الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الخامس

 

 

١٠٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام

٣ / ١

دسائس معاوية

٢١٠٠ ـ شرح نهج البلاغة عن قيس بن عرفجة : لمّا حُصر عثمان أبرد مروانُ بن الحكم بخبره بريدين : أحدهما إلي الشام والآخر إلي اليمن ـ وبها يومئذ يعلي بن منية ـ ومع كلّ واحد منهما كتاب فيه :

إنّ بنى اُميّة فى الناس كالشامة الحمراء ، وإنّ الناس قد قعدوا لهم برأس كلّ محجّة ، وعلي كلّ طريق ، فجعلوهم مرمي العُرّ(١) والعَضِيْهة(٢) ، ومقذف القَشْب(٣)


(١) العُرّة : اللطخ والعيب (كتاب العين : ٥٢٧) .
(٢) العَضِيهة : الإفك (المحيط فى اللغة : ١ / ١٠٩) .
(٣) القَشْب من الكلام : الفِرَي ; يقال : قشَّبنا فلان; أى رمانا بأمر لم يكن فينا . وعن ابن الأعرابى : القاشب : الذى يعيب الناس بما فيه (لسان العرب : ١ / ٦٧٣) .

 ١٠٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / دسائس معاوية

والأفيكة ، وقد علمتم أنّها لم تأتِ عثمان إلاّ كرها تجبذ من ورائها ، وإنّى خائف إن قتل أن تكون من بنى اُمية بمناط الثريّا إن لم نَصِر كرصيف الأساس المحكم ، ولئن وَهي عمود البيت لتتداعَيَنّ جدرانُه ، والذى عِيب عليه إطعامكما الشام واليمن ، ولا شكّ أنّكما تابعاه إن لم تحذرا ، وأمّا أنا فمساعف كلّ مستشير ، ومعين كلّ مستصرخ ، ومجيب كلّ داع ، أتوقّع الفرصة فأثب وثبة الفهد أبصرَ غفلة مقتنصة ، ولولا مخافة عطب البريد وضياع الكتب لشرحت لكما من الأمر ما لا تفزعان معه إلي أن يحدث الأمر ، فجدّا فى طلب ما أنتما وليّاه ، وعلي ذلك فليكن العمل إن شاء الله . . . .

فلمّا ورد الكتاب علي معاوية أذّن فى الناس الصلاة جامعة ، ثمّ خطبهم خطبة المستنصر المستصرخ ، وفى أثناء ذلك ورد عليه قبل أن يكتب الجواب كتاب مروان بقتل عثمان . . . .

فلمّا ورد الكتاب علي معاوية أمر بجمع الناس ، ثمّ خطبهم خطبة أبكي منها العيون ، وقلقل القلوب ، حتي علت الرنّة ، وارتفع الضجيج ، وهمّ النساء أن يتسلّحنَ .

ثمّ كتب إلي طلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوّام ، وسعيد بن العاص ، وعبد الله بن عامر بن كريز ، والوليد بن عقبة ، ويعلي بن مُنية ; وهو اسم اُمّه ، وإنمّا أسم أبيه اُميّة .

فكان كتاب طلحة : أمّا بعد ; فإنّك أقلّ قريش فى قريش وتراً ، مع صباحة وجهك ، وسماحة كفّك ، وفصاحة لسانك ; فأنت بإزاء من تقدمّك فى السابقة ، وخامس المبشّرين بالجنة ، ولك يوم أحد وشرفُه وفضله ، فسارع رحمك الله إلي ما تقلّدك الرعيّة من أمرها ممّا لا يسعك التخلّف عنه ، ولا يرضي الله منك إلاّ

 ١٠٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / دسائس معاوية

بالقيام به ، فقد أحكمت لك الأمر قبلى ، والزبير فغير متقدّم عليك بفضل ، وأيّكما قدّم صاحبه فالمقدّم الإمام والأمر من بعده للمقدّم له ، سلك الله بك قصد المهتدين ، ووهب لك رشد الموفّقين ، والسلام .

وكتب إلي الزبير : أمّا بعد ; فإنّك الزبير بن العوام بن أبى خديجة ، وابن عمّة رسول الله  ½ ، وحواريّه وسلفه ، وصهر أبى بكر ، وفارس المسلمين ، وأنت الباذل فى الله مهجته بمكّة عند صيحة الشيطان ، بعثك المنبعث فخرجت كالثعبان المنسلخ بالسيف المنصلت ، تخبط خبط الجمل الرديع(١) ، كلّ ذلك قوّة إيمان وصدق يقين ، وسبقت لك من رسول الله  ½ البشارة بالجنّة ، وجعلك عمر أحد المستخلفين علي الاُمّة .

واعلم يا أبا عبد الله ، أنّ الرعيّة أصبحت كالغنم المتفرّقة لغيبة الراعى ، فسارعْ رحمك الله إلي حقن الدماء ، ولمّ الشعث ، وجمع الكلمة ، وصلاح ذات البين قبل تفاقم الأمر ، وانتشار الاُمّة ; فقد أصبح الناس علي شفا جرف هار عمّا قليل ينهار إن لم يُرأب(٢) ، فشمِّر لتأليف الاُمّة ، وابتغِ إلي ربّك سبيلا ، فقد أحكمتُ الأمر علي من قبلى لك ولصاحبك ، علي أنّ الأمر للمقدّم ، ثمّ لصاحبه من بعده ، جعلك الله من أئمّة الهدي ، وبغاة الخير والتقوي ، والسلام(٣) .

٢١٠١ ـ شرح نهج البلاغة : بعث [معاوية] رجلاً من بنى عميس ، وكتب معه كتاباً إلي الزبير بن العوّام وفيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبى سفيان ، سلام عليك . أمّا بعد ; فإنّى قد بايعت لك أهل الشام ،


(١) أى المردوع ; من رَدَعه إذا كفّه (هامش المصدر) .
(٢) الرَّأْب : الجمع والشدّ برفق (النهاية : ٢ / ١٧٦) .
(٣) شرح نهج البلاغة : ١٠ / ٢٣٣ .

 ١١٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / بدء الخلاف

فأجابوا واستوسقوا(١) كما يستوسق الجَلَب(٢) ، فدونك الكوفة والبصرة ، لا يسبقك إليها ابن أبى طالب ; فإنّه لا شىء بعد هذين المِصرين .

وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك ، فأظهِرا الطلب بدم عثمان ، وادعوا الناس إلي ذلك ، وليكن منكما الجدّ والتشمير ، أظفركما الله ، وخذل مناوئكما ! !

فلمّا وصل هذا الكتاب إلي الزبير سُرّ به ، وأعلم به طلحة وأقرأه إيّاه ، فلم يشكّا فى النصح لهما من قِبل معاوية ، وأجمعا عند ذلك علي خلاف علىّ  ¼ (٣) .

٢١٠٢ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من خطبته قبل حرب الجمل فى شأن طلحة والزبير ـ : ويا عجباً لاستقامتهما لأبى بكر وعمر وبغيهما علىَّ ، وهما يعلمان أنّى لست دون أحدهما ، ولو شئت أن أقول لقلت . ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتاباً يخدعهما فيه ، فكتماه عنّى ، وخرجا يوهمان الطَّغام(٤) أنّهما يطلبان بدم عثمان(٥) .

٣ / ٢

بدء الخلاف

٢١٠٣ ـ الإمامة والسياسة : ذكروا أنّ الزبير وطلحة أتيا عليّاً ـ بعد فراغ البيعة ـ فقالا : هل تدرى علي ما بايعناك يا أمير المؤمنين ؟


(١) استوسقوا : استجمعوا وانضمّوا (النهاية : ٥ / ١٨٥) .
(٢) الجَلَب : ما جُلِب من خيل وإبل ومتاع (لسان العرب : ١ / ٢٦٨) .
(٣) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٣١ .
(٤) الطَّغام : من لا عقل له ولا معرفة . وقيل : هم أوغاد الناس وأراذلهم (النهاية : ٣ / ١٢٨) .
(٥) الجمل : ٢٦٨ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٦٣ ; شرح نهج البلاغة : ١ / ٣١٠ عن زيد بن صوحان .

 ١١١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / إظهار الشكاة

قال علىّ : نعم ، علي السمع والطاعة ، وعلي ما بايعتم عليه أبا بكر وعمر وعثمان .

فقالا : لا ، ولكنّا بايعناك علي أنّا شريكاك فى الأمر .

قال علىّ : لا ، ولكنّكما شريكان فى القول والاستقامة والعون علي العجز والأوَد(١) (٢) .

٢١٠٤ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ لمّا قال طلحة والزبير له  ¼ : نبايعك علي أنّا شركاؤك فى هذا الأمر ، قال ـ : لا ولكنّكما شريكان فى القوّة والاستعانة ، وعونان علي العجز والأوَد(٣) .

٢١٠٥ ـ تاريخ اليعقوبى : أتاه طلحة والزبير فقالا : إنّه قد نالتنا بعد رسول الله جَفْوة(٤) ، فأشرِكنا فى أمرك !

فقال : أنتما شريكاى فى القوّة والاستقامة ، وعوناى علي العجز والأوَد(٥) .

راجع : نظرة عامّة فى حروب الإمام / دوافع البغاة فى قتال الإمام .

٣ / ٣

إظهار الشكاة

٢١٠٦ ـ الإمامة والسياسة : كان الزبير لا يشكّ فى ولاية العراق ، وطلحة فى


(١) فى المصدر : "و الأولاد" وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه . والأود : العِوَج (النهاية : ١ / ٧٩) .
(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ٧٠ .
(٣) نهج البلاغة : الحكمة ٢٠٢ ، خصائص الأئمّة    ¥ : ١١٤ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٤٨ / ٣١ .
(٤) الجَفاء : ترك الصلة والبرّ (لسان العرب : ١٤ / ١٤٨) .
(٥) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٧٩ .

 ١١٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / إظهار الشكاة

اليمن ، فلمّا استبان لهما أنّ عليّاً غير مولّيهما شيئاً ، أظهرا الشكاة ; فتكلّم الزبير فى ملأ من قريش ، فقال : هذا جزاؤنا من علىّ ! قمنا له فى أمر عثمان ، حتي أثبتنا عليه الذنب ، وسبّبنا له القتل ، وهو جالس فى بيته وكفى الأمر . فلمّا نال بنا ما أراد ، جعل دوننا غيرنا .

فقال طلحة : ما اللوم إلاّ أنّا كنّا ثلاثة من أهل الشوري ، كرهه أحدنا وبايعناه ، وأعطيناه ما فى أيدينا ، ومنعَنا ما فى يده ; فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا .

قال : فانتهي قولهما إلي علىّ ، فدعا عبد الله بن عبّاس وكان استوزره ، فقال له : بلغك قول هذين الرجلين ؟ قال : نعم ، بلغنى قولهما . قال : فما تري ؟ قال : أري أنّهما أحبّا الولاية ; فولِّ البصرة الزبير ، وولِّ طلحة الكوفة ; فإنّهما ليسا بأقرب إليك من الوليد وابن عامر من عثمان . فضحك علىّ ، ثمّ قال : ويحك ، إنّ العراقَين بهما الرجال والأموال ، ومتي تملّكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع ، ويضربا الضعيف بالبلاء ، ويقوَيا علي القوىّ بالسلطان ، ولو كنت مستعملاً أحداً لِضُرّهِ ونفعه لاستعملت معاوية علي الشام ، ولولا ما ظهر لى من حرصهما علي الولاية ، لكان لى فيهما رأى(١) .

٢١٠٧ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كلام له  ¼ كلّم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة ، وقد عتبا عليه من ترك مشورتهما والاستعانة فى الاُمور بهما ـ : لقد نقمتما يسيراً ، وأرجأتما كثيراً . أ لا تُخبرانى ، أىّ شىء كان لكما فيه حقّ دفعتكما عنه ؟ أم أىّ قَسْم استأثرت عليكما به ؟ أم أىّ حقّ رفعه إلىّ أحد من المسلمين ضعفت عنه ، أم جهلته ، أم أخطأت بابه ؟


(١) الإمامة والسياسة : ١ / ٧١ وراجع الجمل : ١٦٤ والمسترشد : ٤١٨ / ١٤١ .

 ١١٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / خروج طلحة والزبير إلي مكّة

والله ، ما كانت لى فى الخلافة رغبة ، ولا فى الولاية إرْبة(١) ، ولكنّكم دعوتمونى إليها ، وحملتمونى عليها ، فلمّا أفضَت إلىّ نظرت إلي كتاب الله وما وضع لنا ، وأمرنا بالحكم به فاتّبعتُه ، وما استنّ النبىّ  ½ فاقتديتُه ، فلم أحتج فى ذلك إلي رأيكما ، ولا رأى غيركما ، ولا وقع حكم جهلته فأستشيركما وإخوانى من المسلمين ، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ، ولا عن غيركما .

وأمّا ما ذكرتما من أمر الاُسوة ; فإنّ ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيى ، ولا وَلِيْته هويً منّى ، بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله  ½ قد فرغ منه ، فلم أحتج إليكما فيما قد فرغ الله من قَسْمه ، وأمضي فيه حكمه ، فليس لكما ـ والله ـ عندى ولا لغيركما فى هذا عُتْبي(٢) . أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلي الحقّ ، وألهمنا وإيّاكم الصبر .

ثمّ قال  ¼ : رحم الله رجلاً رأي حقّاً فأعان عليه ، أو رأي جوراً فردّه ، وكان عوناً بالحقّ علي صاحبه(٣) .

٣ / ٤

خروج طلحة والزبير إلي مكّة

فى أعقاب عدّة أيّام من المداولات التى أجراها طلحة والزبير مع الإمام فى سبيل الحصول علي بعض المناصب الحكوميّة(٤) ، وكسب الامتيازات الاقتصاديّة ، ولم تتمخّض هذه المباحثات إلاّ عن رفضه الانصياع لمطاليبهم ،


(١) أى حاجة (النهاية : ١ / ٣٦) .
(٢) العُتْبي : الرجوع من الذنب والإساءة (النهاية : ٣ / ١٧٥) .
(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٢٠٥ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٥٠ / ٣٤ ; المعيار والموازنة : ١١٣ و١١٤ .
(٤) الجمل : ١٦٤ . راجع : إظهار الشكاة / دوافع البغاة فى قتال الإمام  ¼ / الاستعلاء .

 ١١٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / خروج طلحة والزبير إلي مكّة

تناهي إليهم خبر إعلان عائشة فى مكّة عن معارضتها للإمام ، والبراءة من قتلة عثمان . ومن جهة اُخري فقد فرّ بعض عمّال عثمان برفقة الأموال التى نهبوها من بيت المال إلي مكّة خوفاً من حساب الإمام لهم .

وهكذا فقد عزم كلّ من طلحة والزبير علي الذهاب إلي مكّة ، والإعلان عن معارضتهما لحكومة الإمام من هناك . فجاءاه وهما يضمران هذه النيّة .

٢١٠٨ ـ الجمل : فلمّا دخلا [ طلحة والزبير ] عليه قالا : يا أمير المؤمنين ! قد جئناك نستأذنك للخروج فى العمرة ، فلم يأذن لهما .

فقالا : نحن بعيدو العهد بها ، ائذن لنا فيها .

فقال لهما : والله ، ما تريدان العمرة ، ولكنّكما تريدان الغدرة ! وإنّما تريدان البصرة !

فقالا : اللهمّ غفراً ، ما نريد إلاّ العمرة .

فقال لهما  ¼ : احلفا لى بالله العظيم أنّكما لا تفسدان علىَّ اُمور المسلمين ، ولا تنكثان لى بيعة ، ولا تسعيان فى فتنة . فبذلا ألسنتهما بالأيمان الوكيدة فيما استحلفهما عليه من ذلك .

فلمّا خرجا من عنده لقيهما ابن عبّاس فقال لهما : فأَذن لكما أمير المؤمنين ؟ قالا : نعم .

فدخل علي أمير المؤمنين  ¼ فابتدأه  ¼ وقال : يابن عبّاس ، أ عندك خبر ؟

فقال : قد رأيت طلحة والزبير .

فقال له : إنّهما استأذنانى فى العمرة ، فأذنت لهما بعد أن استوثقت منهما بالأيمان أن لا يغدرا ولا ينكثا ولا يُحدثا فساداً ، والله يا بن عبّاس ما قصدا إلاّ

 ١١٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / دعوة طلحة والزبير عائشة إلي الخروج

الفتنة ، فكأنّى بهما وقد صارا إلي مكّة ليستعينا علي حربى ; فإنّ يعلي بن منية الخائن الفاجر قد حمل أموال العراق وفارس لينفق ذلك ، وسيُفسد هذان الرجلان علىَّ أمرى ، ويسفكان دماء شيعتى وأنصارى .

فقال عبد الله بن عبّاس : إذا كان عندك الأمر كذلك فَلِمَ أذنتَ لهما ؟ وهلاّ حبستهما وأوثقتهما بالحديد ، وكفيت المسلمين شرّهما !

فقال له  ¼ : يابن عبّاس ! أ تأمرنى أن أبدأ بالظلم ، وبالسيّئة قبل الحسنة ، واُعاقب علي الظنّة والتُّهمَة ، وآخذ بالفعل قبل كونه ؟ كلاّ ! والله لا عدلت عمّا أخذ الله علىَّ من الحكم بالعدل ، ولا القول بالفصل(١) .

٢١٠٩ ـ الجمل عن بكر بن عيسي : إنّ عليّاً  ¼ أخذ عليهما العهد والميثاق أعظم ما أخذه علي أحد من خلقه ألاّ يخالفا ولا ينكثا ، ولا يتوجّها وجهاً غير العمرة حتي يرجعا إليه ، فأعطياه ذلك من أنفسهما ، ثمّ أذن لهما فخرجا(٢) .

٣ / ٥

دعوة طلحة والزبير عائشة إلي الخروج (٣)

٢١١٠ ـ أنساب الأشراف عن صالح بن كيسان وأبى مخنف : قالوا : قدم طلحة


(١) الجمل : ١٦٦ وراجع الكافئة : ١٤ / ١٣ والاحتجاج : ١ / ٣٧٣ / ٦٧ ومروج الذهب : ٢ / ٣٦٦ وأنساب الأشراف : ٣ / ٢٢ والفتوح : ٢ / ٤٥١ .
(٢) الجمل : ٤٣٧ ، الكافئة : ١٥ / ١٤ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٣٢ / ١٨ .
(٣) هذا الكلام لا يعنى أنّ عائشة كانت بريئة تماماً وأنّ طلحة والزبير هما اللذان حرّضاها علي اتّخاذ ذلك الموقف . إنّ موقف عائشة أثناء العودة من مكّة وسماع خبر مقتل عثمان وخلافة الإمام  ¼ ينمّ عن أنّها كانت تبحث عن ذريعة للإعلان عن معارضتها للإمام علىّ  ¼ ، وأنّها كانت متأهّبة للإعلان عن تأييدها لأيّة حركة معارضة راجع : القسم الرابع / الثورة علي عثمان / حجّ عائشة فى حصر عثمان .

 ١١٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / دعوة طلحة والزبير عائشة إلي الخروج

والزبير علي عائشة ، فدعواها إلي الخروج ، فقالت : أ تأمرانى أن اُقاتل ؟

فقالا : لا ، ولكن تُعلمين الناس أنّ عثمان قُتل مظلوماً ، وتدعيهم إلي أن يجعلوا الأمر شوري بين المسلمين ; فيكونوا علي الحالة التى تركهم عليها عمر بن الخطّاب ، وتُصلحين بينهم(١) .

٢١١١ ـ الفتوح : خرج الزبير وطلحة إلي مكّة ، وخرج معهما عبد الله بن عامر بن كريز وهو ابن خال عثمان ، فجعل يقول لهما : أبشرا ! فقد نلتما حاجتكما ، والله لأمدّنّكما بمائة ألف سيف .

قال : وقدموا مكّة وبها يومئذ عائشة ، وحرّضوها علي الطلب بدم عثمان ، وكان معها جماعة من بنى اُميّة ، فلمّا علمت بقدوم طلحة والزبير فرحت بذلك واستبشرت ، وعزمت علي ما أرادت من أمرها(٢) .

٢١١٢ ـ الجمل : لمّا عرف طلحة والزبير من حالها [أى عائشة] وحال القوم عمِلا علي اللحاق بها والتعاضد علي شقاق أمير المؤمنين  ¼ ، فاستأذناه فى العمرة . . . وسارا إلي مكّة خالعَين الطاعة ، ومفارقَين الجماعة .

فلمّا وردا إليها فيمن تبعهما من أولادهما وخاصّتهما وخالصتهما طافا بالبيت طواف العمرة ، وسعيا بين الصفا والمروة ، وبعثا إلي عائشة عبد الله بن الزبير وقالا له : امضِ إلي خالتك ، فاهدِ إليها السلام منّا وقل لها : إنّ طلحة والزبير يُقرئانك السلام ويقولان لك : إنّ أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوماً ، وإنّ علىّ بن أبى طالب ابتزّ الناس أمرهم ، وغلبهم عليه بالسفهاء الذين تولّوا قتل عثمان ،


(١) أنساب الأشراف : ٣ / ٢٣ .
(٢) الفتوح : ٢ / ٤٥٢ .

 ١١٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / دعوة طلحة والزبير عائشة إلي الخروج

ونحن نخاف انتشار الأمر به ; فإن رأيت أن تسيرى معنا لعلّ الله يرتق بك فتق هذه الاُمّة ، ويشعب بك صدعهم ، ويلمّ بك شعثهم(١) ، ويُصلح بك اُمورهم .

فأتاها عبد الله ، فبلّغها ما أرسلاه به ، فأظهرت الامتناع من إجابتهما إلي الخروج عن مكّة ، وقالت : يا بنىّ ، لم آمر بالخروج ، لكنّى رجعت إلي مكّة لاُعلم الناس ما فُعل بعثمان إمامهم ، وأنّه أعطاهم التوبة ، فقتلوه تقيّاً نقيّاً بريّاً ، ويرون فى ذلك رأيهم ، ويُشيرون إلي من ابتزّهم أمرهم ، وغصبهم من غير مشورة من المسلمين ولا مؤامرة ، بتكبّر وتجبّر ، ويظنّ أنّ الناس يرون له حقّاً كما كانوا يرونه لغيره .

هيهات هيهات ! يظنّ ابن أبى طالب يكون فى هذا الأمر كابن أبى قحافة ، لا والله ، ومن فى الناس مثل ابن أبى قحافة ؟ تخضع إليه الرقاب ، ويُلقي إليه المَقاد ، ولِيَها والله ابن أبى قحافة فخرج منها كما دخل ، ثمّ وليها أخو بنى عدىّ ، فسلك طريقه ، ثمّ مضيا فوليها ابن عفّان ; فركبها رجل له سابقة ومصاهرة برسول الله  ½ ، وأفعال مع النبىّ  ½ مذكورة ، لا يعمل أحد من الصحابة مثل ما عمله فى ذات الله ، وكان محبّاً لقومه ، فمال بعض الميل ، فاستتبناه فتاب ثمّ قُتل ، فيحقّ للمسلمين أن يطلبوا بدمه .

فقال لها عبد الله : فإذا كان هذا قولك فى علىّ يا اُمّهْ ، ورأيك فى قاتلى عثمان ، فما الذى يُقعدكِ عن المساعدة علي جهاد علىّ بن أبى طالب وقد حضركِ من المسلمين من فيه غنيً وكفاية فيما تريدين ؟


(١) الرَّتْق : إلحام الفَتْق وإصلاحه . وشَعْبُ الصدعِ فى الإناء : إصلاحه ومُلاءمته . ويَلمُّ بك شعثهم أى : يجمع ما تفرّق منه (انظر لسان العرب : ١٠ / ١١٤ وج ١ / ٤٩٨ وج ٢ / ١٦١) .

 ١١٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / دعوة طلحة والزبير عائشة إلي الخروج

فقالت : يا بنىّ اُفكّر فيما قلت وتعود إلىّ .

فرجع عبد الله إلي طلحة والزبير بالخبر ، فقالا له : قد أجابت اُمّنا والحمد لله إلي ما نريد ، ثمّ قالا له : باكِرْها فى الغد ، فذكِّرها أمر المسلمين ، وأعلِمها أنّا قاصدان إليها لنجدّد بها عهداً ، ونحكم معها عقداً ، فباكرَها عبد الله ، وأعاد عليها بعض ما أسلفه من القول إليها ، فاجابت إلي الخروج ونادي مناديها : إنّ اُمّ المؤمنين تريد أن تخرج تطلب بدم عثمان ، فمن كان يريد أن يخرج فليتهيّأ للخروج معها .

وصار إليها طلحة ، فلمّا بصرت به قالت له : يا أبا محمّد قتلت عثمان وبايعت عليّاً ؟ فقال لها : يا اُمّهْ ، ما مثلي إلاّ كما قال الأوّل :

ندمتُ ندامة الكُسَعىّ(١) لمّارأت عيناه ما صنعت يداهُ

وجاءها الزبير فسلّم عليها ، فقالت له : يا أبا عبد الله ! شركت فى دم عثمان ، ثمّ بايعت عليّاً ، وأنت والله أحقّ منه بالأمر ؟

فقال لها الزبير : أمّا ما صنعت مع عثمان فقد ندمت منه وهربت إلي ربّى من ذنبى فى ذلك ، ولن أترك الطلب بدم عثمان . والله ما بايعت عليّاً إلاّ مكرَها ، التفّ به السفهاء من أهل مصر والعراق ، وسلّوا سيوفهم وأخافوا الناس حتي بايعوه .

وصار إلي مكّة عبد الله بن أبى ربيعة ـ وكان عامل عثمان علي صنعاء ـ فدخلها وقد انكسر فخذه ، وكان سبب ذلك ما رواه الواقدى عن رجاله : أنّه لما


(١) الكُسَعى : يُضرب به المثل فى الندامة ، وهو رجل رام رمي بعد ما أسدف الليلُ عَيْراً ، فأصابه وظنّ أنّه أخطأه ، فكسر قوسة ، وقيل : وقطع إصبَعَهُ ثمّ نَدِم من الغد حين نظر إلي العَيْر مقتولا وسهمه فيه (لسان العرب : ٨ / ٣١١) .

 ١١٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / تخطيط الناكثين للحرب

اتّصل بابن أبى ربيعة حصر الناس لعثمان أقبل سريعاً لنصرته ، فلقيه صفوان بن اُميّة ، وهو علي فرس يجرى وعبد الله بن أبى ربيعة علي بغلة ، فدنا منها الفرس ، فحادت فطرحت ابن أبى ربيعة وكسرت فخذه ، وعرف أنّ الناس قد قتلوا عثمان ، فصار إلي مكّة بعد الظهر ، فوجد عائشة يومئذ بها تدعو إلي الخروج للطلب بدم عثمان ، فأمر بسرير فوضع له سرير فى المسجد ، ثمّ حُمل ووُضع عليه وقال للناس : من خرج للطلب بدم عثمان فعلىّ جهازه ، فجهّز ناساً كثيراً ، فحملهم ولم يستطع الخروج معهم لما كان برجله(١) .

٣ / ٦

تخطيط الناكثين للحرب

إنّ شوري الناكثين جديرة بالتأمّل ، فقد اجتمعوا فى مكّة من أجل التخطيط لمواجهة أمير المؤمنين  ¼ . وجلس طلحة ، والزبير ، وعائشة ، ومروان بن الحكم ، ويعلي بن منية ، وعبد الله بن عامر ، وعبد الله بن الزبير ، ونظائرهم ليعيّنوا موضع القتال ، ويرسموا خطّة الحرب ، وأساليب المواجهة .

وكان لكلّ واحد من هؤلاء مواصفاته الخاصّة ; فطلحة والزبير كانا لاهثَين وراء السلطة ، وفى أنفسهما هوي الرئاسة والخلافة ، ومروان رجل ماكر ، مريب ، بعيد عن الدين ، وعبد الله بن عامر شخص موتور فَقَدَ سلطته بعد أن ملأ جيوبه بدنانير بيت المال ودراهمه ، وهكذا كان يعلي بن منية ; فامتزج حبّ السلطة ، ونزعة الترف ، وبلبلة الهوَس بفتنة عمياء تمخّضت عنها معركة الجمل .

واختارت هذه الشرذمة البصرة بعد مداولات كثيرة ، ذلك أنّهم من جهة لم


(١) الجمل : ٢٢٩ .

 ١٢٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / تخطيط الناكثين للحرب

يثقوا بمعاوية ; فيذهبوا إلي الشام ، ومن جهة اخري إنّهم كانوا يبتغون مدينة هى فى الوقت نفسه قاعدة عسكرية ولم تكن مدينة غير الكوفة والبصرة لها هذه الخصوصيّة ، فاختاروا البصرة لميل أهل الكوفة للإمام علىّ  ¼ ، وميل أهل البصرة إلي عثمان ، مضافاً إلي نفوذ ابن عامر فى البصرة لأنّه كان حاكماً عليها ، وهذا ما يساعدهم فى استقطاب الناس والحصول علي معلومات ضروريّة تخدم موقف الحرب .

٢١١٣ ـ الإمامة والسياسة : قال الزبير : الشام بها الرجال والأموال ، وعليها معاوية ، وهو ابن عمّ الرجل ، ومتي نجتمع يولِّنا عليه .

وقال عبد الله بن عامر : البصرة ; فإن غلبتم عليّاً فلكم الشام ، وإن غلبكم علىٌّ كان معاوية لكم جُنّة ، وهذه كتب أهل البصرة إلىّ .

فقال يعلي بن منية(١) ـ وكان داهياً ـ : أيّها الشيخان ! قدِّرا قبل أن ترحلا أنّ معاوية قد سبقكم إلي الشام وفيها الجماعة ، وأنتم تقدمون عليه غداً فى فرقة ، وهو ابن عمّ عثمان دونكم ; أ رأيتم إن دفعكم عن الشام ، أو قال : أجعلها شوري ، ما أنتم صانعون ؟ أ تقاتلونه أم تجعلونها شوري فتخرجا منها ؟ وأقبح من ذلك أن تأتيا رجلاً فى يديه أمر قد سبقكما إليه ، وتريدا أن تخرجاه منه .

فقال القوم : فإلي أين ؟

قال : إلي البصرة(٢) .


(١) فى المصدر : "منبه" وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه .
(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ٧٩ وراجع تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٥٠ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٣١٤ والبداية والنهاية : ٧ / ٢٣١ .

 ١٢١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / تخطيط الناكثين للحرب

٢١١٤ ـ الفتوح : شاوروا فى المسير فقال الزبير : عليكم بالشام ! فيها الرجال والأموال ، وبها معاوية ; وهو عدوّ لعلىّ .

فقال الوليد بن عُقْبة : لا والله ما فى أيديكم من الشام قليل ولا كثير ! وذلك أنّ عثمان بن عفّان قد كان استعان بمعاوية لينصره وقد حوصر ، فلم يفعل وتربّص حتي قُتل ، لذلك يتخلّص له الشام ، أ فتطمع أن يُسلّمها(١) إليكم ؟ مهلاً عن ذكر الشام وعليكم بغيرها(٢) .

٢١١٥ ـ تاريخ الطبرى : ثمّ ظهرا ـ يعنى طلحة والزبير ـ إلي مكّة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر وابن عامر بها يجرّ الدنيا ، وقدم يعلي بن اُميّة معه بمال كثير ، وزيادة علي أربعمائة بعير ، فاجتمعوا فى بيت عائشة ، فأرادوا الرأى ، فقالوا : نسير إلي علىّ فنقاتله .

فقال بعضهم : ليس لكم طاقة بأهل المدينة ، ولكنّا نسير حتي ندخل البصرة والكوفة ، ولطلحة بالكوفة شيعة وهوي ، وللزبير بالبصرة هوي ومعونة .

فاجتمع رأيهم علي أن يسيروا إلي البصرة وإلي الكوفة . فأعطاهم عبد الله بن عامر مالاً كثيراً وإبلاً ، فخرجوا فى سبعمائة رجل من أهل المدينة ومكّة ، ولحقهم الناس حتي كانوا ثلاثة آلاف رجل(٣) .


(١) فى المصدر : "أسلمها" ، والصحيح ما أثبتناه كما يقتضيه السياق .
(٢) الفتوح : ٢ / ٤٥٣ .
(٣) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٥٢ ، أنساب الأشراف : ٣ / ٢١ نحوه وزاد فيه "قالوا : فنسير إلي الشام فيه الرجال والأموال وأهل الشام شيعة لعثمان ، فنطلب بدمه ونجد علي ذلك أعواناً وأنصاراً ومشايعين . فقال قائل منهم : هناك معاوية وهو والى الشام والمطاع به ، ولن تنالوا ما تريدون ، وهو أولي منكم بما تحاولون لأنّه ابن عمّ الرجل" بعد "بأهل المدينة" .

 ١٢٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / تحذير اُمّ سلمة عائشة عن الخروج

٣ / ٧

تحذير اُمّ سلمة عائشة عن الخروج

٢١١٦ ـ الجمل : بلغ اُمّ سلمة اجتماع القوم وما خاضوا فيه ، فبكت حتي اخضلّ خمارها ، ثمّ دعت بثيابها ، فلبستها وتخفّرت ومشت إلي عائشة لتعِظها وتصدّها عن رأيها فى مظاهرة أمير المؤمنين  ¼ بالخلاف ، وتقعد بها عن الخروج مع القوم .

فلمّا دخلت عليها قالت : إنّكِ سُدَّة رسول الله  ½ بين اُمّته ، وحجابك مضروب علي حرمته ، وقد جمع القرآن ذيلك ; فلا تندحيه ، ومكَّنَك خُفْرَتك ; فلا تُضحيها ، الله الله من وراء هذه الآية !

قد علم رسول الله  ½ مكانك ; فلو أراد أن يعهد إليك لفعل ، بل نهاك عن الفَرْطة فى البلاد .

إنّ عمود الدين لا يقام بالنساء إن مالَ ، ولا يُرأب بهنّ إن صُدع ، حُمادَيات النساء : غضّ الأطراف ، وخفّ الأعطاف ، وقصر الوهازة ، وضمّ الذيول .

ما كنت قائلة لو أنّ رسول الله  ½ عارضك ببعض الفلوات ، ناصّة قلوصاً من منهل إلي آخر ! قد هتكت صداقته ، وتركت حرمته وعهدته ; إنّ بعين الله مهواك ، وعلي رسول الله  ½ ترِدين .

والله لو سرتُ مسيرك هذا ثمّ قيل لى : ادخلى الفردوس ، لاستحييت أن ألقي محمّداً  ½ هاتكة حجاباً قد ستره علىَّ . اجعلى حصنك بيتك ، وقاعة البيت قبرك ، حتي تلقينه ، وأنت علي ذلك أطوع ما تكونين لله لَزِمْتِهِ ، وأنصر ما تكونين للدين ما جلستِ عنه .

 ١٢٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / رسائل عائشة إلي وجوه البلاد

فقالت لها عائشة : ما أعرفنى بوعظك ، وأقبلنى لنصحك ! ولَنِعم المسير مسير فزعت إليه ، وأنا بين سائرة أو متأخّرة ، فإن أقعد فعن غير حرج ، وأن أسِر فإلي ما لابدّ من الازدياد منه(١) (٢) .

٣ / ٨

رسائل عائشة إلي وجوه البلاد

٢١١٧ ـ تاريخ الطبرى : كتبت عائشة إلي رجال من أهل البصرة ، وكتبت إلي الأحنف بن قيس ، وصبرة بن شيمان ، وأمثالهم من الوجوه ، ومضت حتي إذا كانت بالحُفَير(٣) انتظرت الجواب بالخبر(٤) .

٢١١٨ ـ الكامل فى التاريخ : كتبت عائشة إلي أهل الكوفة بما كان منهم ،


(١) قال ابن أبى الحديد : تفسير غريب هذا الخبر : السُّدّة : الباب . لا تندَحيه : أى لا تفتحيه ولا توسّعيه بالحركة والخروج . الفَرْطة فى البلاد : أى السفر والشخوص . حُمادَيات النساء : يقال : حُماداك أن تفعل كذا مثل قُصاراك ; أى جهدك وغايتك . والوهازة : الخطوة . ناصّة قلوصاً : أى رافعةً لها فى السير ، والقلوص من النوق : الشابّة . والمنهل : الماء ترده الإبل . وإنّ بعين الله مهواك : أى إنّ الله يري سيرك وحركتك . والضمير فى "لزمته" يعود إلي الأمر الذى أمرت به . وحَرَج : إثم (انظر شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢٢١ ـ ٢٢٤) .
(٢) الجمل : ٢٣٦ ، الاحتجاج : ١ / ٣٩١ / ٨٢ عن الإمام الصادق  ¼ ، معانى الأخبار : ٣٧٥ / ١ عن أبى الأخنس الأرحبى ; الإمامة والسياسة : ١ / ٧٦ ، العقد الفريد : ٣ / ٣١٦ ، شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢١٩ وفى الأربعة الأخيرة أنّها كتبت بهذا إلي عائشة وص ٢٢٠ وكلّها نحوه وراجع الاختصاص : ١١٦ وتاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨٠ .
(٣) الحُفَيْر : ماء لباهلة ، بينه وبين البصرة أربعة أميال من جهة مكّة (راجع معجم البلدان : ٢/٢٧٧) .
(٤) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٦١ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣١٦ وراجع البداية والنهاية : ٧ / ٢٣٢ .

 ١٢٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / تأهّب عائشة للخروج

وتأمرهم أن يثبّطوا الناس عن علىّ ، وتحثّهم علي طلب قتلة عثمان ، وكتبت إلي أهل اليمامة وإلي أهل المدينة بما كان منهم أيضاً(١) .

٢١١٩ ـ تاريخ الطبرى عن مجالد بن سعيد : لمّا قدمت عائشة البصرة كتبت إلي زيد بن صوحان : من عائشة بنت أبى بكر اُمّ المؤمنين حبيبة رسول الله  ½ إلي ابنها الخالص زيد بن صوحان ، أمّا بعد : فإذا أتاك كتابى هذا فأقدِم ، فانصرنا علي أمرنا هذا ; فإن لم تفعل فخذّل الناس عن علىّ .

فكتب إليها : من زيد بن صوحان إلي عائشة بنت أبى بكر الصدّيق حبيبة رسول الله  ½ ، أمّا بعد : فأنا ابنك الخالص إن اعتزلتِ هذا الأمر ، ورجعت إلي بيتك ، وإلاّ فأنا أوّل من نابذك .

قال زيد بن صوحان : رحم الله اُمّ المؤمنين ! اُمِرتْ أن تلزم بيتها ، واُمرنا أن نقاتل ، فتركتْ ما اُمرتْ به وأمرتْنا به ، وصنعت ما اُمرنا به ونهتنا عنه !(٢)

٣ / ٩

تأهّب عائشة للخروج

٢١٢٠ ـ الجمل : لمّا رأت عائشة اجتماع من اجتمع إليها بمكّة علي مخالفة أمير المؤمنين  ¼ ، والمباينة له والطاعة لها فى حربه تأهّبت للخروج .

وكانت فى كلّ يوم تقيم مناديها ينادى بالتأهّب للمسير ، وكان المنادى ينادى


(١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٢٢ وراجع تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٧٢ وفيه نصّ الكتاب والبداية والنهاية : ٧ / ٢٣٤ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٧٦ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣١٩ ، العقد الفريد : ٣ / ٣١٧ ، شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢٢٦ عن الحسن البصرى ; رجال الكشّى : ١ / ٢٨٤ / ١٢٠ ، الجمل : ٤٣١ والأربعة الأخيرة نحوه وراجع البداية والنهاية : ٧ / ٢٣٤ .

 ١٢٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / استرجاع عائشة لمّا سمعت باسم جَمَلها !

ويقول : من كان يريد المسير فليسِر ; فإنّ اُمّ المؤمنين سائرة إلي البصرة تطلب بدم عثمان بن عفّان المظلوم(١) .

٢١٢١ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد وطلحة : نادي المنادى : إنّ اُمّ المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلي البصرة ، فمن كان يريد إعزاز الإسلام ، وقتال المحلّين ، والطلب بثأر عثمان ، ومن لم يكن عنده مركب ، ولم يكن له جهاز ; فهذا جهاز ، وهذه نفقة(٢) .

٣ / ١٠

استرجاع عائشة لمّا سمعت باسم جَمَلها !

٢١٢٢ ـ شرح نهج البلاغة : لمّا عزمت عائشة علي الخروج إلي البصرة طلبوا لها بعيراً أيِّداً(٣) يحمل هودجها ، فجاءهم يعلي بن اُميّة ببعيره المسمّي عَسْكراً ; وكان عظيم الخلق شديداً ، فلمّا رأته أعجبها ، وأنشأ الجمّال يحدّثها بقوّته وشدّته ، ويقول فى أثناء كلامه : عَسْكر . فلمّا سمعت هذه اللفظة استرجعت وقالت : ردّوه لا حاجة لى فيه ، وذكرت حيث سئلت أنّ رسول الله  ½ ذكر لها هذا الاسم ، ونهاها عن ركوبه ، وأمرت أن يُطلب لها غيره ، فلم يوجد لها ما يُشبهه ، فغُيّر لها بجِلال(٤) غير جِلاله وقيل لها : قد أصبنا لك أعظم منه خَلقاً ، وأشدّ قوّة ، واُتِيتْ به فرضيتْ(٥) .


(١) الجمل : ٢٣٣ وراجع شرح الأخبار : ١ / ٤٠١ / ٣٥١ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٥١ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣١٤ .
(٣) أيِّد : أى قوىّ (النهاية : ١ / ٨٤) .
(٤) جِلال كلّ شىء : غطاؤه (لسان العرب : ١١ / ١١٨) .
(٥) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢٢٤ ; بحار الأنوار : ٣٢ / ١٣٨ / ١١٢ .

 ١٢٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / استرجاع عائشة لمّا وصلت إلي ماء الحَوْأب !

٣ / ١١

استرجاع عائشة لمّا وصلت إلي ماء الحَوْأب !

٢١٢٣ ـ تاريخ اليعقوبى : مرّ القوم فى الليل بماء يقال له : ماء الحوأب(١) ، فنبحتهم كلابه ، فقالت عائشة : ما هذا الماء ؟ قال بعضهم : ماء الحوأب .

قالت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ! ردّونى ردّونى ! هذا الماء الذى قال لى رسول الله : "لا تكونى التى تنبحك كلاب الحوأب" .

فأتاها القوم بأربعين رجلاً ، فأقسموا بالله أنّه ليس بماء الحوأب(٢) .

٢١٢٤ ـ شرح نهج البلاغة عن ابن عبّاس وعامر الشعبى وحبيب بن عمير : لمّا خرجت عائشة وطلحة والزبير من مكّة إلي البصرة ، طرقت ماء الحوأب ـ وهو ماء لبنى عامر بن صعصعة ـ فنبحتهم الكلاب ، فنفرت صعاب إبلهم .

فقال قائل منهم : لعن الله الحوأب ; فما أكثر كلابها ! فلمّا سمعت عائشة ذكر الحوأب ، قالت : أ هذا ماء الحوأب ؟ قالوا : نعم ، فقالت : ردّونى ردّونى ، فسألوها ما شأنها ؟ ما بدا لها ؟

فقالت : إنّى سمعت رسول الله  ½ يقول : "كأنّى بكلاب ماء يُدعي الحوأب ، قد نبحت بعض نسائى" ثمّ قال لى : "إيّاك يا حُميراء أن تكونيها !" .

فقال لها الزبير : مهلاً يرحمكِ الله ; فإنّا قد جزنا ماء الحوأب بفراسخ كثيرة . فقالت : أ عندك من يشهد بأنّ هذه الكلاب النابحة ليست علي ماء الحوأب ؟


(١) الحَوْأَب : موضع فى طريق البصرة من جهة مكّة ، وقيل : موضع بئر نبحت كلابه علي عائشة عند مقبلها إلي البصرة (معجم البلدان : ٢/٣١٤) .
(٢) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨١ .

 ١٢٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / استرجاع عائشة لمّا وصلت إلي ماء الحَوْأب !

فلفّق لها الزبير وطلحة خمسين أعرابيّاً جعلا لهم جُعلاً ، فحلفوا لها ، وشهدوا أنّ هذا الماء ليس بماء الحوأب ، فكانت هذه أوّل شهادة زور فى الإسلام !

فسارت عائشة لوجهها(١) .

٢١٢٥ ـ الجمل عن العرنى ـ دليل أصحاب الجمل ـ : سرت معهم فلا أمرّ علي واد ولا ماء إلاّ سألونى عنه ، حتي طرقنا ماءَ الحوأب ، فنبحتنا كلابها ، قالوا : أىّ ماء هذا ؟ قلت : ماء الحوأب .

قال : فصرخت عائشة بأعلي صوتها ، ثمّ ضربت عضد بعيرها فأناخته ، ثمّ قالت : أنا والله صاحبة كلاب الحوأب طروقاً ، ردّونى ! تقول ذلك ثلاثاً ، فأناخت وأناخوا حولها وهم علي ذلك ، وهى تأبي ، حتي كانت الساعة التى أناخوا فيها من الغد .

قال : فجاءها ابن الزبير فقال : النجاءَ النجاءَ(٢) ! ! فقد أدرككم والله علىُّ بن أبى طالب ! قال : فارتحلوا وشتمونى ، فانصرفتُ(٣) .

٢١٢٦ ـ رسول الله  ½ ـ لنسائه ـ : ليت شِعرى أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب(٤) ، التى تنبحها كلاب الحوأب ، فيُقتل عن يمينها وعن يسارها قتلي كثيرة ، ثمّ تنجو


(١) شرح نهج البلاغة : ٩ / ٣١٠ ، مروج الذهب : ٢ / ٣٦٦ ، الإمامة والسياسة : ١ / ٨٢ ، الفتوح : ٢ / ٤٥٧ كلّها نحوه وراجع المناقب للخوارزمى : ١٨١ / ٢١٧ .
(٢) أى أنجو بأنفسكم (النهاية : ٥ / ٢٥) .
(٣) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٥٧ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣١٥ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٣١ كلاهما نحوه .
(٤) أراد الأدبّ ، فأظهر الادغام لأجل الحَوْأب . والأدب : الكثير وبَرِ الوجه (النهاية : ٢ / ٩٦) .

 ١٢٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / استرجاع عائشة لمّا وصلت إلي ماء الحَوْأب !

بعدما كادت ؟ !(١)

٢١٢٧ ـ المستدرك علي الصحيحين عن اُمّ سلمة : ذكر النبىّ  ½ خروج بعض اُمّهات المؤمنين ، فضحكت عائشة ، فقال : انظرى يا حُميراء أن لا تكونى أنتِ .

ثمّ التفت إلي علىّ فقال : إن وليتَ من أمرها شيئاً فارفق بها(٢) .

تعليق :

قال ناصر الدين الألبانى فى كتاب سلسلة الأحاديث الصحيحة ـ بعد ذكر حديث كلاب الحوأب ـ : إنّ الحديث صحيح الإسناد ، ولا إشكال فى متنه . . . فإنّ غاية ما فيه أنّ عائشة لمّا علمت بالحوأب كان عليها أن ترجع ، والحديث يدلّ أنّها لم ترجع ! وهذا ممّا لا يليق أن يُنسب لاُمّ المؤمنين .

وجوابنا علي ذلك : أنّه ليس كلّ ما يقع من الكُمّل يكون لائقاً بهم ; إذ لا عصمة إلاّ لله وحده . والسنّى لا ينبغى له أن يغالى فيمن يحترمه حتي يرفعه إلي مصافّ


(١) معانى الأخبار: ٣٠٥/١ ، الجمل: ٤٣٢ ، شرح الأخبار : ١/٣٣٨/٣٠٤ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣/١٤٩ ، تنبيه الخواطر : ١/٢٢ وليس فيه "فيُقتل عن يمينها . . ." ; مجمع الزوائد : ٧/٤٧٤/١٢٠٢٦ ، شرح نهج البلاغة : ٩ / ٣١١ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٤٩٠ ، الاستيعاب : ٤ / ٤٣٩ / ٣٤٦٣ كلاهما نحوه ، البداية والنهاية : ٦ / ٢١٢ وراجع مسند ابن حنبل : ٩ / ٣١٠ / ٢٤٣٠٨ والمستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٣٠ / ٦٤١٣ وصحيح ابن حبّان : ١٥ / ١٢٦ / ٦٧٣٢ والمصنّف لابن أبى شيبة : ٨ / ٧٠٨ / ١٥ والمصنّف لعبد الرزّاق : ١١ / ٣٦٥ / ٢٠٧٥٣ ومسند أبى يعلي : ٤ / ٤٢٣ / ٤٨٤٨ وفتح البارى : ١٣ / ٥٥ وفيه "سنده علي شرط الصحيح" .
(٢) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٢٩ / ٤٦١٠ ، دلائل النبوّة للبيهقى : ٦ / ٤١١ ، البداية والنهاية : ٦ / ٢١٢ ، المحاسن والمساوئ : ٤٩ ، المناقب للخوارزمى : ١٧٦ / ٢١٣ ; الجمل : ٤٣١ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ١٤٨ والأربعة الأخيرة عن سالم بن أبى الجعد ، شرح الأخبار : ١ / ٣٣٨ / ٣٠٥ نحوه .

 ١٢٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / مناقشات عائشة وسعيد

الأئمّة الشيعة المعصومين ! ولا نشكّ أنّ خروج اُمّ المؤمنين كان خطأً من أصله ، ولذلك همّت بالرجوع حين علمت بتحقّق نبوءة النبىّ  ½ عند الحوأب ، ولكنّ الزبير أقنعها بترك الرجوع بقوله : عسي الله أن يُصلح بكِ بين الناس . ولا نشكّ أنّه كان مخطئاً فى ذلك أيضاً .

والعقل يقطع بأنّه لا مناص من القول بتخطئة إحدي الطائفتين المتقاتلتين اللتين وقع فيهما مئات القتلي ، ولا شكّ أنّ عائشة هى المخطئة لأسباب كثيرة وأدلّة واضحة ، ومنها : ندمها علي خروجها ، وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها ، وذلك ممّا يدلّ علي أنّ خطأها من الخطأ المغفور ، بل المأجور ! !(١)

أقول : إنّنا نقلنا هذا الكلام للاستدلال علي اتّفاق الشيعة والسنّة علي خطأ عائشة فى إشعال معركة الجمل ، بحيث أنّ شخصاً مثل الألبانى قبل بهذا الأمر وسلّم به ! ولا يخفي ما فى توجيهاته لهذا الخطأ من قبل عائشة .

٣ / ١٢

مناقشات عائشة وسعيد

٢١٢٨ ـ الإمامة والسياسة : لمّا نزل طلحة والزبير وعائشة بأوطاس من أرض خيبر ، أقبل عليهم سعيد بن العاصى علي نجيب(٢) له ، فأشرف علي الناس ومعه المغيرة بن شعبة ، فنزل وتوكّأ علي قوس له سوداء ، فأتي عائشة .

فقال لها : أين تريدين يا اُمّ المؤمنين ؟ قالت : اُريد البصرة .

قال : وما تصنعين بالبصرة ؟ قالت : أطلب بدم عثمان .


(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة : ١ / ٧٧٥ .
(٢) النجيب من الإبل : القوىّ منها ، الخفيف السريع (النهاية : ٥ / ١٧) .

 ١٣٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل الثالث : تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / مناقشات عائشة وسعيد

قال : فهؤلاء قتلة عثمان معك !

ثمّ أقبل علي مروان فقال له : وأنت أين تُريد أيضاً ؟ قال : البصرة .

قال : وما تصنع بها ؟ قال : أطلب قتلة عثمان .

قال : فهؤلاء قتلة عثمان معك !إنّ هذين الرجلين قتلا عثمان "طلحة والزبير" ، وهما يُريدان الأمر لأنفسهما ، فلمّا غلبا عليه قالا : نغسل الدم بالدم ، والحوبة بالتوبة .

ثمّ قال المغيرة بن شعبة : أيّها الناس ! إن كنتم إنّما خرجتم مع اُمّكم ; فارجعوا بها خيراً لكم ، وإن كنتم غضبتم لعثمان ; فرؤساؤكم قتلوا عثمان ، وإن كنتم نقمتم علي علىّ شيئاً ; فبيّنوا ما نقمتم عليه ، أنشدكم الله فتنتَين فى عام واحد .

فأبوا إلاّ أن يمضوا بالناس ، فلحق سعيد بن العاصى باليمن ، ولحق المغيرة بالطائف ، فلم يشهدا شيئاً من حروب الجمل ولا صفّين(١) .


(١) الإمامة والسياسة : ١ / ٨٢ وراجع الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣١٥ .