأليب الناس عليه(٢) . وكان ابن العاص داهية ، عارفاً بزمانه ، ومن جانب آخر كان رَكوناً إلي الدنيا ، عابداً لهواه ، من هنا كان يعلم جيّداً أنّه لا يمكن أن ينسجم مع أشخاص مثل أمير المؤمنين علىّ ¼ ، لذلك ولّي صوب معاوية(٣) عندما تقلّد الإمام الخلافة ، وهو يعلم أنّ حبّ الدنيا هو الذى حداه علي ذلك ، وقال لمعاوية مرّة : إن هى إلاّ الدنيا نتكالب عليها . . .(٤) . وهكذا كان ، إذ جعل ولاية مصر شرطاً لمؤازرته معاوية(٥) . وكان فى حرب صفّين قائداً لجيش الشام ، ومستشاراً لمعاوية ، وموجّهاً للحرب فى ساحة القتال(٦) . (١) سير أعلام النبلاء : ٣ / ٣٤ / ٨ وص ٧١ / ١٥ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٢٥٣ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٣٥ ، البداية والنهاية : ٧ / ١٥١ . ٣١٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص
وكان أسود القلب ، أعماه حبّ الدنيا عن رؤية الحقّ ، وكان يعرف فضائل أمير المؤمنين ¼ ، وطالما صرّح بها(١) . وكذلك كان يعرف عمّار بن ياسر وشخصيّته ، ويعتقد بكلام رسول الله ½ فيه إذ قال له : "تقتلك الفئة الباغية"(٢) . ومن جهة اُخري كان يدرك ضعة معاوية ورذالته وتعسّفه . كما كان هو نفسه لا نظير فى ضعته وحقارته ; إذ كشف عورته للإمام أمير المؤمنين ¼ لمّا رأي الموت قد أمسك بخناقه ! ! فنجا من الموت بهذه المكيدة التى تمثّل وصمة عار عليه(٣) . وهو صاحب خطّة رفع المصاحف علي الرماح عند اشتداد الحرب ، وتواتر الهزائم ، فأنقذ جيش الشام من اندحار حتمىّ(٤) . ومثّل معاوية فى التحكيم ، فخدع أبا موسي الأشعرى ; إذ جعل نتيجة التحكيم لمصلحة معاوية(٥) ، فمهّد الأرضيّة لفتن اُخري . وكان أحد المخطّطين البارعين للسياسة الدعائيّة المناهضة (١) أنساب الأشراف : ٣ / ٧٣ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٦١ ، الأخبار الطوال : ١٥٨ ; وقعة صفّين : ٣٧ وص ٢٢٢ وص ٢٣٧ ، الأمالى للطوسى : ١٣٤ / ٢١٧ ، تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨٦ . ٣١٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص / نسبه
لأمير المؤمنين ¼ (١) . وإنّ قيامه بتعكير الأجواء ، وتضليل الناس ، وانتقال المواقف ضدّ أمير المؤمنين ¼ معلم علي لؤمه وقبحه ومكره ، وأشار الإمام إلي شىء من ذلك إشارة بليغة فى الخطبة ٨٤ من نهج البلاغة . قاتل ابنُ العاص محمّدَ بن أبى بكر فى مصر ، فغلبه وأحكم قبضته عليها(٢) . هلك سنة ٤٣ هـ (٣) . وخلّف ثروة طائلة ، ودراهم ودنانير وافرة . وذُكر أنّ أمواله المنقولة بلغت سبعين رقبة جمل مملوءة ذهباً(٤) . ٢ / ٢ ـ ١ نسبه ٢٣٤٣ ـ ربيع الأبرار : كانت النابغة ـ اُمّ عمرو بن العاص ـ أمةَ رجل من عنزة ، فسُبيت ، فاشتراها عبد الله بن جدعان ، فكانت بغيّاً ، ثمّ عُتقت . ووقع عليها أبو لهب ، واُميّة بن خلف ، وهشام بن المغيرة ، وأبو سفيان بن حرب ، والعاص بن وائل ، فى طُهر واحد ، فولدت عمراً ! فادّعاه كلّهم ، فحكمت فيه اُمّه فقالت : هو للعاص ; لأنّ العاص كان ينفق عليها . (١) نهج البلاغة : الخطبة ٨٤ ، الأمالى للطوسى : ١٣١ / ٢٠٨ ، الغارات : ٢ / ٥١٣ . ٣١٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص / نسبه
وقالوا : كان أشبه بأبى سفيان ، وفى ذلك يقول أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب :
٢٣٤٤ ـ العقد الفريد عن عبد الله بن سليمان المدنى وأبى بكر الهذلى : إنّ أروي بنت الحارث بن عبد المطّلب دخلت علي معاوية ; وهى عجوز كبيرة ، فلمّا رآها معاوية قال : مرحباً بك وأهلا يا عمّة ، فكيف كنت بعدنا ؟ فقالت : يابن أخى ، لقد كفرتَ يد النعمة ، وأسأتَ لابن عمّك الصحبة ، وتسمّيت بغير اسمك ، وأخذت غير حقّك ، من غير بلاء كان منك ، ولا من آبائك ، ولا سابقة فى الإسلام ، بعد أن كفرتم برسول الله ½ . . . . فقال لها عمرو بن العاص : كفي أيّتها العجوز الضالّة ، وأقصرى من قولك مع ذهاب عقلك ; إذ لا تجوز شهادتك وحدك ؟ فقالت له : وأنت يابن النابغة ! ! تتكلّم واُمّك كانت أشهر امرأة تغنّى بمكّة وآخَذَهن للاُجرة ، ادّعاك خمسة نفر من قريش ، فسُئِلت اُمّك عنهم ، فقالت : كلّهم أتانى ، فانظروا أشبههم به فألحِقوه به ، فغلب عليك شبَهُ العاص بن وائل ، فلُحِقتَ به(٢) . ٢٣٤٥ ـ بلاغات النساء عن أنس بن مالك : قال عمرو بن العاص [لأروي بنت الحارث] : أيّتها العجوز الضالّة ! أقصرى من قولك ، وغضّى من طرفك . قالت : ومن أنت لا اُمّ لك ؟ قال : عمرو بن العاص . ٣١٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص / كلام الإمام علىّ فى خصائصه
قالت : يابن اللخناء النابغة ! أ تكلّمنى ؟ ارْبَع علي ظَلْعِك(١) ، واعنِ بشأن نفسك ، فو الله ما أنت من قريش فى اللباب من حسبها ، ولا كريم منصبها ، ولقد ادّعاك ستّة من قريش كلّ واحد يزعم : أنّه أبوك . ولقد رأيت اُمّك ـ أيّام مني ـ بمكّة مع كلّ عبد عاهر ـ أى فاجر ـ فأْتمّ بهم ; فإنّك بهم أشبه(٢) . ٢٣٤٦ ـ شرح نهج البلاغة عن أبى عبيدة معمّر بن المثنّي فى كتاب الأنساب : إنّ عمراً اختصم فيه يوم ولادته رجلان : أبو سفيان بن حرب ، والعاص بن وائل ، فقيل : لتحكم اُمّه . فقالت اُمّه : إنّه من العاص بن وائل . فقال أبو سفيان : أما إنّى لا أشكّ أنّى وضعته فى رحم اُمّه ، فأبت إلاّ العاص . فقيل لها : أبو سفيان أشرف نسباً . فقالت : إنّ العاص بن وائل كثير النفقة علىَّ ، وأبو سفيان شحيح(٣) . ٢ / ٢ ـ ٢ ٢٣٤٧ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتاب له إلي عمرو بن العاص ـ : فإنّك قد جعلت دينك تبعاً لدنيا امرئ ظاهرٌ غيُّه ، مهتوك سترُه ، يَشين الكريم بمجلسه ، ويُسفِّه الحليمَ بخِلْطَته ، فاتّبعتَ أثره ، وطلبت فضله ، اتّباعَ الكلب للضِّرغام يلوذ (١) اربَع : أى كفّ وارفق . والظَّلْع : العَرَج ، والمعني : اسكُت علي ما فيك من العيب (لسان العرب : ٨ / ١١٠ وص ٢٤٤ وانظر مجمع الأمثال : ٢ / ٣٥ / ١٥٥٣) . ٣١٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص / كلام الإمام علىّ فى خصائصه
بمخالبه ، وينتظر ما يُلقى إليه من فضل فريسته . فأذهبتَ دنياك وآخرتك ! ولو بالحقّ أخذت أدركت ما طلبت ; فإن يمكّنّى الله منك ومن ابن أبى سفيان أجزِكما بما قدّمتما ، وإن تُعجِزا(١) وتبقيا فما أمامكما شرّ لكما ، والسلام(٢) . ٢٣٤٨ ـ عنه ¼ : عجباً لابن النابغة ! يزعم لأهل الشام أنّ فىَّ دعابة ، وأنّى امرؤ تلعابة ، اُعافس(٣) واُمارس ! لقد قال باطلاً ، ونطق آثماً . أما ـ وشرّ القول الكذب ـ إنّه ليقول فيكذب ، ويعُد فيُخلف ، ويُسأل فيبخل ، ويَسأل فيُلْحِف(٤) ، ويخون العهد ، ويقطع الإلّ(٥) ، فإذا كان عند الحرب فأىُّ زاجر وآمر هو ! ما لم تأخذ السيوف مآخذَها ، فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القِرْم سُبَّتَه(٦) . أما والله ، إنّى ليمنعنى من اللعب ذكر الموت ، وإنّه ليمنعه من قول الحقّ نسيان الآخرة ، إنّه لم يبايع معاوية حتي شرط أن يؤتيه أتيّةً ، ويرضخ له علي ترك الدين رضيخةً(٧) (٨) . (١) أى : وإن لم أستطع أخذكما أو متّ قبل ذلك وبقيتما بعدى (شرح نهج البلاغة : ١٦ / ١٦٣) . ٣١٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص / كلام الإمام الحسن فى مثالبه
٢٣٤٩ ـ العقد الفريد : ذُكر عمرو بن العاص عند علىّ بن أبى طالب ، فقال فيه علىّ : عجباً لابن النابغة ! يزعم أنّى بلقائه اُعافس واُمارس ، أنّي وشرُّ القول أكذبُه ، إنّه يَسأل فيُلحِف ، ويُسأل فيبخل . فإذا احمرّ البأس ، وحمى الوطيس(١) ، وأخذت السيوف مأخذها من هام الرجال ، لم يكن له همّ إلاّ نزعه ثيابه ، ويمنح الناس استَه ! أغصّه الله وترّحه(٢) (٣) . ٢ / ٢ ـ ٣ ٢٣٥٠ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى ذكر مفاخرة بين الحسن بن علىّ ¤ ورجالات من قريش ، قال الإمام الحسن ¼ ـ : أمّا أنت يابن العاص ; فإنّ أمرك مشترَك ، وضعتك اُمّك مجهولا ; من عُهر وسفاح ، فيك أربعة من قريش ، فغلب عليك جزّارها ، ألأمُهُم حسباً ، وأخبثُهم منصباً ، ثمّ قام أبوك فقال : أنا شانئ محمّد الأبتر ، فأنزل الله فيه ما أنزل . وقاتلتَ رسول الله ½ فى جميع المشاهد ، وهجوته وآذيته بمكّة ، وكدته كيدك كلّه ، وكنت من أشدّ الناس له تكذيباً وعداوة . ثمّ خرجتَ تريد النجاشى مع أصحاب السفينة لتأتى بجعفر وأصحابه إلي أهل مكّة ، فلمّا أخطأك ما رجوت ورجعك الله خائباً وأكذبك واشياً ، جعلت (١) الوَطِيس : شبْهُ التنّور . وقيل : هو الضِّراب فى الحرب . وقيل : هو الوَطْء الذى يَطِس الناس ; أى يدقّهم . عبّر به عن اشتباك الحرب وقيامها علي ساق (النهاية : ٥ / ٢٠٤) . ٣١٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص / كلام الإمام الحسن فى مثالبه
حدّك علي صاحبك عُمارة بن الوليد ، فوشيت به إلي النجاشىّ حسداً لما ارتكب مع حليلتك ، ففضحك الله وفضح صاحبك . فأنت عدوّ بنى هاشم فى الجاهليّة والإسلام . ثمّ إنّك تعلم وكلّ هؤلاء الرهط يعلمون أنّك هجوت رسول الله ½ بسبعين بيتاً من الشعر ، فقال رسول الله ½ : "اللهمّ إنّى لا أقول الشعر ، ولا ينبغى لى ، اللهمّ العنه بكلّ حرف ألف لعنة" فعليك إذاً من الله ما لا يُحصي من اللعن . وأمّا ما ذكرت من أمر عثمان ، فأنت سعّرت عليه الدنيا ناراً ، ثمّ لحقت بفلسطين ، فلمّا أتاك قتله قلت : أنا أبو عبد الله إذا نكأت(١) قرحة أدميتها . ثمّ حبست نفسك إلي معاوية ، وبعت دينك بدنياه ; فلسنا نلومك علي بغض ، ولا نعاتبك علي ودّ ، وبالله ما نصرت عثمان حيّاً ، ولا غضبت له مقتولا . ويحك يابن العاص ! أ لست القائل فى بنى هاشم لمّا خرجت من مكّة إلي النجاشىّ :
(١) يقال : نكأتُ القَرحة أنكؤها : إذا قشرتها (النهاية : ٥ / ١١٧) . ٣١٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص / كلام الإمام الحسن فى مثالبه
فهذا جوابك هل سمعته(١) . ٢٣٥١ ـ الاحتجاج عن الشعبى وأبى مخنف ويزيد بن أبى حبيب المصرى ـ فى بيان احتجاج الحسن بن علىّ ¤ علي جماعة من المنكرين لفضله وفضل أبيه من قبل بحضرة معاوية ، قال الحسن ¼ ـ : أمّا أنت يا عمرو بن العاص ، الشانئ اللعين الأبتر ، فإنّما أنت كلب ، أوّل أمرك أنّ اُمّك بغيّة ، وأنّك وُلدت علي فراش مشترك ، فتحاكمت فيك رجال قريش ، منهم : أبو سفيان بن الحرب ، والوليد بن المغيرة ، وعثمان بن الحرث ، والنضر بن الحرث بن كلدة ، والعاص بن وائل ، كلّهم يزعم أ نّك ابنه ; فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسباً ، وأخبثهم منصباً ، وأعظمهم بغية . ثمّ قمتَ خطيباً ، وقلتَ : أنا شانئ محمّد ، وقال العاص بن وائل : إنّ محمّداً رجل أبتر لا ولد له ، فلو قد مات انقطع ذكره ، فأنزل الله تبارك وتعالي : ³ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاَْبْتَرُ ² (٢) . وكانت اُمّك تمشى إلي عبد قيس تطلب البغية ; تأتيهم فى دورهم ، وفى رحالهم ، وبطون أوديتهم . ثمّ كنت فى كلّ مشهد يشهده رسول الله ½ من عدوّه أشدّهم له عداوة ، وأشدّهم له تكذيباً . ثمّ كنت فى أصحاب السفينة الذين أتوا النجاشى والمهجر الخارج إلي الحبشة فى الإشاطة بدم جعفر بن أبى طالب وساير المهاجرين إلي النجاشى ، فحاق المكر السيّئ بك ، وجعل جدّك الأسفل ، وأبطل اُمنيتك ، وخيّب (١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢٩١ وراجع تذكرة الخواصّ : ٢٠١ وجواهر المطالب : ٢ / ٢١٩ . ٣٢٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص / كلام ابن عبّاس فى مثالبه
سعيك ، وأكذب اُحدوثتك ، وجعل كلمة الذين كفروا السفلي ، وكلمة الله هى العليا(١) . ٢ / ٢ ـ ٤ ٢٣٥٢ ـ العقد الفريد عن أبى مخنف : حجّ عمرو بن العاص ، فمرّ بعبد الله بن عبّاس ، فحسده مكانه وما رأي من هيبة الناس له ، وموقعه من قلوبهم ، فقال له : يابن عبّاس ، ما لك إذا رأيتنى ولّيتنى القصرة ، وكأنّ بين عينيك دبرة ، وإذا كنت فى ملأ من الناس كنت الهوهاة(٢) الهمزة ! فقال ابن عبّاس : لأنّك من اللئام الفجرة ، وقريش الكرام البررة ، لا ينطقون بباطل جهلوه ، ولا يكتمون حقّاً علموه ، وهم أعظم الناس أحلاماً ، وأرفع الناس أعلاماً . دخلتَ فى قريش ولست منها ، فأنت الساقط بين فراشين ; لا فى بنى هاشم رحلك ، ولا فى بنى عبد شمس راحلتك ، فأنت الأثيم الزنيم ، الضالّ المضلّ ، حملك معاوية علي رقاب الناس ، فأنت تسطو بحلمه ، وتسمو بكرمه(٣) . ٢ / ٢ ـ ٥ ٢٣٥٣ ـ الأنساب : عمرو بن العاص . . . كان من دهاة الناس ، ولاّه رسول الله ½ (١) الاحتجاج : ٢ / ٣٥ / ١٥٠ ، بحار الأنوار : ٤٤ / ٨٠ / ١ . ٣٢١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص / اعترافه بحقّانيّة الإمام
علي جيش ذات السلاسل وكان فى تلك القرية أبو بكر وعمر ، ثمّ ولاّه عمر علي جيش بالشام ، وفتح بيت المقدّس وعدّة من بلاد فلسطين(١) . ٢٣٥٤ ـ النجوم الزاهرة عن الليث بن سعد : إنّ عمر نظر إلي عمرو بن العاص يمشى ، فقال : ما ينبغى لأبى عبد الله أن يمشى علي الأرض إلاّ أميراً(٢) . ٢ / ٢ ـ ٦ ٢٣٥٥ ـ العُزلة عن عمرو بن دينار : أخبرنى من سمع عمرو بن العاص ـ يوم صفّين ـ يقول لابنه عبد الله : يا بنىَّ ! اُنظر أين تري عليّاً ؟ قال : أراه فى تلك الكتيبة القتماء ، ذات الرماح ، عليه عمامة بيضاء . قال : لله درّ بنى عمرو بن مالك ، لئن كان تخلّفهم عن هذا الأمر خيراً كان خيراً مبروراً ، ولئن كان ذنباً كان ذنباً مغفوراً . فقال له ابنه : أى أبت ! فما يمنعك إذ غبطتهم أن ترجع ؟ ! فقال : يا بنىَّ ! إنّ الشيخ مثلى إذا دخل فى الأمر لم يدَعه حتي يحكّه(٣) . ٢٣٥٦ ـ العقد الفريد عن العتبى عن أبيه : قال معاوية لعمرو بن العاص : ما أعجب الأشياء ؟ قال : غَلَبة من لا حقّ له ذا الحقّ علي حقّه ! (١) الأنساب : ٣ / ٣٤٥ . ٣٢٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص / شرط بيعته لمعاوية
قال معاوية : أعجبُ من ذلك أن يُعطي من لا حقّ له ما ليس له بحقّ من غير غلبة !(١) ٢ / ٢ ـ ٧ ٢٣٥٧ ـ تاريخ اليعقوبى : كانت مصر والمغرب لعمرو بن العاص طُعمة شرطها له يوم بايع ، ونسخة الشرط : هذا ما أعطي معاوية بن أبى سفيان عمرو بن العاص مصر ، أعطاه أهلها ، فهم له حياته ، ولا تنقص طاعته شرطاً . فقال له وردان مولاه : فيه الشَّعر من بدنك ! فجعل عمرو يقرأ الشرط ، ولا يقف علي ما وقف عليه وردان . فلمّا ختم الكتاب وشهد الشهود ، قال له وردان : وما عمرك أيّها الشيخ إلاّ كظِمء حمار(٢) ، هلاّ شرطت لعقبك من بعدك ؟ ! ! فاستقال معاويةَ ، فلم يُقله ، فكان عمرو لا يحمل إليه من مالها شيئاً ; يفرّق الأعطية فى الناس ، فما فضل من شىء أخذه لنفسه . وولى عمرو بن العاص مصر عشر سنين ، منها لعمر بن الخطّاب أربع سنين ، ولعثمان بن عفّان أربع سنين إلاّ شهرين ، ولمعاوية سنتين وثلاثة أشهر ، وتوفّى وله ثمان وتسعون سنة ، وكان داهية العرب رأياً وحزماً وعقلا ولساناً(٣) . ٢٣٥٨ ـ سير أعلام النبلاء : أتي [عمرو بن العاص] معاوية ، فوجده يقصّ ويذكّر أهل الشام فى دم الشهيد ، فقال له : يا معاوية ! قد أحرقت كبدى بقصصك ، أ تري (١) العقد الفريد : ٣ / ٣٥٥ ، أنساب الأشراف : ٥ / ٨٤ عن مسلمة . ٣٢٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عمرو بن العاص / شدّة أسفه عند الموت
إن خالفنا عليّاً لِفضل منّا عليه ؟ لا والله ! إن هى إلاّ الدنيا نتكالب عليها ، أما والله ، لتقطعنّ لى من دنياك ، أو لاُنابذنّك . فأعطاه مصر ، وقد كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلي علىّ(١) . ٢ / ٢ ـ ٨ ٢٣٥٩ ـ الاستيعاب عن الشافعى : دخل ابن عبّاس علي عمرو بن العاص فى مرضه ، فسلّم عليه وقال : كيف أصبحتَ يا أبا عبد الله ؟ قال : أصلحتُ من دنياى قليلاً ، وأفسدتُ من دينى كثيراً ، فلو كان الذى أصلحت هو الذى أفسدت والذى أفسدت هو الذى أصلحت لفُزت ، ولو كان ينفعنى أن أطلب طلبت ، ولو كان ينجينى أن أهرب هربت ، فصرت كالمنجنيق بين السماء والأرض ; لا أرقي بيدين ، ولا أهبط برجلين ، فعِظنى بعِظة أنتفع بها يابن أخى . فقال له ابن عبّاس : هيهات يا أبا عبد الله ! صار ابن أخيك أخاك ، ولا تشاء أن أبكى إلاّ بكيت ، كيف يؤمن برحيل من هو مقيم ؟ فقال عمرو : علي حينها ، من حين ابن بضع وثمانين سنة تقنّطنى من رحمة ربّى ، اللهمّ إنّ ابن عبّاس يقنّطنى من رحمتك فخذ منّى حتي ترضي ! إرجاعات
٤٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الخامس : تهيُّؤ معاوية للحرب / الاستعانة بعمرو بن العاص
٣٢٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عبيد الله بن عمر
قال ابن عبّاس : هيهات يا أبا عبد الله ! أخذتَ جديداً ، وتعطى خَلقاً ؟ ! فقال عمرو : ما لى ولك يابن عبّاس ! ما اُرسل كلمة إلاّ أرسلتَ نقيضها(١) . ٢٣٦٠ ـ تاريخ اليعقوبى : لمّا حضرت عمراً الوفاة قال لابنه : لودّ أبوك أنّه كان مات فى غزاة ذات السلاسل ; إنّى قد دخلت فى اُمور لا أدرى ما حجّتى عند الله فيها . ثمّ نظر إلي ماله فرأي كثرته ، فقال : يا ليته كان بعراً ، يا ليتنى متّ قبل هذا اليوم بثلاثين سنة ، أصلحت لمعاوية دنياه ، وأفسدت دينى ، آثرت دنياى وتركت آخرتى ، عُمّى علىَّ رشدى حتي حضرنى أجلى ، كأنّى بمعاوية قد حوي مالى ، وأساء فيكم خلافتى . وتوفّى عمرو ليلة الفطر سنة ٤٣ ، فأقرّ معاوية ابنه عبد الله بن عمرو(٢) . ٢ / ٣ ولد عبيد الله بن عمر بن الخطّاب فى زمن النبىّ الأكرم ½ (٣) ، وعندما قُتل أبوه علي يد أبى لؤلؤة حمل علي الهرمزان ـ وكان عليلاً ـ وعلي ابنة أبى لؤلؤة ـ وكانت صغيرةً ـ وجُفينة ـ وكان من أهل الذمّة ـ وقتلهم(٤) . (١) الاستيعاب : ٣ / ٢٦٩ / ١٩٥٣ وراجع اُسد الغابة : ٤ / ٢٣٤ / ٣٩٧١ وشرح نهج البلاغة : ٦ / ٣٢٣ . ٣٢٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عبيد الله بن عمر
حكم عليه الصحابة ـ ومنهم أمير المؤمنين ¼ ـ بالقتل ، لكنّ عثمان عفا عنه(١) وأمره بالهرب من الإمام ¼ وقد اقطع له عثمان كويفة ابن عمر فى قرب الكوفة فلم يزل بها(٢) . ولمّا تسلّم أمير المؤمنين ¼ زمام الخلافة لحق عبيد الله بمعاوية ; خوفاً من القصاص ، وصار أميراً علي خيّالته(٣) . نشط كثيراً لأجل معاوية فى صفّين ، بَيدَ أنّه قُتل أثناء الحرب(٤) . وقد اختلف فى قاتله فقيل : قتله أمير المؤمنين ¼ ، وقيل : مالك الأشتر ، وقيل : عمّار بن ياسر(٥) . ٢٣٦١ ـ مروج الذهب : قد كان عبيد الله بن عمر لحق بمعاوية ; خوفاً من علىّ أن (١) السنن الكبري : ٨ / ١٠٨ / ١٦٠٨٣ ، الطبقات الكبري : ٥ / ١٧ ، أنساب الأشراف : ٦ / ١٣٠ ، تاريخ الطبرى : ٢٣٩٤ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٢٢٦ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٥٦٨ ، اُسد الغابة : ٣ / ٥٢٣ / ٣٤٧٣ ، الإصابة : ٥ / ٤٣ / ٦٢٥٥ . ٣٢٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عبيد الله بن عمر
يُقيده بالهرمزان ، وذلك أنّ أبا لؤلؤة ـ غلام المغيرة بن شعبة ـ قاتل عمر وكان فى أرض العجم غلاماً للهرمزان ، فلمّا قتل عمر شدّ عبيد الله علي الهرمزان فقتله ، وقال : لا أترك بالمدينة فارسيّاً ولا فى غيرها إلاّ قتلته بأبى . وكان الهرمزان عليلاً فى الوقت الذى قتل فيه عمر ، فلمّا صارت الخلافة إلي علىّ أراد قتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان ; لقتله إيّاه ظلماً من غير سبب استحقّه ، فلجأ إلي معاوية(١) . ٢٣٦٢ ـ وقعة صفّين عن الجرجانى : لمّا قدم عبيد الله بن عمر بن الخطّاب علي معاوية بالشام ، أرسل معاوية إلي عمرو بن العاص فقال : يا عمرو ، إنّ الله قد أحيا لك عمر بن الخطاب بالشام بقدوم عبيد الله بن عمر ، وقد رأيت أن اُقيمه خطيباً فيشهد علي علىّ بقتل عثمان ، وينال منه ! فقال : الرأى ما رأيت . فبعث إليه فأتي ، فقال له معاوية : يابن أخى ، إنّ لك اسم أبيك ، فانظر بملء عينيك ، وتكلّم بكلّ فيك ; فأنت المأمون المصدّق فاصعد المنبر واشتم عليّاً ، واشهد عليه أنّه قتل عثمان ! فقال : يا أمير المؤمنين ، أمّا شتميه فإنّه على بن أبى طالب ، واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، فما عسي أن أقول فى حسبه ! ! وأمّا بأسه فهو الشجاع المطرق ، وأمّا أيّامه فما قد عرفت ، ولكنّى ملزمه دم عثمان . فقال عمرو بن العاص : إذاً والله قد نكأت القرحة . فلمّا خرج عبيد الله قال معاوية : أما والله لولا قتله الهرمزان ، ومخافة علىّ علي نفسه ما أتانا أبداً ; أ لم ترَ إلي تقريظه عليّاً ! فقال عمرو : يا معاوية ، إن لم ٣٢٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عبيد الله بن عمر
تغلب فاخلب . فخرج حديثه إلي عبيد الله ، فلمّا قام خطيباً تكلّم بحاجته ، حتي إذا أتي إلي أمر علىّ أمسك ولم يقُل شيئاً ، فقال له معاوية : ابن أخى ، إنّك بين عىّ أو خيانة ! فبعث إليه : كرهت أن أقطع الشهادة علي رجل لم يقتل عثمان ، وعرفت أنّ الناس محتملوها عنّى فتركتها (١) . ٢٣٦٣ ـ مروج الذهب ـ فى تفصيل وقعة صفّين ـ : كان عبيد الله بن عمر إذا خرج إلي القتال قام إليه نساؤه فشددن عليه سلاحه ، ما خلا الشيبانيّة بنت هانئ بن قبيصة ، فخرج فى هذا اليوم ، وأقبل علي الشيبانيّة وقال لها : إنّى قد عبّأت اليوم لقومك ، وايم الله ، إنّى لأرجو أن أربط بكلّ طنب من أطناب فسطاطى سيّداً منهم ! فقالت له : ما أبغض إلاّ أن تقاتلهم . قال : ولِمَ ؟ قالت : لأنّه لم يتوجّه إليهم صنديد فى جاهليّة ولا إسلام وفى رأسه صعر إلاّ أبادوه ، وأخاف أن يقتلوك ، وكأنّى بك قتيلاً وقد أتيتهم أسألهم أن يهبوا لى جيفتك . فرماها بقوس فشجّها ، وقال لها : ستعلمين بمن آتيك من زعماء قومك . ثمّ توجّه فحمل عليه حريث بن جابر الجعفى فطعنه فقتله ، وقيل : إنّ الأشتر النخعى هو الذى قتله ، وقيل : إنّ عليّاً ضربه ضربة فقطع ما عليه من الحديد حتي خالط سيفه حشوة جوفه . وإنّ عليّاً قال حين هرب فطلبه ليقيد منه بالهرمزان : لئن فاتنى فى هذا اليوم يفوتنى فى غيره . (١) وقعة صفّين : ٨٢ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٣٨٣ / ٣٤٢ ـ ٣٥٦ ; شرح نهج البلاغة : ٣ / ١٠٠ . ٣٢٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عبد الله بن عمرو بن العاص
وكلّم نساؤه معاوية فى جيفته ، فأمر أن تأتين ربيعة فتبذلن فى جيفته عشرة آلاف ، ففعلن ذلك . فاستأمرت ربيعة عليّاً ، فقال لهم : إنّما جيفته جيفة كلب لا يحلّ بيعها ، ولكن قد أجبتُهم إلي ذلك ، فاجعلوا جيفته لبنت هانئ بن قبيصة الشيبانى زوجته . فقالوا لنسوة عبيد الله : إن شئتنّ شددناه إلي ذنب بغل ، ثمّ ضربناه حتي يدخل إلي عسكر معاوية . فصرخن وقلن : هذا أشدّ علينا ، وأخبرن معاوية بذلك . فقال لهنّ :ائتوا الشيبانيّة فسلوها أن تكلّمهم فى جيفته ، ففعلن . وأتت القوم ، وقالت : أنا بنت هانئ بن قبيصة ، وهذا زوجى القاطع الظالم ، وقد حذّرته ما صار إليه ، فهبوا إلىَّ جيفتَه ، ففعلوا . وألقت إليهم بمطرف خزّ فأدرجوه فيه ، ودفعوه إليها ، فمضت به ، وكان قد شدّ فى رجله إلي طنب فسطاط من فساطيطهم(١) . ٢ / ٤ ولد فى سنة ٣٨ قبل الهجرة ، وأسلم وهاجر إلي المدينة بعد سنة ٧ هـ(٢) . وأبوه عمرو بن العاص يكبره بإحدي عشرة أو اثنتى عشرة سنة ! !(٣) يبدو أنّه كان فى البداية يمنع أباه من الذهاب إلي معاوية ، ويطلب منه أن (١) مروج الذهب : ٢ / ٣٩٥ وراجع الاستيعاب : ٣ / ١٣٣ / ١٧٣٧ والطبقات الكبري : ٥ / ١٨ . ٣٢٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عبد الله بن عمرو بن العاص
يعتزله ، وكان يعلم بأفضليّة الإمام أمير المؤمنين ¼ ، ويري أنّ معاوية صاحب دنيا ، بيدَ أنّه صحب أباه فى توجّهه إلي معاوية ، وكان علي ميمنة جيشه فى حرب صفّين(١) ، وعلي قول : كان صاحب راية أبيه عمرو بن العاص فيها(٢) . ولى الكوفة فى أيّام معاوية مدّة(٣) ، ثمّ ولاّه مصر بعد هلاك أبيه(٤) . ورث من أبيه قناطير مقنطرة من الذهب المصرى ، فكان من ملوك الصحابة(٥) . وكان يُصحِر بندمه علي حضوره فى صفّين ، ويقول : لوددت أنّى مِتّ قبلها بعشرين سنة ، أو بعشر سنين(٦) . ومات بمصر سنة ٦٥ هـ(٧) . ٢٣٦٤ ـ مسند ابن حنبل عن حنظلة بن خويلد العنبرى : بينما أنا عند معاوية ، إذ جاءه رجلان يختصمان فى رأس عمّار ، يقول كلّ واحد منهما : أنا قتلته . فقال (١) سير أعلام النبلاء : ٣/٩١/١٧ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٥/١٦٥/٥٥ ، اُسد الغابة : ٣/٣٤٧/٣٠٩٢ ، الأخبار الطوال : ١٧٢ وفيه "هو علي الخيل" ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٦١ وفيه "هو علي الميسرة" . ٣٣٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عبد الله بن عمرو بن العاص
عبد الله بن عمرو : ليَطِب به أحدُكما نفساً لصاحبه ; فإنّى سمعت رسول الله ½ يقول : تقتله الفئة الباغية ! قال معاوية : فما بالك معنا ؟ ! قال : إنّ أبى شكانى إلي رسول الله ½ ، فقال : "أطِع أباك ما دام حيّاً ولا تعصِه" ، فأنا معكم ، ولست اُقاتل(١) . ٢٣٦٥ ـ المعجم الأوسط عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه : كنت فى مسجد رسول الله ½ فى حلقة فيها أبو سعيد الخدرى وعبد الله بن عمرو ، إذ مرّ الحسين بن علىّ فسلّم ، فردّ عليه القوم وسكت عبد الله بن عمرو ، ثمّ رفع ابن عمرو صوته بعدما سكت القوم ، فقال : وعليك السلام ورحمة والله وبركاته . ثمّ أقبل علي القوم ، فقال : أ لا اُخبركم بأحبّ أهل الأرض إلي أهل السماء ؟ قالوا : بلي . قال : هو هذا المقفّي ، والله ما كلّمته كلمة ، ولا كلّمنى كلمة ، منذ ليال صفّين ، وو الله ، لأن يرضي عنّى أحبّ إلىَّ من أن يكون لى مثل اُحد . فقال له أبو سعيد الخدرى : أ لا تغدو إليه ؟ قال : بلي . فتواعدا أن يغدوا إليه ، وغدوت معهما ، فاستأذن أبو سعيد : فأذن له ، فدخلنا ، فاستأذن لابن عمرو ، فلم يزَل به حتي أذن له الحسين ، فدخل ، فلمّا رآه أبو سعيد زحل(٢) له ، وهو جالس إلي جنب الحسين فمدّه الحسين إليه ، فقام ابن عمرو ، فلم يجلس ، فلمّا رأي ذلك خلّي عن أبى سعيد ، فأزحل له ، فجلس بينهما . فقصّ أبو سعيد القصّة . (١) مسند ابن حنبل : ٢ / ٥٦٤ / ٦٥٤٩ ، العقد الفريد : ٣ / ٣٣٥ وفيه إلي "الباغية" . ٣٣١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عبد الرحمن بن خالد بن الوليد
فقال : أ كذلك يابن عمرو ؟ أ تعلم أنّى أحبّ أهل الأرض إلي أهل السماء ؟ قال : إى وربّ الكعبة ، إنّك لأحبّ أهل الأرض إلي أهل السماء . قال : فما حملك علي أن قاتلتنى وأبى يوم صفّين ؟ والله لأبى خير منّى ! قال : أجل ، ولكن عمراً شكانى إلي رسول الله ½ ، فقال : إنّ عبد الله يقوم الليل ، ويصوم النهار . فقال رسول الله ½ :"صلّ ونَم ، وصُم وأفطر ، وأطِع عمراً" ، فلمّا كان يوم صفّين أقسم علىَّ . والله ، ما كثّرت لهم سواداً ، ولا اخترطت لهم سيفاً ، ولا طعنت برمح ، ولا رميت بسهم . فقال له الحسين : أ ما علمت أنّه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ؟ قال : بلي (١) . ٢ / ٥ من شجعان قريش ، ومن أعداء أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ¼ وبنى هاشم(٢) . كان والياً علي حمص فى عهد عثمان ، وأشخص إليه عثمان المخرجين من الكوفة(٣) . (١) المعجم الأوسط : ٤ / ١٨١ / ٣٩١٧ ، اُسد الغابة : ٣ / ٣٤٧ / ٣٠٩٢ نحوه وفيه إلي "و لا رميت بسهم" وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ٤ / ٧٣ . ٣٣٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عبد الرحمن بن خالد بن الوليد
وكان معاوية يَعُدّه ولده(١) وكان من اُمراء جيشه فى صفّين وكان لواء أهل الشام بيده عند اشتداد الحرب(٢) ، وكان أخوه مهاجر مع أمير المؤمنين ¼ فى الجمل ، وصفّين(٣) . كما كان من القادة المحاربين فى بعض الأيّام فى معارك ذى الحجّة(٤) . لعنه أمير المؤمنين ¼ فى الصلاة(٥) . هذا ، وقد نقلت عنه كلمات فى الثناء علي شجاعة الإمام ¼ (٦) . تولّي حكومة حمص مدّةً فى خلافة معاوية . ولمّا عرف معاوية هوي الشاميّين فى حكومة عبد الرحمن بعده ، قتله بالسمّ ، لئلاّ ينافس يزيدَ علي الحكم(٧) . ٢٣٦٦ ـ وقعة صفّين عن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ـ فى وصف الإمام علىّ ¼ ـ : أما والله لقد رأيتنا يوماً من الأيّام وقد غشينا ثعبان مثل الطود الأرعن (١) وقعة صفّين : ٤٣٠ . ٣٣٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثانى : هويّة رؤساء القاسطين / عبد الرحمن بن خالد بن الوليد
قد أثار قسطلاً(١) حال بيننا وبين الاُفق ، وهو علي أدهم شائل ، يضربهم بسيفه ضرب غرائب الإبل ، كاشراً عن أنيابه كشر المخدر الحَرِب . فقال معاوية : والله إنّه كان يجالد ويقاتل عن تِرة له وعليه (٢) . (١) القسطل : الغبار الساطع (لسان العرب : ١١ / ٥٥٧) . إرجاعات
٢٨٩ - المجلد الحادي عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام عليّ / الفصل الخامس : عدّة من مبغضيه
٢٩٠ - المجلد الحادي عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام عليّ / الفصل الخامس : عدّة من مبغضيه / بسر بن أرطاة
٣١٤ - المجلد الحادي عشر / القسم الخامس عشر : بغض الإمام عليّ / الفصل الخامس : عدّة من مبغضيه / الوليد بن عقبة. |
||||||||||||||||||||||||||||